الميرزا أبو الفضل النجم آبادي
المحقق: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
الموضوع : الفقه
الناشر: الغفور ـ قم
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-92663-2-1
الصفحات: ٦٤٠
عادة يقرّب بأنّ الشارع إذا جعل حقّ الخيار في الحيوان ممتدّا مستمرّا إلى ثلاثة وجعل أمر إبقائه وإعدامه بيد المكلّف ، فكما أنّ المكلّف يقدر على إعدامه رأسا ، فكذلك له أن يجعله قصيرا إمّا بإسقاط بعضه من الأوّل أو من الآخر.
وبعبارة اخرى ؛ الخيار وإن كان حقّا شخصيّا لا تعدّد فيه بوجه أصلا ، ولكنّه لما كان من الامور الممتدّة المستمرّة ، فالمكلّف كما أنّه قادر على إعدامه من أصله فأيضا قادر على أن يقطع بعضه من أيّ طرف منه ، ومع ذلك لا يخرج عن الوحدة الشخصيّة ، وإنّما اختلف حدّه.
وأنت خبير بأنّ غاية هذا التقريب أنّه يجوز سقوط بعضه إمّا من الأوّل أو من خصوص الآخر ، وأمّا من الوسط فلا ، وذلك لأنّ التقطيع من الوسط مع حفظ الطرفين مستلزم لتحقّق شخصين من حقّ الخيار.
وقد أشرنا إلى أنّ الخيار حقّ واحد شخصي ليس قابلا للتعدّد أصلا ، فلو أسقطه من اليوم الثاني ، فلا بدّ أن لا يبقى له الخيار في اليوم الثالث أيضا ، فينحصر أمر جواز سقوطه على هذا التقريب بالأوّل والآخر ، مع ما في أصل هذا التقريب ، كما سيظهر.
واخرى يقرّب بأنّ الخيار من الحقوق الوجداني الّذي ليس له جهة استعداد وأجزاء أصلا ، وليس من الامور التدريجية الّتي يوجد تدريجا ، بل من الامور القارّة الّتي إذا تحقّق يتحقّق بتمام ذاته كالملكيّة.
نعم ؛ هذا الأمر القارّ بالذات إذا وجد يكون بحسب استعداد ذاته قابلا للبقاء إلى مدّة خاصّة ، كالملكيّة الّتي لها استعداد البقاء إلى الأبد بعد وجودها لو لم يمنع عنه المانع ، فليس من الامور الممتدّة الّتي يكون الامتداد مقوّما لأصل
ذاته كالخطّ ، بل بذاته أمر آنيّ الحصول ، وإنّما الامتداد إلى ثلاثة أيّام ظرف لبقائه بعد حدوثه.
فحينئذ ؛ لو أسقط هذا الحقّ من اليوم الوسط فلا يعقل بقاؤه في اليوم الثالث إلّا بأن يكون الزائل عائدا ، فإذا لم يكن لنا دليل على عوده ، فلا يمكن الحكم ببقائه في اليوم الثالث ، كما أنّه بقاء على هذا التقريب لو أسقطه من الأوّل فلا بدّ من القول بسقوطه رأسا ؛ لأنّه بعد ما زال أصل الوجود القارّ بالذات فعوده يحتاج إلى الدليل.
نعم ؛ له إسقاطه من الآخر ؛ لأنّ مرجعه إلى إزالة بقائه بعد حدوثه فهو جائز ، كما أنّ له إسقاطه اختيارا في اليوم الثالث أو الثاني ، فتعيّن حينئذ لأن يقال بأنّه ليس له شرط سقوطه في بعض الأوقات إلّا بالنسبة إلى الآخر لا الأوّل والوسط.
اللهمّ [إلّا] أن يقال بأنّ شرط السقوط في المقام لمّا هو أعمّ من السقوط بعد الوجود ومن شرط عدم الحدوث ، فبالنسبة إلى الأوّل أيضا له أن يشترط عدم حدوثه في وقت خاصّ من الزمان الّذي يصلح لأن يوجد فيه.
غاية الأمر هذا الشرط يمنع عن حدوثه في ذاك الزمان المخصوص ، وبعد انقضائه يوجد الخيار ؛ لعدم المانع مع وجود المقتضي ، كما لا يخفى.
ولكن هذا لا يجري في الوسط ؛ لأنّه إسقاط بعد الحدوث ، وبعد إزالته ، عوده يحتاج إلى دليل.
وأنت خبير بأنّه لو كان عوده بعد إسقاطه من الوسط محتاجا إلى الدليل ، فكذلك إسقاطه من الأوّل ثمّ عوده ، ـ أي حدوثه بعد زمان الإسقاط ـ أيضا
يحتاج إليه ؛ إذ الخيار حقّ وجدانيّ مبدأ حدوثه حين العقد ، وإذا حدث فيه يبقى إلى ثلاثة أيّام لو لم يمنع عنه مانع ، وإذا أحدث مانعا عن أصل حدوثه في خصوص اليوم الأوّل لكونه بذاته مقتضيا للحدوث فيما بعد انقضاء تلك المدّة أيضا يحتاج إلى الدليل ، وليس لنا مثله ؛ لأنّه ما قام من الدليل هو جواز رفعه رأسا ، وأنّه بذاته يقتضي الجدوى في خصوص أن بعد العقد ، أمّا مع وجود المانع حينه ، فلا يعلم أنّ مقتضى ذاته حدوثه في الآن البعد.
ولكن الإنصاف أنّه لو التزمنا بجواز شرط سقوطه من الآخر ، أي كان شرط عدم بقائه بعد الحدوث جائزا ، لكان مقتضى القاعدة جواز شرط عدم حدوثه في خصوص الزمان الأوّل ؛ لأنّ اعتبار شرط عدم حدوثه بالنسبة إلى ما يقتضي الخيار من قبل اعتبار المانع بالنسبة إلى المقتضي ، والمقتضي له هو الحيوانيّة الّتي يقتضي ثبوته في جميع أوقات الخيار ، فإذا منع عن خصوص الزمان الأوّل فحدوثه يكون بعد انقضاء زمان المانع قهرا ، ولا يوجب ذلك تعدّد الحقوق ، بل الحقّ الواحد بأوّل وجوده يكون من آثار المقتضي ، غاية الأمر أنّه إذا منع عن أوّل وجوده في الزمان الأوّل يحصل بعده.
إلّا أن يقال : لا نعلم أنّ الحيوانيّة مقتض للخيار في جميع الأوقات ، بل القدر المتيقّن أنّه مقتض للخيار المتّصل بالعقد ، وبعد وجوده يكون باقيا بمقتضى ذاته ، فإذا تحقّق ما يمنع عن تأثير المقتضي في ذاك الوقت فلا دليل على تأثيره بعد انقضائه ، ولو شككنا فالاستصحاب يقتضي أيضا عدم حصوله ، فتعيّن أنّ القدر المتيقّن جواز الإسقاط من الآخر ، فتأمّل.
ومن المسقطات ؛ التصرّف من ذي الخيار في ظرف الخيار.
قد تقدّم في أوّل الباب أنّ جعل التصرّف بعنوان كونه كاشفا عن الرضا من المسقطات مسامحة.
وكيف كان ؛ لا كلام في سقوط الخيار وعدم بقائه إذا صدر من ذي الخيار تصرّف في العين في الجملة ، وإنّما الكلام في أنّ التصرّف المسقط أيّ نحو منه ، وأنّه بنفسه هل يسقط الخيار؟ فالتصرّف هو المسقط له كالفسخ بالفعل أو من جهة أنّه كاشف عن الرضا؟
ومنشأ الاختلاف اختلاف الأنظار فيما يستفاد من الأخبار ، وقد اضطربت كلماتهم في تنقيح المسألة ، فعلينا أوّلا ذكر الأخبار والوجوه المحتملة فيها ثمّ تحقيق الأمر.
فنقول بعونه تعالى : إنّ من الأخبار ما يرويه ابن رئاب : «فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل ثلاثة أيّام فذلك رضا منه ، ولا يشترط له».
قيل له : وما الحدث؟
قال : «إن لا مس أو قبّل أو نظر منها إلى ما كان محرّما عليه قبل الشراء» (١).
ومنها صحيحة الصفّار : كتبت إلى أبي محمّد عليهالسلام في الرجل اشترى دابّة من رجل فأحدث من أخذ الحافر أو نعلها ، أو ركب ظهرها فراسخ ، أله أن يردّها في ثلاثة أيّام التي فيها الخيار بعد الحدث اللذين يحدثهما أو الركوب الّذي يركبها؟ فوقّع عليهالسلام : «إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء إن شاء الله» (٢).
__________________
(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٣ الحديث ٢٣٠٣٢.
(٢) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٣ الحديث ٢٣٠٣٣.
ومنها ما في ذيل الصحيحة المتقدّمة عن «قرب الإسناد» قلت له : أرأيت إن قبّلها المشتري أو لامس ، [قال : فقال : «إذا قبّل أو لامس] (١) أو نظر منها إلى ما يحرم على غيره؟ «فقد انقضى الشرط ولزم البيع» (٢).
ولا إشكال في أنّ جميع هذه الأخبار مشتركة في جعل مناط سقوط الخيار تصرّف ذي الخيار.
ولكن الوجوه المحتملة في ذلك عديدة :
أحدها ؛ كون المناط هو مطلق التصرّف ، سواء كان دالّا على الرضا بالبيع وبقائه أم لا ، وعلى فرض كونه بنفسه دالّا سواء قطعنا من الخارج أنّه ما تصرّف بعنوان الرضا أم لا ، فحينئذ يكون المراد من قوله : «فذلك رضا منه بالبيع» جعل التصرّف ومطلق الحدث رضا تعبّديّا بالبيع ، أي مجرّد التصرّف يكون بمنزلة الرضا بالبيع تعبّدا.
ثانيها ؛ أن يكون المناط في السقوط هو التصرّف مطلقا ، ولكن السبب في جعله من جهة كونه دالّا على الرضا بالبيع في غالب موارده ، ولو في بعضها لم يدلّ من جهة قرينة محفوفة بالكلام دالّة على عدم كونه بعنوان الرضا ، فتكون الدلالة على الرضا في نوع موارده ولو بالدلالة التصوريّة من قبيل الحكمة في جعله مسقطا للخيار.
وهذا من قبيل الأوّل في عدم اعتبار استكشاف الرضا في الحكم بسقوط الخيار ، بل مع القطع بعدم الرضا أيضا مسقط ، وإنّما الفرق بينهما أنّ الثاني لا
__________________
(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من وسائل الشيعة.
(٢) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٣ الحديث ٢٣٠٣٤.
يشمل التصرّفات الغير الدالّة على الرضا نوعا أو شخصا ، بخلاف الأوّل ، فإنّ المسقط فيه هو مجرّد التصرّف.
نعم ؛ الظاهر أنّ التصرّفات الّتي ليست لها دلالة على الرضا ولو مع عدم القرينة هي نادرة ، أو مجرّد الفرض لا مصداق لها.
ثالثها ؛ أن يكون المناط هو التصرّفات الّتي لها الدلالة على الرضا نوعا ، أي ما يكون من قبيل الظهور في باب الألفاظ ، بأن يكون التصرّف لو خلّي وطبعه كان موجبا للانتقال إلى أنّه صدر عن الالتزام بالعقد.
وهذا أخصّ من القسمين ، لأنّه لا يشمل ما لا دلالة له أصلا ، لا تصوّرا ولا تصديقا ، ولكنّه أعمّ من أن يكون هناك قرينة منفصلة عن الكلام كانت موجبة للقطع بعدم الرضا أو الظنّ أم لا ، لأنّ المراد منه هو التصرّف الّذي لو خلّي وطبعه لكان موجبا للانتقال إلى أنّه صدر عن الالتزام بالبيع تصوّرا ولو لم يوجب التصديق به ، فيخرج التصرّفات الّتي لا ظهور لها أصلا.
وكذلك إذا اضيف بالقرينة على وجه صار ظاهرا في عدم الرضا أو مجملا ، بأن يكون مختصّا بما يصلح للقرينيّة ، ولكنّه تشمل التصرّفات الظاهرة في الرضا بنفسها وإن علمنا بدليل منفصل بعدم رضائه.
الرابع ؛ أن يكون المراد التصرّفات الدالّة على الرضا ، فعلا ؛ بحيث كان موجبا للتصديق الفعلي على أنّه صدر عن رضا ، فيكون المدار على الرضا الشخصي ، فلو كان التصرّف بنفسه ظاهرا بحيث كان موجبا للانتقال إلى الرضا تصوّرا ، ولكن لم يوجبه تصديقا على نحو القطع فعلا ، فلا يوجب السقوط ، وهذا أخصّ من جميع الأقسام.
ثمّ إنّه على القسمين الأوّلين يكون التصرّف بنفسه مسقطا من دون دخل للرضا ، فاعتبار التصرّف من باب الموضوعيّة ، غاية الأمر في الثاني يكون كشفه عن الرضا نوعا حكمة ، وفي الأوّل ما لوحظ ذلك أصلا.
وعلى كلا التقديرين لا بدّ من حمل قوله : «فذلك رضا منه» من قبيل التنزيل تعبّدا ، أي إحداث الحدث بمنزلة الرضا في كونه مسقطا ، فيكون جزء لقوله : «وإن أحدث».
وعلى الثالث ؛ يحتمل وجهان : أن يكون التصرّف ـ بعد الفراغ عن ظهوره بنفسه في الرضا بما هو ـ مسقطا فيكون من قبيل حجيّة الظاهر في باب الألفاظ تعبدا ولو مع علم على خلاف إرادة الظاهر ، فلازمه كون التصرّف بنفسه مسقطا ولو مع العلم بعدم الرضا من الخارج ، أو يكون مسقطيّته بلحاظ كشفه وطريقيّته إلى الرضا ، فالمسقط حقيقة هو الرضا.
غاية الأمر جعل التصرّف الظاهر بنفسه في الظاهر دليلا لاستكشاف الرضا المسقط تعبّدا ، فيكون التعبّد في استكشاف الرضا المسقط بالتصرّف لا في جعل نفس التصرّف ، فحينئذ ؛ مع العلم بعدم الرضا لا يكون التصرّف دليلا للإسقاط.
نعم ؛ لا ينافي الظنّ بالخلاف إذا لم تكن بحجّة بالخصوص.
وعلى الرابع ؛ يكون تمام المدار على الرضا الفعلي.
ثمّ إنّه عليه هل يشترط أن يكون له مظهر من قبيل التصرّف فيكون التصرّف شرطا لكون الرضا مسقطا ، أو لا يشترط في سقوط الخيار بالرضا شيء ، وإنّما جعل التصرّف معتبرا من باب أنّه ممّا يستظهر به الرضا ، فلو علم
الرضا من الخارج يوجب السقوط من دون لزوم صدور تصرّف أصلا؟
فالبحث هنا في مقامات :
أحدها ؛ أنّ المستفاد من الأخبار أيّ واحد من هذه الاحتمالات.
ثانيها ؛ على فرض استفادة المعنى الثالث ، هل المسقط نفس التصرّف الظاهر في الرضا بالظهور التصوّري الفعلي ، أو الرضا المستكشف تعبّدا؟
ثالثها ؛ أنّه على فرض استفادة الوجه الرابع ، الرضا الفعلي يشترط وجود المظهر له أم لا؟
أمّا الكلام في المقام الأوّل ؛ فالتحقيق أنّ المستفاد من الأخبار هو الثالث ، وذلك ، لأنّه أمّا الوجه الرابع ؛ فواضح أنّه منتف ولا سبيل إليه ؛ إذ لو كان المدار على الرضا الفعلي لكان الحقّ جعل المسقط هو الرضا الفعلي المستكشف ، لا الحدث والتصرّف ، مع أنّ الأخبار بأسرها ناطقة بأنّ المسقط هو الحدث.
وأمّا قوله : «فذلك رضا منه» فليس دليلا على كون الرضا الفعلي مسقطا ؛ لأنّه يكون كذلك قوله : «فذلك رضا» من قبيل الإخبار عن الواقع ، مع أنّه ظاهر في كونه جزء لقوله : «وإن أحدث حدثا» ، ومع كونه كذلك فلا يمكن أن يكون المراد منه إلّا كونه الرضا التعبّدي ، إمّا بجعل التصرّف رضا تنزيليّا ، وإمّا بجعل الرضا منكشفا بالحدث تعبّدا ، وإلّا فلو كان المراد هو كون المسقط الرضا الشخصي الفعلي فلا معنى لسؤال الراوي ثانيا بقوله : وما الحدث؟ كما هو ظاهر فتأمّل!
وأمّا عدم الأوّلين وانحصار الاستفادة بالوجه الثالث ؛ فمن وجهين :
أحدهما ؛ غاية التعبير في جعل الحدث موجبا لإسقاط الخيار بقوله :
«فذلك رضا منه بالبيع» سواء جعل الجزاء نفس قوله : «فذلك رضا» أو جعل الجزاء قوله : «فلا شرط له» وجعل «فذلك رضا» بمنزلة العلّة ؛ لأنّه لو كان الحدث مطلقا بما هو حدث موجبا للسقوط فلا يبقى مجال لجعله بعنوان أنّه رضا مسقطا ، أو جعل ذلك علّة لكون الحدث مسقطا ، واحتمال أنّه من باب التنزيل يكون خلاف الظاهر ، فيكون نفس غاية جعل الحديث بعنوان أنّه رضا بالبيع مسقطا ظاهرا كمال الظهور في أنّ التصرّف بما هو ليس ملاكا للمسقطيّة ، بل بما هو رضا وبعنوان كشفه عنه مسقط.
لا يقال : بناء على الثالث أيضا ليس التصرّف بما هو رضا مسقطا ؛ لعدم اعتبار دلالته على الرضا ، بل ولو مع الظنّ بعدم الرضا أيضا كان موجبا للسقوط ، بل ولو مع القطع بعدم الرضا على أحد الوجهين ، فحينئذ ؛ لا بدّ من الالتزام بالتنزيل ولا محيص عنه على كلّ تقدير.
لأنّا نقول : على الوجه الثالث الدلالة على الرضا بالدلالة التصوريّة بحيث ، كان التصرّف موجبا للانتقال إلى الرضا ، فيكون فعليّة.
وبعبارة اخرى ؛ الظهور فعلي وإن لم يكن هناك تصديق بالنسبة إلى الرضا الفعلي للظنّ أو القطع الخارجي على إرادة خلاف الظاهر ، فإذا كانت الدلالة فعليّة ، فالتصرّف من قبيل الحاكي بالنسبة إليه ولو تصوّرا كالظهور في باب الألفاظ ، وبعناية أنّ المرآة عين المرئيّ بوجه يصحّ أن يقال : هو رضا بالبيع ، كما لا يخفى.
الوجه الثاني ؛ تخصيص الحدث الموجب للإسقاط بالأمثلة المذكورة في الأخبار ، فإنّ التصرّف لو كان مطلقا موجبا للإسقاط فلا وجه لسؤال الراوي بعد
قول الإمام عليهالسلام : «فإن أحدث فيه حدثا فذلك رضا منه فلا شرط له» بقوله : وما الحدث؟
فمنه يستفاد أنّه ما فهم الإطلاق من قوله : «فإن أحدث حدثا» مع كونه من أهل اللسان.
ثمّ إنّ الإمام عليهالسلام أيضا ما أجابه بأيّ حديث أو مطلق التصرّف ، بل أجاب بمثل تقبيل الأمة ولمسها والنظر إليها ، ومن المعلوم أنّ مثلها لا يصدر ممّن لا بناء له على الالتزام بالعقد نوعا ؛ إذ من لم يكن بانيا على الالتزام يرى نفسه بالنسبة إلى العين كالأجنبي ، فلا يقدم على مثل تلك الامور الّتي لا تصدر عن غير الزوج ؛ لأنّ صدورهما على وجه الشهوة والملاعبة ، خصوصا مع القرينة في ذيلها ، فلو كان المدار على التصرّف بعنوان الموضوعيّة فلا مجال لذكر مثل النظر لعدم كونه إحداث حدث في البيع ، ولذا في الموارد الّتي لا يحرم النظر إليها بغير الزوج لا يحرم ولو مع منع المالك.
فيعلم من ذلك أنّ عدّ مثل النظر على الوجه المحرم لغير الزوج من الأحداث المسقطة ليس إلّا من جهة كشفه عن الرضا ، نوعا ، وأنّ اعتبار إحداث الحدث في المسقط ليس له موضوعية ، بل من باب كونه كاشفا نوعيّا عن الرضا ، والالتزام بالعقد بقاء.
فقوله عليهالسلام في صحيحة الصفّار جوابا عن السائل عن التصرّف في الدابّة بمثل أخذ الحافر والنعل أو الركوب إلى فراسخ : «فإن أحدث فيها حدثا» (١) وإن كان مطلقا ، والمطلق يقتضي الحمل على العموم ، وأنّ الحدث بأيّ نحو فعل
__________________
(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٣ الحديث ٢٣٠٣٣.
يوجب سقوط الخيار ، ولكن بعد جعل الحدث بما هو رضا مسقطا في الصحيحة المتقدّمة ـ على ما تقدّم ـ لا تبقى إطلاق في تلك الصحيحة.
مضافا إلى أنّ الحدث فيها ينصرف إلى ما كان من صنف المذكورة في سؤال السائل ، ولا إشكال في أنّ مثل الركوب إلى فراسخ بل النعل وأخذ الحافر يكشف نوعا عن الالتزام بالعقد.
ويقوّي ذلك أنّه عليهالسلام قيّد كون الحدث مسقطا بقوله : «إن شاء الله» ، فلو كان الحدث بما هو مسقطا لكان الحكم إنشاء محضا ، فلا معنى حينئذ لقوله : «إن شاء الله».
فذلك يشهد بأنّه اريد من كون الحدث مسقطا باعتبار كشفه عن الرضا ، فمعناه حينئذ أنّه إن أحدث حدثا فقد وجب الشراء ؛ لكونه راضيا به إن شاء الله.
وبالجملة ؛ المستفاد من سوق الأخبار هو كون التصرّف بما هو كاشفا عن الرضا وبعنوان أنّه رضا مسقط.
ثمّ من مجموع ما ذكرنا علم أنّ المستفاد من الأخبار بناء على الوجه الثالث هو الوجه الثاني ، وكون التصرّف الكاشف مسقطا بلحاظ طريقيته النوعيّة.
وبعبارة اخرى ؛ المسقط هو الرضا حقيقة ، غاية الأمر أنّ الشارع أعمل التعبّد في استكشاف بالتصرّف الظاهر فيه نوعا ، أي لو خلّي وطبعه ، وذلك من جهة أنّه على الوجه الأول يكون المسقط حقيقة هو التصرّف بما هو تصرّف ، فلا بدّ أن يلاحظ على نحو الموضوعيّة فيرجع لبّا إلى القسمين الأوّلين.
فحينئذ ينافيه قوله : «فذلك رضا منه بالبيع» ، فتعيّن الوجه الثالث ثمّ بناء
عليه يتعيّن الوجه الثاني منه ، كما لا يخفى ، ويكون هذا هو مراد أكثر الفقهاء المنقول كلماتهم في طي إفادات الشيخ قدسسره إلّا العلّامة قدسسره مع الاضطراب والتردّد وبعض آخر (١).
والعجب أنّ الشيخ قدسسره مع تصريحه بعدم التوافق بين كلمات الأصحاب وما يستفاد من الأخبار وقع في الإشكال وعمّم المسألة عليه من جهة الاستظهار عن الأخبار (٢) ، والتحقيق هو ما أشرنا إليه ، بل لا ينافيه كلمات أغلبهم ، فافهم وتأمّل في ما نقله الشيخ قدسسره من عباراتهم تجدها موافقة لما استفدنا ، والله العالم.
خيار الشرط
الثالث من الخيارات ؛ خيار الشرط ، أي الثابت باشتراطه في العقد ، لا خلاف فتوى في جواز شرط الخيار ونفوذه ، ولا أنّه لا يتقدّر بحدّ وبمدّة مخصوصة.
ويدلّ على ذلك الإجماع المدّعى في المقام (٣) ، والأخبار المستفيضة [من] العامّة والخاصّة.
فمن الأوّل ما ادّعي تواتره (٤) : «إنّ المسلمين عند شروطهم» (٥) ، ويزيد في
__________________
(١) المكاسب : ٥ / ٩٩ ـ ١٠٧ ، وانظر! تذكرة الفقهاء : ١ / ٥٣١ ، وغنية النزوع : ١ / ٢٢٢.
(٢) المكاسب : ٥ / ١٠٠ ـ ١٠٤.
(٣) المكاسب : ٥ / ١١١ ، ولاحظ! الانتصار : ٤٣٤ المسألة ٢٤٦ ، الخلاف : ٣ / ١١ و ٢٠.
(٤) المكاسب : ٥ / ١١١.
(٥) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٦ الباب ٦ من أبواب الخيار.
بعض الأخبار «إلّا شرطا خالف كتاب الله فلا يجوز» (١).
وفي بعضها الآخر : «إلّا شرطا حرّم حلالا أو حلّل حراما» (٢).
وأمّا ما ورد من اعتبار كون الشرط الجائز موافقا للكتاب (٣) فالمراد منه عدم المخالفة ، كما يأتي تفصيل ذلك في باب الشروط.
ومن الثانية صحيحة ابن رئاب عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث قال : «وإن كان بينهما شرط أيّام معدودة وهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط فهو من مال البائع» (٤) وغير ذلك من الأخبار الواردة في الموارد الخاصّة ، كما في اشتراط الفسخ بردّ الثمن ، كما سيأتي ، فأصل المسألة كالمسلّم عندهم.
ولكنّه يجري الإشكال الّذي قد تقدّم في شرط السقوط ، هنا أيضا من كونه يرجع إلى شرط خلاف الكتاب ؛ لأنّ شرط الخيار يكون مخالفا لـ (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، والجواب عن ذلك كما سبق ، ولعلّ عدم تعرّض الشيخ قدسسره أيضا [لذلك] أو لما يأتي في بحث أحكام الشروط.
وإنّما المهمّ في المقام ؛ هو تحقيق أنّ اشتراط الخيار في البيع الّذي سيقع في ضمن عقد لازم غيره ، هل يجوز أم لا؟ مثل أن يشترط في عقد الصلح الخيار في البيع الّذي يقع بينهما فيما بعد.
فنقول : بناء على مسلك الشيخ رحمهالله من كون تقديم دليل الشرط على دليل لزوم العقد من قوله : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) من جهة كون دليل اللزوم لا تشمل
__________________
(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٦ الحديث ٢٣٠٤١.
(٢) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٧ الحديث ٢٣٠٤٤.
(٣) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٦ الحديث ٢٣٠٤٠.
(٤) وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٠ الحديث ٢٣٠٤٨ ، وفيه : ابن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام.
العناوين الثانويّة ، فلا يصحّ هذا الشرط (١) ؛ لأنّ شرط الخيار لا يصير عنوانا للبيع بحسب العرف ، إلّا أن يكون شرطا في ضمنه بحيث يصير من قيوده وتوابعه ، فإذا جعل شرط الخيار في البيع من قيود عقد آخر فلا يصير من قيوده ، بل بالنسبة إليه يكون من قبيل الأجنبي.
وبالجملة ؛ قيديّة الشرط للبيع لا يحصل إلّا بأن يكون أمرا متّصلا بالكلام ، وأمّا لو كان منفصلا عنه فلا يصير مرتبطا به عرفا ، فلا يحصل له العنوان الثانوي حتّى يقال بتقديمه على دليل اللزوم ، ولذا قلنا بأنّ الشرط الغير المذكور في العقد ليس نافذا.
وأمّا على مسلكنا من كون تقديم دليل الشرط على لزوم العقد من جهة التزاحم بين المقتضي التنجيزي والتعليقي فربّما نلتزم بنفوذ مثل هذا الشرط.
بيان ذلك ؛ أنّ لزوم العقد عبارة عن عدم السلطنة على حلّه أو عدم السلطنة على استرجاع العين ، غاية الأمر بعدم تأثير الفسخ لو فسخ نستكشف ذلك.
فلو قلنا : إنّ العقد لما اقتضى عدم جعل حقّ الخيار فليس لأحدهما سلطنة على حلّه أو عدم السلطنة ؛ فلا بدّ وأن نقول : إنّ اللزوم بمعنى عدم الخيار أو عدم الجواز الحكمي كلاهما من مقتضيات العقد ، وهو في هذا الاقتضاء تنجيزي فحينئذ يعارض مقتضى الشرط.
وكذلك لو قلنا : إنّ العقد يقتضي الملكيّة وأنّها تضادّ مع الخيار يكون عدم جعل الخيار أيضا من مقتضيات العقد ولو بالواسطة ، ولكن ليس شيء من ذلك
__________________
(١) لاحظ! المكاسب : ٦ / ٥٤ ـ ٥٧.
معنى اللزوم في العقد ، بل اللزوم فيه ليس إلّا عبارة عن عدم جعل سلطنة وحق للغير بالنسبة إلى فسخه أو استرجاع العين.
ومن المعلوم أنّ اللزوم بهذا المعنى ليس حكما اقتضائيّا يقتضيه العقد ، بل هو لا يقتضي إلّا تحقّق مضمونه وهو حصول الملكيّة ، فإذا لم يجعل الشارع للغير بالنسبة إلى العين وفسخ العقد حقّا وسلطنة فينتزع من ذلك لزوم العقد ، وإلّا فأصل العقد لا يقتضي عدم جعل الخيار لا بمدلوله المطابقي كما هو ظاهر ؛ لأنّه ليس إلّا التمليك والتملّك ، ولا بمدلوله الالتزامي وهو كون الملكيّة مضادّة لجعل الخيار ، وهو أيضا واضح.
فإذا فرضنا أنّ اللزوم ليس حكما يكون من مقتضيات العقد بل من جهة عدم جعل الحقّ للغير وهو أيضا واضح.
فإذا فرضنا أنّ اللزوم في العقد ليس حكما يكون من مقتضيات العقد ، بل من جهة عدم جعل الحقّ للغير ينتزع عنوانه ، فلا يكون العقد حينئذ مقتضيا لعدم الخيار حتّى يزاحم المقتضي له ، وهو الشرط.
نعم ؛ اللزوم بمعنى عدم جواز استرجاع العين وعدم السلطنة عليه من مقتضيات العقد بالدلالة الالتزاميّة ؛ إذ العقد يقتضي الملكيّة ، وهي تقتضي سلطنة المالك على منع الغير عن تملّك ماله ، فالعقد يقتضي منع الغير وعدم سلطنته على تملّك المال ، ولكن لا ربط له بما نحن فيه ؛ لأنّ شرط الخيار لا يكون مرجعه إلى ذلك ، بل إلى جعل حقّ الخيار بالنسبة إلى العقد ، وقد مرّ أنّ العقد لا يقتضي عدم ذلك.
وأمّا (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فهو أيضا لا يدلّ على أزيد ممّا اقتضاه نفس العقد ،
فإنّ معنى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ليس إلّا وجوب الالتزام بمضمون العقد أي حصول الملكيّة ، ثمّ الحركة إلى طبقه ما دام باقيا ، وأمّا بعد ارتفاعه فلا اقتضاء له ، كما لا يخفى ، فالحقّ نفوذ الخيار. والله العالم.
ثمّ نذكر جملة من أحكام الشرط هنا في طي مسائل :
الاولى ؛ يشترط تعيين مدّة الخيار ابتداء وانتهاء ، فلو لم يتعيّنا مدّة من أحد الطرفين فله صور :
فتارة ؛ لا يذكرون مدّة أصلا ، كأن يقول : بعتك هذا بهذا على أن يكون لي الخيار.
واخرى ؛ يذكر مدّة مطلقة ، كأن يقول : في مدّة ، أو يقدّره بأمر مجهول مطلقا كأيّام.
وثالثة ؛ يذكرون زمانا مجهولا ، كأن يقول : إلى زمان قدوم الحاجّ.
وعلى كلّ تقدير إمّا أن يجعل الشرط في نفس العقد المشروط فيه ، وإمّا أن يجعل في ضمن عقد آخر.
أمّا إذا جعل في نفس هذا العقد ؛ فالأقوى فساد العقد في جميع الصور المتقدّمة ؛ لأنّ ابتداء المدّة في جميع تلك الصور وإن كان بمقتضى الانصراف إلى زمان العقد معلوما ، ولكن انتهاؤها لما كان مجهولا فيكون غرريّا ، فإذا صار الشرط كذلك يوجب صيرورة أصل البيع غرريّا ؛ لما سيأتي في محلّه من أنّ الغرر في الشرط ليسري إلى البيع ، فإذا صار هو غرريّا يكون أصل البيع فاسدا ؛ لما ورد من أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن بيع الغرر (١).
__________________
(١) عيون أخبار الرضا عليهالسلام : ٢ / ٥٠ الحديث ١٦٨ ، عوالي اللآلي : ٢ / ٢٤٨ الحديث ١٧.
ففساد الشرط حينئذ من جهة فساد أصل البيع ، لا من جهة أنّ الشرط لمّا كان فاسدا يوجب [فساد] البيع ، إذ الشرط الغرريّ لا يعلم فساده بداية لفقد الدليل عليه.
وما نقل عن بعض من المرسلة المطلقة من أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن الغرر ، بإطلاقه غير معمول به ، ولذا لا يقولون بفساد الصلح إذا كان غرريّا ، ففساد الشرط من ناحية فساد العقد (١) ، كما لا يخفى.
ومن ذلك ظهر أنّه لو جعل الشرط على أحد الوجوه المتقدّمة هو الخيار في عقد آخر ، لا وجه لفساد أصل البيع المشروط له الخيار ولا الشرط.
أمّا البيع ؛ فلعدم كون هذا الشرط موجبا للغرر فيه ؛ لعدم كونه من قيده وشرائطه الراجعة إلى قيود العوضين.
وأمّا الشرط ؛ فلأنّه لا دليل على فساد مطلق الغرر ، كما أشرنا إليه.
نعم ؛ لو قلنا على فساد مثل هذا الشرط أيضا من جهة غرريّته يكون فساد الشرط لا من جهة فساد البيع ، بل ربّما يكون الأمر بالعكس ، كما هو واضح.
هذا ؛ ولكنّه قد نقل عن جماعة من أعاظم القدماء القول بالصحّة فيما لو كان الشرط مطلق الخيار ، كأن يقول : على أن يكون لك الخيار (٢) ، وبعضهم نقل الإجماع عليه (٣).
وفي محكيّ «الخلاف» دعوى ورود أخبار الفرقة على الصحّة ، وأنّه
__________________
(١) لاحظ! المكاسب : ٥ / ١١٩ و ٦ / ٨٩ ، وانظر! مسالك الإفهام : ٣ / ٢٠٢.
(٢) المكاسب : ٥ / ١١٦.
(٣) المكاسب : ٥ / ١١٦.
يحدّد بثلاثة أيّام (١) ، بل وبعضهم احتمل إلحاق صورة ذكر المدّة مجهولة بالأوّل (٢) ، بل وبعض المتأخّرين كالعلّامة الطباطبائي قدسسره قد جزم بالصحّة (٣) ، وقوّاه بعض من تأخّر عنه (٤) ، ودليلهم دعوى الشيخ قدسسره ورود أخبار الفرقة بذلك وأنّه حدّد بثلاثة أيّام ، فيكون من قبيل خبر مرسل منجبر بالإجماع المنقول.
وفي «مفتاح الكرامة» : وليس في الأدلّة الشرعيّة ما يخالفه ؛ إذ الغرر مندفع بتحديد الشارع ، وظاهره عدم كونه هنا غررا ، فيكون خروجه عن دليل الغرر من باب التخصّص ، ولكن على فرض تماميّة الدليل ، الحقّ أنّه من باب التخصيص ، خصوصا ما إذا كان المتعاقدان جاهلين بالتحديد (٥).
وإنّما الكلام في أصل الدليل ؛ إذ من البعيد وجود أخبار خاصّة في المسألة ظاهرة الدلالة ، مع عدم ذكر متنها في كتاب «الخلاف» ، مع أنّ بناء الشيخ قدسسره على ذكر الأخبار فيه ، وأمّا الإجماعات المنقولة فالغالب أنّها من تابعي الشيخ رحمهالله أو السيّد ، فينتهي الأمر بالأخرة إلى أحدهما ، فلا يصلح للجبر.
مضافا إلى أنّ الخبر موقوف على وجود خبر ضعيف يكون بحسب المتن ظاهر الدلالة ، ومن المعلوم أنّ دعوى الشيخ قدسسره ورود الأخبار لا يكفي ؛ إذ لعلّ دلالتها كانت على حسب اجتهاده.
وبالجملة ؛ لا دليل في المقام يمكن الاتّكال عليه في مقابل دليل الغرر ،
__________________
(١) المكاسب : ٥ / ١١٦ و ١١٧ ، الخلاف : ٣ / ٢٠ ذيل المسألة ٢٥.
(٢) المكاسب : ٥ / ١١٦.
(٣) حكاه صاحب الجواهر في جواهر الكلام : ٢٣ / ٣٤ ، وفي المكاسب : ٥ / ١١٧.
(٤) جواهر الكلام : ٢٣ / ٣٣ و ٣٤.
(٥) مفتاح الكرامة : ٤ / ٥٦٢.
وإن كان حمل كلام الشيخ قدسسره على الأخبار الواردة في خيار الحيوان ، بدعوى إطلاق الشرط فيها في غاية البعد ؛ لبداهة أنّ المراد بالشرط في قوله : «أمّا الشرط في الحيوان» هو الشرط الإلهي ، كما أنّه ورد فيها أيضا : وأمّا الشرط في غير الحيوان قال : «البيّعان بالخيار حتّى يفترقا» (١) وكذلك حمله على خبر حنّان (٢) المتقدّمة أيضا بعيد ، فالمسألة بحسب الفتوى في غاية الإشكال ، وإن عرفت أنّه بحسب الدليل الأقوى البطلان.
ثمّ إنّ المراد من الغرر عبارة عمّا يكون الجهل فيه بمثابة لو لا بالنظر المسامحي ؛ لحكم العرف بأنّه غرر ، وما لو لم يكن كذلك ولو مع الدقّة يكون خارجا ، مثل الجهل بالتفاوت اليسير بين المكيلات.
نعم ؛ لا اعتبار بالمسامحات العرفيّة كتسامحهم في الجهل بزمان الحصاد أو الدّياس ، أو لساعة أو لساعتين من اليوم ، فإنّ ذلك ليس من جهة أنّهم لا يرونه غررا حتّى يقال بأنّ الغرر في الشرع أوسع دائرة من الغرر عند العرف ، بل مع أنّهم لو كان الأمر في مقام المداقّة يعترفون بكونها غررا ، ولكن مع ذلك يتسامحون ويقدمون في المعاملات على مثل ذلك الغرر.
فحينئذ ؛ بعد ورود النهي عن بيع الغرر مع كونه مطلقا لا بدّ من التعميم ، كما ورد الأخبار أيضا في مثل الحصاد والدياس في السلم (٣) ، فلا بدّ من تعيين مدّة الخيار ابتداء وانتهاء على وجه يرتفع الجهالة رأسا ، ولكنّه لا يعتبر أن تكون المدّة
__________________
(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٦ الحديث ٢٣٠١٥ و ١٠ الحديث ٢٣٠٢٥ و ١١ الحديث ٢٣٠٢٨.
(٢) السنن الكبرى للبيهقي : ٥ / ٢٧٣ ، كنز العمّال : ٤ / ٥٩ الحديث ٩٤٩٩ و ٩١ الحديث ٩٦٨٢.
(٣) وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٨٨ الباب ٣ من أبواب السلف.
متّصلة بالعقد ، بل يجوز اشتراط الخيار مطلقا ، سواء كان ظرفه متّصلا بالعقد أو منفصلا عنه أيّ مقدار من الزمان يكون ؛ لعموم أدلّة الشرط ، ولا بأس بصيرورة العقد جائزا بعد ما صار واجبا ؛ لورود الدليل (١) ، ولا وجه لمنع الشافعي عنه لذلك (٢) ، كما لا يخفى.
الثانية : لو عيّن زمن الخيار من طرف نهايته دون مبدئه ، كأن يقول : على أن يكون لي الخيار إلى انقضاء ثلاثة أيّام ، يتعيّن مبدؤه من حين العقد ، إذ هو المنصرف والمتبادر من الإطلاق ، وأمّا لو كان مبدأ الخيار منفصلا عن العقد يتعيّن كيفما كان من أوّل جزء ذلك الزمان المجعول فيه ، كأن يقال : على أن يكون لك الخيار من الغد إلى يومين.
وإذا جعل مبدأه من حين انقضاء خيار المجلس بأن يقول : على أن يكون لك الخيار من بعد حصول انقضاء التفرّق ، فتارة يعلم أو يطمئن زمان التصرّف أو يوثق به ، فلا إشكال في صحّة هذا الشرط. واخرى لا يعلم ولا يوثق ذلك ، بل مردّد بين الأقلّ والأكثر فلا يصحّ ؛ لصيرورته بالجهل بالابتداء غرريّا ، فيوجب الغرر في البيع.
ولا يقال : إذا فرضنا اليقين بانقضاء المجلس في زمان ، كما إذا نعلم بأنّ المجلس في أوّل الغروب لم يكن باقيا ، ولكن لا نعلم أنّ التفرّق حصل قبله أو المجلس كان باقيا بحاله إلى الغروب ، فيمكن رفع الجهل باستصحاب بقاء المجلس إلى الغروب ، فيحصل العلم بأنّ انقضاء المجلس في أوّل الغروب
__________________
(١) أي : عموم أدلّة الشرط.
(٢) نقل عنه في تذكرة الفقهاء : ١ / ٥٢٠ ، المكاسب : ٥ / ١١٣.