غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ١

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ١

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

كتاب الصوم

٣٠١
٣٠٢

في النية

قال رحمه‌الله : النية ، فهي إما ركن وإما شرط في صحته ، وهي بالشرط أشبه.

أقول : الفرق بين الركن والشرط أن :

الشرط : هو ما يتوقف عليه صحة المشروط ، والشرط متقدم على المشروط وليس جزءا منه ، ومع فقده يتبيّن بطلان الفعل من أصله.

والركن : جانب الشي‌ء الأقوى الذي لا يقوم ذلك الشي‌ء بدونه ، وهو جزء منه ، ومع فقده يتبيّن بطلان الفعل من حينه.

فإذا عرفت هذا ، فهل النية ركن في الصوم أو شرط فيه؟

يحتمل كونها ركنا فيه ، لجواز تلافيها إلى الزوال ، وليس الشرط كذلك لعدم جواز التلافي ، لوجوب تقديمه على الفعل ، وإنما يتلافى ما هو داخل في ماهية الفعل.

ويحتمل كونها شرطا ، كالإسلام والطهارة والعقل لتقدمها عليه ، والركن ليس كذلك ، إذ هو داخل في ماهية الفعل ، ولأن مع الإخلال بها إلى بعد

٣٠٣

الزوال يحكم ببطلان الصوم من أصله لا من حين الزوال ، والركن ليس كذلك بل من حينه.

وقول المصنف : (وهي بالشرط أشبه) لا ينبه على وجود مخالف في المسألة ، بل ينبه على أنها مع كونها تشابه الشرط ـ لوجوب تقدمها على الصوم ـ ليس حكمها حكم الشرط ، لجواز تلافيها قبل الزوال ، ولكونها جزءا منه ، لأنه الإمساك مع النية فهو مركب من النية والإمساك ، وليس شيئا (١) من الشروط كذلك.

قال رحمه‌الله : ويكفي في رمضان أن ينوي أنه يصوم متقربا إلى الله ، وهل يكفي ذلك في المعين؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : عدم اشتراط التعيين مذهب ابن إدريس ، نقله عن المرتضى ، لأنه زمان تعين للصوم بالنذر فكان كرمضان ، واشتراط التعيين مذهب الشيخ ، واختاره المصنف والعلّامة والشهيد وأبو العباس ، لأنه زمان لم يعينه الشارع في الأصل للصوم فافتقر الى التعيين ، كالنذر المطلق ، ولأن الأصل وجوب التعيين ، لأن الأفعال إنما تقع على الوجوه المقصودة ، وإنما ترك ذلك في شهر رمضان ، لأنه زمان لا يقع فيه غيره.

فروع :

الأول : لو صام آخر شعبان بنية الوجوب لغير رمضان ، بل للقضاء أو الندب ، ثمَّ ظهر أنه من رمضان ، وجب العدول وتعيين رمضان في النية ، ليتميز عما نواه ، ولو صام بنية الندب اكتفى بالقربة والوجوب عن التعيين ، لأن التمييز هنا العدول من الندب إلى الواجب ، وهناك يعدل من واجب إلى واجب فلا بد من مائز ، وهو التعيين.

__________________

(١) كذا فيما بأيدينا من النسخ.

٣٠٤

الثاني : لو لم يبق لرمضان غير مقدار ما عليه من القضاء فقد تعين ذلك الزمان للصوم ، فهل يكفي فيه عدم التعيين؟ يحتمل ذلك ، لأنه زمان قد تعين صومه فكان كرمضان والنذر المعين ، ويحتمل العدم لعدم تعينه بالأصل.

الثالث : المتوخي لشهر رمضان ـ كالمحبوس ـ هل يجب عليه التعيين؟ يحتمل ذلك ، لأنه زمان لم يتعين صومه فيجب فيه التعيين ، ويحتمل العدم ، لأنه بالنسبة إليه شهر رمضان.

قال رحمه‌الله : وقيل : يمتد وقتها إلى الغروب لصوم النافلة ، والأول أشهر (٢).

أقول : الصوم إما واجب أو ندب ، والواجب إما معيّن أو غير معيّن ، فالأقسام ثلاثة : الأول : المعيّن ، ويجب فيه النية من الليل ولو من أوله مستمرا حكمها ، ولا يجوز تركها إلى بعد الفجر اختيارا ، ويتلافاها الناسي إلى الزوال.

الثاني : الواجب غير المعيّن كالنذر المطلق وقضاء رمضان ، ويجب فيه النية ليلا ويجوز تجديدها إلى الزوال اختيارا ، لأنه زمان لا يوصف نهاره بتحريم الأكل من أوله ، بخلاف الصوم المعين ، لأنه يجب عليه صومه من أول النهار ، فلا يجوز له الإخلال بالنية ، لأنها شرط في صحته.

الثالث : المندوب ، وفيه قولان :

أحدهما : من أول الليل مستمرا إلى الزوال ثمَّ يفوت وقتها كالواجب ، لأنها عبادة مندوبة فيكون وقت نيتها وقت نية فرضها كالصلاة ، وهو مذهب الشيخ وابن أبي عقيل ، واختاره المصنف والعلّامة في المختلف.

والآخر : امتدادها إلى الغروب وهو مذهب السيد المرتضى وابن إدريس

__________________

(٢) في النسخ : أظهر.

٣٠٥

وابن حمزة ، واختاره أبو العباس ، لعموم قوله (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) (٣) ولقوله عليه‌السلام : «الصوم جنة من النار» (٤).

وهل يحكم بالصوم الشرعي المثاب عليه من حين النية ، أو من ابتداء النهار؟ قال الشيخ في الخلاف بالثاني ، واختاره العلّامة في التحرير ، والشهيد في البيان ، لترتب الثواب على انعقاد الصوم وقد انعقد ، ولا فرق في تأثير النية فيما مضى من النهار بين أن تقع قبل الزوال أو بعده إذا نص الشارع على ذلك ، إذ المصير فيهما قبل الزوال إلى النص فكذلك ما بعده (٥).

قال رحمه‌الله : وقيل : يختص رمضان بجواز تقديم نيته عليه ، ولو سها عند دخوله فصام كانت النية الأولى كافية ، وكذا قيل : تجزي نية واحدة لصيام الشهر كله.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : إذا قدّم نية رمضان على هلاله ثمَّ نسي النية في بعض أيامه هل يكفيه تلك النية المتقدمة؟ قال الشيخ في المبسوط : ولو نوى قبل الهلال أجزأته النية السابقة ، إن عرض له سهو أو نوم أو إغماء ، وان كان ذاكرا فلا بد من تجديدها ، ومنع منه ابن إدريس ، واختاره المتأخرون ، لأن الصوم عبادة مشروعة تفتقر إلى نية ، ومن شرط النية المقارنة ، وإلا لجاز تقديمها مع الذكر.

الثانية : هل يجزي نية واحدة لصيام الشهر من أوله؟ قال الثلاثة : نعم ، وهو مذهب سلار وأبي الصلاح ، لأنه عبادة واحدة فيجزي فيه النية الواحدة ، فتؤثر في الشهر كله كما تؤثر في اليوم كله ، ومنع العلامة وأبو العباس ، لأن

__________________

(٣) البقرة : ١٨٤.

(٤) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ١ من أبواب الصوم المندوب ، حديث ١.

(٥) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ٢ و ٣ من أبواب وجوب الصوم.

٣٠٦

صوم كل يوم عبادة على حدة ، فيفتقر إلى نية منفردة.

تنبيه : حد النية التي تؤثر في الشهر كله ـ على القول به ـ ثلاثة أيام من أوله إلى الثالث ، فإن تجاوز الثالث لم تؤثر قطعا.

قال رحمه‌الله : ولو صام على أنه إن كان من رمضان كان واجبا وإلا كان مندوبا ، قيل : يجزي ، وقيل : لا يجزي ، وعليه الإعادة ، وهو الأشبه.

أقول : الإجزاء مذهب الشيخ في الخلاف والمبسوط والنهاية ، وبه قال ابن حمزة ، لأن نية القربة كافية وقد حصلت فالزائد لغو ، وعدم الإجزاء مذهب الشيخ في باقي كتبه ، واختاره المصنف والعلّامة ، لاشتراط الجزم في النية ، والقربة كافية فيما علم انه من الشهر لا فيما لا يعلم انه منه.

واعلم ان المصنف جزم بعدم الإجزاء في المسألة السابقة من الكتاب المشروح ، قال : لا يجوز أن يردد نيته بين الواجب والندب ، بل لا بد من قصد أحدهما تعيينا ، وقال العلّامة في التحرير كما قال المصنف هنا فربما توهم أنهما مسألتان مختلفتان من حيث التعدد بالشخص والجزم في أحدهما بالبطلان وذكر الخلاف في الأخرى ، وليس كذلك بل هما واحدة ، لأن موضوع البحث فيهما واحد ، إذ هو يوم الشك ، ولاتحاد علة البطلان فيهما وهو الترديد ، والقطع فيهما بحكم واحد وهو البطلان أو الصحة ، إذ القائل بالصحة في إحداهما يقول بها في الأخرى ، وإنما أورد البحث في مسألتين إيضاحا واتساعا في التفريع ، ويمكن أن يقال : إنهما مسألتان ، فموضوع الأولى ـ وهي التي جزم فيها بالبطلان ـ مطلق الصوم ، وموضوع الثانية يوم الشك ، لكن الخلاف فيهما وتوجه البحث عليهما واحد.

قال رحمه‌الله : لو نوى الإفطار في يوم من رمضان ثمَّ جدّد قبل الزوال ، قيل : لا ينعقد وعليه القضاء ، ولو قيل بانعقاده كان أشبه.

أقول : الذي عليه أكثر الأصحاب عدم الإجزاء ، لأن النية شرط وقد

٣٠٧

مضى جزء من النهار بغير نية فيبطل صومه ، وإذا بطل جزء العبادة بطلت أجمع ، ويحتمل عند المصنف الإجزاء ، لأن شرط انعقاد الصوم النية وقد حصلت قبل الزوال ، ولأنه لم يفعل ما ينافي الصوم من القدوم على شي‌ء من المفطرات ، ولأصالة براءة الذمة من وجوب القضاء ما لم يحصل الدليل الناقل عن الأصل ولم يثبت.

ولا فرق بين أن ينوي الإفطار من الليل أو ينويه في أثناء النهار بعد انعقاد الصوم ، ولا فرق في بطلان الصوم بين أن يجدد النية قبل الزوال أو لم يجددها ، هذا هو المحقق عند أكثر الأصحاب ، والشيخ قطع بالصحة مطلقا سواء جدد أو لم يجدد ، وسواء نوى القطع من الليل أو من أثناء النهار ، والمصنف فرق بين ان يكون نية القطع من الليل وبين أن يكون من أثناء النهار ، وجزم في الثانية بالصحة ولم يجزم في الاولى ، واشترط العود إلى نية الصوم قبل الزوال فيهما.

فروع :

الأول : لو صام يوم الشك بنية الوجوب من غير نية رمضان ثمَّ ظهر أنه منه ، فإن كان في أثناء النهار عدل الى رمضان بالنية ولو كان قبل الغروب بيسير ، وإن كان بعده أجزأ عن رمضان ، وبطل عما نواه.

الثاني : لو صامه قضاء عن رمضان ثمَّ أفطر قبل الزوال لم يجب عليه كفارة عن أحدهما ، أما سقوطها عن القضاء فلوقوع الإفطار قبل الزوال ، وأما سقوطها عن رمضان فلأنه لم يقصد الإفطار في رمضان ، بل في يوم الشك ، فلو لزمه الكفارة لزم تكليف الغافل وهو محال ، وإن كان إفطاره بعد الزوال ثمَّ ثبت أنه من رمضان احتمل سقوطها عنهما أيضا ، أما عن رمضان فلعدم العلم به كما قلناه أولا ، وأما عن القضاء فلعدم وقوعه صحيحا ، لأن رمضان لا يقع

٣٠٨

فيه غيره ، ويحتمل وجوبها عن رمضان ، لأنه هتك صوما متعينا عليه فيكفر على ما هو عليه في نفس الأمر ، ويحتمل وجوبها عن القضاء لأنه الثابت ظاهرا في زعمه ، وقد هتك حرمته فيجب عليه الكفارة عنه.

الثالث : كما يتأدى رمضان بنية النفل ونية الواجب غيره مع عدم العلم ، كذلك يتأدى كل واجب معين بنية النفل ونية الواجب غيره مع عدم العلم به للمساواة في العلة ، وهو أنه زمان تعين للصوم فلا يقع فيه غيره.

الرابع : لو قال : (أصوم غدا من رمضان سنة مائة) مثلا وكان لسنة مائتين ، فإن كان غلطا صح الصوم ولغي الغلط ، وإن كان عمدا بطل ، لعدم قصده صوم ما وجب عليه ، أما لو كان عليه أول يوم من رمضان مثلا أو يوم من سنة خمسين مثلا ، فقال : (أصوم غدا قضاء عن اليوم الثاني من رمضان) ، أو قال : (أصوم غدا قضاء عن يوم من رمضان سنة ستين) مثلا فإنه لا يصح وإن كان ذلك غلطا ، لأنه صوم لم يتعين بزمان فلا بد من تعينه بالنية ، والذي عليه لم ينوه فلا يكون مجزيا ، أما لو لم يتعرض لليوم أو للسنة صح قطعا.

٣٠٩
٣١٠

فيما يمسك عنه الصائم

قال رحمه‌الله : وفي دبر المرأة على الأظهر ، ويفسد صوم المرأة ، وفي فساد الصوم بوطي الغلام والدابة تردد وإن حرم.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : الجماع في دبر المرأة مع عدم الإنزال هل يفسد الصوم ويجب الكفارة؟ قال الشيخ في الخلاف والمبسوط : نعم ، واختاره المتأخرون ، لأن فساد الصوم ووجوب القضاء والكفارة تابع لوجوب الغسل ، وقد أوجبه أكثر الأصحاب فتجب هذه الأحكام ، وفي رواية علي بن الحكم ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إذا أتى الرجل المرأة في الدبر وهي صائمة لم ينتقض صومها وليس عليها غسل» (٦) ، وهي مرسلة.

الثانية : الجماع في دبر الغلام ، وحكمه حكم الجماع في دبر المرأة لما تقدم في باب الجنابة (٧).

__________________

(٦) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ١٢ من أبواب الجنابة ، حديث ٣.

(٧) ص ٦٦.

٣١١

الثالثة : وطي البهيمة فإن أنزل تعلقت الأحكام الثلاثة أعني وجوب الغسل والقضاء والكفارة إجماعا.

وإن لم ينزل وأغاب الحشفة ففيه ثلاثة أقوال :

الأول : قول ابن إدريس إنه لا شي‌ء عليه ، وهو اختيار المصنف هنا ، لأنه قال : (والأشبه أنه تابع لوجوب الغسل) ، وقد جزم في باب الجنابة بعدم وجوبه ، لأنه فرج غير مشتهى طبعا ، فلا يجب الغسل بالإيلاج فيه من غير إنزال.

الثاني : القضاء خاصة ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف.

الثالث : القضاء والكفارة ، قاله السيد ، وهو ظاهر المبسوط ، وجزم به أبو العباس في المحرر وان لم يجب الغسل ، ومال العلّامة في التحرير إلى مذهب ابن إدريس.

فرعان :

الأول : إذا تساحقت امرأتان فأنزلتا وجب عليهما القضاء والكفارة ، ولو أنزلت إحداهما اختصت بالحكم ، ولو لم تنزلا فلا شي‌ء سوى الإثم وحكم المجبوب إذا ساحق كذلك.

الثاني : إذا طلع الفجر وهو مجامع فاستدامه ، أو نزع بنية الجماع وجبت الكفارة ، وإن نزع لا بنية الجماع لم يكن عليه شي‌ء ، هذا مع المراعاة وظن السعة ، ومع عدم المراعاة ، يجب القضاء خاصة مع النزع بغير نية الجماع.

قال رحمه‌الله : وعن الكذب على الله وعلى رسوله والأئمة عليهم‌السلام ، وهل يفسد الصوم بذلك؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه.

أقول : في الكذب على الله ، وعلى رسوله ، وعلى الأئمة عليهم‌السلام متعمدا مع اعتقاد كونه كذبا يفسد الصوم ، ويجب فيه القضاء والكفارة عند

٣١٢

السيد المرتضى في الانتصار ، وهو مذهب الشيخين ، لما رواه أبو بصير في الموثق (٨) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام. وقيل : فيه الإثم خاصة ، وهو مذهب الشيخ في الجمل ، وبه قال ابن إدريس ، واختاره المتأخرون ، لأصالة صحة الصوم ، ولرواية محمد بن مسلم في الصحيح (٩) عن الباقر عليه‌السلام.

قال رحمه‌الله : وعن الارتماس ، وقيل : لا يحرم بل يكره ، والأول أظهر ، وهل يفسد بفعله؟ الأشبه لا ، وفي إيصال الغبار إلى الحلق خلاف ، والأظهر التحريم وفساد الصوم ، وعن البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر من غير ضرورة على الأشهر.

أقول : هنا ثلاث مسائل :

الأولى : في الارتماس في الماء ، وفيه أربعة أقوال.

الأول : القضاء والكفارة ، وهو مذهب الشيخين والسيد في الانتصار ، لأنه فعل فعلا منهيا عنه ، والنهي في العبادة يدل على الفساد.

الثاني : القضاء خاصة ، وهو مذهب أبي الصلاح.

الثالث : التحريم فقط ، وهو مذهب المصنف ، واختاره العلامة.

الرابع : الكراهية خاصة نقله المصنف عن المرتضى ، لرواية عبد الله بن سنان في الموثق (١٠) عن ابي عبد الله عليه‌السلام ، ولا يرتفع حدثه ولو كان جنبا على القول بالتحريم ، سواء وجب القضاء والكفارة ، أو القضاء خاصة ، أو لم يجب شي‌ء.

الثانية : في إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق متعمدا ، وفيه القضاء

__________________

(٨) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، حديث ٢.

(٩) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، حديث ١.

(١٠) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، حديث ٩.

٣١٣

الكفارة عند الشيخ في الجمل والاقتصاد والخلاف ، واختاره العلامة ، لأن ازدراد كل شي‌ء يفسد الصوم ويجب به القضاء والكفارة ، والغبار الغليظ من هذا القبيل.

ووجوب القضاء خاصة مذهب ابن إدريس ، لأصالة براءة الذمة من الكفارة ، ولرواية عمر بن سعيد (١١) عن الرضا عليه‌السلام.

الثالثة : البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر عامدا ، ذهب الشيخان وابنا (١٢) بابويه وابن الجنيد وأبو الصلاح إلى وجوب القضاء والكفارة ، واختاره المصنف والعلامة ، لأن تعمد الإنزال نهارا موجب القضاء والكفارة ، فكذا استصحاب الإنزال ، بل هذا آكد ، لأن الأول انعقد صومه في الابتداء وهنا لم ينعقد ، ولما رواه أبو بصير في الموثق (١٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام. وقال ابن ابي عقيل يجب القضاء خاصة لأصالة براءة الذمة ولرواية عبد الله بن ابي يعفور (١٤) عن ابي عبد الله عليه‌السلام.

تنبيه : إذا طهرت الحائض والنفساء ليلا وتركت الغسل حتى تصبح عامدة ، قال ابن أبي عقيل : يفسد صومهما ويجب القضاء خاصة ، كالجنب عنده إذا أهمل الغسل عامدا ، قال العلامة : ولم يذكر أصحابنا ذلك ، استقرب في مختلفة وتحريره أن حكمهما حكم الجنب ، فإن وجبت عليه الكفارة وجبت عليهما وإلا فلا ، لاشتراك الثلاثة في كونها مبطلة للصوم وكل واحد منها

__________________

(١١) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ٢٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، حديث ٢ ، وفيه : (عمرو) بدل : (عمر).

(١٢) في «ن» و «ر ١» : ابن.

(١٣) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ١٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، حديث ٢.

(١٤) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ١٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، حديث ٢.

٣١٤

حدث يرتفع بالغسل فيشترك في الاحكام ، وظاهر الشهيد في الدروس موافقة ابن أبي عقيل.

قال رحمه‌الله : وكذا لو نظر إلى امرأة فأمنى على الأظهر أو استمع فأمنى.

أقول : الإمناء إما عقيب النظر ، أو الملاعبة ، أو التسمع فهنا ثلاث مسائل.

الأولى : في الإمناء عقيب النظر ، وفيه أقوال :

الأول : لا شي‌ء عليه ، وهو اختيار الشيخ في الخلاف ، وبه قال ابن إدريس واختاره المصنف ، لأصالة صحة الصوم ، وأصالة براءة الذمة من وجوب الإعادة ، ولم يفرقوا بين المحللة والمحرمة.

الثاني : قال الشيخ في المبسوط بوجوب القضاء بالنظر إلى المحرمة دون المحللة.

الثالث : قول العلامة ، وهو إن قصد الإنزال فأنزل وجب عليه القضاء والكفارة مطلقا ، سواء كانت محرمة أو محلله ، لوجود هتك حرمة الصوم بإنزال الماء متعمدا فكان كالمجامع ، وان لم يقصد فأنزل لتكرار النظر فسبق الماء وجب القضاء خاصة ، لأنه وجد منه مقدمة الإفساد ولم يقصده ، فكان عليه القضاء خاصة ، كالمتمضمض للتبرد إذا وصل الماء إلى حلقه.

الثانية : الإمناء عقيب الملاعبة والملامسة ، فإن قصد الإنزال كفّر قطعا ، وإن لم يقصد فكذلك على المشهور ، لأنه أنزل في نهار رمضان عقيب فعل يحصل معه الإمناء فكان كالمجامع ، ولرواية أبي بصير (١٥) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

__________________

(١٥) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، حديث ٥.

٣١٥

وقال ابن الجنيد : يجب القضاء خاصة ، لأنه أنزل من غير قصد فلا يجب عليه الكفارة ، كالمتمضمض للتبرد.

الثالثة : في الإمناء عقيب التسمع ، وفيه أقوال :

الأول : لا شي‌ء عليه ، وهو قول الشيخ في المبسوط ، ومذهب ابن أبي عقيل ، واختاره المصنف ، لأصالة (صحة الصوم و) (١٦) براءة الذمة.

الثاني : وجوب القضاء خاصة ، وهو مذهب المفيد وأبي الصلاح الحلبي.

الثالث : وجوب القضاء والكفارة مع قصد الإنزال ، ووجوب القضاء خاصة لا معه ، وهو مذهب العلامة في المختلف ، ووجهه ما تقدم في النظر.

والتحقيق : أن النظر والسماع إن حصل اتفاقا فأمنى عقبه فلا شي‌ء عليه مطلقا ، سواء كان معتادا أو غير معتاد ، وإن قصدهما وجب القضاء والكفارة مطلقا أيضا ، وإن قصد النظر خاصة ، فإن كان من عادته الإمناء عقيب النظر كفّر ، وكذلك إن كان من عادته عقيب تكرار النظر فكرره فأمنى ، ولو لم يكن من عادته مطلقا أو من عادته عقيب التكرار فأمنى عقيب نظره لزمه القضاء خاصة.

وحكم الاستماع حكم النظر ، وكذلك الملاعبة والملامسة إلا أنهما لا يتصوران اتفاقا ، فإن قصد بالملاعبة الإمناء كفّر مطلقا ، ومع عدم قصد الإمناء يرجع إلى العادة وعدمها ، فيكفر مع العادة ويقضي خاصة مع عدمها ، ولا فرق بين المحللة والمحرمة.

فرع : إذا خيل في نفسه صورة الفعل فإن قصد الإمناء فأمنى كفّر ، وإن لم يقصد الإمناء وكان من عادته الإمناء عند ذلك كفّر أيضا ، وإن لم يكن من

__________________

(١٦) ما بين القوسين لم يرد في «ن».

٣١٦

عادته ، بل حصل اتفاقا كان عليه القضاء خاصة ، لأنه وجد منه مقدمة الإفساد ولم يقصده فكان عليه القضاء خاصة ، ولو لم يقصد إلى تخيل الفعل ، بل خطر في خاطره فأمنى لم يجب عليه شي‌ء ، سواء كان معتادا أو لم يكن ، لعدم قصد الإفساد ومقدمته ، ودفع ما يخطر بالبال غير مقدور.

قال رحمه‌الله : والحقنة بالجامد جائزة ، وبالمائع محرمة ، ويفسد بها الصوم على تردد.

أقول : منشأ التردد من أصالة براءة الذمة ، ومن أنه مائع وصل إلى الجوف فكان مبطلا للصوم ، كما لو وصل من الفم ، إذ تحريم الأكل والشرب ليس لكونه في الفم قطعا ، لأن الإجماع منعقد على أن كل ما دخل في الفم ولم يتعد إلى الجوف لم يبطل الصوم ، وإذا كان التحريم لأجل الوصول الى الجوف تحقق ذلك مع الوصول اليه مطلقا ، سواء كان من الفم أو من غيره ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط والجمل ، واختاره العلّامة في المختلف ، ولم يفرق بين المائع ، والجامد ، فأوجب القائل بالفساد القضاء ، والمرتضى أطلق كراهة الحقنة ولم يفصل بين المائع والجامد ، وأطلق أبو الصلاح وجوب القضاء من غير تفصيل أيضا ، وذهب أبو العباس في مقتصره ومحررة إلى مذهب المصنف هنا وهو كراهة الجامد ، وتحريم المائع ، ووجوب القضاء به.

قال رحمه‌الله : ومن أكل ناسيا فظن فساد صومه فأفطر عامدا فسد صومه وعليه القضاء ، وفي وجوب الكفارة تردد ، والأشبه الوجوب.

أقول : منشؤه من أنه أفطر عامدا وهتك صوما صحيحا فكان عليه الكفارة كغيره ، ومن أنه لم يقصد هتك الصوم الصحيح وإنما ظن الفساد ، فأكل فكان كالناسي.

قال رحمه‌الله : ولو وجر في حلقه أو أكره إكراها يرتفع مع الاختيار لم يفسد صومه ، ولو خوّف فأفطر وجب القضاء على تردد ، ولا كفارة.

٣١٧

أقول : الإكراه على قسمين :

أحدهما : يبلغ حد الإلجاء ـ وهو الذي لا يبقى للمكره معه قصد النية ـ وذلك إنما يكون مع الصب في حلقه ، ويفهم من قول المصنف هنا الفرق بين الصب في الحلق وبين الإكراه الذي يرفع القصد ، وغيره لم يفرق.

والثاني : لا يرفع القصد بالكلية ـ وهو أن يتوعد على الفعل فيفعله بنفسه ـ فهو كالمختار.

ففي الأول لا يفسد صومه قطعا ، والثاني فيه خلاف ، قال في المبسوط بفساد صومه ، لأنه فعل المفطر اختيارا فيفسد صومه ، وتردد المصنف مما قاله الشيخ ، ومن عموم قوله عليه‌السلام : «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (١٧) وهذا مكره.

قال رحمه‌الله : وقيل : بل هي على الترتيب ، وقيل : يجب بالإفطار بالمحرم ثلاث كفارات ، وبالمحلل كفارة ، والأول أكثر.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : كفارة رمضان وقد اختلف الأصحاب فيها ، هل هي مخيّرة أو مرتبة؟ فالتخيير مذهب الشيخ والمفيد وسلّار وأبي الصلاح وابني (١٨) بابويه وابن إدريس ، وعليه المتأخرون ، وقال الحسن بن أبي عقيل : إنها مرتبة ، واستدل الجميع عليه بالروايات (١٩).

الثانية : الإفطار بالمحرم هل يجب به كفارة الجمع أو كفارة واحدة؟

__________________

(١٧) الوسائل ، كتاب الجهاد ، باب ٥٦ من أبواب جهاد النفس ، حديث ٣ وغيره.

(١٨) في «ن» و «ر ١» و «ر ٢» : ابن.

(١٩) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

٣١٨

بالأول قال ابن بابويه وابن حمزة والشيخ في الخلاف ، واختاره فخر الدين والشهيد وأبو العباس ، والأكثر على أنها كفارة واحدة ، لأصالة براءة الذمة من الزائد ، واستدل الفريقان بالروايات (٢٠).

فرع : لو عجز من وجب عليه كفارة الجمع عن بعضها هل ينتقل إلى البدل؟ فيه نظر ، من أصالة براءة الذمة والاقتصار على مورد النص ، وهو الانتقال في المخيرة تخييرا والمرتبة ترتيبا ، وفي كفارة الجمع الثلاثة واجبة بالأصالة فلا يكون بعضها بدلا عن بعض ، ومن مساواتها للمرتّبة في العلة وهي العجز عن الأصل مع القدرة على البدل ، وكون البدل واجبا عليه بالأصل غير مانع من وجوبه ثانيا بالبدلية ، لقبول المحل لهما.

قال رحمه‌الله : إذا أفطر زمانا نذر صومه على التعيين كان عليه القضاء وكفارة كبرى مخيرة ، وقيل : كفارة يمين ، والأول أظهر.

أقول : القول بأنها كفارة يمين هو قول ابن بابويه ، والمشهور أنها كبيرة مخيرة والمستند الروايات (٢١).

قال رحمه‌الله : الكذب على الله وعلى رسوله ، وعلى الأئمة عليهم‌السلام حرام على الصائم وغيره ، وإن تأكد في الصائم ، لكن لا يجب به قضاء ولا كفارة على الأشبه.

السادسة : الارتماس حرام على الأظهر ، ولا تجب به كفارة ولا قضاء ، وقيل : يجبان به ، والأول أشبه.

__________________

(٢٠) الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ٨ و ١٠ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

(٢١) راجع الوسائل ، كتاب الصوم ، باب ٧ من أبواب بقية الصوم الواجب ، والباب ٢ من أبواب كتاب النذر والعهد.

٣١٩

السابعة : لا بأس بالحقنة بالجامد على الأصح ، ويحرم بالمائع.

أقول : قد سبق البحث في هذه المسائل كلها فلا وجه للإعادة (٢٢).

قال رحمه‌الله : من أجنب ونام ناويا للغسل ، ثمَّ انتبه ثمَّ نام كذلك ، ثمَّ انتبه ونام ثالثة حتى طلع الفجر ، لزمته الكفارة على قول مشهور ، وفيه تردد.

أقول : منشأ التردد من أن الكفارة إنما تجب مع التهجم على انتهاك حرمة الصوم بتناول المفطر عامدا وهذا ليس كذلك ، ومن أنه بعد الانتباهتين يكون كالمتعمد لترك الغسل.

فرع : لا فرق بين أن تكون النومات الثلاث في ليلة واحدة أو ليلتين أو ثلاث ، كما لو أجنب ونام ناويا للغسل فلم ينتبه حتى طلع الفجر فلم يغتسل في النهار ، ثمَّ نام الليلة الثانية ناويا للغسل فلم ينتبه حتى طلع الفجر فلم يغتسل في النهار ، ثمَّ نام الثالثة ناويا للغسل فلم ينتبه حتى طلع الفجر كان عليه في اليوم الثالث القضاء والكفارة ، وفي الثاني القضاء خاصة ، ولا شي‌ء عليه في اليوم الأول.

ولو نام في الأولى نومتين ، وفي الثانية نومة مع نية الغسل وعدم الانتباه حتى يطلع الفجر كان عليه في اليوم الأول القضاء خاصة وفي الثاني القضاء والكفارة ، ولو انعكس لم يلزمه في الأول شي‌ء ، وفي الثاني القضاء والكفارة.

قال رحمه‌الله : ومن نظر الى من يحرم عليه نظرها بشهوة فأمنى ، قيل : عليه القضاء ، وقيل : لا يجب ، وهو الأشبه ، وكذا لو كانت محللة لم يجب.

أقول : قد سبق البحث في هذه مستوفاة فلا وجه للإعادة (٢٣).

__________________

(٢٢) ص ٣١٧.

(٢٣) ص ٣١٥.

٣٢٠