روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-024-6
الصفحات: ٧١٦
الجزء ١ الجزء ٢

قال : «لا بأس» (١) وترك الاستفصال عن كون المرأة مصلّيةً أو غير مصلّية دليل العموم.

ووجه الكراهة : ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلّي في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلّي بحذائه في الزاوية الأُخرى ، قال : «لا ينبغي ذلك ، فإن كان بينهما شبر أجزأه» (٢) ولفظ «لا ينبغي» ظاهر في الكراهة.

ومستند التحريم : ما روي عن النبيّ أنّه قال : «أخّروهنّ حيث أخّرهنّ الله» (٣) والأمر للوجوب ، و «حيث» للمكان ، ولا مكان يتعلّق به وجوب التأخير غير المتنازع إجماعاً ، فتعيّن التأخير فيه ، والأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضدّه ، المقتضي لفساد العبادة.

وفي بعض هذه المقدّمات منع ؛ فإنّ الأمر لا يقتضي التكرار ، والأمر إنّما يقتضي النهي عن ضدّه العامّ ، لا الخاصّ الذي هو المتنازع. والنهي إنّما يفسد العبادة إذا كان عن ذاتها أو ما هو داخل فيها.

وما رواه عمّار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام وقد سئل عن الرجل يصلّي وبين يديه امرأة تصلّي ، قال : «لا يصلّي حتّى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع ، وإن كانت عن يمينه أو عن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك ، وإن كانت تصلّي خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه ، وإن كانت المرأة قاعدةً أو نائمةً أو قائمةً في غير الصلاة فلا بأس» (٤) وترك الاستفصال عن المرأة في الصلاة دليل العموم في المحرم وغيرها. ويريد بصلاتها خلفه تأخّرها بحيث لا تحاذي بشي‌ء منها بدنه.

والرواية ضعيفة بعمّار ، وتقتضي اعتبار أزيد من عشرة أذرع ، وهو خلاف الإجماع.

وباقي الروايات الدالّة على النهي لا تحديد فيها بذلك ، بل هي مختلفة ، ففي بعضها : «شبر» (٥) وفي بعضها «ذراع» (٦) وذلك كلّه يؤيّد الكراهة ، فالقول بها أوضح ، والاعتماد

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٣٢ / ٩١٢ ؛ الإستبصار ١ : ٤٠٠ / ١٥٢٧.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩٨ / ٤ ؛ التهذيب ٢ : ٢٣٠ / ٩٠٥ ؛ الإستبصار ١ : ٣٩٨ / ١٥٢٠.

(٣) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٤٢٥ ، ذيل المسألة ١٧١ ؛ وفي المصنّف لعبد الرّزاق ٣ : ١٤٩ / ٥١١٥ عن ابن مسعود.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٣١ ٢٣٢ / ٩١١ ؛ الاستبصار ١ : ٣٩٩ / ١٥٢٦.

(٥) الفقيه ١ : ١٥٩ / ٧٤٧.

(٦) الفقيه ١ : ١٥٩ / ٧٤٨.

١٤١

في الجواز على الأصل وصحيحة محمّد بن مسلم. وأمّا رواية جميل فإنّها ضعيفة بالإرسال ؛ لكنّها مؤيّدة للجواز وإن أمكن استناده إلى غيرها.

(و) على كلّ حال (يزول المنع) كراهةً وتحريماً (مع الحائل) بين الرجل والمرأة (أو تباعد عشر أذرع ، أو وقوع الصلاة) منها (خلفه) بحيث لا يحاذي جزء منها لجزء منه في جميع الأحوال.

والمراد بالحائل الحاجز بينهما بحيث يمنع الرؤية من جدار وستر وغيرهما.

والظاهر أنّ الظلمة وفَقْد البصر كافيان فيه ، وهو اختيار المصنّف في التحرير (١) ، لا تغميض الصحيح عينيه ، مع احتماله.

وتتميم المسألة يتوقّف على مباحث :

أ ـ ضمير «يصلّي» لا مرجع له في العبارة ؛ لأنّ المسائل المتقدّمة متعلّقها المكلّف ، سواء كان رجلاً أم امرأةً أم خنثى. والمراد به هنا الرجل بمعونة السياق ، ولظهور المراد أهمله.

وألحق بعض (٢) الأصحاب به الخنثى. وهو أحوط.

ب ـ المراد بالمرأة البالغ ؛ لأنّه المتعارف. ولأنّها مؤنّث «المرء» يقال : مرء ومرأة ، وامرؤ وامرأة. والمرء هو الرجل ، كما نصّ عليه أهل اللغة ، فلا يتعلّق الحكم بالصغيرة وإن قلنا : إنّ عبادتها شرعيّة ؛ لعدم المقتضي له.

ولا فرق فيها بين كونها مقتديةً به أو منفردةً ؛ للعموم. وكذا القول في الصبي.

وفي بعض حواشي الشهيد رحمه‌الله على القواعد : أنّ الصبي والبالغ يقرب حكمهما من الرجل والمرأة. وعنى بالبالغ المرأة ؛ لأنّ الصفة التي على «فاعل» يشترك فيها المذكّر والمؤنّث.

وكيف كان فالعمل على المشهور من اختصاص الحكم بالمكلّفين ؛ لعدم الدليل الدالّ على الإلحاق.

ج ـ يشترط في تعلّق الحكم بكلّ منهما كراهةً أو تحريماً صحّة صلاة الآخر لولا المحاذاة بأن تكون جامعةً لجميع الشرائط المعتبرة في الصحّة عداها ، فلا يتعلّق الحكم بالفاسدة ، بل

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ : ٣٣.

(٢) الشهيد في النفليّة : ١٠٣.

١٤٢

تصحّ الأُخرى من غير كراهة ، فإنّ الفاسدة كلا صلاة ، مع احتمال عدم الاشتراط ؛ لصدق الصلاة على الفاسدة ، لانقسام مطلقها إليها وإلى الصحيحة ، وحينئذٍ فالأجود رجوع كلّ منهما إلى الآخر في ذلك ، وهي محمولة على الصحيحة حتى يصرّح فيها بخلافها ، فإذا صرّح قُبل ؛ لعموم «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» ولأنّ مَنْ أخبر بفساد صلاته قُبل منه قطعاً. ولأنّ المفسد من فعله ، وربما كان خفيّاً لا يطّلع عليه إلا من قِبَله ؛ لتعلّقها في بعض مواردها بأُمور قلبيّة وأفعال خفيّة لا يعلمها إلا الله والمصلّي ، فلو لم يقبل فيها قوله ، لزم إمّا عدم اشتراط صحّة الصلاتين لولا المحاذاة ، أو تكليف ما لا يطاق ، وكلاهما باطل ، فالملزوم مثلهما في البطلان ، والملازمة ظاهرة.

د ـ مبدأ التقدير في العشر أذرع من موقف المصلّي إلى موقفها ، وهو واضح مع المحاذاة. أمّا مع تقدّمها فالظاهر أنّه كذلك ؛ لأنّه المفهوم من التباعد عرفاً وشرعاً ، كما نبّهوا عليه في تقدّم الإمام على المأموم.

ويحتمل اعتباره من موضع السجود ؛ لعدم صدق التباعد بين بدنيهما حالة السجود ذلك القدر. وليس في كلامهم تصريح في ذلك بشي‌ء.

هـ ـ لو كانت أعلى منه أو أسفل بحيث لا يتحقّق التقدّم والتأخّر وأمكنت المشاهدة ، فهل هو ملحق بالتأخّر أم بالتقدّم؟ اشتراط العشرة في الرواية بالتقدّم والمحاذاة يقتضي عدم اعتبارها هنا. واشتراط نفي البأس بالصلاة خلفه يقتضي اعتبار العشرة هنا ؛ لعدم تحقّق الخلفيّة ، فمفهوما الشرط متدافعان.

والظاهر أنّه ملحق بالتأخّر ؛ لأصالة الصحّة ، وعدم المانع ، خرج منه حالة التقدّم والمحاذاة ، فيبقى الباقي ، مع أنّ فرض الرؤية في ذلك بعيد.

و ـ لو كانت في إحدى الجهات التي يتعلّق بها الحكم وكانت على مرتفع بحيث لا يبلغ من موقفه إلى أساس حائط المرتفع عشر أذرع ، ولو قدّر إلى موقفها إمّا مع الحائط مثلاً ، أو ضلع المثلّث الخارج من موقفه إلى موقفها بلغها ، ففي اعتبار أيّهما (١) نظر.

والظاهر أنّ التقدير هنا للضلع المذكور خصوصاً مع إيثاره زاوية حادّة ؛ لبُعْد تقدير

__________________

(١) الظاهر : أيّها.

١٤٣

التجويف الحادث منها. ولو كانت قائمةً ، ففيه الاحتمالات (١). ولو كانت منفرجةً ، ضعف الاحتساب إلى الأساس لا غير ؛ لزيادة المسافة بما زاد. ومثله القول في التباعد بين الإمام والمأموم.

ز ـ إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في تعلّق الحكم بين تقدّم صلاة المرأة عليه أو اقترانهما أو تأخّرها ، وكذلك أطلق كثير من الأصحاب ، وبين علمه بصلاتها وعدمه.

ووجه الإطلاق تحقّق الاجتماع في الموقف المنهيّ عنه ، وهو مانع الصحّة ، فمتى تحقّق ثبت البطلان ، كالحدث.

ويضعّف بعدم الدليل الدالّ على ذلك ، وعدم تقصير السابق ، واستحالة تكليف الغافل. وإنّما ثبت تأثير الحدث مطلقاً بالنصّ ، وهو مفقود هنا.

ورواية عمّار التي هي مستند الحكم تشعر بتقدّم المرأة ؛ فإنّ الواو في قوله : «يصلّي وبين يديه امرأة تصلّي» للحال ، وقوله في الجواب : «لا يصلّي حتى يجعل بينه وبينها عشرة أذرع» (٢) يدلّ على صلاتها قبل شروعه ، فالأجود حينئذٍ اختصاص المنع بسبق المرأة أو اقترانهما معاً في الشروع ، ومع التأخّر يختصّ المنع بالمتأخّر.

ويؤيّده رواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى إذا صلّت حيال الإمام وكان في الصلاة قبلها أعادت وحدها (٣) فإنّها صريحة في اختصاص الفساد بالطارئ ، واختاره جماعة (٤) من المتأخّرين.

وهذا كلّه مع علمهما بالحال ، وإلا فلا إبطال. ولو علم أحدهما دون الآخر ، اختصّ الحكم به.

ح ـ ظاهر العبارة اختصاص المنع بالرجل ، فلا كراهة ولا تحريم بالنسبة إلى المرأة. وكان الأولى تعميم الحكم فيهما ؛ لعدم القائل بالتخصيص. ولعلّه اتّبع ظاهر الرواية حيث دلّت على حكم الرجل خاصّة ، والعذر فيها مطابقة السؤال ، فإنّه وقع عن الرجل. ورواية

__________________

(١) في «م» : احتمالات.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٣١ / ٩١١ ؛ الاستبصار ١ : ٣٩٩ / ١٥٢٦ ، وفيهما : «يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع» فلاحظ.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٣٢ / ٩١٣ ، و ٣٧٩ / ١٥٨٣.

(٤) منهم : المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ١٢١.

١٤٤

عليّ بن جعفر ، المتقدّمة (١) دالّة على حكم المرأة أيضاً.

ط ـ لو صلّت المرأة معه جماعة محاذية له ، فعلى القول بالتحريم تبطل صلاتها وصلاة الإمام ومَنْ على يمينها ويسارها ومَنْ يتأخّر عنها مع علمهم بالحال. ومع عدم العلم تبطل صلاتها لا غير. ولو علم الإمام خاصّة ، بطلت صلاته معها دون المأمومين.

وأطلق الشيخ صحّة صلاة المأمومين (٢).

وهذا كلّه إنّما يتمّ مع القول بأنّ الصلاة الطارئة تؤثّر في السابقة أو على جواز تكبير المأموم مع تكبير الإمام ، وإلا صحّت صلاة الإمام ؛ لتقدّمها ، ويبقى الكلام في المأموم.

ي ـ هذا البحث إنّما هو في حال الاختيار ، أمّا مع الاضطرار كما لو ضاق الوقت والمكان فلا كراهة ولا تحريم ، قاله الإمام فخر الدين (٣) ولد المصنّف.

وربما استشكل (٤) الحكم مطلقاً بناءً على أنّ التحاذي مانع من الصحّة مطلقاً ، والنصوص مطلقة ، فالتقييد بحالة الاختيار يحتاج إلى الدليل.

يأ ـ لو اجتمعا في مكان واحد واتّسع الوقت ، صلّى الرجل أوّلاً ثمّ المرأة ؛ لصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (٥)».

هذا في غير المكان الذي تختصّ به المرأة أو تشارك فيه عيناً أو منفعةً ، وفيه لا أولويّة ؛ لتسلّطها على ملكها.

ولو ضاق الوقت ، بني على ما تقدّم من زوال المانع مع الاضطرار ، وعدمه ، فعليه يصلّيان معاً ، وعلى عدمه يصلّي الرجل أوّلاً على التفصيل.

يب ـ إنّما ترك المصنّف التاء في عشرة أذرع ؛ لأنّ الذراع مؤنّثة سماعيّة. وفي بعض عبارات المصنّف (٦) ؛ وغيرِه (٧) ؛ إلحاق التاء ، وهو الموجود في رواية (٨) ؛ عمّار. وكأنّه اعتباراً

__________________

(١) في ص ٦٠٤.

(٢) انظر المبسوط ١ : ٨٦.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٨٩.

(٤) في «م» : أشكل.

(٥) الكافي ٣ : ٢٩٨ / ٤ ، التهذيب ٢ : ٢٣١ / ٩٠٧ ، الاستبصار ١ : ٣٩٩ / ١٥٢٢.

(٦) تحرير الأحكام ١ : ٣٣ ، قواعد الأحكام ١ : ٢٨ ، منتهى المطلب ٤ : ٣٠٧.

(٧) المحقق الحلي في المعتبر ٢ : ١١١ ، والشهيد في الدروس ١ : ١٥٣

(٨) المتقدمة في ص ٦٠١.

١٤٥

بذراع اليد ، فإنّه يجوز تذكيره وتأنيثه ، والذراع الشرعي مثله ، والله الموفّق.

(وتكره) الصلاة (أيضاً في الحمّام) لنهي الصادق عليه‌السلام عن الصلاة في مواضع وعدّ منها «الحمّام» (١) وبه احتجّ أبو الصلاح (٢) على التحريم. ويعارضه نفيهُ البأس عن الصلاة فيه في حديثٍ (٣) آخر ، فيحمل النهي على الكراهة توفيقاً ، مع ضعف سند ما فيه النهي.

والمراد بالحمّام موضع الاغتسال ؛ لأنّ اشتقاقه من الحميم ، وهو الماء الحارّ الذي يغتسل به ، فلا تتعدّى الكراهة إلى مسلخه ، وبه جزم المصنّف في القواعد (٤).

واستقرب في النهاية كراهتها في المسلخ أيضاً معلّلاً بكونه مأوى الشياطين ، وموضع كشف العورة ، وباشتغال الناس له بدخولهم (٥).

وفي التذكرة بنى المسألة على علّة النهي ، فإن كانت النجاسةَ ، لم تكره فيه. وإن كانت كشفَ العورة فيكون مأوى الشياطين ، كره (٦).

وترتّب الحكم على التعليل غير واضح ؛ إذ النصّ غير معلّل ، وإنّما الحكم فيه معلّق على المشتقّ ، وهو الحمّام ، فيدور الحكم معه ، والتعليل من تقريبات الفقهاء ، فلا يستند إليه الحكم.

وأمّا سطحه فلا تكره الصلاة عليه قطعاً ؛ لفقد النصّ والتعليل.

(و) في (بيوت الغائط) لما روي عن النبيّ أنّه قال : «إنّ جبرئيل أتاني فقال : إنّا معاشر الملائكة لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا تمثال جسد ولا إناء يبال فيه» (٧) ونفور الملائكة يؤذن بكون مكانه ليس موضع رحمة ، فلا يصلح أن يُتّخذ للعبادة ، وإذا كان هذا حال ما فيه إناء البول ، فما فيه الغائط أو ما أُعِدّ له أولى بالحكم.

ولأنّ بيوت الغائط لا تنفكّ عن النجاسة غالباً.

ولا تكره على سطحها.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٠ / ١٢ ، الفقه ١ : ١٥٦ / ٧٢٥ ، التهذيب ٢ : ١٩ / ٨٦٣ ، الإستبصار ١ : ٣٩٤ / ١٥٠٤.

(٢) الكافي في الفقه : ١٤١.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٧٤ / ١٥٥٤ ؛ الاستبصار ١ : ٣٩٥ / ١٥٠٥.

(٤) قواعد الأحكام ١ : ٢٨.

(٥) نهاية الإحكام ١ : ٣٤٤.

(٦) تذكرة الفقهاء ٢ : ٤٠٦ ذيل الفرع «ج».

(٧) الكافي ٣ : ٣٩٣ / ٢٧ ؛ التهذيب ٢ : ٣٧٧ / ١٥٧٠.

١٤٦

(و) في (معاطن الإبل) وهي لغةً : مباركها حول الماء لتشرب عللاً بعد نَهَلٍ ، قاله في الصحاح (١). والعلل : الشرب الثاني. والنهل : الشرب الأوّل (٢).

والفقهاء جعلوا المعاطنَ أعمّ من ذلك ، وهي مباركها مطلقاً ، التي تأوي إليها ، كذا قاله المصنّف في المنتهي (٣).

والمستند : ما روي عن النبيّ أنّه قال : «إذا أدركتم الصلاة وأنتم في مراح الغنم فصلّوا فيها فإنّها سكينة وبركة ، وإذا أدركتم الصلاة وأنتم في أعطان الإبل فاخرجوا منها فصلّوا فإنّها جنّ من جنّ خُلقت ، ألا ترونها إذا نفرت كيف تشمخ (٤) بأنفها؟» (٥).

قال في المنتهي : وهذا التعليل يدلّ على عموم الكراهة لمباركها مطلقاً. قال : ولا بأس بالمواضع التي تبيت فيها الإبل في سيرها أو تناخ فيها لعلفها أو وردها ؛ لأنّها لا تسمّى معاطن (٦).

ولا يشترط في تحقّق الكراهة حضور الإبل ، بل تكره وإن كانت غائبةً ؛ لصدق المعطن مع الغيبة وإن كانت الرواية قد تشعر بخلاف ذلك.

(و) في (قرى النمل) وهي جمع قرية ، وهي مجتمع ترابها.

وإنّما كرهت الصلاة فيها ؛ لقول الصادق عليه‌السلام عشرة مواضع لا يصلّى فيها وعدّ منها «قرى النمل» (٧).

ولعدم انفكاك المصلّي من أذاها أو قَتْل بعضها.

(و) في (مجرى الماء) وهو المكان المُعدّ لجريانه فيه وإن لم يكن فيه ماء.

والمستند : قول الصادق عليه‌السلام في مرسلة عبد الله بن الفضل حين عدّ العشرة : «ومجرى الماء» بعد أن ذكر منها الماء (٨).

__________________

(١) الصحاح ٦ : ٢١٦٥ ، «ع ط ن».

(٢) كما في الصحاح ٥ : ١٧٧٣ ، «ع ل ل».

(٣) منتهى المطلب ٤ : ٣٢١.

(٤) شمخ بأنفه : تكبّر. الصحاح ١ : ٤٢٥ ، «ش م خ».

(٥) سنن البيهقي ٢ : ٦٣٠ / ٤٣٥٨.

(٦) منتهى المطلب ٤ : ٣٢١ و ٣٢٢.

(٧) الكافي ٣ : ٣٩٠ / ١٢ ؛ التهذيب ٢ : ٢١٩ / ٨٦٣ ؛ الإستبصار ١ : ٣٩٤ / ١٥٠٤.

(٨) الكافي ٣ : ٣٩٠ / ١٢ ؛ التهذيب ٢ : ٢١٩ / ٨٦٣ ؛ الاستبصار ١ : ٣٩٤ / ١٥٠٤.

١٤٧

وعلّل أيضاً بأنّه لا يؤمن هجوم الماء فيسلب الخشوع ، ومن ثَمَّ كرهت الصلاة في بطون الأودية ؛ لكونها مجرى الماء ، فجاز أن يهجم عليه.

والأولى الاستناد إلى النصّ ، فإنّه قد يأمن هجومه ؛ للعلم بعدمه عادةً في كثير من المجاري وبطون الأودية.

قال المصنّف في النهاية : ولو أمن السيل ، احتمل بقاء الكراهة ؛ اتّباعاً لظاهر النهي. وعدمها ؛ لزوال موجبها (١).

(و) في (أرض السبخة) بفتح الباء ، واحدة السباخ ، وهي الشي‌ء الذي يعلو الأرض كالملح.

ويجوز كون السبخة بكسر الباء ، وهي الأرض ذات السباخ ، فتكون إضافة الأرض إليها من باب إضافة الموصوف إلى صفته كـ «مسجد الجامع».

وإنّما كره الصلاة فيها ؛ لعدم كمال تمكّن الجبهة من الأرض ، فلو حصل التمكّن ، فلا بأس ؛ لما رواه أبو بصير قال : سألت الصادق عن الصلاة في السبخة لِمَ تكرهه؟ قال : «لأنّ الجبهة لم تقع مستوية» فقلت : إن كان فيها أرض مستوية؟ قال : «لا بأس» (٢).

(و) مثله (الرمل) المنهال.

(و) في (البيداء) وهي موضع مخصوص بين مكة والمدينة على ميل من ذي الحليفة.

ونقل الشهيد رحمه‌الله عن بعض العلماء أنّها الشرف الذي أمام ذي الحليفة ممّا يلي مكة (٣). سُمّيت بذلك ؛ لأنّها تبيد جيش السفياني.

(و) في (وادي ضجنان) بالضاد المعجمة المفتوحة والجيم الساكنة : جبل بناحية مكة (وذات الصلاصل) جمع صلصال ، وهو الطين الحرّ المخلوط بالرمل ، فصار يتصلصل إذا جفّ ، أي يصوت ، فإذا طبخ بالنار فهو الفخّار ، نقله الجوهري عن أبي عبيدة (٤). وبذلك فسّرها الشهيد (٥) رحمه‌الله.

__________________

(١) نهاية الإحكام ١ : ٣٤٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٢١ ٢٢٢ / ٨٧٣.

(٣) الذكرى ٣ : ٩٠.

(٤) الصحاح ٥ : ١٧٤٥ ، «ص ل ل».

(٥) النفليّة : ١٠٤.

١٤٨

وفي نهاية المصنّف أنّ ذات الصلاصل وضجنان والبيداء مواضع خسفٍ ، وكره الصلاة في كلّ موضع خسف به. واحتجّ عليها بأنّ النبيّ لمّا مرّ بالحجر قال لأصحابه : «لا تدخلوا على هؤلاء المعذّبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم» (١) و (٢).

وليس في هذا الحديث دلالة على كراهة الصلاة فيها.

نعم ، روي أنّ عليّاً ترك الصلاة في أرض بابل لذلك حتى عبر الفرات ، وصلّى في الموضع المشهور بعد ما ردّت له الشمس إلى وقت الفضيلة وكانت قد تجاوزته ولمّا تغرب (٣).

(و) كذا تكره الصلاة (بين المقابر من دون حائل) ولو عنزة منصوبة أو معترضة أو ثوباً أو قدر لبنة (أو بُعْد) المصلّي عن القبر (عشرة أذرع) سواء استقبلها أو صلّى بينها.

وخالف في ذلك المفيدُ ؛ حيث منع من الصلاة بدون الحائل والبُعْد (٤) ، وأبو الصلاح حيث حرّمها ، وتردّد في البطلان (٥).

ومستند الجواز : عموم «جُعلت لي الأرض مسجداً» (٦).

وصحيحة عليّ بن يقطين عن الكاظم عليه‌السلام وقد سأله عن الصلاة بين القبور ، قال : «لا بأس» (٧).

وأمّا الكراهة : فلأنّ القبور من المواضع العشرة التي نهى الصادق عليه‌السلام عن الصلاة فيها في مرسلة (٨) عبد الله بن الفضل.

ولرواية عمّار عنه عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يصلّي بين القبور ، قال : «لا يجوز ذلك إلا أن يجعل بينه وبين القبور إذا صلّى عشرة أذرع من بين يديه وعشرة أذرع من خلفه

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ١٦٧ / ٤٢٣ ؛ صحيح مسلم ٤ : ٢٢٨٥ ٢٢٨٦ / ٢٩٨٠ ؛ سنن البيهقي ٢ : ٦٣٣ / ٤٣٦٨ ، المصنّف لعبد الرزّاق ١ : ٤١٥ / ١٦٢٥ ؛ مسند أحمد ٢ : ٧٣ ٧٤ / ٤٥٤٧.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٣٤٧.

(٣) الفقيه ١ : ١٣٠ ١٣١ / ٦١١ ؛ علل الشرائع : ٣٥٢ (الباب ٦١) الحديث ٤.

(٤) المقنعة : ١٥١.

(٥) حكاه عنه العلامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١٢٤ ١٢٥ ، المسألة ٦٦.

(٦) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٥٩٠ ، الهامش (١).

(٧) التهذيب ٢ : ٣٧٤ / ١٥٥٥ ؛ الاستبصار ١ : ٣٩٧ / ١٥١٥.

(٨) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٦٠٧ ، الهامش (٧ و ٨).

١٤٩

وعشرة أذرع عن يمينه وعشرة أذرع عن يساره ثمّ يصلّي إن شاء» (١).

والجمع بينهما وبين ما تقدّم بالحمل على الكراهة.

ولا فرق بين المقبرة الجديدة والعتيقة في ذلك.

وألحق الأصحاب بالقبور القبرَ والقبرين.

وفي دلالة الأخبار على ذلك نظر.

وألحق بعضهم (٢) أيضاً استدبار القبر الواحد. وهو أبعد دلالةً.

واكتفى الشيخ بكون القبر خلف المصلّي عن البُعْد (٣).

وهو متّجه مع عدم صدق الصلاة بين المقابر ، كما لو جعل المقبرة خلفه ، وإلا فقد تقدّم اعتبار تأخّر القبر عنه من خلفه عشرة أذرع.

ولا فرق في ذلك بين قبر الإمام وغيره ؛ للإطلاق.

قال الشيخ : وقد وردت رواية بجواز النوافل إلى قبور الأئمّة عليهم‌السلام ، والأصل الكراهة (٤).

ولو بني مسجد في المقبرة ، لم تخرج عن الكراهة ، بخلاف ما لو نقل المقبور منها ، ذكره المصنّف في المنتهي (٥).

وكما تكره الصلاة إلى القبر تكره عليه من غير تحريم ، إلا أن يعلم نجاسة ترابه باختلاطه بصديد الموتى ؛ لتكرّر النبش ، ويوجب التعدّي إليه أو سجوده عليه.

وقال ابن بابويه : تحرم (٦).

(و) في (بيوت النيران) لئلا يتشبّه بعابديها (٧) ، قاله الأصحاب.

والظاهر أنّ المراد بها البيوت المُعدّة لإضرام النار فيها ، كالأتّون والفُرن ونحوهما ، لا ما وجد فيه نار مع عدم إعداد البيت لها بالذات ، كالمسكن إذا أُوقد فيه نار ، بل إنّما تكره

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٠ / ١٣ ؛ التهذيب ٢ : ٢٢٧ ٢٢٨ / ٨٩٦ ؛ الاستبصار ١ : ٣٩٧ / ١٥١٣.

(٢) لم نتحقّقه.

(٣) النهاية : ٩٩ ؛ المبسوط ١ : ٨٥.

(٤) النهاية : ٩٩ ١٠٠ ؛ المبسوط ١ : ٨٥.

(٥) منتهى المطلب ٤ : ٣١٦.

(٦) الفقيه ١ : ١٥٦ ذيل الحديث ٧٢٧.

(٧) في «م» : بعابدها.

١٥٠

الصلاة فيه حينئذٍ إذا كانت موجودةً في قبلة المصلّي ، كما سيأتي.

ولا فرق في كراهة الصلاة في بيت النار بين كونها موجودةً فيه حالة الصلاة أم لا.

ولو غيّر البيت عن حالته وأُعدّ لأمرٍ آخر ، زالت الكراهة.

(و) في بيوت (الخمور) وسائر المسكرات ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : «لا تصلّ في بيت فيه خمر أو مسكر» (١).

وهذه الرواية تدلّ بإطلاقها على عدم الفرق بين كون البيت معدّاً لإحراز الخمر وعدمه ، بل ما وضع فيه الخمر وإن قلّت قدراً أو مدّة.

وعلّلها المصنّف في النهاية بعدم انفكاكها من النجاسة (٢). وهو يقتضي اعتبار إعدادها لها ، كبيوت النيران. وسياق العبارة هنا يدلّ عليه ؛ لعطفها عليها.

(و) في بيوت (المجوس) لقول الصادق عليه‌السلام : «لا تصلّ في بيت فيه مجوسيّ» (٣).

ولعدم انفكاكها من النجاسة.

فإن رشّ البيت ، زالت الكراهة ؛ لقول الصادق عليه‌السلام : «رشّ وصلّ» لمّا سُئل عن الصلاة في بيت المجوسيّ (٤).

والحديث الأوّل يدلّ بظاهره على كراهة الصلاة في مطلق البيت الذي فيه مجوسيّ ، ومثله عبّر المصنّف في القواعد (٥).

ويمكن أن يراد به بيته ، كما يشعر به الحديث الآخر ، والتعليل بالنجاسة.

(و) في (جوادّ الطرق) لما روي عن النبيّ أنّه نهى عن الصلاة بمحجّة الطريق (٦).

ولقول الصادق عليه‌السلام : «لا بأس أن تصلّي في الظواهر التي بين الجوادّ ، فأمّا على الجوادّ فلا تصلّ فيها» (٧).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٢ / ٢٤ ؛ التهذيب ٢ : ٣٧٧ / ١٥٦٨ ؛ الإستبصار ١ : ١٨٩ / ٦٦٠.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٣٤٦.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٩ / ٦ ؛ التهذيب ٢ : ٣٧٧ / ١٥٧١.

(٤) الكافي ٣ : ٣٨٧ / ١ ؛ التهذيب ٢ : ٢٢٢ / ٨٧٥.

(٥) قواعد الأحكام ١ : ٢٨.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٢٤٦ / ٧٤٧ ؛ سنن البيهقي ٢ : ٤٦٦ / ٣٧٩٤.

(٧) الكافي ٣ : ٣٨٨ / ٥ ؛ التهذيب ٢ : ٢٢٠ / ٨٦٥.

١٥١

ومنع ابن بابويه والمفيد من الصلاة فيها (١).

ولا فرق في الكراهة بين أن تكون الطريق مشغولةً بالمارّة وقت الصلاة أو لم تكن ؛ للعموم.

نعم ، لو تعطّلت المارّة بصلاته ، فسدت ؛ للنهي عن الصلاة حينئذٍ باستحقاقهم السلوك بالأصالة ، واشتراط الصلاة وغيرها ممّا ليس بسلوك بعدم الضرر بالسالك.

والمراد بجوادّ الطرق العظمى منها ، وهي التي يكثر سلوكها ، ومقتضى ذلك عدم كراهة الصلاة على الطريق غير الجادّة ، لكنّ الأجود الكراهة مطلقاً وإن كانت الجادّة أغلظ.

ويدلّ على العموم : قول الرضا عليه‌السلام كلّ طريق يوطأ ويتطرّق كانت فيه جادّة أم لم تكن فلا ينبغي الصلاة فيه (٢). (و) صلاة الفريضة في (جوف الكعبة) لقول الصادق عليه‌السلام لا تصلّ المكتوبة في الكعبة (٣) ونحوها من الأخبار ، وهذا هو المشهور بين الأصحاب.

(و) مثله الصلاة على (سطحها).

وقال الشيخ في الخلاف وابن البرّاج (٤) بتحريم صلاة الفريضة فيها ؛ تمسّكاً بظاهر قوله تعالى (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) (٥) أي : نحوه ، وإنّما يصدق ذلك إذا كان خارجاً عنها.

ولأنّ النبيّ دخلها ودعا ثمّ خرج فصلّى ركعتين وقال : «هذه القبلة» (٦) فإذا صلّى في جوفها ، لم يصلّ إلى ما أشار إليه أنّه القبلة (٧). وللرواية المتقدّمة (٨).

وأُجيب (٩) : بأنّ المراد بالنحو الجهة ، وليس المراد جهة جميعه (١٠) قطعاً ؛ لجواز صلاة الخارج إلى أيّ جزء كان منه ، فليكن مثله في الداخل ، فمتى استقبل جزءاً

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٥٦ ذيل الحديث ٧٢٧ ؛ المقنعة : ١٥١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٨٩ / ٨ ؛ الفقيه ١ : ١٥٦ ١٥٧ / ٧٢٨ ؛ التهذيب ٢ : ٢٢٠ / ٨٦٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٧٩ / ٩٥٣ ؛ الاستبصار ١ : ٢٩٨ / ١١٠١.

(٤) المهذّب ١ : ٧٦.

(٥) البقرة (٢) : ١٤٤ و ١٥٠.

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٩٦٨ / ١٣٣٠ ؛ سنن النسائي ٥ : ٢١٩ ٢٢٠ ؛ مسند أحمد ٦ : ٢٦١ / ٢١٢٤٧ و ٢٧١ / ٢١٣٠٢.

(٧) الخلاف ١ : ٤٣٩ ٤٤٠ ، المسألة ١٨٦.

(٨) آنفاً.

(٩) المجيب هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ١٣٧.

(١٠) أي : جميع البيت.

١٥٢

منها (١) فقد استقبلها. وكذا القول في إشارتهُ بكونه القبلة. والنهي في الرواية المتقدّمة (٢) محمول على الكراهة ؛ جمعاً بينه وبين غيره ، فقد روى يونس بن يعقوب : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : حضرت الصلاة المكتوبة وأنا في الكعبة أفأُصلّي فيها؟ قال : «صلّ» (٣).

وإنّما قيّدنا كراهة الصلاة فيها بالفريضة ؛ لإطباقهم على استحباب النافلة داخلها.

(و) في (مرابط الخيل والبغال) للنهي عنها في مقطوعة سماعة (٤). ولكراهة فضلاتها ، وبُعْد انفكاكها منها.

ولا فرق فيها بين الوحشيّة والإنسيّة ، ولا بين الحاضرة والغائبة.

ومرابط الخيل جمع مربط بكسر الباء وفتحها : موضع ربطها ومأواها.

وزاد بعض (٥) الأصحاب مرابط الحمير ؛ لمشاركتها لهما في العلّة ، وهي موجودة في رواية الكليني عن سماعة (٦).

(والتوجّه) في حال الصلاة (إلى نارٍ مضرمة) أي : موقدة ؛ لصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى ، قال : سألته عن الرجل يصلّي والسراج موضوع بين يديه في القبلة ، فقال : «لا يصلح أن يستقبل النار» (٧).

وفي رواية عمّار النهي عن الصلاة إلى النار ولو كان في مجمرة أو قنديل معلّق (٨).

وهاتان الروايتان دالّتان على كراهة استقبال مسمّى النار وإن لم تكن مضرمةً ، فتقييد المصنّف النار بالمضمرة محمول على المؤكّد من الكراهة.

وحرّم أبو الصلاح استقبالها ، وتردّد في الفساد (٩) ، كما مرّ في نظائره ؛ حملاً

__________________

(١) أي : من الكعبة.

(٢) في ص ٦١٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٧٩ / ٩٥٥.

(٤) الكافي ٣ : ٣٨٨ / ٣ ؛ التهذيب ٢ : ٢٢٠ / ٨٦٧ ؛ الاستبصار ١ : ٣٩٥ / ١٥٠٦.

(٥) كالشهيد في الذكرى ٣ : ٨٩.

(٦) الكافي ٣ : ٣٨٨ / ٣.

(٧) الكافي ٣ : ٣٩١ / ١٦ ؛ الفقيه ١ : ١٦٢ / ٧٦٣ ؛ التهذيب ٢ : ٢٢٥ ٢٢٦ / ٨٨٩ ؛ الإستبصار ١ : ٣٩٦ / ١٥١١.

(٨) الكافي ٣ : ٣٩٠ ٣٩١ / ١٥ ؛ التهذيب ٢ : ٢٢٥ / ٨٨٨.

(٩) حكاه عنه العلامة الحلّي في مختلف الشيعة ٢ : ١٢٤ ١٢٥ ، المسألة ٦٦.

١٥٣

للنهي على ظاهره.

وحمله على الكراهة طريق الجمع بين ما اشتمل عليه وبين غيره ، كقول الصادق عليه‌السلام : «لا بأس أن يصلّي الرجل والنار والسراج والصورة بين يديه ، إنّ الذي يصلّي له أقرب إليه من (١) الذي بين يديه» (٢).

(أو) التوجّه إلى (تصاوير) وتماثيل ؛ لصحيحة محمد بن مسلم ، قال : قلت لأبي جعفر : أُصلّي والتماثيل قُدّامي وأنا أنظر إليها؟ قال : «لا ، اطرح عليها ثوباً ، ولا بأس إذا كانت عن يمينك أو شمالك أو خلفك أو تحت رِجْلك أو فوق رأسك ، وإن كانت في القبلة فاطرح عليها ثوباً وصلّ» (٣).

ولأنّ الصورة تعبد من دون الله ، فكره (٤) التشبّه بفاعله. ولأنّها يشتغل بالنظر إليها.

(أو) التوجّه إلى (مصحف مفتوح) لرواية عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يصلّي وبين يديه مصحف مفتوح في قبلته ، قال : «لا» (٥).

ولحصول التشاغل عن العبادة بالنظر إليه.

وكرّه المصنّف في المنتهي والنهاية التوجّه إلى كلّ شاغل من كتابة ونقش وغيرهما ؛ لاشتراك الجميع في العلّة (٦).

ولا فرق في ذلك بين القارئ وغيره. نعم ، يشترط عدم المانع من الإبصار ، كالعمى والظلمة.

(أو) التوجّه إلى (حائط ينزّ من بالوعة) يبال فيها ؛ لقول الصادق عليه‌السلام وقد سُئل عن مسجد ينزّ حائط قبلته من بالوعة يبال فيها ، فقال : «إن كان نزّه من بالوعة يبال فيها فلا تصلّ فيه ، وإن كان من غير ذلك فلا بأس» (٧).

ولأنّه ينبغي تعظيم القبلة ، فلا تناسبه النجاسة.

__________________

(١) في «ق ، م» والطبعة الحجريّة : «إنّ الذي يصلّي إليه أقرب من ..» وما أثبتناه من المصدر.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٢٦ / ٨٩٠ ؛ الاستبصار ١ : ٣٩٦ / ١٥١٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٢٦ / ٨٩١ و ٣٧٠ / ١٥٤١ ؛ الاستبصار ١ : ٣٩٤ / ١٥٠٢.

(٤) في «م» : فيكره.

(٥) الكافي ٣ : ٣٩٠ ٣٩١ / ١٥ ؛ الفقيه ١ : ١٦٥ / ٧٧٦ ؛ التهذيب ٢ : ٢٢٥ / ٨٨٨.

(٦) منتهى المطلب ٤ : ٣٤٤ ؛ نهاية الإحكام ١ : ٣٤٨.

(٧) الكافي ٣ : ٣٨٨ / ٤ ؛ التهذيب ٢ : ٢٢١ / ٨٧١.

١٥٤

ولو نزّ الحائط من الغائط ، قيل : كره بطريق أولى ؛ لأنّه أفحش (١).

وتردّد المصنّف في التذكرة والنهاية فيما ينزّ من الماء النجس والخمر ؛ نظراً إلى اطّراد العلّة ، والتفاتاً إلى قول الصادق عليه‌السلام : «وإن كان من غير ذلك فلا بأس»ذ (٢) و (٣).

وهذا التوجيه ينافي الأولويّة التي ادّعيت في الغائط ، وكأنّه ليس أفحش من الخمر ، فالإشكال آتٍ في الجميع.

(أو) التوجّه إلى (إنسان مواجه) بفتح الجيم وكسرها ، ذكر ذلك جماعة (٤) من الأصحاب. وعلّل بحصول التشاغل به ، وبأنّ فيه تشبّهاً بالساجد لذلك الشخص.

(أو) التوجّه إلى (باب مفتوح) قاله أبو الصلاح (٥) ، وتبعه الأصحاب.

قال في المعتبر : لا بأس باتّباع فتواه ؛ لأنّه أحد الأعيان (٦).

وعلّله المصنّف في التذكرة والنهاية باستحباب السترة بينه وبين ممرّ الطريق (٧).

ولا فرق في الباب بين الداخل والخارج.

(ولا بأس بالبِيَع والكنائس) من غير كراهية (٨) على المشهور ؛ لصحيحة العيص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن البِيَع والكنائس يصلّى فيها؟ فقال : «نعم» (٩).

وروى عنه عليه‌السلام أنّه سُئل عن الصلاة فيها ، فقال : «صلّ فيها فقد رأيتها ، ما أنظفها» قلت : أُصلّي فيها وإن كانوا يصلّون فيها؟ قال : «نعم» (١٠).

ويستحبّ أن يرشّ الموضع الذي يصلّى فيه منها ؛ لصحيحة عبد الله بن سنان (١١).

وينبغي أن يتركه حتى يجفّ ، كما نبّه عليه في المبسوط والنهاية في رشّ

__________________

(١) القائل هو المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ١٤٠.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٦١٤ ، الهامش (٧).

(٣) تذكرة الفقهاء ٢ : ٤١٢ ، الفرع «كأ» ؛ نهاية الإحكام ١ : ٣٤٨.

(٤) منهم : سلّار في المراسم : ٦٦ ؛ وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٤١ ؛ والشهيد في الدروس ١ : ١٥٤ ١٥٥.

(٥) حكاه عنه المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ١١٦ ؛ والعِمة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٢ : ٤١١ ، الفرع «يط».

(٦) المعتبر ٢ : ١١٦.

(٧) تذكرة الفقهاء ٢ : ٤١١ ، الفرع «يط» ؛ نهاية الإحكام ١ : ٣٤٨.

(٨) في «م» : كراهة.

(٩) التهذيب ٢ : ٢٢٢ / ٨٧٤.

(١٠) التهذيب ٢ : ٢٢٢ / ٨٧٦.

(١١) الكافي ٣ : ٣٨٧ / ١ ؛ التهذيب ٢ : ٢٢٢ / ٨٧٥.

١٥٥

بيت المجوس (١).

وهل يشترط في دخولها إذن أهل الذمّة؟ احتمله في الذكرى تبعاً لغرض الواقف وعملاً بالقرينة (٢).

ويحتمل عدمه ؛ لإطلاق الأخبار بالصلاة فيها.

(و) كذا لا بأس بالصلاة في (مرابض الغنم) بالضاد المعجمة جمع مربض ، وهو مأواها ومقرّها عند الشرب ، كمعطن الإبل ، نصّ عليه الجوهري (٣) ؛ لقول النبيّ : «إذا أدركتم الصلاة وأنتم في مراح الغنم فصلّوا فيها فإنّها سكينة وبركة» (٤).

(و) كذا لا بأس بالصلاة في (بيت اليهوديّ والنصرانيّ) لقول الصادق عليه‌السلام في رواية أبي جميلة : «لا تصلّ في بيت فيه مجوسيّ ، ولا بأس بأن تصلّي في بيت فيه يهوديّ أو نصرانيّ» (٥).

وهذه الرواية تشمل بيتهما وما هُما فيه وإن لم يكن لهما ، فتدلّ على مطلوب المصنّف. وكأنّ المصنّف يرى أنّ المراد بذلك بيتهما ، كما تقدّم الكلام فيه في بيت المجوسيّ.

واعلم أنّ أبا الصلاح حرّم الصلاة في أكثر هذه المواضع ؛ نظراً إلى صورة النهي في الأخبار ، وتردّد في فساد الصلاة بذلك (٦). والله أعلم.

هذه (تتمّة) لـ «باب مكان المصلّي» في ذكر شي‌ء من أحكام المساجد ، وناسب ذكرها هنا ؛ لأنّ المسجد من جملة المكان ، فكان ذكر أحكامه في بابه أولى.

(صلاة الفريضة) بمعنى المفروضة ، وهي الواجبة ؛ لمرادفة الفرض للواجب عندنا (في) مطلق (المسجد أفضل) من صلاتها في غيره من الأمكنة.

ثمّ المساجد مع اشتراكها في الأفضليّة تتفاوت في الفضيلة ، فالصلاة في المسجد الحرام أفضل من سائر المساجد عندنا ، ثمّ مسجد النبيّ ، ثمّ مسجد الكوفة والأقصى ، ثمّ

__________________

(١) المبسوط ١ : ٨٦ ؛ النهاية : ١٠٠.

(٢) الذكرى ٣ : ٩٤.

(٣) الصحاح ٣ : ١٠٧٦ ، «ر ب ض».

(٤) سنن البيهقي ٢ : ٦٣٠ / ٤٣٥٨.

(٥) التهذيب ٢ : ٣٧٧ / ١٥٧١ ؛ وفي الكافي ٣ : ٣٨٩ / ٦ ، عن أبي جميلة عن أبي أُسامة.

(٦) الكافي في الفقه : ١٤١.

١٥٦

المسجد الجامع ، ثمّ مسجد القبيلة ، ثمّ السوق.

وقد تتفاوت المساجد غير الأربعة بفضائل أُخرى ، كمسجد السهلة وغيره من المساجد الشريفة.

وما ورد في الأخبار من تضاعف الصلاة في المساجد الموصوفة بوصف مع اشتراك مساجد فيها بعضها أفضل من بعض ، فيمكن حمله على اشتراكها في ذلك القدر بسبب ذلك الوصف ، ولا ينافي زيادة بعضها لمزيّة أُخرى. أو على أنّ الثواب المترتّب على تلك الصلوات المعدودة مختلف بحسب اختلافها في الفضيلة ، فجاز أن تترتّب على كلّ صلاة عشر حسنات مثلاً ، وعلى الأُخرى عشرون ، أو ارتفاع عشر درجات وفي بعضها عشرون ، ونحو ذلك.

وقد روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الصلاة في مسجدي كألف في غيره إلا المسجد الحرام فإنّ الصلاة فيه تعدل ألف صلاة في مسجدي» (١).

وعن الصادق عليه‌السلام «مكة حرم الله وحرم رسوله وحرم عليّ بن أبي طالب» ، الصلاة فيها بمائة ألف صلاة ، والدرهم فيها بمائة ألف درهم ، والمدينة حرم الله وحرم رسوله وحرم عليّ بن أبي طالب» ، الصلاة فيها بعشرة آلاف صلاة ، والدرهم فيها بعشرة آلاف درهم ، والكوفة حرم الله وحرم رسوله وحرم عليّ بن أبي طالب» ، الصلاة فيها بألف صلاة» (٢).

وعن الباقر عليه‌السلام «لو يعلم الناس ما في مسجد الكوفة لأعدّوا له الزاد والرواحل من مكان بعيد ، إنّ صلاة فريضة فيه تعدل حجّة ، وصلاة نافلة تعدل عمرة» (٣).

وفي خبرٍ آخر عن عليّ «النافلة فيه تعدل عمرة مع النبيّ ، والفريضة تعدل حجّة مع النبيّ ، وأنّه قد صلّى فيه ألف نبيّ وألف وصي» (٤) وأنّ أمير المؤمنين مَنَع

__________________

(١) التهذيب ٦ : ١٤ ١٥ / ٣٠.

(٢) التهذيب ٦ : ٣١ ٣٢ / ٥٨.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٢ / ٦٠.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٢ / ٦١.

١٥٧

رجلاً من السفر إلى المسجد الأقصى ، وأمره بلزوم مسجد الكوفة (١).

وروى الصدوق في الفقيه عن أمير المؤمنين أنّه قال : «صلاة في بيت المقدس تعدل ألف صلاة ، وصلاة في المسجد الأعظم تعدل مائة [ألف] (٢) صلاة ، وصلاة في مسجد القبيلة تعدل خمساً وعشرين ، وصلاة في مسجد السوق اثنتا عشرة ، وصلاة الرجل في منزله صلاة واحدة» (٣).

وروى ابن أبي عمير عن بعض أصحابه ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي لأكره الصلاة في مساجدهم ، قال : «لا تكره ، فما من مسجد بُني إلا على قبر نبيّ أو وصيّ نبيّ قُتل فأصاب تلك البقعة رشّة من دمه فأحبّ الله أن يذكر فيها ، فأدّ فيها الفريضة والنوافل ، واقض ما فاتك» (٤).

إذا تقرّر ذلك ، فهنا سؤالات :

أحدها : أنّ مسجد الحرام مشتمل على الكعبة ، وقد تقدّم أنّ الفريضة فيها مكروهة ، فإذا فرض صلاة فريضة خارج الكعبة وأُخرى فيها ، فإمّا أن تتساويا في الفضل أو تتفاوتا ، ويلزم من الأوّل مساواة المكروه لغيره ، ومن الثاني اختلاف جهات المسجد في الفضيلة ، وقد ورد الخبر بتعليق العدد المعيّن على الصلاة فيه من غير تخصيص بجهة.

وثانيها : أنّ مسجد النبيّ مختلف في الشرف ؛ فإنّ الروضة أفضل من غيرها من بقاعه ، وخلف القبر الشريف بحيث تكون الصلاة إلى القبر من غير حائل أو بُعْد عشرة أذرع مكروهة ، فلا يتمّ إطلاق القول بأنّ الصلاة فيه مضاعفة بالقدر المذكور ، وإلا لزم مساواة المكروه لغيره والمشروف للأشرف.

وثالثها : أنّ المسجدين قد زِيد فيهما على ما كان في زمن النبيّ ، فهل تكون الصلاة في القدر المزيد مساويةً للصلاة في الأصل أم لا؟ فإن قلتم بعدم التساوي حملاً لكلام النبيّ على المسجد المعهود في وقته ، أشكل إطلاق قول الصادق عليه‌السلام إنّ الصلاة في

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٥١ / ٦٨٩.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) الفقيه ١ : ١٥٢ / ٧٠٣.

(٤) الكافي ٣ : ٣٧٠ ٣٧١ / ١٤ ؛ التهذيب ٣ : ٢٥٨ / ٧٢٣.

١٥٨

المسجد الحرام بكذا وفي مسجد النبيّ بكذا (١) فإنّ الزيادة فيه وقعت قبل زمان الصادق عليه‌السلام ، فكان ينبغي بيان الحال حذراً من الإجمال الحاصل من تأخير البيان. وإن قلتم بمساواة الزائد للأصل ، لزم منه إلحاق كلّ ما يزاد به حتى لو زِيد في هذا الزمان به شي‌ء ، كان ثواب الصلاة فيه مثلَ ثوابه ، مع أنّه لا يسمّى ذلك المزيد مسجد الحرام ولا مسجد النبيّ إلا بطريق المجاز لا الحقيقة.

ورابعها : أنّ قوله عليه‌السلام صلاة في مسجدي كألف في غيره (٢) يدخل في إطلاق «الغير» باقي المساجد والأماكن التي يباح فيها الصلاة والتي تكره فيها وغير ذلك ، فإن كان المضاعفة المذكورة الحاصلة بالصلاة في مسجده متساويةً بالنسبة إلى مطلق الصلاة في غيره ، لزم مساواة الأفضل لغيره والمكروه لغيره ، وذلك غير جائز. وإن كان المراد بالغير مكاناً مخصوصاً ، فلا بدّ من بيانه حذراً من تأخير البيان عن وقت الخطاب.

وخامسها : أنّ الحديث الأوّل دلّ على أنّ الصلاة في المسجد الحرام تعدل ألف ألف صلاة ؛ لأنّه جعل الصلاة فيه بألف في مسجده مع حكمه بأنّ الصلاة في مسجده بألف ، وفي الخبر الثاني جعل الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف ، وذلك يوهم التنافي إلى أن يقوم الدليل بما يصحّح التأويل.

وسادسها : أنّه جعل الصلاة في مسجد النبيّ في الحديث الأوّل بألف وفي الثاني بعشرة آلاف ، والكلام فيه كالكلام فيما قبله.

وسابعها : أنّه جعل الصلاة في مسجده في الحديث الأوّل بألف وجعل الصلاة في مسجد الكوفة بألف ، وذلك يدلّ على تساويهما في الفضل ، وهو خلاف الإجماع ، وقد تقدّم (٣) الحكم بكون مسجد النبيّ أفضل.

ويمكن الجواب عن الأوّل : بأنّ مساواة الصلاة في الكعبة لباقي المسجد في عدد المضاعفة لا تستلزم المساواة في الأفضليّة ؛ لجواز ترتّب الثواب على العدد الحاصل في سائر المسجد أزيد من الثواب المترتّب على العدد الحاصل من الصلاة في الكعبة ، كما تقدّمت

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ٦١٧ ، الهامش (٢).

(٢) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ٦١٧ ، الهامش (١).

(٣) في ص ٦١٦.

١٥٩

الإشارة إليه في أوّل الباب ، وهذا هو شأن الصلاة المكروهة بالنسبة إلى غيرها المساوي لها ، فإنّ صلاة ركعتين مثلاً في وقت ومكان مكروهين أقلّ ثواباً من ركعتين في غيرهما مع تساويهما عدداً ، أو يقيّد إطلاق المسجد بما عدا الكعبة ؛ لخروجها بأمرٍ خاصّ ، فيكون كالعامّ المخصوص بمنفصل ، مع أنّه لا قاطع بكون الكعبة من جملة المسجد ؛ لجواز كونه حولها. ويدلّ عليه اختصاصها باسمٍ خاصّ وحكمٍ خاصّ ، وما الدليل على كونها من جملته؟ والله أعلم.

وعن الثاني : بأنّ إطلاق المضاعفة في المسجد يقتضي اشتراك كلّ جزء منه في هذا الوصف وإن كان مكروهاً أو مشروفاً ، ويبقى الجزء الشريف زائداً إمّا بكثرة ثواب ذلك العدد ، كما مرّ ، أو بعدد زائد لم يذكر ، كما في مسجدين جامعين أو مسجدَي قبيلتين مختلفين في الشرف ، فإنّ اشتراكهما في وصف تحصل به المضاعفة لا ينافي اختصاص أحدهما بأمرٍ آخر.

وعن الثالث : بإمكان اختصاص المضاعفة المذكورة بما وقع في زمانهُ ، ولا ينافيه حينئذٍ كلام الصادق عليه‌السلام وإن تقدّمت الزيادة على زمانه ؛ لأنّها بمنزلة مسجد متجدّد ، فلا ينصرف الإطلاق إليها.

ويمكن حمله على ما يصدق عليه عرفاً أنّه مسجد الحرام أو مسجد النبيّ ، ويلتزم بدخول المزيد في هذا المعنى ؛ نظراً إلى الحقيقة العرفيّة ، ولا بُعْد فيه ؛ فإنّ فضل الله تعالى وجوده يسع ذلك.

ويمكن دخول ما كان موجوداً في زمن الصادق عليه‌السلام لا غير باعتبار إطلاقهُ من غير بيان ، فلا إشكال على جميع هذه التقادير.

ولو تكلّف متكلّف إدخالَ جميع ما يزاد فيهما إلى آخر الدنيا بحيث يطلق عرفاً على الجميع اسم المسجد الخاصّ وحصول المضاعفة فيه ، لم يكن بعيداً ؛ نظراً إلى اشتراك الجميع في إطلاق الاسم عرفاً.

وقد روى زرارة عن الباقر عليه‌السلام أنّه كان يأخذ بيده في بعض الليل فيتنحّى ناحية ثمّ يجلس فيتحدّث في المسجد الحرام فربما نام ، فقلت له في ذلك ، فقال : «إنّما يكره أن ينام في المسجد الذي كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأمّا في هذا الموضع فليس به

١٦٠