روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-024-6
الصفحات: ٧١٦
الجزء ١ الجزء ٢

الموالاة ، ومعه نظر : من الشكّ في وجوب الموالاة فيهما.

(و) خامسها (عدم جمعة اخرى بينهما أقلّ من فرسخ) فتبطل اللاحقة ، كما سيأتي ، وهو المعبّر عنه بوحدة الجمعة في فرسخ فما دون ؛ لقول الباقر عليه‌السلام : «لا يكون بين الجمعتين أقلّ من ثلاثة أميال» (١).

ولا فرق في ذلك بين المصر والمصرين ، ولا بين حصول فاصلٍ بينهما كدجلة وعدمه عندنا.

ويعتبر الفرسخ من المسجد إن صُلّيت فيه ، وإلا فمن نهاية المصلّين على ما ذكره بعض (٢) الأصحاب.

ويشكل الحكم فيما لو كان بين الإمام والعدد المعتبر وبين الجمعة الأُخرى فرسخ فصاعداً ، وبين بعض المأمومين وبينها أقلّ منه ، فعلى ما ذكره لا تصحّ الجمعة.

ويحتمل بطلان القريب من المصلّين خاصّة. وستأتي أقسام المسألة.

(و) سادسها : كمال المخاطب بها ، ويحصل بأُمور تسعة :

(التكليف) ويتحقّق بالبلوغ والعقل ، فلا تجب على الصبي وإن كان مميّزاً.

نعم ، تصحّ جمعته تمريناً ، وتجزئه عن الظهر التمرينيّة.

ولو صلّى الظهر ثمّ بلغ في أثناء الوقت ، وجب عليه السعي إلى الجمعة ، فإن أدركها ، وإلا أعاد ظهره ؛ لعدم إجزاء التمريني عن الواجب.

وكذا لا تجب على المجنون.

نعم ، لو كان جنونه أدواراً فاتّفق مُفيقاً حالة الإقامة ، وجبت. ثمّ إن استمرّت الإفاقة إلى آخرها ، وإلا سقطت.

ولو زال جنونه ووقتها باقٍ ، وجب السعي إليها ، كما مرّ.

(والذكورة) فلا تجب على المرأة على المشهور ؛ لقول الباقرين» : «ووضعها عن تسعة : عن الصغير والكبير والمجنون والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومَنْ كان على رأس فرسخين» (٣).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤١٩ / ٧ ؛ الفقيه ١ : ٢٧٤ / ١٢٥٧ ؛ التهذيب ٣ : ٢٣ / ٨٠.

(٢) المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٣١١.

(٣) الكافي ٣ : ٤١٨ / ١ ، و ٤١٩ / ٦ ؛ الفقيه ١ : ٢٦٦ / ١٢١٧ ؛ التهذيب ٣ : ١٩ / ٦٩ ، و ٢١ / ٧٧.

٣٠١

وفي حكمها الخنثى المشكل ؛ للشكّ في سبب الوجوب ، أمّا لو التحق بالرجال ، وجبت ، مع احتمال الوجوب مطلقاً ؛ لعموم الأوامر ، خرج منها المرأة ، فتبقى الخنثى ؛ للشكّ في أُنوثيّتها. وهو قريب.

واختار الشهيد (١) وجماعة الأوّل.

(والحُرّيّة) فلا تجب على العبد إجماعاً منّا ، وعليه أكثر العامّة (٢). ولا فرق في ذلك بين القنّ والمدبّر والمكاتب الذي لم يتحرّر منه شي‌ء وأُمّ الولد ؛ للخبر (٣).

(والحضر) أو حكمه ، فلا تجب على المسافر ؛ للخبر (٤).

وضابطه مَنْ يلزمه القصر في سفره ، فالعاصي وكثير السفر وناوي الإقامة عشرةً ومَنْ لا يتحتّم عليه التقصير كالكائن في أحد المواضع الأربعة الموجبة للتخيير في حكم الحاضر.

(والسلامة من العمى) فلا تجب على غير المبصر وإن وجد قائداً أو كان قريباً من المسجد ؛ للعموم.

(و) السلامة من (العرج) البالغ حدّ الإقعاد ، أو مشقّة في السعي إليها بحيث لا تتحمّل عادةً (و) من (المرض) الذي يشقّ معه الحضور ، أو يوجب زيادة المرض. ولو خاف بطء البرء ، فالظاهر أنّه كذلك ، ولا فرق بين أنواعه (و) من (الكبر المزمن) بحيث يعجز عن السعي إليها أو يحصل له مشقّة لا تتحمّل عادة.

وفي حكم هذه الأعذار المطرُ والوحلُ ، والحَرّ والبردُ الشديدان إذا خاف الضرر معها ، ومعلّلُ المريض إذا خاف موته أو تضرّره بالحضور ، ومجهّز الميّت إذا خاف الضرر عليه بدونه ، وكذا خائف احتراق الخبز أو فساد الطعام ونحوهما ، والمحبوس بباطل أو حقّ يعجز عن أدائه ، وراجي العفو عن الدم الموجب للقصاص ، أو الصلح باستتاره ، دون حدّ القذف

__________________

(١) الذكرى ٤ : ١١١.

(٢) الأُم ١ : ١٨٩ ؛ حلية العلماء ٢ : ٢٦٢ ؛ المهذّب للشيرازي ١ : ١١٦ ؛ المجموع ٤ : ٤٨٥ ؛ العزيز شرح الوجيز ٢ : ٢٩٧ ؛ روضة الطالبين ١ : ٥٣٩ ؛ تحفة الفقهاء ١ : ١٦١ ؛ الكافي في فقه أهل المدينة : ٦٩ ؛ المغني ٢ : ١٩٣ و ١٩٤ ؛ الشرح الكبير ٢ : ١٥١ و ١٥٢.

(٣) المصادر في ص ٧٦١ ، الهامش (٣).

(٤) المصادر في ص ٧٦١ ، الهامش (٣).

٣٠٢

وغيره من الحدود ، ذكر ذلك كلّه المصنّف (١) وغيره (٢) ، وخائف الظالم على نفسه أو ماله أو عِرْضه ولو بضربٍ أو شتم.

(و) سابعها (عدم بُعْد أكثر من فرسخين) فلا تجب على مَنْ بعد عن موضع إقامتها بذلك مع عدم إمكان الإقامة عنده على المشهور ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : «تجب على مَنْ كان منها على فرسخين ، فإن زاد فليس عليه شي‌ء» (٣) وقد عُلم من الفتوى والخبر كون القدر المسقط لها الزيادة على الفرسخين دون قدرها.

وذهب بعض (٤) الأصحاب إلى الاكتفاء بالقدر ؛ للخبر السالف (٥).

ويعارض بهذا الخبر ، ويجمع بينهما بأنّ المراد بمن كان على رأس فرسخين أن يكون أزيد منهما دفعاً للتناقض.

ويؤيّده أنّ الحصول على رأس الفرسخين فقط مستبعد ، فأُطلق رأس الفرسخين على ما فيه زيادة يسيرة.

إذا تقرّر ذلك ، فجميع مَنْ ذُكر من ذوي الأعذار لا يجب عليهم حضور الجمعة وإن استحبّ لبعضهم كالمسافر الحضور.

(فإن حضر المكلّف منهم الذكر) موضع الإقامة (وجبت عليهم) الجمعة (وانعقدت بهم) بمعنى أنّ العدد يكمل بهم ؛ لانتفاء المانع ، وهو مشقّة الحضور.

واحترز بالمكلّف عن الصبي والمجنون ، فلا تجب عليهما ، ولا تنعقد بهما وإن حضرا ؛ لعدم التكليف في حقّهما. وبالذكر عن المرأة ، فلا تجب عليها أيضاً وإن حضرت ، ولا تنعقد بها على المشهور بين الأصحاب ، بل كاد يكون إجماعاً ؛ لصحيحة منصور ، السالفة (٦) المتضمّنة اعتبار كون القوم خمسةً لا أقلّ.

والقوم هم الرجال دون النساء بنصّ أهل (٧) اللغة ، وهو الظاهر من مقابلتهم بالنساء

__________________

(١) نهاية الإحكام ٢ : ٤٣.

(٢) كالشهيد في الذكرى ٤ : ١٢١ و ١٢٢ ؛ والمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٣٨٩.

(٣) الكافي ٣ : ٤١٩ / ٣ ؛ التهذيب ٣ : ٢٤٠ / ٦٤١ ؛ الاستبصار ١ : ٤٢١ / ١٦١٩.

(٤) كالشيخ الصدوق في الهداية : ١٤٤ ؛ وابن حمزة في الوسيلة : ١٠٣.

(٥) في ص ٧٦١.

(٦) في ص ٧٥٧.

(٧) كالجوهري في الصحاح ٥ : ٢٠١٦ ، «ق وم».

٣٠٣

في قوله تعالى (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) (١) إلى آخره.

وحسنة زرارة عن الباقر عليه‌السلام «لا تكون الجمعة على أقلّ من خمسة رهط» (٢).

قال الجوهري : الرهط ما دون العشرة من الرجال لا تكون فيهم امرأة (٣).

وغيرهما من الأخبار.

وخالف في ذلك ابن إدريس ، فأوجب على المرأة مع الحضور الصلاة ، واجتزأ بها عن الظهر ، غير أنّها لا تحسب من العدد (٤).

ولا شاهد له إلا ما رواه حفص بن غياث عن بعض مواليهم عن الصادق عليه‌السلام «إنّ الله فرض الجمعة على المؤمنين والمؤمنات ، ورخّص للمرأة والمسافر والعبد أن لا يأتوها ، فإذا حضروها سقطت الرخصة ، ولزمهم الفرض الأوّل» (٥).

وهذه الرواية وإن كانت ناصّة على المطلوب إلا أنّها لا تصلح متمسّكاً خصوصاً لابن إدريس المانع من العمل بأخبار الآحاد ، مع اشتمالها على ضعفٍ بحفص ، وإرسالٍ ببعض الموالي.

وينبغي أن يستثني أيضاً المريض الذي يوجب حضوره مشقّة شديدة أو زيادة في المرض ، ونحوه من ذوي الأعذار الموجبة لذلك ، ومَنْ يخاف فوت المال أو النفس ؛ للنهي عن العبادة على ذلك التقدير ، المقتضي للفساد.

وقد دخل فيمن تجب عليه الجمعة مع الحضور وتنعقد به المسافرُ والعبدُ.

ووجوبها عليهما مع الحضور وانعقادها بهما بمعنى احتسابهما من العدد لو توقّف عليهما أحد القولين في المسألة ، وهو مختار الشيخ في الخلاف على ما نقله عنه في الذكرى وابن إدريس والمحقّق (٦) ؛ لصحّتها منهما ، فتنعقد وتجب. ولأنّ ما دلّ على اعتبار العدد عامّ ، فيتناول المسافر [والعبد] (٧).

__________________

(١) الحجرات (٤٩) : ١١.

(٢) الكافي ٣ : ٤١٩ / ٤ ؛ التهذيب ٣ : ٢٤٠ / ٦٤٠ ؛ الاستبصار ١ : ٤١٩ / ١٦١٢.

(٣) الصحاح ٣ : ١١٢٨ «ر ه ط».

(٤) السرائر ١ : ٢٩٣.

(٥) التهذيب ٣ : ٢١ ٢٢ / ٧٨.

(٦) الخلاف ١ : ٦١٠ ، المسألة ٣٧٥ ؛ الذكرى ٤ : ١١٧ ؛ السرائر ١ : ٢٩٣ ؛ المعتبر ٢ : ٢٩٢.

(٧) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق.

٣٠٤

والقول الثاني : عدم الوجوب والانعقاد. واختاره الشيخ في المبسوط (١) ، وتبعه المصنّف في بعض (٢) كتبه ؛ لأنّهما ليسا من أهل فرض الجمعة ، فهُما كالصبي. ولأنّ الجمعة إنّما تنعقد بهما تبعاً لغيرهما ، فلا يكونان متبوعين. ولأنّه لو جاز ذلك ، لجاز انعقادها بجماعة المسافرين والعبيد وإن لم يكن معهم حاضرون وأحرار.

وأُجيب (٣) بالفرق بينهما وبين الصبي ؛ لعدم تكليف الصبي ، دونهما ، فلا يتصوّر الوجوب في حقّ الصبي ، بخلاف المسافر والعبد. وكونهما تابعين عين المتنازع ، والتزام انعقادها بالمسافرين والعبيد ممكن.

وفي المسألة قول ثالث : وهو : عدم وجوبها عليهما مع انعقادها بهما ، وهو الذي اختاره المصنّف في القواعد في المسافر وتوقّف في العبد (٤) والشيخ عليّ في الشرح ، ونقله عن الخلاف (٥).

وحجّتهم : عموم ما دلّ على اعتبار العدد فيتناولهما ، وعدم الوجوب لا يقتضي عدم الانعقاد.

ويظهر من أصحاب القول الثاني أنّ فعلها لهما جائز وإن لم تجب عليهما ولم تنعقد بهما ، وأنّها تجزئ عن الظهر ، بل ادّعى بعضهم (٦) الاتّفاق عليه.

وهذا لا يتمّ إلا مع نيّة الواجب (٧) بها ؛ لأنّ المندوب لا يجزئ عن الواجب. وحينئذٍ تكون واجبةً لتتحقّق مطابقة النيّة للواقع. وهو لا يوافق القول الثاني إلا أن يقال بوجوبها حينئذٍ تخييراً ، والمنفيّ هو الوجوب العيني على تقدير حصوله ، فيتمّ الحكم في حال حضور الإمام ، ويبقى الإشكال في زمان الغيبة ؛ لأنّ الوجوب فيه تخييريّ ، فلا يتمّ نفيه مع نيّته.

وربما قيل بذلك في المرأة أيضاً إذا حضرت ، فتصحّ منها الجمعة وتجزئها عن الظهر وإن

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٤٣.

(٢) مختلف الشيعة ٢ : ٢٤٥ و ٢٤٦ ، المسألتان ١٣٨ و ١٣٩.

(٣) كما في الذكرى ٤ : ١١٧.

(٤) قواعد الأحكام ١ : ٣٦ ٣٧.

(٥) جامع المقاصد ٢ : ٣٨٨.

(٦) الشهيد في الذكرى ٤ : ١١٧ ١١٨.

(٧) في «ق ، م» : الوجوب.

٣٠٥

لم تجب عليها ولم تنعقد بها ؛ لما ذُكر ، والإشكال واحد.

ووافق المصنّف في المختلف على عدم وجوبها على العبد بالحضور محتجّاً بأنّ وجوبها عليه يستلزم اشتمال التكليف على وجه قبح ؛ لأنّ العبد لا يجب عليه الحضور إجماعاً ، ولا يجوز إلا بإذن مولاه ؛ لأنّه تصرّف في نفسه ، وهو ممنوع منه ، والإذن غير معلوم ، وعصمة مال الغير واجبة ، فيكون حضوره ممنوعاً منه ، فلا يكون معتدّاً به (١).

وأُجيب بالتزام كون الحضور موقوفاً على إذن المولى ، فيزول المانع (٢).

وهذا الجواب يقتضي كون النزاع لفظيّاً.

ولو ألزمه المولى بالحضور ، ففي تحتّمها عليه وجهان يلتفتان إلى أنّ المانع هل هو محض حقّ المولى؟ وقد زال ، أو قصور العبد عن تحتّم وجوبها؟

واستدلّ على التحتّم بأن السيّد يملك إلزامه بالمباحات فبالعبادات أولى.

وفي الأولويّة منع ؛ لأنّ المباحات حقّ للسيّد متعلّق به ، والتكليفات حقّ للشارع لا تعلّق للسيّد بها ، وإلا لأمكنه إيجاب النوافل عليه ، وهو باطل.

(ويشترط في النائب) المنصوب لإمامة الجمعة من قِبَل الإمام بل في إمام الجمعة مطلقاً شرائطُ الإمامة ، وهي ستّة متّفق عليها ، وثلاثة مختلف فيها.

فأوّل الستّة (البلوغ) فلا تصحّ نيابة الصبي ، ولا تنعقد إمامته ؛ لاتّصافه بما يرفع القلم ، فلا يؤمن ترك واجب أو فعل محرّم منه مع تمييزه ، ومع عدمه لا اعتبار لأفعاله.

(و) الثاني (العقل) لعدم الاعتداد بأفعال المجنون.

نعم ، لو كان جنونه أدواراً ، جازت إمامته وقت إفاقته ؛ لتحقّق الأهليّة حينئذٍ وإن كره.

ومَنَع المصنّف في التذكرة من نيابته ؛ لإمكان عروضه حالة الصلاة. ولأنّه لا يؤمن احتلامه في نوبته وهو لا يعلم فقد روي أنّ المجنون يُمْني حالته (٣) ، ومن ثَمَّ استحبّ المصنّف في النهاية له الغسل بعد الإفاقة ؛ لهذه العلّة (٤) ولنقصه عن المراتب الجليلة (٥).

__________________

(١) مختلف الشيعة ٢ : ٢٤٥ ، المسألة ١٣٨.

(٢) المجيب هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٣٩٠.

(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ١٧٩.

(٥) تذكرة الفقهاء ٤ : ٢١ ، المسألة ٣٨٣.

٣٠٦

وجوابه : أنّ تجويز العروض لا يرفع تحقّق الأهليّة ، وإلا لانتفت مطلقاً ؛ لأنّ إمكان عروض المانع من موت وإغماء وحدث قائم في كلّ وقت. وعروض الاحتلام منفيّ بالأصل. واستحباب الغسل لم يثبت عندنا ، كما نبّه عليه الشهيد (١) رحمه‌الله.

نعم ، هو مناسب لمذهب العامّة ، فنقصه عن المراتب حينئذٍ غير واضح.

(و) الثالث (الإيمان) وهو التصديق بالقلب ، والإقرار باللسان بالأُصول الخمسة بالدليل وإن كان إجماليّاً ممّن لا يعرف شرائط الحدّ والبرهان ، فإنّ الأدلّة التفصيليّة والعلم بشرائط إنتاجها ليست من الواجبات العينيّة بل الكفائيّة لدفع شبه الخصوم وقمع المتغلّب على الدين بالبراهين.

وإنّما اعتبر الإيمان ؛ لأنّ غير المؤمن ضالّ فاسق ؛ لمخالفته طريق الحقّ ، المستند إلى التقصير في النظر ، فلا يصلح للإمامة.

(و) الرابع (العدالة) وهي لغةً : الاستواء والاستقامة. وشرعاً : كيفيّة راسخة في النفس ، تبعث على ملازمة التقوى والمروءة.

وتتحقّق التقوى بمجانبة الكبائر ، وهي ما توعّد عليه بخصوصه بالنار في الكتاب أو السنّة ، وعدم الإصرار على الصغائر فعلاً أو حكماً.

والمراد بالمروءة ملكة تبعث على مجانبة ما يؤذن بخسّة النفس ودناءة الهمّة من المباحات والمكروهات وصغائر المحرّمات بحيث لا يبلغ حدّ الإصرار ، كالأكل في الأسواق والمجامع ، والبول في الشوارع وقت سلوك الناس ، وكشف الرأس عند مَنْ ليس كذلك ، وأشباه ذلك ممّا يستهجن من أمثاله ، ويستنكر ممّن هو على مثل حاله ، وكسرقة لقمة والتطفيف بحبّة في الصغائر.

ويختلف ذلك باختلاف أحوال الناس وتفاوت مراتبهم وأزمنتهم وأمكنتهم ، فقد يكون الشي‌ء مطلوباً في وقتٍ مرغوباً عنه في آخر بالنسبة إلى ما ذُكر. أمّا ما ورد الشرع برجحانه كالاكتحال بالإثمد ، والحنّاء فلا حرج فيه وإن أنكره المعظم واستهجنه العامّة في أكثر البلاد.

__________________

(١) الذكرى ١ : ٢٠٠.

٣٠٧

وعلى اعتبار العدالة في الإمام مطلقاً إجماع الأصحاب. ويدلّ عليه أيضاً ظاهر قوله تعالى (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) (١).

وقول النبيّ من طريق العامّة : «لا تؤمّنّ امرأة رجلاً ، ولا فاسق مؤمناً إلا أن يقهره سلطان» (٢) الحديث.

وعن الرضا عليه‌السلام منع إمامة مَنْ يقارف الذنوب (٣).

وروى الصدوق عن أبي ذرّ «إمامك شفيعك إلى الله ، فلا تجعل شفيعك سفيهاً ولا فاسقاً» (٤).

(و) الخامس (طهارة المولد) والمراد بها أن لا يعلم كونه ولد زنا. والإجماع على عدم صحّة إمامته.

ولا عبرة بمن تناله الألسن مع حكم الشارع ظاهراً بصحّة نسبه أو جُهل الحال. ولا تقدح ولادة الشبهة ولا كونه مجهول الأب.

لكن قيل بكراهة الائتمام بهؤلاء ؛ لنفرة النفس منهم ، الموجبة لعدم كمال الانقياد في العبادة (٥). ونفى عنه البأس في الذكرى (٦).

(و) السادس (الذكورة) فلا يجزئ كونه امرأةً ولا خنثى ؛ لعدم جواز إمامتهما للرجال كما سيأتي ، وعدم تكليفهما بهذه الصلاة. وعلى القول بجواز فعلها لهما (٧) وإجزائها عن الظهر كما مرّ لا تصحّ إمامتهما أيضاً ؛ لعدم انعقادها بهما ، فلا بدّ من حضور العدد من الذكور ، فتمتنع إمامتهما.

(وفي) جواز نيابة (العبد والأبرص والأجذم والأعمى قولان) :

أحدهما : الجواز.

__________________

(١) هود (١١) : ١١٣.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٣٤٣ / ١٠٨١.

(٣) الفقيه ١ : ٢٤٩ / ١١١٦ ؛ التهذيب ٣ : ٣١ / ١١٠.

(٤) الفقيه ١ : ٢٤٧ / ١١٠٣.

(٥) القائل هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٣٧٢ ٣٧٣ ؛ وقَبْله العلامة الحلّي في نهاية الإحكام ٢ : ١٤٣.

(٦) الذكرى ٤ : ١٠٣.

(٧) في «ق ، م» والطبعة الحجريّة : لها. وما أثبتناه يقتضيه السياق.

٣٠٨

أمّا في العبد : فلصحيحة محمّد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام في العبد يؤمّ القوم إذا رضوا به وكان أكثرهم قراءةً ، قال : «لا بأس» (١).

وأمّا في ذي العيبين المذكورين : فلقول الصادق عليه‌السلام أيضاً وقد سئل عن المجذوم والأبرص هل يؤمّان المسلم؟ قال : «نعم» فقلت : هل يبتلي الله بهما المؤمن؟ قال : «نعم ، وهل كتب البلاء إلا على المؤمن؟» (٢).

ولأنّ المرض لا يرفع الأهليّة.

وأمّا الأعمى : فالقول بجواز إمامته هو المعروف في المذهب ؛ للأصل المقتضي للجواز ، ووجوب الجمعة عليه على تقدير حضورها ، فلا (٣) يمنع عدم تكليفه بها قبله.

والثاني : المنع.

أمّا في العبد : فلعدم تكليفه بها. ولنقصه عن مرتبة الإمامة.

ولرواية السكوني عن الصادق عن أبيه عن عليّ أنّه قال : «لا يؤمّ العبد إلا أهله» (٤).

وأمّا الأجذم والأبرص : فلصحيحة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام : «خمسة لا يؤمّون الناس على كلّ حال : المجذوم والأبرص والمجنون وولد الزنا والأعرابي» (٥).

وأمّا الأعمى : فلعدم تمكّنه من التحفّظ من النجاسات ، أفتى به المصنّف في النهاية ، معلّلاً بذلك (٦). ونَقَله في التذكرة عن الأكثر (٧) ، مع أنّ القائل به غيره غير معلوم فضلاً عن الأكثريّة.

والتعليل ضعيف كضعف رواية المنع من إمامة العبد ، وقصورها عن مقاومة صحيحة (٨) محمّد بن مسلم.

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٩ / ١٠٠ ؛ الاستبصار ١ : ٤٢٣ / ١٦٢٩.

(٢) التهذيب ٣ : ٢٧ / ٩٣ ؛ الإستبصار ١ : ٤٢٢ ٤٢٣ / ١٦٢٧.

(٣) في «ق ، م» : ولا.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٩ / ١٠٢ ؛ الإستبصار ١ : ٤٢٣ / ١٦٣١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٧٥ / ١ ؛ التهذيب ٣ : ٢٦ ٢٧ / ٩٢ ؛ الإستبصار ١ : ٤٢٢ / ١٦٢٦.

(٦) نهاية الإحكام ٢ : ١٥.

(٧) تذكرة الفقهاء ٤ : ٢٦ ، المسألة ٣٨٧.

(٨) تقدّمت الإشارة إلى مصدرها في الهامش (١).

٣٠٩

وحديث منع إمامة الأجذم والأبرص يُحمل على الكراهة ؛ جمعاً بينه وبين ما تقدّم ، وغايته أنّه يستلزم استعمال المشترك في كلا معنييه ؛ لأنّ النهي في ولد الزنا والمجنون للتحريم ، فإنّ استعماله في معنييه جائز حقيقةً على قوله ، ومجازاً يُرتكب للمانع إجماعاً ، فالقول بالجواز في الجميع أوضح ، فترجع الشرائط كلّها إلى الإيمان والعدالة وطهارة المولد.

(وفي استحبابها حال الغيبة وإمكان الاجتماع قولان) :

أحدهما : المنع. وهو قول المرتضى وسلار والشيخ في الخلاف وابن إدريس (١) ؛ لفقد الشرط ، وهو الإمام أو مَنْ نصبه ، فينتفي المشروط. ولأنّ الظهر ثابتة في الذمّة بيقين ، فلا يبرأ المكلّف إلا بفعلها. ولأنّها لو شُرّعت حال الغيبة ، لوجبت عيناً ، فلا يجوز فعل الظهر ، وهو منتفٍ إجماعاً.

ووجه اللزوم : أنّ الدلائل الدالّة على الجواز دالّة على الوجوب العيني في حال الحضور ، فلا وجه للعدول إلى التخييريّ حال الغيبة.

والثاني : الجواز المعبّر عنه بالاستحباب بمعنى كونه أحد الفردين الواجبين على التخيير. وهو قول أكثر الأصحاب (٢) ؛ لعموم قوله تعالى (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) (٣) والأمر للوجوب.

ولصحيحة زرارة قال : حثّنا أبو عبد الله عليه‌السلام على صلاة الجمعة حتى ظننت أنّه يريد أن نأتيه ، فقلت : نغدو عليك ، قال : «لا ، إنّما عنيت عندكم» (٤).

وموثّقة زرارة عن عبد الملك عن الباقر عليه‌السلام قال : «مثلك يهلك ولم يصلّ فريضة فرضها الله عليه» قال : قلت : كيف أصنع؟ قال : «صلّوا جماعة» يعني صلاة الجمعة (٥).

وصحيحة [منصور] (٦) عن الصادق عليه‌السلام «يجمّع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسةً فما

__________________

(١) رسائل الشريف المرتضى ١ : ٢٧٢ ؛ المراسم : ٢٦١ ؛ الخلاف ١ : ٦٢٦ ، المسألة ٣٩٧ ؛ السرائر ١ : ٣٠٤ ، و ٢ : ٢٦.

(٢) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ٣٠٢ ؛ والمبسوط ١ : ١٥١ ؛ وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٤٣ ؛ والمحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ٢٩٧ ؛ والشهيد في البيان : ١٨٨ ؛ والدروس ١ : ١٨٦ ؛ والذكرى ٤ : ١٠٤ ١٠٥.

(٣) الجمعة (٦٢) : ٩.

(٤) التهذيب ٣ : ٢٣٩ / ٦٣٥ ؛ الاستبصار ١ : ٤٢٠ / ١٦١٥.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٣٩ / ٦٣٨ ؛ الاستبصار ١ : ٤٢٠ / ١٦١٦.

(٦) بدل ما بين المعقوفين في «ق ، م» والطبعة الحجريّة : عمر بن يزيد. وما أثبتناه من المصدر. ولا يخفى أنّ صحيحة منصور وردت في جامع المقاصد ٢ : ٣٧٧ بعد صحيحة عمر بن يزيد بلا فصل ، فلاحِظ.

٣١٠

زاد .. والجمعة واجبة على كلّ أحد لا يعذر الناس فيها إلا خمسة : المرأة والمملوك والمسافر والمريض والصبي» (١) ومثلها أخبار كثيرة مطلقة ، وهذا القول هو الواضح.

والجواب عن حجّة الأوّل : أنّ شرط الإمام أو مَنْ نصبه إنّما هو حال الحضور والإمكان ، لا مطلقاً ، وأين الدليل عليه؟

ولو سلّم ، لا يلزم سدّ باب الجمعة في حال الغيبة وتحريمها ؛ لأنّ الفقيه الشرعي منصوب من قِبَل الإمام عموماً ؛ لقول الصادق عليه‌السلام في مقبول عمر بن حنظلة : «فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً» (٢) وحكمهم «على الواحد حكم على الجماعة ، ومن ثمَّ تمضى أحكامه ، وتجب مساعدته على إقامة الحدود والقضاء بين الناس ، وهذه الأشياء أعظم من مباشرة إمامة الصلاة ، فلا يتمّ القول بتحريمها مطلقاً في حال الغيبة.

ونمنع تيقّن وجوب الظهر في صورة النزاع ؛ فإنّه عين المتنازع. والدليل الدالّ على الوجوب أعمّ من الحتمي والتخييري ، ولمّا انتفى الحتمي في حال الغيبة بالإجماع تعيّن الحمل على التخييري ، ولو لا الإجماع على عدم العيني ، لما كان لنا عنه عدول.

فإن قيل : مقبول عمر بن حنظلة إنّما دلّ على نصب الصادق عليه‌السلام للمتّصف بالشرائط في عصره وزمان إمامته ، فلا يلزم تعدّيه ؛ لما سيأتي إن شاء الله في القضاء أنّ النائب ينعزل بموت الإمام.

قلنا : الكلام الآتي إنّما هو في المنصوب الخاصّ ، مع أنّ انعزاله بموت الإمام موضع النزاع ، فقد ذهب جماعة من الأصحاب إلى عدم انعزاله ، أمّا المنصوب العامّ فلا ينعزل إجماعاً ، ويُعلم ذلك من إجماع الأصحاب على نفوذ حكم الفقيه الجامع للشرائط في حال الغيبة ، وجواز إقامته للحدود وغيرها ، ووجوب مساعدته والترافع إليه ، فكيف يحكم بانعزاله أو يشكّ فيه مع هذا الإجماع!؟

واعترض على الاستدلال بأخبار الجواز باستناد الجواز في الأوّلين إلى إذن الإمام ، المستلزم لنصب نائب ؛ لأنّه من باب المقدّمة ؛ إذ لا خلاف في اشتراط إذنه حال الحضور ، وقد نبّه عليه المصنّف في النهاية بقوله : لمّا أذنا لزرارة وعبد الملك جاز ؛ لوجود المقتضي ،

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٣٩ / ٦٣٦ ؛ الإستبصار ١ : ٤١٩ / ١٦١٠.

(٢) الكافي ١ : ٦٧ / ١٠ ؛ التهذيب ٦ : ٣٠١ ٣٠٢ / ٨٤٥.

٣١١

وهو إذن الإمام (١). ويُحمل الأخير على المقيّد ، كما حُمل مطلق الآية عليه ولو في بعض الأحوال.

وجوابه : أنّ حكمهم «على الواحد من أهل عصرهم غير مقصور عليه ، بل هو حكم على الجماعة ، واستلزام الخاصّ نائباً لا يقتضي استلزام باقي الجماعة ؛ لعدم دلالة اللفظ عليه ، فإنّ ذلك الاستلزام لم يستفد من لفظ الحديث ، بل من أمرٍ خارج ، وهو توقّف الجمعة مع حضوره على إذنه ، وهذا المعنى مفقود في حال الغيبة ؛ فإنّه غير متيقّن حتى يجب المصير إليه. والمطلق يجب حمله على إطلاقه مع عدم تعيين التقييد ، وهو هنا كذلك. وعلى تقدير تقييدهما بالإمام أو مَنْ نصبه لا يستلزم القول بالتحريم في حال الغيبة مطلقاً ؛ لأنّ الفقيه نائب الإمامُ على وجه العموم.

وبالجملة ، فأصالة الجواز وعموم الآية والأخبار ليس لهما مانع صالح ، فتعيّن القول بالجواز.

ثمّ على تقديره هل يشترط في شرعيّتها حينئذٍ الفقيهُ الشرعي ، أم يكفي اجتماع باقي الشرائط والائتمام بإمامٍ يصحّ الاقتداء به في الجماعة؟

أكثر المجوّزين على الثاني ، وهُمْ بين مطلقٍ للشرعيّة مع إمكان الاجتماع والخطبتين ، وبين مصرّح بعدم اشتراط الفقيه ، وممّن صرّح به أبو الصلاح (٢) ، ونقله عنه المصنّف في المختلف (٣) ، وصرّح به أيضاً الشهيد في الذكرى (٤).

والمستند : إطلاق الأوامر من غير تقييدٍ بالإمام أو مَنْ نصبه عموماً أو خصوصاً ، خرج منه ما أُجمع عليه ، وهو مع إمكان إذنه وحضوره ، فيبقى الباقي على أصل الوجوب من غير شرط.

قال في الذكرى بعد حكاية الجواز عن الأكثر مع إمكان الاجتماع والخطبتين : ويعلّل بأمرين :

أحدهما : أنّ الإذن حاصل من الأئمّة الماضين ، فهو كالإذن من إمام الوقت. ولأنّ

__________________

(١) نهاية الإحكام ٢ : ١٤.

(٢) الكافي في الفقه : ١٥١.

(٣) مختلف الشيعة ٢ : ٢٥٠ ٢٥١ ، المسألة ١٤٧.

(٤) الذكرى ٤ : ١٠٤.

٣١٢

الفقهاء حال الغيبة يباشرون ما هو أعظم من ذلك بالإذن.

والتعليل الثاني : أنّ الإذن إنّما يعتبر مع إمكانه ، أمّا مع عدمه فيسقط اعتباره ، ويبقى عموم القرآن والأخبار خالياً عن المعارض.

ثمّ ذكر أخباراً كثيرة مطلقة. قال : والتعليلان حسنان ، والاعتماد على الثاني (١).

وعبارة أبي الصلاح في الكافي تناسب التعليل الثاني ؛ فإنّه قال ما هذا لفظه : لا تنعقد الجمعة إلا بإمام الملّة أو منصوب من قِبَله أو مَنْ تتكامل له صفات إمام الجماعة عند تعذّر الأمرين (٢).

وهذه العبارة صريحة في سقوط اعتبار إذن الإمام أو مَنْ نصبه مع التعذّر ، كحال الغيبة ، وأنّ الفقيه ليس شرطاً فيها حينئذٍ.

وفي بعض عبارات الأصحاب ما يدلّ على الأوّل ، كعبارة الشهيد في الدروس (٣) ، والمصنّف في النهاية (٤) ، فإنّهم عبّروا بأنّ الفقهاء يجمّعون في حال الغيبة ، ولا صراحة فيها بتحتّم ذلك ، وغايته أن يكون قولاً آخر.

وقد بالغ المحقّق الشيخ عليّ رحمه‌الله في إنكار القول الثاني من قولَي الجواز ، وزعم أنّ كلّ مَنْ قال بالجواز اشترط فيه حضور الفقيه ؛ محتجّاً عليه بدعوى جماعة من الأصحاب منهم الشهيد في الذكرى ، والمصنّف في التذكرة والنهاية ، وغيرهما الإجماعَ على اشتراط الإمام أو نائبه في شرعيّة الجمعة (٥).

وفي الدعوى والسند منع ظاهر.

أمّا الدعوى : فقد بيّنّا مَنْ صرّح بخلافها.

وأمّا الإجماع : فإنّما نقلوه على حالة الحضور لا على الغيبة ، فإنّهم يبتدؤن بحال الحضور ، ويذكرون فيه الإجماع ، ثمّ يذكرون حال الغيبة ، ويذكرون الخلاف ، فكيف يتحقّق الإجماع في موضع النزاع!؟ فراجِعْ أنت كلامهم تجده كما قلناه.

__________________

(١) الذكرى ٤ : ١٠٤ ١٠٥.

(٢) الكافي في الفقه : ١٥١.

(٣) الدروس ١ : ١٨٦.

(٤) نهاية الإحكام ٢ : ١٤.

(٥) جامع المقاصد ٢ : ٣٧٩ ؛ وانظر : الذكرى ٤ : ١٠٠ ؛ وتذكرة الفقهاء ٤ : ١٩ ، المسألة ٣٨١.

٣١٣

وأوضح ما في ذلك عبارة الذكرى ، التي نقل عنها دعوى الإجماع في ذلك ، فإنّه ذكر المسألتين في سطرٍ واحد ، قال : التاسع : إذن الإمام ، كما كان النبيّ يأذن لأئمّة الجُمُعات ، وأمير المؤمنين بعده ، وعليه إطباق الإماميّة. هذا مع حضور الإمام ، وأمّا مع غيبته كهذا الزمان ففي انعقادها قولان أصحّهما وبه قال معظم الأصحاب : الجواز إذا أمكن الاجتماع والخطبتان (١). انتهى ، ثمّ علّل الجواز بالتعليلين السابقين.

وهذا كما ترى صريح في اختصاص الإجماع بحالة حضوره ، ووقوع الخلاف في اشتراط إذنه في حال غيبته ، وأن الأكثر على العدم. وعبارة باقي أصحاب المطوّلات قريبة من ذلك ، فتدبّر.

فإن قيل : الأوامر الدالّة على الوجوب إنّما استفيد منها الوجوب العيني ، كما هو موضع وفاق بالنسبة إلى حالة الحضور ، ومدّعاكم الوجوب التخييري ، وأحدهما غير الآخر.

قلنا : أصل الوجوب ومطلقه مشترك بين العيني والتخييري ، ومن حقّ المشترك أن لا يخصّص بأحد معنييه إلا بقرينة صارفة عن الآخر أو مخصّصة ، والوجوب العيني منفيّ حال الغيبة بالإجماع ، فيختصّ الفرد الآخر.

فإن قيل : لو كان عدم إمكان الشرط موجباً لسقوط أثره وإعمال أصل الأوامر ، لزم جوازها فرادى عند عدم إمكان الجمع ، وبأقلّ من العدد عند تعذّره ، وغير ذلك ممّا يتعذّر فيه أحد الشروط ، وهو باطل إجماعاً ، فأيّ فارق بين الشروط؟

قلنا : هذا السؤال حقّ ، ومن خواصّ الشرط أن يستلزم فقده فقد المشروط ، إلا أنّ هذا الشرط وهو إذن الامام ليس له مستند يرجع إليه من كتاب أو سنّة ، كما ورد في باقي الشروط ، وإنّما العمدة في إثباته على الإجماع ، كما قرّرناه سابقاً ، ولا ريب أنّ الإجماع إنّما وقع على الاشتراط في حالة الحضور لا الغيبة ، فإنّه نفس المتنازع ، بل الأكثر على عدم الاشتراط. فتحرّر من ذلك أن لا دليل على الاشتراط في حالة الغيبة يجب المصير إليه.

فإن قيل : هذا غير مطابق لما احتجّ به الشهيد رحمه‌الله في الذكرى ؛ فإنّه اعتمد

__________________

(١) الذكرى ٤ : ١٠٤.

٣١٤

على أنّ الإذن إنّما يعتبر مع الإمكان لا مع التعذّر ، وهو راجع إلى ما أوردناه في السؤال ، وما ذكرتم يقتضي منع الاشتراط مطلقاً بل في حال الحضور.

قلت : مؤدّى الجوابين واحد عند التأمّل وإن اختلفت العبارة ؛ فإنّ إمكان الإذن الذي سلّم الاشتراط معه هو حالة الحضور ، وسقوطه عند عدم الإمكان هو حالة الغيبة ، فيرجع الأمر إلى ما قلناه وإن كان ظاهره يدلّ على خلاف ذلك.

وممّا يوجب حمله على ما ذكرناه فساده على تقدير حمله على ظاهره ؛ للقطع بأنّ الشرط لا يسقط اعتباره عند تعذّره مطلقاً ، لكن قد يتّفق ذلك في بعض الشروط ، لكنّه على خلاف الأصل المعروف في أحكام الشروط.

واعلم أنّه ليس المراد باستحبابها على تقدير مشروعيّتها كونها مندوبةً ؛ لأنّها تجزئ عن الظهر الواجبة ؛ للإجماع على أنّها متى شُرّعت أجزأت عن الظهر ، والمندوب لا يجزئ عن الواجب ، بل المراد أنّها أفضل الفردين الواجبين تخييراً ، فهي واجبة تخييراً ، مستحبّة عيناً ، ولا منافاة بينهما ؛ فإنّ أفراد الواجب المخيّر متى كانت متفاوتةً في الفضيلة كان حكمها كذلك. وهذا المعنى أولى ممّا قيل : إنّ الاستحباب متعلّق بالاجتماع (١) ، لا بالجمعة نفسها.

(ولو صلّى الظهر مَنْ وجب عليه السعي) إلى الجمعة (لم تسقط) الجمعة (بل) يجب عليه أن (يحضر) الجمعة (فإن أدركها ، صلاها ، وإلا أعاد ظهره) لفساد الأُولى ؛ إذ لم يكن مخاطباً بها ، بخلاف ما لو لم يكن مخاطباً بالجمعة فصلّى الظهر في وقت الجمعة ، فإنّها صحيحة ؛ إذ ليس هو من أهل فرض الجمعة ، فلو حضر موضع إقامتها بعد الصلاة ، لم يجب فعلها ؛ لتحقّق الامتثال ، لكن يستحبّ ؛ طلباً لفضيلة الجماعة ، وفاقاً للتذكرة (٢).

ويستثنى منه الصبي لو بلغ بعد أن صلّى الظهر ندباً ، فإنّها لا تجزئ عن الواجب ، بل يجب الحضور إلى الجمعة والصلاة ، فإن فاتت ، أعاد الظهر.

ولو فرض كونه من أهل الجمعة وظنّ إدراكها وصلّى الظهر ثمّ تبيّن أنّه في وقت الظهر لم يكن بحيث يدرك الجمعة ، وجب إعادة الظهر أيضاً ؛ لكونه متعبّداً بظنّه ، فكان المتعيّن

__________________

(١) انظر : غاية المراد ١ : ١٦٤.

(٢) تذكرة الفقهاء ٤ : ١٦ ، الفرع «ه».

٣١٥

عليه فعل الجمعة على حسب ظنّه.

ولو لم تكن شرائط الجمعة مجتمعةً في أوّل وقتها لكن يرجو اجتماعها قبل خروجه ، فهل له تعجيل الظهر؟ أم يجب الصبر إلى أن تحصل هي؟ أو اليأس منها؟ كلّ محتمل وإن كان الصبر أولى ؛ لأنّ وظيفته الجمعة ووقتها متّسع ، فلا يتحقّق الانتقال منها إلى الظهر إلا بعلم عدمها.

(ويدرك) المأموم (الجمعة بإدراك الإمام راكعاً في) الركعة (الثانية) على المشهور ؛ لأنّ إدراك الركوع موجب لإدراك الركعة ، وإدراك الركعة مع الإمام موجب لإدراك الجمعة.

ويشهد للأوّل : قول الصادق عليه‌السلام : «إذا أدركت الإمام وقد ركع فكبّرت وركعت قبل أن يرفع رأسه فقد أدركت الركعة ، وإن رفع الإمام رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك» (١).

وللثاني : قوله عليه‌السلام : «مَنْ أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أُخرى» (٢).

ولا فرق في إدراك الركعة بإدراكه راكعاً بين أن يكون الإمام قد أتى بواجب الذكر وعدمه ، ولا بين ذكر المأموم والإمام راكع ، وعدمه ، بل المعتبر اجتماعهما في حدّ الراكع.

وهل يقدح في ذلك شروع الإمام في الرفع مع عدم مجاوزة حدّ الراكع؟ ظاهر الرواية ذلك ؛ لأنّه علّق الحكم على رفع الرأس.

ويمكن العدم ؛ حملاً للرفع على كماله ، أو على ما يخرجه عن حدّه ؛ لأنّ ما دونه في حكم العدم.

واشترط الشيخ في النهاية إدراك تكبيرة الركوع (٣) ؛ لقول الباقر عليه‌السلام لمحمّد بن مسلم : «إن لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة» (٤).

ويعارض بالأُولى ، وترجّح الاولى بالشهرة ، أو بحمل هذه على الأفضليّة أو على ظنّ فوت الركوع توفيقاً.

واشترط المصنّف في التذكرة إدراك ذكر الركوع (٥). ولا شاهد له.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٨٢ / ٥ ؛ الفقيه ١ : ٢٥٤ / ١١٤٩ ؛ التهذيب ٣ : ٤٣ ٤٤ / ١٥٣ ؛ الاستبصار ١ : ٤٣٥ / ١٦٨٠.

(٢) سنن الدارقطني ٢ : ١٠ / ١.

(٣) النهاية : ١١٤.

(٤) التهذيب ٣ : ٤٣ / ١٤٩ ؛ الاستبصار ١ : ٤٣٤ / ١٦٧٦.

(٥) تذكرة الفقهاء ٤ : ٤٥ ، الفرع «د».

٣١٦

وهذا الحكم كلّه آتٍ في باقي الجماعة.

فرع : لو شكّ بعد الركوع هل أدركه راكعاً أو رافعاً؟ تعارض أصلا عدم الإدراك والرفع ، فيتساقطان ، ويبقى المكلّف في عهدة الواجب ؛ للشكّ في الإتيان به على وجهه ، فيجب الاستئناف.

(و) العدد المتقدّم شرط في الابتداء لا في الدوام فـ (لو انفضّ العدد في الأثناء ، أتمّ) إمام (الجمعة) وإن كان وحده ، كما يقتضيه ظاهر العبارة ؛ للنهي عن قطع العمل ، وظاهر قوله تعالى (وَتَرَكُوكَ قائِماً) (١) على قول بعض المفسّرين : إنّ المراد قائماً في الصلاة (٢).

واعتبر المصنّف في التذكرة إدراك ركعة (٣) ؛ لقوله عليه‌السلام : «مَنْ أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها أُخرى» (٤).

ولا دلالة فيه على المتنازع.

ولو انفضّ الإمام خاصّةً أو مع غيره ، وجب على مَنْ بقي الاستمرارُ ، وتقديم مَن يتمّ معه جماعة ، فإن تعذّر ، أُكملت فرادى ، فتكون الجماعة أيضاً شرطاً في الابتداء لا في الدوام ، وكذا التوقّف على إذن الإمام.

(ولو انفضّوا قبل التلبّس بالصلاة ، سقطت) لفقد الشرط ابتداءً.

وكذا لو انفضّ ما ينقص به العدد.

ويمكن دخوله في العبارة بحمل العدد على الهيئة المجموعة منه ، فيصدق فواتها بفوات بعض أجزائها.

ولا فرق بين انفضاضهم قبل الخطبة أو بعدها أو في أثنائها.

ولو عادوا ، أعادها من رأس إن لم يسمعوا أركانها ، وإلا بنى وإن طال الفصل ؛ لعدم ثبوت اشتراط الموالاة فيها.

[واجبات صلاة الجمعة]

(ويجب تقديم الخطبتين على الصلاة) تأسّياً بالنبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم ، وقضاءً

__________________

(١) الجمعة (٦٢) : ١١.

(٢) مجمع البيان ٩ ١٠ : ٢٨٩ نسبه إلى القيل.

(٣) تذكرة الفقهاء ٤ : ٤٠ ذيل القول الخامس للشافعي.

(٤) سنن الدارقطني ٢ : ١٠ / ١.

٣١٧

لحقّ الشرطيّة ، فلو عكس ، بطلت.

(وتأخيرهما عن الزوال) على المشهور ؛ لقوله تعالى (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ .. فَاسْعَوْا) (١) أمر بالسعي بعد النداء الذي هو الأذان ، فتكون الخطبة بعده.

ولقوله : «هي صلاة» (٢).

ولمضمرة محمَّد بن مسلم : «يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب» (٣).

وذهب جماعة من الأصحاب منهم الشيخ والمحقّق (٤) إلى جوازهما قبل الزوال ، وجعل في الذكرى إيقاعهما بعد الزوال أولى (٥) ؛ لصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك ، ويخطب في الظلّ الأوّل ، ويقول جبرئيل : يا محمّد قد زالت فانزل فصلّ (٦). ونزّلها المصنّف في المختلف على أنّ المراد بالظلّ الأوّل هو الفي‌ء الزائد على ظلّ المقياس إلى أن يصير مثله (٧). ومعنى زوال الشمس حينئذٍ ميلها عن الظلّ الأوّل ، كما أنّ زوالها المعروف ميلها عن دائرة وسط النهار.

وهو تنزيل بعيد ؛ لأنّه خلاف المعروف لغةً من الظلّ والزوال ؛ فإنّ الظلّ ما قبل الزوال ، كما أنّ الفي‌ء ما بعده ، والأصل عدم النقل ، فالاحتراز بالظلّ الأوّل إنّما وقع عن الفي‌ء ، وكذا الزوال حقيقة شرعيّة في ميل الشمس عن الدائرة المذكورة ، فحمله على غيره غير جائز.

والعجب أنّ المصنّف يرى أنّ آخر وقت الجمعة صيرورة الظلّ مثل الشخص ، ثمّ يؤوّل هذا الخبر بما يقتضي فعلها بعد هذا الوقت!؟

واعترض بأنّ الخبر لا دلالة فيه على مذهب الشيخ ؛ لأنّه ليس للظلّ الأوّل معنى معيّن يصار إليه عند الإطلاق ، فإنّ الأوّليّة أمر إضافيّ يختلف باختلاف المضاف إليه ، وإنّما يشعر

__________________

(١) الجمعة (٦٢) : ٩.

(٢) التهذيب ٣ : ١٢ ١٣ / ٤٢.

(٣) الكافي ٣ : ٤٢٤ / ٧ ؛ التهذيب ٣ : ٢٤١ / ٦٤٨.

(٤) النهاية : ١٠٥ ؛ المبسوط ١ : ١٥١ ؛ المعتبر ٢ : ٢٨٧.

(٥) الذكرى ٤ : ١٣٦.

(٦) التهذيب ٣ : ١٢ ١٣ / ٤٢.

(٧) مختلف الشيعة ٢ : ٢٣١ ، المسألة ١٣٠.

٣١٨

به قوله : «قد زالت» ولأنّه لا بدّ لتقدير شي‌ء مع الظلّ الأوّل ، وليس تقدير انتهائه مثلاً أولى من تقدير انقضائه ، وبأنّ أوّل الحديث يشعر بخلاف مرادهم ؛ لأنّ فعلها حين الزوال قدر شراك ربما يقتضي مضيّ زمان يسع الخطبة (١) ، وحينئذٍ يمكن كون المراد فعلها في أوّل الزوال الذي لا يعلمه كلّ أحد ، وفعل الصلاة عند تحقّق ذلك وظهوره.

والجواب : أنّ التقييد بالظلّ كافٍ في التمييز عن الفي‌ء الحادث بعد الزوال. ووصفه بالأوّليّة جاز كونه بياناً من قبيل قوله (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) (٢) فإنّ الظلّ لا يكون إلا أوّلاً بالإضافة إلى الفي‌ء ، أو يكون احترازاً عن الحادث بعد الزوال ، فإنّه قد يسمّى أيضاً ظلاً ، ومن ثَمَّ يقال : آخر وقتها إذا صار ظلّ كلّ شي‌ء مثله. ويؤيّد هذا المعنى قول جبرئيل بعد الخطبة : «قد زالت فانزل» ولا يحتاج الظلّ الأوّل إلى تقدير شي‌ء ممّا ذُكر ؛ فإنّه وقع ظرفاً للخطبتين ، فيكون المراد فعلهما في زمانه. وفعل الصلاة بعد الزوال قدر شراك لا يدلّ على خلاف ما دلّ عليه الكلام ؛ فإنّ قدر الشراك أمر قليل. ولو فرض طوله ، لم يضر. وفعلهُ لهما في زمانٍ لا يعلمه كلّ أحد إن كان مع علمه بحصول الزوال ، لم يكن لقول جبرئيل بعد ذلك : «قد زالت» فائدة. وإن كان لم يعلم بالزوال حال الخطبة ، كان حكمه حكم ما قبل الزوال ، مع احتياج ذلك كلّه إلى تقدير وتكلّف لا يقتضيه المقام ، فما ذكره الشهيد رحمه‌الله من الأولويّة في محلّه.

(و) يجب أيضاً (الفصل بين الخطبتين بجلسة) للتأسّي.

ولقول الصادق عليه‌السلام : «يجلس بينهما جلسة لا يتكلّم فيها» (٣) وهو خبر معناه الأمر.

ويجب فيها الطمأنينة ، ويكفي مسمّاها ، وفاقاً للتذكرة (٤).

وقد ذكر المصنّف (٥) وغيره (٦) كونها خفيفةً ، فلو أطالها بما لا يخلّ بالموالاة ، لم يضر ، وإلا ففي بطلان الخطبة الماضية نظر من الشكّ في اشتراط الموالاة ، وكونه هو المعهود شرعاً.

__________________

(١) المعترض هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٣٩٣.

(٢) الأنعام (٦) : ٣٨.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٠ / ٧٤.

(٤) تذكرة الفقهاء ٤ : ٧١ ، الفرع «د».

(٥) قواعد الأحكام ١ : ٣٧.

(٦) كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٣٩٨.

٣١٩

ولو كان يخطب جالساً لعجزه ، فصّل بين الخطبتين بسكتة.

واحتمل المصنّف الفصل بالاضطجاع (١).

(ورفع صوته) بالخطبتين (حتى يسمع العدد) المعتبر في الجمعة فصاعداً ؛ لأنّ المقصود من الخطبة لا يحصل بدونه. ولأنّ النبيّ كان إذا خطب رفع صوته كأنّه منذر جيش (٢).

ولو حصل مانع من السمع ، سقط الوجوب ، دون الخطبتين والجمعة ؛ لعموم الأمر.

ولو أمكن ذلك بالانتقال إلى موضعٍ آخر ، فالظاهر وجوبه من باب المقدّمة ما لم يشتمل على مشقّة لا تتحمّل عادةً.

(ولو صلّيت) الجمعة (فرادى ، لم تصح) لما تقدّم من اشتراط الجماعة ، وعدم الشرط موجب لعدم المشروط وإن حصلت باقي الشرائط من العدد وغيره.

(ولو اتّفقت جمعتان بينهما أقلّ من فرسخ ، بطلتا) معاً (إن اقترنتا) لما مرّ من اعتبار الوحدة في الفرسخ ، فيمتنع الحكم بصحّتهما معاً أو بصحّة واحدة ؛ لاستحالة الترجيح بغير مرجّح ، فلم يبق إلا بطلانهما.

هذا إذا كان الإمامان مستويين في الإذن وعدمه حيث تصحّ ، أمّا لو اختصّ أحدهما بالإذن فجمعته هي الصحيحة ؛ لفساد الأُخرى.

ويتحقّق الاقتران بتكبيرة الإحرام من الإمامين دون غيرها من الأفعال ؛ لأنّ بها يحصل الدخول في الصلاة والتحرّم بها.

ويتحقّق ذلك بشهادة عدلين ، ويتصوّر ذلك بكونهما غير مخاطبين بالجمعة وهُما في مكانٍ يسمعان التكبيرتين.

وحكمهما حينئذٍ أن يعيد الجميع الجمعة إن كان وقتها باقياً إمّا مجتمعين مع إمام واحد أو مفترقين بأزيد من فرسخ ، وإلا صلّوا الظهر.

(وإلا) أي : وإن لم تقترنا بل سبقت إحداهما الأُخرى بالتكبير وعلمت ، بطلت (اللاحقة) لا غير ، فيصلّي أصحابها الظهر إن لم يدركوا الجمعة مع السابقة ، وإلا تعيّنت الجمعة.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٤ : ٧٢ ، ذيل الفرع «ه».

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٥١٢ / ٨٦٧ ؛ سنن ابن ماجة ١ : ١٧ / ٤٥ ؛ سنن البيهقي ٣ : ٢٩٢ / ٥٧٥٣ ، و ٣٠٢ / ٥٧٩٨.

٣٢٠