روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان - ج ٢

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


المحقق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة
الموضوع : الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-024-6
الصفحات: ٧١٦
الجزء ١ الجزء ٢

وقد روى زياد بن المنذر عن أبي جعفر في الذي يتوشّح ويلبس قميصه فوق الإزار ، قال : «هذا عمل قوم لوط» قلت : فإنّه يتوشّح فوق القميص؟ قال : «هذا من التجبّر» (١).

قلت : وفي هذا الحديث إشارة إلى أنّ المراد بالتوشّح هنا هو الاتّزار ، فيدلّ على ما قاله الجماعة من كراهة أن يأتزر فوق القميص.

ويؤيّده أنّ الوشاح في الأصل عند أهل اللغة : شي‌ء يشدّ على الوسط ، والتوشّح مأخوذ منه.

قال في الصحاح : الوشاح [شي‌ء] (٢) ينسج من أديمٍ عريضاً ، ويرصّع بالجواهر ، وتشدّه المرأة بين عاتقيها وكشحيها ، يقال : توشّحت المرأة إذا لبستْه. قال : وربما قالوا : توشّح الرجل بثوبه (٣). والكشح : ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف (٤). انتهى.

وينبّه عليه أيضاً قوله عليه‌السلام في خبر أبي بصير ، المتقدّم (٥) : «لا ينبغي أن تتوشّح بإزار فوق القميص» فإنّ الإزار هو المئزر. قال في الصحاح : وهو كقولهم : مِلْحَف ولِحاف ومِقْرم وقِرام. قال : وموضع الإزار من الحقوين (٦). فحديث أبي بصير دالّ على كراهة المئزر فوق القميص ، كما ذكره أكثر (٧) الأصحاب واحتجّوا عليه به. وهو جيّد في موضعه ، والله أعلم.

(و) أن (يشتمل الصمّاء) وهو موضع وفاق.

والمشهور بين الأصحاب في تفسيره ما ذكره الشيخ رحمه‌الله ، وهو : أن يلتحف بالإزار ، ويُدخل طرفيه تحت يده ويجمعهما على منكبٍ واحد ، كفعل اليهود (٨). والمراد

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦٨ ١٦٩ / ٧٩٥ ؛ التهذيب ٢ : ٣٧١ / ١٥٤٢.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) الصحاح ١ : ٤١٥ ، «وش ح».

(٤) الصحاح ١ : ٣٩٩ ، «ك ش ح».

(٥) في ص ٥٦٠.

(٦) الصحاح ٢ : ٥٧٨ «أ ز ر».

(٧) منهم : المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ٩٦ ؛ والعِمة الحلّي في منتهى المطلب ٤ : ٢٤٧ ؛ ونهاية الإحكام ١ : ٣٨٨ ؛ والشهيد في الذكرى ٣ : ٦٦.

(٨) النهاية : ٩٧ ٩٨ ؛ المبسوط ١ : ٨٣.

١٠١

بالالتحاف ستر المنكبين به.

وقد اختلف أهل اللغة فيه :

ففي الصحاح هو : أن تجلّل جسدك بثوبك نحو شملة الأعراب بأكسيتهم ، وهو أن يردّ الكساء من قِبَل يمينه على يده اليسرى وعاتقه الأيسر ، ثم يردّه ثانيةً من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن ويغطّيهما جميعاً.

قال : وذكر أبو عبيد أنّ الفقهاء يقولون : هو أن يشتمل بثوبٍ واحد ليس عليه غيره ثمّ يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه فيبدو منه فُرْجَة (١).

وقال الهروي : هو أن يتجلّل بثوبه ، ولا يرفع منه جانباً (٢).

ويدلّ على ما فسّره الأصحاب : ما رواه زرارة عن أبي جعفر إيّاك والتحاف الصمّاء قلت : وما التحاف الصمّاء؟ قال : «أن تدخل الثوب من تحت جناحيك فتجعله على منكبٍ واحد» (٣).

ولا فرق في الكراهة بين أن يكون تحته ثوب أم لا ؛ لعموم النهي.

ويجي‌ء على ما نَقَله أبو عبيد عن الفقهاء تقييد الكراهة بعدم ثوبٍ تحته يستر الفرج.

(أو يصلّي) الرجل (بغير حنك) وهو إدارة جزء من العمامة تحت الحنك ، فإنّ ذلك مستحبّ ، وتركه مكروه.

وقال ابن بابويه : لا يجوز تركه (٤) ؛ لمرسل ابن أبي عمير عن الصادق عليه‌السلام «مَنْ تعمّم فلم يتحنّك فأصابه داء لا دواء له فلا يلومنّ إلا نفسه» (٥).

وروى عيسى بن حمزة عنه عليه‌السلام «مَن اعتمّ فلم يُدر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومنّ إلا نفسه» (٦).

__________________

(١) الصحاح ٥ : ١٩٦٨ ، «ص م م».

(٢) الغريبين في القرآن والحديث ٤ : ١٠٩٨.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٤ / ٤ ؛ الفقيه ١ : ١٦٨ / ٧٩٢ ؛ التهذيب ٢ : ٢١٤ / ٨٤١ ؛ الاستبصار ١ : ٣٨٨ / ١٤٧٤.

(٤) الفقيه ١ : ١٧٢ ذيل الحديث ٨١٣.

(٥) الكافي ٦ : ٤٦٠ (باب العمائم) ح ١ ؛ التهذيب ٢ : ٢١٥ / ٨٤٦.

(٦) الكافي ٦ : ٤٦١ / ٧ ؛ التهذيب ٢ : ٢١٥ ٢١٦ / ٨٤٧.

١٠٢

ولا حجّة فيهما على منع الترك ، وإنّما يدلّان على تأكّد الاستحباب.

ولا يختصّ استحباب التحنّك بالصلاة ؛ لإطلاق الأخبار أو عمومها ، بل الصلاة إنّما دخلت في العموم.

وممّا يدلّ على حكم غير الصلاة صريحاً : ما رواه الصدوق عن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال مَنْ خرج في سفره فلم يُدِر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومنّ إلا نفسه (١). وقال عليه‌السلام ضمنت لمن خرج من بيته معتمّاً أن يرجع إليهم سالماً (٢). وقال عليه‌السلام إنّي لأعجب ممّن يأخذ في حاجة وهو معتمّ تحت حنكه كيف لا تقضى حاجته! (٣). وقال النبيّ الفرق بين المسلمين والمشركين التلحّي (٤). ورووا عنه عليه‌السلام أنّه أمر بالتلحّي ، ونهى عن الاقتعاط (٥).

قال الهروي : يقال : جاء الرجل مقتعطاً إذا جاء معتمّاً طابقيّاً لا يجعلها تحت ذقنه (٦).

وفي الصحاح : الاقتعاط : شدّ العمامة على الرأس من غير إدارةٍ تحت الحنك (٧). والتلحّي : تطويق العمامة تحت الحنك (٨).

وهذه الأخبار دلّت على تأدّي السنّة بإدارة جزء من العمامة تحت الحنك ، سواء كان طرفها أم غيره.

قال في الذكرى : وفي الاكتفاء بالتلحّي بغيرها بحيث يضمّها نظر : من مخالفة المعهود ، ومن إمكان كون الغرض حفظ العمامة من السقوط ، وهو حاصل.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٧٣ / ٨١٤.

(٢) الفقيه ١ : ١٧٣ / ٨١٥.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٣ / ٨١٦.

(٤) الفقيه ١ : ١٧٣ / ٨١٧.

(٥) الفقيه ١ : ١٧٣ ذيل الحديث ٨١٧ ؛ النهاية في غريب الحديث والأثر ٣ : ١٢٠ ، «ق ع ط».

(٦) الغريبين في القرآن والحديث ٥ : ١٥٦٨ ، «ق ع ط».

(٧) الصحاح ٣ : ١١٥٤ ، «ق ع ط».

(٨) الصحاح ٦ : ٢٤٨٠ ، «ل ح ى».

١٠٣

قال : ولكن خبر الفرق بين المسلمين والمشركين مشعر باعتبار التحنّك المعهود (١).

قلت : الأخبار المذكورة صريحة في اعتبار كونه بالعمامة ، كقول الصادق عليه‌السلام : «ولم يدر العمامة» (٢) وقوله عليه‌السلام : «وهو معتمّ تحت حنكه» (٣) وقولهم في تفسير الاقتعاط : أن لا يجعل العمامة تحت حنكه.

وأمّا خبر الفرق فهو أبعدها دلالةً ؛ لإطلاقه التلحّي ، وإمكان صدقه بغيرها. وعلى ما فسّره به أهل اللغة من أنّه تطويق العمامة تحت الحنك يساوي غيره في الدلالة ، فلا وجه لتخصيصه بها.

والتعليل بكون الغرض به حفظ العمامة من السقوط غير معلوم صريحاً ولا إيماءً ، فالاقتصار على ما دلّت عليه الأخبار من اختصاصه بالعمامة متعيّن.

(واللثام) للرجل (والنقاب) للمرأة إذا لم يمنعا القراءة أو شيئاً من الأذكار الواجبة أو سماعها ، وفاقاً للتذكرة (٤).

وروى الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يقرأ في صلاته وثوبه على فيه ، فقال : «لا بأس بذلك إذا سمع الهمهمة» (٥).

(ويحرم) كلّ واحد منهما (لو منع القراءة) أو شيئاً من الأذكار الواجبة أو سماعها ، كما تقدّم.

وتقييد المصنّف بالقراءة خرج مخرج المثال.

وأطلق المفيد المنْعَ من اللثام (٦) ، والعمل على المشهور.

وفي مضمر سماعة في الرجل يصلّي ويتلو القرآن وهو متلثّم «لا بأس ، وإن كشف عن فيه فهو أفضل» (٧).

__________________

(١) الذكرى ٣ : ١٤.

(٢) الكافي ٦ : ٤٦١ / ٧ ؛ الفقيه ١ : ١٧٣ / ٨١٤ ؛ التهذيب ٢ : ٢١٥ / ٨٤٧.

(٣) الفقيه ١ : ١٧٣ / ٨١٦.

(٤) تذكرة الفقهاء ٢ : ٤٩٩ ، المسألة ١٣٤.

(٥) الفقيه ١ : ١٧٣ / ٨١٨ ؛ التهذيب ٢ : ٢٢٩ ٢٣٠ / ٩٠٣ ؛ الإستبصار ١ : ٣٩٨ / ١٥١٩.

(٦) المقنعة : ١٥٢.

(٧) التهذيب ٢ : ٢٣٠ / ٩٠٤.

١٠٤

(والقباء) بالمدّ (المشدود في غير الحرب) ذكر ذلك الشيخان والمرتضى (١) وكثير من الأصحاب (٢).

والمستند غير معلوم. قال الشيخ في التهذيب : ذكره عليّ بن الحسين بن بابويه ، وسمعناه من الشيوخ مذاكرةً ، ولم أجد به خبراً مسنداً (٣).

قال في الذكرى بعد حكاية قول الشيخ : قلت : قد روى العامّة أنّ النبيّ قال : «لا يصلّي أحدكم وهو محزّم» (٤) وهو كناية عن شدّ الوسط (٥).

وظاهر ذكره لهذا الحديث جَعْله دليلاً على كراهة القباء المشدود من جهة النصّ.

وهو بعيد ؛ لكونه على تقدير تسليمه غير المدّعى.

ونقل في البيان عن الشيخ كراهة شدّ الوسط (٦).

(والإمامة بغير رداء) وهو ثوب أو ما يقوم مقامه يجعل على المنكبين ؛ لرواية سليمان ابن خالد عن الصادق عليه‌السلام حين سأله عن رجل أمّ قوماً في قميص ليس عليه رداء ، قال : «لا ينبغي إلا أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها» (٧).

ولأنّه مميّز عنهم بفضيلة الإمامة ، فينبغي أن يمتاز عنهم في رأي العين.

وكما يستحبّ الرداء للإمام يستحبّ لغيره من المصلّين وفاقاً للشهيد (٨) رحمه‌الله وإن كان للإمام آكد. ويدلّ على عموم الاستحباب تعليق الحكم على مطلق المصلّي في عدّة أخبار :

مثل : خبر زرارة عن الباقر عليه‌السلام أدنى ما يجزئك أن تصلّي فيه بقدر ما يكون على

__________________

(١) حكاه عنهم المحقّق الحلّي في المعتبر ٢ : ٩٩ ؛ وفي المقنعة : ١٥٢ : ولا يجوز لأحد أن يصلّي وعليه قباء مشدود. وفي النهاية : ٩٨ ؛ والمبسوط ١ : ٨٣ : ولا يصلّي الرجل وعليه قباء مشدود.

(٢) منهم : سلار في المراسم : ٦٤ ؛ والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٧٤ ؛ والمحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ١ : ٦٠.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٣٢.

(٤) ورد الحديث كما في المتن في الذكرى : ١٤٨ (الطبعة الحجريّة) ؛ وفي جامع المقاصد ٢ : ١٠٩ أيضاً ؛ وفي الطبعة الحديثة من الذكرى ٣ : ٦٥ : «لا يصلّي أحدكم إلا وهو محزّم» وهو الموافق لما في سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٤٢٥٣ / ٣٣٦٩ ؛ وسنن البيهقي ٢ : ٣٤٠ / ٣٢٩٥ ؛ ومسند أحمد ٣ : ٢١٦ / ٩٥٩٤.

(٥) الذكرى ٣ : ٦٥.

(٦) البيان : ١٢٣ ؛ وانظر : المبسوط ١ : ٨٨.

(٧) الكافي ٣ : ٣٩٤ / ٣ ؛ التهذيب ٢ : ٣٦٦ / ١٥٢١.

(٨) البيان : ١٢٢ ؛ النفليّة : ١٠١.

١٠٥

منكبيك مثل جناحي خطّاف (١). وعن عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام في رجل ليس معه إلا سراويل ، قال : «يحلّ التكّة منه ، ويجعلها على عاتقه» (٢).

وعن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام «فليجعل على عاتقه شيئاً ولو حبلا» (٣).

وهذه الأخبار كما تدلّ على حكم المصلّي من غير تقييد بالإمام تدلّ على الاجتزاء بمسمّى الرداء وإن لم يكن ثوباً وإن كان المعهود أفضل.

وإنّما خصّ المصنّف الإمامَ بكراهة تركه مع عموم استحبابه بناءً على أنّ المراد بالمكروه ما نُصّ على رجحان تركه عيناً ، لا ما كان فعله خلاف الأولى ، وقد تقدّم في خبر (٤) سليمان بن خالد ما يدلّ على كراهة تركه للإمام بقوله في السؤال عنه : «لا ينبغي» إلى آخره ، فإنّ ظاهره الكراهة ، وباقي الأخبار دلّت على استحباب الرداء من غير تصريح بكراهة تركه بالمعنى المذكور ، وهذا هو الوجه في تخصيص المصنّف الإمامَ ؛ لأنّه بصدد بيان المكروه لا بيان المستحبّ.

ولو أُريد بالمكروه معناه الأعمّ وهو ما رجّح تركه مع عدم المنع من نقيضه كره ترك الرداء لمطلق المصلّي ، لكن هذا الاصطلاح لم يستعمله المصنّف في كتبه غالباً يُعلم ذلك من استقرائها.

واعلم أنّه ليس في هذه الأخبار وأكثر عبارات الأصحاب بيان كيفيّة لُبْس الرداء ، بل هي مشتركة في أنّه يوضع على المنكبين. وفي التذكرة : هو الثوب الذي يوضع على المنكبين (٥). ومثله في النهاية (٦) ، فيصدق أصل السنّة بوضعه كيف اتّفق.

لكن لمّا روي كراهة سدله وهو أن لا يرفع أحد طرفيه على المنكب وأنّه من فعل اليهود (٧) ، وروى عليّ بن جعفر عن أخيه موسى قال : سألته عن الرجل هل يصلح له

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٦٦ ١٦٧ / ٧٨٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٦٦ / ٧٨٢ ؛ التهذيب ٢ : ٣٦٦ / ١٥١٩.

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٣ / ١ ؛ التهذيب ٢ : ٢١٦ / ٨٥٢ ، وفيه عن الإمام الصادق عليه‌السلام.

(٤) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ٥٦٥ ، الهامش (٧).

(٥) تذكرة الفقهاء ٢ : ٥٠٤ ، الفرع «ز».

(٦) نهاية الإحكام ١ : ٣٨٨.

(٧) الفقيه ١ : ١٦٨ / ٧٩١.

١٠٦

أن يجمع طرفي ردائه على يساره؟ قال : «لا يصلح جمعهما على اليسار ، ولكن اجمعهما على يمينك أو دَعْهما» (١) تعيّن أنّ الكيفيّة الخالية عن الكراهة هي وضعه على المنكبين ثمّ ردّ ما على الأيسر على الأيمن.

وبهذه الهيئة فسّره بعض الأصحاب ، لكن لو فَعَله على غير هذه الهيئة خصوصاً ما نُصّ على كراهته ، هل يثاب عليه؟ لا يبعد ذلك ؛ لصدق مسمّى الرداء ، وهو في نفسه عبادة لا تُخرجها كراهتها عن أصل الرجحان. ويؤيّده إطلاق تلك الأخبار وغيرها ، وأنّها أصحّ من الأخبار المقيّدة.

(واستصحاب الحديد) في حالة كونه (ظاهراً) ولو كان مستوراً ، جاز من غير كراهة.

روى موسى بن أكيل عن الصادق «لا بأس بالسكّين والمنطقة للمسافر في وقت ضرورة ، ولا بأس بالسيف وكلّ [آلة] (٢) السلاح في الحرب ، وفي غير ذلك لا تجوز [الصلاة] (٣) في شي‌ء من الحديد ، فإنّه مسخ نجس» (٤).

وروى عمّار «إذا كان الحديد في غلاف فلا بأس به» (٥).

والجمع بينهما بحمل المطلق على المقيّد. وتعليل المنع بنجاسته محمول على كراهة استصحابه مجازاً ، كما نبّه عليه المحقّق في المعتبر ، قال : لأنّه طاهر باتّفاق الطوائف ، فإذا ورد التنجيس ، حملناه على كراهة استصحابه ، فإنّ النجاسة قد تطلق على ما يستحبّ تجنّبه (٦).

(و) الصلاة (في ثوب المتّهم) بالتساهل في النجاسة ؛ احتياطاً للصلاة.

ولما رواه عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام في الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنّه يأكل الجرّي ويشرب الخمر فيردّه أفيصلّي فيه قبل أن يغسله؟ قال : «لا يصلّي فيه حتى يغسله» (٧).

والمراد بالنهي هنا الكراهة لا التحريم ؛ جمعاً بين ما ذُكر وبين ما دلّ على الطهارة :

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٧٣ / ١٥٥١.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٠ / ١٣ ؛ التهذيب ٢ : ٢٢٧ / ٨٩٤.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٢٧ ذيل الحديث ٨٩٤.

(٦) المعتبر ٢ : ٩٨.

(٧) التهذيب ٢ : ٣٦١ / ١٤٩٤.

١٠٧

كرواية عبد الله بن سنان أيضاً أنّ أباه سأل الصادق في الذمّي يعيره الثوب وهو يعلم أنّه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيردّه عليه أيغسله؟ قال عليه‌السلام : «صلّ فيه ولا تغسله ، فإنّك أعرته وهو طاهر ، ولم تستيقن أنّه نجّسه ، فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجّسه» (١).

ورواية معاوية بن عمّار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الثياب السابريّة يعملها المجوس وهُمْ يشربون الخمر ألبسها ولا أغسلها وأُصلّي فيها؟ قال : «نعم» قال : ثمّ بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار فكأنّه عرف ما أُريد ، فخرج فيها إلى الجمعة (٢).

ومثله روى المعلّى بن خنيس عنه (٣).

وفي هذه الأخبار إشارة إلى أنّ غلبة ظنّ النجاسة لا تقوم مقام العلم وإن استندت إلى سبب.

وألحق في الذكرى به مَنْ لا يتوقّى المحرّمات في الملابس (٤). وهو حسن ، وينبّه عليه كراهة معاملة الظالم وأخذ ماله.

(و) في (الخلخال المصوّت للمرأة) دون الأصمّ ؛ لرواية عليّ بن جعفر عن أخيه موسى أنّه سأله عن الخلاخيل هل يصلح لُبْسها للنساء والصبيان؟ قال : «إن كنّ صُمّاً فلا بأس ، وإن كان لها صوت فلا يصلح» (٥) وعدم صلاحية لُبْسه مطلقاً يدلّ على عدمها في حال الصلاة بطريق أولى.

وربما علّل الكراهة باشتغال المرأة به ، المنافي للخشوع ، فيتعدّى إلى كلّ مصوّت بحيث يشغل السر ، فلا يكره ذلك للصمّاء ، والحديث المتقدّم يدلّ بإطلاقه على الكراهة لها مطلقاً.

(والتماثيل والصورة في الخاتم) والثوب والسيف ، سواء الرجل والمرأة.

والمراد بالتمثال والصورة ما يعمّ مثال الحيوان وغيره ، كما صرّح به المصنّف في

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦١ / ١٤٩٥ ؛ الاستبصار ١ : ٣٩٢ ٣٩٣ / ١٤٩٧.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٦٢ / ١٤٩٧.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦١ ٣٦٢ / ١٤٩٦.

(٤) الذكرى ٣ : ٦٢.

(٥) الكافي ٣ : ٤٠٤ / ٣٣ ؛ الفقيه ١ : ١٦٥ / ٧٧٥.

١٠٨

المختلف ، ونَقَله عن الأصحاب ؛ نظراً إلى إطلاق عباراتهم (١).

ويدلّ على ذلك رواية ابن بزيع عن الرضا عليه‌السلام أنه سأله عن الثوب ، فكره ما فيه التماثيل (٢).

وروى عمّار أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في ثوب يكون في عَلَمه مثال طير أو غير ذلك ، قال : «لا» وفي الخاتم فيه مثال الطير أو غير ذلك «لا تجوز الصلاة» (٣) وحُمل على الكراهة ؛ جمعاً بين الأخبار.

وخصّ ابن إدريس الكراهةَ بتماثيل الحيوان وصورها لا غيرها من الأشجار (٤).

ويدلّ عليه الإذن في صور الأشجار بقوله تعالى (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ) (٥) فعن أهل البيت «أنّها كصور الأشجار (٦).

وما رووه عن ابن عباس أنّه قال للمصوّر : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «كلّ مصوّر في النار يجعل له بكلّ صورة صوّرها نفساً فتعذّبه في جهنّم» وقال : «إن كنت ولا بدّ فاعلاً فاصنع الشجر وما لا نفس له» (٧).

والحقّ أنّه لا يلزم من جواز عملها عدم كراهة الصلاة فيها ، فيستفاد الكراهة من عموم الأخبار المتقدّمة ، كما اختاره الأكثر ، ولا تحرم الصلاة خلافاً للشيخ (٨) لأنّ ذكر الكراهة في بعض الأخبار ، الدالّ على الإذن صريحاً يقتضي حمل ما دلّ على عدم الجواز عليه ؛ جمعاً بين الأخبار ، مع أنّ ذلك لم يرد إلا في خبر عمّار. وهو ضعيف.

ومتى غيّرت الصورة زالت الكراهة ؛ لانتفاء المقتضي.

ولصحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام «لا بأس أن تكون التماثيل في الثوب إذا غيّرت الصورة» (٩).

__________________

(١) مختلف الشيعة ٢ : ١٠٤ ، ذيل المسألة ٤٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٧٢ / ٨١٠.

(٣) الفقيه ١ : ١٦٥ ١٦٦ / ٧٧٦ ؛ التهذيب ٢ : ٣٧٢ / ١٥٤٨.

(٤) السرائر ١ : ٢٦٣.

(٥) سبأ (٣٤) : ١٣.

(٦) الكافي ٦ : ٤٧٦ ٤٧٧ / ٣ ، المحاسن : ٢ : ٤٥٨ / ٢٥٨٠.

(٧) صحيح مسلم ٣ : ١٦٧٠ ١٦٧١ / ٢١١٠ ؛ مسند أحمد ١ : ٥٠٦ ٥٠٧ / ٢٨٠٦.

(٨) النهاية : ٩٩ ؛ المبسوط ١ : ٨٤.

(٩) التهذيب ٢ : ٣٦٣ / ١٥٠٣.

١٠٩

(وتحرم) الصلاة (في جلد الميتة وإن دُبغ) بإجماعنا ، وتواتر الأخبار عن أهل البيت «في ذلك ، كخبر محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام وقد سأله عن جلد الميّت أيلبس في الصلاة [إذا دُبغ] (١)؟ فقال : «لا ولو دُبغ سبعين مرّة» (٢).

ولا فرق في ذلك بين مأكول اللحم وغيره ، ولا بين ما يمكن ستر العورة به وغيره ؛ لقول الصادق عليه‌السلام في مرسل ابن أبي عمير : «لا تصلّ في شي‌ء منه ولا شسع» (٣).

ولأنّ الميتة نجسة ، والدباغ غير مطهّر عندنا.

وفي حكم الميتة ما يوجد مطروحاً وإن كان في بلاد الإسلام ؛ لأصالة عدم التذكية ، وما في يد كافر أو في سوق الكفر وإن أخبر بالتذكية.

وفي إلحاق ما يوجد في يد مستحلّ الميتة بالدبغ بها وإن أخبر بالتذكية بل في يد المخالف مطلقاً من غير الفِرَق المحكوم بكفرها وجهان.

والمشهور في الفتاوى والأخبار طهارتها ، وجواز الصلاة فيها وإن لم يخبر ذو اليد بالتذكية ، فلو أخبر ، ثبت الحكم بطريق أولى وإن كان التنزّه عنه أفضل مطلقاً.

وقد روى في الكافي والتهذيب عن عبد الرحمن بن الحجّاج : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي أدخل سوق المسلمين ، أعني هذا الخلق الذين يدّعون الإسلام ، فأشتري منها الفراء للتجارة ، فأقول لصاحبها : أليس هي ذكيّة؟ فيقول : بلى ، فهل يصلح لي أن أبيعها على أنّها ذكيّة؟ فقال : «لا ، ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول : قد شرط الذي اشتريتها منه أنّها ذكيّة» قلت : وما أفسد ذلك؟ قال : «استحلال أهل العراق للميتة ، وزعموا أنّ دباغ جلد الميتة ذكاته ثمّ لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٤).

وهذا الخبر كما دلّ على جواز الاستناد في الجلود المأخوذة من سوق المسلمين إلى أصالة الطهارة وصحّة حال المسلم يدلّ على أنّه ينبغي التحرّز والتحرّج من الحكم بالذكاة على اليقين. ولو كان نهيهُ له عن الإخبار بالتذكية دليلاً على عدمها ، لما جاز

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) الفقيه ١ : ١٦٠ / ٧٥٠ ؛ التهذيب ٢ : ٢٠٣ / ٧٩٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٠٣ / ٧٩٣.

(٤) الكافي ٣ : ٣٩٨ / ٥ ؛ التهذيب ٢ : ٢٠٤ / ٧٩٨.

١١٠

له بيعها ولا شراؤها.

وعن أبي بصير عنه عليه‌السلام «كان عليّ بن الحسين عليه‌السلام رجلاً صَرِداً (١) فلا تدفئه فراء الحجاز ، لأنّ دباغها بالقَرَظ (٢) ، فكان يبعث إلى العراق ، فيؤتى ممّا قبلكم الفرو فيلبسه ، فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يليه ، وكان يسأل عن ذلك ، فيقول : إنّ أهل العراق يستحلّون لباس الجلود الميتة ، ويزعمون أنّ دباغه ذكاته» (٣).

وهذا الخبر أيضاً يدلّ على ما تقدّم من جواز الاستعمال واستحباب التنزّه. ولو كان محكوماً بكونه ميتةً ، لما جاز لُبْسه في حالٍ.

وأمّا ما يوجد في سوق الإسلام مع مَنْ يجهل حاله ، فلا ريب في جواز الشراء منه ، والبناء على الطهارة ؛ للنصّ ، ونفي الحرج.

والمراد بسوق الإسلام ما يغلب على أهله الإسلام وإن كان حاكمهم كافراً.

ولا عبرة بنفوذ الأحكام وتسلّط الحُكّام كما زعم بعضهم ؛ لاستلزامه كون بلاد الإسلام المحضة التي يغلب عليها الكفّار ونفذت أحكامهم فيها سوقَ كفر ، وكون بلاد الكفر المحضة التي غلب عليها المسلمون وأجروا على أهلها أحكام المسلمين سوقَ إسلام وإن لم يكن فيهم مسلم ، وهو مقطوع الفساد.

ويدلّ على ما ذكرناه من اعتبار الأغلبيّة مع دلالة العرف عليه : رواية إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه‌السلام «لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صُنع في أرض الإسلام» قلت له : فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال : «إن كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس» (٤).

وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، قال : سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة (٥) فراء لا يدري أذكيّة هي أم لا ، أيصلّي فيها؟ قال : «نعم ، ليس عليكم المسألة ، إنّ أبا جعفر كان يقول : إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم ، إنّ الدين

__________________

(١) صَرِد الرجل : يجد البرد سريعاً. الصحاح ٢ : ٤٩٦ ، «ص ر د».

(٢) القَرَظ : ورق السلم يُدبغ به. الصحاح ٣ : ١١٧٧ ، «ق ر ظ».

(٣) الكافي ٣ : ٣٩٧ / ٢ ؛ التهذيب ٢ : ٢٠٣ / ٧٩٦.

(٤) التهذيب : ٣٦٨ ٣٦٩ / ١٥٣٢.

(٥) في «ق ، م» والطبعة الحجريّة : «منه» بدل «جبّة». وما أثبتناه من المصدر.

١١١

أوسع عليهم من ذلك» (١).

وفي معنى هذه الأخبار أخبار أُخرى كثيرة.

(و) كذا تحرم الصلاة في (جلد ما لا يؤكل لحمه) سواء قَبِل التذكية وذكّي أم لا.

والدباغ غير مؤثّر في الطهارة ولا في جواز الصلاة فيما منع منه عندنا ، فتحرم الصلاة فيه (وإن دُبغ) بإجماع علمائنا ، وقد تظافرت بذلك أخبارهم.

ولا فرق أيضاً في ذلك بين ما تتمّ الصلاة فيه منفرداً وغيره ، خلافاً للشيخ حيث جوّزها فيما لا تتمّ الصلاة فيه (٢).

(و) كذا تحرم الصلاة في (صوفه وشعره وريشه ووبره عدا ما استثني) من الخزّ والسنجاب ، وعلى ذلك أيضاً إجماع علمائنا ، نَقَله في المعتبر (٣).

وروى ابن أبي عمير عن ابن بكير عن زرارة قال : أخرج أبو عبد الله عليه‌السلام كتاباً زعم أنّه إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله «إنّ الصلاة في [وبر] (٤) كلّ شي‌ء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شي‌ء منه فاسدة لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلّى في غيره» (٥).

وهذه الرواية تدلّ على تحريم الصلاة في الثوب المعمول من ذلك وإن لم تتمّ الصلاة فيه ، وفي الملقى عليه شي‌ء منه وإن لم يكن معمولاً.

ويؤيّدها مكاتبة إبراهيم بن محمّد الهمداني ، قال : كتبت إليه : يسقط على ثوبي الوبر والشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقيّة ولا ضرورة ، فكتب «لا تجوز الصلاة فيه» (٦).

لكن في الاحتجاج بهما على الإطلاق بحث.

أمّا الأُولى ففي سندها ابن بكير ، وهو فاسد العقيدة وإن كان ثقةً ، وتضمّنت أيضاً منع الصلاة في جلد السنجاب ؛ لأنّها وقعت جواباً عنه وعن غيره ممّا لا يؤكل لحمه.

والثانية مكاتبة ، والمسؤول فيها مجهول ، فهي مقطوعة.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٨ / ١٥٢٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٠٦ ٢٠٧ ، ذيل الحديث ٨٠٩.

(٣) المعتبر ٢ : ٨١.

(٤) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٥) الكافي ٣ : ٣٩٧ / ١ ؛ التهذيب ٢ : ٢٠٩ / ٨١٨ ؛ الاستبصار ١ : ٣٨٣ / ١.

(٦) التهذيب ٢ : ٢٠٩ / ٨١٩ ؛ الاستبصار ١ : ٣٨٤ / ١٤٥٥.

١١٢

وتعارضان بما هو أصحّ سنداً ، كرواية محمّد بن عبد الجبّار أنّه كتب إلى أبي محمدُ يسأله هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكّة حرير أو تكّة من وبر الأرانب؟ فكتب «لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض ، وإن كان الوبر ذكيّاً حلّت الصلاة فيه» (١) وغيرها من الأخبار.

وطريق الجمع حمل روايات المنع على الثوب المعمول من ذلك ، والجواز على ما طرح على الثوب من الوبر ونحوه.

وممّن صرّح بالجواز في ذلك الشيخُ (٢) رحمه‌الله والشهيد في الذكرى (٣) ، وهو ظاهر المعتبر (٤).

وجمع الشيخ بينها بحمل الجواز على ما يعمل منها ممّا لا تتمّ الصلاة فيه وحده ، كالتكّة والقلنسوة (٥) ، كما وقع التصريح به في مكاتبة (٦) العسكري عليه‌السلام.

وأُجيب بضعف المكاتبة ، ولأنّها تضمّنت قلنسوة عليها وبر ، فلا يلزم جوازها من الوبر ، كذا ذكر في الذكرى والمعتبر (٧).

وفيه نظر ؛ فإنّ المكاتبة إنّما تضعف عن المشافهة مع تساوي السند ، وقد عرفت ضعف سند المشافهة ، وغاية ما فيها كونها من الموثّق ، فلا تترجّح على صحيح المكاتبة.

وأيضاً فقصورها من جهة المكاتبة عمّا دلّ على المنع يقتضي المنع من الصلاة في الوبر مطلقاً ولو كان مرميّاً على الثوب ، والشهيد لا يقول به.

ثمّ هي مصرّحة بجواز الصلاة في الوبر المسئول عنه ، ومن جملة ما وقع السؤال عنه التكّة المعمولة من وبر الأرانب ، فكيف يدّعى أنّها تضمّنت ما على القلنسوة من الوبر لا غير!؟

وربما فرّق بين شعر الإنسان وغيره ممّا لا يؤكل لحمه ؛ لعموم البلوى بالأوّل ، وجواز

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٠٧ / ٨١٠ ؛ الاستبصار ١ : ٣٨٣ / ١٤٥٣.

(٢) المبسوط ١ : ٨٤.

(٣) الذكرى ٣ : ٥٢.

(٤) المعتبر ٢ : ٨٣.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٠٦ ٢٠٧.

(٦) تقدّمت الإشارة إلى مصدرها في الهامش (١).

(٧) الذكرى ٣ : ٤٠ ؛ المعتبر ٢ : ٨٣.

١١٣

الصلاة فيه متّصلاً فكذا منفصلاً ؛ عملاً بالاستصحاب.

ولمكاتبة عليّ بن الريّان عن أبي الحسن عليه‌السلام : هل تجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الإنسان وأظفاره قبل أن ينفضه ويلقيه عنه؟ فوقّع «تجوز» (١).

وهذا الحديث يقتضي بإطلاقه عدم الفرق بين شعر المصلّي وغيره. وهو حسن وإن كان القول بجواز الصلاة في سائر الشعر ونحوه ممّا لا يكون لباساً ولا داخلاً في نسجه متّجهاً ، ولا ريب أنّ تجنّبه أحوط.

(و) كذا تحرم الصلاة (فيما يستر ظهر القدم) ولا ساق له بحيث يغطّي المفصل الذي بين الساق والقدم وشيئاً من الساق وإن قلّ ، وذلك (كالشمشك) بضم الشين وكسر الميم ، والنعل السندي وشبههما على المشهور بين الأصحاب.

واستندوا في ذلك إلى فعل النبيّ وعمل الصحابة والتابعين والأئمّة الصالحين ، فإنّهم لم يصلّوا في هذا النوع ولا نَقَله عنهم ناقل ، ولو وقع لنُقل مع عموم البلوى به.

ولا يخفى عليك ضعف هذا المستند ؛ فإنّه شهادة على النفي غير المحصور ، فلا تسمع ، ومَن الذي أحاط علماً بأنّهم كانوا لا يصلّون فيما هو كذلك؟ ولو سُلّم ذلك ، لم يكن دليلاً على عدم الجواز ؛ لإمكان كونه غير معتاد لهم ، بل الظاهر هو ذلك ، فإنّه ليس لباس العرب وأهل الحجاز. ولو علم أنّهم كانوا يلبسونه ثمّ ينزعونه في وقت الصلاة ، لم يكن أيضاً دليلاً على تحريم الصلاة فيه ؛ لأنّ نزعهم له أعمّ من كونه على وجه التحريم (٢) أو الاستحباب.

ولأنّ ذلك لو تمّ ، لزم تحريم الصلاة في كلّ شي‌ء لم يصلّ فيه النبيّ والأئمّة عليهم‌السلام ، فالقول بالجواز أوضح ؛ لضعف دليل المنع ، وأصالة البراءة ، وصدق امتثال المأمور به على وجهه المتحقّق ، لكن يكره في ذلك خروجاً من خلاف جماعة من الأجلاء.

وحيث كان الحكم مخصوصاً بما لا ساق له مع كونه ساتراً لظهر القدم ، فلا تحريم ولا كراهة فيما ليس كذلك ؛ لعدم الوصفين ، كالنعل العربي ، بل تستحبّ الصلاة فيه عند علمائنا.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦٧ / ١٥٢٦.

(٢) كذا ، والظاهر : «الوجوب» بدل «التحريم».

١١٤

وقد روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام «إذا صلّيت فصلّ في نعليك إذا كانت طاهرةً فإنّه يقال ذلك من السنّة» (١).

وعن معاوية بن عمّار أنّه قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يصلّي في نعليه غير مرّة ، ولم أره ينزعهما قطّ» (٢) وغيرهما من الأحاديث.

و (لا) فيما فقد أحدهما وهو عدم الساق بأن كان له ساق كـ (الخف والجورب) وهو نعل مخصوص له ساق ، وهو معرّب. ومثلهما الجرموق.

قال في الذكرى : وهو خفّ واسع قصير يلبس فوق الخفّ (٣).

وإنّما جازت الصلاة في هذا النوع ؛ لثبوت صلاتهم «فيه أو إذنهم فيها.

روى البزنطي عن الرضا عليه‌السلام قال : سألته عن الخفّاف يأتي السوق فيشتري الخفّ لا يدري أذكي هو أم لا ، ما تقول في الصلاة فيه؟ أيصلّي فيه؟ قال : «نعم ، إنّا نشتري الخفّ من السوق ويُصنع لي فأُصلّي فيه ، وليس عليكم المسألة» (٤).

وهذا الخبر كما يدلّ على المدّعى من جواز الصلاة في الخفّ يدلّ أيضاً على جواز الأخذ بظاهر الحال في الجلود المأخوذة من أيدي مَنْ ظاهرُه الإسلام ، ولا يجب البحث عن الحال.

وروى إبراهيم بن مهزيار ، قال : سألته عن الصلاة في جرموق وبعثت إليه به ، فقال : «يصلّى فيه» (٥).

وعن الحسن بن الجهم قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : أعترض السوق فأشتري خفّاً لا أدري أذكي هو أم لا ، قال : «صلّ فيه» قلت : والنعل؟ قال : «مثل ذلك» قلت : إنّي أضيق من هذا ، قال : «أترغب عنّا (٦)؟ كان أبو الحسن عليه‌السلام يفعله» (٧).

ولمّا فرغ من ذكر جنس الساتر للعورة وشرائطه أراد أن يبيّن العورة التي يجب على

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣٥٨ / ١٥٧٣ ؛ التهذيب ٢ : ٢٣٣ / ٩١٩.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٣٣ / ٩١٦.

(٣) الذكرى ٣ : ٤٩.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٧١ / ١٥٤٥.

(٥) الكافي ٣ : ٤٠٤ / ٣٢ ؛ التهذيب ٢ : ٢٣٤ / ٩٢٣.

(٦) في الكافي : «عمّا» بدل «عنّا».

(٧) الكافي ٣ : ٤٠٤ / ٣١ ؛ التهذيب ٢ : ٢٣٤ / ٩٢١.

١١٥

المصلّي سترها ، وهي تختلف باختلاف صنفه ، كما بيّنه بقوله (وعورة الرجل) التي يجب سترها في الصلاة وعن الناظر المحترم وما يلحق بالصلاة كالطواف هي (قُبُله) وهو القضيب والبيضتان ، دون العانة (ودُبُره) وهو نفس المخرج ، دون الأَلْيَيْن بفتح الهمزة والياء بغير تاء ، تثنية الألْية بالفتح أيضاً ، ودون الفخذ ، فإنّهما ليسا من العورة في المشهور ، وعليه شواهد من الأخبار (١) مرويّة من الطرفين.

وذهب بعض الأصحاب إلى أنّ العورة من السرّة إلى الركبة (٢). وآخرون (٣) إلى نصف الساق. وهما شاذّان.

وهاتان العورتان (يجب) على الرجل (سترهما) في المواضع المذكورة (مع القدرة) عليه (ولو بالورق) الكائن من الشجر والحشيش (والطين) الساتر للحجم واللون.

وظاهر العبارة أنّ ذلك على وجه التخيير ، فيجوز الاستتار بالورق مع إمكان الثوب ، كما يجوز بالطين مع إمكانهما ؛ لحصول مقصود الستر.

ولرواية عليّ بن جعفر عن أخيه الكاظم عليه‌السلام حين سأله عن رجل قطعت عليه الطريق فبقي عرياناً وحضرت الصلاة ، قال : «إن أصاب حشيشاً يستر [به] (٤) عورته أتمّ صلاته بالركوع (٥) والسجود ، وإن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ وهو قائم» (٦).

وقول الباقر عليه‌السلام : «النورة سترة» (٧).

وفي القواعد قدّم الثوب على الحشيش والورق ، وخيّر بينهما وبين الطين (٨).

وفي الذكرى ساوى بين الأوّلين ، وقدّمهما على الطين. واستند في التخيير بينهما إلى

__________________

(١) منها ما في الكافي ٦ : ٤٩٧ / ٧ ؛ والفقيه ١ : ٦٥ / ٢٥٠ ، و ٦٧ / ٢٥٣ ؛ وصحيح البخاري ١ : ١٤٥ / ٣٦٤ ؛ وصحيح مسلم ٢ : ١٠٤٣ ١٠٤٤ / ٨٤ ، و ٣ : ١٤٢٦ / ١٣٦٥ ، و ٤ : ١٨٦٦ / ٢٤٠١ ؛ وسنن النسائي ٦ : ١٣١ ١٣٢ ؛ ومسند أحمد ٣ : ٥٣٧ / ١١٥٨١.

(٢) القاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٨٣.

(٣) منهم : أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٣٩.

(٤) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٥) في «م» والطبعة الحجريّة : «في الركوع» بدل «بالركوع». وما أثبتناه من المصدر.

(٦) التهذيب ٢ : ٣٦٥ / ١٥١٥ ، و ٣ : ٢٩٦ ٢٩٧ / ٩٠٠.

(٧) الكافي ٦ : ٤٩٧ / ٧ ؛ الفقيه ١ : ٦٥ / ٢٥٠.

(٨) قواعد الأحكام ١ : ٢٨.

١١٦

رواية (١) عليّ بن جعفر. واستدلّ لتقديمهما على الطين بعدم فهمه من الساتر عند الإطلاق (٢). وبقوله تعالى (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (٣) فإنّ ذلك لا يعدّ زينةً ، ولا يفهم من اللفظ.

والتحقيق أنّ خبر عليّ بن جعفر ظاهر في فاقد الثوب ، فلا يتمّ الاحتجاج به على التخيير بينه وبين الثوب.

وما ذكر من الحجّة على تقديمهما على الطين آتٍ في تقديم الثوب على غيره.

والزينة كما لا تتناول الطين ، كذا لا تتناول الحشيش ونحوه.

وقد يقال : إنّ الزينة غير مرادة بظاهرها ؛ للإجماع على الاجتزاء بالخرق والثوب الخلق الذي لا يحصل فيه مسمّى الزينة.

ولما قيل من أنّ المفسّرين أجمعوا على أنّ المراد بالزينة هنا ما يواري به العورة للصلاة (٤) ، فيشترك الجميع في الستر وإن كان بعضها أفضل من بعض.

ويمكن الجواب بأنّ المراد بالزينة جنسها ، فتدخل الخرق ونحوها. وبأنّ ما نُقل عن المفسّرين إن تمّ لا يجوز حمله على ظاهره ؛ لأنّه يقتضي الاجتزاء بالماء الكدر ، والحفيرة ، وغيرهما اختياراً ولم يقل به أحد ، فيرجع في ذلك إلى المتعارف المتبادر ، وهو الثوب مع إمكانه.

ويؤيّده ما ورد في الآية الأُخرى في معرض الامتنان بقوله (قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ) (٥) وهي ما يسوء الإنسان انكشافه ، ويقبح في الشاهد إظهاره. وما روي عن الباقر عليه‌السلام «أدنى ما تصلّي به المرأة درع وملحفة» (٦) وغير ذلك ممّا يدلّ على الأمر بالثوب ، وستر بدنها بشي‌ء ممّا عداه لا يُعدّ درعاً ولا ملحفة ولا خماراً ، فيثبت الحكم في الرجل أيضاً ؛ للإجماع على عدم الفرق.

__________________

(١) المتقدّمة في ص ٥٧٦.

(٢) الذكرى ٣ : ١٧.

(٣) الأعراف (٧) : ٣١.

(٤) كما في الذكرى ٣ : ٥.

(٥) الأعراف (٧) : ٢٦.

(٦) التهذيب ٢ : ٢١٧ / ٨٥٣ ؛ الاستبصار ١ : ٣٨٨ ٣٨٩ / ١٤٧٨.

١١٧

نعم ، مع تعذّره يجزئ الحشيش ونحوه ؛ لما تقدّم (١) من حديث عليّ بن جعفر. ولأنّه أقرب إلى حقيقة الساتر الاختياري من الطين وأبعد عن السقوط والتفتّت منه. فإن فقد ، فالطين الساتر للّون والحجم ؛ لحصول الستر به في الجملة ، ولما تقدّم (٢) من حديث النورة.

وبعض القائلين بالتخيير بينه وبين ما سبق وافق في تقديم ما سبق عليه لو خِيف تناثره في الأثناء عند جفافه.

فإن تعذّر الطين وأمكن تحصيل حفيرة تواري العورة ، دخلها وجوباً ، ويركع ويسجد ؛ لحصول الستر وإن لم تلتصق بالبدن ؛ لعدم ثبوت شرطيّته.

ولمرسل أيّوب بن نوح عن الصادق عليه‌السلام في العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة «دخلها فسجد فيها وركع» (٣).

ولو وجد وحلاً أو ماءً كدراً ، فالمشهور وجوب الاستتار بهما.

والظاهر أنّ الوحل مقدّم على الماء وإن لم يستر الحجم ؛ لأنّه أدخل في مسمّى الساتر ، وأشبه بالثوب والطين المقدّمين على الماء.

وفي المعتبر أسقط وجوب الستر بهما بالكلّيّة ؛ للمشقّة والضرر (٤). وظاهر الذكرى تقديمهما على الحفيرة (٥).

والتحقيق أنّ السجود المأمور به في الحفيرة إن كان هو المعهود اختياراً ، فهو دالّ على سعة الحفيرة ، وحينئذٍ يبعد تقديمها عليهما مع إمكان استيفاء الأفعال بهما ، فإنّهما حينئذٍ أليق بالساتر ، والحفيرة أشبه بالبيت الضيّق الذي لا يعدّ ساتراً ، فتقديمهما عليها أوضح ، بل الظاهر أنّ الوحل مقدّم عليها مطلقاً ؛ لعدم منافاته لاستيفاء الأفعال.

وأمّا الماء الكدر فإن تمكّن من السجود فيهما ، ففيه ما مرّ. وإن تمكّن في الماء خاصّة ، فهو أولى بالتقديم. وكذا لو لم يتمكّن فيهما.

ولو تمكّن في الحفيرة دون الماء ، ففي تقديم أيّهما نظر : من كون الماء ألصق به وأدخل

__________________

(١) في ص ٥٧٦.

(٢) في ص ٥٧٦.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٦٥ ٣٦٦ / ١٥١٧ و ٣ : ١٧٩ / ٤٠٥.

(٤) المعتبر ٢ : ١٠٦.

(٥) الذكرى ٣ : ١٨.

١١٨

في الستر ، ومن صدق الستر في الجملة وإمكان الأفعال وورود النصّ على الحفيرة دونه ، والاتّفاق على وجوب الاستتار [بها] (١) دونه ، فتقديمها حينئذ أوجَه. ولو لم نعتبر في الصلاة استيفاء الركوع والسجود ، كصلاة الخوف والجنازة ، سقط اعتبار هذا المرجّح.

وأولى من الحفيرة الفسطاط الضيّق إذا لم يمكن لُبْسه. أمّا الحبّ والتابوت فقريبان من الحفيرة.

ومن الأصحاب مَنْ قدّم الماء الكدر على الحفيرة مطلقاً. ومنهم مَنْ قدّمها عليه وأخّر الطين عن الماء الكدر. وهو غير واضح.

ويظهر من العلامة (٢) في القواعد (٣) استواء الجميع حتى الحشيش مع فقد الثوب.

ووجهه اشتراك الجميع في الخروج عن مسمّى الساتر المتعارف شرعاً المعهود عرفاً. وقد عرفت ما فيه.

(ولو فقد) جميع ما يمكن الستر به ولو بالشراء أو الاستئجار أو الاستعارة (صلّى عارياً) وإن كان الوقت واسعاً ، خلافاً للمرتضى حيث أوجب التأخير (٤) ، كما في باقي أصحاب الأعذار عنده (٥) ، وللمعتبر حيث فصّل برجاء حصول الساتر وعدمه (٦) ، كما قال في التيمّم (٧) ، واستقربه في الذكرى (٨).

ووجه جواز المبادرة عموم الأمر بالصلاة عند [دخول] (٩) الوقت. وخروج التيمّم من ذلك بنصٍ خاصّ لا يقتضي إلحاق غيره به.

ولتكن صلاته عارياً في حالة كونه (قائماً مع أمن المطّلع) في الحال وعدم توقّعه عادةً ، كالمصلّي في بيتٍ وحده بحيث يأمن دخول أحد عليه ، أو في موضعٍ منقطع عن الناس (و)

__________________

(١) ما بين المعقوفين من تصحيحنا.

(٢) كذا ، والظاهر : «المصنّف» بدل «العلامة».

(٣) قواعد الأحكام ١ : ٢٨.

(٤) جُمل العلم والعمل : ٨٥.

(٥) كما في الذكرى ٣ : ٢١.

(٦) المعتبر ٢ : ١٠٨.

(٧) المعتبر ١ : ٣٧٩.

(٨) الذكرى ٣ : ٢١.

(٩) ما بين المعقوفين من تصحيحنا.

١١٩

في حالة كونه (جالساً مع عدمه) أي عدم أمن المطّلع بالمعنى المذكور. وهذا التفصيل هو المشهور بين الأصحاب.

ومستنده الجمع بين ما أُطلق من الأمر بالقيام في خبر عليّ بن جعفر ، المتقدّم (١) والأمر بالجلوس في خبر زرارة عن الباقر عليه‌السلام فيمن خرج من سفينة عرياناً ، قال : «إن كان امرأةً جعلت يدها على فرجها ، وإن كان رجلاً وضع يده على سوءته ، ثمّ يجلسان فيومئان إيماءً ولا يركعان ولا يسجدان فيبدو ما خلفهما» (٢).

ويشهد للتفصيل على الوجه المتقدّم رواية عبد الله بن مسكان عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يخرج عرياناً فيدرك الصلاة (٣) ، قال : «يصلّي عرياناً قائماً إن لم يره أحد ، فإن رآه أحد صلّى جالساً» (٤) فيحمل إطلاق الروايتين على هذا التفصيل ؛ جمعاً بين الأخبار ، وحذراً من اطّراح بعضها مع إمكان العمل بالجميع.

وأوجب المرتضى الجلوسَ في الموضعين (٥) ، وابنُ إدريس القيامَ فيهما (٦) ؛ استناداً إلى الإطلاق في الخبرين. واحتمل في المعتبر التخييرَ ؛ لذلك بعد أن اعتمد على التفصيل (٧).

والعمل على المشهور ؛ جمعاً بين الأخبار ، وتأيّدها بالرواية المرسلة وشهرتها ، وجلالة حال مُرسلها يجبر ضعف إرسالها ، وقد نقل علماء الرجال من الأصحاب أنّ سبب إرسال ابن مسكان أحاديثَه المرويّة عن الصادق عليه‌السلام إجلاله له حذراً من عدم توفيته ما يجب عليه من تعظيمه عند رؤيته ، فترك الدخول عليه لذلك ، وروى عن أصحابه (٨).

(و) على كلّ حال فلا يستوفي العاري كمال الركوع والسجود ، بل (يومئ في الحالين) قائماً وجالساً برأسه (راكعاً وساجداً) ويجعل الإيماء للسجود أخفض ليتحقّق الفرق بينهما.

__________________

(١) في ص ٥٧٦.

(٢) الكافي ٣ : ٣٩٦ / ١٦ ؛ التهذيب ٢ : ٣٦٤ ٣٦٥ / ١٥١٢ و ٣ : ١٧٨ / ٤٠٣.

(٣) في المصدر : فتدركه الصلاة.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٦٥ / ١٥١٦.

(٥) جمل العلم والعمل : ٨٥.

(٦) السرائر ١ : ٢٦٠.

(٧) المعتبر ٢ : ١٠٤ و ١٠٥.

(٨) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي) : ٣٨٢ ٣٨٣ / ٧١٦.

١٢٠