غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ١

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ١

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

القواعد والتحرير والشهيد ، ونقل أبو العباس عن العلامة بطلان المسمى والرجوع الى أجرة المثل ، واختاره أبو العباس أقل الأمرين من المسمى وأجرة المثل ، وهو يشعر ببطلان العقد.

فرع : لو أحصر أو صدّ في طريق خالف بسلوكه لم يستحق أجرة ، سواء كان هناك غرض أو لا.

قال رحمه‌الله : وإذا استؤجر بحجة لم يجز أن يؤجر نفسه بأخرى حتى يأتي بالأولى ، ويمكن ان يقال بالجواز إن كان لسنة غير الأولى.

أقول : عدم الجواز حتى يأتي بالأولى مذهب الشيخ رحمه‌الله ، والمشهور التفصيل ، وهو إن تعلقت الإجارة بسنة معينة لم يكن له أن يؤجر نفسه بأخرى تلك السنة بعينها ، وإن أطلق الأول ، فإن استأجره الثاني للسنة الأولى لم يجز ، لأن الإطلاق يقتضي التعجيل ، وإن استأجره للثانية جاز ، وإن استأجره مطلقا فالمشهور الجواز أيضا.

ومنع أبو العباس رحمه‌الله في المحرر من المطلقتين وهو قريب ، لأن الإطلاق كما يقتضي التعجيل في الأولى يقتضي التعجيل في الثانية فيصير كالمعينة للأولى فتبطل.

ولو قيل بالصحّة مع علم الثاني بالأولى وبالعدم مع العدم ، كان وجها ، لأن مع العلم بالأولى يتوجه القصد إلى الثانية لعلمه بعدم جواز حجته في الأولى ، ومع الجهل فالقصد متوجه إلى الأولى لعلمه بأن الإطلاق يقتضي التعجيل ، ولم يعلم بسبق غيره ، فلا يتوجه إلى العام الثاني ، وعلى القول بالمشهور ـ وهو جواز المطلقتين ـ يمكن جواز الفسخ للثاني مع عدم العلم بالأولى.

ولو استأجره الأول للسنة الثانية جاز للثاني أن يستأجره للأولى ، إذ لا مانع من الإجارة الثانية إلّا تعين الزمان للأولى ، وهو غير متعين هنا.

٤٠١

تنبيه : يشترط في صحة الإجارة للمتأخر في الإيقاع عدم حصول من يحج في السنة الأولى ، لأن وجوب الاستنابة على الفور والتأخير حرام ، فإذا استأجر للسنة الثانية مع وجود من يحج في السنة الأولى كان فعلا منهيا عنه لتضمنه التأخير المحرم ، فلا يقع صحيحا.

ولو وجد المبادر في السنة الأولى بعد الاستيجار ، قال الشهيد : يحتمل فسخ العقد وهو أبلغ من الأول ، ويحتمل عدم الفسخ ، لوقوعه صحيحا والأصل البقاء.

قال رحمه‌الله : ولو ضمن الحج في المستقبل لم تلزم إجابته ، وقيل : تلزم.

أقول : هنا ثلاثة أقوال ، الأول : وجوب الإجابة مطلقا مع ضمان الحج في المستقبل ، قاله : الشيخان. الثاني : عدم الإجابة مطلقا ، قاله المصنف. الثالث : التفصيل ، وهو إن تعلقت الإجارة بعام وحصل الصدّ فيه انفسخت الإجارة ، لأنها تعلقت بزمان معين ولم يحصل الفعل فيه وغيره لم يتناوله العقد ، وإن كانت الإجارة مطلقة لم ينفسخ ، وهو مذهب العلامة.

والتحقيق : إن كان الصد في المطلقة بعد الإحرام كان له من الأجرة بنسبة ما فعل ، ولا يجب عليه الحج ثانيا إلا مع اتفاقهما عليه.

فلو اختار أحدهما البقاء على حكم الإجارة والآخر الفسخ ، قدم اختيار الفاسخ على ما اختاره الشهيد وأبو العباس في المحرر ، وكذلك إن كان الصد قبل الإحرام يثبت لكل منهما الخيار في الفسخ وعدمه على اختيارهما.

وذهب العلامة في المختلف الى وجوب الحج ثانيا على الأجير ، بخلاف الصد بعد الإحرام ، والفرق بتعين المطلقة بالشروع فيها ، فيتصير كالمعينة ، وقبل الإحرام لا تتعين فهي باقية على الإطلاق.

أما حكم الأجرة مع الصد قبل الإحرام ، فنقول : إن كانت الإجارة

٤٠٢

وقعت على أفعال الحج فلا يستحق شيئا لعدم إتيانه بشي‌ء من الأفعال التي تقابل مال الإجارة ، وإن وقعت على الحج من بلد معين استحق من الأجرة مقابل قطع المسافة إلى موضع الصد ، لأن مال الإجارة مقابل مجموع أمرين : قطع المسافة وأفعال الحج ، فإذا صد بعد فعل شي‌ء مما وقع عليه العقد استحق من الأجرة بنسبته ، هذا مع الفسخ لا مع عدمه ، وإن كان الصد في المعينة انفسخ العقد مطلقا ، سواء حصل بعد الإحرام أو قبله.

ولو اتفقا على بقاء حكم الإجارة لم يلزمهما إلا مع تجديد العقد ، والحكم في الأجرة كما قلناه أولا.

فرعان.

الأول : إذا حج النائب في غير السنة المعينة لم يستحق شيئا لانفساخ العقد بمضي السنة المعينة ، ويكون ما أوقعه تبرعا منه.

الثاني : لو أخّر الأجير الحج في المطلقة لغير عذر تخير المستأجر ، ولعذر يتخيران ، وهو اختيار الشهيد وأبي العباس في المحرر.

قال رحمه‌الله : ولو حمله حامل فطاف به أمكن أن يحتسب كل منهما طوافه.

أقول : إذا حمل إنسان إنسانا في طوافه فقد وقع الاتفاق على صحة طواف المحمول مع النية منه إن كان بالغا ، ونية الحامل عن المحمول إن كان صبيا ، وأطلق الأكثر جواز طواف الحامل عن نفسه أيضا ، وقال ابن الجنيد ـ ونعم ما قال ـ : إن كان الحمل بأجرة لا يجوز أن يطوف عن نفسه لاستحقاق قطع المسافة عليه بعقد الإجارة ، فلا يجوز له صرفه إلى نفسه ، كما لو استأجره للحج ، واختاره فخر الدين وأبو العباس في المحرر ، وهو المعتمد.

واستدل المجوزون مطلقا بعموم رواية حفص بن البختري ، عن

٤٠٣

الصادق عليه‌السلام «في المرأة تطوف بالصبي وتسعى به ، هل يجزي ذلك عنها وعن الصبي؟ قال : نعم (٢٠)» ، وعموم رواية الهيثم بن عروة (٢١) ، عن الصادق عليه‌السلام أيضا الدالة على الاجزاء.

قال رحمه‌الله : وكل ما يلزم النائب من كفارة ففي ماله ، ولو أفسده ، حجّ من قابل ، وهل يعاد بالأجرة عليه؟ يبنى على القولين.

أقول : إذا أفسد الأجير حجة النيابة ، قال الشيخ انتقلت عن المستأجر إليه وصار محرما عن نفسه ، وعليه قضاؤها عن نفسه ، والحج باق للمستأجر يلزمه الحج عنه فيما إذا كان الحج في ذمته ، ولم يكن له فسخ هذه الإجارة ، وإن كانت معينة انفسخت الإجارة وكان على المستأجر أن يستأجر من ينوب عنه ، فأوجب عليه حجتين بعد إتمام الفاسدة في صورة الإطلاق ، وإتمام الفاسدة والقضاء واسترجاع الأجرة في صورة التعيين ، لأنه استأجره أن يحج عنه حجة صحيحة شرعية وهذه فاسدة فيجب أن لا تجزيه ، وبه قال ابن إدريس.

والمصنف بنى فسخ الإجارة واسترجاع الأجرة على القولين ، وهو إن كانت الفاسدة حجة الإسلام والثانية عقوبة برأت ذمة المستأجر بإكمالها والقضاء في القابل عقوبة على الأجير ولا تنفسخ هذه الإجارة ، وإن قلنا : الأولى عقوبة والثانية حجة الإسلام لزمه إتمام الفاسدة والقضاء من قابل عقوبة لانقلاب الفاسدة إليه بسبب إفساده ، فلا يجزي عن المستأجر ، وتستعاد الأجرة إن تعلقت بزمان معين ، وإلا وجب على الأجير الحج عن المستأجر بعد حجة القضاء من قابل.

ويحتمل الاكتفاء بحجة القضاء ، لأنها قضاء عن الفاسدة فكما يجزي

__________________

(٢٠) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٥٠ من أبواب الطواف ، حديث ٣.

(٢١) المصدر المتقدم ، حديث ١ و ٢.

٤٠٤

عن الحاج لنفسه فكذا يجزي عن النائب وقواه الشهيد.

قال رحمه‌الله : ويستحقها الأجير بالعقد ، فإن خالف ما شرط ، قيل :

كان له أجرة المثل ، والوجه أن لا أجرة.

أقول : البحث هنا في موضعين.

الأول : استحقاق الأجير الأجرة بالعقد ، ولا ريب في ذلك لكن لا يجب التسليم إليه الا بالعمل ، قاله الشهيد ، ولو توقف الحج على الأجرة استقرب الشهيد جواز الفسخ للأجير ، قال : ولا يجوز لوصي الميت التسليم قبل الفعل إلا مع الإذن صريحا ، أو بشاهد الحال.

والظاهر أن شاهد الحال جريان عادة بلد الميت بتسليم الأجرة قبل الفعل.

الثاني : في مخالفة شرط المستأجر ، فنقول يجب على الأجير أن يأتي بالنوع المشترط عليه ، وجوز الشيخ العدول من القران والإفراد إلى التمتع ، لأنه أفضل ، أو إلى القران لمن استوجر مفردا لاشتماله على الإفراد وزيادة ، والباقون على المنع ، لأنه استوجر لحج معين فلا يتناول غيره.

والتحقيق أن نقول : إن كان الغرض هو القران أو الإفراد لم يجز العدول ، لأنه استوجر لإبراء ذمة المستأجر مما وجب عليه شرعا ، وهو القران أو الإفراد ، ولو عدل لم يجز عن الفرض ولا يستحق أجرة عما عمله ، لأن الأجرة مقابل إبراء الذمة ولم يحصل.

وإن كان الحج مندوبا أو واجبا مخيرا كالنذر المطلق ، ومتساوي الإقامة بمكة وغيرها ، وعلم من المستأجر قصد الأفضل ، جاز العدول إليه واستحق الأجرة ، وإن لم يعلم منه ذلك وعدل إليه استحق الأجرة على قول الشيخ.

والمعتمد : إن علم منه التخيير استحق الأجرة بأي الأنواع أتى ، وإن

٤٠٥

لم يعلم ثمَّ عدل عن النوع الذي استؤجر عليه وقع عن المستأجر وبرأت ذمته بما فعله الأجير ، لأنه فعل الواجب عليه فوجب أن يخرج به من العهدة ، ولم يسقط فرض الأجير الذي وجب عليه بعقد الإجارة لعدم امتثال الأمر به. وهل يستحق اجرة عما فعله؟ يحتمل ذلك ، لأنه عمل عملا محترما لم يقصد به التبرع فيستحق أجرة مثل العمل ، ويحتمل العدم ، لأنه تبرع بفعل لم يشترطه عليه المستأجر فلا يستحق عليه أجرة ، وهو المعتمد.

فرع : لو اختلف الأجير والمستأجر في قصد الأفضل والتخيير كان القول قول المستأجر ، لأنه أبصر بنيته.

قال رحمه‌الله : إذا عقد الإحرام عن المستأجر عنه ، ثمَّ نقل النية إلى نفسه لم يصح ، فإذا أكمل الحجة وقعت عن المستأجر عنه ، ويستحق الأجرة ، ويظهر لي أنها لا تجزي عن أحدهما.

أقول : وقوعها عن المستأجر مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في التحرير ، لأن النقل غير صحيح ، وظاهر المصنف عدم الإجزاء عن أحدهما ، واختاره العلامة في القواعد ، وهو المعتمد ، أما عدم الإجزاء عن المستأجر [ف] لأن الأجير لم يوقع الأفعال عنه ، وأما عدم اجزائها عن الأجير [ف] لأن النقل غير صحيح.

تنبيه : يجب أن تكون أفعال الحج معلومة عند المتعاقدين لبطلان العقد على المجهول ، فإن علماها عند العقد فلا يجب ، وإن جهلاها أو أحدهما فلا بد من الإعلام ، وإذا وقعت الإجارة للحج والعمرة معا لا بد من تعيين النوع من التمتع أو القران أو الافراد لاختلاف الأغراض في ذلك ، فإذا وقعت

٤٠٦

على الحج خاصة لم يجب التعيين ويتخير بين القران والافراد ، وإن وقعت على العمرة فهي مفردة.

قال رحمه‌الله : وإن قصر حتى لا يرغب فيه أجير صرف في وجوه البر ، وقيل : يعود ميراثا.

أقول : إذا أوصى بالحج تطوعا وقصر الثلث حتى لا يرغب فيه أجير ، قال الشيخ : تصرف في وجوه البر ، لأنه خرج عن ملك الوارث بالوصية ، وإذا تعذر صرفه في نوع من أنواع الطاعات صرفت في غيره من أنواعها لاشتراكها في مطلق الطاعة ، وقيل : يرجع ميراثا ، لأن الوصية قد تعذر العمل بها فيبقى المال على ملك الورثة ، واختاره العلامة في القواعد وفخر الدين والشهيد.

قال رحمه‌الله : ومنهم من سوّى بين المنذورة وحجة الإسلام في الإخراج من الأصل والقسمة مع قصور التركة ، وهو أشبه. وفي الرواية : إذا نذر أن يحج رجلا ، ومات وعليه حجة الإسلام أخرجت حجة الإسلام من الأصل ، والمنذورة من الثلث ، والوجه التسوية ، لأنهما دين.

أقول : العمل بمضمون الرواية مذهب الشيخ رحمه‌الله واحمد بن الجنيد ومحمد بن بابويه ، وهي رواية ضريس بن أعين ، «قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل عليه حجة الإسلام ونذر في شكر ليحجن رجلا ، فمات الرجل الذي نذر قبل أن يحج حجة الإسلام وقبل أن يفي لله بنذره ، فقال : إن كان ترك مالا حج عنه حجة الإسلام من جميع ماله ، ويخرج من ثلثه ما يحج به عن المنذورة ، فان لم يكن ترك مالا إلا بقدر ان يحج عنه حجة ، حج عنه حجة الإسلام فيما ترك ، وحج عنه وليه النذر ، فإنما هو دين عليه (٢٢)».

والتسوية بينهما في وجوب الإخراج من الأصل ، والقسمة مع القصور

__________________

(٢٢) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٢٩ من أبواب وجوب الحج ، حديث ١.

٤٠٧

مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، لأنهما واجبتان فيجب إخراجهما من أصل المال كالدين ، وهو المعتمد.

واعلم أن مرادهم في القسمة مع القصور إذا كان يمكن إخراج الحجتين ولو من الميقات ، أما إذا لم تنهض التركة بهما من الميقات قدمت حجة الإسلام اتفاقا.

٤٠٨

أقسام الحج

قال رحمه‌الله : وهذا القسم فرض من كان بين منزله وبين مكة اثني عشر ميلا فما زاد من كل جانب ، وقيل : ثمانية وأربعون ميلا.

أقول : التحديد باثني عشر ميلا مذهب الشيخ في الجمل والمبسوط ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المصنف هنا والعلامة في القواعد والإرشاد ، والتحديد بثمانية وأربعين ميلا مذهب الشيخ في النهاية والتهذيب ، واختاره المصنف في المختصر ، والعلامة في المختلف والتحرير ، وجزم به الشهيد ، وحكى مذهب الشيخ في المبسوط ، قال : ولا نعلم مستنده ، وقال العلامة في المختلف : كأنه نظر إلى توزيع الثمانية والأربعون ميلا من أربع جوانب ، فكان قسط كل جانب ما ذكره في المبسوط ، وليس بجيد.

قال رحمه‌الله : ووقوعه في أشهر الحج ، وهو : شوال وذو القعدة وذو الحجة ، وقيل : عشرة من ذي الحجة ، وقيل : وتسعة من ذي الحجة ، وقيل : إلى طلوع الفجر من يوم النحر ، وضابط وقت الإنشاء ما يعلم أنه يدرك المناسك.

٤٠٩

أقول : حكى المصنف في تحديد أشهر الحج أربعة أقوال ، فالأول قول الشيخ في النهاية ، واختاره أحمد بن الجنيد والمصنف ، والثاني قول السيد المرتضى وابن أبي عقيل ، والثالث قول الشيخ في الجمل ، وبه قال ابن البرّاج ، والرابع قوله في الخلاف والمبسوط.

والنزاع هنا لفظي لا معنى له ، لأنه لا خلاف في وجوب إيقاع الموقفين فيما حد لهما من الزمان اختيارا أو اضطرارا ، ووجوب إيقاع الإحرام في وقت يعلم إدراك ذلك فيه ، وما زاد على ذلك من الطوافين والسعي والذبح ، فإنه يجزي في بقية ذي الحجة عند الجميع ، فالنزاع لفظي.

قال رحمه‌الله : ولو أحرم بحج التمتع من غير مكة لم يجزه ولو دخل مكة بإحرامه على الأشبه ، ووجب استئنافه منها. ولو تعذر ذلك ، قيل : يجزيه ، والوجه أنه يستأنفه حيث أمكن ، ولو بعرفة إن لم يتعمد ذلك ، وهل يسقط الدم والحال هذه؟ فيه تردد.

أقول : الإحرام من غير مكة لا يخلو إما أن يكون عامدا أو جاهلا أو ناسيا ، فإن كان عامدا لم يجزه ووجب عليه العود إلى مكة لإنشاء الإحرام ، فإن تعذر بطل حجه ، وأطلق الشيخ في المبسوط والخلاف الإجزاء مع تعذر الرجوع وعدم لزوم الدم ، والوجه البطلان مع التعمد وعدم إمكان الرجوع ، لأنه أحرم من غير الميقات عامدا فيكون باطلا.

وإن كان جاهلا أو ناسيا وجب العود مع المكنة ، ومع العدم (٢٣) يستأنف الإحرام ولو بعرفة.

وأما سقوط الدم فقد تردد فيه المصنف واستشكله العلامة في المختلف ،

__________________

(٢٣) في «ن» : العمد.

٤١٠

ولا أرى لهذا التردد وجها قويا على مذهب الخاصة ، لأن هذا الدم إما دم التمتع أو دم شاة ، والمختار عندهم انه دم التمتع ، وإنما يتوجه التردد فيه على القول بأنه جبران ، وهذا القول ضعيف جدا للإجماع على جواز الأكل منه ، والجبران لا يجوّز الأكل منه إجماعا أيضا ، وقطع في الخلاف والمبسوط أنه نسك لا جبران.

والقول بأنه جبران مذهب الشافعي ، فعنده أنه جبران للإحرام من غير الميقات ، وهو مردود ، لأن ميقات حج التمتع مكة ، وقال الشيخ في المبسوط :

ولو أحرم المتمتع من مكة وخرج منها إلى الميقات ومنه إلى عرفات صح ، واعتد بالإحرام من الميقات ، ولا يلزمه دم (٢٤) غير دم التمتع.

وهو يشعر بأنه جبران ، وقال الشافعي : إن أحرم بها من خارج مكة وعاد إليها فلا شي‌ء ، وإن لم يعد إليها ومضى على وجهه الى عرفات ، فان كان إنشاء الإحرام من الحل فعليه دم قولا واحدا ، وإن أنشأ من الحرم ، ففي وجوب الدم عليه قولان : أحدهما لا يجب ، لأن الحكم إذا تعلق بالحرم ولم يختص ببقعة منه كان الجميع فيه سواء بذبح الهدي ، والثاني يجب عليه الدم ، لأن ميقاته البلد الذي هو مقيم فيها ، وإذا ترك ميقاته وجب عليه الدم وإن كان ذلك كله من حاضري المسجد الحرام.

فعلى قول الشافعي هذا يتوجه تردد المصنف ، وهو ضعيف كما تراه إذ بناه على قاعدته ، وهو ان الهدي جبران للإحرام من غير الميقات.

وعلى القول بأن المراد به غير دم المتمتع إنما يتوجه على مذهب ضعيف متروك ، وهو قوله في المبسوط في باب المواقيت : من أخّر الإحرام عن الميقات

__________________

(٢٤) من «ن» و «ر ٢».

٤١١

عامدا وجب الرجوع إليه ، فإن لم يمكن فلا حج له ، وقد قيل : انه يجبره بدم وقد تمَّ حجه.

وهذا القول ضعيف متروك لا يوجب التردد ، فقد تبين ضعف هذا التردد على كل تقدير.

قال رحمه‌الله : فإن عدل هؤلاء إلى التمتع اضطرارا جاز ، وهل يجوز اختيارا؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأكثر ، ولو قيل بالجواز لم يلزمهم هدي.

أقول : جواز العدول اختيارا مذهب الشيخ في المبسوط ، لأنه أفضل ، ولأنه أتى بصورة الإفراد وزيادة غير منافية ، والمنع مذهبه في النهاية ، وهو مذهب ابني (٢٥) بابويه وابن أبي عقيل وابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره العلامة وهو المعتمد ، لقوله تعالى (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (٢٦) دل بمفهومه على أن من كان أهله حاضري المسجد الحرام لم يكن له ذلك.

والجواب عن حجة الأولين المنع من كونه أتى بصورة الإفراد ، لأنه أخلّ بالإحرام من ميقاته ، وأوقع مكانه العمرة ، وليس مأمورا بها ، فوجب أن لا يجزيه ، ولأنه أقل أفعالا لاشتماله على ثلاث طوافات والإفراد أربع طوافات ، ولا فرق عند الشيخ بين جواز العدول ابتداء وفسخا.

وعلى القول بالجواز ، هل يجب الهدي أو لا؟ قال الشيخ في المبسوط والخلاف بعدم الوجوب ، وهو قول المصنف هنا لقوله تعالى : (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ

__________________

(٢٥) في «ن» و «ر ٢» : ابن.

(٢٦) البقرة : ١٩٦.

٤١٢

أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) دل بمفهومه على أن الهدي لا يلزم من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام.

وفيه نظر ، لعموم قوله تعالى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (٢٧).

تنبيه : إذا عدل المتمتع إلى حج الإفراد لخوف ضيق الوقت وقصوره عن التحلل من العمرة وأنشأ الإحرام للحج ، أو خوف حصول الحيض قبل أربعة أشواط من طواف العمرة ، أو عدل القارن أو المفرد إلى التمتع لخوف العجز عن العمرة بعد الحج لفوات الرفقة ، أو لخوف طريان الحيض عند إرادتها ، أو للخوف من عدو يمنع الإحرام بها ، لا يخلو إما أن يكون العدول في الأثناء أو الابتداء ، فإن كان في الأثناء وجب نية العدول ، بأن يقول : (أعدل من عمرة التمتع إلى حج الإفراد حج الإسلام لوجوبه قربة الى الله) ، ثمَّ يخرج إلى عرفات ، وفي العكس يقول (اعدل من حج الإفراد إلى عمرة التمتع عمرة الإسلام لوجوبه قربة إلى الله تعالى).

وإن كان العدول ابتداء قبل التلبس بالمعدول عنها لا يفتقر إلى ذكر العدول بالنية بل ينشئ الإحرام بالنسك المعدول إليه من غير ذكر العدول ، والعدول واجب عند العذر المسوغ له ، لأنه لا يتم الواجب الا به ، وما لا يتم الواجب إلا به ، فهو واجب.

قال رحمه‌الله : لكن يجددان التلبية عند كل طواف لئلا يحلا على قول ، وقيل : إنما يحل المفرد دون السائق ، والحق أنه لا يحل إلا بالنية.

أقول : القارن والمفرد إذا دخلا مكة جاز لهما التطوع بالطواف قطعا ،

__________________

(٢٧) البقرة : ١٩٦.

٤١٣

وهل يجب عليهما تجديد التلبية عقيب صلاة الطواف بالوجوب؟ قال الشيخان وسلار بالوجوب ، لحصول التحليل بالطواف مع وجوب الوقوف محرما ، ووجوب تأخير التحليل إلى الحلق ، والتلبية موجبة يعقد الإحرام ، فتسد الخلل الحاصل للإحرام من الإخلال بالطواف ، فلو لم يلب بطلت حجته وصارت عمرة مفردة ، وفي رواية يونس بن يعقوب (٢٨) : وجوب التلبية على المفرد دون القارن.

وقال ابن إدريس : لا يحل إلا بالنية ولا يجب التلبية ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس في محررة ، وقالوا باستحباب التلبية ، وهو المعتمد ، لأن الأعمال بالنيات ، وهو لم ينو التحلل ، فهو باق على إحرامه.

تنبيه : هل يجوز للقارن والمفرد تقديم طوافهما وسعيهما على المضي إلى عرفات والوقوف بها اختيارا؟ بالمنع قال ابن إدريس لوجوب ترتيب المناسك ، والمشهور الجواز على كراهية.

قال رحمه‌الله : ويجوز للمفرد إذا دخل مكة أن يعدل إلى التمتع ، ولا يجوز ذلك للقارن.

أقول : إنما يجوز العدول إذا كان حجه ندبا ، أو نذر مطلقا ، أو متساوي المنزلين ، لا مطلقا ، ولا يلبي عقيب طوافه وسعيه ، ولو لبى أثم ولا تبطل متعته.

قال رحمه‌الله : ولو اقام من فرضه التمتع سنة أو سنتين لم ينتقل فرضه ، وكان عليه الخروج من الميقات إذا أراد حجة الإسلام ، ولو لم يتمكن من ذلك خرج إلى خارج الحرم ، فإن تعذر أحرم من موضعه ، فإن دخل في الثالثة مقيما ثمَّ حج انتقل فرضه الى القران أو الافراد.

__________________

(٢٨) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٥ من أبواب أقسام الحج ، حديث ٦.

٤١٤

أقول : مذهب المصنف هنا ـ وهو الانتقال بمضي سنتين ـ هو مذهب الشيخ في كتابي الأخبار ، واختاره العلامة في المختلف والتحرير.

وقال في النهاية والمبسوط : لا ينتقل فرضه عن التمتع إلا بمضي ثلاث سنين ، وبه قال ابن إدريس ، وهو ظاهر الشهيد ، والمعتمد الأول ، وعليه دلت الروايات الصحاح (٢٩).

تنبيه : هذا البحث فيمن لا يجب عليه الحج قبل المجاورة ، أما لو كان مستطيعا قبل المجاورة ووجب عليه الحج تمتعا فإنه لم ينتقل فرضه عن التمتع لاستقراره عليه تمتعا ، فلا يسقط عنه بالمجاورة.

قال رحمه‌الله : ولا يجوز القران بين الحج والعمرة بنية واحدة ، ولا إدخال أحدهما على الآخر ، ولا نية حجتين ولا عمرتين ، ولو فعل ، قيل : تنعقد واحدة ، وفيه تردد.

أقول : قال الشيخ في الخلاف من أهلّ بحجتين انعقد إحرامه بواحدة منهما ، وكان وجود الأخرى وعدمها سواء ، ولا يتعلق بها حكم فلا يجب قضاؤها ولا الفدية ، وهكذا من أهلّ بعمرتين ، أو بحجة ثمَّ ادخل عليها أخرى ، أو بعمرة ثمَّ ادخل عليها أخرى ، والكلام فيما زاد عليه كالكلام فيه سواء.

وتردد المصنف في انعقاد هذا الإحرام ، لأن الواجب عليه أحد النسكين ولا يتميز أحدهما عن الآخر إلا بالنية ، ولأنه عقده على وجه منهي عنه فلا يقع صحيحا ، وهو المعتمد.

__________________

(٢٩) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٩ من أبواب أقسام الحج.

٤١٥
٤١٦

في المواقيت

قال رحمه‌الله : ولو حجّ على طريق لا يفضي إلى أحد المواقيت ، قيل : يحرم إذا غلب على ظنه محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة.

أقول : القول الذي حكاه المصنف هو قول الشيخ في المبسوط ، وهو المعتمد ، وقال ابن الجنيد : ومن سلك البحر أو أخذ طريقا لا يمر فيه على هذه المواقيت كان إحرامه من مكة بقدر أقرب المواقيت إليها ، وقال ابن إدريس :

وميقات أهل البحر جدّة.

فرعان :

الأول : يكفي غلبة الظن في المحاذاة ، فلو تبين تقدم الإحرام على الميقات أعاد ، ولو تبين تأخره أجزأ.

الثاني : لو لم يحاذ ميقاتا احتمل الإحرام من أدنى الحل ، وهو المعتمد ، لأنه ميقات للمضطرين كالناسي ، وهذا مضطر لتعذر الميقات ومحاذاته عليه ، ويحتمل الإحرام من مساواة أقرب المواقيت إلى مكة ، كما ذهب إليه ابن الجنيد ، لأن الاعتبار بالمحاذاة انما هو المساواة.

٤١٧

قال رحمه‌الله : لو نسي الإحرام ولم يذكر حتى أكمل مناسكه ، قيل : يقضي إن كان واجبا ، وقيل : يجزيه ، وهو المروي.

أقول : المشهور عند الأصحاب الإجزاء ، وهو المعتمد ، ومستندهم رواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليهما‌السلام «قال : سالته عن رجل كان متمتعا خرج إلى عرفات وجهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده؟ قال : إذا قضى المناسك كلها فقد تمَّ حجه» (٣٠) ، وفي معناها رواية جميل بن دراج ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، «في رجل نسي أن يحرم ، أو جهل وقد شهد المناسك كلها وطاف وسعى ، قال : يجزيه نيته إذا كان قد نوى ذلك ، وقد تمَّ حجه وإن لم يهلّ» (٣١) وفيها دلالة على ان المنسي هو التلبيات دون النية ، وهذه وإن كانت قاصرة الدلالة لكونها مرسلة ، أو لاقتضائها تنزيل الجهل منزلة النسيان ـ مع ان جاهل الحكم لا يعذر ـ فهي معتضدة يعمل الأصحاب إلا ابن إدريس ، فإنه أوجب القضاء ، قال : لأنه لم يأت بالعبادة على وجهها فيبقى في العهدة.

ونسب المصنف قوله في المختصر إلى الترجيح ، لأنه اجتهاد في مقابلة نص ، قال في المعتبر : ولست أدري كيف تخيل له هذا الاستدلال ولا كيف يوجبه ، فإن كان يقول الإخلال بإحرام إخلال بالنية في بقية المناسك ، فنحن نتكلم على تقدير إيقاع نية كل منسك على وجهه ظانا انه أحرم أو جاهلا بالإحرام ، فالنية حاصلة مع إيقاع كل منسك ، فلا وجه لما قاله. هذا آخر كلامه في المعتبر.

__________________

(٣٠) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٢٠ من أبواب المواقيت ، حديث ١.

(٣١) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٢٠ من أبواب المواقيت ، حديث ٢.

٤١٨

في أفعال الحج

قال رحمه‌الله : والمقدمات كلها مستحبة ، وهي : توفير شعر رأسه من ذي القعدة إذا أراد التمتع ، ويتأكد عند هلال ذي الحجة على الأشبه.

أقول : ذهب المفيد رحمه‌الله إلى وجوب توفير الشعر ، قال : إذا أراد الحج فليوفر شعر رأسه في مستهل ذي القعدة ، فإن حلقه في ذي القعدة كان عليه دم يهرقه ، وهو ظاهر النهاية أيضا ، لرواية معاوية بن عمار (٣٢) ، عن الصادق عليه‌السلام.

وقال في الجمل : إنه مستحب ، واختاره ابن إدريس وأكثر الأصحاب ، وهو المعتمد ، لأصالة البراءة ، ولرواية سماعة (٣٣) ، عن الصادق عليه‌السلام.

قال رحمه‌الله : وقيل ان لم يجد ماء تيمم له.

أقول : القول المحكي هو قول ابن إدريس ، وجزم به العلامة في

__________________

(٣٢) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٢ من أبواب الإحرام ، حديث ٤.

(٣٣) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٢ من أبواب الإحرام ، حديث ٣.

٤١٩

القواعد ، وحكاه في التحرير ولم يتعرض له بقوة ولا ضعف ، وكذلك الشهيد.

والتحقيق : إن قلنا : إنه سنّ للتعبد استحب التيمم عند فقد الماء ، وإن قلنا : إنه سن لإزالة الدرن لم يستحب لعدم الفائدة.

قال رحمه‌الله : وان يحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة الظهر أو فريضة غيرها ، وإن لم يتفق صلى للإحرام ست ركعات ، وأقله ركعتان يقرأ في الأولى : الحمد ، وقل يا أيها الكافرون ، وفي الثانية : الحمد ، وقل هو الله أحد ، وفيه رواية أخرى. ويوقع نافلة الإحرام تبعا له ولو كان وقت فريضة مقدما للنافلة ما لم يتضيق وقت الحاضرة.

أقول : الرواية الأخرى بالعكس ، وهو أن يقرأ في الأولى : الحمد ، وقل هو الله احد ، وفي الثانية : الحمد ، وقل يا أيها الكافرون ، وبها أفتى ابن إدريس ، وبأي الروايتين (٣٤) عمل أتى بالمستحب.

فإن قيل : إن المصنف قال : ويحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة غيرها وإن لم يتفق صلى للإحرام ست ركعات ، وأقله ركعتان ، فقد رتب نافلة الإحرام على عدم اتفاق الفريضة ، ثمَّ قال : ويوقع نافلة الإحرام تبعا له ولو كان وقت فريضة مقدما للنافلة ما لم يتضيق وقت الحاضرة. وهذا يشعر بالتناقض ، لأنه رتب في الأول فعل النافلة على عدم اتفاق الفريضة ، ثمَّ قدم ثانيا النافلة على الفريضة ما لم تتضيق الفريضة ، وهذا هو التناقض بعينه.

الجواب : لا نسلم حصول التناقض ، لأن الشارع قد عين الإحرام نافلة مخصوصة ، وجعل أفضله الواقع عقيب فريضة الظهر ، أو فريضة غيرها ،

__________________

(٣٤) الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ١٥ من أبواب القراءة ، حديث ١ و ٢ ، وفي المدارك أنه لم يعثر على مستند ما في المتن ـ ٧ : ٢٥٦.

٤٢٠