موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

كتاب الحجّ

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

تصدير

______________________________________________________

لم يكن بمقدوري يوم قدر لي أن أُقدِّم كتابنا (معتمد العروة الوثقى) إلى الطبع من إصدار البحوث فيما يتعلّق بالحج كاملة في جزء واحد نظراً لسعة الموضوع وكثرة مسائله.

إنّ هذه الكثرة وهذه التوسعة في مسائل الحج هي التي كانت مثار عجب واحد من كبار الرواة المختصّين بالإمام الصّادق (عليه السلام) وهو زرارة حيث تصدّى للسؤال منه عن ذلك.

فقال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : جعلني الله فداك أسألك في الحج منذ أربعين عاما فتفتيني ، فأجابه الإمام بما يزيل عنه هذه الحيرة قائلاً :

«يا زرارة بيت حجّ إليه قبل آدم بألفي عام تريد أن تفنى مسائله في أربعين عاما» (١).

لذلك كان لا بدّ لي من ترتيب الكتاب على الإخراج بأجزاء ثلاثة ، وقد وفّقني الله سبحانه لإصدار الجزء الأوّل منها مشتملاً على البحث من أوّل الحج إلى آخر البحث عن الحج الواجب بالنذر ، ومرّة اخرى حالفني التوفيق والحمد لله لإصدار هذا الجزء الثاني والّذي يبدأ من «البحث في النيابة بالحج».

وإلى الله أضرع أن يشملني بعنايته لإصدار البحوث لإكمال الفائدة وتقديم ما يجب تقديمه إلى الجامعة العلميّة المقدّسة.

انّه سميع مجيب ، وهو وليّ التوفيق.

رضا الموسوي الخلخالي

النجف الأشرف ٦ شهر رمضان المبارك سنة ١٤٠٥ هـ

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٢ / أبواب وجوب الحج ب ١ ح ١٢.

٢

فصل

في النيابة

لا إشكال في صحّة النيابة عن الميت في الحج الواجب والمندوب ، وعن الحي في المندوب مطلقاً وفي الواجب في بعض الصور (١).

[٣١٤٢] مسألة ١ : يشترط في النائب أُمور :

أحدها : البلوغ على المشهور ،

______________________________________________________

(١) لا ريب في جواز الاستنابة ومشروعيتها في الحج المندوب عن المسلم ميتاً كان أو حيّاً ، وقد استفاضت النصوص في ذلك ، وهي مذكورة في باب النيابة من الحج في أبواب متفرِّقة ، كما لا إشكال في ثبوت النيابة في الواجب الأصلي عن الميت بل في المنذور على ما تقدّم وإخراجه من الثلث ، وأمّا النيابة عن الحي مع تمكّنه من أداء الواجب فلا دليل عليها بل هي على خلاف القاعدة ، لأنّ مقتضاها عدم سقوط ما وجب على شخص بفعل شخص آخر ، وإنّما تفرغ ذمّته عن الواجب إذا أتى به بنفسه فسقوطه بفعل الغير يحتاج إلى الدليل ، وقد قام الدليل في خصوص النيابة عن الحي العاجز وقد تقدّم الكلام فيه (١) ، فيقع الكلام تارة في النائب وأُخرى في المنوب عنه وسنتعرّض لهما تبعاً للمتن.

__________________

(١) في المسألة ٧٢ من شرائط وجوب الحج.

٣

فلا يصحّ نيابة الصبي عندهم وإن كان مميِّزاً (١) ، وهو الأحوط ، لا لما قيل من عدم صحّة عباداته لكونها تمرينيّة ، لأنّ الأقوى كونها شرعيّة ، ولا لعدم الوثوق به

______________________________________________________

(١) أمّا النائب فقد اعتبروا فيه أُموراً وهي أوّلاً : البلوغ. ويقع الكلام تارة في غير المميِّز وأُخرى في المميِّز.

أمّا غير المميز فلا ريب في عدم صحّة نيابته لعدم تحقّق القصد منه في أفعاله وأعماله ، وحاله من هذه الجهة كالحيوانات.

وأمّا الصبي المميِّز فالمشهور عدم صحّة نيابته ، واستدلّوا بأمرين :

الأوّل : عدم صحّة عبادته وعدم مشروعيتها ، وبتعبير آخر : عباداته ليست عبادة في الحقيقة لتقع عن الغير وإنما هي تمرينية.

وفيه : ما ذكرناه غير مرّة من أن عبادة الصبي مشروعة ، ولا فرق بينها وبين عبادة البالغين إلّا بالوجوب وعدمه.

الثاني : عدم الوثوق بعمله لعدم الرادع له من جهة عدم تكليفه.

وفيه : أن بين الوثوق والبلوغ عموماً من وجه ، وغير البالغ كالبالغ في حصول الوثوق به وعدمه فالدليل أخصّ من المدعى ، فلا فرق بين البالغ وغيره من هذه الجهة ، ولذا لا ينبغي الرّيب في استحباب نيابة الصبي في الحج كما يستحب لغيره من البالغين ، نعم لو كانت النيابة بالإجارة فحينئذ تتوقّف على إذن الولي من باب توقّف معاملاته على إذنه وعدم استقلاله فيها.

ويظهر من المصنف (قدس سره) توقف صحّة حجّه على إذن الولي مطلقاً ، سواء كان عن إجارة أو تبرّع ، وليس الأمر كذلك ، لأنّ المتوقف على إذن الولي إنما هو معاملاته من العقود والإيقاعات لا عباداته وسائر أفعاله غير العقود والإيقاعات.

والصحيح أن يقال : إن نيابة الصبي في الحج الواجب بحيث توجب سقوط الواجب عن ذمّة المنوب عنه غير ثابتة ، وتحتاج إلى الدليل ولا دليل ، بل مقتضى القاعدة اشتغال ذمّة المنوب عنه بالواجب وعدم سقوطه عنه بفعل الصبي وإن كانت عباداته شرعيّة ، فإن عدم فراغ ذمّة المنوب عنه لا ينافي شرعية عبادات الصبي ، إذ لا ملازمة

٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بين شرعيّة عباداته وسقوط الوجوب عن ذمّة المنوب عنه.

والحاصل : مقتضى الأصل عدم فراغ ذمّة المنوب عنه بفعل الغير إلّا إذا ثبت بالدليل ، ولا دليل على تفريغ ذمّة المكلف بفعل الصبي وإن كان فعله صحيحاً في نفسه ، نظير ما ذكرناه في صلاة الصبي على الميت فإنّها لا توجب سقوط الصلاة عن المكلّفين ، فلا بدّ من النظر إلى الأدلّة والروايات الواردة في باب النيابة ، فقد ورد في جملة منها لفظ «الرجل» (١) وهو غير شامل للصبي ، ولذا استشكلنا في نيابة المرأة عن الرجل الحي ، ودعوى أن ذكر الرجل من باب المثال عهدتها على مدّعيها.

وأمّا في النيابة عن الأموات فقد وردت نيابة المرأة عن الرجل وبالعكس ، وكذا نيابة المرأة عن المرأة كما في صحيح حكم بن حكيم ، قال (عليه السلام) : «يحج الرّجل عن المرأة والمرأة عن الرجل والمرأة عن المرأة» (٢) وأمّا الرجل عن الرجل فلم يذكر فيه لوضوحه ، فيعلم من هذه الرواية من جهة استقصاء موارد النيابة فيها أن النيابة تنحصر في هذه الموارد ، فكأن المغروس في ذهن السائل شبهة وهي احتمال اتحاد الجنس بين النائب والمنوب عنه ، ولذا حكم (عليه السلام) بجواز النيابة في هذه الموارد المشتبهة المحتملة عند السائل ، وحيث إنه (عليه السلام) في مقام البيان تنحصر موارد جواز النيابة في الموارد المذكورة ، ولم يذكر الصبي في الرواية ، وأمّا نيابة المرأة عن الرجل الحي فلا نلتزم بها أيضاً للروايات الدالّة على أنّ الحي يبعث رجلاً صرورة إلى الحج (٣).

والحاصل : أنّ النيابة على خلاف القاعدة والاكتفاء بفعل النائب على خلاف الأصل فلا بدّ من الاقتصار على مقدار ما دلّ الدليل عليه وفي غيره فالمرجع هو الأصل ، ولم يقم أي دليل على جواز نيابة الصبي والاكتفاء بفعله في الواجبات الثابتة على ذمّة الغير.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٧٦ / أبواب النيابة ب ٨ ، ١٠ ، ١١.

(٢) الوسائل ١١ : ١٧٧ / أبواب النيابة ب ٨ ح ٦.

(٣) الوسائل ١١ : ٦٣ / أبواب وجوب الحج ب ٢٤.

٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا عبادات الصبي نفسه فتارة في مورد الواجبات وأُخرى في مورد المستحبّات أمّا في مورد الواجبات فشرعيتها بالنسبة إليه في خصوص الصلاة والصوم والحج ثابتة ، للنصوص الخاصّة كقولهم (عليهم السلام) : «إنا نأمر صبياننا بالصّلاة فمروا صبيانكم بالصّلاة» (١) وذكرنا في محله أن الأمر بالأمر بشي‌ء أمر بذلك الشي‌ء (٢). ونحوه ورد في الصوم «فمروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بالصوم» كما في صحيح الحلبي (٣) وكذلك الروايات الآمرة بإحجاج الصبيان (٤).

وأمّا في موارد المستحبات كصلاة الليل وصلاة جعفر وغيرهما من المستحبات فشرعيّتها للصبيان لا تحتاج إلى دليل خاص ، بل يكفي نفس إطلاق أدلّة المستحبات فإنه يشمل البالغين وغيرهم ، ومن ذلك إطلاق استحباب النيابة فإنه يشمل الصبي أيضاً ، فإن النيابة عن الغير في نفسها مستحبة كما في جملة من الأخبار (٥).

بل ربّما يقال بأن إطلاق أدلّة الواجبات يشمل الصبيان نظير إطلاق أدلّة المستحبات ، غاية الأمر يرتفع الوجوب لحديث رفع القلم (٦) ويبقى أصل المطلوبية والرجحان ، ويرد بأن الوجوب أمر وحداني بسيط إذا ارتفع يرتفع من أصله ، وليس أمراً مركّباً ليرتفع أحد جزئية بحديث رفع القلم ويبقى الآخر.

ثمّ إنه قد ورد في خصوص نيابة الحج عن الميت ما يشمل بإطلاقه الصبي كما في معتبرة معاوية بن عمّار «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : ما يلحق الرّجل بعد موته فقال ... والولد الطيب يدعو لوالديه بعد موتهما ويحجّ ويتصدّق ويعتق عنهما ويصلِّي ويصوم عنهما» (٧) فإن الولد يشمل غير البالغ أيضاً.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢٣ / أبواب أعداد الفرائض ب ٣ ح ٥ وغيره.

(٢) محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ٧٦.

(٣) الوسائل ١٠ : ٢٣٤ / أبواب من يصح منه الصوم ب ٢٩ ح ٣ وغيره.

(٤) الوسائل ١١ : ٢٨٦ / أبواب أقسام الحج ب ١٧.

(٥) الوسائل ١١ : ١٩٦ / أبواب النيابة في الحج ب ٢٥.

(٦) الوسائل ١ : ٤٥ / أبواب مقدّمة العبادات ب ٤ ح ١١ ، ١٢.

(٧) الوسائل ٢ : ٤٤٥ / أبواب الاحتضار ب ٢٨ ح ٦.

٦

لعدم الرّادع له من جهة عدم تكليفه ، لأنه أخص من المدعى بل لأصالة عدم فراغ ذمّة المنوب عنه بعد دعوى انصراف الأدلّة ، خصوصاً مع اشتمال جملة من الأخبار على لفظ الرّجل ولا فرق بين أن يكون حجّة بالإجارة أو بالتبرّع بإذن الولي أو عدمه وإن كان لا يبعد دعوى صحّة نيابته في الحج المندوب بإذن الولي.

الثاني : العقل ، فلا تصح نيابة المجنون الذي لا يتحقق منه القصد ، مطبقاً كان جنونه أو أدوارياً في دور جنونه (١) ، ولا بأس بنيابة السفيه.

______________________________________________________

وأمّا نيابته عن الحي فيدلّ عليها بالخصوص رواية يحيى الأزرق ، قال (عليه السلام) : «من حج عن إنسان اشتركا» (١) فإن إطلاق قوله «من حج» يشمل الصبي والظاهر من قوله «عن إنسان» هو الحي ، والمستفاد من الرواية أن كل من ناب عن إنسان حي سواء كان النائب بالغاً أو غيره اشترك في الثواب والأجر ، ولكن الكلام في سند هذه الرواية ، فإن يحيى الأزرق مردد بين يحيى بن عبد الرحمن الثقة الذي هو من مشاهير الرواة وله كتاب وبين يحيى بن حسان الكوفي الأزرق الذي لم يوثق.

وربّما يقال : إن يحيى الأزرق المذكور في أسانيد الفقيه منصرف إلى يحيى بن عبد الرحمن لشهرته ، ويبعّده أن الشيخ ذكر يحيى الأزرق مستقلا في قبال يحيى بن عبد الرحمن ويحيى بن حسان (٢) فيعلم من ذلك أنه شخص ثالث لم يوثق ، ولا قرينة على انصرافه إلى يحيى بن عبد الرحمن الثقة فالرواية ضعيفة ، ولكن يكفينا في صحّة نيابة الصبي عن الحي في المستحبات إطلاق أدلّة النيابة (٣).

(١) فإنه كالحيوان من هذه الجهة ، وأمّا نيابة السفيه فلا إشكال فيها لإطلاق الأدلّة وتحقق القصد منه ، والحجر عليه في أمواله وتصرفاته المالية لا يمنع عن الأخذ بالإطلاق لعدم المنافاة بينهما.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٩٣ / أبواب النيابة في الحج ب ٢١ ح ٢.

(٢) رجال الطوسي : ٣٢٢ / ٤٨١٣.

(٣) الوسائل ١١ : ١٩٦ / أبواب النيابة في الحج ب ٢٥.

٧

الثالث : الإيمان ، لعدم صحّة عمل غير المؤمن وإن كان معتقداً بوجوبه وحصل منه نيّة القربة ، ودعوى أن ذلك في العمل لنفسه دون غيره كما ترى (١).

______________________________________________________

(١) إذا كان عمل غير المؤمن فاقداً لجزء أو شرط من الأجزاء والشرائط المعتبرة عندنا فلا كلام في عدم الإجزاء ، لأنّ العمل الباطل في حكم العدم ، وإنما يقال بإجزاء عمل النائب عن المنوب عنه فيما إذا كان العمل في نفسه صحيحاً ، وإلّا فلا ريب في عدم الاجتزاء به وإن كان النائب مؤمناً ، ولعلّ الوجه في عدم تعرض الأكثر لذكر الشرط المذكور هو بطلان عمل المخالف في نفسه ، ومورد النيابة هو العمل الصحيح فلا يستفاد من عدم تعرّضهم لهذا الشرط عدم اعتبار الإيمان في النائب كما توهّم.

وأمّا إذا فرضنا أنّه أتى بعمل صحيح في نفسه واجد لجميع الشرائط والأجزاء المعتبرة عندنا وتمشى منه قصد القربة ، كما إذا رأى المخالف صحّة العمل بمذهب الحق وإن كان ذلك بعيداً جدّاً خصوصاً في أعمال الحج المشتمل على أحكام كثيرة ، إذ لا أقل من بطلان وضوئه فلا تصحّ نيابته أيضاً للأخبار الكثيرة الدالّة على اعتبار الإيمان والولاية في قبول الأعمال وصحّتها وبطلان العبادة بدون الولاية (١).

ودعوى أن الأخبار ناظرة إلى أعمال نفسه ومنصرفة عن العمل عن الغير على وجه النيابة ، ممنوعة بما ذكرنا غير مرّة أن النائب يتقرّب بالأمر المتوجه إلى نفسه فهو مأمور بالعمل لأجل تفريغ ذمّة الغير.

وبعبارة اخرى : العمل الصادر من النائب يوجب فراغ ذمّة المنوب عنه ، فإذا فرضنا أن عمله غير مقبول فكيف يوجب سقوط الأمر عن الغير ، فإن السقوط عن ذمّته في طول الأمر المتعلِّق بالنائب ، فلا بدّ أن يكون الأمر المتعلِّق أمراً قربياً ومقبولاً في نفسه وإلّا فلا يوجب فراغ ذمّة المنوب عنه لعدم تحقق موضوعه.

والحاصل : أن مقتضى القاعدة الأولية عدم سقوط الواجب عن ذمّة المكلف إلّا

__________________

(١) الوسائل ١ : ١١٨ / أبواب مقدّمة العبادات ب ٢٩ ، جامع أحاديث الشيعة ١ : ٤٢٦ أبواب مقدّمة العبادات ب ١٩ ، المستدرك ١ : ١٤٩ / أبواب مقدّمة العبادات ب ٢٧.

٨

الرابع : العدالة أو الوثوق بصحّة عمله (*) ، وهذا الشرط إنّما يعتبر في جواز الاستنابة لا في صحّة عمله (١).

______________________________________________________

بمباشرته ، وإنما يسقط عن ذمّته في بعض الأحيان بإتيان العمل من شخص آخر كالنائب للنصوص ، وموضوع ذلك إنّما هو العمل القربي الصادر عن النائب ، وإلّا فلا موجب لسقوط الواجب عن ذمّة المكلف.

هذا وقد يستدل لاعتبار الإيمان في النائب بما رواه السيّد ابن طاوس عن عمّار «في الرجل يكون عليه صلاة أو صوم هل يجوز له أن يقضيه غير عارف؟ قال (عليه السلام) : لا يقضيه إلّا مسلم عارف» (١) ولكن الرواية ضعيفة لا للجهل بالوسائط بين السيّد وعمّار ، لأنّ السيّد لم يرو هذه الرواية عن عمّار ابتداء ليقال بجهل الوسائط بينه وبين عمّار ، وإنّما يرويها عن كتب الشيخ وطريقه إلى كتبه صحيح ، كما أن طريق الشيخ إلى عمّار صحيح أيضاً (٢) بل منشأ الضعف أن هذه الرواية غير مذكورة في كتب الشيخ ، فطريق السيّد إلى الشيخ في خصوص هذه الرواية غير معلوم فتصبح الرواية ضعيفة لأجل ذلك.

(١) لا يخفى أن هذا الشرط كما ذكره المصنف إنما يعتبر في جواز الاستنابة وصحّة إجارته لا في صحّة عمله ، إذ لا ريب في الاجتزاء والاكتفاء بعمل النائب إذا أتى به صحيحاً ولو كان فاسقاً ، فالظاهر هو اعتبار الوثوق بصدور العمل منه ، وتكفي في إحراز الصحّة أصالة الصحّة ولا يلزم إحرازها بالوثوق أو بأمارة اخرى. وبالجملة : لو أحرزنا صدور العمل منه أو حصل لنا الوثوق بصدوره منه وشك في صحّته وفساده يجتزئ به لأصالة الصحّة ، فالوثوق إنما يعتبر في صدور العمل منه.

وهل يكتفى بقوله أم لا؟ وجهان. قد يقال بحجية قوله للسيرة على قبول خبر النائب في أداء العمل ، ويضعّف بأنه لا يعلم جريان سيرة المتشرعة على ذلك بحيث

__________________

(١) تكفي في إحراز الصحّة أصالة الصحّة بعد إحراز عمل الأجير.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٧٧ / أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ٥.

(٣) راجع الفهرست : ١٤٣.

٩

الخامس : معرفته بأفعال الحج وأحكامه وإن كان بإرشاد معلم حال كلّ عمل (١).

السادس : عدم اشتغال ذمّته بحج واجب عليه في ذلك العام ، فلا تصحّ نيابة من وجب عليه حجّة الإسلام أو النذر المضيّق مع تمكّنه من إتيانه ، وأمّا مع عدم تمكّنه لعدم المال فلا بأس (٢) ،

______________________________________________________

يسمع إخبار النائب وإن لم يتحقق الوثوق بصدقه ، وأمّا قاعدة من ملك المستفادة من السيرة فإنما تجري في الأُمور الاعتبارية لا في الأُمور التكوينية الخارجية ، نظير إخبار الزوج بطلاق زوجته أو بعتق عبده أو ببيع داره ونحو ذلك من الأُمور الاعتبارية فلا يطالب بالبيِّنة كما لا يعتبر الوثوق بكلامه ولا العدالة ، وأمّا الأُمور التكوينية الخارجية فلا تثبت بمجرّد إخبار من بيده الأمر كإخبار النائب بإتيان العمل بل لا بدّ من الإثبات ، ويكفي حصول الوثوق بصدور العمل منه ، وحينئذ لو شك في أنّه هل أتى به صحيحاً أم لا ، يحمل على الصحّة لأصالة الصحّة.

(١) يقع الكلام تارة في عمل النائب وأُخرى في الاستئجار والنيابة.

أمّا الأوّل : إذا ناب عن الغير تبرعاً وكان جاهلاً بالأحكام ولكن نفرض أنّه يتعلّم من مرشد أثناء العمل تدريجاً فلا ريب في صحّة عمله ، كما إذا أتى بالحج عن نفسه بإرشاد عارف بالأحكام تدريجاً وتعليم منه. والحاصل : إذا كان العامل جاهلاً بالأفعال والأحكام ونوى العمل إجمالاً على ما هو عليه وشرع فيه ولكن في الأثناء يتعلم من المرشد تدريجاً ، فلا ريب في صحّة عمله سواء كان العمل لنفسه أو عن الغير لعدم نقص في عمله ، ولا موجب للبطلان بعد كونه واجداً لجميع ما يعتبر فيه.

وأمّا الثاني : فالظاهر عدم صحّة إجارته واستنابته للجهل بمتعلق الإجارة ، لأنّ المفروض أنه يؤجر نفسه للحج وهو جاهل به فتكون الإجارة غررية ، فلا بدّ أن يكون عارفاً وعالماً بمقدار يخرجه عن الغرر كما هو الحال في إجارة سائر الأعمال والأفعال.

(٢) هذا الشرط أيضاً لصحّة الاستنابة والإجارة لا لصحّة الحج الصادر منه ، فيقع

١٠

فلو حجّ عن غيره مع تمكّنه من الحج لنفسه بطل على المشهور ، لكن الأقوى أن هذا الشرط إنّما هو لصحّة الاستنابة والإجارة وإلّا فالحج صحيح وإن لم يستحق الأُجرة (*) ، وتبرأ ذمّة المنوب عنه على ما هو الأقوى من عدم كون الأمر بالشي‌ء نهياً عن ضدّه ، مع أن ذلك على القول به وإيجابه للبطلان إنّما يتمّ مع العلم والعمد وأمّا مع الجهل (**) والغفلة فلا ، بل الظاهر صحّة الإجارة أيضاً على هذا التقدير ، لأنّ البطلان إنما هو من جهة عدم القدرة الشرعيّة على العمل المستأجر عليه حيث إنّ المانع الشرعي كالمانع العقلي ، ومع الجهل أو الغفلة لا مانع لأنّه قادر شرعاً.

______________________________________________________

الكلام في مقامين :

أحدهما : في صحّة العمل والحج الواقع منه.

ثانيهما : في صحّة الإجارة.

أمّا الأوّل : فالحج الصادر منه صحيح ، لأنّ هذه المسألة من صغريات باب التزاحم للتضاد بين الحجّين ، الحج الثابت في ذمّته والحج النيابي ، ولا يمكن الجمع بينهما في سنة واحدة ، وحيث إنه يجوز الأمر بالضدّين على نحو الترتب ، بمعنى أنه يؤمر أوّلاً بالحج عن نفسه وعلى تقدير الترك أو العصيان يؤمر ثانياً بالحج عن الغير فيحكم بصحّة الحج الصادر منه على وجه النيابة بالأمر الترتبي.

وأمّا المقام الثاني : فالظاهر بطلان إجارته ولا يمكن تصحيحها بالترتّب ، لأنّ متعلق الإجارة إن كان مطلقاً فالحكم بصحّتها ووجوب الوفاء بها يستلزم الأمر بالضدّين ، إذ المفروض أن الأمر بالحج عن نفسه مطلق ومتحقق بالفعل ، كما أن الأمر الإجاري على الفرض مطلق فإمضاؤه شرعاً يستلزم الأمر باجتماع الضدّين ، وأمّا إمضاؤه معلقاً على ترك الحج عن نفسه فهو وإن كان ممكناً إلّا أنه لم ينشأ ، فما أُنشئ غير قابل للإمضاء وما هو قابل له لم ينشأ ، وإن كان متعلِّق الإجارة مقيّداً ومعلقاً

__________________

(*) أي الأُجرة المسماة ، وإلّا فهو يستحق اجرة المثل على الآمر إن لم يكن متبرعاً بعمله.

(**) إذا لم يكن عن تقصير كما تقدّم.

١١

[٣١٤٣] مسألة ٢ : لا يشترط في النائب الحرية ، فتصحّ نيابة المملوك بإذن مولاه ولا تصحّ استنابته بدونه ، ولو حج بدون إذنه بطل (١).

______________________________________________________

على ترك الحج عن نفسه فيبطل عقد الإجارة للتعليق المجمع على بطلانه ، وعليه فلا يستحق النائب اجرة المسمّى ، نعم لا ريب في استحقاقه اجرة المثل بناء على القاعدة المعروفة كلّ شي‌ء يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

ثمّ إنّ بطلان الحج النيابي على القول به لا بدّ من تخصيصه بحال العلم والعمد ، أعني فيما إذا كان الأمر بحج الإسلام منجزاً ، كما إذا كان عالماً بوجوب الحج وكان له مال يتمكّن معه من الحج ويتركه ، أو كان جاهلاً به جهلاً غير عذري ، وأمّا إذا كان معذوراً فلا مانع من الأمر بالضدّ الآخر ، فإن الأمر الواقعي غير منجز والمانع إنّما هو الأمر المنجز ، وكذا لو لم يتمكّن من الحج عن نفسه أصلاً ، فإنّ مجرّد اشتغال الذمّة واقعاً غير مانع عن الأمر بالضد الآخر.

وأظهر من ذلك مورد الغفلة الذي يوجب سقوط الأمر بالأهم بالمرّة ، إذ لا مانع من فعلية الأمر بالضد الآخر حينئذ.

وبذلك يظهر الحال في صحّة الاستئجار مع عدم تنجز وجوب الحج عليه ولو من جهة الجهل إذا كان معذوراً ، وقد تقدّم الكلام في هذه المسألة مفصلاً في المسألة العاشرة بعد المائة من شرائط وجوب الحج (١).

(١) لا تعتبر الحرية في النائب بعد كونه مؤمناً عارفاً بالحق ، لإطلاق الأدلّة والعبودية غير مانعة ، نعم تحتاج نيابته إلى إذن المولى ولا تصح بدونه للحجر عليه المستفاد من قوله تعالى (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ) (٢) وكذلك استئجاره ، نعم لا بأس بالإجازة اللاحقة كما هو الحال في نكاحه ، لأنه لم يعص الله وإنما عصى سيّده كما في النص (٣).

__________________

(١) راجع شرح العروة ٢٦ : ٢٨٢ ذيل المسألة [٣١٠٨].

(٢) النحل ١٦ : ٧٥.

(٣) الوسائل ٢١ : ١١٤ / أبواب نكاح العبيد ب ٢٤ ح ١.

١٢

[٣١٤٤] مسألة ٣ : يشترط في المنوب عنه الإسلام ، فلا تصح النيابة عن الكافر (*) لا لعدم انتفاعه بالعمل عنه ، لمنعه وإمكان دعوى انتفاعه بالتخفيف في عقابه ، بل لانصراف الأدلّة ، فلو مات مستطيعاً وكان الوارث مسلماً لا يجب عليه استئجاره عنه ، ويشترط فيه أيضاً كونه ميتاً أو حياً عاجزاً في الحج الواجب فلا تصحّ النيابة عن الحي في الحج الواجب إلّا إذا كان عاجزاً ، وأمّا في الحج الندبي فيجوز عن الحي والميت تبرعاً أو بالإجارة (١).

______________________________________________________

(١) يقع الكلام تارة في المشرك وأُخرى في غيره من أصناف الكفّار ، أمّا المشرك أو من هو أعظم منه كالملحد فلا ريب في عدم جواز النيابة عنهم مطلقاً في الواجبات والمندوبات ، لعدم قابلية التقرب بالنسبة إليهم وقد قال الله تعالى (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى) (١) ، فهم غير قابلين للغفران وإنّما هم كالحيوان (بَلْ هُمْ أَضَلُّ*) (٢) ، فكما لا تجوز النيابة عن الحيوان كذلك عن المشرك.

وأمّا غير المشرك من أصناف الكفار كاليهود والنصارى بل المجوس بناء على أنهم من أهل الكتاب فيقع البحث فيه في موردين :

أحدهما : في لزوم النيابة عنه في الحج الواجب إذا كان الوارث مسلما.

ثانيهما : في النيابة عنه في الحج الندبي سواء كان ميتاً أو حيا.

أمّا الأوّل : فإن قلنا بعدم تكليف الكافر بالفروع كما هو المختار فالأمر واضح لعدم كون الحج واجباً عليه ليستناب عنه فلا موجب لإخراج الحج من التركة ، وإن قلنا بأنهم مكلفون بالفروع كما هو المشهور فأدلّة وجوب النيابة منصرفة عن الكافر لأنّ الظاهر من الأسئلة الواردة في روايات النيابة إنما هو السؤال عمّن يتوقّع منه الحج

__________________

(*) إلّا في الناصب إذا كان أباً للنائب.

(١) التوبة ٩ : ١١٣.

(٢) الأعراف ٧ : ١٧٩.

١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ولم يحج ، فإن قول السائل : «مات ولم يحج ولم يوص» (١) ونحو ذلك ينصرف إلى المسلم ولا يشمل الكافر الذي لا يتوقّع منه الحج ، بل لا يبعد جريان السيرة على عدم الاستنابة للكافر من زمن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) لأنّ كثيراً من المسلمين كان أبواهم من الكفّار خصوصاً في أوائل الإسلام ، ولم يعهد أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) أو أحداً من الأئمة (عليهم السلام) يأمرهم بالنيابة عن والديهم.

وأمّا الثاني : وهو النيابة عنه في المندوبات سواء كان حيّاً أو ميتاً فيشكل عدم جواز النيابة عنهم ، إذ لا مانع من الإحسان إليهم بالحج كما لا مانع من الإحسان إليهم بالصدقات والأعمال الخيرية ، لإمكان تقرّب الكافر ولو بالتخفيف في عقابه وعذابه هذا فيما إذا لم يكن معانداً لأهل البيت (عليهم السلام) كالكثير منهم خصوصاً المستضعفين منهم بل بعضهم يوالي أهل البيت (عليهم السلام) ، وأمّا إذا كان معانداً فيدخل في الناصب الذي لا يحجّ عنه إلّا إذا كان أباً للنائب كما في النص (٢).

وربّما يتوهّم أنّ الناصب إذا لم تصح النيابة عنه مع كونه مسلماً بحسب الظاهر لاعتقاده النبوّة فلا تصحّ من الكافر أيضاً بطريق أولى ، لأنه ممّن حادّ الله ورسوله.

وفيه : أن الناصب المعاند لا ريب في كونه أخبث وأشد بعداً من الله تعالى ، وقد ورد في النص الصحيح أنّ الناصب لنا أهل البيت شرّ من اليهود والنصارى والمجوس (٣).

وبالجملة : إن تمّ انصراف أدلّة النيابة عن الكافر فهو ، والأصل عدم مشروعية النيابة عنه ، لأنّ الفعل الصادر من النائب على وجه النيابة عن الكافر عبادة نشك في مشروعيتها والأصل عدمها ، وإن لم يتم الانصراف كما لا يبعد فلا بأس بجواز النيابة عنه لإمكان انتفاعه ولو بالتخفيف في عقابه في الآخرة.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٧٢ / أبواب وجوب الحج ب ٢٨.

(٢) الوسائل ١١ : ١٩٢ / أبواب النيابة في الحج ب ٢٠ ح ١.

(٣) الوسائل ١ : ٢٢٠ / أبواب الماء المضاف ب ١١ ح ٥.

١٤

[٣١٤٥] مسألة ٤ : تجوز النيابة عن الصبي المميز والمجنون (*) بل يجب الاستئجار عن المجنون إذا استقر عليه حال إفاقته ثمّ مات مجنونا (١).

[٣١٤٦] مسألة ٥ : لا تشترط المماثلة بين النائب والمنوب عنه في الذكورة والأُنوثة ، فتصحّ نيابة المرأة عن الرّجل كالعكس ، نعم الأولى المماثلة (٢).

______________________________________________________

(١) أمّا جواز النيابة عن الصبي المميز فلعدم قصور في أدلّة النيابة بالنسبة إليه وعدم شمول التكليف له لا يمنع من شمول إطلاق أدلّة النيابة له ، وأمّا المجنون فإن استقر عليه الحج حال إفاقته ثمّ مات مجنوناً فيجب الاستئجار عنه ، لأنّ الحج صار ديناً عليه ، والجنون لا يسقط دينه وإنما يوجب سقوط مباشرته بنفسه بالأداء ، نعم صحّة النيابة عن المجنون في غير فرض الاستقرار لا تخلو عن إشكال.

(٢) لا خلاف في الجملة في عدم اعتبار المماثلة بين النائب والمنوب عنه في الجنس وإن وقع الخلاف في الصرورة ، وأمّا النصوص الدالّة على عدم اعتبار المماثلة وجواز الاختلاف في الجنس فكثيرة وفيها روايات معتبرة :

منها : صحيح حكم بن حكيم «يحج الرجل عن المرأة والمرأة عن الرجل والمرأة عن المرأة» (١) ، ولم يذكر فيه نيابة الرجل عن الرجل لوضوحها.

ومنها : صحيحة معاوية بن عمّار «الرجل يحج عن المرأة والمرأة تحج عن الرجل؟ قال : لا بأس» (٢).

وبإزائها موثقة عبيد بن زرارة قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الرجل الصرورة يوصي أن يحجّ عنه هل يجزئ عنه امرأة؟ قال : لا ، كيف تجزي امرأة وشهادته شهادتان؟ قال : إنما ينبغي أن تحجّ المرأة عن المرأة والرّجل عن الرّجل وقال : لا بأس أن يحج الرجل عن المرأة» (٣) ، وصدرها وإن كان يدل على المنع إلّا أن ذيلها

__________________

(*) صحّة النيابة عن المجنون لا تخلو عن إشكال في غير فرض استقرار الحج عليه.

(١) الوسائل ١١ : ١٧٧ / أبواب النيابة في الحج ب ٨ ح ٦.

(٢) الوسائل ١١ : ١٧٦ / أبواب النيابة في الحج ب ٨ ح ٢.

(٣) الوسائل ١١ : ١٧٩ / أبواب النيابة في الحج ب ٩ ح ٢.

١٥

[٣١٤٧] مسألة ٦ : لا بأس باستنابة الصرورة (*) رجلاً كان أو امرأة عن رجل أو امرأة ، والقول بعدم جواز استنابة المرأة الصرورة مطلقاً أو مع كون المنوب عنه رجلاً ضعيف ، نعم يكره ذلك خصوصاً مع كون المنوب عنه رجلاً بل لا يبعد كراهة استئجار الصرورة ولو كان رجلاً عن رجل (١).

______________________________________________________

يدلّ على استحباب المماثلة وجواز الاختلاف لقوله : «إنما ينبغي» ، فإن كلمة «ينبغي» إن لم ترد عليها حرف النفي تدل على المدح والمحبوبية فيحمل عدم الإجزاء في الصدر على الأفضلية. وأمّا الرواية فهي معتبرة سنداً وإن كان طريق الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضال ضعيفاً بعليّ بن محمّد بن الزبير على ما ذكرنا تفصيله في محلّه (١).

(١) أمّا المرأة الصرورة (٢) فقد صرّح الشيخ في المبسوط (٣) بعدم جواز حجّها عن الرجال ولا عن النساء ، كما أنه أطلق المنع في النهاية (٤) في نيابة المرأة الصرورة ، لخبر علي بن أحمد بن أشيم عن سليمان بن جعفر ، قال : «سألت الرضا (عليه السلام) عن امرأة صرورة حجّت عن امرأة صرورة ، فقال : لا ينبغي» (٥) بناء على أنّ قوله «لا ينبغي» يدل على المنع كما استظهرنا ذلك ، لما ذكرنا غير مرّة أن «لا ينبغي» معناه أنه لا يتيسّر له وهو معنى الحرمة والمنع ، فإذا كانت نيابتها عن المرأة ممنوعة كما في الخبر فنيابتها عن الرجل أولى بالمنع ، ولكن الخبر ضعيف بابن أشيم.

وكذلك منع عن نيابة المرأة الصرورة عن الرجل في الاستبصار (٦) واستدل له بعدّة

__________________

(*) بل الأحوط في الاستنابة عن الرجل الحي أن يكون النائب رجلاً وصرورة.

(١) معجم رجال الحديث ١٣ : ١٥٠.

(٢) رجل صرور وصرورة رجل لم يحج ، وقيل لم يتزوج. امرأة صرورة لم تحج. أقرب الموارد ١ : ٦٤٣.

(٣) المبسوط ١ : ٣٢٦.

(٤) النهاية : ٢٨٠.

(٥) الوسائل ١١ : ١٧٨ / أبواب النيابة في الحج ب ٢٩ ح ٣.

(٦) الاستبصار ٢ : ٣٢٣.

١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

من الروايات كلها ضعيفة :

منها : خبر مصادف «في المرأة تحج عن الرجل الصرورة؟ فقال : إن كانت قد حجّت وكانت مسلمة فقيهة فربّ امرأة أفقه من رجل» (١) ، فإن مفهومه يدل على المنع عن نيابتها إذا كانت صرورة ولم تحج ، والخبر ضعيف بمصادف وسهل بن زياد.

ومنها : خبر آخر لمصادف «أ تحجّ المرأة عن الرجل؟ فقال : نعم إذا كانت فقيهة مسلمة وكانت قد حجت ، ربّ امرأة خير من رجل» (٢) ، ودلالته على المنع أيضاً بالمفهوم كالخبر المتقدّم ولكنّه ضعيف أيضاً بمصادف.

ثمّ إنه في الوسائل في الطبعة الحديثة ذكر سند الخبر الثاني هكذا : وعنه أي عن موسى بن القاسم وعن الحسين (الحسن) اللّؤلؤي عن الحسن بن محبوب عن مصادف. ولا يخفى أن حرف الواو في قوله وعن الحسين زائدة ، والصحيح عن الحسن بلا تقديم الواو كما في التهذيب الجديد (٣) والاستبصار (٤) ، والراوي عن الحسن بن محبوب هو الحسن اللّؤلؤي كما في التهذيب والاستبصار لا الحسين فإنّه والد الحسن اللّؤلؤي والحسن اللّؤلؤي ضعيف لتضعيف ابن الوليد وابن نوح والصدوق له فلا يفيد توثيق النجاشي حينئذ (٥).

ومنها : خبر زيد الشحام «يحجّ الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة ولا تحجّ المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة» (٦) ، ودلالته على المنع واضحة ولكنّه ضعيف سنداً بمفضل وهو أبو جميلة الكذاب.

فتحصل : أنه لا دليل على منع نيابة المرأة الصرورة عن المرأة الصرورة أو الرجل الصرورة ، وما دلّ على ذلك من الروايات ضعيف ، بل مقتضى إطلاق أدلّة النيابة

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٧٧ / أبواب النيابة في الحج ب ٨ ح ٤ ، ٧.

(٢) الوسائل ١١ : ١٧٧ / أبواب النيابة في الحج ب ٨ ح ٤ ، ٧.

(٣) التهذيب ٥ : ٤١٣ / ١٤٣٦.

(٤) الاستبصار ٢ : ٣٢٢ / ١١٤٢.

(٥) راجع معجم الرجال ٥ : ٣٩٨ ، رجال النجاشي : ٤٠.

(٦) الوسائل ١١ : ١٧٨ / أبواب النيابة في الحج ب ٩ ح ١.

١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

جواز نيابة المرأة مطلقاً عن الرجل ، ولا مقيد في البين إلّا في مورد واحد وهو النيابة عن الرجل الحي فإن اللازم كون النائب عنه رجلاً صرورة ، وأمّا نيابة المرأة عنه فمشكلة وكذا نيابة الرجل غير الصرورة ، وقد استوفينا الكلام في اعتبار ذلك عند شرح المسألة ٧٢ من شرائط وجوب الحج (١).

ثمّ لا يخفى أن في بعض الروايات أو أكثرها أُخذ الصرورة في النائب والمنوب عنه وفي بعضها أُخذ الصرورة في المنوب عنه لا النائب ، ولا يبعد القول بكراهة نيابة المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة أو عن الرجل غير الصرورة كما في خبري مصادف المتقدمين (٢) ، وكذا كراهة نيابة المرأة الصرورة عن المرأة الصرورة كما في خبر ابن أشيم المتقدّم.

وأمّا كراهة نيابة الرجل الصرورة عن رجل فلم يستبعدها في المتن ، بل استظهرها في الجواهر (٣) واستدلّ بروايتين سنذكرهما قريباً إن شاء الله كما نذكر عدم دلالتهما على الكراهة ، بل قد تجب استنابة الرجل الصرورة فيما إذا كان المنوب عنه رجلاً حيّاً ، بل ورد الأمر باستنابة الصرورة إذا كان المنوب عنه ميتاً كما في صحيح معاوية ابن عمّار «في رجل صرورة مات ولم يحجّ حجّة الإسلام وله مال ، قال (عليه السلام) : يحجّ عنه صرورة لا مال له» (٤) ، ورواها الشيخ بإسناد آخر صحيح أيضاً ولكن في متنها على طريقه تشويشاً ، لأنه بعد ما سُئل (عليه السلام) عن الرجل يموت ولم يحج حجّة الإسلام ويترك مالاً ، قال : «عليه أن يحج من ماله رجلاً صرورة لا مال له» (٥). إذ لا معنى لأنّ يكون على الميت شي‌ء ، وإنما يجب على الوصي أو الوارث الإحجاج من مال الميت لا على نفس الميت.

__________________

(١) راجع شرح العروة ٢٦ : ١٩٢ ذيل المسألة [٣٠٦٩].

(٢) في ص ١٧.

(٣) الجواهر ١٧ : ٣٦٥.

(٤) الوسائل ١١ : ١٧٢ / أبواب النيابة في الحج ب ٥ ح ٢.

(٥) الوسائل ١١ : ٧١ / أبواب وجوب الحج ب ٢٨ ح ١ ، التهذيب ٥ : ١٥ / ٤٢.

١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وكيف كان ، لا ريب في أن المستفاد من الرواية لزوم إحجاج الرجل الصرورة إذا كان المنوب عنه الميت صرورة ، ولو لم يكن دليل على الخلاف وجب الالتزام بمضمونها ، وبإزائها صحيحة أبي أيوب قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : امرأة من أهلنا مات أخوها فأوصى بحجة وقد حجت المرأة ، فقالت : إن كان يصلح حججت أنا عن أخي وكنت أنا أحق بها من غيري ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : لا بأس بأن تحج عن أخيها ، وإن كان لها مال فلتحج من مالها فإنه أعظم لأجرها» (١) ، فإنها صريحة الدلالة على جواز نيابة غير الصرورة ولو كانت امرأة عن الرجل الميت الذي لم يحج ، ومقتضى الجمع العرفي بينها وبين صحيح معاوية بن عمّار هو الالتزام باستحباب نيابة الصرورة.

وأمّا ما استدل به صاحب الجواهر على الكراهة فهو روايتان :

الأُولى : رواية إبراهيم بن عقبة ، قال : «كتبت إليه أسأله عن رجل صرورة لم يحج قط حج عن صرورة لم يحج قط أيجزئ كل واحد منهما تلك الحجة عن حجة الإسلام أو لا؟ بيّن لي ذلك يا سيّدي إن شاء الله ، فكتب (عليه السلام) : لا يجزئ ذلك» (٢) والرواية معتبرة ، فإن إبراهيم بن عقبة وإن لم يوثق في كتب الرجال ولكنه من رجال كامل الزيارات ، إلّا أن دلالتها على الكراهة ضعيفة لأنّ الرواية ناظرة سؤالاً وجواباً إلى الإجزاء وعدمه ، وأن العمل الصادر من النائب الصرورة هل يجزئ عن حجة الإسلام أم لا ، وليست ناظرة إلى حكم الاستنابة وأنها تجوز أم لا.

وأمّا حكمه (عليه السلام) بعدم الإجزاء فبالنسبة إلى النائب فواضح لعدم القصد في عمله عن نفسه ، فإن المفروض أنّه حجّ عن غيره فلا معنى للإجزاء عن نفسه سواء في الحج الواجب عليه بالفعل أو الواجب عليه فيما بعد عند حصول الاستطاعة وأمّا عدم الإجزاء عن المنوب عنه فيحمل على كون المنوب عنه حيّاً فتوافق الروايات

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٧٦ / أبواب النيابة في الحج ب ٨ ح ١.

(٢) الوسائل ١١ : ١٧٣ / أبواب النيابة في الحج ب ٦ ح ٣.

١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الآمرة بتجهيز الصرورة عن الحي العاجز (١) ، فإن قوله : «عن رجل صرورة لم يحج» ظاهر في كون المنوب عنه حيّاً وإلّا لو كان ميتاً لقال عن ميت لم يحج ، فيكون الحكم بعدم الإجزاء حينئذ لأجل عدم صدور الحج منه بتسبيب من المنوب عنه.

مع أن الظاهر من تلك الروايات اختصاص الإجزاء بصورة التسبيب من الحي دون التبرع عنه ، ولم يظهر من هذه المعتبرة أن الحج كان بتسبيب من الحي ، ولو فرض إطلاقها وشمولها للحي والميت تقيد بمورد الحي ، فتكون النتيجة الإجزاء عن الميت بالتبرع عنه كما هو الحال في الحج المندوب وعدم الإجزاء في مورد الحج عن الحي ، لعدم سقوط الحج عنه بالتبرع له وإنما يسقط عنه فيما إذا كان بتسبيب وتجهيز من المنوب عنه ، وحيث لم يظهر من الرواية كون الحج الصادر منه بتسبيب منه لذا حكم بعدم الإجزاء.

والحاصل : مقتضى الجمع بين هذه الرواية والروايات الدالّة على سقوط الحج عن الميت تبرّعاً (٢) حمل هذه الرواية على صورة الإتيان عن الحي من دون تسبيب منه.

الرواية الثانية : معتبرة بكر بن صالح ، قال : «كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) : أن ابني معي وقد أمرته أن يحج عن أُمي أيجزئ عنها حجة الإسلام؟ فكتب : لا ، وكان ابنه صرورة وكانت أُمه صرورة» (٣) ، والرواية كما ذكرنا معتبرة لأنّ بكر بن صالح وإن لم يوثق في كتب الرجال ولكنه من رجال كامل الزيارات. والحكم بعدم الإجزاء المذكور في هذه الرواية إنما هو بالنسبة إلى المنوب عنه خاصّة ، بخلاف عدم الإجزاء المذكور في الرواية الأُولى فإنه بالنسبة إلى النائب والمنوب عنه.

وممّا تقدّم في الجواب عن الرواية الأُولى يظهر الجواب عن هذه من حملها على كون المنوب عنه حيّاً ولم يكن الحج الصادر بتسبيب منه.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٦٣ / أبواب وجوب الحج ب ٢٤.

(٢) الوسائل ١١ : ١٩٦ / أبواب النيابة في الحج ب ٢٥.

(٣) الوسائل ١١ : ١٧٤ / أبواب النيابة في الحج ب ٦ ح ٤.

٢٠