غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ١

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ١

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

والقضاء ، ولا يحصل إلا به فيكون أولى ، وللرواية المتضمنة لتتابع الستة وتفريق الباقي ، وهي رواية عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «سألته عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان كيف يقضيها؟ فقال : إن كان عليه يومان فليفطر بينهما يوما ، وإن كان عليه خمسة فليفطر بينهما أياما ، وليس له ان يتابع أكثر من ستة أيام متوالية ، وان كان عليه ثمانية أو عشرة أفطر بينها يوما» (٤٢).

قال رحمه‌الله : وان استمر المرض الى رمضان آخر سقط قضاؤه على الأظهر ، وكفر عن كل يوم من السالف بمد من طعام.

أقول : سقوط القضاء مذهب الشيخ وابن الجنيد وابن البراج ، واختاره المصنف والعلّامة وأبو العباس ، لأن العذر قد استوعب وقت الأداء والقضاء ، فوجب أن يسقط عنه القضاء كسقوط الأداء.

وعدم السقوط مذهب ابن إدريس وأبي الصلاح ، لعموم قوله تعالى : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) (٤٣) ، لأن العبادة لا تسقط بفوات وقتها كالدين.

فرع : لو كان العذر غير المريض كالسفرة الطويلة بحيث يمتد إلى الرمضان الثاني تعين القضاء بعد الثاني ولم يعوض عنه بالفدية ، لاختصاص النص (٤٤) بعذر المرض.

قال رحمه‌الله : ولا يقضي الولي إلا ما تمكن الميت من قضائه وأهمله ، إلا ما يفوت بالسفر فإنه يقضى ولو مات مسافرا على رواية.

__________________

(٤٢) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ٢٦ من أبواب أحكام شهر رمضان ، حديث ٦.

(٤٣) البقرة : ١٨٥.

(٤٤) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ٢٥ من أحكام شهر رمضان.

٣٤١

أقول : الرواية إشارة إلى ما رواه منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في رجل سافر في شهر رمضان فيموت؟ قال يقضى عنه ، وإن امرأة حاضت في شهر رمضان فماتت لم يقض عنها ، والمريض في شهر رمضان لم يصح حتى مات لم يقض عنه» (٤٥) ، وبمضمونها افتى الشيخ في التهذيب.

والمشهور مراعاة التمكن ، فان تمكن من القضاء ولم يقض وجب على وليه القضاء عنه ، ومع عدم التمكن لم يجب القضاء ، لأن وجوب القضاء على الولي تابع لوجوبه على الميت ، وغير المتمكن لا يجب عليه فلا يجب على وليه.

قال رحمه‌الله : ولو كان له وليان أو أولياء متساوون في السن تساووا في القضاء ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه من أن لفظة الولي يراد بها الواحد ، والتعدد ضد الوحدة فيسقط القضاء ، لأصالة البراءة ، والاقتصار على مورد النص (٤٦) وهو الولي الواحد ، ومن أن كل واحد من المتعددين لو انفرد لوجب عليه قطعا فلا يسقط مع الاجتماع ، وعلى هذا جمهور الأصحاب وابن إدريس على الأول ، وقال ابن البرّاج بالقرعة إذا لم يتبرع به أحدهم.

فروع :

الأول : لو تبرع غير الولي بالقضاء احتمل قويا الاجزاء ، لأنه كالدين فيجوز التبرع بقضائه ، ويحتمل العدم ، لأنه حق بدني وجب على مكلف به وجوبا شرعيا ، فلا يجوز التبرع به عن الغير كالعبادة اللازمة للمكلّف بالأصل ، واستقرب في التحرير عدم الإجزاء مع عدم إذن الولي ، ومعه قال : فيه نظر ، ولم يفت بشي‌ء.

__________________

(٤٥) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ٢٣ من أحكام شهر رمضان ، حديث ١٥.

(٤٦) راجع الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.

٣٤٢

الثاني : لو استأجر الولي غيره جاز ، سواء كان عاجزا أو قادرا عليه ، وكذا الكلام في الصلاة ، وهو اختيار الشهيد وأبي العباس ، ويحتمل المنع لما قلناه في الفرع الأول.

الثالث : لا يشترط الترتيب في قضاء الصوم ، ولو كان عليه عشرة أيام وصامها عنه عشرة في يوم واحد أجزأ ، بخلاف الصلاة فإن الترتيب فيها واجب.

الرابع : لو مات الولي ولم يقض ، فإن لم يتمكن من القضاء فلا شي‌ء على وليّه ، وإن تمكن اختار الشهيد الوجوب على وليّه ، ويحتمل الصدقة من تركته ، والاستيجار.

الخامس : لا فرق فيما يجب قضاؤه عن الميت بين أن يكون لازما بالأصل كرمضان ، أو بالعارض كالنذر وشبهه ، إذا تمكن من فعله ومات ولم يفعله.

السادس : إذا فضل يوم مع تعدد الأولياء كان فرض كفاية ، فإن قام به بعض سقط عن الباقين وإن لم يقم به أحدهم ألزم الجميع من غير تخصيص ، فإن استأجروا واحدا منهم عن حصصهم جاز على القول بجواز الاستئجار ، ولو استأجروه عن الجميع بطل في قدر حصته واسترجع منه من الأجرة بقدرها ، ولو صاموه جميعهم أجزأ ، فإن كان قضاء عن رمضان وأفطروا بعد الزوال احتمل سقوط الكفارة ، لأصالة براءة الذمة واختصاصها بالقاضي عن نفسه ، ويحتمل وجوب كفارة واحدة على الجميع ، ويكون فرض كفاية على الجميع كالأصل ، ويحتمل وجوبها على كل واحد منهم بإفطاره في قضاء رمضان بعد الزوال ، ويحتمل وجوبها على من أفطر أخيرا ، لتعيّن الصوم عليه بإفطار اخوته ، ولو بقي أحدهم على الصوم لم يجب على المفطر شيئا لتحقق صوم القضاء.

السابع : لو تصدق الولي ـ عن كل يوم بمد ـ عن الواجب على الميت لم يجز ، سواء كان من مال الميت أو من مال الولي ، وظاهر الشيخ في الجمل والمبسوط الجواز ، أما لو كان عليه شهران متتابعان فصام الولي شهرا وتصدق

٣٤٣

من مال الميت عن شهر أجزأ لرواية الوشاء (٤٧) ، عن الرضا عليه‌السلام ، والصدقة عن الشهر الثاني ، وأوجب ابن إدريس قضاءهما إلا أن يكونا من كفارة مخيرة فيتخير.

قال رحمه‌الله : وهل يقضى عن المرأة ما فاتها؟ فيه تردد.

أقول : من أن الغالب تساوي الذكور والإناث في الأحكام الشرعية ، ولأن إبراء ذمم المكلفين أمر مطلوب للشارع قضية لحكمته تعالى ورحمة منه على العالمين ، ومن اختصاص النص (٤٨) بالوالد فلا يتعدى الى غيره ، ولأصالة براءة الذمة.

وبالأول قال الشيخ في النهاية والمبسوط والعلّامة في المختلف ، واختاره أبو العباس ، والثاني قاله ابن إدريس.

أما العبد فلا يقضى عنه على المختار عند الأصحاب.

قال رحمه‌الله : وإذا لم يكن له ولي أو كان الأكبر أنثى سقط القضاء ، وقيل : يتصدق عن كل يوم بمد من تركته.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا لم يكن له ولي ، وفيه ثلاثة أقوال :

الأول : السقوط لا إلى بدل ، وهو قول ابن إدريس ، واختاره المصنف لأصالة البراءة.

الثاني : الاستيجار من التركة كالاستيجار للحج ، وهو مذهب أبي الصلاح الحلبي.

الثالث : الفدية عن كل يوم بمد ، قاله الشيخ ، واختاره العلّامة

__________________

(٤٧) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ٢٤ من أحكام شهر رمضان ، حديث ١.

(٤٨) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ٢٣ من أحكام شهر رمضان.

٣٤٤

والشهيد ، واستند الجميع الى الروايات (٤٩).

الثانية : إذا كان الأكبر أنثى ، قال : الشيخ بوجوب الصدقة من تركته عن كل يوم بمد ، وهو مذهب ابن حمزة وابن إدريس ، واختاره العلّامة ، وقال المفيد : فإن فقد أكبر الولد فأكبر أهله من الذكور ، فإن فقدوا فالنساء.

وفي هذا الكلام حكمان ، الأول : أن الولاية لا تختص بالأولاد. الثاني :

مع فقد الذكور يكون الولي هو الأكبر من النساء ، وبه قال ابنا بابويه (٥٠) ، وهو ظاهر ابن الجنيد ، واختاره الشهيد ، قال : وهو ظاهر القدماء والاخبار ، والمختار الأول.

احتج الأولون بأصالة البراءة ، والآخرون بأنه يصدق عليه اسم الولي فيتناوله الأمر.

قال رحمه‌الله : إذا نسي غسل الجنابة ومر عليه أيام أو الشهر كله ، قيل : يقضي الصلاة والصوم ، وقيل : يقضي الصلاة حسب ، وهو الأظهر.

أقول : قضاء الصوم والصلاة مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط وبه قال محمد بن بابويه ، واختاره العلامة وأبو العباس ، لأنه أخلّ بشرط الصوم ـ وهو الطهارة من الجنابة في أول النهار مع علمه بالحدث ـ فكان عليه القضاء ، والنسيان عذر في سقوط الإثم وما يترتب عليه من الكفارة لا في سقوط القضاء ، ولأنه لم يأت بالمأمور على وجهه فيبقى في عهدة التكليف.

وذهب ابن إدريس إلى عدم قضاء الصوم ، واختاره المصنف ، لأن الصوم ليس من شرطه الطهارة من الجنابة مع عدم الذكر ، وإلا لم يصح ممن

__________________

(٤٩) راجع الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ٢٣ من أبواب أحكام شهر رمضان. وصرح السيوري : بأن الحلبي قاس مسألتنا هذه على مسألة الحج ، وهو ينبئ عن عدم وجود نص له في إ.

(٥٠) في «ن» و «ر ٢» : ابن بابويه.

٣٤٥

حصلت له في النهار أو من الليل ثمَّ يغلب عليه النوم حتى يصبح ، وإنما الشرط عدم البقاء على الجنابة ، وهذا لم يتعمد فلا يبطل صومه ، ولأصالة براءة الذمة من وجوب القضاء ما لم يرد الدليل.

٣٤٦

في الكفارات

قال رحمه‌الله : ما يجب فيه الصوم مع غيره : وهو كفارة القتل العمد ، فإن خصالها الثلاث تجب جميعا ، وألحق بذلك من أفطر على محرم في شهر رمضان عامدا على رواية.

أقول : قد سبق البحث في هذه المسألة (٥١) ولا فرق بين ان يكون محرما بالأصل أو بالعارض.

قال رحمه‌الله : وفي كفارة جزاء الصيد تردد ، وتنزيلها على الترتيب أظهر ، وألحق بهذا كفارة شق الرجل ثوبه على زوجته أو ولده ، وكفارة خدش المرأة وجهها ونتفها بشعر رأسها.

أقول : التخيير في كفارة الصيد مذهب ابن إدريس ، واختاره العلّامة في المختلف ، والترتيب مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال محمد بن بابويه ، واختاره المصنف ، واستدل الجميع بالروايات (٥٢) ، وسيأتي البحث في كفارة

__________________

(٥١) ص ٣١٨.

(٥٢) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٢ من أبواب كفارات الصيد ، وباب ١٤ من أبواب بقية كفارات الإحرام.

٣٤٧

شق الثوب وخدش الوجه ونتف الشعر إنشاء الله تعالى.

فرع : المشهور أن من وجب عليه القضاء والكفارة يقدم ما شاء منهما مع اتساع الوقت ، وإن تضيق القضاء بان تضيق الرمضان الثاني وجب تقديم القضاء ، ومنع ابن أبي عقيل من صوم النذر والكفارة لمن عليه قضاء رمضان ، لأنه كالأصل ، ولأنه وجب بأصل الشرع فيكون أولى ، فالعمل على المشهور ، لاشتراك الجميع في الوجوب فمع عدم التضيق يتخير المكلف في تقديم ما شاء ، فان كان النذر معينا بزمان تعين ذلك الزمان له.

فرع آخر : لو كان عليه قضاء رمضان ونذر صوم شعبان تلك السنة ، أو كان عليه صوم شعبان دائما ثمَّ وجب عليه قضاء رمضان ، احتمل قويا تضيق القضاء في رجب لمساواة شعبان لرمضان في تعين صومه لغير القضاء ، ولو أهمله متهاونا حتى هلّ شعبان ، صام شعبان للنذر وقضى رمضان بعد رمضان ، ثمَّ يكفر عن كل يوم بمد ، وإن كان غير متهاون قضاه بعد رمضان ولا كفارة.

ويحتمل ضعيفا عدم التضيق في رجب لإطلاق الأصحاب عدم التضيق ما لم يتضيق الرمضان الثاني ، فحينئذ يتخير في شعبان إن شاء صامه عن النذر ثمَّ يقضي رمضان بعد رمضان مع الكفارة على التفصيل السابق ، وإن شاء صام القضاء ثمَّ يقضي النذر بعد رمضان ويلزمه كفارة خلف النذر ، لأن العذر ما لا يمكنه معه الفعل كالمرض أو يمكنه ولا يصح منه كالحيض ، وهذا يمكنه ويصح منه فلا عذر له.

قال رحمه‌الله : وألحق به من وجب عليه شهر في كفارة قتل الخطأ أو الظهار لكونه مملوكا ، وفيه تردد.

أقول : الضمير في قوله : (وألحق به) أي : من وجب عليه شهر متتابع بنذر. ووجه التردد من أن حمله على النذر وعلى الحر قياس لا يجوز العمل به ،

٣٤٨

فيبقى على أصالة وجوب التتابع ، ومن أن كفارة العبد نصف الحر فكما كان التنصيف في العدد فكذلك يكون في الوصف ، وكما حصل التتابع بشهر ويوم من الآخر للحر ، فكذا يحصل بنصف شهر للعبد ، لأن الشهر في معرض النقصان ، فلو أوجبنا عليه ستة عشر يوما لزدنا على حكم الشهرين.

تنبيه : لا يكفي مجاوزة النصف في الشهر المعين مطلقا ، سواء قيده بالتتابع أو لم يقيده لتعينه بالنذر. وإنما يكفي في المطلق المقيد بالتتابع ، كأن يقول : لله عليّ أن أصوم شهرا متتابعا ، فهذا يكفي فيه تتابع النصف ويجوز تفريق النصف الآخر ، وإن لم يقيده بالتتابع لم يجب تتابع شي‌ء منه ، ولو زاد نذر الصوم المتتابع على الشهر أو الشهرين لم يجز تفريق شي‌ء منه ووجب متابعة الجميع ، لوجوب مراعاة الشرط في النذر ، خرج منه الشهر أو الشهران لورود النص (٥٣) وفتوى الأصحاب ، يبقى الباقي على المنع من مخالفة ما شرطه الناذر ، والشيخ طرد الحكم في السنة ، والمشهور الأول.

قال رحمه‌الله : وقيل : القاتل في أشهر الحرم يصوم شهرين منها ولو دخل فيهما العيد وأيام التشريق ، والأول أشبه.

أقول : القائل بذلك هو الشيخ معتمدا على رواية زرارة (٥٤) ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، والمشهور تحريم صوم أيام التشريق مطلقا ، سواء كان في كفارة أو غيرها ، وإنما يحرم صوم أيام التشريق على من كان بمنى لا مطلقا ، واشترط العلامة كونه ناسكا لا مطلقا ، وجزم به في القواعد ولم يجزم في التحرير ، بل قال : فيه نظر ، وأكثر فتاوي الأصحاب إطلاق التحريم من غير قيد

__________________

(٥٣) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ٣ وباب ٥ من أبواب بقية الصوم الواجب.

(٥٤) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ٨ من أبواب بقية الصوم الواجب ، حديث ١ و ٢.

٣٤٩

بنسك حج أو عمرة ، لإطلاق الروايات (٥٥) الخالية عن قيد الإحرام ، وكأن العلامة نظر إلى عدم تحريم صوم أيام التشريق في غير منى فلا علة لتحريمها حينئذ في منى إلا كونه محرما بحج أو عمرة ، ولمانع أن يمنع كون الإحرام علة التحريم.

__________________

(٥٥) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ٢ من أبواب الصوم المحرم والمكروه.

٣٥٠

في الصوم المكروه والمحظور

قال رحمه‌الله : وصوم الضيف نافلة بغير إذن مضيفه ، والأظهر أنه لا ينعقد مع النهي.

أقول : وجه عدم انعقاده مع النهي أنه يكون صوما منهيا عنه والنهي يدل على الفساد ، ويحتمل الانعقاد ، لأصالة الصحة.

قال رحمه‌الله : وصوم الوصال ، وهو أن ينوي صوم يوم وليلة إلى السحر ، وقيل : هو أن يصوم يومين مع ليلة بينهما.

أقول : مذهب الشيخين هو أن يجعل عشاءه سحوره وعليه أكثر الأصحاب ، واختاره العلامة ، لأنه مخالف لوضع الشرع لأن الشارع أوجب الصيام إلى الليل فمن تعداه كان مبدعا.

وقال ابن إدريس : هو أن يصوم يومين من غير أن يفطر بينهما.

تنبيه : انما يحرم الإمساك بعد الغروب ويسمى صوم الوصال على التفسيرين إذا كان مع النية ، أما لو أمسك من غير نية ولا قصد الصوم لم يكن حراما ، سواء كان بعض الليل أو كله ، ومع النية يحرم وإن قل الزمان لمخالفة الشارع ، لأن المخالفة تصدق على القليل كما تصدق على الكثير.

٣٥١
٣٥٢

في اللواحق

قال رحمه‌الله : الشرائط المعتبرة في قصر الصلاة معتبرة في قصر الصوم ، ويزيد على ذلك تبييت النية ، وقيل : لا يعتبر ، بل يكفي خروجه قبل الزوال ، وقيل : لا يعتبر أيضا ، بل يجب القصر ولو خرج قبل الغروب ، والأول أشبه.

أقول : تبييت النية من الليل مذهب الشيخ في النهاية ، لأنه إذا لم ينو السفر من الليل أصبح صائما صوما مشروعا فلا يبطل بالسفر ، لأنه قد حصل بعد انعقاد العبادة ، وعدم اعتبار النية والاكتفاء بالخروج قبل الزوال مذهب المفيد وابن الجنيد ، واختاره العلامة وأبو العبّاس ، لأنه مع الخروج قبل الزوال يمضي عليه أكثر النهار مسافرا وكان له حكم جميعه على ما عهد في عرف الشرع من اعتبار الأكثر كاعتبار الجميع ، ولأن هذا الزمان محل النية للساهي وللجاهل بوجوب صوم ذلك اليوم ، فوجب أن يكون محل النية في الإفطار لمن تجدد له عزم السفر المنافي للصوم ، وأما وجوب الإتمام مع الخروج بعد الزوال فلأنه صام أكثر النهار ، فوجب أن يكون للأقل حكم الأكثر ، لأن حكم الأكثر حكم الجميع.

٣٥٣

وأما القصر ولو خرج قبل الغروب فهو مذهب علي بن بابويه ، لصدق اسم السفر عليه فيدخل في عموم الآية (٥٦) الموجبة للقصر على الصائم ، ولان السفر مناف للصوم والصوم عبادة فلا يقبل التجزي ، وقد حصل المنافي في جزء منه فأبطله ، فيبطل أجمع ببطلان جزئه.

قال رحمه‌الله : وكل سفر يجب قصر الصلاة فيه يجب قصر الصوم وبالعكس ، إلا الصيد للتجارة على قول.

أقول : قد سبق البحث في هذه المسألة في كتاب الصلاة (٥٧).

قال رحمه‌الله : وقيل : يلزمهم الإتمام مطلقا عدا المكاري.

أقول : قد سبق (٥٨) البحث في هذه أيضا.

قال رحمه‌الله : الهمّ والكبيرة وذو العطاش يفطرون في رمضان ويتصدقون عن كل يوم بمد من طعام. ثمَّ إن أمكن القضاء وجب وإلا سقط.

وقيل : إن عجز الشيخ والشيخة سقط التكفير ، كما يسقط الصوم ، وإن أطاقا بمشقة كفّرا ، والأول أظهر.

السابعة : الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن يجوز لهما الإفطار في رمضان ، وتقضيان مع الصدقة عن كل يوم بمد من طعام.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : الشيخ والشيخة لو عجزا عن الصيام أفطرا وسقط القضاء عنهما ، وهل يجب الكفارة؟ قال الشيخ وابن أبي عقيل وابن الجنيد وابن البرّاج

__________________

(٥٦) البقرة : ١٨٤.

(٥٧) ص ٢٢٥.

(٥٨) ص ٢٢٦.

٣٥٤

بالوجوب ، واختاره المصنف وأبو العباس في المحرر ، وبه قال الشهيد ، والمستند الأحاديث (٥٩).

وقال المفيد تسقط الكفارة مع تحقق العجز ويجب إن طاقاه بمشقة ، وبه قال السيد المرتضى وسلار وابن إدريس ، واختاره العلامة ، لقوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) (٦٠) دلّ بمفهومه على سقوط الفدية عن الذي لا يطيقه ، ولأنه عاجز عن الصوم فيسقط عنه أداء وقضاء ، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق ، والكفارة إما بدل عن فعل واجب أو مسقط لذنب صدر عن فعل المكلف ، وهما منفيان هنا ، ولو عجز عن الصدقة سقطت إجماعا.

الثانية : ذو العطاش ، وهو قسمان ، إما أن يرجى زواله أو لا ، فالأول يفطر ويقضي مع البرء ، وهل يجب الكفارة؟ قال الشيخ : نعم ، وبه قال سلّار وابن حمزة وابن البرّاج ، واختاره أبو العباس في المحرر ، لأنه أفطر لمصلحته فوجب عليه الكفارة كالشيخ العاجز ، وقال المفيد والسيد المرتضى : لا يجب ، لأصالة براءة الذمة ، ولأنه مريض فلا يجب عليه كفارة مع القضاء كغيره ، واختاره العلامة في المختلف.

والثاني ـ وهو الذي لا يرجى زواله ـ لا قضاء عليه ، وهل يجب الكفارة؟ قال الشيخ : نعم ، وبه قال السيد المرتضى وابن إدريس ، واختاره العلامة وأبو العباس في المحرر ، لأنه عجز عن الصيام أداء وقضاء فكان عليه الصدقة ، كما لو استمر به المرض إلى رمضان آخر.

وقال سلّار لا يجب الكفارة ، لأصالة براءة الذمة.

__________________

(٥٩) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ١٥ من أبواب من يصح منه الصوم.

(٦٠) البقرة : ١٨٤.

٣٥٥

الثالثة : الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن ، والبحث فيهما في حكمين :

الأول : في وجوب القضاء ، وقد جزم به المصنف ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لأنهما أفطرا لمصلحتهما فوجب عليهما القضاء كالمريض ، ولأن القضاء وجب مع الإفطار بأبلغ الاعذار وهو المرض ، فوجوبه مع الأدنى أولى ، وقال ابن بابويه في الرسالة : لا يجب القضاء ، بل يجب الصدقة عن كل يوم بمد ، لأصالة براءة الذمة من وجوب القضاء ، ولأنه إنما يجب بأمر جديد ، ولأنهما أفطرتا بالعذر فاشبهتا الشيخ الفاني.

الثاني : وجوب الفدية ، وهو المشهور ، وقال ابن الجنيد بالاستحباب.

فروع :

الأول : لو خافت المرأة على نفسها لا على الولد جاز لها الإفطار ، وهل يجب الفدية؟ يحتمل ذلك ، لأن الرواية (٦١) وردت مطلقة ، ولكن قيدوا بالولد ، ويحتمل عدم الوجوب ، لأن مع الخوف على الولد تكون كالمريض وهو لا فدية عليه ، ولأصالة براءة الذمة.

الثاني : هذه الفدية من مالها وان كانت ذات بعل.

الثالث : لا فرق في خوف المرأة على ولدها نسبا أو رضاعا ، ولا فرق بين المستأجرة والمتبرعة ما لم تقم غيرها مقامها.

الرابع : لو قام غير الأم مقامها في الرضاع روعي صلاح الطفل ، فإن تساوتا وتبرعت الأجنبية بالرضاع من غير أجرة ، أو طلبت أجرة مساوية لأجرة الأم ـ ان كانت مستأجرة ـ لم يجز الإفطار ، لعدم الضرورة حينئذ ، وإن كانت

__________________

(٦١) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ١٧ من أبواب من يصح منه الصوم.

٣٥٦

الأم أرفق في الولد أو كان لبنها أنفع من لبن غيرها جاز لها الإفطار وإن تبرعت الأجنبية.

ويحتمل عدم الالتفات إلى الأجنبية مطلقا لعموم قولهم : «أفضل ما يرضع الولد لبان امه» (٦٢) وذلك لا يخلو من حكمة إما ظاهرة في جسمه أو باطنة في أخلاقه ، وهذا ليس بعيدا من الصواب ، والتفصيل الأول مذهب الشهيد في دروسه.

الخامس : هذا الإفطار واجب مع ظن الضرر بتركه ، ولو صامت حينئذ لم يجز صومها ووجب قضاؤه ، لكونه منهيا عنه ، والنهي يدل على الفساد.

السادس : يجوز الإفطار مع خوف التلف ، ولا فرق بين العطش والجوع ، ولا بين الهرمين والشابين ، والذي يسوغ إنما هو قدر دفع الضرورة ، فلو تجاوزها وجب القضاء والكفارة ، ولو خاف التخلف عن الرفقة في الحال أو في المستقبل بسبب ترك الشبع جاز حينئذ ولا إثم ولا كفارة.

قال رحمه‌الله : من نام في رمضان واستمر نومه ، فإن كان نوى الصوم فلا قضاء عليه ، وإن لم ينو فعليه القضاء ، والمجنون والمغمى عليه لا يجب على أحدهما القضاء ، سواء عرض ذلك أياما أو بعض يوم ، وسواء سبقت منهما النية أو لم تسبق ، وسواء عولج بما يفطر أو لم يعالج على الأشبه.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : النائم إذا نوى ليلا ثمَّ استمر النوم به إلى آخر النهار صح صومه ولا قضاء عليه ، وان لم ينو فإن استيقظ قبل الزوال جدد النية ولا قضاء عليه أيضا ، وإلا وجب القضاء ، وإن استمر به النوم أياما صح صومه أول يوم

__________________

(٦٢) الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٦٨ ، حديث ٢ وباب ٧٨ حديث ٥ من أبواب أحكام الأولاد.

٣٥٧

إن كان قد نوى صومه ووجب قضاء الباقي لعدم حصول النية المشترطة في كل يوم ، وإن نام ولم ينو قضى الجميع ، هذا هو المحقق عند الأصحاب ، وعلى القول بإجزاء النية المتقدمة عليه أو الاكتفاء بنية واحدة من أوله لا يجب القضاء مع وقوع أحدهما منه.

وقال ابن إدريس : النائم غير مكلف بالصوم وصومه غير شرعي ، فعلى هذا لا يجب القضاء مطلقا ، سواء نام يوما أو أياما ، وسواء سبقت النية أو لم تسبق.

الثانية : في المجنون والمغمى عليه ، وأوجب الشيخ القضاء عليهما بتناول المفطر أو طرح في حلق أحدهما على وجه المداواة ، قال : لأن ذلك لمصلحته سواء أفاق في بعض النهار أو لم يفق ، وقال ابن إدريس بعدم وجوب القضاء ، لأنه غير مكلف فلا يجب عليه بتناول المفطر شي‌ء ، وهو المشهور عند المتأخرين.

قال رحمه‌الله : ومن يسوغ له الإفطار في شهر رمضان يكره له التملي من الطعام والشراب ، وكذا الجماع ، وقيل : يحرم ، والأول أشبه.

أقول : في هذه المسألة ثلاثة مذاهب : تحريم الجماع والتملي ، وكراهتهما معا ، وتحريم الجماع وكراهة التملي ، فتحريم الجماع والتملي من الطعام مذهب أبي الصلاح ، وكراهتهما معا مذهب ابن الجنيد ، وتحريم الجماع وكراهة التملي مذهب الشيخ.

وأكثر المتأخرين على الكراهة في الجميع ، لقوله تعالى (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) (٦٣) الآية ، فإن معناه تسويغ الإفطار ،

__________________

(٦٣) البقرة : ١٨٥.

٣٥٨

والمفطر لا يحرم عليه شي‌ء ، ولعموم قوله تعالى (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ) (٦٤) والمانع لا يصلح للمانعية ، لأن المانع إنما هو رمضان ، وإنما يكون مانعا لو وجب صومه ، والتقدير أنه غير واجب ، فلا يكون مانعا.

واحتج المانع بالروايات (٦٥) الدالة على مطلوبه ، ولأن رمضان له حرمة عظيمة ، وانما رخص للمسافر في الإفطار والتقصير في الصلاة لموضع التعب ووعث السفر رحمة وتخفيفا منه تعالى ، فيقتصر على موضع الحاجة دون الجماع ، إذ لا حاجة فيه.

__________________

(٦٤) البقرة : ٢٢٣.

(٦٥) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ١٣ من أبواب من يصح منه الصوم.

٣٥٩
٣٦٠