روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-024-6
الصفحات: ٧١٦
الجزء ١ الجزء ٢

بالقران بين سورتين ؛ لشموله زيادة كلمة لغير غرض صحيح ، كالإصلاح ، فضلاً عن سورة ، ولا يتحقّق القرآن حقيقةً فيما دون السورة ، فإنّ بعض السورة لا يصدق عليه اسم السورة إلا مجازاً.

والقول بعدم إجزاء القراءة مع الزيادة ، المقتضي للتحريم هو قول جماعة من الأصحاب كالمرتضى (١) والشيخ في أكثر كتبه (٢) ، وقد تقدّم ما يدلّ عليه في رواية منصور ابن حازم عن الصادق عليه‌السلام «لا تقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورة ولا أكثر» (٣) وروى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام في الرجل يقرأ السورتين في الركعة الأُولى ، فقال : «لا ، لكلّ سورة ركعة» (٤) ونحوهما أخبار أُخرى ظاهرها التحريم.

وذهب جماعة من المتأخّرين منهم الشهيد (٥) رحمه‌الله إلى الكراهة ؛ جمعاً بين ما تقدّم وبين رواية عليّ بن يقطين عن الكاظم عليه‌السلام في القرآن بين السورتين في المكتوبة والنافلة ، قال : «لا بأس» (٦) وروى زرارة عن الباقر عليه‌السلام «إنّما يكره أن يجمع بين السورتين في الفريضة ، فأمّا النافلة فلا بأس» (٧) وهي نصّ في الباب ، فالقول بالكراهة أوجه ، فإنّه أولى من اطّراح هاتين الروايتين.

بقي هنا بحث ، وهو : أنّه قد تقدّم في مسألة وجوب السورة الاحتجاج برواية منصور ابن حازم ، المذكورة على الوجوب المستفاد من النهي المقتضي للتحريم المستلزم للأمر بضدّه ، وهي العمدة في الاحتجاج ثَمَّ ، وقد حمل النهي فيها هنا على الكراهة ، فاللازم من ذلك إمّا القول بعدم وجوب السورة أو القول بتحريم القرآن ، وقد حكم جماعة بوجوب السورة وكراهة القرآن ، فلا يتمّ الاستدلال بها على الأمرين المتنافيين.

ويمكن حلّ الإشكال على تقدير تسليم انحصار الدليل على وجوب السورة في الرواية بأنّ النهي فيها متعدّد ، والحرف الدالّ عليه مكرّر ، فيجوز حمل الأوّل على

__________________

(١) الانتصار : ١٤٦ ؛ رسائل الشريف المرتضى ١ : ٢٢٠.

(٢) منها : الخلاف ١ : ٣٣٦ ، المسألة ٨٧ ؛ والنهاية : ٧٥ ٧٦ ؛ والتهذيب ٢ : ٢٩٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٤ / ١٢ ؛ التهذيب ٢ : ٦٩ ٧٠ / ٢٥٣ ؛ الاستبصار ١ : ٣١٤ / ١١٦٧.

(٤) التهذيب ٢ : ٧٠ / ٢٥٤ ؛ الاستبصار ١ : ٣١٤ / ١١٦٨.

(٥) الذكرى ٣ : ٣٢٦.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٩٦ / ١١٩٢ ؛ الاستبصار ١ : ٣١٧ / ١١٨١.

(٧) التهذيب ٢ : ٧٢ ٧٣ / ٢٦٧ ؛ الاستبصار ١ : ٣١٧ / ١١٨٠.

٢٤١

التحريم جرياً له على بابه وحقيقته ؛ لعدم المعارض المقتضي لحملة على غيرها ، وحمل الثاني وهو قوله : «ولا أكثر» على الكراهة ؛ لاقتضاء تعارض الأخبار وجوب الجمع مع الإمكان ، وهو هنا ممكن.

والمصنّف رحمه‌الله حمل النهي فيها على التحريم (١) في الموضعين حذراً من ذلك ، والمحقّق في المعتبر (٢) حمله على الكراهة فيهما ؛ لما ثبت هنا.

وفرقهما أولى وإن كان خلاف الظاهر ؛ لما ذكرناه من العارض الموجب له ، والله أعلم.

(ويجب الجهر) بالقراءة (في الصبح وأوّلتي المغرب وأوّلتي العشاء ، والإخفات) بها (في البواقي) وهي الظهران مطلقاً وأخيرة المغرب وأخيرتا العشاء ، سواء قرأ فيهما أم عوّض عنه بالتسبيح على المشهور.

والقول بوجوب الجهر والإخفات في مواضعهما هو المشهور بين الأصحاب ، بل ادّعى الشيخ فيه الإجماع (٣).

ومستنده مع ذلك رواية زرارة عن أبي جعفر في رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر فيه أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفات فيه ، فقال : «إن فعل ذلك متعمّداً فقد نقض صلاته ، وعليه الإعادة ، وإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شي‌ء عليه ، وقد تمّت صلاته» (٤).

ونقل عن المرتضى وابن الجنيد القول باستحبابهما (٥). والعمل على المشهور.

واحترزنا بالتقييد بالقراءة عن باقي الأذكار ، كالتكبير والتسبيح والتشهّد والتسليم ؛ فإنّ الجهر والإخفات فيها غير متعيّن.

وحكمهما مختصّ بالرجل دون المرأة ، فترك التصريح به في العبارة إخلال ؛ إذ ليس في السياق إشعار به ، فإنّ البحث السابق كلّه مشترك بينهما ، والإجماع على أنّ المرأة

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٣ : ١٤٨.

(٢) المعتبر ٢ : ١٧٤.

(٣) الخلاف ١ : ٣٧١ ٣٧٢ ، المسألة ١٣٠.

(٤) الفقيه ١ : ٢٢٧ / ١٠٠٣ ؛ التهذيب ٢ : ١٦٢ / ٦٣٥ ؛ الاستبصار ١ : ٣١٣ / ١١٦٣.

(٥) حكاه عنهما المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ١٧٦.

٢٤٢

لا جهر عليها حتماً ، بل يجوز لها السرّ مطلقاً ، والجهر إن لم يسمعها الأجنبيّ ، ومعه يحرم عليها ، وتفسد الصلاة ؛ للنهي في العبادة ، المقتضي لفسادها.

وهل الخنثى هنا كالمرأة فتتخيّر ، أو كالرجل فيجب الجهر في مواضعه وتحرّي موضع لا يسمعها الأجنبيّ ، فإن تعذّر ، وجب الإخفات؟ قولان.

واعلم أنّ الجهر والإخفات كيفيّتان متضادّتان لا تجتمعان في مادّة ، كما نبّه عليه المصنّف في النهاية (١). فأقلّ السرّ أن يسمع نفسه لا غير تحقيقاً أو تقديراً. وأكثره أن لا يبلغ أقلّ الجهر. وأقلّ الجهر أن يسمع مَنْ قرب منه إذا كان صحيح السمع مع اشتمال القراءة على الصوت الموجب لتسميته جهراً عرفاً. وأكثره أن لا يبلغ العلوّ المفرط.

وربما فهم بعضهم (٢) أنّ بين أكثر السرّ وأقلّ الجهر تصادقاً.

وهو فاسد ؛ لأدائه إلى عدم تعيين أحدهما لصلاة ؛ لإمكان استعمال الفرد المشترك حينئذٍ في جميع الصلوات ، وهو خلاف الواقع ؛ لأنّ التفصيل قاطع للشركة.

(و) كذا يجب (إخراج الحروف من مواضعها) المنقولة بالتواتر ، فلو أخرج حرفاً من مخرج غيره كالضاد الذي مخرجه أوّل حافّة اللسان وما يليها من الأضراس يخرجه من مخرج الظاء ، وهو ما بين طرف اللسان والطرف الأدنى من الثنايا بطلت الصلاة.

ويستفاد من تخصيص الوجوب بمراعاة المخارج والإعراب فيما تقدّم : عدم وجوب مراعاة الصفات المقرّرة في العربيّة من الجهر والهمس والاستعلاء والإطباق ونظائرها ، وهو كذلك ، بل مراعاة ذلك مستحبّة.

(والبسملة في أوّل الحمد و) أوّل (السورة) عدا سورة «براءة» وهو موضع إجماع من الأصحاب ، والأخبار في ذلك من طرقنا وطرق العامّة كثيرة.

وروى عن ابن عباس أنه قال : سرق الشيطان من الناس مائة وثلاث عشرة آية حتى ترك بعضهم قراءة «بسم الله الرحمن الرحيم» في أوائل السور (٣).

(والموالاة) بين الكلمات بأن لا يقرأ خلالها غيرها ، ولا يسكت بحيث يخلّ بها (فيعيد

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ٤٧١.

(٢) انظر : جامع المقاصد ٢ : ٢٦٠.

(٣) أورده المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٤٤ ؛ ونحوه في سنن البيهقي ٢ : ٧٣ / ٢٤١٣.

٢٤٣

القراءة لو قرأ خلالها) غير ما هو مأمور به وإن كان منها إذا لم يكن دعاءً ونحوه ممّا هو مستثنى.

وإطلاق المصنّف إعادة القراءة مع تخلّل قراءة غيرها الشامل ذلك لكونه عمداً أو نسياناً غير معهود من مذهبه ، بل لا نعلم به قائلاً. والذي اختاره في كثير من كتبه (١) واختاره الشهيد (٢) رحمه‌الله وجماعة (٣) بطلان الصلاة مع تعمّد قراءة غيرها ، وبطلان القراءة لا غير مع النسيان.

أمّا الأوّل : فلتحقّق النهي المقتضي للفساد.

وأمّا الثاني : فلفوات الموالاة.

وذهب الشيخ في المبسوط إلى استئناف القراءة مع العمد ، والبناء على ما مضى مع النسيان (٤). واختاره المصنّف في النهاية (٥).

ومذهب الجماعة في العمد واضح ، أمّا مع النسيان فيشكل الحكم ببطلان القراءة مطلقاً ، والتعليل بالإخلال بالموالاة كذلك ؛ فإنّ نحو الكلمة والكلمتين لا تقدحان في الموالاة عرفاً ، فلو قيّدت الإعادة بما يخلّ بالموالاة عرفاً ، كان حسناً.

ولو حمل كلام المصنّف على القراءة ناسياً وافق مذهبه في غير القواعد وباقي الأصحاب ، أو بالعمد وافق النهاية.

وأشدّ منه إجمالاً قوله (ولو نوى القطع وسكت ، أعاد ، بخلاف ما لو فقد أحدهما) فإنّ نيّة قطع القراءة إن كان بنيّة عدم العود إليها بالكلّيّة ، فهو كنيّة قطع الصلاة تبطلها في الموضعين ، سواء سكت أم لم يسكت. وإن لم يكن كذلك ، بل نوى قطعها في الجملة ، فإن طال السكوت بحيث يخرج عن كونه مصلّياً ، بطلت الصلاة ، وتعيّن كون مفعول «أعاد» المحذوف هو الصلاة. وإن لم يخرج عن كونه مصلّياً لكن خرج عن كونه قارئاً ، فالمتّجه إعادة القراءة لا غير ، فتكون القراءة هي المفعول. ولو فقد الأمران بأن قصر

__________________

(١) منها : قواعد الأحكام ١ : ٣٣ ؛ وتحرير الأحكام ١ : ٣٩.

(٢) الذكرى ٣ : ٣١٠ ٣١١.

(٣) منهم : المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ٢٦٥.

(٤) المبسوط ١ : ١٠٥.

(٥) نهاية الإحكام ١ : ٤٦٣.

٢٤٤

السكوت جدّاً ، لم يتّجه البطلان ، فإنّ نيّة القطع لو كانت منافيةً بنفسها ، لم يفتقر إلى السكوت ، ولما صحّ قوله : «بخلاف ما لو فقد أحدهما» فإنّ من جملته ما لو نوى القطع ولم يسكت ، إلا أن يقال : إنّ المبطل عنده مركّب من نيّة القطع والقطع. ويشكل مع قلّته جدّاً.

وممّا يدخل في فقد أحدهما أن يسكت لا بنيّة القطع. ويشكل حكمه فيه أيضاً بعدم الإعادة على الإطلاق ، فإنّه لو خرج بالسكوت عن كونه قارئاً ، أعاد القراءة ، بل لو خرج عن كونه مصلّياً ، بطلت الصلاة. ويتمّ الحكم فيما عدا هذين.

(وتحرم) قراءة إحدى سور (العزائم) الأربع (في الفرائض) على أشهر القولين ؛ لأنّ وجوب السجود فوريّ ، وزيادته عمداً مبطلة ، فتعمّد فعلها في الفريضة يستلزم أمّا الزيادة الممنوع منها على تقدير السجود ، أو ترك الواجب الفوريّ ، وكلاهما محرّم.

ولو فرض ترك قراءة السجدة ، لزم إمّا الاقتصار على أقلّ من سورة إن اقتصر على السورة ، أو القرآن إن قرأ غيرها قبلها ، أو الإخلال بالموالاة إن قرأها بعدها. والكلّ ممنوع.

ولرواية زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام «لا يقرأ في المكتوبة شي‌ء من العزائم ، فإنّ السجود زيادة في المكتوبة» (١) وفي رواية سماعة «لا تقرأ في الفريضة ، اقرأ في التطوّع» (٢).

وذهب ابن الجنيد إلى الجواز ، ويومئ بالسجود عند بلوغه ، فإذا فرغ ، قرأها وسجد (٣).

وله شواهد من الأخبار ، ويقوى على القول بعدم وجوب السورة ، كما يذهب إليه ابن الجنيد (٤).

ويراد بالإيماء عند بلوغها ترك قراءتها ، كما ينبّه عليه قوله : «فإذا فرغ ، قرأها وسجد» ولا منع حينئذٍ من جهة الدليل المردّد أوّلاً ، ويكون معنى قوله : «فإذا فرغ أي : من الصلاة قرأها وسجد» لا من القراءة لئلا تستلزم زيادة السجود في الصلاة عمداً.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٨ / ٦ ؛ التهذيب ٢ : ٩٦ / ٣٦١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٩٢ / ١١٧٤ ؛ الاستبصار ١ : ٣٢٠ / ١١٩١.

(٣) حكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ١٧٥.

(٤) حكاه عنه العلامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١٦١ ، المسألة ٨٩.

٢٤٥

وأمّا الروايتان : فإنّهما تقتضيان النهي عن قراءتها ، وهو يقتضي فساد الصلاة مع المخالفة ، إلا أنّ في طريقهما ضعفاً بابن بكير في الأُولى ، وبسماعة في الثانية ، فيبقى اللازم من ذلك إن قطع الترجيح عن جانب الشهرة أن يقال : إن قلنا بوجوب السورة وتحريم القرآن كما يراه المصنّف فالتحريم واضح ؛ لاستلزام ترك قراءة السجدة عدمَ إتمام السورة ، وعدمِ الاجتزاء بها كذلك القرآن. وإن قلنا بوجوبها وكراهة القرآن ، أمكن قراءة العزيمة مع ترك موجب السجود إذا قرأ قبلها سورةً غيرها ، لا إن قدّمها حذراً من الإخلال بالموالاة ، وكذا إن لم نوجب السورة ، فإنّ التبعيض حينئذٍ جائز ، فيمكن قراءتها من دون موجب السجود. وأمّا قراءة موضع السجود فلا يجوز في الفريضة على حال ، فعُلم من ذلك أنّ قول ابن الجنيد بناءً على مذهبه من عدم وجوب السورة غير بعيد إذا أُريد منه ترك موضع السجود.

إذا تقرّر ذلك ، فعلى القول بالتحريم مطلقاً كما ذكره المصنّف والجماعة إن قرأ العزيمة عمداً ، بطلت الصلاة بمجرّد الشروع في السورة وإن لم يبلغ موضع السجود ؛ للنهي المقتضي للفساد.

وإن قرأها سهواً ، فإن ذكر قبل تجاوز السجدة ، عدل إلى غيرها وجوباً ، سواء تجاوز النصف أم لا ، مع احتمال عدم الرجوع لو تجاوز النصف ؛ لتعارض عمومَي المنع من الرجوع بعده ، والمنع من زيادة سجدة ، فيومئ للسجود بها ثمّ يقضيها.

وإن لم يذكر حتى تجاوز السجدة ، ففي الاعتداد بالسورة وقضاء السجود بعد الصلاة ؛ لانتفاء المانع ، أو وجوب العدول مطلقاً ما لم يركع ؛ لعدم الاعتداد بالعزيمة في قراءة الصلاة فيبقى وجوب السورة بحاله ؛ لعدم حصول المسقط لها وجهان. ومال في الذكرى إلى الثاني (١). وعلى ما بيّنّاه من أنّ الاعتماد في تحريم العزيمة على السجود يتّجه الاجتزاء بها حينئذٍ.

وقال ابن إدريس : إذا قرأها ناسياً ، مضى في صلاته ثمّ قضى السجود بعدها (٢). وأطلق.

__________________

(١) الذكرى ٣ : ٣٢٤ ٣٢٥.

(٢) السرائر ١ : ٢١٨.

٢٤٦

واحترز المصنّف بالفرائض عن النوافل ، فإنّ قراءتها فيها جائزة ، ويسجد لها في محلّه ؛ للنصّ (١). ولأنّ كثيراً من الأخبار مطلقة في الجواز. وحُملت على النفل ؛ توفيقاً. ولأنّ الزيادة في النفل مغتفرة.

وكذا لو استمع فيها إلى قارئ السجدة أو سمع على أحد الوجهين. ولو كان في فريضة ، حرم عليه الاستماع. فإن فَعَله أو سمع اتّفاقاً وقلنا بالوجوب ، أومأ لها ، وقضاها بعد الصلاة.

ولو كان يصلّي مع إمامٍ لا يقتدى به ؛ للتقيّة فقرأ العزيمة ، تابَعَه في السجود. وهل يعتدّ بصلاته حينئذٍ؟ إشكال ، أقربه : العدم ؛ للزيادة عمداً ، وعدم العلم بكون مثل ذلك مغتفراً ، غايته عدم وصفه بالتحريم.

(و) كذا تحرم قراءة (ما يفوت الوقت بقراءته) من السورة أمّا بإخراج الفريضة الثانية على تقدير قراءته في الفريضة الأُولى ، كالظهرين ، أو بإخراج بعض الفريضة عن الوقت ، كما لو قرأ سورةً طويلة يقصر الوقت عنها وعن باقي الصلاة مع علمه بذلك ، فإنّ الصلاة تبطل بذلك ؛ لثبوت النهي عن قراءتها ، المقتضي للفساد ، وإخراج الصلاة أو بعضها عن وقتها ممنوع منه.

ولو قرأها ناسياً ، عدل إذا تذكّر.

ولو ظنّ السعة فشرع في سورة طويلة ثمّ تبيّن ضيق الوقت عن الصلاة مع إكمالها ، وجب العدول إلى أقصر منها وإن تجاوز نصف الاولى.

(و) كذا يحرم (قول : آمين) في أثناء الصلاة ، سواء في ذلك آخر الحمد وغيرها حتى القنوت وغيره من مواطن الدعاء.

(وتبطل) الصلاة بتعمّده (اختياراً) على المشهور بين الأصحاب ، بل ادّعى الشيخ (٢) وغيره الإجماع عليه.

والمستند مع الإجماع قول النبيّ : «إنّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شي‌ء من كلام

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٨ / ٥ ؛ التهذيب ٢ : ٢٩١ / ١١٦٧ ؛ الاستبصار ١ : ٣١٩ / ١١٨٩.

(٢) الخلاف ١ : ٣٣٢ ٣٣٤ ، المسألة ٨٤.

٢٤٧

الآدميّين» (١) و «آمين» من كلامهم ؛ إذ ليست بقرآن ولا ذكر ولا دعاء ، وإنّما هي اسم للدعاء ، وهو : اللهمّ استجب ، والاسم مغاير لمسمّاه الوضعي.

ولقول الصادق عليه‌السلام حين سأله الحلبي : أقول : آمين ، إذا فرغت من فاتحة الكتاب؟ : «لا» (٢) وهو نهي يقتضي الفساد في العبادة.

ولصحيحة جميل عن الصادق عليه‌السلام «إذا كنت خلف الإمام فقرأ الحمد وفرغ من قراءتها فقُلْ أنت : الحمد لله ربّ العالمين ، ولا تقل : آمين» (٣) وهو نهي أيضاً دالّ على التحريم المفسد.

وأمّا ما رواه جميل أيضاً بطريق آخر عنه عليه‌السلام حين سأله عن قول الناس حين تقرأ فاتحة الكتاب : آمين ، قال : «ما أحسنها وأخفض الصوت بها» (٤) فإنّه يحتمل كون «ما» نافيةً لكونه يحسنها ، فلا دلالة فيها ، وكونه على طريق التعجّب من حسنها ، وهو مؤذن بالتقيّة ؛ لتصريح الأخبار بالنهي عنها ، وكونه خَفَضَ صوته بها ، أي ضعفه.

ونظيره في الإيذان بالتقيّة ما رواه معاوية بن وهب ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أقول : آمين ، إذا قال الإمام (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضّالِّينَ)؟ قال : «هم اليهود والنصارى» (٥) حيث عدل عن جواب المسئول عنه إلى تفسير «المغضوب عليهم ولا الضالّين».

وفسّره بعض أصحابنا بأنّ القائلين : آمين ، هُم اليهود والنصارى (٦).

واستدلّ على البطلان بأنّ القارئ إن قصد مجرّد القراءة ، لم يكن للتأمين محلّ ؛ إذ لا دعاء. وإن قصد بها الدعاء لا غير ، لم يصح. وإن قصدهما معاً ، لزم استعمال المشترك في كلا معنييه.

ويضعّف بمنع الاشتراك على التقدير الثالث ، فإنّ المعنى متّحد ، وهو الدعاء المنزل

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٣٨١ ٣٨٢ / ٥٣٧ ؛ سنن النسائي ٣ : ١٧ ؛ سنن البيهقي ٢ : ٣٥٣ ٣٥٥ / ٣٣٤٩ و ٣٣٥١ ؛ مسند أحمد ٦ : ٦٢٥ / ٢٣٢٥٠ ؛ المعجم الكبير للطبراني ١٩ : ٤٠١ / ٩٤٥.

(٢) التهذيب ٢ : ٧٤ ٧٥ / ٢٧٦ ؛ الإستبصار ١ : ٣١٨ / ١١٨٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٣ / ٥ ؛ التهذيب ٢ : ٧٤ / ٢٧٥ ؛ الاستبصار ١ : ٣١٨ / ١١٨٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٧٥ / ٢٧٧ ؛ الاستبصار ١ : ٣١٨ / ١١٨٧.

(٥) التهذيب ٢ : ٧٥ / ٢٧٨ ؛ الاستبصار ١ : ٣١٩ / ١١٨٨.

(٦) انظر : الفقيه ١ : ٢٥٥ ذيل الحديث ١١٥٤ ؛ والذكرى ٣ : ٣٤٨.

٢٤٨

قرآناً ، فإنّ الله سبحانه إنّما كلّف المكلّفين بهذه الصيغة لإرادة الدعاء وإن لم يحتمها عليهم ، ومن هنا جاء «قسّمت الفاتحة بيني وبين عبدي نصفين فإنّ أوّلها ثناء وآخرها دعاء» (١).

نعم ، لو قيل : إنّ «آمين» لا تشرع حينئذٍ إلا مع قصد الدعاء وإن كان بالشركة والقصد غير واجب ، ولم يقل أحد بكون التأمين مشروطاً بالقصد ، فإنّ المخالف جوّزه مطلقاً ، والأصحاب منعوه مطلقاً ، فتجويزه مشروطاً بقصد الدعاء خروج عن الإجماع المركّب ، أمكن ، لكن يبقى فيه أنّ «آمين» طلب لاستجابة الدعاء أعمّ من الحاضر وغيره ، كما سيأتي في الجواب عن إبطال «اللهمّ استجب» فلولا النصّ ، أمكن عدم النهي عنه.

وقال المصنّف في التذكرة تبعاً لشيخه المحقّق (٢) : إنّ معنى «آمين» اللهمّ استجب ، ولو قال ذلك ، بطلت صلاته ، فكذا ما هو اسمه (٣).

ويضعّف بأنّه دعاء عامّ باستجابة ما يدعى به ، فلا وجه للمنع منه.

وذهب بعض الأصحاب إلى كراهة التأمين (٤) ، واحتمله في المعتبر (٥). وهو ضعيف.

واحترز بقيد الاختيار عمّا لو أمّن لتقيّة ، فإنّه لا يبطل ؛ لأنّه جائز ، بل قد يجب إذا خاف ضرراً من تركه عليه أو على غيره من المؤمنين.

وعلى كلّ حال لا تبطل الصلاة بتركه حينئذٍ ؛ لعدم وجوبه عندهم. ولأنّه فعل خارج من الصلاة.

(ويستحبّ الجهر بالبسملة في) مواضع (الإخفات) سواء في ذلك القراءة في الأوّلتين والأخيرتين ؛ لرواية صفوان قال : صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام أيّاماً ، فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وأخفى ما سوى ذلك (٦).

__________________

(١) انظر : صحيح مسلم ١ : ٢٩٦ / ٣٩٥ ؛ وسنن البيهقي ٢ : ٥٧ / ٢٣٦٥ ؛ ومسند أحمد ٢ : ٤٧٩ / ٧٢٤٩.

(٢) المعتبر ٢ : ١٨٥.

(٣) تذكرة الفقهاء ٣ : ١٦٢ ، المسألة ٢٤٥.

(٤) قال الفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ١٥٦ : القول بالتحريم مذهب الثلاثة وأتباعهم ، وما أعرف فيه مخالفاً إلا ما حكى شيخنا دام ظلّه في الدرس عن أبي الصلاح الكراهية. وما وجدته في مصنّفه. انتهى.

(٥) المعتبر ٢ : ١٨٦.

(٦) التهذيب ٢ : ٦٨ / ٢٤٦ ؛ الاستبصار ١ : ٣١٠ ٣١١ / ١١٥٤.

٢٤٩

وروى أبو حمزة الثمالي عن عليّ بن الحسين» «أنّ الإمام إذا لم يجهر بها ركب الشيطان كتفه ، وكان إمام القوم حتى ينصرفوا» (١).

وهذه الروايات تتناول بإطلاقها جميع الصلوات والأوّلتين والأخيرتين ، والتأسّي يقتضي شمول الإمام وغيره.

وقول ابن الجنيد باختصاص الجهر بالإمام (٢) ، وابن إدريس باختصاصه بالأُوليين (٣) ضعيفان. وقول ابن البرّاج بوجوب الجهر لها في الإخفاتيّة مطلقاً (٤) وأبي الصلاح بوجوبه في أوّلتي الظهرين (٥) يدفعه عدم الدليل الموجب ، فإنّ المداومة عليه لا تقتضيه.

ورواية محمّد بن علي الحلبي عن الصادق عليه‌السلام فيمن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، قال : «إن شاء سرّاً وإن شاء جهراً» (٦) تنفيه ؛ لتصريحها بعدم الوجوب عيناً.

واعلم أنّ المراد بالاستحباب في هذا ونظائره كونه أفضل الفردين الواجبين على التخيير ، لا الاستحباب المتعارف ؛ لتأدّي الواجب في ضمنه وكونه كيفيّةً له ، فلا يكون إلا واجباً ، لكنّ الوجوب فيه تخييريّ ؛ لتأدّيه به وبالسرّ ، لكن لمّا كان الجهر أفضل الفردين صحّ إطلاق الاستحباب عليه ؛ لذلك ، فهو مستحبّ عيناً ، وواجب تخييراً ، لا أنّ الاستحباب راجع إلى اختياره ، فإنّ الاستحباب حينئذٍ غير منسوب إليه.

ووجه المصير إلى التأويل العجز عن تصوّر : عدم المنافاة بين وجوب الشي‌ء واستحبابه باعتبارين.

(والترتيل) في القراءة ؛ لقوله تعالى (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (٧) وهو لغةً : الترسّل فيها والتبيين بغير بغْي ، قاله الجوهري (٨).

واختلفت العبارة عنه شرعاً.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٩٠ / ١١٦٢.

(٢) حكاه عنه الشهيد في الذكرى ٣ : ٣٣٣.

(٣) السرائر ١ : ٢١٨.

(٤) المهذّب ١ : ٩٧.

(٥) الكافي في الفقه : ١١٧.

(٦) التهذيب ٢ : ٦٨ ٦٩ / ٢٤٩ ؛ الاستبصار ١ : ٣١٢ / ١١٦١.

(٧) المزّمّل (٧٣) : ٤.

(٨) الصحاح ٤ : ١٧٠٤ ، «ر ت ل».

٢٥٠

فقال المصنّف في المنتهي : هو تبيينها من غير مبالغة (١). وفي النهاية : هو بيان الحروف وإظهارها ، ولا يمدّه بحيث يشبه الغناء. ولو أدرج ولم يرتّل وأتى بالحروف بكمالها ، صحّت صلاته (٢).

وتعريف المنتهي تبع فيه شيخه المحقّق في المعتبر (٣). وهذه التعريفات تناسب المعنى اللغوي والاستحباب.

وفي الذكرى : هو حفظ الوقوف وأداء الحروف (٤). وهو المرويّ عن ابن عباس وعليّ ، إلا أنّه قال : وبيان الحروف ، بدل أدائها (٥).

وهذا التعريف لا يجامع ذكر الوقوف على مواضعه بعد ذلك ؛ لدخوله فيه.

وعلى الأوّل فيحتاج إلى قوله (والوقوف على مواضعه) فيقف على التامّ ثمّ الحسن ثمّ الجائز على ما هو مقرّر عند القرّاء تحصيلاً لفائدة الاستماع ؛ إذ به يسهل الفهم ويحسن النظم. ولا يتعيّن الوقف في موضع ولا يقبح ، بل متى شاء وقف ومتى شاء وَصَلَ مع المحافظة على النظم ، وما ذكره القرّاء قبيحاً أو واجباً لا يعنون به معناه الشرعي ، وقد صرّح به محقّقوهم.

وروى عليّ بن جعفر عن أخيه موسى» في الرجل يقرأ بفاتحة الكتاب وسورة أُخرى في النفس الواحد ، قال : «إن شاء قرأ في نَفَسٍ ، وإن شاء في غيره» (٦).

نعم ، يكره قراءة التوحيد في نَفَسٍ واحد ، روي ذلك عن الصادق (٧).

وروى الكليني بإسناده إلى أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سئل عن قول الله تعالى (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (٨) فقال : «قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : بيّنه بياناً ، ولا تهذّه (٩) هذّ الشعر ،

__________________

(١) منتهى المطلب ٥ : ٩٦.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٤٧٦.

(٣) المعتبر ٢ : ١٨١.

(٤) الذكرى ٣ : ٣٣٤.

(٥) كما في غاية المراد ١ : ١٤١.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٩٦ / ١١٩٣.

(٧) الكافي ٣ : ٣١٤ / ١١.

(٨) المزّمّل (٧٣) : ٤.

(٩) الهذّ : الإسراع في القراءة. الصحاح ٢ : ٥٧٢ ، «ه ذ ذ».

٢٥١

ولا تنثره نثر الرمل ، ولكن اقرعوا به القلوب القاسية ، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة» (١).

(و) قراءة (قصار) السور من (المفصّل في الظهرين والمغرب) والمشهور كونه من سورة «محمّد» إلى آخر القرآن ، سمّي بذلك ؛ لكثرة الفصول بين سوره وقصاره من «الضحى» إلى آخره (ومتوسّطاته) وهي من «عمّ» إلى «الضحى» (في العشاء ومطوّلاته) وهي من أوّله إلى «عمّ» (في الصبح).

وفي بعض كتب اللغة أنّ المفصّل من «الحجرات» أو من «الجاثية» أو «القتال» (٢) أو «قاف» (٣). وقيل : غير ذلك (٤) ، والله أعلم.

وليس في أخبارنا تصريح بهذا الاسم ولا تحديده.

وروى محمد بن مسلم في الصحيح قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : القراءة في الصلاة فيها شي‌ء موقّت؟ فقال : «لا ، إلا الجمعة تقرأ بالجمعة والمنافقين» قلت له : فأيّ السور أقرأ في الصلوات؟ قال : «أمّا الظهر والعشاء فتقرأ فيهما سواء ، والعصر والمغرب سواء ، وأمّا الغداة فأطول ، ففي الظهر والعشاء بـ «سبّح اسم ربّك الأعلى والشمس وضحيها» ونحوها ، والعصر والمغرب «إذا جاء نصر الله» و «ألهيكم التكاثر» ونحوها ، والغداة بـ «عمّ يتساءلون» و «الغاشية» و «القيامة» و «هل أتى» (٥).

وهذه الرواية قد تضمّنت التسوية بين الظهر والعشاء وبين العصر والمغرب ، وعمل به الشهيد (٦) رحمه‌الله ، وهو أولى.

(و) قراءة سورة (هل أتى) على الإنسان حين من الدهر (في صبح الاثنين و) صبح (الخميس) قاله الشيخ (٧) والجماعة (٨).

__________________

(١) الكافي ٢ : ٦١٤ / ١ بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.

(٢) «القتال» اسم آخر لسورة «محمد». انظر جمال القرّاء وكمال الأقراء ١ : ١٨٢ ، والبرهان في علوم القرآن ١ : ٢٦٩ ، وبصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز ١ : ٤٣٠.

(٣) القاموس المحيط ٤ : ٣١.

(٤) انظر القاموس المحيط ٤ : ٣١.

(٥) التهذيب ٢ : ٩٥ / ٣٥٤.

(٦) انظر : الذكرى ٣ : ٣٣٦.

(٧) المبسوط ١ : ١٠٨.

(٨) منهم : الشهيد في الدروس ١ : ١٧٤.

٢٥٢

وزاد الصدوق : قراءة «الغاشية» في الركعة الأُخرى ، وأنّ مَنْ قرأهما في اليومين وقاه الله شرّهما (١). وحكى عمّن صحب الرضا عليه‌السلام إلى خراسان لمّا أُشخص إليها أنّه كان يقرأهما (٢).

(و) قراءة سورة (الجمعة والأعلى ليلة الجمعة في العشاءين) رواه أبو بصير عن الصادق (٣).

وروى أبو الصباح عنه عليه‌السلام أنّه «يقرأ في العشاء ذلك ، وفي المغرب سورة الجمعة و «قل هو الله أحد» (٤).

قال في المعتبر : ولا مشاحّة في ذلك ؛ لأنّه مقام استحباب (٥).

(و) قراءة سورة (الجمعة والتوحيد في صبيحتها) أي صبيحة الجمعة المذكورة سابقاً ، أو المستخدمة في لفظها ، وضميرها للسورة واليوم ، كما هو من فنون البديع.

وقد روى قراءتهما فيها أبو بصير وأبو الصباح عن الصادق (٦) ، وعليه الأكثر.

وقال المرتضى وابن بابويه : يقرأ فيها بالجمعة والمنافقين (٧). وهو مرويّ أيضاً عن الباقر (٨). والمشهور أولى.

(و) قراءة (الجمعة والمنافقين في الظهرين) يوم الجمعة وفي صلاة الجمعة.

قال الباقر عليه‌السلام : «إنّ الله أكرم بالجمعة المؤمنين فسنّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بشارةً لهم ، والمنافقين توبيخاً للمنافقين ، ولا ينبغي تركهما ، فمَنْ تركهما متعمّداً فلا صلاة له» (٩).

وبظاهر هذه الرواية تمسّك الصدوق حيث أوجب السورتين في الجمعة وظهرها (١٠).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٠٢ / ٩٢٣.

(٣) الكافي ٣ : ٤٢٥ / ٢ ؛ التهذيب ٣ : ٦ / ١٤.

(٤) التهذيب ٣ : ٥ ٦ / ١٣.

(٥) المعتبر ٢ : ١٨٣.

(٦) التهذيب ٣ : ٥ ٦ / ١٣ و ١٤.

(٧) الانتصار : ١٦٦ ؛ الفقيه ١ : ٢٠١.

(٨) التهذيب ٣ : ٧ / ١٨.

(٩) الكافي ٣ : ٤٢٥ / ٤ ؛ التهذيب ٣ : ٦ / ١٦ ؛ الاستبصار ١ : ٤١٤ / ١٥٨٣.

(١٠) الفقيه ١ : ٢٠١.

٢٥٣

واختاره أبو الصلاح (١). وأوجبهما المرتضى في الجمعة (٢).

وروى عمر بن يزيد عن الصادق عليه‌السلام مَنْ صلّى بغير الجمعة والمنافقين أعاد الصلاة (٣). ولا حجّة في الأخبار على ما اختاره الصدوق ؛ لعدم ذكر الظهر فيها على الخصوص.

ويعارض برواية عليّ بن يقطين عن الكاظم عليه‌السلام في الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمّداً ، قال : «لا بأس بذلك» (٤) وجوازه في الجمعة يستلزم أولويّة جوازه في الظهر ، فلتحمل الرواية المتقدّمة على تأكّد الاستحباب. وتُحمل الصلاة المنفيّة على الكاملة ؛ توفيقاً بين الروايات ، وبقرينة «لا ينبغي تركهما».

(و) المشهور أنّ (الضحى وأ لم نشرح سورة) واحدة (وكذلك الفيل ولإيلاف) فلو قرأ أحدهما في ركعة ، وجب قراءة الأُخرى على ترتيب المصحف على القول بوجوب السورة.

والمستند ارتباط كلّ من السورتين بالأُخرى من حيث المعنى.

وصحيحة زيد الشحّام قال : صلّى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام الفجر ، فقرأ «الضحى» و «ألم نشرح» في ركعة واحدة (٥). وقد عُلم أنّ القرآن محرّم أو مكروه.

وروى المفضّل قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلا «الضحى» و «أَلَمْ نَشْرَحْ» وسورة الفيل و (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ)» (٦).

وفي دلالة هاتين الروايتين على كون كلّ اثنتين سورة واحدة نظر ؛ إذ لا إشعار فيهما بذلك ، وإنّما تدلان على وجوب قراءتهما معاً ، وهو أعمّ من المدّعى ، بل رواية المفضّل واضحة في كونهما سورتين ؛ لأنّ الاستثناء حقيقة في المتّصل ، غاية ما في الباب كونهما مستثنيتين من القرآن المحرّم أو المكروه. ويؤيّده الإجماع على وضعهما في المصحف

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٥٢ ١٥٣.

(٢) جُمل العلم والعمل : ٧٧.

(٣) الكافي ٣ : ٤٢٦ / ٧ ؛ التهذيب ٣ : ٧ / ٢١ ؛ الاستبصار ١ : ٤١٤ ٤١٥ / ١٥٨٨ ، وفيها : «مَنْ صلّى الجمعة بغير الجمعة ..».

(٤) التهذيب ٣ : ٧ / ١٩ ؛ الاستبصار ١ : ٤١٤ / ١٥٨٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٧٢ / ٢٦٦ ؛ الإستبصار ١ : ٣١٧ / ١١٨٢.

(٦) أورده الطبرسي في مجمع البيان ٩ ١٠ : ٥٤٤.

٢٥٤

سورتين ، والأمر في ذلك سهل ، فإنّ الغرض من ذلك على التقديرين وجوب قراءتهما معاً في الركعة الواحدة ، وهو حاصل.

(و) على القولين (تجب البسملة بينهما) أمّا على تقدير كونهما سورتين : فظاهر. وأمّا على تقدير الوحدة : فلثبوتها بينهما تواتراً وكتبها في المصحف ، وعدّها جزءاً ، مع تجريدهم إيّاه عن النقط والإعراب.

وذهب الشيخ إلى عدم إعادتها ثانياً (١) ، وتبعه المحقّق (٢) ؛ لاقتضاء الوحدة ذلك. ولأنّ الشاهد على الوحدة اتّصال المعنى ، والبسملة تنفيه.

ويضعّف بمنع الوحدة أوّلاً ؛ لما تقدّم من عدم دلالة الأخبار عليها ، وبمنع اقتضاء الوحدة تجريدها على تقدير التسليم ، كما في سورة النمل.

(ويجوز العدول عن سورة إلى غيرها ما لم يتجاوز النصف إلا) إذا كان شروعه (في التوحيد والجحد ، فلا) يجوز له أن (يعدل عنهما) وإن لم يتجاوز نصفهما (إلا إلى الجمعة والمنافقين) في صلاة الجمعة وظهرها أو ظهريها ، فإنّه يجوز العدول من التوحيد والجحد إليهما ما لم يتجاوز نصف المعدول عنها ، كما قد علم.

واعتبار عدم تجاوز النصف في جواز العدول ذكره الشيخان (٣) ، وتبعهما المصنّف على ذلك. ولا شاهد له في الأخبار.

ونقل الشهيد عن الأكثر الاكتفاء في المنع من الانتقال ببلوغ النصف (٤). وهو الوجه ؛ للنهي عن إبطال العمل ، خرج منه ما إذا لم يبلغ النصف بالإجماع ، فيبقى الباقي.

وهذا الوجه يصلح شاهداً الآن ؛ لعدم وجود نصّ على الخصوص.

نعم ، روى أبو بصير عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يقرأ في المكتوبة بنصف السورة ثمّ ينسى فيأخذ في أُخرى حتى يفرغ منها ثمّ يذكر قبل أن يركع ، قال : «يركع ولا يضرّه» (٥).

__________________

(١) التبيان ١٠ : ٣٧١.

(٢) انظر المعتبر ٢ : ١٨٨.

(٣) المقنعة : ١٤٧ ؛ النهاية : ٧٧ ؛ المبسوط ١ : ١٠٧.

(٤) الذكرى ٣ : ٣٥٥.

(٥) التهذيب ٢ : ١٩٠ ١٩١ / ٧٥٤.

٢٥٥

وقد أخرجه الشيخ شاهداً على اعتبار تجاوز النصف في المنع (١). ولا دلالة فيه على حال العامد ولا على اختصاص الجواز بالنصف إلا بمفهوم اللقب ، إلا أن يقال : خرج ما زاد على النصف بالإجماع ، فيبقى الباقي.

ويدلّ على عدم جواز الانتقال من الجحد والتوحيد مع الشروع فيهما ولو بالبسملة بنيّة أحدهما : قول الصادق عليه‌السلام : «يرجع من كلّ سورة إلا من قُلْ هو الله أحد ، وقُلْ يا أيّها الكافرون» (٢).

وهذا في غير الصلاة التي يستحبّ فيها قراءة الجمعة والمنافقين ، أمّا فيها فإنّه يجوز العدول من الجحد والتوحيد إليهما مع عدم بلوغ النصف وكون شروعه فيهما نسياناً ؛ لصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام في الرجل يريد أن يقرأ سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ قُلْ هو الله أحد ، قال : «يرجع إلى سورة الجمعة» (٣) وغيرها من الأخبار ، ومتى جاز الانتقال من التوحيد جاز من الجحد وإن لم تكن منصوصةً ؛ للمساواة بينهما عند الأصحاب.

وإنّما اعتبروا فيهما عدم بلوغ النصف جمعاً بين ما دلّ على جواز العدول منها كصحيحة محمّد بن مسلم وغيرها وبين ما روي عن الصادق عليه‌السلام في رجل أراد أن يصلّي الجمعة فقرأ بقُلْ هو الله أحد ، قال : «يتمّها ركعتين ثمّ يستأنف» (٤) فإنّ العدول من الفريضة إلى النافلة بغير ضرورة غير جائز ؛ لأنّه في حكم إبطال العمل ، المنهيّ عنه ، فحملت هذه الرواية على بلوغ النصف ، والأولى محمولة على عدمه ؛ لما مرّ.

وقد عُلم من رواية محمّد بن مسلم تقييد جواز الرجوع بالناسي ، فمتعمّد أحدهما لا يرجع.

(ومع العدول) من سورة إلى أُخرى (يعيد البسملة) لأنّها آية من كلّ سورة وقد قرأها أوّلاً بنيّة السورة المعدول عنها ، فلا تحتسب من المعدول إليها.

(وكذا يعيدها) أي البسملة (لو قرأها بعد) قراءة (الحمد من غير قصد سورة) معيّنة ؛ لأنّ البسملة صالحة لكلّ سورة ، فلا تتعيّن لإحدى السور إلا بالتعيين ، وهو القصد بها إلى

__________________

(١) انظر : التهذيب ٢ : ١٩٠.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٧ / ٢٥ ؛ التهذيب ٢ : ١٩٠ / ٧٥٢ ، و ٢٩٠ / ١١٦٦.

(٣) الكافي ٣ : ٤٢٦ / ٦ ؛ التهذيب ٣ : ٢٤١ ٢٤٢ / ٦٤٩ و ٦٥٢.

(٤) التهذيب ٣ : ٨ / ٢٢ ؛ والكافي ٣ : ٤٢٦ ، الحديث ٦ وذيله.

٢٥٦

إحداها ، فبدونه يعيدها (بعد القصد) وهذا بخلاف الحمد ؛ إذ لا يجب القصد بالبسملة لها ؛ لتعيّنها ابتداءً ، فيحمل إطلاق النيّة على ما في ذمّته.

ولو لزمه سورة معيّنة إمّا بنذر وشبهه حيث ينعقد النذر ، أو لضيق الوقت إلا عن أقصر سورة ، أو لكونه لا يعلم إلا تلك السورة ، سقط القصد ، كالحمد ؛ لأنّ السورة لمّا كانت متعيّنةً بتلك الأسباب اقتضت نيّة الصلاة ابتداء قراءتها في محلّها ، كما اقتضت إيقاع كلّ فعل في محلّه وإن لم يقصده عند الشروع فيه.

ومحلّ القصد حيث يفتقر إليه عند الشروع في قراءة السورة.

وهل يكفي القصد المتقدّم على ذلك في جملة الصلاة بل قبلها؟ نظر : من أنّ السورة كاللفظ المشترك يكفي في تعيين أحد أفرادها القرينة ، وهي حاصلة في الجميع. ومن عدم المخاطبة بالسورة ، فلا يؤثّر قصدها. والاقتصار على موضع اليقين طريق البراءة.

واختار الشهيد رحمه‌الله في بعض فتاويه الإجزاء بالجميع (١). وليس ببعيد.

ولو كان معتاداً قراءة سورة مخصوصة ، فالوجهان. والإجزاء هنا بعيد.

ولو جرى لسانه على بسملة وسورة ، فهل يجزي المضيّ عليها أم تجب الإعادة؟ نظر.

واستقرب الشهيد الإجزاء (٢) ، واحتجّ عليه في الذكرى (٣) برواية أبي بصير ، السالفة (٤) ، المتضمّنة أنّه لو قرأ نصف سورة ثمّ نسي فقرأ أُخرى ثمّ تذكّر بعد الفراغ قبل الركوع ، تجزئه.

وهذا يتمّ مع الشكّ في قصد الثانية في حالة الذهول عن الأُولى ، فإنّه لا يوجب الالتفات ؛ لفوات محلّه ، أمّا مع العلم بعدمه كما هو بعض محتملات الرواية ؛ لكونها أعمّ من ذلك فلا يتّجه العمل به ؛ لأنّ عموم الرواية مخصّص بالقاعدة المقتضية لوجوب القصد.

ولا يرد أنّه حال الذهول غير مخاطب بالوجوب ؛ لأنّ غايته ترك آية من السورة ، فيجب العود إليها وإلى ما بعدها ما لم يركع.

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) الذكرى ٣ : ٣٥٥.

(٣) الذكرى ٣ : ٣٥٥.

(٤) في ص ٧١٥.

٢٥٧

ويمكن توجيه الإجزاء بوجهٍ آخر ، وهو : أنّك علمت أنّ نيّة الصلاة ابتداءً تقتضي إيقاع الفعل في محلّه ، ولا يحتاج الإجزاء إلى نيّة.

نعم ، يجب أن لا ينوي بها ما يخالفها ، ومن جملة مقتضيات الصلاة أن تكون البسملة للسورة التي يقرؤها بعدها ، وهذا وإن لم يجز مع العلم بل لا بدّ له من نيّة خاصّة لدليلٍ خارج إلا أنّه مع النسيان تنصرف البسملة الواقعة من غير قصد إلى السورة الواقعة بعدها كذلك ؛ لاقتضاء نيّة الصلاة ابتداء ذلك ، وحينئذٍ فلا يجب العود إليها ولا إلى غيرها ، ويبقى هذا التعليل معتضداً بعموم الرواية السالفة. وهذا متّجه.

بقي في المسألة إشكال ، وهو : أنّ حكمه بإعادة البسملة لو قرأها من غير قصد بعد القصد إن كان مع قراءتها أوّلاً عمداً ، لم يتّجه القول بالإعادة ، بل ينبغي القول ببطلان الصلاة ؛ للنهي عن قراءتها من غير قصد ، وهو يقتضي الفساد. وإن كان قرأها ناسياً ، فقد تقدّم القول بأنّ القراءة خلالها نسياناً موجب لإعادة القراءة من رأس ، فالقول بإعادة البسملة وما بعدها لا غير لا يتمّ على تقديري العمد والنسيان.

والذي ينبغي القطع به فساد القراءة على تقدير العمد ؛ للنهي ، وهو الذي اختاره الشهيد في البيان (١). وحمل الإعادة هنا على قراءتها ناسياً.

وقد تكلّف لدفع الإشكال بأنّ المصلّي لمّا كان في نيّته أنّ ذلك من قراءة الصلاة لم يكن من غيرها فلا يقدح في الموالاة ، كما لو أعاد آيةً أو كلمةً للإصلاح.

ويؤيّده ما رواه البزنطي عن أبي العباس في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ في أُخرى ، قال : «يرجع إلى التي يريد وإن بلغ النصف» (٢).

لكنّ الرواية مقطوعة ، ومادّة الإشكال غير منحسمة ، والله أعلم.

(الخامس : الركوع) وهو لغةً : الانحناء. وشرعاً كذلك ، إلا أنّه انحناء مخصوص ، ففيه تخصيص للمعنى اللغوي.

__________________

(١) البيان : ١٥٧.

(٢) أورده الشهيد في الذكرى ٣ : ٣٥٦.

٢٥٨

(وهو ركن) في الجملة بغير خلاف. ولرواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة» وعدّ منها الركوع (١). وغيرها من الأخبار.

وذهب الشيخ إلى أنّه ركن في الأُوليين وفي ثالثة المغرب دون غيرهما (٢).

وهو ضعيف ، بل هو ركن مطلقاً (تبطل الصلاة بتركه عمداً وسهواً) كنظائره من الأركان وإن كان الأمر لا يتمّ مطلقاً ؛ لصحّة الصلاة مع زيادته في بعض الموارد.

ويجب الركوع (في كلّ ركعة مرّة) واحدة عدا الآيات كما سيأتي ، وهو موضع وفاق.

(ويجب فيه الانحناء بقدر) يمكنه معه أن (تصل راحتاه) عيني (ركبتيه).

واحترز بالانحناء عمّا لو انخنس وأخرج ركبتيه بحيث وصلت كفّاه ركبتيه بدون الانحناء ، أو مع مشاركته بحيث لو لا الانخناس لم تبلغا.

والمراد بالقدر الذي تصل معه كفّاه الركبتين : الانحناء قدراً لو أراد معه وضعهما عليهما ، أمكنه ، لا وصولهما بالفعل ، فإنّ ذلك غير واجب.

نعم ، هو مستحبّ تأسّياً بالنبيّ ، ولقول الباقر عليه‌السلام في صحيح زرارة : «وتمكّن راحتيك من ركبتيك» (٣).

والمراد بالراحة : الكفّ ، ومنها : الأصابع ، ويتحقّق بوصول جزء من باطن كلّ منهما ، لا برؤوس الأصابع.

(و) يجب (الذكر فيه) ولا يتعيّن فيه لفظ مخصوص منه ، بل يكفي الذكر (مطلقاً) من تسبيح أو تهليل أو تكبير أو غيرها من الأذكار المشتملة على الثناء على الله (على رأي) قويّ عند المصنّف (٤) وجماعة ، كالشيخ في المبسوط وابن إدريس (٥) ؛ لصحيحتي هشام ابن سالم وابن الحكم عن الصادق عليه‌السلام : قلت له : أيجزئ أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود : لا إله إلا الله والحمد لله والله أكبر؟ فقال : «نعم ، كلّ هذا ذكر الله» (٦).

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٢٥ / ٣٥٦ ؛ التهذيب ٢ : ١٥٢ / ٥٩٧.

(٢) المبسوط ١ : ١٠٩ ؛ التهذيب ٢ : ١٤٩ ذيل الحديث ٥٨٤.

(٣) الكافي ٣ : ٣٣٤ ٣٣٥ / ١ ؛ التهذيب ٢ : ٨٣ / ٣٠٨.

(٤) تذكرة الفقهاء ٣ : ١٦٩ ، الفرع «أ» ؛ مختلف الشيعة ٢ : ١٨١ ١٨٢ ، المسألة ١٠١ ؛ نهاية الإحكام ١ : ٤٨٢.

(٥) السرائر ١ : ٢٢٤ ؛ ولم نجده في المبسوط ، بل هو في النهاية : ٨١ ، وحكاه عنهما الشهيد في غاية المراد ١ : ١٤٦.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٠٢ / ١٢١٧ و ١٢١٨.

٢٥٩

وفيه إيماء إلى العلّة ، فيجزئ كلّ ما يُعدّ ذكراً لله ويتضمّن ثناءً عليه. وأيضاً متى أجزأ ذلك أجزأ مطلق الذكر ؛ لعدم القائل بالفرق.

وذهب أكثر (١) الأصحاب إلى تعيين التسبيح ؛ لما رواه هشام بن سالم أيضاً عنه عليه‌السلام ، قال : سألته عن التسبيح في الركوع والسجود ، قال : «تقول في الركوع : سبحان ربّي العظيم ، وفي السجود : سبحان ربّي الأعلى ، الفريضة من ذلك واحدة ، والسنّة ثلاث ، والفضل في سبع» (٢).

وروى زرارة عن الباقر عليه‌السلام : قلت له : ما يجزئ من القول في الركوع والسجود؟ فقال : «[ثلاث] تسبيحات في ترسّل ، وواحدة تامّة تجزئ» (٣).

وعن عقبة بن عامر قال : لمّا نزلت (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٤) قال لنا رسول الله عليه‌السلام : «اجعلوها في ركوعكم» ولمّا نزلت (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (٥) قال عليه‌السلام : «اجعلوها في سجودكم» (٦) والأمر للوجوب.

فعلى هذا يجب ثلاث تسبيحات صغرى ، أو واحدة كبرى للمختار. واجتزءوا بواحدة صغرى للمضطرّ ، كالمريض والمستعجل.

والتحقيق أنّه لا منافاة بين هذه الأخبار الصحيحة من الجانبين ؛ فإنّ التسبيحة الكبرى وما يقوم مقامها يعدّ ذكر الله تعالى ، فتكون أحدَ أفراد الواجب التخييري المدلول عليه بالأخبار الأُولى ، فإنّها دلّت على إجزاء ذكر الله ، وهو أمر كلّيّ يتأدّى في ضمن التسبيحة الكبرى والصغرى المكرّرة والمتّحدة ، فيجب الجميع تخييراً.

وهذا مع كونه موافقاً للقواعد الأُصوليّة جمع حسن بين الأخبار ، فهو أولى من اطراح بعضها ، أو حملها على التقيّة وغيرها.

نعم ، رواية معاوية بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام حين سأله عن أخفّ ما يكون من التسبيح

__________________

(١) منهم : الشيخ الصدوق في الفقيه ١ : ٢٠٥ ؛ والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٩٧ ؛ وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١١٨ ؛ وابن حمزة في الوسيلة : ٩٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٧٦ / ٢٨٢ ؛ الاستبصار ١ : ٣٢٢ ٣٢٣ / ١٢٠٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٧٦ / ٢٨٣ ، الاستبصار ١ : ٣٢٣ / ١٢٠٥ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) الواقعة (٥٦) : ٧٤.

(٥) الأعلى (٨٧) : ١.

(٦) التهذيب ٢ : ٣١٣ / ١٢٧٣.

٢٦٠