موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

الکتاب الصّوم

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

كتاب الصوم

وهو الإمساك عمّا يأتي من المفطرات بقصد القربة (١).

وينقسم إلى : الواجب والمندوب والحرام والمكروه بمعنى : قلّة الثواب.

والواجب منه ثمانية : صوم شهر رمضان ، وصوم القضاء ، وصوم الكفّارة على كثرتها ، وصوم بدل الهدي في الحجّ ، وصوم النذر والعهد واليمين ، وصوم الإجارة ونحوها كالشروط في ضمن العقد ، وصوم الثالث من أيام الاعتكاف ، وصوم الولد الأكبر عن أحد أبويه (*).

______________________________________________________

(١) لا ريب في وجوب الصوم في الشريعة المقدّسة كتاباً وسنّةً ، بل وضرورة ، بل قد عُدَّ في بعض الأخبار من مباني الإسلام (١).

كما لا ريب في أنّ المطلوب فيه هو الاجتناب عن أُمورٍ معيّنة يأتي تفصيلها قد أُشير إلى بعضها في قوله تعالى (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى) إلخ (٢) ، فالمطلوب هنا

__________________

(*) على تفصيلٍ يأتي في محلّه [في المسألة ٢٥٤٠].

(١) الوسائل ١ : ١٣ / أبواب مقدّمة العبادات ب ١.

(٢) البقرة ٢ : ١٨٧.

٣

ووجوبه في شهر رمضان من ضروريّات الدين (١) ، ومنكره مرتدٌّ يجب قتله.

______________________________________________________

أمرٌ عدمي وهو الترك ، كما هو الحال في تروك الإحرام ، ومع وضوح ذلك فلا يهمّنا تحقيق مفهوم الصوم اللغوي أو الشرعي وأنّه الكفّ أو الإمساك أو التوطين ونحو ذلك ممّا قيل ، فإنّ البحث عنه قليل الجدوى ، وإنّما المهمّ بيان تلك المفطرات التي يجب الاجتناب عنها ، وستعرف الحال فيها إن شاء الله تعالى.

نعم ، ينبغي التعرّض لبيان الفرق بين العبادات الوجوديّة والعدميّة فيما هو متعلّق القصد والإرادة ، حيث إنّهما يمتازان عن الآخر في كيفية النيّة.

فإنّ الواجب إذا كان فعلاً من الأفعال لا بدّ في تحقّق الامتثال من تعلّق القصد وصدوره عن إرادةٍ واختيار ، وهذا بخلاف الترك ، فإنّه يكفي فيه مجرّد عدم الارتكاب وإن لم يستند إلى الاختيار لنومٍ أو غفلة ، أو كان ذلك من جهة العجز وعدم القدرة لحبسٍ أو مرض ، كمن به داء لا يتمكّن معه من الجماع من عننٍ ونحوه ، أو كان طعامٌ لا يمكن الوصول إليه عادةً كالمختصّ بالملك ، أو ما هو في أقصى البلاد ، أو كان ممّا لا يقبله الطبع ويشمئز منه ولو كان مباحاً ، ففي جميع ذلك يكفي في تحقّق النيّة مجرّد العزم على الترك على تقدير تماميّة مقدّمات الفعل وتحقّق مبادئ وجوده من القدرة والالتفات والرغبة ، فيعزم على أنّه لو تمّ ذلك كلّه لأمسك عن الفعل على سبيل القضيّة الشرطيّة ، إذ لو اعتبر فيها كون جميع التروك مستنداً إلى القصد الفعلي كما في العبادات الوجوديّة لزم بطلان الصوم في الموارد المزبورة ، مع أنّ صحّتها كادت تكون ضروريّة.

(١) كما نصّ عليه جمعٌ من الأصحاب. وعليه ، فمنكره منكرٌ للضروريّ فيجري عليه حكمه.

٤

ومن أفطر فيه لا مستحلا عالماً عامداً (١)

______________________________________________________

وقد تقدّم في كتاب الطهارة (١) عند البحث عن الكفر والإسلام : أنّ إنكار الضروريّ بمجرّده ومن حيث هو لا يستوجب الكفر ، وإنّما يستوجبه من حيث رجوعه إلى تكذيب النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ، المؤدّي إلى إنكار الرسالة ، وهو يختصّ بما إذا كان المنكر عالماً بالحكم وبضروريّته ، فلا يحكم بكفر الجاهل بأحدهما ، لكونه جديد العهد بالإسلام ، أو نحوه ممّن ليس له مزيد اطّلاع بالأحكام. وعليه ، فيعتبر في الحكم بالارتداد صدور الإنكار ممّن يعلم بضروريّة الحكم ، وحينئذٍ فإن كان فطرياً يُقتَل ، وإن كان ملّياً يُستتاب ، فإن تاب وإلّا يُقتَل إن كان رجلاً ، أمّا المرأة فلا تُقتَل أصلاً ، بل تُحبَس ويُضيَّق عليها في المأكل والمشرب وتعزَّر عند أوقات الصلاة إلى أن يقضي الله عليها.

(١) هذا في قبال المنكر المستحلّ المتقدّم بيان حكمه آنفاً.

ثمّ إنّ المفطر غير المستحلّ تارةً : يكون معذوراً كالمريض والمسافر ، وأُخرى غير معذور كالفسّاق ، وثالثةً مشتبه الحال.

أمّا الأوّل : فلا إشكال فيه.

وأمّا الأخير الذي هو مردّد بين المعذور وغيره ـ : فلا يجري عليه شي‌ء ، لما هو المعلوم من الشرع من أنّه لا يقام الحدّ بمجرد الاحتمال ، وقد اشتهر أنّ الحدود تُدرأ بالشبهات ، وهذه الجملة وإن لم ترد في شي‌ء من الروايات ما عدا رواية مرسلة ولفظها هكذا : «الحدّ يدرأ بالشبهة» (٢) ، ولكن الحكم متسالمٌ عليه

__________________

(١) راجع شرح العروة ٣ : ٥٤ ٥٥.

(٢) لاحظ الوسائل ٢٨ : ٤٧ / أبواب مقدّمات الحدود ب ٢٤ ح ٤ وص ١٣٠ / أبواب حدّ الزنا ب ٢٧ ح ١١.

٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بينهم ، إذ من المعلوم من الشرع أنّه ليس بناء الإسلام على إجراء الحدّ في موارد الشبهة ، كما يظهر ذلك بملاحظة الموارد المتفرّقة التي منها مورد صحيحة بريد العجلي الآتية المتضمّنة للسؤال عن موجب الإفطار ، فإنّها تدلّ على أنّه لو ادّعى شبهةً يُقبَل قوله ويُدرأ عنه الحدّ أو التعزير ، وإلّا فما هي فائدة السؤال؟! إنّما الكلام في غير المعذور ممّن يفطر عصياناً ، فقد ذكر في المتن : أنّه يعزَّر بخمسة وعشرين سوطاً ، فإن عاد عُزِّر ثانياً ، وإن عاد قُتِل في الثالثة ، والأحوط في الرابعة من أجل الاحتياط في باب الدماء.

أقول : أمّا أصل التعزير فقد دلّت عليه صحيحة بريد العجلي ، قال : سُئل أبو جعفر (عليه السلام) عن رجل شهد عليه شهود أنّه أفطر من شهر رمضان ثلاثة أيام «قال : يُسأل هل عليك في إفطارك إثم؟ فإن قال : لا ، فإنّ على الإمام أن يقتله ، وإن قال : نعم ، فإنّ على الإمام أن ينهكه ضرباً» (١).

وأمّا التحديد بخمسة وعشرين سوطاً فلم يرد إلّا في رواية مفضّل بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في رجل أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة «فقال عليه السلام : إن كان استكرهها فعليه كفّارتان ، وإن كانت طاوعته فعليه كفّارة وعليها كفّارة ، وإن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطاً نصف الحدّ ، وإن كان طاوعته ضُرِب خمسة وعشرين سوطاً وضُرِبت خمسة وعشرين سوطاً» (٢).

ولكن موردها الجماع ، ولا دليل على التعدّي إلى سائر المفطرات ، على أنّها ضعيفة السند من جهات ولا أقلّ من جهة مفضّل الذي هو ثابت الضعف ، من

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٢٤٨ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢ ح ١.

(٢) الوسائل ١٠ : ٥٦ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ١٢ ح ١.

٦

يعزَّر بخمسةٍ وعشرين سوطاً (*) ، فإن عاد عُزِّر ثانياً ، فإن عاد قُتِل على الأقوى (١) ، وإن كان الأحوط قتله في الرابعة (**).

______________________________________________________

أجل تضعيف النجاشي وغيره إيّاه صريحاً (١).

نعم ، قد عمل بها المشهور. فإن قلنا : إنّ الرواية الضعيفة تنجبر بعمل المشهور فلا بأس بالعمل بها في موردها ، وإن أنكرنا هذه الكبرى كما هو المعلوم من مسلكنا فالرواية ساقطة.

إذن لا دليل على تحديد التعزير بخمسة وعشرين ، بل هو موكول إلى نظر الإمام ، فله التعزير كيفما شاء ما لم يبلغ حدّ الحدّ الشرعي.

ثمّ إنّ التعزير كما هو ثابت في المرّة الأُولى ثابتٌ في المرّة الثانية أيضاً ، بمقتضى إطلاق الدليل ، أعني : صحيح بريد المتقدّم.

(١) قد عرفت ثبوت التعزير في المرّتين الأُوليين.

وأمّا في الثالثة فيجب قتله كما عليه المشهور.

وقد دلّت عليه صريحاً موثّقة سماعة ، قال : سألته عن رجل أخذ في شهر رمضان وقد أفطر ثلاث مرّات وقد رُفِع إلى الإمام ثلاث مرّات «قال : يُقتَل في الثالثة» (٢).

ويدلُّ عليه أيضاً عموم صحيح يونس عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) «قال : أصحاب الكبائر كلّها إذا أُقيم عليهم الحدّ مرّتين قُتِلوا في الثالثة» (٣).

__________________

(*) لم يثبت التقدير بحدٍّ خاص إلّا في رواية ضعيفة في خصوص الجماع.

(**) في كونه أحوط إشكال بل منع.

(١) رجال النجاشي : ٤١٦ / ١١١٢.

(٢) الوسائل ١٠ : ٢٤٩ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢ ح ٢.

(٣) الوسائل ٢٨ : ١٩ / أبواب مقدّمات الحدود ب ٥ ح ١.

٧

وإنّما يُقتَل في الثالثة أو الرابعة إذا عُزِّر في كلٍّ من المرّتين أو الثلاث (١).

______________________________________________________

ومورده وإن كان هو الحدّ ، إلّا أنّه لا خصوصيّة له ، إذ يُفهَم منه عرفاً أنّ من اجري عليه حكم الله مرّتين سواء أكان هو الحدّ أم التعزير يُقتَل في الثالثة.

فبمقتضى الموثّقة الواردة في خصوص المقام والصحيحة الواردة في مطلق الكبائر يُحكَم بوجوب القتل في المرّة الثالثة ، إمّا من بعد التعزيرين أو من بعد الحدّين حسب اختلاف الموارد.

وأمّا ما ذكره في المتن من أنّ الأحوط قتله في الرابعة فلا وجه له بعد نهوض الدليل على وجوب القتل في الثالثة كما عرفت ، ولا تعطيل في حدود الله ، فلا سبيل للاحتياط وإن كان مورده الدماء.

نعم ، روى الشيخ في المبسوط مرسلاً : «إنّ أصحاب الكبائر يُقتَلون في الرابعة» (١).

ولكن المرسل ليس بحجّة ، ولا سيّما مع عدم الجابر ، على أنّه معارَضٌ بالصحيح المتقدّم وفي خصوص المقام بالموثّق كما سبق ، فلا ينهض للمقاومة معهما.

(١) فلا يجزئ مجرّد الارتكاب الخارجي بلغ عدده ما بلغ ما لم يُرفع الأمر إلى الإمام مرّتين ويجري عليه التعزير في كلٍّ منهما ، فحينئذٍ يُحكم بالقتل في الرفع الثالث ، كما دلّت عليه موثقة سماعة المتقدّمة ، حيث حكم فيها بالقتل في الثالثة من الرفع لا من مجرّد الإفطار ، وكما تدلّ عليه أيضاً صحيحة بريد المتقدّمة ،

__________________

(١) المبسوط ٧ : ٢٨٤.

٨

وإذا ادّعى شبهةً محتملةً في حقّه دُرِئ عنه الحدّ (١).

______________________________________________________

حيث إنّ المفروض فيها الإفطار ثلاثة أيام ، فقد حصل منه الإفطار ثلاث مرات على الأقل كلّ يوم مرّة ، ولو فرض أكثر زاد عليه بكثير ، ومع ذلك حكم (عليه السلام) بالتعزير ، لكونه أوّل مرّة يُرفع أمره إلى الإمام ، فليس الإفطار ثلاثة أيّام بنفسه موضوعاً للقتل ، بل الموضوع هو الرفع كما صرّح به في الموثق ، وكذا ما تقدّم في الصحيح من أنّ أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة ، أي في الثالثة من الرفع ، لا من ارتكاب الكبيرة ، للتصريح بإجراء الحدّ عليهم مرّتين.

(١) قدّمنا أنّ الحكم المزبور من القتل أو التعزير مخصوص بغير المشتبه ، أمّا هو فلا شي‌ء عيلة ، وقلنا : إنه يمكن استفادة ذلك من نفس صحيحة بريد.

وتقريب الاستدلال : إنّه (عليه السلام) حكم بالسؤال من المفطر وأنّه هل عليك في إفطارك إثم أم لا؟ وأنّه يعزَّر مع الاعتراف ، ويُقتَل مع الإنكار. ومن المعلوم أنّ إنكار الآثم على نحوين ، فتارةً : ينكره للاستحلال ، وأُخرى : لأجل أنّه يرى نفسه معذوراً لشبهةٍ يدّعيها محتملة في حقّه ، ولا ريب في اختصاص القتل بالأوّل ، ضرورة أنّه مع الاعتراف لم يُحكَم بالقتل فكيف يُحكَم به مع دعوى العذر؟! وإذ خصّ (عليه السلام) التعزير بالمعترف فمدّعي العذر لا تعزير أيضاً عليه كما لم يكن عليه قتل ، فلا بدّ أن يطلق سراحه ويخلّى سبيله ، فلا يُقتَل ولا يعزَّر.

وبالجملة : فالأقسام ثلاثة : منكرٌ مستحل يُقتَل ، ومعترفٌ بالفسق يعزَّر ، ومن لا هذا ولا ذاك الذي لم تتعرّض له الصحيحة يخلّى سبيله ولا شي‌ء عليه.

٩

فصل

في النيّة

يجب في الصوم القصد إليه مع القربة والإخلاص (١) ، كسائر العبادات.

______________________________________________________

(١) لا ريب في أنّ الصوم من العبادات فيعتبر فيه كغيره قصد القربة والخلوص ، فلو صام رياءً أو بدون قصد التقرّب بطل.

ويدلّنا على ذلك مضافاً إلى الارتكاز في أذهان عامّة المسلمين ، وأنّ سنخه سنخ الصلاة والحجّ وغيرهما من سائر العبادات ما ورد في غير واحد من النصوص من أنّ الإسلام بُني على خمس : الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحجّ ، والولاية (١).

إذ من الواضح البديهي أنّ مجرّد ترك الأكل والشرب في ساعاتٍ معيّنة لا يصلح لأن يكون مبنى الإسلام وأساسه ، بل لا بدّ أن يكون شيئاً عباديّاً يُتقرّب به ويضاف إلى المولى ، ولا سيّما مع اقترانه بمثل الصلاة والولاية المعلوم كونها قربيّة ، ويؤكّده ما في ذيل بعض تلك النصوص من قوله عليه السلام : «أما لو أنّ رجلاً قام ليله وصام نهاره وتصدّق بجميع ماله وحجّ جميع دهره

__________________

(١) الوسائل ١ : ١٣ / أبواب مقدّمة العبادات ب ١.

١٠

ولا يجب الإخطار بل يكفي الداعي (١).

ويُعتبر فيما عدا شهر رمضان حتّى الواجب المعيّن أيضاً القصد إلى نوعه (٢)

______________________________________________________

ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه وتكون جميع أعماله بدلالته إليه ما كان له على الله حقٌّ في ثوابه» إلخ (١).

فإنّ من المعلوم من مثل هذا اللسان الذي لا يكاد يخفى على العارف بأساليب الكلام أنّ المراد بالشرط صيام الدهر بعنوان العبادة والإتيان بالمأمور به على وجهه ما عدا جهة الولاية لا مجرّد الإمساك المحض ، وهذا واضح لا غبار عليه.

(١) كما تكرّر البحث عنه في مطاوي هذا الشرح ، ولا سيّما عند البحث حول نيّة الوضوء ، فلاحظ (٢).

(٢) ذكرنا غير مرّة أنّه لا يُعتبَر في العبادة إلّا أمران : أحدهما : الإتيان بذات المأمور به. والآخر : قصد التقرّب والإضافة إلى المولى نحو إضافة ، فإذا تحقّق الأمران بأيّ نحوٍ كان سقط الأمر العبادي ولا يلزم أزيد من ذلك.

ولكن تحقّق الذات يختلف حسب اختلاف الموارد ، إذ :

تارةً : يكون من الأُمور غير المعنونة بشي‌ء ، كما في القيام والقعود والمشي ونحوها من الأفعال الخارجية ، ففي مثله يكفي الإتيان بنفس هذه الأُمور.

وأُخرى : يكون معنوناً بعنوان خاصّ به وقع تحت الأمر وتعلّق به التكليف ، وإن كانت نفس الذات الخارجية مشتركة بين أمرين أو أُمور ، وهنا لا مناص

__________________

(١) الوسائل ١ : ٧ / أبواب مقدّمة العبادات ب ١ ح ٢ نقلاً عن المحاسن كما في التعليق رقم ٢ (تحقيق الربّاني).

(٢) راجع شرح العروة ٥ : ١٧ ٢٣.

١١

من الكفّارة أو القضاء أو النذر مطلقاً كان أو مقيّداً بزمانٍ معيّن ، من غير فرقٍ بين الصوم الواجب والمندوب ، ففي المندوب أيضاً يُعتبر تعيين نوعه من كونه صوم أيّام البيض مثلاً أو غيرها من الأيّام المخصوصة ، فلا يجزئ القصد إلى الصوم مع القربة من دون تعيين النوع ، من غير فرقٍ بين ما إذا كان ما في ذمّته متّحداً أو متعدّداً ، ففي صورة الاتّحاد أيضاً يُعتبر تعيين النوع ، ويكفي التعيين الإجمالي ، كأن يكون ما في ذمّته واحداً فيقصد ما في ذمّته وإن لم يعلم أنّه من أيّ نوع وإن كان يمكنه الاستعلام أيضاً ، بل فيما إذا كان ما في ذمّته متعدّداً أيضاً يكفي التعيين الإجمالي ، كأن ينوي ما اشتغلت ذمّته به أوّلاً أو ثانياً أو نحو ذلك.

______________________________________________________

من تعلّق القصد بنفس العنوان تحقيقاً لحصول الذات المأمور بها.

وهذا كما في الظهرين فإنّهما وإن اشتركتا في الصورة إلا أنّ كلّاً منهما تتقوّم بعنوانٍ به تمتاز عن الأُخرى كما كشف عن ذلك قوله (عليه السلام) : «إلّا أنّ هذه قبل هذه» (١) إذ لولا مراعاة العنوان من الظهريّة والعصريّة لم يكن أيّ معنى للقَبليّة والبَعديّة ، لوضوح أنّ كلّ من أتى بثمان ركعات فطبعاً تقع أربعٌ منها قبل الأربع كما هو الحال في نفس الركعات من الصلاة الواحدة ، فإنّ الركعة الأُولى واقعة قبل الثانية ، وهي قبل الثالثة وهكذا ، فعلمنا من هذا الحكم دخالة العنوان ، فلو أخلّ به فقدّم العصر أو أتى بذات الأربعة من غير قصد الظهر ولا العصر بطل ولم يقع مصداقاً لشي‌ءٍ منهما.

كما أنّ مسألة العدول أيضاً كاشفة عن ذلك كشفاً قطعيّاً ، وإلّا فلا معنى

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٢٦ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ٥.

١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

لمفهوم العدول هنا كما لا يخفى.

وكما في فريضة الفجر ونافلته ، حيث حكم عليهما بأنّ النافلة وقتها طلوع الحمرة المشرقية ، وبعد ذلك تُقدّم فريضة الفجر ، مع أنّهما متساويتان في الصورة. فعلمنا بذلك أنّ لكلٍّ منهما عنواناً به تمتاز عن الأُخرى.

وكما في مطلق الفريضة والنافلة من الصلاة والصيام ، حيث ورد النهي تحريماً أو تنزيهاً على الخلاف عن التطوّع في وقت الفريضة. فعلمنا أنّ هناك طبيعتين أُمرنا بإحداهما ونُهينا عن الأُخرى وإن كانتا مشتركتين في الصورة ولا ميز بينهما إلّا بعنوان الفريضة والنافلة.

وهكذا الحال في الأداء والقضاء ، وفي القضاء عن النفس أو الغير من الولي أو من الأجنبي باستئجار أو تبرّعٍ ونحوهما ، فلو صلّى أو صام من غير قصد الفريضة ولا النافلة أو بلا قصد الأداء ولا القضاء ، أو قصد القضاء ولكن لا عن نفسه ولا عن غيره ، لم يقع مصداقاً لشي‌ء من ذلك. وقد وقع الكلام في جواز القضاء عن الغير باستئجار ونحوه ممّن ذمّته مشغولة بالقضاء عن نفسه. فيعلم من ذلك أنّ القضاء عن النفس وعن الغير طبيعتان كلّ منهما محكوم بحكم مغاير للآخر وإن اتّحدا صورةً.

وهكذا الحال في موارد صوم الكفّارة والنذر ، فإنّ المعتبر تعلق القصد بكلّ من العنوانين ، فلو صام نذراً لا يقع عن الكفّارة وبالعكس ، كما أنّه لو صام بلا قصد لا يقع عن شي‌ء منهما.

بل وكذا الحال لو كان الاختلاف من حيث التقييد بالزمان ، كصوم أيّام البيض أو أوّل الشهر ، فلو صام من غير قصد لجهلٍ ونحوه لم يقع امتثالاً لهذا الأمر ، وإن كان هو صحيحاً في نفسه ، كما لو صلّى في مكانٍ ولم يدر أنّه مسجدٌ فطبعاً لم يقصد الأمر بالصلاة في المسجد ، فهذه الخصوصيّة لم تقع.

١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى الجملة : ففي جميع هذه الموارد نستكشف اختلاف الحقائق من اختلاف الآثار والأحكام وإن اتّحدت في الصورة ، فلا بدّ من قصد تلك العناوين رعايةً لتحقّق الذات المأمور بها ، فكلّ خصوصيّة ملحوظة في المأمور به لا مناص من تعلّق القصد بها حسبما عرفت.

هذا كلّه في غير النافلة والنذر.

وأمّا لو نذر صوم يومٍ إمّا مطلقاً كصوم يومٍ من رجب ، أو مقيّداً كيوم أوّل جمعة منه ، فهل يعتبر في سقوط الأمر وتحقّق الوفاء تعلّق القصد بعنوان النذر؟ فلو اتّفق أنّه صام نافلةً غافلاً عن نذره حنث ، أم أنّه يكتفي بذلك ولا حاجة إلى مراعاة القصد المزبور؟

لا يبعد المصير إلى الثاني ، بل لعلّه الظاهر ، فإنّ الأمر النذري توصّلي لا يحتاج سقوطه إلى قصد هذا العنوان ، كما هو الحال في العهد واليمين والشرط في ضمن العقد ونحو ذلك. ومناط العباديّة إنّما هو الأمر النفسي الاستحبابي العبادي المتعلّق بذات المتعلّق وفي رتبة سابقة على الأمر الناشئ من قبل النذر ونحوه ، دون هذا الأمر ، فإنّه توصّلي كما عرفت فلا يجب قصده ، فلو نذر أن يصلّي نافلة الليل في ليلة خاصّة فغفل ، ومن باب الاتّفاق صلّى تلك الليلة برئت ذمّته وتحقّق الوفاء وإن كان غافلاً عنه.

والحاصل : أنّ ما ذكرناه من أنّه ربّما يؤخذ في متعلق الأمر عنوان قصدي كعنوان الظهر والعصر والقضاء والكفّارة ونحو ذلك لا يجري في مثل النذر والنافلة ، لعدم أخذه في المتعلّق ، بل المتعلّق هو نفس النافلة وقد حصلت حسب الفرض ، والأمر بالوفاء بالنذر توصّلي ، ومناط العباديّة شي‌ء آخر كما عرفت ، ولا يكون النذر مشرعاً ، وإنّما يتعلّق بشي‌ء مشروع في نفسه وعبادي قبل تعلّق النذر به.

١٤

وأمّا في شهر رمضان فيكفي قصد الصوم وإن لم ينو كونه من رمضان (١) ، بل لو نوى فيه غيره جاهلاً أو ناسياً له أجزأ عنه.

نعم ، إذا كان عالماً به وقصد غيره لم يجزئه كما لا يجزئ لما قصده أيضاً (*) ، بل إذا قصده غيره عالماً به مع تخيّل صحّة الغير فيه ثمّ علم بعدم الصحّة وجدّد نيّته قبل الزوال لم يجزئه أيضاً بل الأحوط عدم الإجزاء إذا كان جاهلاً بعدم صحّة غيره فيه. وإن لم يقصد الغير أيضاً بل قصد الصوم في الغد مثلاً (**) فيعتبر في مثله تعيين كونه من رمضان ،

______________________________________________________

(١) هل يصحّ صومٌ آخر في شهر رمضان ليتردّد فيحتاج إلى قصد التعيين ، أو أنّه لا يصحّ ، بل هو متعيّن فيه بالذات فلا يحتاج إلى القصد؟

فنقول : إنّ للمسألة صوراً :

إحداها : ما إذا كان المكلّف في نفسه ممنوعاً من الصيام بلا فرقٍ بين رمضان وغيره ، في رمضان أو في غيره ، لفقد شرطٍ أو وجود مانعٍ من مرضٍ أسفرٍ أو حيضٍ أو نفاسٍ ونحو ذلك ، ولا إشكال في بطلان صومه والحال هذه بأيّ عنوان كان ، فلو صام وهو في السفر ولو عن نذر غير متقيد بالسفر بطل ، لأنّ ما دلّ على عدم جواز الصيام في السفر إلّا ما استثني كما في بدل الهدي يدلّ على عدم مشروعيّته في نفسه من غير خصوصيّة لصوم رمضان.

ولا حاجة إلى الاستدلال كما في الجواهر (١) بالنبوي : «ليس من البرّ الصيام في السفر» (٢) ، بل النصوص الصحيحة قد دلّت على ذلك ، التي منها : صحيحة

__________________

(*) على إشكال أحوطه ذلك.

(**) لا يبعد الإجزاء فيه.

(١) جواهر الكلام ١٦ : ٣٣٢ ٣٣٣.

(٢) الوسائل ١٠ : ١٧٧ / أبواب من يصح منه الصوم ب ١ ح ١٠.

١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

صيقل ، قال : كتبت إليه : يا سيّدي ، رجلٌ نذر أن يصوم يوماً من الجمعة دائماً ما بقي ، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيّام تشريق أو سفر أو مرض ، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه ، أو كيف يصنع يا سيّدي؟ فكتب إليه : «قد وضع الله عنك الصيام في هذه الأيّام كلّها ، ويصوم يوماً بدل يوم» (١).

فيعلم منها أنّ هذه الموارد التي منها السفر غير صالحة للصيام ، لا لأجل رمضان ، بل للمانع العامّ الشامل لغيره أيضاً.

الثانية : ما إذا كان الصوم سائغاً من المكلّف في حدّ نفسه ، ولكنّه لا يصحّ إيقاع صوم رمضان بالخصوص لكونه مسافراً ، فهل يصح منه صوم يوم آخر لم يكن السفر مانعاً عنه ، كما لو كان ناذراً صوم يومٍ في السفر إمّا مطلقاً ، أو على تقدير خاصّ ، مثل : أن نذر أن يصوم في اليوم الذي يولد له ولدٌ وإن كان في السفر ، فولد له وهو في السفر وصادف أنّه من شهر رمضان ، فهل يصحّ منه الصوم حينئذٍ وفاءً عن نذره أو لا؟

أمّا دعوى عدم الصحّة استناداً إلى المزاحمة فغير قابلة للإصغاء ، إذ المفروض عدم وقوع رمضان منه ليكون طرفاً للمزاحمة ، لسقوطه عن المسافر وتعيّن القضاء عليه ، فلا بدّ اذن من البحث عن مانعٍ آخر.

وقد قيل بل ادُّعي الإجماع عليه ـ : إنّ أيّام رمضان لا تقبل أيّ صوم ما عدا صوم رمضان ، فإن كان المكلّف معذوراً منه انتفى عنه كلّ صوم في هذا الشهر ، فحال أيام رمضان حال الليالي بالنسبة إلى سائر أقسام الصيام. وعليه ، فلا يصحّ صوم النذر في الفرض المزبور.

ويندفع بعدم تحقّق الإجماع التعبّدي الكاشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) ،

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ١٩٦ / أبواب من يصحّ منه الصوم ب ١٠ ح ٢.

١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ولم ترد رواية تدلّ على المنع ، والآية المباركة أيضاً لا تقتضيه ، فإنّ قوله تعالى (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ) إلخ (١) ، ناظرٌ إلى أنّ المسافر لا يجب عليه صوم رمضان ، لا أنّه لا يصحّ منه صوم آخر وأنّ الشهر لا يكون قابلاً لما عداه ، فهي أجنبيّة عن التعرّض لصوم النذر وغيره بالكلّيّة ، فليس لدينا أيّ دليل يدلّ على المنع ، فنبقى نحن ومقتضى القاعدة ، ولا ريب أنّ مقتضاها هو الجواز ، أخذاً بإطلاق دليل وجوب الوفاء بالنذر المتعلّق بالصوم في السفر بعد الفراغ عن صحّة هذا النذر في نفسه كما هو المفروض الشامل لما إذا كان السفر في رمضان.

وعليه ، فالأقوى صحّة الصوم المزبور بل وجوبه ، عملاً بالنذر ، إلّا أن يقوم إجماعٌ على الخلاف ، وقد عرفت الحال فيه.

الثالثة : ما إذا كان مكلّفاً بالصيام من شهر رمضان.

والبحث هنا يقع في جهات :

الاولى : هل الصوم في شهر رمضان معنون بعنوان خاصّ يجب قصده لدى التصدّي لامتثاله فلا يكفي مجرّد صوم الغد ، أو أنّه عارٍ عن العنوان وغير متقيّد بشي‌ء؟

فصّل في المتن بين صورتي العلم بعدم صحّة غير رمضان في رمضان والجهل بذلك ، فيكفي صوم الغد في الأوّل ولا حاجة إلى قصد خصوصيّة رمضان بعنوانه الخاصّ ، بل يكفي تعلّق القصد بطبيعي الصوم.

وهذا بخلاف الثاني ، إذ مع الجهل وتخيّل صحّة صوم آخر فيه فللصوم في هذا الشهر أقسامٌ بنظره ولم يقصد قسماً خاصّاً ، ولأجله احتاط في كفاية صوم الغد

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٨٤.

١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

واعتبر حينئذٍ تعيين كونه من رمضان.

ولكن الظاهر عدم الفرق بين القسمين :

أمّا في القسم الأوّل : فلا ينبغي الإشكال في الصحّة ، فإنّ الملتفت إلى أنّه لا يصحّ منه أيّ صوم إلّا رمضان وقد قصد طبيعي الصوم وتقرّب بذلك ، فلا جرم يكون هذا منه إشارة إجمالية ونيّة ارتكازيّة إلى صوم رمضان بطبيعة الحال.

ولو تنازلنا عن هذا البيان وفرضنا عدم استقامته ، أمكن تصحيح الصوم المزبور بوجهٍ آخر يظهر منه الحال في القسم الثاني أيضاً بمناطٍ واحد ، وهو أنّه لم يظهر من شي‌ء من الأدلة لا الكتاب ولا السنة أخذ عنوان شهر رمضان في صحّة صومه حتّى يلزم قصده ، بل اللازم تعلّق القصد بنفس الصوم مع العلم بأنّ غداً من رمضان كما هو ظاهر قوله تعالى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (١) أي من علم بالشهر يصوم ذلك الشهر ، بحيث يكون الشهر ظرفاً للصوم لا قيداً مأخوذاً في العنوان ليلزم تعلّق القصد به.

نعم ، يُعتبَر أن لا يقصد عنواناً آخر من العناوين المضادة لرمضان كالكفّارة أو النيابة أو القضاء ونحو ذلك ممّا لا ينطبق عليه ، وأمّا إذا لم يقصد شيئاً منها وقصد طبيعي الصوم غداً القابل للانطباق على رمضان فلم يدلّ أيّ دليل على عدم الاجتزاء به ، فالقيد المعتبر عدمي لا وجودي ، أي يعتبر أن لا يؤخذ عنوانٌ آخر لا أن يؤخذ عنوان رمضان ، ولا فرق في ذلك بين العالم والجاهل من الشاكّ أو المعتقد بالخلاف ، فمتى قصد الطبيعي ولم يقيّده بعنوانٍ آخر صحّ وكان مصداقاً للواجب.

وبعبارةٍ اخرى : الصوم في شهر رمضان كالصوم في سائر الأيّام ، غاية الأمر أنّ الصوم في سائر الأيام بعنوان أنّه صوم مستحبٌّ وهنا واجب ، ولم يؤخذ في

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٨٥.

١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

شي‌ء منهما عنوانٌ آخر وراء نفس الطبيعة.

نعم ، قد يُقصَد عنوانٌ آخر مضادّ ، ولأجله لا يقع عن رمضان ، وذلك أمر آخر نتكلّم فيه.

فتحصّل : أنّ صوم رمضان لا يتوقّف إلّا على نيّة طبيعي الصوم المقيّد بعدم قصد عنوان آخر وبقصد التقرّب ، وكلا الأمرين حاصلٌ حسب الفرض ، والعلم والجهل في ذلك شرع سواء.

الجهة الثانية : لو قصد الملتفت إلى أنّ غداً من رمضان وهو مكلّف به صوماً آخر من قضاءٍ أو كفارةٍ ونحوهما سواء كان عالماً بتعيّن رمضان عليه أم جاهلاً بذلك ، فهل يصحّ صومه؟

أمّا بالنسبة إلى صوم رمضان والاجتزاء به عنه فلا ينبغي الشكّ في عدم الصحّة ، لعدم إتيانه بالمأمور به ، فإنّه كان متقيّداً بعدم قصد عنوان آخر حسبما عرفت في الجهة السابقة ، والمفروض قصده ، فما هو المأمور به لم يأت به ، وما أتى به لم يكن مأموراً به من رمضان ، والإجزاء يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل ، وهذا ظاهر.

وأمّا بالنسبة إلى الصوم الآخر الذي قصده ، فالمشهور والمعروف هو عدم الصحّة ، بل قد ادُّعي الإجماع والتسالم على أنّ شهر رمضان لا يقبل صوماً غيره ، ولكن من المحتمل بل المظنون بل المقطوع به ولا أقلّ من الاطمئنان : أنّ أكثر من ذهب إلى ذلك إنّما ذهبوا بناءً منهم على امتناع الأمر بالضدّين ، فإنّه مأمور بالصيام من رمضان على الفرض فكيف يؤمر في عين الحال بصوم آخر مضادّ له؟! سواء قلنا بأنّ الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضدّه أم لا.

أمّا على الأوّل فواضح ، وكذا على الثاني ، إذ لا أقل من عدم الأمر كما ذكره

١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

شيخنا البهائي (١) فتفسد العبادة من أجل عدم الأمر بها.

ولكن بناءً على ما سلكناه في الأُصول (٢) وسلكه من سبقنا من جواز الأمر بالضدّين على سبيل الترتب بأن يؤمَر بأحدهما مطلقاً ، والآخر على تقدير ترك الأوّل من غير أيّ محذور فيه حسبما فصّلنا القول فيه في محلّه ، وشيّدنا تبعاً لشيخنا الأُستاذ (قدس سره) (٣) أساسه وبنيانه كان مقتضى القاعدة هو الحكم بالصحّة في المقام ، بأن يؤمَر أوّلاً بصوم رمضان ثمّ بغيره على تقدير تركه ، فإنّ هذا ممكن في نفسه حتّى على القول بأنّ الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضدّه فضلاً عن عدمه ، إذ هو نهيٌ غيري لا يقتضي الفساد بوجه ، وقد أشرنا في محلّه إلى أنّ إمكانه مساوقٌ لوقوعه من غير حاجة إلى التماس دليل بالخصوص.

وعليه ، فالحكم بالفساد مشكلٌ جدّاً ، لعدم تماميّة الإجماع ، بل الجزم بعدم التماميّة ، ومقتضى القاعدة هو الحكم بالصحّة حسبما عرفت.

ثمّ إنّ المحقّق الهمداني (قدس سره) ذكر أنّه قصد الملتفت إلى رمضان صوماً غيره جهلاً بحيث تمشّى منه قصد القربة ، وقع عن رمضان دون ما نواه ، نظراً إلى أنّه لا يُعتبَر في رمضان قصد الخصوصيّة ولا تتقوّم حقيقته بشي‌ءٍ عدا الإمساك في هذا الوقت متقرّباً إلى الله تعالى وقد حصل ، وقصد الخلاف زائدٌ يُلغى ، ولا يكون قادحاً ، فإنّه من باب الخطأ في تشخيص الأمر المتوجّه إليه ، فكأنّ الداعي هو ما تخيّله لا ما أُمر به ، ولا ضير فيه بعد حصول الفعل على الوجه الذي تعلّق به الطلب كما عرفت (٤).

__________________

(١) الحبل المتين : ١٥١.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٣١٠.

(٣) أجود التقريرات ١ : ٣١٠.

(٤) مصباح الفقاهة : ١٦٩.

٢٠