غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ١

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ١

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

قال رحمه‌الله : وقيل : عدا المسجد الحرام ومسجد الخيف.

أقول : المشهور عند المتأخرين من الأصحاب منع إخراج الحصى من سائر المسجد ، لعموم (٧٢) المنع من إخراج الحصى من المسجد ، ولم يرد الأمر من الشارع بالإباحة ولم يستثن قدماء الأصحاب عدا المسجدين لأصالة الإباحة ، وعدم ورود الأحاديث بالمنع من غيرهما.

__________________

(٧٢) الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ٢٦ من أحكام المساجد.

٤٤١
٤٤٢

في نزول منى

قال رحمه‌الله : ولا يجزي واحد في الواجب إلا عن واحد ، : وقيل : يجزي مع الضرورة وعن خمسة وعن سبعة إذا كانوا أهل خوان واحد ، والأول أشبه ، ويجوز ذلك في الندب.

أقول : القول بالإجزاء عن أكثر من واحد عند الضرورة ، مذهب المفيد والقاضي وأكثر المتقدمين ، واختاره العلامة في المختلف.

وقال علي بن بابويه يجزي البقرة عن خمسة إذا كانوا أهل بيت واحد ، وبه قال سلار ، وقال الشيخ في الخلاف لا يجزي الواحد إلا عن واحد ، واختاره ابن إدريس والمصنف ، وهو المعتمد ، ومع العجز ينتقل إلى الصيام ، والمراد بالندب الأضحية لا الحج المندوب ، لأنه يصير واجبا بالشروع ، ولا فرق في الأضحية بين الاختيار والاضطرار ، ولا بين منى وغيرها من الأمصار ، ومستند الجميع الروايات (٧٣).

قال رحمه‌الله : والوقوف بعرفات المستحب أن تكون سمينة تنظر في سواد ، وتبرك في سواد وتمشي في مثله ، أي يكون لها ظل تمشي فيه ، وقيل : أن تكون هذه

__________________

(٧٣) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ١٨ من أبواب الذبح.

٤٤٣

المواضع منها سودا ، وأن تكون مما عرف به.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : في تفسير هذه الصفات ثلاثة أقوال :

الأول : أن يكون هذه المواضع منها سواد ، وهو قول ابن إدريس ، قال : وقال أهل التأويل : أن يكون من عظمه وشحمه ينظر في شحم ويمشي فيه ويبرك في ظل شحمه.

الثاني : أن يكون قد رعى ومشى وبرك في الخضرة فسمن لذلك.

الثالث : أن يكون سمينا ، كما نقله ابن إدريس عن أهل التأويل ، واختاره العلامة ، لأنه أنفع للفقراء ، وقال الراوندي : والثلاثة مروية (٧٤) عن أهل البيت عليهم‌السلام وفي رواية : «ويبعر في سواد» (٧٥).

الثانية : أن يكون قد حضر عرفات سواء كان الذي أحضره مشتريه أو بائعه ، ويكفي فيه قول البائع ، وقال ابن حمزة بوجوب الصفتين ، أعني السمن والتعريف ، لقول الصادق عليه‌السلام : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضحي بكبش أقرن فحل ينظر في سواد ويمشي في سواد» (٧٦) ، وروى أبو بصير عنه عليه‌السلام «انه ما كان يضحي إلا بما عرّف به» (٧٧) ، والمشهور الاستحباب.

قال رحمه‌الله : وقيل : يجب الأكل منه ، وهو الأظهر.

أقول : الوجوب مذهب ابن إدريس للآية ، واختاره العلامة وأبو

__________________

(٧٤) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ١٤ من أبواب الذبح.

(٧٥) المصدر المتقدم ، حديث ٦.

(٧٦) نفس المصدر ، حديث ١.

(٧٧) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ١٧ من أبواب الذبح ، حديث ٢.

٤٤٤

العباس ، وهو المعتمد وظاهر الشيخ والتقي الاستحباب.

تنبيه : وعلى القول بوجوب الأكل يجزي أقل ما يكون ولو قطعة من كبده ، ولو أخل به فعل حراما ولا ضمان ، ولا يكفي في الصدقة والإهداء أقل من الثلاثين ، ولو أخل بهما أو بأحدهما ضمن إن أكله ، أو تلف بتفريط منه ، ومع عدم التفريط لا ضمان.

قال رحمه‌الله : ومن فقد الهدي ووجد ثمنه ، قيل : يخلفه عند من يشتريه طول ذي الحجة ، وقيل : ينتقل فرضه الى الصوم ، وهو الأشبه.

أقول : الأول مذهب الشيخ والسيد المرتضى وابني بابويه ، واختاره المصنف في المختصر ، وهو مذهب العلامة ، وهو المعتمد ، لأن واجد الثمن كواجد الهدي ووقته باق وهو ذي الحجة ، فإن وجده في ذي الحجة ، وإلا اشتراه في القابل في ذي الحجة وذبحه ، وعليه دلّت رواية (٧٨) حريز.

والثاني مذهب ابن إدريس والحسن بن ابي عقيل ، واختاره المصنف هنا ، احتج ابن إدريس بأن الله تعالى لم ينقلنا عند عدم الهدي الا إلى الصوم (٧٩) ، ولم يجعل واسطة ، فمن أثبتها فعليه الدلالة.

قال رحمه‌الله : وصوم السبعة بعد وصوله إلى أهله ، ولا يشترط فيها الموالاة على الأصح.

أقول : المعتمد عدم وجوب التتابع في السبعة ، وهو المشهور بين الأصحاب لأصالة براءة الذمة عن وجوب التتابع ، وللأخبار (٨٠) الدالة على عدم وجوبه.

__________________

(٧٨) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٤٤ من أبواب الذبح ، حديث ١.

(٧٩) البقرة : ١٩٦.

(٨٠) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٥٥ من أبواب الذبح ، حديث ١.

٤٤٥

وقال أبو الصلاح بوجوب الموالاة ، لأن الأمر يقتضي الفور ، ولأنه أحوط.

قال رحمه‌الله : ولو مات من وجب عليه الصوم ولم يصم ، وجب ان يصوم وليّه عنه الثلاثة دون السبعة ، وقيل : بوجوب قضاء الجميع ، وهو الأشبه.

أقول : قال الشيخ رحمه‌الله : من مات قبل أن يصوم شيئا مع تمكنه قضى الولي الثلاثة دون العشرة ، وهو قول ابن حمزة ، وقال ابن إدريس بوجوب قضاء ما يتمكن الميت منه ولم يقضه.

وقال أبو العباس في محررة : ولو مات من وجب عليه الصوم صام الولي عنه ما عليه ، قال : ولا يراعى في وجوبها وصول بلده ولا تمكنه من صيامها ، لأنها بدل النسك.

فإن كان مراده في وجوبها على الميت دون وجوب القضاء على الولي فهو مسلم ، لكنه كلام موهم ، لأنه في سياقه بحث وجوب القضاء على الولي ، ومع إيهامه فهو خال عن الفائدة لسقوط التكليف عن الميت ، وعدم مخاطبة الولي بما وجب على ميته ، فلا فائدة في تحقيق سبب الوجوب.

وإن كان مراده في الوجوب على الولي ، فهو خلاف فتاوي الأصحاب ، أو معظم فتاويهم التي تدل على وجوب القضاء على الولي مقيدة بتمكن الميت من الصوم ، ولم يصم ، ولم أجد في فتاويهم ما يساعده غير ظاهر القواعد ، ولا دلالة فيه على عدم التمكن ، لأنه قال : ولو مات من يجب عليه الصوم قبله صام الولي عنه العشرة وجوبا على رأي وإن لم يصل بلده ، وعدم الوصول إلى البلد لا يدل على عدم التمكن بمضي زمان كان يمكنه فيه إيقاع الصوم.

قال فخر الدين : المدعى ان من وجب عليه الصوم بدل الهدي وتمكن من صوم العشرة ولم يفعل ثمَّ مات وجب على الولي قضاء العشرة. وقال في

٤٤٦

التحرير : ولو لم يتمكن من صيام السبعة أو بعضها وجب على الولي قضاء ما تمكن الميت من فعله ولم يفعله ، واستحب له قضاء الباقي.

وقال في الدروس : ولو مات قبل الصوم مع تمكنه صام الولي عنه العشرة ، لرواية معاوية بن عمار ، وخص الشيخ الوجوب بالثلاثة وأكثر فتاويهم على هذا المنوال ، ولعله رحمه‌الله نظر إلى إطلاق رواية معاوية بن عمار ، عن ابي عبد الله عليه‌السلام «قال : من مات ولم يكن له هدي فليصم عنه وليه» (٨١) والرواية وان كانت مطلقة فالفتاوي مقيدة ، ولكن هو أعلم بما قال ، وهو أكرم أن يقول لا عن علم.

__________________

(٨١) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٤٨ من أبواب الذبح ، حديث ١.

٤٤٧
٤٤٨

في الحلق والتقصير

قال رحمه‌الله : ويتأكد في حق الضرورة ومن لبّد شعره ، وقيل : لا يجزيه إلا الحلق ، والأول أظهر.

أقول : التخيير بين الحلق والتقصير مطلقا مذهب الشيخ في أحد قوليه وابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وهو المعتمد لعموم قوله تعالى (مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) (٨٢) والجمع غير مراد فتعين التخيير.

وقال الشيخ في النهاية : لا تجزي الصرورة والملبّد إلا الحلق ، لرواية أبي بصير (٨٣) عن الصادق عليه‌السلام الدالة على وجوب الحلق للصرورة ، ورواية معاوية بن عمار (٨٤) الدالة على وجوب الحلق على الملبد.

تنبيه : تلبيد الشعر أن يأخذ عسلا وصمغا ويجعله على رأسه لئلا يقمل ،

__________________

(٨٢) الفتح : ٢٧.

(٨٣) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٧ من أبواب الحلق والتقصير ، حديث ٥.

(٨٤) المصدر المتقدم ، حديث ١.

٤٤٩

والحلق أفضل مطلقا ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «قال : رحم الله المحلقين ثلاثا ، ثمَّ قال : والمقصرين مرة» (٨٥).

وزيادة الترحم تدل على الأولوية.

قال رحمه‌الله : ويجب تقديم التقصير على زيارة البيت لطواف الحج والسعي ، فلو قدم ذلك على التقصير عامدا جبره بشاة ، ولو كان ناسيا لم يكن عليه شي‌ء ، وعليه اعادة الطواف على الأظهر.

أقول : عدم وجوب إعادة الطواف على الناسي مذهب محمد بن بابويه ، رواه فيمن لا يحضره الفقيه عن جميل بن دراج (٨٦) ، وقال الشيخ : إن فعل ذلك عمدا جبره بشاة ، ولو كان ناسيا لم يكن عليه شي‌ء وكان عليه إعادة الطواف ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأنه طاف على غير ما أمر به فيبقى في عهدة التكليف ، ولرواية علي بن يقطين (٨٧) الدالة على وجوب إعادة الطواف.

والعامد يجب عليه الدم دون إعادة الطواف.

قال رحمه‌الله : ومن ليس على رأسه شعر أجزأه إمرار الموسى عليه.

أقول : هل إمرار الموسى واجب أو ندب؟ نقل الشيخ في الخلاف الإجماع على استحبابه ، واستشكله العلامة في التحرير ، وأصل الفتوى : «إن رجلا من خراسان قدم حاجا وكان أقرع الرأس لا يحسن أن يلبي فاستفتي الصادق عليه‌السلام فأمر أن يلبى عنه ويمر الموسى على رأسه ، فإن ذلك

__________________

(٨٥) نفس المصدر ، حديث ١٣.

(٨٦) الفقيه ٢ : ٣٠١ ، والوسائل ، كتاب الحج ، باب ٣٩ من أبواب الذبح ، حديث ٤.

(٨٧) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٤ من أبواب الحلق والتقصير ، حديث ١.

٤٥٠

يجزي عنه» (٨٨) ، ولا اشكال أن الأمر للوجوب ، ولأن الاجزاء إنما يستعمل في الوجوب ، وقوله عليه‌السلام يدل عليه لقوله : «فإن ذلك يجزي عنه».

ومن أن الحلق انما يكون للشعر ، فمع عدمه يسقط لفوات محله فيكون إمرار الموسى مستحبا (٨٩) ، وهو أقوى.

__________________

(٨٨) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ١١ من أبواب الحلق والتقصير ، حديث ٣.

(٨٩) في «ن» بزيادة : وهو يجزي عنه.

٤٥١
٤٥٢

في الطواف

قال رحمه‌الله : الزيادة على السبع في الطواف الواجب محظورة على الأظهر ، وفي النافلة مكروهة.

أقول : مراده بالزيادة هنا القران بين طوافين من غير أن يفصل بينهما بصلاة ، ولا بظن ظان أن مراده بالزيادة غير هذا المعنى ، لأن تعمد الزيادة على غير هذا المعنى مبطل إجماعا ، قال في المختصر : والقران مبطل في الفريضة على أشهر الروايتين.

قال أبو العباس في مهذبه ومقتصره بعد تفسير معنى القران : وهل هو محرّم أو مكروه؟ بالأول قال الشيخ والمصنف في كتابيه ، يعني المختصر والشرائع ، وهو لم يذكر القران في الشرائع في غير هذه المسئلة ، فدل على أن مراد أبي العباس في اختيار المصنف في الشرائع تحريم القران هذه المسئلة.

إذا عرفت هذا فالتحريم مذهب الشيخ والمصنف والعلامة ، وقال ابن إدريس : إنه مكروه شديد الكراهية ، وحجة الأولى الروايات (٩٠) الدالة على

__________________

(٩٠) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٣٠ من أبواب الطواف.

٤٥٣

مطلوبهم ، وحجة ابن إدريس الأصل ، وصحيحة زرارة (٩١). والمعتمد التحريم.

قال رحمه‌الله : واستلام الحجر على الأصح.

أقول : المشهور الاستحباب لأصالة البراءة ، وقال سلّار بالوجوب.

قال رحمه‌الله : وان يكون في طوافه داعيا ذاكرا لله على سكينة ووقار مقتصدا في مشيه ، وقيل : يرمل ثلاثا ويمشي أربعا.

أقول : المشهور الأول ، وهو الاقتصاد في المشي لا إسراع ولا إبطاء ، وهو مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال أبو العباس وابن إدريس وابن أبي عقيل وابن الجنيد ، واختاره العلامة.

وقال في المبسوط : يستحب ان يرمل ثلاثا ويمشي أربعا ، هذا في طواف القدوم فحسب اقتداء بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنه كذلك فعل ، رواه جعفر بن محمد عليهما‌السلام (٩٢).

تنبيه : الرمل هو الإسراع بالمشي مع تقارب الخطى دون الوثوب والعد ، ويسمى الخبب.

والمراد بالطواف المسنون استحباب الرمل فيه على الخلاف هو طواف القدوم ، فلا رمل في طواف النساء والوداع إجماعا ، ولا في طواف حج التمتع ولا المفرد إذا كان قد دخل مكة أولا ، ولو لم يدخل مكة حتى وقف رمل في طواف الحج ، لأنه قادم الآن ، ولا فرق في طواف القدوم بين أن يكون واجبا أو ندبا ، ولا بين أن يكون عقيبه سعي كطواف العمرة المتمتع بها وطواف المفرد الذي

__________________

(٩١) المصدر السابق ، حديث ٧.

(٩٢) المبسوط ١ : ٣٥٦. والرواية في المستدرك ٩ : ٣٩٥ ، حديث ٢.

٤٥٤

لا يدخل مكة إلا بعد الوقوف ، أو لا يكون عقيبه سعي كطواف المفرد إذا دخل مكة قبل الوقوف فطاف بها ندبا.

فروع :

الأول : على القول باستحباب الرمل ، لو أدّى إلى أذاه أو أذى غيره ترك قطعا ، ولو أدى إلى مخالطة النساء ترك أيضا خوف الافتتان.

الثاني : لو تعذر الرمل في موضع من الطواف (٩٣) رمل في غيره ، ولو احتاج إلى التباعد عن البيت ففي ترجيحه تحصيلا للرمل على التداني من البيت نظر ، من حيث أن الرمل فضيلة متعلقة بموضع العبادة ، ومراعاة ما تعلق بنفسها أولى من مراعاة ما تعلق بموضعها ، ومن وقوع الخلاف في الرمل دون القرب من البيت ، فيكون مراعاة المجمع عليه أولى من مراعاة المختلف فيه.

الثالث : لو كان محمولا رمل الحامل به إذا لم يؤد الى أذى أحدهما.

الرابع : لا رمل على النساء ولا الخنثى ولا المريض.

الخامس : لو ترك الرمل في شوط أتى به في شوطين ، ولو تركه في شوطين أتى به في الثالث ، ولو تركه في الثلاثة فات محله ولم يأت به فيما بعده.

قال رحمه‌الله : من نسي طواف الزيارة حتى رجع إلى أهله وواقع ، قيل : عليه بدنة والرجوع إلى مكة ، وقيل : لا كفارة عليه ، وهو الأصح ، ويحمل القول الأول على من واقع بعد الذكر.

أقول : وجوب الكفارة مذهب الشيخ ، وقال ابن إدريس : لا كفارة إلا على من واقع بعد الذكر ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، وهو المعتمد ، أما وجوب العود مع القدرة فمجمع عليه ، لأن طواف الزيارة ركن ، ومن ترك

__________________

(٩٣) في هامش «ن» و «ي ١» : المطاف.

٤٥٥

ركنا نسيانا وجب عليه العود والإتيان به بنفسه مع القدرة ، ومع التعذر يستنيب فيه.

تنبيه : الفرق بين الركن والفعل في الحج أن الركن يبطل الحج بتركه عمدا ، وإن تركه نسيانا وجب عليه العود والإتيان به بنفسه مع القدرة ، ومع التعذر يستنيب فيه. وفسر التعذر هنا بمعنيين ، أحدهما : المشقة الكثيرة ، والثاني : تعذر الاستطاعة المعهودة.

وأما الفعل فإن تركه نسيانا جاز الاستنابة فيه وإن قدر على الإتيان به بنفسه ، وان تركه عامدا لم يبطل حجه إذا لم يترتب عليه ركن ، كطواف النساء أو رمي الجمار ، وإن ترتب عليه ركن بطل حجه من حيث ترك الركن ، لأن الركن المترتب على الفعل المتروك عمدا كلا فعل كركعتي الطواف إذا تركهما عمدا لا يبطل حجه من حيث تركهما ، لأنهما فعل ، فإذا سعى بعد تركهما عامدا وقع سعيه باطلا ، فإذا استمر ولم يتدارك صلاة الطواف والسعي بطل حجه لا من حيث تعمد ترك الصلاة ، بل من حيث بطلان الركن المترتب عليهما ، فهذا فرق بين الركن والفعل.

وأركان الحج والعمرة أربعة عشر ، ستة للعمرة وهي النية ، والإحرام بالعمرة ، والتلبيات الأربع ، والطواف ، والسعي ، والترتيب بين هذه الأفعال ، وهذه أركان في الحج ، ويزيد على العمرة ركنان : الوقوف بعرفة والوقوف بالمشعر.

وأفعال عمرة التمتع ثلاثة ، لبس ثوبي الإحرام ، وصلاة الطواف ، والتقصير ، وتزيد المفردة طواف النساء وركعتاه.

وأفعال الحج تسعة ، لبس ثوبي الإحرام ، ومناسك منى ثلاثة ، وهي : رمي جمرة العقبة ، والذبح ، والحلق أو التقصير ، وركعتا طواف الزيارة ،

٤٥٦

وطواف النساء ، وركعتاه ، والمبيت بمنى ليالي التشريق ، ورمي الجمرات الثلاث.

قال رحمه‌الله : قيل : لا يجوز الطواف وعلى الطائف برطلة ، ومنهم من خصّ ذلك بطواف العمرة ، نظرا إلى تحريم تغطية الرأس.

أقول : التحريم مذهب الشيخ في النهاية ، والكراهة مذهبه في المبسوط ، وقال ابن إدريس : إنه مكروه في طواف الحج حرام في طواف العمرة ، واختاره العلامة ، لأن تغطية الرأس في طواف العمرة حرام ، وفي طواف الحج جائز على كراهية.

وهذا حكم عام في البرطلّة وغيرها ، فإن كل تغطية فهي محرمة في طواف العمرة مكروهة في طواف الحج ، فلا فائدة في التخصيص بالبرطلّة ، ويلزم من التخصيص بالنسكين جوازه في غيرهما.

والظاهر أن طواف العمرة خارج عن هذا البحث للإجماع على تحريم تغطية الرأس فيه بكل ساتر.

يبقى البحث في طواف الحج أو مطلق الطواف وإن كان مندوبا ، ويكون على الكراهية الشديدة لما في لبسها من التشبه باليهود ، وقد ندب المسلم إلى مباينتهم (٩٤) ، ولهذا يكره لبس السواد ، لأنه لباس فرعون (٩٥) ، وروى الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن يزيد بن خليفة ، قال : «رآني أبو عبد الله عليه‌السلام أطوف حول الكعبة وعليّ برطلة ، فقال لي بعد ذلك : فقد رأيتك تطوف حول الكعبة وعليك برطلة فلا تلبسها حول الكعبة ، فإنها من زي اليهود» (٩٦) فيكون شدة كراهة لبسها لهذه العلة.

__________________

(٩٤) الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ١٩ من أبواب لباس المصلي ، حديث ٨.

(٩٥) نفس المصدر ، حديث ٥.

(٩٦) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٦٧ من أبواب الطواف ، حديث ٢.

٤٥٧

قال رحمه‌الله : من نذر أن يطوف على أربع ، قيل : يجب عليه طوافان وقيل : لا ينعقد النذر ، وربما قيل بالأول إذا كان الناذر امرأة اقتصارا على مورد النقل.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

الأول : انعقاد النذر ويجب طوافان ، أحدهما ليديه ، والآخر لرجليه ، وهو مذهب الشيخ رحمه‌الله محتجا برواية السكوني (٩٧) عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

الثاني : بطلان النذر من رأس ، وهو مذهب ابن إدريس ، واختاره العلامة ، وهو المعتمد ، لأنه لم يتقيد بصورة هذا النذر ، فكأنه نذر صورة غير مشروعة ، فيقع باطلا.

الثالث : بطلان النذر إن كان الناذر رجلا ، وصحته إن كان امرأة وقوفا على موضع النص (٩٨).

__________________

(٩٧) الباب ٧٠ من المصدر المتقدم حديث ١.

(٩٨) المصدر السابق ، حديث ١ و ٢.

٤٥٨

في السعي

قال رحمه‌الله : ولو كان متمتعا بالعمرة وظن أنه أتم ، فأحل وواقع النساء ثمَّ ذكر ما نقص ، كان عليه دم بقرة على رواية ، ويتم النقصان ، وكذا قيل : لو قلّم أظفاره ، أو قصّ شعره.

أقول : العمل بمضمون الرواية (٩٩) مذهب الشيخ في أحد قوليه ، وابن إدريس في أحد قوليه أيضا ، وهو مذهب العلامة وفخر الدين وأبي العباس ، وهو المعتمد.

وقال الشيخ في باب الكفارات من النهاية : لا كفارة عليه لأصالة براءة الذمة ، وهذا الحكم مختص بعمرة التمتع على ما تضمنته رواية سعيد بن يسار (١٠٠) ، فالحج لا يتأتى فيه ذلك لحلقه قبل السعي بمنى ، فلا يحرم عليه القلم ، والمفردة لم يرد النص فيها بشي‌ء ، فينبغي ان يرجع فيها إلى القواعد الممهدة ، ولا شك أن مواطن التحلل في المفردة إتيان الحلق أو التقصير بعد السعي ، ويحل به ما عدا النساء وطواف النساء بعد الحلق ، ويحللن به ، فإذا ذكر نقصا من سعيه بعد جماعة في المفردة كان عليه بدنة إن لم يعذر الناسي ،

__________________

(٩٩) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ١٤ من أبواب السعي ، حديث ٢.

(١٠٠) لاحظ الباب السابق من المصدر المتقدم.

٤٥٩

وان ذكر النقص بعد قلم الأظفار كان عليه في كل أظفر مد ، فإن قلم أظفار يديه أجمع كان عليه فيها شاة ، وإن قلم أظفار رجليه أيضا واتحد المجلس اجتزأ بالشاة ، وإلا فشاتان.

وأما عمرة التمتع : فاختصت بالنص في وجوب البقرة. وخالفت هذه الرواية الأصول الممهدة من أربعة وجوه :

الأول : عدم إعذار الناسي ، وهو خلاف فتاوي الأصحاب ، بإسقاط الكفارة عن الناسي والجاهل إلا في الصيد.

الثاني : أن مع الجماع يجب بقرة ، والواجب فيه مع العمد وفي غير هذا الموضع بدنة.

الثالث : وجوب البقرة في تقليم الأظفار ، والواجب في جميعها وفي غير هذا الموضع شاة.

الرابع : مساواة الجماع لتقليم الأظفار في الكفارة.

لكن يجب ترك الاعتراض (١٠١) ، واتباع النقل عن أهل البيت عليهم‌السلام ، لأن قوانين الشرع لا يضبطها العقل ، ولا يستقل بعللها ، فيرجع إلى النقل عنهم عليهم‌السلام.

__________________

(١٠١) في «ن» و «ر ٢» : الاعراض.

٤٦٠