موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

فصل

في الخَلل الواقع في الصلاة

أي الإخلال بشي‌ء ممّا يعتبر فيها وجوداً أو عدماً

[٢٠٠٢] مسألة ١ : الخلل إمّا أن يكون عن عمد أو عن جهل أو سهو أو اضطرار أو إكراه أو بالشكّ (١) ، ثمّ إمّا أن يكون بزيادة أو نقيصة ، والزيادة إمّا بركن ، أو غيره ولو بجزء مستحبّ كالقنوت في غير الركعة الثانية أو

______________________________________________________

(١) قسّم (قدس سره) الخلل تقسيماً لا يخلو من نوع من التشويش ، فذكر أنّه إمّا أن يكون عن عمد أو جهل أو سهو أو اضطرار أو إكراه أو بالشكّ وعلى التقادير فامّا أن يكون بزيادة جزء ركني ، أو غيره ولو بجزء مستحبّ ، أو ركعة ، أو بنقص جزء أو شرط ركن أو غير ركن ، أو بكيفية كالجهر والإخفات والترتيب والموالاة ، أو بركعة.

وهذا التقسيم كما ترى غير وجيه ، ضرورة أنّ الاضطرار والإكراه ليسا قسيمين للعمد الذي معناه القصد إلى الفعل ، بل هما قسمان منه ، فانّ ما يصدر من العامد إمّا أن يكون باختياره ورضاه ، أو باضطرار أو إكراه. فالمضطر والمكره أيضاً قاصدان إلى العنوان فعلاً أو تركاً ، فهما عامدان لا محالة كالمختار. كما أنّ الجاهل بالحكم أيضاً كذلك ، فإنّه عامد إلى الموضوع كما لا يخفى ، فلا يحسن عدّه قسيماً للعمد.

١

فيها في غير محلّها ، أو بركعة. والنقيصة إمّا بشرط ركن كالطهارة من الحدث والقبلة ، أو بشرط غير ركن ، أو بجزء ركن أو غير ركن ، أو بكيفية كالجهر والإخفات والترتيب والموالاة أو بركعة.

______________________________________________________

فالأولى أن يقال : إنّ الخلل الصادر من المكلف إمّا أن يكون عن عمد أو سهو ، أي عن قصد إلى العنوان أو بلا قصد ، لعدم خلوّ حالته بالإضافة إلى ما يصدر منه من أحد هذين. والعامد إمّا أن يكون مختاراً أو مضطرّاً أو مكرهاً أو جاهلاً بالحكم.

ثمّ إنّ ما ذكره (قدس سره) في طرف النقيصة من أنّ الناقص إمّا أن يكون جزءاً أو شرطاً أو كيفية غير وجيه أيضاً ، لعدم خروج الكيفية التي ذكرها من الجهر والإخفات والترتيب والموالاة عن الجزء أو الشرط ، وليست قسماً ثالثاً في قبالهما.

فانّ هذه الأُمور إن لوحظ التقيّد بها كانت من الشرائط ، غايته أنّها شرط للجزء كالقراءة لا لنفس الصلاة ، وإن لوحظ أنّ الجزء من الصلاة هي القراءة الخاصّة وهي المتّصفة بالجهر مثلاً أو الترتيب والموالاة فهي من شؤون الجزء والإخلال بها إخلال بالجزء حقيقة. فليس الإخلال بتلك الكيفية إخلالاً بشي‌ء آخر وراء الجزء أو الشرط. ثمّ إنّ في الجزء الاستحبابي كلاماً سيأتي التعرّض إليه.

وكيف ما كان ، فهذا التقسيم وإن لم يكن خالياً عن التشويش كما عرفت لكنّ الأمر سهل ، والبحث عنه قليل الجدوى ، والعمدة إنّما هي التعرّض لما رتّب على هذه الأقسام من الأحكام في المسألة الآتية. وستعرف الحال فيها إن شاء الله تعالى.

٢

(٢٠٠٣) مسألة ٢ : الخلل العمدي موجب لبطلان الصلاة بأقسامه (*) من الزيادة (١)

______________________________________________________

(١) أمّا في الجزء الاستحبابي فلا موضوع لهذا البحث ، إذ لا وجود له كي تتصوّر فيه الزيادة أو النقص ، لما عرفت مراراً من منافاة الجزئية للاستحباب إذ أنّ مقتضى الأوّل الدخل في الماهية وتقوّمها به لتركّبها منه ، ومقتضى الثاني عدم الدخل وجواز الترك.

وهذا من غير فرق بين جزء الطبيعة وجزء الفرد ، إذ لا يزيد هو عليها إلّا بإضافة الوجود ، ففرد الطبيعة ليس إلّا الطبيعة الموجودة بعينها ، ولا يزيد عليها من حيث كونه فرداً لها بشي‌ء أصلاً.

وأمّا سائر الملابسات والخصوصيات التي تقترن بها الأفراد ممّا يوجب المزية أو النقيصة أو لا يوجب شيئاً منهما فهي خارجة عن حقيقة الفرد ، كخروجها عن نفس الطبيعة ، وإنّما هي من العوارض اللّاحقة للأفراد كقصر زيد وطوله وسواده وبياضه ونحو ذلك ، فإنّها غير مقوّمة لفرديّته للإنسان ، كما أنّها غير دخيلة في الطبيعة نفسها ، فلا يتصوّر التفكيك بفرض شي‌ء جزءاً للفرد وعدم كونه جزءاً للطبيعة كما لا يخفى.

وعلى الجملة : فالجزئية تساوق الوجوب ، ولا تكاد تجتمع مع الاستحباب. فالجزء الاستحبابي غير معقول ، وما يتراءى منه ذلك كالقنوت فليس هو من الجزء في شي‌ء ، بل مستحبّ نفسيّ ظرفه الواجب ، فلا تتصوّر فيه الزيادة كي تشمله أدلّة قادحية الزيادة. نعم ، الإتيان به في غير مورد الأمر به بعنوان أنّه مأمور به تشريع محرّم ، إلّا أنّ حرمته لا تسري إلى الصلاة كما هو ظاهر.

__________________

(*) بطلانها بالزيادة العمدية في المستحبات أثناء الصلاة محلّ إشكال ، بل منع.

٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا زيادة الجزء الركني عمداً فضلاً عن الركعة فلا إشكال في كونه موجباً للبطلان ، فانّ ما دلّ على البطلان بزيادته سهواً من عقد الاستثناء في حديث لا تعاد (١) وغيره من الأدلّة الخاصّة نحو قوله (عليه السلام) : «لا يعيد صلاة من سجدة ويعيدها من ركعة» (٢) يدلّ على البطلان في صورة العمد بالأولوية القطعية ، مضافاً إلى التسالم عليه من غير نكير.

إنّما الكلام في زيادة غير الأركان من الأجزاء عامداً ، فالمشهور هو البطلان أيضاً. ويستدلّ له :

تارة : بتوقيفية العبادة ، وأنّ المتلقّاة من صاحب الشرع هي الكيفية الخاصّة غير المشتملة على الزيادة ، فالتخلّف عنها والإتيان بصلاة ذات ثلاث تشهّدات مثلاً خروج عن النحو المقرّر المعهود الواصل إلينا من الشارع المقدس.

وفيه : أنّ هذه مصادرة واضحة ، إذ لم يثبت أنّ الكيفية المزبورة مقيّدة بعدم الزيادة ، بحيث يكون الجزء ملحوظاً بنحو بشرط لا بالنسبة إلى الزائد عليه. ومع الشكّ فهو مدفوع بالأصل ، بناءً على ما هو الصحيح من الرجوع إلى البراءة في دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين.

وأُخرى : بأنّه تشريع محرّم فيبطل. وفيه : أنّ التشريع وإن كان محرّماً ومنطبقاً على نفس الجزء الذي شرع فيه ، إلّا أنّ حرمته لا تسري إلى بقيّة الأجزاء كي تستوجب فساد العمل.

اللهمّ إلّا أن يقصد من الأوّل الأمر المتعلّق بالمركّب من الزائد بنحو التقييد تشريعاً ، حيث إنّه يوجب الفساد حينئذ لا محالة ، لأنّ ما قصده من الأمر لا واقع له ، وما هو الواقع غير مقصود حسب الفرض.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٧١ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨.

(٢) الوسائل ٦ : ٣١٩ / أبواب الركوع ب ١٤ ح ٢.

٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لكنّ البطلان من هذه الناحية خارج عن محلّ الكلام المتمحّض في البطلان من ناحية الزيادة من حيث هي زيادة ، لا بعنوان آخر ممّا قد يكون وقد لا يكون كما لا يخفى.

وثالثة : بأنّ مقتضى القاعدة هو الاشتغال لدى الشكّ في قادحية شي‌ء في صحّة العبادة. وفيه : أنّ المرجع هو أصالة البراءة في أمثال المقام كما عرفت آنفاً.

وعلى الجملة : فهذه الوجوه كلّها ساقطة ، والعمدة إنّما هي الروايات الواردة في المقام.

فمنها : صحيحة زرارة وبكير بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها ، واستقبل صلاته استقبالاً إذا كان قد استيقن يقيناً» (١) ، فانّ مورد الصحيحة هو السهو ، لمكان التعبير بالاستيقان ، وقد دلّت بمقتضى الإطلاق على وجوب الإعادة لكلّ زيادة. فإذا كان الحال كذلك في السهو ففي العمد بطريق أولى.

ويرد عليه أوّلاً : أنّ الرواية وإن رويت كذلك في الكافي والتهذيب (٢) عن زرارة وبكير ، وما في الوسائل من زيادة كلمة (ركعة) بعد قوله : «المكتوبة» اشتباه منه أو من النسّاخ ، لكنّها مروية في الكافي أيضاً في باب السهو في الركوع عن زرارة مشتملة على هذه الزيادة ، ورواها صاحب الوسائل عنه أيضاً مع هذه الزيادة (٣).

ومن المستبعد جدّاً أن تكونا روايتين مستقلّتين مع اتّحادهما سنداً (٤) ومتناً

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٤ / ٢ ، التهذيب ٢ : ١٩٤ / ٧٦٣.

(٣) الوسائل ٦ : ٣١٩ / أبواب الركوع ب ١٤ ح ١ ، الكافي ٣ : ٣٤٨ / ٣.

(٤) [لا يخفى أنّ الرواية المشتملة على كلمة (ركعة) رواها زرارة فقط].

٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بل من المطمأنّ به قوياً أنّهما رواية واحدة مردّدة بين المشتملة عليها وغير المشتملة ، فلم يعلم ما هو الصادر عن المعصوم (عليه السلام).

ومن الجائز أن يكون الصادر ما هو المشتمل على لفظ الركعة ، فلا تدلّ حينئذ على البطلان بزيادة ركن كالسجدتين فضلاً عن زيادة جزء غير ركني كالسجدة الواحدة أو التشهّد كما هو محلّ الكلام ، ومع هذا الاحتمال تسقط الصحيحة عن الاستدلال.

نعم ، يمكن أن يراد من الركعة خصوص الركوع ، لإطلاقها عليه كثيراً في لسان الأخبار (١). وكيف ما كان ، فلا تدلّ على البطلان في مطلق الركن فضلاً عن غيره.

وثانياً : سلّمنا أنّهما روايتان أو أنّ الصادر منه (عليه السلام) ما كان خالياً عن تلك الزيادة ، لكنّ الإطلاق غير مراد جزماً ، لتقييده بما دلّ على عدم الإعادة في زيادة غير الركن سهواً ، من حديث لا تعاد وغيره ، فيختصّ مورد الصحيحة بالأركان أو خصوص الركعة ، فلا دلالة فيها على الإعادة في الجزء غير الركني كي يستفاد منها حكم صورة العمد بالأولوية القطعية.

وما يقال من أنّ الصحيحة تدلّ على الإعادة في صورة السهو بالمطابقة ، وفي صورة العمد بالالتزام من باب الأولويّة القطعية كما ذكر ، فاذا سقطت الدلالة المطابقية في الجزء غير الركني من أجل حديث لا تعاد بقيت الدلالة الالتزامية بحالها ، فيستدلّ بها على البطلان في الزيادة العمدية.

مدفوع بما هو المحقّق في محلّه من تبعية الدلالة الالتزامية للمطابقية في الوجود والحجّية ، فبعد سقوط الدلالة المطابقية لمكان التقييد كما عرفت لم يبق مجال للتمسك بالدلالة الالتزامية (٢).

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣١٣ / أبواب الركوع ب ١٠ ح ٣ ، ٣١٩ / ب ١٤ ح ٣ وغيرهما.

(٢) محاضرات في أُصول الفقه ٣ : ٧٤ وما بعدها ، وأُشير إلى ذلك أيضاً في مصباح الأُصول ٣ : ٣٦٩.

٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى الجملة : مورد الصحيحة إنّما هو الزيادة السهوية من أجل التعبير بالاستيقان ، فلا يمكن التعدّي إلى الزيادة العمدية التي هي محلّ الكلام. ودعوى الأولوية ساقطة كما عرفت.

ومنها : ما رواه الشيخ بإسناده عن عبد الله بن محمّد عن أبي الحسن (عليه السلام) والظاهر أنّه الرضا (عليه السلام) «قال : الطواف المفروض إذا زدت عليه مثلُ الصلاة المفروضة إذا زدت عليها ، فعليك الإعادة ، وكذلك السعي» (١) فانّ التشبيه يقتضي المفروغية عن بطلان الصلاة بالزيادة العمدية التي هي منصرف الرواية أو مشمول لإطلاقها ، ولا ريب أنّ الزيادة المحكومة بالإعادة شاملة لمثل الجزء غير الركني بمقتضى الإطلاق.

أقول : أمّا من حيث السند فالرواية موثّقة وإن عبّر عنها بالخبر في كلام المحقّق الهمداني (٢) المشعر بالضعف ، فانّ عبد الله بن محمّد مردّد بين الحجّال والحضيني وكلاهما ثقة ، إذ الراوي عن أبي الحسن (عليه السلام) ممّن هو معروف وله كتاب منحصر فيهما.

وأمّا من حيث الدلالة فهي ضعيفة ، لقرب دعوى ظهورها بمقتضى مناسبة الحكم والموضوع في الزيادة من ناحية العدد ، بأن يزيد في عدد الركعات كما يزيد في عدد الأشواط ، ولا نظر فيها إلى الزيادة من سائر الجهات كي تشمل مثل زيادة جزء غير ركني.

ويؤيّده أنّ الزيادة في الطواف مبطلة ولو سهواً ، فالأنسب بالتشبيه إرادة مثل هذه الزيادة في الصلاة ، أعني عدد الركعات التي تبطل حتّى سهواً ، دون غير الأركان من الأجزاء التي هي محلّ الكلام.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٦٦ / أبواب الطواف ب ٣٤ ح ١١ ، التهذيب ٥ : ١٥١ / ٤٩٨.

(٢) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٣٩ السطر ٥.

٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمّد (عليه السلام) في حديث شرائع الدين «قال : والتقصير في ثمانية فراسخ وهو بريدان ، وإذا قصّرت أفطرت ، ومن لم يقصّر في السفر لم تجز صلاته ، لأنّه قد زاد في فرض الله عزّ وجل» (١).

دلّ التعليل على أنّ مطلق الزيادة في فرض الله موجب للبطلان. نعم ، خرج عن ذلك من أتمّ في موضع التقصير جاهلاً بالحكم أو ببعض الخصوصيات وكذا من زاد غير الأركان سهواً بمقتضى حديث لا تعاد ، فيبقى الباقي وهو العالم بالحكم والناسي والعامد في زيادة جزء ولو غير ركني تحت الإطلاق.

لكن السند ضعيف جدّاً ، فانّ الصدوق رواها عن جمع من مشايخه ، ولم تثبت وثاقتهم. ومع الإغماض عن ذلك فالوسائط بينهم وبين الأعمش كلّهم ضعفاء أو مجاهيل ، فلا يمكن التعويل عليها بوجه.

ومنها : رواية زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) : «لا تقرأ في المكتوبة بشي‌ء من العزائم ، فإنّ السجود زيادة في المكتوبة» (٢). دلّ التعليل على أنّ مطلق الزيادة العمدية ومنها السجود الذي هو جزء غير ركني موجب للبطلان.

وقد يناقش في دلالتها كما عن الهمداني (٣) وغيره نظراً إلى أنّ عنوان الزيادة متقوّم بالإتيان بالزائد بقصد الجزئية ، إذ ليس مطلق الإتيان بشي‌ء أثناء الصلاة من دون قصد كونه منها زيادةً فيها كما هو واضح ، ومن المعلوم أنّ السجود المفروض في الرواية هو سجود التلاوة لا السجود الصلاتي ، ومعه كيف يتّصف بعنوان الزيادة.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٥٠٨ / أبواب صلاة المسافر ب ١٧ ح ٨ ، الخصال : ٦٠٤ / ٩.

(٢) الوسائل ٦ : ١٠٥ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠ ح ١.

(٣) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٣٩ السطر ١٢.

٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ويندفع بأنّ الأمر وإن كان كما ذكر ، فلا يتّصف شي‌ء بالزيادة إلّا مع قصد الجزئية إلّا أنّ تطبيق ذلك على سجود التلاوة كما تضمّنته الرواية مبنيّ على التعبّد ، ولا ضير في الالتزام بذلك ، فإنّ أمر التطبيق كالتشريع بيد الشارع ، وله التصرّف في مقام الانطباق كالجعل ، ولا يوجب ذلك قدحاً في النصّ ، فكأنه يرى أنّ للسجود خصوصية تستدعي خلوّ الصلاة عن زيادتها ولو زيادة صورية.

ومن هنا نتعدّى من السجود إلى الركوع بالأولوية القطعية وإن كان النصّ خاصاً بالأوّل ، فلا تجوز زيادة الركوع في الصلاة ولو بعنوان آخر كالتعظيم لله من غير قصد الركوع الصلاتي ، فإنّ زيادة السجود صورة لو كانت قادحة فالركوع الذي هو ركن بطريق أولى كما لا يخفى.

لكنّ الذي يهوّن الخطب أنّ الرواية ضعيفة السند وإن عبّر عنها الهمداني بالحسنة (١) وغيره بالمصحّحة ، فانّ في الطريق القاسم بن عروة ، ولم يوثق ، نعم وثّقه المفيد في بعض الكتب المطبوعة المنسوبة إليه (٢) ولكن لم يثبت انطباق المنسوب على المطبوع كما أوعزنا إليه في المعجم (٣).

بقي في المقام روايتان معتبرتان لا بأس بالاستدلال بهما على المطلوب :

إحداهما : صحيحة علي بن جعفر التي يرويها صاحب الوسائل عن كتابه وطريقه إليه صحيح وأمّا الطريق الآخر الذي يرويه عن قرب الإسناد فهو ضعيف من أجل عبد الله بن الحسن قال : «سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة النجم أيركع بها أو يسجد ثمّ يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال : يسجد ثمّ يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب ويركع ، وذلك زيادة في الفريضة ، ولا يعود يقرأ في الفريضة

__________________

(١) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٣٩ السطر ١١.

(٢) المسائل الصاغانية (مصنّفات الشيخ المفيد ٣) : ٧١ ، ٧٢.

(٣) معجم رجال الحديث ١٥ : ٢٩ / ٩٥٤٢.

٩

.................................................................................................

______________________________________________________

بسجدة» (١).

حيث سأله (عليه السلام) عن أنّه هل يركع ويتمّ صلاته ويؤجل السجود للتلاوة لما بعد الصلاة ، أو أنّه يسجد فعلاً ثمّ يسترسل في صلاته فأجاب (عليه السلام) بأنّه لا هذا ولا ذاك ، بل يبادر إلى السجود ثمّ يستأنف الصلاة.

فإنّ قوله (عليه السلام) : «ثمّ يقوم فيقرأ ...» إلخ كناية عن البطلان ، أي يقرأ بالفاتحة بعد التكبيرة ، وإلّا فلا خلل في نفس الفاتحة كي تحتاج إلى الإعادة وعلّله (عليه السلام) بأنّ السجود زيادة في المكتوبة ، الظاهر في أنّ مطلق الزيادة العمدية وإن لم تكن ركنية مبطلة. والإشكال في تطبيق الزيادة على سجود التلاوة قد مرّ الجواب عنه آنفاً فلاحظ.

الثانية : موثّقة أبي بصير من أجل أبان ، وإلّا كانت صحيحة (٢) قال «قال أبو عبد الله (عليه السلام) : من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (٣) ، فإنّ إطلاقها يعمّ الزيادة العمدية ولو في غير الأركان.

وناقش فيها المحقّق الهمداني (قدس سره) بما محصّله : أنّ الزيادة السهوية خارجة عن موضوع هذا الحكم بمقتضى حديث لا تعاد وغيره ، وبما أنّ إرادة العمد خاصّة تستوجب الحمل على الفرد النادر ، لندرة اتّفاق الزيادة العمدية ممّن يتصدّى للامتثال ، فلتحمل على إرادة الزيادة في عدد الركعات أو الزيادة في الأركان ، وبذلك يتحفّظ على الإطلاق من حيث العمد والسهو ، فإنّ زيادة

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٠٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٤٠ ح ٤ ، مسائل علي بن جعفر : ١٨٥ / ٣٦٦ ، قرب الإسناد : ٢٠٢ / ٧٧٦.

(٢) [لاحظ معجم رجال الحديث ١ : ١٤٣ / ٣٧ ، حيث لم يسلّم كونه غير إمامي ، بل صرّح بكونها صحيحة في ص ٤٨ من هذا المجلّد].

(٣) الوسائل ٨ : ٢٣١ / أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب ١٩ ح ٢.

١٠

والنقيصة حتّى بالإخلال بحرف من القراءة أو الأذكار أو بحركة أو بالموالاة بين حروف كلمة أو كلمات آية أو بين بعض الأفعال مع بعض ، وكذا إذا فاتت الموالاة سهواً أو اضطراراً لسعال أو غيره ولم يتدارك بالتكرار متعمداً (١).

______________________________________________________

الركن أو الركعة توجب البطلان عمداً وسهواً ، فلا دلالة فيها على البطلان بزيادة الجزء غير الركني. ثمّ استقرب (قدس سره) إرادة الركعة لمؤيّدات تعرّض إليها (١).

وفيه : أنّ الأمر وإن كان كما ذكره (قدس سره) من عدم إمكان الحمل على خصوص العمد الذي هو فرد نادر ، إلّا أنّه يمكن التحفّظ على الإطلاق بوجه آخر بأن يقال : إنّ إطلاق الموثّق يشمل العمد والسهو ، والركعة وغيرها ، والجزء الركني وغيره ، خرجت عن ذلك بمقتضى حديث لا تعاد صورة واحدة وهي زيادة الجزء غير الركني سهواً ، فيبقى الباقي الشامل لزيادة غير الركن عمداً تحت الإطلاق.

فيكون مفاد الموثّق بعد ملاحظة التقييد المزبور بطلان الصلاة بزيادة الركن أو الركعة عمداً أو سهواً ، وكذا بزيادة غير الركن عمداً ، وبذلك يثبت المطلوب من الدلالة على البطلان بالزيادة العمدية ولو في غير الأركان ، فإنّ خروج تلك الصورة غير مانع عن انعقاد الإطلاق فيما عداها.

(١) إثبات البطلان بالإخلال العمدي في طرف النقيصة أهون منه في طرف الزيادة ، فإنّه مطابق للقاعدة من غير حاجة إلى ورود نصّ بالخصوص ، ضرورة أنّ الأمر المتعلّق بالمركّب لا يكاد يمتثل إلّا بالإتيان بتمام الأجزاء بالأسر ، فالإخلال بالبعض ولو يسيراً كنقص كلمة أو حرف بل حركةٍ إخلال بالكلّ وتركٌ للمركّب بمقتضى فرض الارتباطية الملحوظة بين الأجزاء ، فهو بمثابة ترك الواجب رأساً

__________________

(١) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٥٣٨ السطر ٢٩.

١١

.................................................................................................

______________________________________________________

الموجب للبطلان والإعادة.

ومن مصاديق ذلك الإخلال بالموالاة المعتبرة بين حروف كلمة أو كلمات آية ، أو بين بعض الأفعال مع بعض ، ولو كان ذلك سهواً أو اضطراراً لسعالٍ أو غيره ، فانّ مرجع ذلك إلى الإخلال بنفس الجزء ، فلو لم يتدارك بالتكرار عامداً كان ذلك من الترك العمدي الموجب للفساد ، هذا.

وربما يتوهّم الصحّة استناداً إلى حديث لا تعاد بدعوى شموله حتّى للنقص العمدي وإن كان آثماً حينئذ.

ويندفع بأنّا ولو سلّمنا إمكان التوفيق بين الجزئية وبين الصحّة لدى الترك العمدي ، وأنكرنا التنافي بينهما في مقام الثبوت ، لجواز الجمع بين الأمرين بالالتزام بالترتّب ، بأن يؤمر أوّلاً بمركّب ، وعلى تقدير العصيان وترك بعض الأجزاء يؤمر ثانياً بالمركّب من سائر الأجزاء ، نظير ما التزم به المشهور على ما نسب إليهم من صحّة صلاة الجاهل المقصّر إذا أجهر في موضع الإخفات أو بالعكس ، أو أتمّ في موضع القصر بالخطاب الترتّبي ، أو بوجه آخر مذكور في محلّه (١) مع عقابه على ترك الوظيفة الأوّلية ، لتقصيره فيها بحيث لا يمكن تداركها ، لفوات المحلّ وسقوط الفرض ، إذ يمكن الالتزام بمثل ذلك في صورة العمد أيضاً ، ولا مانع عنه ثبوتاً.

إلّا أنّ الدليل عليه مفقود هنا في مرحلة الإثبات ، لانصراف حديث لا تعاد عن صورة العمد جزماً ، فإنّه ناظر إلى من أتى بوظيفته حسب اعتقاده ثمّ بان الخلاف ، فلا يكاد يشمل العامد الذي يقطع بتركه وإخلاله بالوظيفة بالضرورة.

وإن شئت قلت : إنّ الحديث مسوق لنفي الإعادة فيما إذا حدث داع إليها بعد ما لم يكن ، فلا يشمل موارد وجوده من الأوّل ، ومنه تعرف عدم شموله للمتردّد.

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٣ : ١٦٠ ، ١٧٨.

١٢

(٢٠٠٤) مسألة ٣ : إذا حصل الإخلال بزيادة أو نقصان جهلاً بالحكم فان كان بترك شرط ركن كالإخلال بالطهارة الحدثية ، أو بالقبلة بأن صلّى مستدبراً أو إلى اليمين أو اليسار ، أو بالوقت بأن صلّى قبل دخوله ، أو بنقصان ركعة أو ركوع أو غيرهما من الأجزاء الركنية ، أو بزيادة ركن بطلت الصلاة وإن كان الإخلال بسائر الشروط أو الأجزاء زيادة أو نقصاً فالأحوط الإلحاق بالعمد في البطلان ، لكن الأقوى إجراء حكم السهو عليه (*) (١).

______________________________________________________

(١) لا ريب في البطلان فيما إذا تعلّق ذلك بالأركان جزءاً أو شرطاً ، وأمّا فيما عدا الأركان فلا ريب في عدم البطلان فيما إذا كان الإخلال سهوياً ، فإنّه القدر المتيقّن من حديث لا تعاد.

إنّما الكلام في الإخلال بها جهلاً ، فقد وقع الخلاف حينئذ في الصحّة والبطلان ومنشؤه الخلاف في شمول حديث لا تعاد للجاهل وعدمه. فعن جماعة البطلان لاختصاص الحديث بالناسي.

وممّن أصرّ عليه شيخنا الأُستاذ (قدس سره) بدعوى أنّ الحديث ناظر إلى من هو مكلّف بالإعادة أو بعدمها ، وليس هو إلّا الناسي الذي سقط عنه الخطاب الأوّل من جهة النسيان ، وأمّا الجاهل فهو مكلّف بنفس الخطاب الأوّل ومأمور بامتثال ذاك التكليف ، لعدم سقوط التكليف الواقعي عنه وإن كان معذوراً في ظرف الجهل وغير معاقب على الترك. فنفس التكليف الأوّلي باقٍ على حاله بالإضافة إلى الجاهل ، وهو مأمور بامتثاله ، لا بالإعادة أو بعدمها.

__________________

(*) هذا في غير الجاهل المقصّر ، وفي غير المصلّي إلى غير القبلة وإن كانت صلاته إلى ما بين المشرق والمغرب.

١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا يكاد يشمله الحديث (١).

ويندفع بأنّ التكليف الأوّلي كوجوب السورة مثلاً وإن كان متوجّهاً نحو الجاهل في ظرفه ، وكان مكلّفاً آن ذاك بامتثال ذاك الخطاب بحسب الواقع إلّا أنّه بعد ما تركه في المحلّ المقرّر له شرعاً والتفت إليه بعد تجاوز المحلّ كحال الركوع سقط ذاك التكليف وقتئذ لا محالة ، ولم يكن مكلّفاً عندئذ إلّا بالإعادة أو بعدمها.

فانّ الجزء المتروك إنّما يجب الإتيان به في محلّه الشرعي ، وأمّا بعد التجاوز عنه فلا يمكن تداركه إلّا بالإعادة. فليس هو مكلّفاً حينئذ إلّا بها ، والحديث قد تكفّل نفي الإعادة فيما عدا الأركان. فلا مانع من شموله له كالناسي ، لاشتراكهما في عدم التكليف إلّا بالإعادة أو بعدمها وإن افترقا في توجيه الخطاب الأوّلي في ظرفه نحو الجاهل دون الناسي ، لكن هذا الفرق غير فارق في مشموليتهما فعلاً للحديث بمناط واحد.

نعم ، يختصّ هذا بالجاهل القاصر الذي يكون معذوراً في الترك ، دون المقصّر وذلك لأنّ الظاهر من الحديث أنّه متعرّض لحكم من لولا التذكّر أو انكشاف الخلاف لم يكن مكلّفاً بشي‌ء ، فهو ناظر إلى ما إذا كانت الإعادة أو عدمها معلولاً للتذكّر أو الانكشاف ، بحيث لو استمرّ النسيان أو الجهل لم يتوجّه نحوه التكليف بالإعادة.

وهذا كما ترى خاصّ بالناسي أو الجاهل القاصر ، لوضوح أنّ المقصّر تجب عليه الإعادة بحكم العقل ، سواء انكشف له الخلاف أم لا ، لتنجّز التكليف الواقعي بالنسبة إليه ، وعدم الحصول على المؤمّن بعد أن كان مقصّراً غير معذور.

وعلى الجملة : فالمستفاد من الحديث أنّ مطلق المعذور في ترك جزء أو شرط

__________________

(١) كتاب الصلاة ٣ : ٥.

١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

غير ركني لا تجب عليه الإعادة ، سواء أكان ناسياً أو جاهلاً أو غيرهما.

نعم ، يستثني من ذلك صورة واحدة ، وهي الجاهل بالحكم في باب القبلة بأن كان جاهلاً باعتبار الاستقبال في الصلاة رأساً ، فإنّه تجب عليه الإعادة وإن انكشف أنّه صلّى ما بين المغرب والمشرق ، رعاية للجمع بين النصوص وأخذاً بإطلاق دليل اعتبار الاستقبال بعد ابتلاء المقيّد المتضمّن للتوسعة لما بين المشرق والمغرب بالمعارض ، ووضوح قصور حديث لا تعاد عن الشمول له كما تقدّم كلّ ذلك في أحكام الخلل من باب القبلة (١).

وكيف ما كان ، فلا نرى قصوراً في شمول الحديث للجاهل القاصر ، لصحّة توجيه الخطاب إليه بالإعادة أو بعدمها كالناسي ، فلو ترك السورة مثلاً لاعتقاده اجتهاداً أو تقليداً عدم وجوبها فركع ثمّ تبدّل رأيه حال الركوع ، أو أُخبر حينئذ بموت مقلّده فقلّد من يرى الوجوب ، فإنّه لا سبيل له إلى تدارك السورة حينئذ لتجاوز المحلّ ، فالتكليف بها ساقط جزماً ، ويتوجّه إليه تكليف آخر بالإعادة أو بعدمها ، ومقتضى حديث لا تعاد عدم الإعادة.

وقد عرفت أنّ المقصّر غير مشمول له ، لكون الحديث متكفّلاً لحكم من لم يكن محكوماً بالإعادة في طبعه لو لم ينكشف الخلاف ، والمقصّر محكوم بها وإن لم ينكشف.

والظاهر أنّ مراد الماتن (قدس سره) من الجاهل بالحكم الذي ألحقه بالناسي هو القاصر ، وأمّا المقصّر فلا يظنّ به ذلك ، لما عرفت من قصور الحديث في نفسه عن الشمول له ، مضافاً إلى استفاضة نقل الإجماع على إلحاقه بالعامد.

ثمّ إنّا أشرنا إلى أنّ هذه المسألة أعني إلحاق الجاهل القاصر بالناسي وشمول الحديث لهما أو عدم الإلحاق واختصاصه بالثاني خلافية ، فقد نسب إلى

__________________

(١) شرح العروة ١٢ : ٤٠.

١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

المشهور عدم الإلحاق ، بل أصرّ عليه شيخنا الأُستاذ (قدس سره) ، واختار جمع آخرون منهم السيّد الماتن (قدس سره) الإلحاق ، وهو الأقوى. وغير خفيّ أنّ ثمرة هذه المسألة مهمّة جدّاً ، فإنّها كثيرة الابتلاء والدوران.

منها : موارد تبدّل رأي المجتهد وعدوله عن فتواه فيما عدا الأركان ، بأن رأى وجوب شي‌ء جزءاً أو شرطاً ولم يكن بانياً عليه سابقاً ، فانّ الاجتزاء بالأعمال السابقة في حقّه وحقّ مقلّديه الفاقدة لما يرى اعتباره فعلاً مستنداً إلى جهله القصوري ، لكونه معذوراً في اجتهاده أو اجتهاد مقلّده ، مبنيّ على هذه الكبرى أعني شمول قاعدة لا تعاد للجاهل القاصر ، فتصحّ بناءً على الشمول ، وإلّا وجبت إعادة جميع تلك الصلوات ، بناءً على ما هو المقرّر في محلّه (١) من عدم إجزاء الأمر الظاهري عن الواقعي لدى انكشاف الخلاف ، والإجماع على الإجزاء منقول لا أثر له. فمقتضى القاعدة هو البطلان مع الغض عن حديث لا تعاد.

ومنها : ما لو قلّد شخصاً لم ير وجوب جزء غير ركني فمات ثمّ قلّد شخصاً آخر يرى وجوبه ، فإنّ الإعادة وعدمها مبنيّة أيضاً على شمول الحديث للجاهل المعذور. ومنها : غير ذلك كما لا يخفى.

فحيث إنّ ثمرة المسألة مهمّة فينبغي عطف عنان الكلام حول تحقيق هذه المسألة ، وأنّ حديث لا تعاد هل يشمل الجاهل القاصر أو يختصّ بالناسي كما عليه المشهور ، بعد وضوح عدم شموله للمتعمّد غير المبالي بالدين والجاهل المقصّر ولو لم يكن ملتفتاً حين العمل وتمشّى منه قصد القربة كما تقدّمت الإشارة إليه ، وسيأتي مزيد توضيح له إن شاء الله تعالى ، فنقول :

قد استدلّ للمشهور بوجوه :

أحدها : ما تقدّمت الإشارة إليه من شيخنا الأُستاذ (قدس سره) وحاصله :

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٢٥٠.

١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أنّ المستفاد من الحديث أنّه في مقام بيان حكم من يصحّ الحكم عليه بالإعادة أو بعدمها. وهذا إنّما يتصوّر فيما إذا لم يكن مكلّفاً بأصل الفعل حتّى يتمحض الخطاب المتوجّه إليه بالإعادة ، وليس ذاك إلّا الناسي ، حيث إنّه من أجل عجزه وعدم قدرته يستحيل تكليفه بأصل الصلاة المشتملة على الجزء المنسي.

فالتكليف الواقعي ساقط عنه ، لامتناع توجيه الخطاب نحو الناسي بما هو كذلك ، فلا يحكم في حقّه إلّا بالإعادة أو بعدمها ، لا بنفس العمل ، فيشمله الحديث الذي هو متعرّض لبيان حكم من يصحّ تكليفه بالإعادة أو بعدمها كما عرفت.

وأمّا الجاهل فهو محكوم بنفس العمل ومكلّف بأصل الصلاة ، لعدم سقوط الحكم الواقعي في ظرف الجهل كما هو ساقط في ظرف النسيان ، غايته أنّه غير منجّز في حقّه والعقاب موضوع عنه ، وأمّا الحكم الواقعي فهو باقٍ على حاله فهو مكلّف بنفس الصلاة لا بالإعادة ، ولأجله كان الحديث منصرفاً عنه.

والمناقشة فيما ذكره (قدس سره) واضحة.

أمّا أوّلاً : فلأنّ الجاهل أيضاً ربما يمتنع تكليفه بشي‌ء كما في القاطع المعتقد للخلاف على نحو الجهل المركّب ، فإنّه يستحيل تعلّق التكليف الواقعي بالإضافة إليه كالناسي ، لامتناع تكليف القاطع على خلاف قطعه ، فلو ترك جزءاً قاطعاً بعدم وجوبه ثمّ تبدّل رأيه وانكشف له الخلاف إمّا بعد الصلاة أو أثناءها بعد تجاوز المحلّ فهو غير مكلّف حينئذ إلّا بالإعادة أو بعدمها كما في الناسي ، فيشمله حديث لا تعاد قطعاً ، فاذا شمل الحديث مثل هذا الجاهل شمل غيره أيضاً بعدم القول بالفصل.

وثانياً : أنّ ما ذكره (قدس سره) من اختصاص الحديث بمن لا يكون مكلّفاً بالعمل ووروده في موضوع الإعادة خاصّة ممنوع جدّاً ، فانّ الحديث متكفّل

١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

لبيان حكم الإعادة وعدمها وأنّه متى يعيد ومتى لا يعيد ، وأمّا أنّه قبل ذلك وحين وقوع العمل خارجاً كان مكلّفاً أم لا فالحديث ساكت من هذه الجهة ولا نظر فيه إلى ذلك أبداً ، بل لا إشعار فيه فضلاً عن الدلالة على عدم كونه مكلّفاً بالعمل في ظرفه.

فالجاهل القاصر الملتفت كان مكلّفاً حين القراءة مثلاً بالسورة ، لكنّه حينما ركع سقط عنه التكليف لتجاوز المحلّ ، فيقال له عندئذ أعد أو لا تعد ، فهو فعلاً مكلّف إمّا بالإعادة أو بعدمها وإن كان سابقاً مكلّفاً بنفس العمل ، لكنّه لا أثر له بعد سقوطه وتبدّله بالتكليف بالإعادة. فدعوى الاختصاص بما إذا لم يكن مكلّفاً بالواقع في ظرفه ساقطة جزماً ، والحديث غير قاصر الشمول له ولغيره قطعاً.

الوجه الثاني : ما قد يدّعى من أنّ الحديث لا إطلاق له كي يشمل الجاهل لعدم كونه في مقام البيان إلّا من ناحية الأركان أعني الخمسة المستثناة فهو مسوق لبيان أهميّة هذه الأُمور وأنّ الصلاة تعاد من أجلها ، وأمّا ما عدا الأركان أعني عقد المستثنى منه فليس الحديث في مقام بيان حكمها وأنّها لا تعاد مطلقاً أو في الجملة كي ينعقد له الإطلاق ، والمتيقّن منه صورة النسيان ، كما أنّ العمد غير داخل قطعاً ، وأمّا الجهل فمشكوك الدخول ، فلا مجال للتمسّك بالإطلاق بالإضافة إليه ، ويؤيّد ذلك بالإجماع المستفيض على إلحاق الجاهل بالعامد.

وفيه : أنّ هذه الدعوى أوضح فساداً من سابقتها ، ضرورة أنّ حكم الأركان إنّما استفيد من مفهوم الاستثناء ، والذي عقد له الكلام إنّما هو عدم الإعادة فيما عدا الخمسة ، إذ النظر الاستقلالي متعلّق ابتداءً نحو عقد المستثنى منه ، ومعه كيف يمكن القول بعدم كونه في مقام البيان إلّا من ناحية الأركان.

نعم ، يمكن دعوى العكس ، بأن يمنع عن الإطلاق في الخمسة ، وأنّ الحديث

١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يدلّ إلّا على الإعادة فيها في الجملة وبنحو الموجبة الجزئية ، قبال غير الأركان فانّ لهذه الدعوى مجالاً وإن كانت ساقطة أيضاً كما لا يخفى ، وأمّا نفي كونه في مقام البيان لما عدا الأركان مع أنّه المقصود الأصلي الذي سيق من أجله الكلام فهو في حيّز المنع جدّاً ، ولا ينبغي الإصغاء إليه ، بل قد عرفت أنّ إطلاق الحديث شامل لصورة العمد أيضاً لولا الانصراف المانع عن الالتزام به.

وعلى الجملة : فلا مجال لإنكار الدلالة على الإطلاق الشامل لحالتي الجهل والسهو ، والمنع عن ذلك في غير محلّه.

وأمّا الإجماع المدعى على إلحاق الجاهل بالعامد فجعله مؤيّداً فضلاً عن الاستدلال به كما عن بعض غريب جدّاً ، فانّ مورد الإجماع الذي ادّعاه السيد الرضي وأقرّه عليه أخوه الأجلّ علم الهدى على ما حكاه شيخنا الأنصاري (١) إنّما هو الجاهل المقصّر ، ولذا استثنوا منه الجهر والإخفات والقصر والإتمام فوقعوا في كيفية الجمع بين الصحّة والعقاب في حيص وبيص ، وذهبوا في التفصّي عن الإشكال يميناً وشمالاً.

وأمّا القاصر فلم يقم في مورده إجماع قطعاً ، ولم تثبت دعواه من أحد. فلو كان ثمّة إجماع فمورده المقصّر فقط ، وكلامنا فعلاً في الجاهل القاصر.

الوجه الثالث : ما قد يقال من أنّ الحديث معارض بأدلّة الأجزاء والشرائط مثل قوله (عليه السلام) : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» (٢) أو لمن لم يقم صلبه (٣)

__________________

(١) فرائد الأُصول ١ : ٧١ ، ٢ : ٥٠٨.

(٢) المستدرك ٤ : ١٥٨ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١ ح ٥ [ولا يخفى أنّ هذه الرواية مرسلة ، ولعلّ المقصود مضمونها الوارد في صحيحة محمّد بن مسلم المرويّة في الوسائل ٦ : ٣٧ / أبواب القراءة في الصلاة ب ١ ح ١].

(٣) الوسائل ٥ : ٤٨٨ / أبواب القيام ب ٢ ح ١ ، ٢.

١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ونحو ذلك ، فإنّ إطلاق هذه الأدلّة شامل للعامد والناسي والجاهل ، كإطلاق الحديث ، خرج العامد عن الأخير بالإجماع وغيره ، كما أنّ الناسي خرج عن تلك الأدلّة ، لكونه المتيقّن من مورد الحديث ، فيبقى الجاهل بالحكم مشمولاً لكلا الإطلاقين ، فلا تجب عليه الإعادة بمقتضى الحديث ، وتجب بمقتضى دليل الجزئية لانتفاء المركّب بانتفاء جزئه.

فاذا كانت المعارضة بين الدليلين بالإطلاق سقط الإطلاقان لا محالة ، وحيث لم يثبت الاجتزاء بهذا العمل الناقص فالمرجع حينئذ قاعدة الاشتغال المقتضية لوجوب الإعادة ، بل ربما يرجّح إطلاق تلك الأدلّة من أجل الشهرة القائمة على اختصاص الحديث بالناسي.

وفيه أوّلاً : أنّ حديث لا تعاد لكونه ناظراً إلى أدلّة الأجزاء والشرائط فهو حاكم عليها لا أنّه معارض لها ، ولا شكّ في أنّ إطلاق الدليل الحاكم مقدّم على إطلاق الدليل المحكوم ، فاذا سلّم شمول إطلاق الحديث للجاهل فلا بدّ أن يسلّم تقدّمه على الأدلّة الأوّلية ، ولا تصل النوبة إلى ملاحظة النسبة بينهما أو إعمال قواعد الترجيح كما لا يخفى.

وثانياً : سلّمنا المعارضة وأغضينا النظر عن الحكومة لكن الترجيح بالشهرة ممّا لا مسرح له في المقام ، فإنّ الشهرة المعدودة من المرجّحات في باب التعارض على القول بها إنّما هي الشهرة الروائية بحيث يعدّ ما يقابلها من الشاذّ النادر ، وأمّا الشهرة الفتوائية كما في المقام فليست هي من المرجّحات قطعاً كما أشرنا إليه في الأُصول في بحث التعادل والتراجيح (١).

فغاية ما هناك تعارض الإطلاقين وتساقطهما ، والمرجع حينئذ أصالة البراءة دون الاشتغال ، للشكّ في اعتبار الجزئية في ظرف الجهل ، فانّ المتيقّن اعتبارها

__________________

(١) مصباح الأُصول ٣ : ٤١٢.

٢٠