غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ١

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ١

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

في زكاة الأنعام

قال رحمه‌الله : فإذا بلغت ذلك ، قيل : يؤخذ من كل مائة شاة ، وقيل : بل تجب أربع شياه حتى تبلغ أربع مائة ، فتؤخذ من كل مائة شاة ما بلغ ، وهو الأشهر ، وتظهر الفائدة في الوجوب وفي الضمان.

أقول : إذا بلغت الغنم مائتان وواحدة ـ وهو النصاب الثالث ـ كان فيها ثلاث شياه إجماعا ، فإذا بلغت ثلاث مائة وواحدة ـ وهو النصاب الرابع ـ هل يسقط اعتبار الفرض ويجب ثلاث شياه لا غير ، ثمَّ يؤخذ من كل مائة شاة بالغا ما بلغ ، أو لا يسقط إلّا ببلوغ أربع مائة ، ويجب في الثلاث مائة وواحدة أربع شياه؟ فيه قولان مرويان مشهوران ، فالأول مذهب ابني بابويه والسيد المرتضى وابن حمزة وابن إدريس ، لأصالة البراءة ، ولرواية محمد بن قيس (٩) عن الصادق عليه‌السلام.

والثاني : وهو عدم السقوط ما لم يبلغ أربع مائة مذهب الشيخ وابن الجنيد وابن البراج وأبي الصلاح الحلبي ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس في

__________________

(٩) الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب ٦ من أبواب زكاة الأنعام ، حديث ٢.

٢٤١

الموجز والمحرر ، للاحتياط ، وللروايات (١٠) الدالة على وجوب العمل به.

وعلى القولين يتساوى المأخوذ في الأقل والأكثر ، فعلى الأول يتساوى الثلاث مائة وواحدة والمئتان وواحدة في وجوب الثلاث شياه ، وعلى الثاني يتساوى الثلاث مائة وواحدة والأربع مائة في وجوب الأربع لكن المحل متغاير ، ويظهر للخلاف فوائد :

الأولى : لا يكون لزيادة الغنم على مائتين وواحدة إلى ثلاث مائة وواحدة فائدة ، على القول الأول ، لعدم زيادة الفرض بها ، بل فائدته تسميته نصابا رابعا ، وعلى القول الثاني يكون للزيادة فائدة ، وهي وجوب الرابعة.

الثانية : نصب الغنم أربعة على الأول ، وخمسة على الثاني ، وتظهر الفائدة لو نذر أن يتصدق عن كل نصاب يملكه بدرهم مثلا ، فعلى الأول يلزمه أربعة ، وعلى الثاني خمسة.

الثالثة : الواحدة الزائدة على الثلاث مائة ليست جزءا من محل الوجوب على الأول ، بل هي شرط في تعيين الفرض ، فلو تلفت بعد الحول وقبل إمكان الأداء لم يسقط من الفرض شي‌ء ، لتصريح الرواية بأن في كل مائة شاة (١١) ، فلم يتعلق الواجب بشي‌ء من الزائد ، بل هو شرط في الوجوب ، وعلى الثاني لها مدخل في الوجوب ، وهي جزء من محل الفرض ، فلو تلفت بعد الحول وقبل إمكان الأداء قسطت الشاة التالفة على مجموع النصاب.

وللتقسيط طريقان :

الأول : البسط ، وهو ان تبسط الشاة التالفة على مجموع النصاب ، فيقسم على ثلاث مائة وواحدة ، فيكون الساقط عنه أربعة أجزاء ، لأن كل شاة

__________________

(١٠) الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب ٦ من أبواب زكاة الأنعام ، حديث ٢.

(١١) وهي رواية محمد بن قيس المتقدمة.

٢٤٢

من الفرض ينقصها جزء ويبقى الواجب عليه ثلاث شياه ومائتا جزء وسبعة وتسعون جزءا من ثلاث مائة جزء وجزء من مجموع شاة.

الثاني : النسبة ، وهو أن ينسب التلف إلى النصاب ، ثمَّ يسقط من الفرض بحسابه ، فلو تلف نصف النصاب أسقطنا نصف الفرض ، ولو تلف ربع النصاب أسقطنا ربع الفرض ، وهكذا فقد ظهر فائدة الضمان على اختلاف المذهبين.

الرابعة : فائدة الوجوب التي ذكر المصنف وهي ظاهرة ، لأنه على الأول ـ وهو سقوط الاعتبار ـ يجب ثلاث شياه ، وعلى الثاني يجب أربع شياه.

قال رحمه‌الله : فلو علفها بعضا ولو يوما استأنف الحول عند استئناف السوم ، ولا اعتبار باللحظة عادة ، وقيل : يعتبر في اجتماع السوم والعلف الأغلب ، والأول أشبه.

أقول : يشترط السوم في الأنعام طول الحول ، فلو اعتلفت بعضه ، قال الشيخ في المبسوط والخلاف : ويعتبر الأغلب ، وبه قال ابن الجنيد ، لاعتبار الأغلب في سقي الغلّات فكذا هنا.

والمشهور اعتبار الاسم ، فان خرجت بالعلف عن اسم السوم سقطت الزكاة ، لأن السوم شرط وقد خرجت عنه ، وهو مذهب ابن إدريس والعلامة في المختلف ، وبه قال الشهيد وأبو العباس في موجزه ، والمصنف والعلامة في القواعد أسقطا السوم بعلف يوم.

فروع :

الأول : لو صالح رب الماشية ظالما بعوض على المرعى ، لم يسقط السوم.

الثاني : لو اشترى لها مرعى وصارت تسرح وتروح إليه بطل السوم.

الثالث : الربط والحل والسقي لا يسقط السوم.

٢٤٣

الرابع : لو استأجر أرضا للمرعى لم يسقط السوم.

الخامس : لو علفها الأجنبي متبرعا لم يسقط السوم ، قال صاحب التذكرة : لأنه لا مئونة على المالك فيه (١٢).

قال رحمه‌الله : أو عاوضها بجنسها أو مثلها على الأصح ، وقيل : إذا فعل ذلك فرارا وجبت الزكاة ، وقيل : لا تجب وهو الأظهر.

أقول : يشترط في وجوب الزكاة بقاء الملك والنصاب من أول الحول إلى آخره ، فلو نقص النصاب أو باعه في أثناء الحول سقطت الزكاة ، فإن عاوضه بجنسه أو مثله ، قال الشيخ في الخلاف : إذا كان معه نصاب فبادله بغيره ، لا يخلو اما ان يبادل بجنس مثله مثل ان يبادل إبلا بإبل ، أو بقرا ببقر ، أو غنما بغنم ، أو ذهب بذهب ، أو فضة بفضة ، فإنه لا ينقطع الحول ويبني ، وان بادل بغيره مثل ان يبادل إبلا ببقر ، أو بقرا بغنم وما أشبه ذلك انقطع واستأنف في البدل الثاني.

فعلم من هذا ان مراد المصنف بقوله : بجنسها أو مثلها ان المراد بالمثل هو ان يبادل إبلا بإبل أو بقرا ببقر ، كما قاله الشيخ ، وان المبادلة بالجنس هو ان يبادل إبلا ببقر وبقرا بغنم ، كما قاله الشيخ ، لأن الحيوان كله جنس واحد ، والمشهور عدم الوجوب مطلقا ، لأن الزكاة تجب في العين مع بقائها مدة الحول ، وعين البدل غير عين المبدل منه ، فينتفي محل الوجوب فيسقط.

فرع : لو كانت المبادلة فاسدة ، قال الشيخ في المبسوط يبني كل منهما على حوله ولا يستأنف ، وقال العلامة : ان علما بالفساد وكل منهما متمكن من استرجاع ماله متى شاء ، فالحق ما قاله الشيخ ، والا فلا ، لأنه بدون التمكين

__________________

(١٢) في «ر ٢» لم يذكر إلا ثلاثة فروع : (الأول والرابع والخامس) مرتبة.

٢٤٤

يكون بمنزلة المغصوب منه ، فيسقط اعتبار الزكاة حينئذ.

قال رحمه‌الله : ويرجع في النقاص إلى قيمة السوق ، على الأظهر.

أقول : إذا كان التفاوت بين ما عنده وبين ما وجب عليه بأكثر من درجة واحدة ، بأن وجب عليه بنت مخاض وعنده حقة ، قال ابن إدريس : ينتقل إلى القيمة السوقية ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد ، والشهيد وأبو العباس في موجزه ، لأن النصوص (١٣) عن الأئمة عليهم‌السلام وأقوال الأصحاب المتداولة بينهم : ان هذا الحكم فيما إذا كانت السنن الواجبة انقص بدرجة أو أعلى بدرجة دون ما بعد عنها ، وقال أبو الصلاح : يتضاعف الجبران الشرعي بتضاعف الدرج ، فلو كان عنده حقة ووجب عليه بنت مخاض دفع الحقة واسترد اربع شياه ، أو أربعين درهما ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط ، واختاره العلامة في المختلف ، قال فيه : لأن المجموع من بنت المخاض والغنم أو الدرهم مساو لبنت اللبون في المصالح المتعلقة بإيجابها ، والضرورة قاضية بأن مساوي المساوي مساو ، فتكون بنت المخاض مع الضعف من الغنم أو الضعف من الدراهم مساوية للحقة في المصلحة المتعلقة بإيجابها ، وإذا كان كذلك جاز الانتقال في الدرجتين فما زاد.

تنبيه : الجبران منوط بالإمام عليه‌السلام أو عامله ، ولا يجوز للفقيه ، ولا الفقير الجبران ، وهو في الإبل دون غيرها من الأنعام ، ولا يجوز الجبران بشاة دون عشرة دراهم ، إلا على سبيل القيمة السوقية لا الجبران الشرعي.

قال رحمه‌الله : وقيل : سمي بذلك لأنه تبع قرنه أذنه ، أو تبع أمّه في الرعي.

__________________

(١٣) الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب ١٣ من أبواب زكاة الأنعام.

٢٤٥

أقول : التبيع وهو الذي له سنة ودخل في الثانية ، والخلاف في التسمية بين أهل اللغة ، قال أبو عبيدة : وتبيع لا يدل على سن ، وقال غيره : إنما سمي تبيعا ، لأنه يتبع امه في المرعى ، ومنهم من قال : لأن قرنه تبع أذنه حتى صار سواء ، وإذا لم تدل اللغة على معنى التبيع والتبيعة فالرجوع فيه إلى الشرع والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد بيّن ذلك قال : تبيع أو تبيعة ، وقد فسره أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما‌السلام بالحولي (١٤) أي الذي له حول ودخل في الحول الثاني.

قال رحمه‌الله : والشاة التي تؤخذ في الزكاة ، قيل : اقله الجذع من الضأن والثني من المعز ، وقيل : ما سمّي شاة ، والأول أظهر.

أقول : المشهور ان الشاة المأخوذة من الإبل والغنم أقلها الجذع من الضأن ، وهو ما كمل سبعة أشهر ، وفي المعز الثني ، وهو ما كمل له السنة ، وقيل : أقله ما سمي شاة ، ومال إليه العلامة في تحريره ، لحصول الامتثال للأمر ، لأن الاسم يتناوله.

فروع :

الأول : لو فقدا في غنمه دفع الأدون وأتم القيمة ، أو الأكمل واسترد الزائد.

الثاني : يجزي في شاة الإبل من غير غنم البلد ، اما شاة الغنم فلا ، إلّا ان يكون أجود أو بالقيمة.

الثالث : لو دفع بعيرا عن الشاة الواجبة في الإبل احتمل الاجزاء ، لأنه يجزي عن ستة وعشرين فعن الأقل أولى ، ويحتمل العدم ، لأنه غير الفرض فلا يجزي الا بالقيمة.

__________________

(١٤) الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب ٤ من أبواب زكاة الأنعام.

٢٤٦

الرابع : لو كانت الإبل التي توجب الشاة مراضا وجب الشاة بقيمة المراض ، فيقال : كم قيمة الإبل صحاحا؟ فإذا قيل : مائة ، قيل كم قيمتها مراضا؟ فإذا قيل : خمسون ، فإذا قيل : كم قيمة الشاة الصحيحة المجزية؟

فإذا قيل : عشرة ، أخذت شاة صحيحة ، قيمتها خمسة.

والضابط : كل ما نقص من قيمة الصحاح نقص من قيمة الشاة المجزية بنسبته ، ان كان نصفا فنصفا ، وان كان ربعا فربعا ، وهكذا.

الخامس : يجزي الذكر في الغنم مطلقا ، سواء وجبت في الإبل أو الغنم ، ويجزي التبيع من البقر وابن اللبون من الإبل ، وفي غير هؤلاء لا يجزي الا الإناث.

قال رحمه‌الله : فان وقعت المشاحة ، قيل : يقرع حتى تبقى السن التي تجب.

أقول : هذا قول الشيخ في المبسوط ، فإنه قال فيه : الخيار إلى المالك ، غير انه لا يؤخذ منه الردي‌ء ، ولا يلزم الخيار ، بل يلزم وسطا ، فان تشاحّا استعمل القرعة.

٢٤٧
٢٤٨

في زكاة الذهب والفضة

قال رحمه‌الله : وقيل لا زكاة في العين حتى تبلغ أربعين دينارا ، ففيها دينار ، والأول أشهر.

أقول : المشهور بين علمائنا ان أول نصاب الذهب عشرون دينارا ، وفيه نصف دينار ، والمستند رواية يحيى بن ابي العلاء (١٥) ، عن ابي عبد الله عليه‌السلام ، ورواية زرارة (١٦) ، عن الباقر عليه‌السلام.

وقال ابن بابويه : ليس فيه شي‌ء حتى يبلغ أربعين مثقالا وفيه مثقال ، ومستنده رواية محمد بن مسلم وأبو بصير وبريد والفضل ، عنهما عليهما‌السلام ، «قالا : في الذهب في كل أربعين مثقالا ، وليس في أقل من أربعين شي‌ء» (١٧)

قال رحمه‌الله : وقيل : يستحب فيها الزكاة.

أقول : المشهور عدم وجوب الزكاة في غير المنقوش بسكة المعاملة ،

__________________

(١٥) الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب ١ من أبواب زكاة الذهب والفضة ، حديث ٨.

(١٦) نفس المصدر المتقدم ، حديث ٩.

(١٧) المصدر السابق ، حديث ١٣.

٢٤٩

سواء قصد بسبكه الفرار أو لا ، وقال ابن ابي عقيل : ان قصد الفرار وجبت الزكاة مقابلة له بنقيض مقصوده كالقاتل والمطلق ، وعمل الأصحاب على الأول لأصالة براءة الذمة ما لم يثبت الدليل الناقل.

قال رحمه‌الله : إذا شرط المقترض الزكاة على المقرض ، قيل : يلزم الشرط ، وقيل : لا يلزم ، وهو أشبه.

أقول : القول بلزوم الشرط هو قول الشيخ في النهاية في باب القرض ، لقوله عليه‌السلام : «المؤمنون عند شروطهم» (١٨). والمشهور بطلان لشرط ، وكون الزكاة على المقترض مع حصول شرائط الوجوب ، لأن الزكاة عبادة ، وهي لا تلزم غير من وجبت عليه ، والشرط فاسد كما لو شرط ان يتحمل عنه غير الزكاة من العبادات.

قال رحمه‌الله : إذا ترك نفقة لأهله فهي معرضة للإتلاف ، تسقط الزكاة عنها مع غيبة المالك ، وتجب لو كان حاضرا ، وقيل : تجب فيها على التقديرين ، والأول مروي.

أقول : عدم وجوب الزكاة مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال المفيد ، واختاره المصنف والعلامة ، لأنها بمنزلة التالفة لكونها معرضة للإتلاف ، وقال ابن إدريس : حكمها حكم المال الغائب ان قدر على أخذه متى أراد ، فإنه يجب عليه الزكاة ، سواء كان نفقة أو وديعة أو كنزه في كنز ، فإنه ليس يكون نفقة خرجت عن ملكه ، ولا فرق بينه وبين المال الذي في يد وكيله أو مودعه ، وقال : إنما أورده شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا.

__________________

(١٨) المستدرك ، كتاب التجارة ، باب ٥ من أبواب الخيار ، حديث ٧.

٢٥٠

في زكاة الغلات

قال رحمه‌الله : وقيل : السلت كالشعير ، والعلس كالحنطة في الوجوب ، والأول أشبه.

أقول : قال الشيخ : العلس نوع من الحنطة ، يقال : إنه إذا ديس بقي كل حبتين في كمام لا يذهب ذلك حتى يدق أو يطرح في رحى خفيفة ، ولا يبقى بقاء الحنطة ، ويزعم أهلها إذا هرست أو طرحت في رحى خفيفة خرجت على النصف ، وأوجب الزكاة في المجموع منه ومن الحنطة إذا بلغ نصابا ، وجعل السلت نوعا من الشعير وأوجب فيه الزكاة ، وقال المصنف : انهما نوعان مغايران للحنطة والشعير فلا زكاة فيهما ، واختاره العلامة في المختلف وأبو العباس في الموجز ، ومذهب القواعد كمذهب الشيخ.

قال رحمه‌الله : والحد الذي يتعلق فيه الزكاة من الأجناس أن يسمى حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا ، وقيل : إذا احمر ثمر النخل أو اصفر أو انعقد الحصرم ، والأول أشبه.

أقول : المشهور ان الزكاة تجب في الغلات إذا كانت ثمرة عند اصفرارها

٢٥١

واحمرارها ، وإذا كانت غلة عند اشتداد حبها ، ولا يجب الإخراج إلا عند الحصاد والجذاذ إجماعا.

وقال ابن الجنيد : انما يجب عند تسميته حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا واختاره المصنف ، لأصالة براءة الذمة من الوجوب الا مع تحقق السبب ولا يتعين قبل كونه تمرا لتعلق الوجوب بما يسمى تمرا لا بما يسمى بسرا ، واحتج الباقون بان البسر يسمى تمرا لغة ، والمرجع إلى اللغة لا إلى العرف. وتظهر فائدة الخلاف في مسائل :

الأولى : لو أكلها أو أتلفها ضمن على الأول دون الثاني.

الثانية : لو باعها أو وهبها بعد الاحمرار أو الاصفرار ، فالزكاة على البائع والواهب على الأول ، وعلى المشتري والمتهب على الثاني.

الثالثة : لو مات بعد الاحمرار وعليه دين مستغرق وجبت الزكاة على الأول دون الثاني ، وعلى الأول تقدم الزكاة على الدين لتعلقها بالعين قبل تعلق الدين بها ، ولقوله عليه‌السلام : «ولدين الله أحق ان يقضى» (١٩) ، وقيل : تسقط التركة على الدين والزكاة لتساويهما.

تنبيه : للغلات حالات ثلاث :

الأولى : حالة وجوب ولا إخراج ولا ضمان ، وهو عند بدو الصلاح خاصة ، نعم يجوز الإخراج حينئذ فيجوز إخراجه بسرا ، ويجوز ان يقاسم الفقراء أو الساعي على رؤوس النخل ، ولا يجوز للمالك التصرف بأكل ولا غيره حتى يخرجها على نفسه ليعرف قدر ما يؤكل أو يتلفه ليحسبه عليه.

__________________

(١٩) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٢٢٤ و ٢٢٧ و ٢٥٨ وصحيح مسلم ج ٢ : كتاب الصيام ب ٢٧ قضاء الصيام عن الميت ، حديث ١٥٥.

٢٥٢

الثانية : حالة وجوب وإخراج ولا ضمان ، وهو عند التصفية مع فقد المستحق.

الثالثة : حالة وجوب وإخراج وضمان ، عند التصفية ووجود المستحق.

قال رحمه‌الله : ولا تجب الزكاة إلا بعد إخراج حصة السلطان والمؤمن كلها على الأظهر.

أقول : ينبغي معرفة حصة السلطان والمؤمن التي يجب إخراجها ، أما حصة السلطان فإنما تجب في الأرض الخراجية ، وقد اختلفت عبارات الأصحاب هنا ، والأكثر اقتصر على عبارة المصنف وهي : (بعد إخراج حصّة السلطان) ولم يذكر الخراج ، وبعضهم اقتصر على الخراج ولم يذكر حصة السلطان كأبي العباس في محررة.

وقال ابن إدريس : وحصة السلطان ان كانت الأرض خراجية ، وقال العلامة في التحرير : وبعد الخراج وحصة السلطان ، وهو يوهم الفرق بينهما ، وليس كذلك ، لأن هذه العبارات وان اختلفت لفظا فهي متفقة معنى ، فمن اقتصر على الحصة أراد بها الخراج مطلقا ، سواء كان مشتركا بين المسلمين كالمفتوحة عنوة ، أو مختصا كالأنفال وصدق على المشترك أنه حصة الإمام ، لأنه الجابي له والمتولي عليه.

ومن اقتصر على الخراج أراد به الحصة كذلك ، ومن جمع بينهما أراد بالحصة المختص بالإمام ، وبالخراج المشترك ، قال الشهيد في بيانه : لا تسقط الزكاة في الأرض الخراجية بأخذ الخراج ، بل يجتمعان ، والخراج من المؤن.

وروى رفاعة بن موسى ، عن الصادق عليه‌السلام ، وسهل بن اليسع عن الكاظم عليه‌السلام : سقوط العشر بالخراج (٢٠) ، قال : ويتصور هذا

__________________

(٢٠) الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب ١٠ من أبواب زكاة الغلات ، حديث ١ و ٢.

٢٥٣

الخراج في موضعين : في المفتوحة عنوة ، وفي أرض صالح عليها الإمام أهلها الكفار على ان تكون الأرض للمسلمين وعلى رقابهم الجزية ، ثمَّ رد الأرض عليهم على ان عليهم الخراج ثمَّ يسلمون ، فإنه يبقى الخراج ولا يسقط بالزكاة ، بخلاف ما لو ضرب على أرضهم المملوكة خراجا ثمَّ أسلموا ، فإن الخراج يسقط وتبقى الزكاة.

والفرق ان الأول أجرة فلا تسقط بالإسلام ، والثاني جزية ، وهي تسقط بالإسلام.

واما المؤن فهي اجرة الساعي والعمارة والحصاد والتصفية ، وثمن البذر إن اشتراه ، وثمن الثمرة وحفر السواقي وكري النهران لا إنشاؤها وعمل المسناة.

والضابط : كل ما يتكرر كل سنة فهو من المؤنة ، وما لا فلا ، وما يؤخذ منه بسبب الثمرة والزرع وإن كان مصادرة إذا تكرر وصار عادة في كل سنة ، ولا يخرج ما ليس يتكرر كثمن أصل النخيل والأرض ، وكذلك اجرة عمله بيده ، واجرة عوامله ، وسهم الدالية ، واجرة الأرض ان كانت له أو مستعارة.

ولو كانت هذه الآلات التي عددناها مستأجرة ، أو كانت الأرض مغصوبة أخرجت الأجرة قبل الزكاة ، ولو اشترى الأصول والثمرة قبل بدو الصلاح صفقة واحدة بثمن واحد ، قسط على الثمرة والأصول ، فما قابل الثمرة احتسب من المؤمن التي تخرج قبل الزكاة ، ولا يحتسب ما قابل الأصول.

إذا عرفت هذا فقد اختلف الأصحاب في هذه المؤن ، هل تخرج من الوسط وتكون الزكاة في الباقي ان بلغ نصابا ، أو يحسب على المالك؟ بالأول قال الشيخ في النهاية ، وبه قال المفيد وجمهور الأصحاب ، وإلّا لزم الضرر المنفي ، وقال الشيخ في المبسوط ، والخلاف : انها على المالك ، لعموم قوله عليه‌السلام : «فيما سقت السماء العشر» (٢١).

__________________

(٢١) الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب ٤ من أبواب زكاة الغلات ، حديث ٢.

٢٥٤

فروع :

الأول : لو باع الثمرة قبل بدو صلاحها على غير المخاطب بالزكاة كالصبي والذمي ثمَّ اشتراها بعد بدو الصلاح أو استردها بإقالة ، سقطت الزكاة وان كان ذلك فرارا ، وكذا لو كان البيع على مخاطب بالزكاة كالمسلم البالغ ، لكن هنا تجب الزكاة على المشتري لبدو الصلاح في ملكه.

الثاني : تجب الزكاة في غلة الأرض الموقوفة ، سواء كان الوقف عاما أو خاصا ، أو للمساجد والربط إذا أجرها الناظر ، اما لو زرعها الناظر ببذر من مال المسجد ، فلا زكاة لعدم تعين المالك.

الثالث : إذا باع ما وجب فيه الزكاة قبل إخراجها نفذ البيع في حصته إجماعا ، واما حصة الفقراء فيحتمل نفوذ البيع فيها أيضا ، لأن ملك المساكين للعين غير مستقر لجواز إسقاطه بدفع القيمة ، فحينئذ يكون مراعى ان دفع حصة الفقراء من غير العين ، والا كان للساعي بيع العين وانتزاعها من المشتري فيتخير المشتري حينئذ لتبعيض الصفقة عليه ، والى هذا ذهب العلامة في تذكرته وتحريره ، والشهيد في دروسه ، وأبو العباس في موجزه ، وقال فيه : ولو تيقن المشتري عدم إخراجها فالزكاة عليه. وهو جيد لصيرورة عين مالهم في يده فلا يباح له بظلم البائع لهم.

ويحتمل بطلان البيع في حقهم ، لأنهم شركاء ، وإذا بيع المشترك صح في حصة البائع وبطل في حصة الشريك إلا مع الإجازة ، وقال في القواعد : تبطل في حصة الفقراء ما لم يضمن القيمة.

الرابع : لو اخرج عن الزكاة منفعة بدلا عن العين كسكنى الدار سنة مثلا جاز ، ويحتمل المنع ، لأنها تحصل تدريجا ، ولو آجر الفقير نفسه أو داره ، ثمَّ احتسب مال الإجارة عليه من الزكاة جاز وان كانت معرضة للفسخ.

٢٥٥

الخامس : إذا أخرج القيمة عن العين كان الاعتبار بالقيمة وقت الإخراج لا وقت الوجوب وان فرط في التأخير حتى نقص السوق ، اما إذا قوم الزكاة على نفسه ثمَّ ضمن حصة الفقراء كان الواجب عليه ما ضمنه خاصة ، ولا عبرة بزيادة السوق ونقصانه قبل الأداء.

السادس : لو عزل الزكاة وباع الباقي صح البيع ، لأنه باع حقه ، ويحتمل المنع ، لأن الزكاة لا تتعين الا بالدفع.

قال رحمه‌الله : إذا كان له نخل يطلع مرة وآخر يطلع مرتين ، قيل : لا يضم الثاني إلى الأول : لأنه في حكم ثمرة سنتين ، وقيل : يضم ، وهو الأشبه.

أقول : عدم الانضمام مذهب الشيخ رحمه‌الله لما قاله المصنف : من انه في حكم سنتين (٢٢) ، واختار المصنف الانضمام ، لأنها ثمرة عام واحد ، كما لو اختلف وقت الإدراك ، وهو مذهب العلامة وابي العباس في موجزه.

قال رحمه‌الله : قيل : يقع التحاصّ بين أرباب الزكاة والديّان ، وقيل : تقدم الزكاة لتعلقها بالعين قبل تعلق الدين بها ، وهو الأقوى.

أقول : قد سبق البحث في هذه المسألة (٢٣) ، واختار العلامة والشهيد ما اختاره المصنف ، والتقسيط مذهب الشيخ في المبسوط.

__________________

(٢٢) في «ن» و «ر ١» : الشيئين.

(٢٣) ص ٢٣٧.

٢٥٦

في زكاة التجارة

قال رحمه‌الله : لو كان رأس ماله مائة وطلب بنقيصة ولو حبة لم يستحب ، وروي انه إذا مضى عليه وهو على النقيصة أحوال ، زكّاه لسنة واحدة استحبابا.

أقول : الرواية المشار إليها هي رواية العلاء (٢٤) ، عن ابي عبد الله عليه‌السلام وبمضمونها افتى الشيخ في النهاية ، والعلامة في القواعد ، وأبو العباس في الموجز ، وغير القائل بها تمسك بالأصل ، لأن اشتغال الذمة بواجب أو ندب يحتاج إلى دليل ناقل عن الأصل.

قال رحمه‌الله : ولو كان بيده نصاب بعض حول فاشترى به متاعا للتجارة ، قيل : كان حول العرض حول الأصل ، والأشبه استئناف الحول.

أقول : إذا اشترى متاعا للتجارة لا يخلو اما ان يشتريه بعرض أو بنقد ، فان كان الأول وكان العرض الذي اشتراه به للتجارة أيضا بنى على حول الأصل الذي هو الثمن ، ولا يقدح تبدل الأعيان ، وان كان العرض الذي

__________________

(٢٤) الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب ١٣ من أبواب ما تجب فيه ، حديث ٩.

٢٥٧

اشتراه به للقنية فابتداء الحول من حين العقد بقصد التجارة ، وان كان المشترى بنقد ، وكان النقد للتجارة بنى حول المتاع على حول الأصل الذي هو النقد ، وان كان النقد للقنية فهي مسألة الكتاب ، قال الشيخ في المبسوط والخلاف : كان حول المتاع حول الأصل ، لأن زكاة التجارة تتعلق بالقيمة فكان كالمال الواحد ، إذ القيمة هي الأثمان قد كانت ظاهرة فصارت مقدرة ، فإذا كمل للقيمة حول استحب الزكاة ، وتقليب المال غير قادح ، إذ لا يحصل الربح الا به ، فلو كان قاطعا للحول لكان السبب الذي ثبتت به الزكاة مانعا منها ، وهو محال ، والمشهور استئناف الحول لعدم قصد التجارة قبل المشتري.

فروع :

الأول : البناء على حول الأصل في موضع الحكم بالبناء ، وفي هذه على القول به انما يكون مع الشراء بعين النصاب ، فلو اشترى في الذمة ونقد النصاب في المثمن انقطع الحول واستأنفه من حين الشراء.

الثاني : لا يشترط بقاء عين السلعة طول الحول إجماعا (٢٥) ، بل بقاء القيمة وبلوغها النصاب.

الثالث : إذا اشترى سلعا على التعاقب فان كان قيمة كل سلعة نصابا زكّى كل سلعة عند تمام حولها ، ولا يضم بعضها إلى بعض ، وان قصر قيمة كل سلعة عن النصاب ، ضم إلى الأول ما بعده حتى يبلغ النصاب فيكون مبدأ الحول حين بلوغه ، فإذا حال عليه الحول زكاه ونظر إلى ما اشتراه بعد بلوغ النصاب ، فان بلغ أربعين درهما ـ وهو النصاب الثاني من الفضة ـ زكاه عند تمام حوله ، وما نقص عن الأربعين لا زكاة فيه ، إلا ان يبلغ النصاب الثاني من الذهب فيزكيه حينئذ.

__________________

(٢٥) لفظة : (إجماعا) من «ن».

٢٥٨

ولا يضم العقود المتعاقبة بعد بلوغ النصاب بعضها إلى بعض بل كل عقد يحسب حوله من حين وقوعه ان بلغ النصاب الثاني ، والا ضم اليه ما بعده حتى يبلغ النصاب الثاني ، فيجزي في الحول حينئذ ، ولو كان الأول نصابا لم يضم اليه غيره وأخذت زكاته حين تمام حوله وكل عقد بعده بلغ أربعين أخذت زكاته عند تمام حوله.

الرابع : إذا اشترى رقيقا للتجارة وجبت زكاة الفطرة عند شروطها ، ولا تجزي عن زكاة التجارة ، بخلاف المالية فإن الزكاة الواجبة تمنع المندوبة لقوله عليه‌السلام : «لا ثني في صدقة» (٢٦).

قال رحمه‌الله : إذا ملك احد النصب الزكاتية للتجارة مثل أربعين شاة أو ثلاثين بقرة سقطت زكاة التجارة ووجبت زكاة المال ، ولا يجتمع الزكاتان ، ويشكل على ذلك القول بوجوب زكاة التجارة.

أقول : تحقيق البحث هنا في موضعين :

الأول : هل يسقط الاستحباب عن هذا النصاب؟ ويوجد في بعض نسخ هذا الكتاب المشروح : (وقيل : يجتمع هذه وجوبا وهذه استحبابا) ، وهو يحتمل ، لأنه مال التجارة في الحقيقة فيثبت حكمه ، وانما وجبت فيه الزكاة لكونه نصابا زكويا سائما حولا فيثبت له حكمه أيضا ، لأن الأصل عدم التداخل.

والمشهور سقوط الاستحباب لأصالة براءة الذمة ، ولقوله عليه‌السلام : «لا ثني في صدقة» (٢٧).

الثاني : على القول بوجوب زكاة التجارة لا خلاف في عدم اجتماعهما وان

__________________

(٢٦) نهاية ابن الأثير ١ : ٢٢٤.

(٢٧) تقدم.

٢٥٩

الواجب عليه زكاة واحدة ، لكن هل هي للتجارة أو للمال؟ يحتمل الأول ، لأنه مال التجارة بالحقيقة فيكون هو المعتبر ، ويحتمل الثاني لسقوط حكم التجارة بالسوم ، فيكون المعتبر المالية.

وتظهر الفائدة في النية ، فعلى الأول ينوي التجارة وعلى الثاني المال ، وفي متعلق الزكاة ، هل هو العين أو القيمة؟.

قال رحمه‌الله : لو عارض أربعين سائمة بأربعين سائمة للتجارة سقط وجوب المالية والتجارة واستأنف الحول فيهما ، وقيل : بل تثبت زكاة المال مع تمام الحول دون التجارة ، لأن اختلاف العين لا يقدح في الوجوب مع تحقق النصاب في الملك ، والأول أشبه.

أقول : قد ذكر المصنف علة الوجوب ، والمشهور سقوطها لعدم حصول بعض الشروط ، وهو بقاء عين النصاب مدة الحول ، لأن الزكاة تجب في العين ومع إخراجها عن ملكه ينتفي محل الوجوب ، وأما الاستحباب فلعدم تمام حول (٢٨) التجارة ، فإذا تمَّ استحب حينئذ.

واعلم ان مراد المصنف بقوله : (واستأنف الحول فيهما) إذا كان النصاب الأول للقنية (اما لو كان للتجارة أيضا فإنه يبني حول الثاني على حول الأول بغير خلاف ، وانما الخلاف إذا كان للقنية) (٢٩) أو أحدهما.

وتحقيق البحث لا يخلو اما ان يكونا للقنية أو للتجارة ، أو الأول للقنية والثاني للتجارة ، أو العكس ، فالأقسام أربعة :

الأول : ان يكونا للقنية ، وقد اختلف الأصحاب في ذلك ، فالشيخ في المبسوط ذهب إلى بناء حول الثاني على حول الأول ، فإذا تمَّ الثاني ستة أشهر

__________________

(٢٨) هذه اللفظة من «ن».

(٢٩) ما بين القوسين في «ن» فقط.

٢٦٠