روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-024-6
الصفحات: ٧١٦
الجزء ١ الجزء ٢

رواية زرارة ، السالفة (١) ؛ جمعاً بين الأخبار خصوصاً مع ضعف هذه الرواية.

ولا يضرّ بلوغ النظر حدّ الاستدبار مع عدم تجاوز الوجه اليمين واليسار.

وهل يكره النظر يميناً وشمالاً مع عدم التفات الوجه؟ يبنى على أنّ خلاف المستحبّ هل هو مكروه أم لا؟ وقد تقدّم الكلام فيه. والأولى كونه خلاف الأولى. ولا يختصّ بالالتفات ، بل بخروجه عن موضع سجوده.

(والتثاؤب) بالهمز ، قال في الصحاح : تقول : تثاءبت ، ولا تقُلْ : تثاوبت (٢).

(والتمطّي) وهو مدّ اليدين.

وروى الحلبي عن الصادق عليه‌السلام وقد سأله عن الرجل يتثأب في الصلاة ويتمطّى ، قال : «هو من الشيطان» (٣).

(والفرقعة) بالأصابع ؛ لما روي عن النبيّ أنّه قال لعليّ : «لا تفرقع أصابعك وأنت تصلّي» (٤) وعنه عليه‌السلام أنّه سمع فرقعة رجل من خلفه فلمّا انصرف قال النبيّ : «أما إنّه حظّه من صلاته» (٥).

(والعبث) لمنافاته الخشوع. وروى أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى رجلاً يعبث في الصلاة ، فقال : «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه» (٦).

(ونفخ موضع السجود) لما روي عن النبيّ «أربع من الجفاء : أن ينفخ في الصلاة ، وأن يمسح وجهه قبل أن ينصرف من الصلاة ، وأن يبول قائماً ، وأن يسمع المنادي فلا يجيبه» (٧).

وروى محمّد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام : قلت : الرجل ينفخ في الصلاة موضع جبهته ، قال : «لا» (٨).

__________________

(١) في ص ٨٨٦.

(٢) الصحاح ١ : ٩٢ ، «ث أ ب».

(٣) التهذيب ٢ : ٣٢٤ / ١٣٢٨.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٣١٠ / ٩٦٥ ، وفيه : «لا تفقّع» بدل «لا تفرقع».

(٥) الكافي ٣ : ٣٦٥ / ٨.

(٦) دعائم الإسلام ١ : ١٧٤.

(٧) سنن البيهقي ٢ : ٤٠٥ / ٣٥٥٢.

(٨) الكافي ٣ : ٣٣٤ / ٨ ؛ التهذيب ٢ : ٣٠٢ ٣٠٣ / ١٢٢٢ ؛ الاستبصار ١ : ٣٢٩ ٣٣٠ / ١٢٣٥.

٤٤١

والمراد منه الكراهة ؛ لقوله عليه‌السلام في حديثين آخرين : «لا بأس» (١).

وهذا إذا لم يخرج من النفخ حرفان ، وإلا ففيه ما مرّ.

(والتنخّم والبصاق) روى أبو بصير عن الصادق عليه‌السلام : «إذا قمت إلى الصلاة فاعلم أنّك بين يدي الله تعالى ، فإن كنت لا تراه فاعلم أنّه يراك ، فاقبل قبل صلاتك ، ولا تمتخط ولا تبصق ولا تنقض أصابعك ولا تورّك ، فإنّ قوماً عُذّبوا بنقض الأصابع» (٢) وهو أصواتها ، يقال : نقض أصابعه ضرب بها لتصوّت. وروى أن النبيّ كان يأخذ النخامة بثوبه (٣).

ويشترط فيهما أن لا يخرج معهما حرفان ، وإلا ففيه ما مرّ.

(والتأوّه بحرفٍ) واحد. واصلة قول : «أوّه» عند الشكاية والتوجّع. والمراد هنا النطق بهذا الصوت على وجه لا يظهر منه حرفان.

(والأنين به) أي بالحرف الواحد. وهو مثل التأوّه ، إلا أنّ الأنين للمريض ، والتأوّه للأعمّ منه.

وإنّما كره كلّ منهما ؛ لقربه إلى الكلام مع عدم تمييز الحرفين منه ، وإلا أبطل ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : «مَنْ أنّ [في صلاته] فقد تكلّم» (٤) وقد تقدّم الكلام فيه.

(ومدافعة الأخبثين أو الريح) لما فيه من سلب الخشوع.

ولقول النبيّ : «لا صلاة لحاقن» (٥) وقوله عليه‌السلام لا تصلّ وأنت تجد شيئاً من الأخبثين (٦). وكذا مدافعة النوم ؛ للاشتراك في العلّة.

وقيل (٧) : إنّه المراد بالسكر في قوله تعالى (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) (٨).

وإنّما تكره إذا كانت المدافعة قبل الصلاة والوقت متّسع ، أمّا لو عرضت في أثناء الصلاة أو

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٢٩ / ١٣٥١ ، و ٣٠٢ / ١٢٢٠ ؛ الاستبصار ١ : ٣٢٩ / ١٢٣٤ ، و ٣٣٠ / ١٢٣٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٢٥ / ١٣٣٢.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٣٨٩ ٣٩٠ / ٥٥٠ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ٣٢٧ / ١٠٢٤.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٣٠ / ١٣٥٦ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٥) أورد نصّه الشهيد في الذكرى ٤ : ٢٢ ؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٣٦٢.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٢٦ / ١٣٣٣.

(٧) القائل هو الضحّاك كما في التبيان ٣ : ٢٠٦.

(٨) النساء (٤) : ٤٣.

٤٤٢

كان الوقت ضيّقاً ، لم تكره ؛ لتحريم قطع الصلاة ، ووجوب الاشتغال بها مع الضيق.

نعم ، لو عجز عن المدافعة أو خشي ضرراً ، جاز القطع.

وقد روى عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي الحسن عليه‌السلام حين سأله عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع الصبر عليه أيصلّي على تلك الحالة أو لا؟ فقال : «إن احتمل الصبر ولم يخف إعجالاً عن الصلاة فليصلّ وليصبر» (١).

قال في البيان : ولا يجبره يعني مدافعة الثلاثة فضيلة الائتمام أو شرف البقعة ، وفي نفي الكراهة باحتياجه إلى التيمّم نظر (٢).

(ويحرم قطع الصلاة) الواجبة (اختياراً) لقوله تعالى (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) (٣) والنهي للتحريم ، خرج منه ما أخرجه الدليل ، فيبقى الباقي.

(ويجوز للضرورة) كقبض الغريم ، وحفظ النفس المحترمة من التلف أو الضرر ، كالصبي الذي يخاف وقوعه في النار أو البئر ، وإنقاذ الغريق ، وقتل الحيّة التي يخافها على نفس محترمة ، وإحراز المال المخوف ضياعه ، وقد تقدّم جواز القطع عند خوف ضرر الحدث مع إمساكه. ومثله ما لو ظنّ سريان النجاسة إلى ثوبه أو بدنه.

واعلم أنّ القطع يجي‌ء فيه الأحكام الخمسة ، فيجب لحفظ النفس والمال المحترمين حيث يتعيّن عليه ، فإن استمرّ حينئذٍ ، بطلت صلاته ؛ للنهي المفسد لها.

ويستحبّ ، كالقطع لاستدراك الأذان والإقامة وقراءة الجمعة والمنافقين في الظهر والجمعة ، وقد تقدّما ، وللائتمام بإمام الأصل ، وغيره ، كما سيأتي.

ويباح لإحراز المال اليسير الذي لا يضرّ فواته ، وقتل الحيّة التي لا يظنّ أذاها.

ويكره لإحراز المال اليسير الذي لا يبالي بفواته ، قاله في الذكرى ، واحتمل التحريم (٤). وقد سبق تحريمه في غير ذلك.

قال في الذكرى : وإذا أراد القطع ، فالأجود التحلّل بالتسليم ؛ لعموم «وتحليلها

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٦٤ / ٣ ؛ الفقيه ١ : ٢٤٠ / ١٠٦١ ؛ وفي التهذيب ٢ : ٣٢٤ / ١٣٢٦ عن عبد الله بن الحجّاج.

(٢) البيان : ١٨٥.

(٣) سورة محمّدُ (٤٧) : ٣٣.

(٤) الذكرى ٤ : ٦.

٤٤٣

التسليم» (١) ولو ضاق الحال عنه ، سقط. ولو لم يأت به وفَعَل منافياً آخر ، فالأقرب : عدم الإثم ؛ لأنّ القطع سائغ ، والتسليم إنّما يجب التحلّل به في الصلاة التامّة (٢).

(و) كذا يجوز (الدعاء) في أثناء الصلاة قائماً أو قاعداً أو راكعاً أو ساجداً أو متشهّداً (بالمباح للدين والدنيا) لعموم قوله تعالى (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (٣).

ولأنّ النبيّ دعا على قوم ولقوم قائماً (٤). وقال ادعوا الله في سجودكم فإنّه قَمِن أن يستجاب لكم (٥). وعن الصادق عليه‌السلام كلّ ما كلّمت الله به في صلاة الفريضة فلا بأس به (٦). و (لا) يجوز الدعاء بالشي‌ء (المحرّم) فتبطل به الصلاة.

ولو جهل تحريم المدعوّ به ، ففي بطلان الصلاة به نظر : من عدم وصفه بالنهي ، وتفريطه بترك التعلّم.

ورجّح في الذكرى الصحّة (٧) ، وقطع المصنّف بعدم عذره (٨).

ولا يعذر جاهل كون الحرام مبطلاً ؛ لتكليفه بترك الحرام ، وجهله تقصير منه.

وكذا الكلام في سائر منافيات الصلاة لا يخرجها الجهل بالحكم عن المنافاة.

ويظهر من الشيخ في التهذيب (٩) أنّ الجهل بالحكم عذر.

(و) كذا يجوز (ردّ السلام) على المسلّم ؛ لعموم قوله تعالى :

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ١٠١ / ٢٧٥ و ٢٧٦ ؛ سنن أبي داوُد ١ : ١٦ / ٦١ ؛ سنن الترمذي ١ : ٨ ٩ / ٣ ، و ٢ : ٣ / ٢٣٨ ؛ سنن الدارقطني ١ : ٣٥٩ / ١ ، و ٣٧٩ / ١ ؛ سنن البيهقي ٢ : ٥٣١ / ٣٩٧١ ؛ مسند أحمد ١ : ٢٠٨ / ١٠٧٥ ؛ المصنّف لابن أبي شيبة ١ : ٢٢٩.

(٢) الذكرى ٤ : ٦.

(٣) غافر (٤٠) : ٦٠.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٤٦٦ ٤٦٧ / ٦٧٥ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ٣٩٤ / ١٢٤٤ ؛ سنن النسائي ٢ : ٢٠١ ؛ مسند أحمد ٢ : ٤٧٥ / ٧٢١٩.

(٥) صحيح مسلم ١ : ٣٤٨ / ٤٧٩ ؛ سنن النسائي ٢ : ١٨٩ ١٩٠ ؛ سنن أبي داوُد ١ : ٢٣٢ / ٨٧٦ ؛ مسند أحمد ١ : ٢٥٠ / ١٣٣٢ ؛ مسند أبي يعلى ١ : ٣٣١ / ٤١٦ ؛ المصنّف لعبد الرزّاق ٢ : ١٤٥ ١٤٦ / ٢٨٣٩.

(٦) الكافي ٣ : ٣٠٢ / ٥ ؛ التهذيب ٢ : ٣٢٥ / ١٣٣٠.

(٧) الذكرى ٤ : ١٥.

(٨) نهاية الإحكام ١ : ٥١٩.

(٩) انظر : التهذيب ٢ : ١٨١ ذيل الحديث ٧٢٦.

٤٤٤

(فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) (١) والصلاة غير منافية لذلك.

وليكن الردّ (بالمثل) فيقول لمن قال : سلام عليكم ، كذلك ، ولا يقول : وعليكم السلام ، وإن جاز في غيرها ، رواه عثمان بن عيسى عن الصادق عليه‌السلام (٢).

وروى محمّد بن مسلم في الصحيح قال : دخلت على أبي جعفر وهو في الصلاة ، فقلت : السلام عليك ، فقال : «السلام عليك» فقلت : كيف أصبحت؟ فسكت ، فلمّا انصرف قلت له : أيردّ السلام وهو في الصلاة؟ فقال : «نعم ، مثل ما قيل له» (٣).

وهذا الخبر يقتضي عدم انحصار الجواب في «سلام عليكم» لوروده في القرآن (٤). وعلى تقدير الردّ به لا يجب أن يقصد به القرآن ؛ للإطلاق ، ولتجويز غيره ممّا لا يتصوّر فيه قصد القرآن.

وخالف ابن إدريس في اعتبار المثل ، فجوّز الردّ بقوله : عليكم السلام ، خصوصاً مع تسليم المسلّم به ؛ لعموم الآية (٥) ، واستضعافاً لخبر الواحد (٦). والأصحاب على خلافه.

ولا يقدح في المثل زيادة الميم في «عليكم» في الجواب لمن حذفه ؛ لأنّه أزيد ، دون العكس ؛ لأنّه أدون.

ويجب على المجيب إسماعه تحقيقاً أو تقديراً ؛ لأنّه المفهوم من الأمر.

ولو ردّ غيره ، اكتفي إن كان مكلّفاً.

وفي الاكتفاء بردّ الصبيّ المميّز وجهان مبنيّان على أنّ أفعاله شرعيّة أو تمرينيّة ، وحيث كان الراجح الثاني لم يكتف بجوابه. أمّا غير المميّز فلا إشكال في العدم.

ولو كان المسلّم مميّزاً ، ففي وجوب الردّ عليه نظر ، أقربه : الوجوب.

ولو ردّ المصلّي بعد قيام مكلّفٍ آخر ، قال في الذكرى : لم يضرّ ؛ لأنّه مشروع في الجملة.

__________________

(١) النساء (٤) : ٨٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٢٨ / ١٣٤٨ ؛ وفي الكافي ٣ : ٣٦٦ / ١ عن عثمان بن عيسى عن سماعة عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٢٩ / ١٣٤٩.

(٤) الأنعام (٦) : ٥٤ ؛ الأعراف (٧) : ٤٦ ؛ الرعد (١٣) : ٢٤ ؛ القصص (٢٨) : ٥٥ ؛ الزمر (٣٩) : ٧٣.

(٥) النساء (٤) : ٨٦.

(٦) السرائر ١ : ٢٣٦ ٢٣٧.

٤٤٥

وتوقّف في استحبابه كما في غير الصلاة (١).

والأجود جوازه واستحبابه ؛ لعموم الأوامر ؛ إذ لا شكّ أنّه مسلّم عليه مع دخوله في العموم ، فيخاطب بالردّ استحباباً إن لم يكن واجباً. وزوال الوجوب الكفائي لا يقدح في بقاء الاستحباب ، كما في غير الصلاة ، فإنّ استحباب ردّ الثاني متحقّق اتّفاقاً إن لم يوصف بالوجوب معلّلاً بالأمر.

ولو اشترطنا في جواز الردّ قصد القرآن ، كما يظهر من الشيخ (٢) ، أو علّلنا جوازه في الصلاة بأنّه قرآن صورةً وإن لم يقصد ، كما ذكره بعض (٣) الأصحاب ، فلا إشكال في جواز ردّ المصلّي بعد سقوط الوجوب.

والمراد من الجواز في العبارة معناه الأعمّ ، وهو الشامل ما عدا الحرام ، فإنّ الردّ على تقدير مشروعيّته واجب لا جائز بالمعنى الأخصّ ؛ لعموم الأمر المقتضي للوجوب ، فلو ترك الردّ أثم.

وهل تبطل الصلاة؟ قيل : نعم ؛ للنهي المقتضي للفساد (٤).

ويضعّف بأنّ النهي عن أمرٍ خارج عن الصلاة ، فلا يؤثّر فيها.

وربما قيل : إنّه إن أتى بشي‌ء من الأذكار في زمان الردّ ، بطلت ؛ لتحقّق النهي عنه (٥).

وهو ممنوع ؛ لأنّ الأمر لا يقتضي النهي عن الأضداد الخاصّة ، بل عن مطلق النقيض ، وهو المنع من الترك ، وقد تقدّم الكلام فيه ، فالمتّجه عدم البطلان مطلقاً.

ولو حيّاه بغير السلام كالصباح والمساء ، ففي جواز ردّه نظر : من الشكّ في كونه تحيّةً شرعاً.

واستقرب الشهيد في البيان الوجوب بلفظ السلام أو الدعاء أو بمثله مع قصد الدعاء (٦).

__________________

(١) الذكرى ٤ : ٢٧.

(٢) كما في الذكرى ٤ : ٢٦ ؛ وانظر : الخلاف ١ : ٣٨٨ ٣٨٩ ، المسألة ١٤١.

(٣) الشهيد في الذكرى ٤ : ٢٦ ؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٣٥٧.

(٤) كما في جامع المقاصد ٢ : ٣٥٧ ؛ وانظر : مختلف الشيعة ٢ : ٢١٩ ، المسألة ١٢٥.

(٥) كما في جامع المقاصد ٢ : ٣٥٧.

(٦) البيان : ١٨٣ ١٨٤.

٤٤٦

وأوجب المصنّف ردّ كلّ ما يسمّى تحيّةً ؛ لظاهر الآية ، وجوّز الردّ بلفظ المحيّي وبلفظ «سلام عليكم» (١).

(و) كذا يجوز (التسميت) بالسين والشين للعاطس ، وهو الدعاء له عند العطاس بقوله : يرحمك الله.

قال أبو العبّاس : الاختيار بالسين ؛ لأنّه مأخوذ من السمت ، وهو القصد والمَحَجّة (٢).

وفي الصحاح : كلّ داعٍ لأحد بخير فهو مسمّت (٣).

وإنّما استحبّ ؛ لأنّه دعاء ، وقد عرفت جوازه في الصلاة وإن لم يرد به هنا نصّ خاصّ.

والأمر بتسميت العاطس عامّ ، فيتناول حالة الصلاة ؛ لعدم المنافاة.

وتردّد فيه في المعتبر ، ثمّ جَعَل الجواز قضيّة المذهب بعد أن جوّز التسميت وجَعَله حمداً لله تعالى والصلاة على النبيّ عند سماع العطاس ، وتردّد في الدعاء له (٤).

وهل يجب على العاطس الردّ إذا سُمّت؟ نظر : من الشكّ في كونه تحيّةً شرعاً ؛ لأنّه في الظاهر دعاء. وعلى كلّ حال فجوابه مشروع في الصلاة أيضاً.

والمراد بالجواز هنا أيضاً معناه الأعمّ ، فإنّ التسميت مستحبّ خصوصاً إذا حمد العاطس الله تعالى.

(و) كذا يجوز على وجه الاستحباب (الحمد) لله ، والصلاة على النبيّ (عند العطسة) من العاطس وسامعه ؛ للعموم الشامل لحالة الصلاة.

ولقول الصادق عليه‌السلام في رواية الحلبي : «إذا عطس الرجل في الصلاة فليقل : الحمد لله» (٥).

وسألهُ أبو بصير : أسمع العطسة فأحمد الله تعالى وأُصلّي على النبيّ وأنا في

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ٥١٨.

(٢) حكاه عنه الجوهري في الصحاح ١ : ٢٥٤ ، «س م ت».

(٣) الصحاح ١ : ٢٥٥ ، «ش م ت».

(٤) المعتبر ٢ : ٢٦٢ ٢٦٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٣٢ / ١٣٦٧.

٤٤٧

الصلاة ، قال : «نعم وإن كان بينك وبين صاحبك اليمّ» (١).

(المطلب الثاني : في السهو والشكّ)

السهو عزوب المعنى عن القوّة الذاكرة مع ثبوته في الحافظة بحيث يلحظه الذهن عند التفاته إليه ، وذهابه عن الخزانتين معاً يطلق عليه النسيان.

والمراد بالسهو هنا ما يعمّ الأمرين.

والشكّ تساوي الاعتقادين المتضادّين وتكافؤهما.

وقد يطلق السهو على الشكّ ؛ لاشتراكهما في العبارة ، ولكون السهو سبباً في الشكّ غالباً ، فأُطلق اسم السبب على المسبّب.

وقد استعمله المصنّف في قوله (لا حكم للسهو مع غلبة الظنّ) بأحد الطرفين ، بل يبنى على الطرف الراجح ؛ لقول النبيّ إذا شكّ أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليبن عليه (٢). وعن الصادق عليه‌السلام إذا وقع وهمك على الثلاث فابن عليه ، وإن وقع وهمك على الأربع فسلّم وانصرف (٣). ولأنّ تحصيل اليقين عسر في كثير من الأحوال ، فاكتفي بالظنّ تحصيلاً لليسر ودفعاً للعسر.

وتنقيح المسألة يتمّ بمباحث :

أ ـ إنّك قد عرفت أنّ السهو زوال المعنى عن القوّة وارتفاعه عن البال ، والشكّ تساوي الاعتقادين ، المقتضي لحضورهما بالبال ، وتردّد الذهن بينهما بحيث لا يترجّح أحدهما ، ومن المقرّر أن الظنّ ترجيح أحد الأمرين على الآخر ترجيحاً غير مانع من النقيض وغلبة قوّة هذا الترجيح.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣٩ / ١٣٦٨ ؛ التهذيب ٢ : ٣٣٢ / ١٣٦٨.

(٢) أورد نصّه الشهيد في الذكرى ٤ : ٥٤ ؛ وفي صحيح مسلم ١ : ٤٠٠ / ٥٧٢ ؛ وسنن النسائي ٣ : ٢٨ ؛ ومسند أحمد ٢ : ١١ / ٤١٦٣ ؛ والمعجم الكبير للطبراني ١٠ : ٢٥ ٢٦ / ٩٨٢٥ ٩٨٢٨ بتفاوت في اللفظ.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٣ / ٧ ؛ التهذيب ٢ : ١٨٤ / ٧٣٣.

٤٤٨

ولا يخفى حينئذٍ أنّ السهو لا يجتمع مع الظنّ ؛ لتضادّهما في الحضور القلبي وعدمه ، والمعيّة تقتضي الاجتماع. وأمّا (١) الشكّ فإنّه وإن شارك الظنّ في حضور متعلّقهما بالبال لكن شرط الشكّ تساوي الاعتقادين والظنّ اختلافهما وترجيح أحدهما على الآخر ، فلا يتحقّق بينهما أيضاً الاجتماع الحقيقي. لكن يمكن فرض اجتماعهما بضربٍ من التجوّز ، فإنّ الشكّ يعرض أوّلاً ثمّ يجب على الشاكّ التروّي ، فإن غلب وترجّح عنده أحد الطرفين بعد أن كانا متساويين ، عمل على الراجح ، فباعتبار اتّصال الشكّ بغلبة الظنّ في زمانٍ قصير وترتّب أحدهما على الآخر في حضور واحد متّصل جاز التعبير عنهما بالمعيّة ، فيكون في العبارة مجازان ، أحدهما : استعمال لفظ السهو في الشكّ. والثاني : جَعْله الشكّ مجامعاً لغلبة الظنّ بأحد الطرفين.

ب ـ أنّ في قوله : «لا حكم لهذه المسألة ونظائرها» حكماً بذلك ؛ فإنّ الحكم بعدم الحكم حكم ، وهو يناقض ظاهراً عدم الحكم.

وتوجيهه : أنّ الحكم المنفي ليس هو مطلق الحكم ، بل حكم خاصّ ، وهو الحكم المبحوث عنه في هذا الباب من سجود السهو والاحتياط ونحوهما ، وهو لا ينافي ثبوت حكمٍ آخر لها. ويدلّ على إرادة الخاصّ سياق الكلام ومبحثه.

ج ـ أنّه اعتبر في سقوط الحكم غلبة الظنّ ، وقد عرفت أنّه أمر آخر وراء الظنّ ، وهو يقتضي عدم الاكتفاء بمطلق الظنّ ، والنصّ يدلّ على الاكتفاء به ؛ لما تقدّم من تعليق البناء على وقوع الوهم ، والمراد به هنا الظنّ ، وهو مطلق ترجيح أحد النقيضين. ولو أُريد به معناه المتعارف وهو الطرف المرجوح لم تكن حقيقته مرادةً إجماعاً ، فيصار إلى المجاز ، وهو القدر الراجح مطلقاً ، أو إلى أقرب المجازات إلى الحقيقة ، وهو أوّل مراتب الرجحان. والاكتفاء به في البناء يستلزم الاكتفاء بما هو أقوى منه بطريقٍ أولى. وكأنّ مَنْ عبّر بالغلبة تجوّز بسبب أنّ الظنّ لمّا كان غالباً بالنسبة إلى الشكّ والوهم وصفه بما هو لازم له وأضاف الصفة إلى موصوفها بنوعٍ من التكلّف.

د ـ معنى عدم الحكم مع غلبة الظنّ العمل على الطرف المظنون من غير أن يرتّب عليه ما يأتي من الأحكام ، كما نبّهنا عليه ، فإذا غلب ظنّ الشاكّ مثلاً بين الثلاث والأربع بعد

__________________

(١) في الطبعة الحجريّة : فأمّا.

٤٤٩

التروّي على الثلاث ، بنى عليها وأكملها ركعة ، ولا احتياط ، أو على الأربع ، بنى عليها كذلك.

ولو كان الشكّ بين الأربع والخمس فغلب ظنّه على الخمس ، بطلت صلاته إن لم يكن جلس عقيب الرابعة بقدر التشهّد. وإن غلب على الأربع ، سلّم ، ولا يجب عليه سجود السهو. وإن تساوى الاحتمالان ، فسيأتي حكمه.

هـ ـ لا فرق في ذلك بين الأُوليين والأخيرتين ، ولا بين الرباعيّة والثلاثيّة والثنائيّة ، فإذا حصل الشكّ في موضعٍ يوجب البطلان كالثنائيّة وغلب الظنّ على أحد الطرفين ، بنى عليه. وإن تساويا ، بطلت حتى لو لم يدر كَمْ صلّى وظنّ عدداً معيّناً ، بنى عليه ، وإنّما تبطل الصلاة مع تساوي الاحتمالات في الأعداد.

وقد نبّه عليه في رواية صفوان عن أبي الحسن عليه‌السلام إذا لم تدر كَمْ صلّيت ولم يقع وهمك على شي‌ء فأعد الصلاة (١) وأراد بالوهم الظنّ ، كما مرّ. وهو المستعمل في النصوص.

وكذا لا فرق في ذلك بين الأفعال والركعات.

(و) كذا (لا) حكم (لناسي القراءة أو) ناسي (الجهر أو الإخفات) في مواضعهما (أو) ناسي بعض القراءة ، مثل (قراءة الحمد) وحدها (أو السورة) وحدها (حتى يركع) فإنّ نسيان ذلك كلّه لا يُبطل الصلاةَ ، ولا يوجب تلافياً ؛ لعموم «رُفع عن أُمّتي الخطأ والنسيان» (٢).

وسأل منصور بن حازم الصادق ، فقال : صلّيت المكتوبة ونسيت أن أقرأ في صلاتي كلّها ، فقال : «أليس قد أتممت الركوع والسجود؟» فقال له : بلى ، فقال : «تمّت صلاتك» (٣).

وناسي صفة القراءة كالجهر والإخفات يعذر بطريقٍ أولى.

ومقتضى عطفهما على ناسي القراءة إلى أن يركع أنّه لو ذكر قبل الركوع ، رجع إليهما. والمسألة موضع إشكال.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٨ / ١ ؛ التهذيب ٢ : ١٨٧ / ٧٤٤ ؛ الاستبصار ١ : ٣٧٣ / ١٤١٩.

(٢) كنز العمّال ٤ : ٢٣٣ / ١٠٣٠٧ نقلاً عن الطبراني في المعجم الكبير.

(٣) الكافي ٣ : ٣٤٨ (باب السهو في القراءة) ح ٣ ؛ التهذيب ٢ : ١٤٦ / ٥٧٠ ؛ الاستبصار ١ : ٣٥٣ ٣٥٤ / ١٣٣٦.

٤٥٠

والذي جزم به المصنّف في النهاية أنّه لا يرجع إليهما إذا ذكرهما بعد الفراغ من القراءة وقبل الركوع (١). وهو حسن.

لكنّه استدلّ على ذلك بأنّ النسيان في أصل القراءة عذر ، ففي كيفيّتها أولى (٢).

وهذا الدليل ليس بشي‌ء ، ولا يستلزم المدّعى ؛ لأنّ نسيان القراءة إنّما يكون عذراً مع ذكرها بعد الركوع لا قبله ، فلحوق الكيفيّة بالأصل يوجب العود إليها قبل الركوع.

والأولى الاستدلال على عدم العود بخبر زرارة ، المتقدّم (٣) في صدر الباب ، وهو قول الباقر عليه‌السلام لمّا سُئل عن رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفات فيه ، فقال عليه‌السلام : «إن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شي‌ء عليه ، وقد تمّت صلاته» فإنّه يدلّ بظاهره على عدم وجوب العود إليهما مطلقاً ، وإلا لم تتمّ الصلاة بدونه ، ولكان عليه شي‌ء ، وقد حكمُ بخلاف ذلك ، وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة أو الخطاب.

(و) كذا (لا) حكم (لناسي ذكر الركوع أو الطمأنينة فيه) أي في الركوع (حتى ينتصب) من الركوع ؛ لأنّ عليّاً سُئل عن رجل ركع ولم يسبّح ناسياً ، قال : «تمّت صلاته». (٤)

وسُئل الكاظم عليه‌السلام عن رجل نسي تسبيحة في ركوعه أو سجوده ، قال : «لا بأس بذلك». (٥)

(ولا لناسي الرفع) من الركوع (أو الطمأنينة فيه) أي في الرفع (حتى يسجد ، أو الذكر في السجدتين أو السجود على) مجموع (الأعضاء) غير الجبهة.

وإنّما قيّدنا بذلك ؛ لأنّ من جملة الأعضاء الجبهة ، ولا يتحقّق السجود بدونها ، فنسيانها في السجدتين يُبطل الصلاة ، فلمّا جَعَله المصنّف ممّا لا حكم له عُلم أنّه يريد بالأعضاء غيرها.

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ٥٣٢.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٥٣٢.

(٣) في ص ٨٨٠.

(٤) التهذيب ٢ : ١٥٧ / ٦١٢.

(٥) التهذيب ٢ : ١٥٧ / ٦١٤.

٤٥١

(أو) ناسي (الطمأنينة فيهما) أي في السجدتين (أو) ناسيها (في الجلوس بينهما) ولم يذكر حتّى انتقل عن محلّه.

(و) كذا (لا) حكم (للسهو في السهو) لقول الصادق عليه‌السلام في حسنة حفص : «ليس على السهو سهو» (١).

ولأنّه لو تداركه لأمكن أن يسهو ثانياً ، ويطول التدارك ، ويستلزم مشقّةً وحرجاً منفيّين.

وفُسّر بأن يسهو في سجدتي السهو عن ذكرٍ أو طمأنينةٍ أو غيرهما ممّا لا يتلافى لو كان في الصلاة.

وكذا لو سها في صلاة الاحتياط عن ذلك ، أو سها عن تسبيح السجدة المنسيّة أو عن السجود على بعض الأعضاء عدا الجبهة حتّى تجاوز محلّه ، فإنّه لا يجب فيه سجود السهو وإن وجب لو كان في غيرها.

وربما استعمل السهو هنا في الشكّ كما استعمل الشكّ فيه ، كما تقدّم. وفُسّر بأن يشكّ في وقوع السهو منه ، أو في وقوع الشكّ ، أو يتحقّق الوقوع ويشكّ في كون الواقع له حكم أم لا ، لكونه نسي تعيينه.

ولو انحصر فيما يتدارك كالسجدة والتشهّد ، أتى بهما جميعاً ؛ لاشتغال ذمّته ، وعدم يقين البراءة بدونه.

ولو انحصر فيما يُبطل وما لا يُبطل ، فالظاهر عدم البطلان ؛ للشكّ فيه ، وأصالة الصحّة ، وهو خيرة البيان (٢).

أو يشكّ في عدد سجدتي السهو أو عدد الاحتياط أو في أفعالهما قبل تجاوز المحلّ ، فيبني على فعل المشكوك فيه ، إلا أن يستلزم الزيادةَ ، كما لو شكّ هل سجد اثنتين أم ثلاثاً ، أو صلّى في الاحتياط ركعتين أم ثلاثاً؟ فإنّه يبني على المصحّح.

ولو سها عمّا يتلافى بعد الصلاة كالسجدة أو (٣) التشهّد وتجاوز محلّه ، قضاه ، لكن لا يسجد له.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٩ / ٧ ؛ التهذيب ٢ : ٣٤٤ / ١٤٢٨.

(٢) قال الشهيد في البيان : ٢٥٥ : ولو انحصر بين مبطل وغيره ، فالأقرب : الإبطال.

(٣) في «ق» والطبعة الحجريّة : «و» بدل «أو».

٤٥٢

ولو تيقّن فعْلَ أو تركَ ما يُبطل كالركن ، بطل ، وليس منه ما لو شكّ في فعلٍ كالركوع والسجود فأتى به فشكّ في أثنائه في ذكرٍ أو طمأنينة ؛ لأنّ عوده أوّلاً إلى ما شكّ فيه ليس مسبّباً عن السهو ، وإنّما اقتضاه أصل الوجوب مع أصالة عدم فعله.

وكذا لو تيقّن السهو الموجب للسجود أو لتلافي فعل وشكّ هل فَعَل موجبه أم لا ، فإنّه يجب عليه فعله ؛ لأصالة عدمه.

(و) كذا (لا) حكم للسهو ، أعني الشكّ الحاصل (للإمام أو) الشكّ الحاصل (للمأموم إذا حفظ عليه الآخر) بل يرجع كلّ منهما إلى يقين صاحبه ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : «ليس على الإمام سهو ، ولا على مَنْ خلف الإمام سهو» (١).

وقول الرضا عليه‌السلام : «الإمام يحفظ (٢) أوهام مَنْ خلفه» (٣).

وكما يرجع كلّ منهما إلى يقين صاحبه ، كذا يرجع إلى ظنّه مع كون الآخر شاكّاً.

وكذا يرجع الظانّ إلى يقين الآخر ؛ لأنّه أقوى. ولأنّ الظنّ يطلق عليه «وَهْم» في استعمال الشرع ، كقوله عليه‌السلام : «إن ذهب وهمك إلى الثلاث فابن عليها» (٤) ونحوه ، وقد قال عليه‌السلام : «الإمام يحفظ أوهام مَنْ خلفه» (٥) بمعنى أنّ المأموم يترك وَهْمه ويرجع إلى يقين الإمام.

وتوهّم عدم رجوع أحدهما إلى الآخر هنا ؛ لأنّ الظنّ قائم في هذا الباب مقام العلم فكانا متساويين شرعاً فاسد ؛ لأنّ اليقين لا يحتمل النقيض ، والظنّ وإن غلب يحتمله ، فيرجع إلى المعلوم. وقيامه مقامه عند عدم الأقوى رخصة من الشارع ، فإذا وجد اليقين ، لا يعدل عنه. ولما ذُكر من الأدلّة.

والضابط أنّ الشاكّ منهما يرجع إلى الظانّ والمتيقّن ، والظانّ يرجع إلى المتيقّن دون الظانّ ؛ لتساويهما. ولا فرق في ذلك كلّه بين الأفعال والركعات. ولا يشترط عدالة المأموم.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٩ / ٧ ؛ التهذيب ٢ : ٣٤٤ / ١٤٢٨.

(٢) في الفقيه : «يحمل» وفي التهذيب : «يتحمّل» بدل «يحفظ».

(٣) الفقيه ١ : ٢٦٤ / ١٢٠٥ ؛ التهذيب ٣ : ٢٧٧ / ٨١٢.

(٤) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ٩٠٨ ، الهامش (٣).

(٥) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في الهامش (٣).

٤٥٣

ويكفي في الرجوع تنبيه الحافظ بتسبيح ونحوه ، ولا يتعدّى الحكم إلى غير المأموم وإن كان عدْلاً على الأصحّ.

نعم ، لو أفاد قوله الظنّ بأحد الطرفين ، عوّل عليه ، لكنّه ليس من هذا الباب.

ولو اختلف الإمام والمأموم ، فإن جمع شكّهما رابطة ، رجعا إليها ، كما لو شكّ الإمامُ بين الاثنتين والثلاث والمأمومُ بين الثلاث والأربع ، فيرجعان إلى الثلاث ؛ لتيقّن الإمام عدم الزيادة عليها والمأموم عدم النقصان عنها. وكذا لو انعكس ؛ لعين ما ذُكر.

واختار بعض المتأخّرين في الأُولى وجوب الانفراد ، واختصاص كلّ منهما بشكّه ، مع موافقته على الصورة الثانية (١). ولا وجه له.

ولو كانت الرابطة شكّاً ، كما لو شكّ أحدهما بين الاثنتين والثلاث والأربع ، والآخر بين الثلاث والأربع ، سقط حكم الاثنتين عن الشاكّ فيهما ؛ لتيقّن الآخر الزيادة عليهما ، وصار شكّهما معاً بين الثلاث والأربع. وهو رجوع إلى الرابطة أيضاً.

ولا فرق مع وجود الرابطة بين كون شكّ أحدهما موجباً للبطلان وعدمه ، كما لو شكّ أحدهما بين الثلاث والخمس بعد السجود ، والآخر بين الاثنتين والثلاث ، فيرجعان إلى الثلاث ، ولا تبطل صلاة مَنْ تعلّق شكّه بالخمس.

وكذا لو كان شكّ كلّ منهما منفرداً بحكمٍ ، كما لو شكّ أحدهما بين الاثنتين والثلاث والأربع ، والآخر بين الثلاث والأربع والخمس ، فإنّهما يرجعان إلى الشكّ بين الثلاث والأربع ، ويسقط عن أحدهما ما اختصّ به من حكم الاثنتين ، وعن الآخر ما اختصّ به من حكم الخمس ، وهو سجود السهو.

ولو لم يجمعهما رابطة ، تعيّن الانفراد ، ولزم كلّا منهما حكم شكّه ، كما لو شكّ أحدهما بين الاثنتين والثلاث ، والآخر بين الأربع والخمس.

ولو تعدّد المأمومون واختلفوا هُمْ وإمامهم ، فالحكم ما بيّنّاه في الرابطة وعدمها ، فيرجعون جميعاً إليها إن وُجدت ، كما لو شكّ أحدهم بين الاثنتين والأربع ، والآخر بين الثلاث والأربع ، والثالث بين الاثنتين والثلاث والأربع ، فيرجعون جميعاً إلى الأربع ؛ لتيقّن الأوّل عدم الثلاث ، فيرجع إليه فيه ، وتيقّن الثاني عدم كونها اثنتين ، فيرجع إلى ما

__________________

(١) ابن فهد الحلّي في الموجز (ضمن الرسائل العشر) : ١٠٦.

٤٥٤

اتّفق عليه ، وهو الأربع.

ولو لم يجمعهم رابطة ، كما لو شكّ أحدهم بين الاثنتين والثلاث ، والآخر بين الثلاث والأربع والثالث بين الأربع والخمس ، تعيّن الانفراد ، لكن هذا الفرض لا يتّفق إلا مع ظنّ كلّ منهم انتفاء ما خرج عن شكّه لا مع تيقّنه ، فإنّ تيقّن الأوّلين عدم الخمس ينفيها ، وتيقّن الأوّل عدم الأربع ينفيها ، فلا يمكن فرض شكّ الثالث على هذا الوجه.

ومتى حكم بالانفراد ، فإن حفظ الإمام شيئاً ، عمل بمقتضاه. ولو لم يعلم شيئاً ، بطلت صلاته ، وعمل المأمومون بما يلزمهم من الحكم.

وكذا لو تعيّن الانفراد وبقي من المأمومين مَنْ لم يحفظ شيئاً.

ولو حفظ بعض المأمومين وشكّ البعضُ الآخر والإمامُ ، رجع الإمام إلى مَنْ حفظ ، والمأموم الشاكّ إلى الإمام.

ومقتضى قوله : «إذا حفظ عليه الآخر» أنّ سقوط حكم السهو عن الإمام والمأموم مختصّ بالشكّ لا بالسهو الموجب للسجود ، بل لو انفرد أحدهما بما يوجبه بأن تكلّم أو ترك ما يوجبه اختصّ بحكمه ؛ لدوران المسبّب مع السبب.

ولقول أحدهما عليهما‌السلام : «ليس على الإمام ضمان» (١) وقول الصادق عليه‌السلام وقد سأله منهال القصّاب : أسهو في الصلاة وأنا خلف الإمام ، فقال : «إذا سلّم فاسجد سجدتين ولا تهب» (٢).

وذهب الشيخ رحمه‌الله إلى عدم وجوب السجود على المأموم لو انفرد بموجبه حالة المتابعة (٣) ، وهو مذهب المرتضى ، ونَقَله عن جميع الفقهاء إلا مَنْ شذّ (٤). وتبعهما الشهيد رحمه‌الله في الذكرى والبيان (٥) ؛ لعموم الخبر السالف (٦).

وأجاب عن حجّة المصنّف بالخبر الأوّل : بأنّ الخاصّ مقدّم ، وعارضه بقول عليّ :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٧٨ / ٣ ؛ الفقيه ١ : ٢٦٤ / ١٢٠٧ ؛ التهذيب ٣ : ٢٦٩ / ٧٧٢ ؛ الاستبصار ١ : ٤٤٠ / ١٦٩٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٥٣ / ١٤٦٤.

(٣) المبسوط ١ : ١٢٣ ؛ الخلاف ١ : ٤٦٣ ، المسألة ٢٠٦.

(٤) حكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ٣٩٤.

(٥) الذكرى ٤ : ٥٧ ؛ البيان : ٢٥٠.

(٦) في ص ٩١٣ من قول الصادق عليه‌السلام : «.. ولا على مَنْ خلف الإمام سهو».

٤٥٥

«الإمام ضامن» (١) وعن الثاني (٢) : بحمله على الاستحباب توفيقاً (٣).

والتحقيق إنّ خبري الضمان تساقطا ، وبقيت المعارضة بين خبري منهال وحفص ، إلا أنّ منهالاً مجهول ، وحديث حفص حسن ، فلا عدول عنه (٤) خصوصاً مع ما ادّعاه السيّد رحمه‌الله.

وذهب الشيخ (٥) أيضاً إلى أنّ الإمام لو اختصّ بموجب السجود ، وجب على المأموم متابعته فيه وإن خلا عن السبب ؛ لأنّه متبوع ، ولترتّب صلاة المأموم على صلاته في التمام والنقصان.

ولقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ليس عليك خلف الإمام سهو ، الإمام كافيه ، وإن سها الإمام فعليه وعلى مَنْ خلفه» (٦).

ومختار المصنّف هنا من عدم وجوب المتابعة (٧) أجود ؛ لعدم الدليل الصالح للمشاركة ، فإنّ الواجب على المأمومين اتّباعه حالة كونه إماماً لا مطلقاً. والخبر من مرويّات العامّة ، ومع ذلك فهو ضعيف عندهم. ولا ريب أنّ متابعة الشيخ هنا أحوط (٨).

(و) كذا (لا) حكم للسهو (مع الكثرة) لقول الباقر عليه‌السلام في صحيح محمّد بن مسلم : «إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك فإنّه يوشك أن يدعك (٩) الشيطان» (١٠).

وروى زرارة وأبو بصير في الصحيح قالا : قلنا له : الرجل يشكّ كثيراً في صلاته حتى لا يدري كم صلّى ولا ما بقي عليه ، قال : «يعيد» قلنا له : يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شكّ ، قال : «يمضي في شكّه» ثمّ قال : «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه ، فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد ، فليمض أحدكم في الوهم ، ولا يكثرنّ نقض

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨٢ / ١١٢١.

(٢) أي : خبر منهال.

(٣) الذكرى ٤ : ٥٨.

(٤) بدل قوله : «فلا عدول عنه» في «ق ، م» : «فينبغي العمل به».

(٥) المبسوط ١ : ١٢٣ ١٢٤.

(٦) سنن الدارقطني ١ : ٣٧٧ / ١.

(٧) تذكرة الفقهاء ٣ : ٣٢٤ ، المسألة ٣٥١ ؛ نهاية الإحكام ١ : ٥٣٤.

(٨) في «م» : «أجود» بدل «أحوط».

(٩) في المصادر زيادة : «إنّما هو من».

(١٠) الكافي ٣ : ٣٥٩ / ٨ ؛ الفقيه ١ : ٢٢٤ / ٩٨٩ ؛ التهذيب ٢ : ٣٤٣ ٣٤٤ / ١٤٢٤.

٤٥٦

الصلاة ، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشكّ» قال زرارة : ثمّ قال : «إنّما يريد الخبيث أن يطاع ، فإذا عصي ، لم يعد إلى أحدكم» (١).

والمرجع في الكثرة إلى العرف ؛ لعدم تقديرها شرعاً.

وقيل : يتحقّق بالسهو في ثلاث فرائض متوالية أو في فريضة واحدة ثلاث مرّات (٢).

والظاهر أنّه غير منافٍ للعرف.

وفي حكمه السهو ثلاثاً في فريضتين متواليتين.

وربما خصّها بعضهم (٣) بالسهو في ثلاث فرائض ؛ لقول الصادق عليه‌السلام في رواية ابن أبي عمير : «إذا كان الرجل ممّن يسهو في كلّ ثلاث فهو ممّن يكثر عليه السهو» (٤).

وهي غير صريحة في ذلك ؛ فإنّ ظاهرها أنّ المراد وجود الشكّ في كلّ ثلاث بحيث لا يسلم له ثلاث صلوات خالية عن شكّ ، ولم يقل أحد بانحصار الاعتبار في ذلك.

والمراد بالسهو هنا ما يعمّ الشكّ ، كما مرّ. ومعنى عدم الحكم له معها عدم وجوب سجدتي السهو لو فعل ما يقتضيهما لولاها ، وعدم الالتفات لو شكّ في فعل وإن كان في محلّه ، بل يبني على وقوعه والبناء على الأكثر لو كان الشكّ في عدد الركعات حتى لو أتى بما شكّ فيه ، بطلت صلاته ؛ لأنّه زيادة في الصلاة عمداً وإن ذكر بعد فعله الحاجة إليه.

ولو كان المتروك ركناً ، لم تؤثّر الكثرة في عدم البطلان ، كما أنّه لو ذكر الفعل في محلّه ، استدركه. ولو سها عن فعل يتلافى بعد الصلاة وفات محلّه ، فلا بدّ من تلافيه ، وإنّما تؤثّر الكثرة بالنسبة إليه في إسقاط سجدتي السهو ، مع احتمال عدم وجوب القضاء.

ومتى حكم بثبوتها بالثلاثة ، تعلّق الحكم بالرابع ، ويستمرّ إلى أن يخلو من السهو والشكّ فرائض يتحقّق بها الوصف ، فيتعلّق به حكم السهو الطارئ ، وهكذا.

وحيث حكمنا بالرجوع إلى العادة لم يعتبر فيه التوالي مع تحقّقها ، كما لو تكرّر السهو في فريضة معيّنة من الخمس أيّاماً أو في فعلٍ واحد من فريضة ، فلو سها عن أربع سجدات

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٨ / ٢ ؛ التهذيب ٢ : ١٨٨ / ٧٤٧ ؛ الاستبصار ١ : ٣٧٤ ٣٧٥ / ١٤٢٢.

(٢) انظر : الوسيلة : ١٠٢ ؛ وشرائع الإسلام ١ : ١٠٨.

(٣) ابن إدريس في السرائر ١ : ٢٤٨.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٤ ٢٢٥ / ٩٩٠.

٤٥٧

من أربع ركعات في فريضة واحدة وتخلّل التذكّر ، قضى السجدات جُمَع (١) ، وسجد ستّ سجدات لا غير.

وأطلق المصنّف رحمه‌الله في التذكرة وجوب ثماني سجدات (٢).

وهو إمّا بناء على اعتبار كونه في ثلاث فرائض ، أو على أنّ سقوط الحكم مع الكثرة للحرج والعسر ولم يحصل في الفريضة الواحدة ؛ لأنّه لم يفعل موجب السهو للثلاث قبل حصول الرابع ليتحقّق العسر ، فإذا حصل الرابع ، وجب له حكمه ؛ لأنّه سبب فلا يتخلّف عنه مسبّبه ، وبعد فعل موجب الثلاث بعد الفراغ لا يسقط ما قد وجب.

وتظهر فائدة التعليلين فيما لو حصلت الثلاث في فريضة والرابعة في ثانية.

واحتمل الشهيد في الذكرى الاجتزاء بسجدتين ؛ محتجّاً بدخوله في حيّز الكثرة (٣).

وليس بظاهر ؛ إذ اللازم من دخوله في الكثرة لزوم ستّ سجدات أو أربع إن قلنا بسقوط الحكم في الثالثة ، أمّا الحكم بالاثنتين فلا يظهر له وجه.

هذا كلّه إذا لم يذكر السجدات حتى سلّم. ولو ذكر قبله ، عاد للأخيرة ، وقضى ثلاثاً ، وسجد لها.

وهل يعتبر في مرّات السهو ، التي تتحقّق معها الكثرة أن يكون كلّ منها موجباً لشي‌ء ليتحقّق الحرج مع فعل موجبها ، أم يكفي حصول السهو مطلقاً؟ وجهان : من إطلاق النصّ ، وعدم المشقّة.

وتظهر الفائدة فيما لو غلب على ظنّه أحد الطرفين في العدد أو بعضه بحيث لا يسلم منه ما تحصل به الكثرة ، أو كان الشكّ بعد الانتقال عن المحلّ.

ومثله ما لو شكّ في النافلة أو سها بما يوجب السجود في غيرها.

(ولو نسي الحمد وذكر في) حال قراءة (السورة) أي بعدها قبل الركوع (أعادها بعد) أن يقرأ (الحمد).

ويفهم من قوله : «أعادها» وجوب إعادة السورة التي قرأها بعينها. وليس متعيّناً ، بل

__________________

(١) أي : أجمع.

(٢) تذكرة الفقهاء ٣ : ٣٣٦ ، الفرع «ج».

(٣) الذكرى ٤ : ٩٦.

٤٥٨

يتخيّر بين إعادتها وقراءة غيرها ؛ لوقوعها فاسدةً ، فساوت غيرها.

(ولو ذكر الركوع قبل السجود) وبعد أن هوى له ولم يصل إلى حدّه ، رفع إلى حدّ القائم ثمّ (ركع) ولا يجزئه الهويّ السابق ؛ لأنّه نوى به السجود ، فلا يجزئ عن الهويّ إلى الركوع.

ولا تجب الطمأنينة في هذا القيام لذاتها وإن كان تحقّق الفصل بين الحركتين المتضادّتين وتحقّق تمام القيام يقتضيان سكوناً يسيراً.

واعلم أنّ القيام للركوع إنّما يتحقّق وجوبه إذا كان نسيان الركوع حصل في حالة القيام بحيث كان هويّه بنيّة السجود أو بنيّة غير الركوع ، أمّا لو فرض أنّه هوي للركوع ثمّ نسيه قبل أن يصير على هيئة الراكع ، لم يتّجه وجوب القيام ليهوي عنه إلى الركوع ؛ لحصوله من قبلُ ، بل يقوم منحنياً إلى حدّ الراكع خاصّة إن كان نسيانه بعد انتهاء هويّ الركوع ، وإلا قام بقدر ما يستدرك الفائت منه.

ولو كان نسيانه بعد تحقّق صورة الركوع ، ففي العود إلى باقي واجباته من الذكر والطمأنينة والاعتدال عنه قائماً إشكال : من عدم فوات محلّها ، وتوهّم استلزامه زيادة ركوع ؛ إذ حقيقته الانحناء على الوجه المخصوص ، وما زاد عليه واجب آخر.

والإشكال آتٍ فيما لو كان النسيان بعد إكمال الذكر وقبل الرفع.

ويقوى هنا القول بوجوب القيام لا غير ؛ لأنّه الفائت ، فيقتصر عليه من غير أن يقوم منحنياً ، وعدم جواز العود في الأوّل ؛ لما ذُكر.

(وكذا) يرجع في (العكس) وهو ما لو ذكر أنّه نسي السجود قبل أن يركع ، فإنّه يعود له على المشهور ، سواء كان المنسي السجدتين أم إحداهما.

وذهب جماعة (١) من علمائنا إلى بطلان الصلاة بترك السجدتين وإن ذكر قبل الركوع ، مع حكمهم بالعود إلى الواحدة قبله.

ويضعّف بأنّ المحلّ إن كان باقياً ، عاد إليهما ، وإلا لم يعد إلى الواحدة.

وكذا يعود قبل الركوع لتدارك التشهّد والصلاة على النبيّ وآله عليهم‌السلام ، وأبعاضهما. ولا

__________________

(١) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ١٣٨ ؛ وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١١٩ ؛ وابن إدريس في السرائر ١ : ٢٤٥ و ٢٥١.

٤٥٩

يضرّ الفصل بين الصلاة وبين التشهّد.

وفي جواز الاقتصار على البعض المنسي من الصلاة أو من إحدى الشهادتين أو ما دونهما نظر.

نعم ، لو كان المنسي ممّا لا يستقلّ بنفسه كالكلمة الواحدة ، فلا إشكال في وجوب ضمّ ما يتمّ معه الكلام إليها.

ومتى كان المنسي مجموع السجدتين ، عاد إليهما من غير جلوسٍ واجب قبلهما.

أمّا لو كان المنسي إحداهما ، فإن كان قد جلس عقيب السجدة الأُولى واطمأنّ بنيّة الجلوس الواجب للفصل أو لا بنيّة (١) ، لم يجب الجلوس قبلها أيضاً ؛ لحصوله من قبلُ. وإن لم يكن جلس كذلك أو جلس ولم يطمئن (٢) ، وجب الجلوس ؛ لأنّه من أفعال الصلاة ولم يأت به مع إمكان تداركه.

وجوّز الشيخ في المبسوط (٣) تركه ؛ لتحقّق الفصل بين السجدتين بالقيام.

ويضعّف بأنّ الواجب ليس هو مطلق الفصل ، بل الجلوس على الوجه المخصوص ولم يحصل.

ولو شكّ هل جلس أم لا ، بنى على الأصل ، فيجب الجلوس وإن كان حالة الشكّ قد انتقل عن محلّه ؛ لأنّه بالعود إلى السجدة مع استمرار الشكّ قد انتقل عن محلّه ؛ لأنّه بالعود إلى السجدة مع استمرار الشكّ يصير في محلّه ، فيأتي به.

ومثله ما لو تحقّق نسيان سجدة وشكّ في الأُخرى ، فإنّه يجب عليه الإتيان بهما معاً عند الجلوس وإن كان ابتداء الشكّ بعد الانتقال.

ولو كان قد نوى بالجلوس الاستحباب ؛ لتوهّمه أنّه سجد سجدتين فنوى الاستراحة ، ففي الاكتفاء بها وجهان :

أحدهما : العدم ؛ لتنافي وجهي الوجوب والندب ، فلا يجزئ أحدهما عن الآخر.

ولقوله عليه‌السلام : «وإنّما لكلّ امرئ ما نوى» (٤).

__________________

(١) جملة «أو لا بنيّة» لم ترد في «م» وعليها في الطبعة الحجريّة علامة «زائدة».

(٢) ورد في الطبعة الحجرية على جملة «أو جلس ولم يطمئن» علامة «زائدة».

(٣) المبسوط ١ : ١٢٠.

(٤) صحيح البخاري ١ : ٣ / ١ ؛ سنن أبي داوُد ٢ : ٢٦٢ / ٢٢٠١ ؛ سنن البيهقي ١ : ٤٤٥ / ١٤٢٢.

٤٦٠