غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ١

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني

غاية المرام في شرح شرائع الإسلام - ج ١

المؤلف:

الشيخ مفلح الصّيمري البحراني


المحقق: الشيخ جعفر الكوثراني العاملي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٦

انه ترك ركنا أعاد ، ولا فرق بين بين ان يكون من الأوليين أو الأخيرتين ، وان كان غير ركن لم يعد الصلاة ، سواء كان في الأوليين أو الأخيرتين ، لأصالة براءة الذمة من وجوب الإعادة ، ولما ورد من الأحاديث (١١٥) التي توجب العمل بذلك.

قال رحمه‌الله : لو فعل ما يبطل الصلاة قبل الاحتياط ، قيل : تبطل الصلاة ويسقط الاحتياط ، لأنها معرضة لأن تكون تماما والحدث يمنع ذلك ، وقيل : لا تبطل ، لأنها صلاة منفردة وكونها بدلا لا يوجب مساواتها للمبدل في كل حكم.

أقول : قد ذكر المصنف وجه الخلاف في هذه المسألة وانما أوردناها لنلحقها بفوائد تليق في هذا الباب :

الأولى : لو أحدث قبل الإتيان بالتشهد المنسي ، أو السجدة المنسية ، هل تبطل صلاته أم لا؟ مذهب الشهيد في الدروس والبيان عدم البطلان. وفصل أبو العباس في المحرر فقال : ان أحدث عمدا بطلت صلاته ، وان كان سهوا أو بعد خروج الوقت أو بعد ان مضى بعد التسليم زمان يخرج به عن كونه مصليا لم تبطل صلاته.

والمشهور بين الأصحاب عدم الفرق بين الساهي والعامد ، وكلما وجهت للفرق هنا وجها ورد عليه الاعتراض ، ولم يفصل في الموجز ، بل جزم بعدم البطلان بتخلل الحدث.

الثانية : إذا أحدث قبل الاحتياط ثمَّ ذكر قبله أو في أثنائه النقصان ، بطلت صلاته لصيرورة الاحتياط جزءا من الصلاة وقد أحدث قبله.

الثالثة : إذا ذكر بعد الاحتياط ما صلى لم يلتفت ، سواء كان زيادة أو

__________________

(١١٥) الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ١٣ من أبواب الركوع ، حديث ٤ وباب ٢٣ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

٢٠١

نقصانا ، وسواء خرج الوقت أو كان باقيا ، وان ذكر في أثنائه ، فإن وافق الاحتياط لما ذكره صحت صلاته ، وان خالف بطلت.

فالموافق كما لو ذكر نقصان ركعتين وقد صلى ركعتين قياما ، أو نقصان ركعة وقد صلى ركعتين جالسا ، هذا في من وجب عليه اربع ركعات ، اما من وجب عليه ركعتان ، فان ذكر نقصانهما وهو في الأثناء اجتزأ بالإتمام ، وان ذكر نقصان واحدة ولم يتجاوزها في الاحتياط سلم عليها ، وان تجاوزها بطلت صلاته ، هذا ما لم يحدث قبل الاحتياط ، ومعه تبطل صلاته كما قلناه أولا.

والمخالف كذكر الزيادة ، أو نقصان ركعة بعد ان صلى من وجب عليه الاحتياط ركعتين من قيام ، أو ذكر نقصان ركعتين وقد صلاهما من جلوس ، هذا مذهب الشهيد في دروسه ، وقال في ألفيته : ولو ذكر بعده أو في أثنائه النقصان لم يلتفت ، وقيل : لو ذكر في أثنائه أعاد الصلاة.

وقال العلامة في قواعده : ولو ذكر بعد الاحتياط النقصان لم يلتفت مطلقا ، ولو ذكر قبله أكمل الصلاة وسجد للسهو ، ما لم يحدث ، ولو ذكر في الاحتياط استأنف الصلاة.

وقال أبو العباس في موجزه ولمعته : ولو ذكر النقص قبله أكملها ما لم يطل الوقت أو يحدث ، وبعده يجزي ان وافق ، وإلا بطل كما في أثنائها.

والمشهور مذهب القواعد ، وهو المعتمد ، فبعد الفعل لا يعتبر الموافقة ولا المخالفة ، وفي الأثناء تبطل مع ذكر النقص سواء طابق أو خالف ، ومن ذكر الزيادة يتخير بين القطع والإتمام هذا في الاحتياط الواحد ، أما في الاحتياطين فيعتبر الموافقة والمخالفة.

الرابعة : يجب الإتيان بالاحتياط في الوقت مرتبا على غيره من الصلوات ما لم يتضيق وقت الحاضرة عن ركعة فيبدأ بها ، فلو وجب عليه ركعة احتياطا

٢٠٢

في صلاة الظهر وقد بقي للغروب مقدار ركعتين بدأ بالاحتياط ، ولو بقي مقدار ركعة واحدة بدأ بالعصر وقضى الاحتياط بعدها مرتبا على غيرها.

قال رحمه‌الله : ويرجع في الكثرة لما يسمى في العادة كثيرا ، وقيل : أن يسهو ثلاثا في فريضة ، وقيل : ان يسهو مرة في ثلاث فرائض.

أقول : قال ابن إدريس : السهو الذي لا حكم له (و) (١١٦) هو الذي يكثر ويتواتر ، وحدّه ان يسهو في شي‌ء واحد أو في فريضة واحدة ثلاث مرات ، فيسقط بعد ذلك حكمه ، أو يسهو في أكثر الخمس فرائض ـ أعني ثلاث صلوات من الخمس كل منهن قام إليها فسهى فيها ـ فيسقط بعد ذلك حكم السهو ولا يلتفت إلى سهوه في الفريضة الرابعة ، واختاره أبو العباس ، وقال ابن حمزة : لا حكم له إذا سهى ثلاث مرات متواليات ، وأطلق ولم يعين في فريضة أو فرائض ، وجزم به الشهيد.

وروى ابن بابويه عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن أبي حمزة ان الصادق عليه‌السلام قال : «إذا كان الرجل ممن يسهو في كل ثلاث فهو ممن يكثر عليه السهو» (١١٧) ، واختار العلامة في المختلف مذهب المصنف هنا ، وهو الرجوع إلى ما يسمى في العادة كثيرا.

تنبيهان :

الأول : معنى سقوط الحكم فيمن كثر سهوه وتواتر عدم التلافي في موضعه ، وسقوط الاحتياط فيما يوجبه ، وسقوط سجدتي السهو فيما يوجبه ، وسقوط سجدتي السهو فيما يوجبهما ، وعدم الابطال بموجبة كالشك في الأوليين ، ولا يسقط قضاء ما تيقن فواته

__________________

(١١٦) كذا في ما بأيدينا من النسخ ، والظاهر أنها زيادة مخلة في التعبير ، راجع السرائر ١ : ٢٤٨.

(١١٧) الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ١٦ من أبواب الخلل ، حديث ٧.

٢٠٣

كالسجدة المنسية والتشهد المنسي ، ويحكم بالإبطال لو ترك ركنا حتى دخل في آخر ، ويجب تلافيه قبل دخوله في الآخر ، ويزول حكم الكثرة بخلو ثلاث فرائض متوالية.

الثاني : معنى قوله : (من سهى في سهو لم يلتفت) ، مراده : من سهى فيما يوجبه السهو كمن شك في سجدتي السهو ، سواء كان الشك في عددهما أو في أفعالهما فإنه يبني على انّه فعل ما شك فيه ولا يلتفت ، وكذلك الشك في الاحتياط على الظاهر من فتاوي الأصحاب ، ولو قضى السجدة المنسية فشك في أثنائها لم يلتفت أيضا ، ولو سهى عن تسبيحها أو عن السجود على بعض الأعضاء لم يلتفت ، ولا يسجد له سجدتي السهو ، ولو شك في الركوع أو السجود وهو في محله اتى به ، ولو شك في ذكر أو طمأنينة في هذا الذي اتى به تدارك ما شك فيه.

فروع :

الأول : الشاك بين الاثنتين والثلاث جالسا لا يجوز منه التشهد ولا القيام حتى يغلب على ظنه أحد طرفي ما شك فيه ، أو يبني على الأكثر ان لم يحصل الظن ، لأنه قبل ذلك متحير لا قصد له ، فلو فعل شيئا قبل ذلك بطلت صلاته ، وكذلك لو شك قائما في موضع يسلم له حالة القيام فإنه لا يجوز له فعل شي‌ء حتى يرجح احد الطرفين أو يبني على الأكثر.

الثاني : لو حصل له الشك في الثلاثية ولم يغلب على ظنه احد الطرفين فلم يبطلها وتمم الصلاة ، ثمَّ تيقن صحة ما اتى به لم يجزه ، ما لم يتمسك بظن راجح قبل استمراره ، لأنه فعل فعلا منهيا عنه ، والنهي في العبادة يدل على الفساد.

الثالث : لو شك بين الاثنتين والثلاث جالسا وغلب على ظنه الأكثر ،

٢٠٤

فقام إلى الرابعة ، فعاد شكه الأول وقال : لا ادري ، كان جلوسي لثانية أو لثالثة؟ وتساوى ظناه ، فإنه يبني على انه لثالثة ويتم الرابعة ويحتاط ، وان كان شكه الأول وهو غير جالس بطلت صلاته ، لأن هذا الشك مقرر للشك الأول وكاشف عنه ، وهو قد حصل منه قبل كمال الأوليين.

اما لو لم يعد شكه الأول ، لكن بعد قيامه إلى الرابعة غلب على ظنه عكس ظنه الأول وكان راجحا عنده ، فإنه يعمل بالأخير لطريانه على الأول ، فيجعل قيامه ذلك للثالثة.

ولو كان شكه الأول وهو قائم ، فغلب على ظنه الثلاث فسبح ثمَّ غلب عنده العكس راجحا فإنه يعمل بالراجح ويقرأ للثالثة ويتم ، ولو كان الثاني غير راجح تساقطا لا إلى بدل ، فان كان الأول وهو جالس بنى على الأكثر وصحت صلاته ، والا بطلت.

الرابع : لو شك بين الاثنتين والثلاث في موضع يصح ، فبنى على الأكثر وقام ليأتي بتمامها ، فشك بين الثلاث والأربع بنى على الأكثر ، وقعد وتشهد وسلم واتى بالاحتياطين لحصول موجبهما ، ويحتمل قويا وجوب احتياط واحد ، إذ به يحصل الإكمال.

ولو شك بعد قيامه من التشهد هل كان تشهده للأولى أو الثانية؟ فإن رجح احد الطرفين ظنا عمل عليه ، وان تساويا بطلت ان كان شك قبل إتمام الثالثة ، لأنه شك في الأوليين ، وان كان بعد تمامها فهو كالشاك بين الثلاث والأربع ، لأن تشهده ان كان عقيب واحدة فهذه التي أكملها ثانية ، وان كان تشهده عقيب الثانية فهذه ثالثة ، فقد سلمت الأولتان على كل حال ، فيتمم الرابعة ويحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس ، قال صاحب السهوية : ويقضي التشهد.

٢٠٥

الخامس : لو أعاد صلاته من يجب عليه الاحتياط لم يصح ، لأنه اتى بغير المأمور به ، فلا يخرج من العهدة.

السادس : لو عجز فصلى من جلوس فقرأ للثالثة ثمَّ شك في التشهد ، احتمل التدارك ، لسقوط اعتبار القيام في هذه الصلاة فهو شك في محله ، والمنع ، لأن الجلوس في هذه الركعة بمثابة القيام فهو في غيرها ، فهو شك في شي‌ء بعد الانتقال عنه إلى غيره.

قال رحمه‌الله : وقيل : في كل زيادة ونقيصة.

أقول : سبق البحث في هذه (١١٨).

قال رحمه‌الله : وموضعهما بعد التسليم للزيادة والنقصان ، وقيل : قبله ، وقيل : بالتفصيل ، والأول أظهر.

أقول : اختلف الأصحاب في محل سجدتي السهو ، قال الشيخ والمفيد والسيد المرتضى وابن إدريس : هما بعد التسليم مطلقا ، واختاره المتأخرون ، لقول علي عليه‌السلام : «سجدتا السهو بعد التسليم وقبل الكلام» (١١٩) ، ونقل المصنف والعلامة في التذكرة انهما قبل التسليم مطلقا ، لقول الصادق عليه‌السلام : «هما قبل التسليم ، فإذا سلمت ذهبت حرمة صلاتك» (١٢٠) ، وقال ابن الجنيد بالتفصيل ، وهو انهما بعد التسليم ان كانتا للزيادة ، وقبله ان كانتا للنقيصة ، لقول الرضا عليه‌السلام : «إذا نقصت فقبل التسليم ، وإذا زدت فبعده» (١٢١).

__________________

(١١٨) ص ٢٠٢.

(١١٩) الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ٥ من أبواب الخلل ، حديث ٣.

(١٢٠) المصدر المتقدم ، حديث ٥. لكنه في الوسائل عن الباقر عليه‌السلام.

(١٢١) المصدر المتقدم ، حديث ٤.

٢٠٦

تنبيه : إذا جعلتا قبل التسليم كان محلهما بعد التشهد ، فإذا سجدهما تشهد بعدهما لهما ، ثمَّ سلم.

قال رحمه‌الله : وهل يجب فيهما الذكر؟ فيه تردد ، ولو وجب هل يتعين لفظ؟ الأشبه لا.

أقول : منشأ التردد من انهما سجدتان واجبتان فيجب فيهما الذكر كسجود الصلاة ، ومن أصالة براءة الذمة ، وجزم المصنف في المختصر بعدم الوجوب ، واختاره العلامة في المختلف ، والوجوب مذهب الشيخ رحمه‌الله ، واجتزأ في المبسوط بمطلق الذكر ، واختاره أبو العباس في موجزه.

وأوجب السيّد والمفيد وابن إدريس : بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، أو بسم الله وبالله اللهم صلّ على محمد وآل محمد.

واحتجوا بما رواه عبد الله الحلبي ، «قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في سجدتي السهو : بسم الله وبالله اللهم صلّ على محمد وآل محمد ، وسمعته مرة أخرى يقول : بسم الله وبالله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» (١٢٢).

قال المصنف في المختصر : وهي منافية للمذهب ، لرفع منصب الإمامة عن السهو. وليست صريحة في الدلالة على سهو الامام ، بل يجوز ان يسمعه يقول ذلك على سبيل الإفتاء في سجدتي السهو.

__________________

(١٢٢) الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ٢٠ من أبواب الخلل ، حديث ١ ، بتفاوت فراجع.

٢٠٧
٢٠٨

في قضاء الصلاة

قال رحمه‌الله : أما السبب فمنه ما يسقط معه القضاء ، وهو سبعة : الصغر والجنون والاغماء على الأظهر.

أقول : المشهور عدم وجوب القضاء بالإغماء ، لأن التكليف مشروط بالعقل وهو زائل عن المغمى عليه ، وإيجاب القضاء تابع لوجوب الأداء وهو منتف عن المغمى عليه ، وروى حفص بن البختري في الصحيح ، عن ابي عبد الله عليه‌السلام ، «قال : المغمى عليه يقضي صلاته ثلاثة أيام» (١٢٣) وحملها الشيخ على الاستحباب.

قال رحمه‌الله : وعدم التمكن من فعل ما يستبيح به الصلاة من وضوء أو غسل أو تيمم ، وقيل : يقضي عند التمكن ، والأول أشبه.

أقول : سبق البحث في هذه المسألة في باب التيمم (١٢٤).

__________________

(١٢٣) الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ٤ من أبواب قضاء الصلوات ، حديث ٧.

(١٢٤) ص ٩٥ ـ ٩٦.

٢٠٩

قال رحمه‌الله : فإن فاتته صلوات لم تترتب على الحاضرة ، وقيل : تترتب ، والأول أشبه.

أقول : لا ترتيب بين فوائت غير اليومية مع أنفسها ، ولا بينها وبين اليومية إلا في صورة التضيق فيبدأ بالمضيقة منهما وجوبا ، وتترتب الفوائت اليومية مع أنفسها ، فلو فاتته عصر ثمَّ ظهر قدم العصر على الظهر في القضاء ، وهل تترتب الفوائت اليومية مع حواضرها؟ فيه أربعة أقوال :

الأول : لا ترتيب مطلقا ، قاله ابنا بابويه ، واختاره أبو العباس.

الثاني : الترتيب مطلقا ، وهو قول السيد والشيخين وابن إدريس.

الثالث : إذا كانت واحدة لا غير ، وهو مذهب المصنف.

ومأخذ هذه الأقوال القول بالمضايقة أو بالمواسعة ، فمن قال بالمضايقة أوجب الترتيب ، ومن قال بالمواسعة لم يوجبه.

الرابع : الترتيب ان كانت الفائتة من يوم واحد ، تعددت الفائتة أو اتحدت ، وهو مذهب العلامة في المختلف ، واستدل الجميع بالروايات (١٢٥).

فرع : إذا ذكر سابقة في أثناء لاحقة عدل ما لم يتجاوز محله ، فان تجاوز صحت واتى بالسابقة بعدها ، وقد يترامى العدول كما لو ذكر أسبق من التي عدل إليها وهو في أثناء المعدول إليها ، فإنه يجب عليه العدول إلى تلك السابقة ، فلو ذكر الأسبق منها بعد العدول إليها عدل إلى الأسبق ، وهكذا.

وقد يدور أيضا ، كما لو عدل إلى السابقة فذكر براءة ذمته منها وجب العدول إلى اللاحقة التي عدل عنها ، وقد يجب العدول من الأداء إلى القضاء على القول بالمضايقة ، ويستحب على القول بالمواسعة ، ويجوز من القضاء إلى الأداء ، كما لو شرع في قضاء فائتة فذكر انه اتى بها وهو في وقت حاضرة ، فإنه

__________________

(١٢٥) راجع الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ٦٢ و ٦٣ من أبواب المواقيت.

٢١٠

ان شاء عدل إلى الحاضرة ، وان شاء عدل إلى النفل ، ويجب العدول في الأداء من اللاحقة إلى السابقة ، ويجوز من الواجب إلى النفل كناسي سورة الجمعة والأذانين وخائف فوت الجماعة ، ولا بد في العدول من إحداث نية العدول في قلبه ، ويحرم التلفظ بها في أثناء الصلاة ، فلو فعل بطلت صلاته.

قال رحمه‌الله : من فاتته فريضة من الخمس قضى صبحا ومغربا ، وأربعا عما في ذمته ، وقيل : يقضي صلاة يوم ، والأول مروي ، وهو أشبه.

أقول : وجوب الخمس مذهب أبي الصلاح وابن زهرة ، لأنه يجب عليه إعادة الفائتة ولا يتم الا بالخمس وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ولوجوب تعيين النية ، ولأنه أحوط ، والمشهور ما اختاره المصنف ، لأن الواجب واحدة وهي تحصيل بالثلاث ، فتكليفه بالزائد يحتاج إلى دليل ، وتعيين النية انما يجب مع العلم ، والا لزم تكليف ما لا يطاق.

قال رحمه‌الله : وإذا لم يكن مستحلا عزر فإن عاد عزر ، فإن عاد ثلاثة قتل ، وقيل : بل في الرابعة ، وهو أحوط.

أقول : القائل هو الشيخ في المبسوط ، لما روي : «ان أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة» (١٢٦) وذلك عام في جميع الكبائر ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في باب الحدود.

__________________

(١٢٦) المبسوط ١ : ١٢٩.

٢١١
٢١٢

في الجماعة

قال رحمه‌الله : وبإدراك الإمام راكعا على الأشبه.

أقول : قد سبق البحث في ذلك في باب الجمعة (١٢٧) فلا وجه للإعادة.

قال رحمه‌الله : ولا تنعقد والامام أعلى من المأموم بما يعتد به كالأبنية على تردد.

أقول : المشهور المنع من علو الامام على المأموم بما يعتد به ، والمستند رواية عمار الساباطي (١٢٨) ، عن الصادق عليه‌السلام ، وقال في الخلاف : يكره ان يكون الإمام أعلى من المأموم على مثل سطح ودكان وما أشبه ذلك ، قال العلامة : إنما قصد به التحريم.

وقال ابن الجنيد : لا يكون الإمام أعلى في مقامه بحيث لا يرى المأموم فعله الا ان يكون المأمومون أضراء ، فإنّ فرض البصير الاقتداء بالنظر ، وفرض الأضراء الاقتداء بالسماع.

__________________

(١٢٧) ص ١٦٧.

(١٢٨) الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ٦٣ من أبواب صلاة الجماعة ، حديث ١.

٢١٣

وقدّر العلو بما لا يتخطى ، واستقربه الشهيد في البيان ، وقدّر بشبر أيضا ، واستضعفه في البيان أيضا.

قال رحمه‌الله : ويكره أن يقرأ المأموم خلف الامام ، وقيل : يحرم ، وقيل :

يستحب ان يقرأ الحمد فيما لا يجهر فيه ، والأول أشبه.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : الجهرية ، وفيها قسمان :

[القسم] الأول مع عدم السماع ، وفيه ثلاثة أقوال :

الأول : وجوب القراءة ، وهو ظاهر ابي الصلاح الحلبي ، الثاني الاستحباب إذا لم يسمع قراءة الامام ولو همهمة ، وهو قول السيد وابن إدريس ، واختاره المصنف في النافع والعلامة في المختلف ، وتخصيص القراءة بالحمد ، الثالث ، قال سلار : وروي ان ترك القراءة خلف الإمام في الجهرية واجب (١٢٩).

القسم الثاني مع السماع ، وفيه قولان :

الأول : التحريم ، وهو قول الشيخ وابن حمزة ، الثاني : الكراهية ، وهو قول المصنف في النافع ، والعلامة في القواعد.

المسئلة الثانية : الإخفاتية وفيها ثلاثة أقوال :

الأول : الكراهية ، وهو مذهب المصنف ، الثاني : التحريم ، وهو ظاهر السيد وابن إدريس ، الثالث : الاستحباب ، قاله الشيخ وأبو الصلاح ، واختاره العلامة في القواعد (وأبو العباس في موجزه ومحررة) (١٣٠).

تنبيه : لو صلى خلف غير المرضي وجبت القراءة ، مع التقية بقراءة

__________________

(١٢٩) المراسم : ٨٧.

(١٣٠) ما بين القوسين من «ن».

٢١٤

الجهرية مستترا ولو كحديث النفس ، ولو فرغ قبل الإمام أبقى آية ليركع عن قراءة ، ولو لم يبق شيئا جاز ، لكن الأفضل الإبقاء ، ولو فرغ الامام قبله أتمها في ركوعه ان امكنه والا سقط المتخلف ، ولو فرغ من التشهد قبله أتمه قائما ، ثمَّ لا يعيد وان بقي الوقت.

ولا يشترط في التقية عدم المندوحة ، بل يستحب حضور جماعة العامة ، لما روي : «ان الصلاة معهم في الصف الأول كالصلاة خلف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (١٣١).

قال رحمه‌الله : ويجوز أن يأتم المفترض بالمفترض وان اختلفت الفريضتان ، والمتنفل بالمفترض والمتنفل ، والمفترض بالمتنفل في أماكن ، وقيل : مطلقا.

أقول : الاقسام هنا أربعة :

الأول : اقتداء المفترض بالمفترض مع اتفاق نظم الصلاتين وان اختلفتا عددا ، هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وقال محمد بن بابويه : ويصلي الظهر خلف من يصلي العصر لا بالعكس ، الا ان يتوهمها المأموم العصر ، قال الشهيد في البيان : ولا أعلم وجهه.

الثاني : اقتداء المتنفل بالمتنفل ، وهو جائز في أماكن كالاستسقاء والعيدين ، والصبي بالصبي ، قيل : وفي الغدير.

الثالث : اقتداء المفترض بالمتنفل في الصلاة المعادة ، وفي صلاة بطن النخل في حال الحرب.

الرابع : اقتداء المتنفل بالمفترض في المعادة أيضا ، وكاقتداء الصبي بالبالغ.

وللشيخ قول بجواز اقتداء المفترض بالمتنفل وبالعكس مطلقا.

__________________

(١٣١) الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ٥ من أبواب صلاة الجماعة ، حديث ١.

٢١٥

قال رحمه‌الله : ووقت القيام إلى الصلاة إذا قال المؤذن : «قد قامت الصلاة» ، على الأظهر.

أقول : هذا هو المشهور ، لأنه وقت الأمر بالقيام إلى الصلاة فيستحب عنده ، وقيل : وقت القيام إليها إذا قال : «حيّ على الصلاة» ، لأن معناه الدعاء إليها ، أي : «هلموا إلى الصلاة» ، فيستحب القيام عنده.

فائدة : إنما أسقط «حي على خير العمل» من الأذان عمر بن الخطاب ، وكان ينادى بها في عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعهد ابي بكر ، وأسقطها عمر ، قال : لئلا يتكل عليها الناس فيسقط الجهاد.

قال رحمه‌الله : يعتبر في الإمام الايمان والعدالة والعقل وطهارة المولد ، والبلوغ على الأظهر.

أقول : الخلاف هنا عائد إلى البلوغ ، والمنع من امامة الصبي مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال ابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، لأن غير البالغ ليس من أهل التكليف ، ولا يقع منه الفعل على وجه يعد طاعة ، لأنها موافقة الأمر ، والصبي ليس بمأمور إجماعا ، ولأنه عالم بعدم المؤاخذة بما يصدر منه من القبائح فلا يؤمن بطلان صلاته بما يوقع من الأفعال المنافية للصلاة ، إذ لا زاجر عن ذلك ، وجوز الشيخ في الخلاف والمبسوط إمامة المراهق المميز العاقل ، لقوله عليه‌السلام «مروهم بالصلاة لسبع» (١٣٢) فتكون صلاته شرعية ، ولأنه جاز ان يكون مؤذنا فجاز ان يكون اماما.

وأجاب العلامة ان مشروعية صلاته للتمرين لا لاستحقاق الثواب.

وقال ابن الجنيد : وغير البالغ ان كان مستخلفا للإمام الأكبر كالولي

__________________

(١٣٢) مستدرك الوسائل ، كتاب النكاح ، باب ٥٣ من أبواب أحكام الأولاد ، حديث ١.

٢١٦

لعهد المسلمين جاز ان يكون اماما ، وليس لأحد ان يتقدمه ، لأنه أعلى ذوي السلطان بعد الإمام الأكبر. وجوز أبو العباس في موجزه امامة المعصوم مع عدم البلوغ ، وهو حسن.

قال رحمه‌الله : ولا يشترط الحرية على الأظهر.

أقول : المنع من إمامة العبد مذهب الشيخ في النهاية إلا بمواليه إذا كان أقرؤهم للقرآن ، لأن الإمامة من المراتب الجليلة ، وهي غير لائقة بالعبد ، ولما رواه السكوني عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام : «لا يؤم العبد إلا أهله» (١٣٣).

والجواز مذهب ابن الجنيد وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة والشهيد ، وأبو العباس في موجزه ، لقوله عليه‌السلام : «يؤمكم أقرؤكم» (١٣٤) ، وهو عام ، ولأنه مشارك للحر في الصفات الموجبة للإمامة ، ولرواية محمد بن مسلم في الصحيح (١٣٥) ، عن أحدهما عليهما‌السلام.

تنبيه : مذهب الشيخ في المبسوط جواز إمامة اللاحن إذا لم يحسن إصلاح لسانه ، سواء كان لحنه يغير المعنى أو لا يغيره ، فالذي يغير المعنى ككسر كاف «إياك» وضم تاء «أنعمت» ، والذي لا يغير المعنى كفتح همزة «إياك» ، ونون «الرحمن» ، وميم «الرحيم» ، وما شابه ذلك ، لأن صلاته صحيحة ، فجاز ان يكون إماما ، والمشهور عدم الجواز ، لأنه بالنسبة إلى الأعراب كالأخرس ، فكما لا يصح إمامة الأخرس لا يصح امامة العاجز عن الأعراب.

__________________

(١٣٣) الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ١٦ من أبواب الجماعة ، حديث ٤.

(١٣٤) الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ١٦ من أبواب الأذان والإقامة ، حديث ٣.

(١٣٥) الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ١٦ من أبواب صلاة الجماعة ، حديث ٢.

٢١٧

قال رحمه‌الله : وإذا علم في أثناء الصلاة ، قيل : يستأنف ، وقيل : ينوي الانفراد ويتم ، وهو أشبه.

أقول : هذا فرع على ان من صلى خلف امام ثمَّ تبين بعد الفراغ انه كان كافرا أو فاسقا أو محدثا ، هل يجب عليه الإعادة أم لا؟ فيه قولان ، فمن أوجب الإعادة ـ كالسيد المرتضى ـ أوجب الاستئناف إذا علم ذلك في الأثناء ، ومن لم يوجب الإعادة ـ كالشيخ وابن إدريس والمصنف والعلامة ـ لم يوجب الاستئناف ، بل يكفيه نية الانفراد.

والمشهور عدم الإعادة ، لأنها صلاة مأمور بها ، فيخرج بها من العهدة ، لأنه مأمور بالجماعة خلف من يظن عدالته ، لأن علم العدالة في نفس الأمر غير ممكن.

واحتج القائلون بالإعادة : بأنها صلاة قد تبين فسادها لفوات شرطها وهو عدالة الإمام ، فتجب الإعادة.

فروع :

الأول : لو كان المأموم يخالف امامه في المسائل الخلافية التي تتعلق بالصلاة ، فإن كانت مما لا يقتضي بطلان الصلاة عند المأموم ، جاز الاقتداء كما لو اعتقد الامام وجوب القنوت والمأموم ندبيته ، أو كان يعتقد وجوب التسليم والمأموم ندبيته.

وإن اقتضى بطلان الصلاة عنده كفعل الكتف ، والتأمين أو يعتقد ندبية السورة ، لم يجز الاقتداء به وان اتى بالسورة ، لأن الإتيان بالواجب على وجه الندب لا يجوز ، وقال الشهيد في البيان : ولو اعتقد ندبية السورة والتسليم ، واتى بهما ، جاز الاقتداء به.

الثاني : لو كان المأموم يعتقد تحريم لبس السنجاب ، والامام إباحته ، لم يصح الاقتداء به حالة لبسه ، لا مطلقا.

٢١٨

الثالث : إذا استناب الامام غيره في أثناء القراءة جاز البناء على قراءة الامام ، والاستئناف أفضل ، وكذلك لو استنابه المأمومون.

الرابع : الاستنابة حق للإمام في صورة الحدث ، وللمأمومين في صورة الجنون والاغماء.

الخامس : لا يجب استدامة الاقتداء ، بل له المفارقة متى شاء لعذر وغيره ، فلو فارق قبل شروع الإمام في القراءة قرأ لنفسه ، ولو كان بعد الحمد وقبل السورة احتمل الاكتفاء بقراءة الإمام للحمد والإتيان بالسورة فقط ، واحتمل استئناف الحمد أيضا ، لأن مجموع القراءة فعل واحد ولم يكمل فيجب استئنافه ، وهو أحوط ، وان كان في أثناء الحمد احتمل الاستيناف ، لأنه اختار المفارقة قبل تمام الفعل ، فكأنه اختار إبطاله. واحتمل القراءة من موضع المفارقة ، لأن قراءة الإمام قائمة مقام قراءة المأموم مع إكمال القراءة إجماعا ، فيكون البعض قائما مقام البعض ، فيكفي الإتيان بالباقي.

هذا مع اختيار المفارقة ، اما لو كان الفراق لعذر جاز البناء ، والاستئناف أفضل ، كما في صورة الاستخلاف ، ولا بد من احداث نية المفارقة في القلب ، ولو فارق من غير إحداث نية فعل حراما وصحت صلاته.

قال رحمه‌الله : فإذا سلم قام فاستأنف بتكبير مستأنف ، وقيل : يبني على التكبير الأول ، والأول أشبه.

أقول : إذا أدرك الامام وقد رفع رأسه من الركعة الأخيرة كبر للافتتاح وسجد معه السجدتين ، فإذا سلم الامام ، هل يجوز له حذف السجدتين والبناء على تكبيره ، أو يجب عليه استقبال صلاته بتكبير مستأنف؟

ذهب المصنف في المختصر إلى البناء على تكبيرة الأول ، لأن القصد بالسجدتين متابعة الإمام ، فلا يعتد بهما ، وهو ظاهر المبسوط ، لأنه قال فيه

٢١٩

ومن أدرك الإمام بعد رفع رأسه من الركوع استفتح الصلاة وسجد معه السجدتين ، ولا يعتد بهما.

واختار في الشرائع استئناف التكبير ، وجعل مذهبه في المختصر قولا ، لأن السجدتين ركن ، وزيادة الركن مبطلة للصلاة ، وهذا هو المشهور بين الأصحاب ، والفائدة إدراك فضيلة الجماعة على المختار.

٢٢٠