رسائل آل طوق القطيفي - ج ١

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٢

اعلم أن القمر في أوّل ليلة من الشهر القمريّ يغيب إذا مضى من الليل ستّة أسباع ساعة ، وفي الثانية إذا مضى ساعة وخمسة أسباع ساعة ، وعلى هذا الترتيب يتأخّر مغيبه في كلّ ليلة عن مغيبه في التي قبلها بستّة أسباع ساعة.

ففي ليلة أربع عشرة يكون غروبه آخر الليل ، وذلك على انقضاء ساعاته الاثنتي عشرة ، وفيما بقي من الشهر يصير مغيبه نهاراً.

وفي الليلة الخامسة عشرة يطلع إذا مضى من الليل ستّة أسباع ساعة.

وفي الليلة السادسة عشرة يطلع إذا مضى ساعة وخمسة أسباع ساعة.

وعلى هذا الترتيب يتأخّر طلوعه في كلّ ليلة عن وقت طلوعه في التي قبلها بستّة أسباع ساعة ، فإذا كان في ليلة سبع وعشرين طلع على مضيّ إحدى عشرة ساعة وسبع ساعة ، وفي ليلة ثمانٍ وعشرين يختفي بشعاع الشمس.

فإذا كنت في النصف الأوّل من الشهر القمريّ ، وأردت أن تعلم الماضيَ من الليل وقت مغيب القمر ، فاعرف كم مضى من ليالي الشهر بالتي أنت فيها ، واضرب عدد ذلك في ستّة ، وأسقط المجتمع سبعة سبعة ، وأعط لكلّ سبعة تسقطها ساعة ، وما بقي بيدك دون سبعة فأسباع من ساعة ، فما كان من ذلك فهو الماضي من أوّل الليل إلى وقت مغيب القمر في ليلتك. وإذا كنت في النصف الثاني من الشهر وأردت أن تعلم الماضي من الليل إلى وقت طلوع القمر ، فاعلم كم ليلة مضت منه بالليلة التي أنت فيها ، واضرب عدد ذلك في ستّة ، وأسقط المجتمع سبعة سبعة ، وأعط لكلّ سبعة ساعة ، وما بقي دون سبعة فهو أسباع من ساعة ، فما حصل معك من ساعات وأسباع فهو الماضي من الليل إلى وقت طلوع القمر في ليلتك.

واعلم أن هذا الباب ليس هو على التحرير والتقرير ، بل هو على الجليل من النظر والاعتبار ) ، انتهى كلام الحكيم.

وأقول : أراد بالساعة جزءاً من اثني عشر من الليل أو من النهار ، وما ذكره هو

٤٤١

وغيره من الاعتبار بمغيب القمر وطلوعه ، هو ما حكاه الشهيد : عن الجعفيّ (١) ، وإنما كرّرنا نقله ليعلم أنها طريقة مألوفة للعلماء والحكماء وإن كانت تقريبيّة لما يعرض للقمر من الإقامة والاستقامة والرجوع ، ولليل والنهار من الطول والقصر والتفاوت بينهما.

وقال بعض فضلاء علماء أهل البحرين والظاهر أنه الشيخ أحمد بن عبد السلام ـ : ( اعلم أن معرفة آناء الليل والنهار وما مضى منها وما بقي ، مقدّمة عظيمة في كثير من العبادات وحقوق الناس المحدودة بالساعات ، لا جرم كان معرفة القوانين الموصلة إليها من أهمّ المهمّات ، بل ربّما كانت من الواجبات ).

وساق ذكر بعض ما يضطرّ الناس إليه في ذلك من العبادات والمعاملات من الإجارات ، وقسمة المياه والمهاياة والآجال وغير ذلك ، ثمّ قال : ( فنقول : أمّا معرفة آناء النهار والقدر الماضي منه والباقي ، فله قانون نظمه بعض أهل العلم ، فقال :

وإن أردت ما مضى وما بقى

من النهار بالحساب الأوفقِ

فاعمد إلى عود كقدر الشبرِ

وانصبه نصباً واستعن بالصبرِ

ثم أرصد الظلَّ إلى ما ينتهي

بالعُود قدِّره على ما ينبغي

فما انتهى ذاك إلى التعديدِ

فزد عليه مثل قدر العودِ

وألقِ منه ظلَّ نصف يومكْ

فإن في ذاك كمالَ أمركْ

فما بقي فاقسم عليه وهنا

اثنين معْ سبعين حتّى يفنى

وافهم إذا قسَمت باب المخرجِ

فتلك ساعات صحيح المخرجِ

فهي إذا كان النهار مقبلا

فقد مضى أوَّلا فأوّلا (٢)

وهي إذا كان النهار مدبرا

فقد مضى آخرا فآخرا (٣)

__________________

(١) الذكرى : ١٢٥ ( حجريّ ).

(٢) كذا ، العجز غير موزون.

(٣) كذا ، العجز غير موزون.

٤٤٢

وتفصيل ذلك على سبيل الإيضاح أنه متى أردت معرفة كم مضى من النهار فلا يخلو إمّا أن يكون قبل الزوال أو بعده ، فإن لمعرفة الزوال طرقاً كثيرة ، مثل الدائرة الهنديّة ، وزيادة الظلّ ، وغير ذلك.

فإن كان في أوّل النهار نصبنا مقياساً من عود أو غيره ، ونظرنا امتداد ظلّه على الأرض كم إصبعاً مثلاً ، وزدنا على قدر امتداد الظلّ قدر امتداد المقياس نفسه ، ونقصنا من المجموع قدر ما يبقى من المقياس وقت الزوال ، وهو ظلّ نصف النهار ، وقسمنا الباقي على اثنين وسبعين ، فما أخرجته القسمة فهو الماضي من النهار من الساعات إن خرج صحيحاً ، وإن كان في القسمة كسر فاقسم الكسر واستخرج نسبته من الساعة.

وإن كان آخر النهار فاعمل هذا العمل إلى آخره ، وخارج القسمة هو الباقي من النهار من الساعات إن خرج صحيحاً ، وإلّا فبالنسبة.

ومثال ذلك في الطرف الأوّل من النهار أن تأخذ مقياساً طوله أربعة أصابع مثلاً وطول ظلّه ستة عشر إصبعاً ، فعند الجمع يصير عشرين إصبعاً ، وظلّ نصف النهار يومئذ إصبعان فيكون الباقي بعد أن ينقص منه ثمانية عشر إصبعاً ، فإذا قسمنا عليه اثنين وسبعين كان خارج القسمة أربعاً (١) ، فالماضي من النهار أربع ساعات وهو الثلث من النهار.

وإن قلت : إن ظلّ نصف النهار أربعة أصابع فالباقي من المجموع ستّة عشر إصبعاً ، وبعد القسمة يكون الخارج أربع ساعات ونصف ساعة ؛ لأن أربعة وستين إصبعا أربع مرّات العدد المقسوم عليه ، وهو ستّة عشر ، تبقى ثمانية أقلّ كسر تتوافق الثمانية فيه ، والستّة عشر مثلان ، والواحد نصف الاثنين ، وقس عليه في سائر ما يقع فيه الكسر.

ومثال ما إذا كان في الطرف الأخير من النهار : المثالان المذكوران ، ولكنّ الخارج

__________________

(١) في « ق » : ( الربع ).

٤٤٣

في المثال الأوّل والثاني ما بقي من النهار ، كما لا يخفى.

وهكذا ذكر أرباب هذه الصناعة. وعندي فيه مناقضة ، وهي أنه لو تمّ هذا القانون لزم منه الحكم بمضيّ نصف النهار قبل الزوال ، وهو باطل.

بيان ذلك : أنا لو فرضنا أن المقياس طوله ثمانية ، وامتداد ظلّه خمسة ، وظلّ نصف النهار إصبعاً كان الباقي بعد الجمع والنقص اثني عشر ، وبعد القسمة يكون الخارج ستّ ساعات ، وقد فرضنا أن الزوال لا يكون إلّا بعد بلوغ ظلّ المقياس إصبعاً والفرض أن ظلّه خمسة ، وكان الوقت المفروض فيه ذلك قبل الزوال لافتقاره إلى أربعة أصابع اخرى ، واللازم من القاعدة مضيّ ستّ ساعات من النهار ، ولا يخفى عليك بطلانه.

والأولى الرجوع في ذلك إلى طريق اخرى ، ولا بدّ فيها من تحصيل مقدّمات كثيرة مجملها أن تعرف أن الليل والنهار مقسومان بأربع وعشرين ساعة مستقيمة ، كما في يومي الاعتدال ، وكلّ يوم يزيد في أحدهما شعيرة وهي سهم من ثلاثين سهماً من ساعة وينقص من الآخر ، فتكمل زيادة أحدهما ونقصان الآخر في كلّ عشرة أيام ثلث ساعة ، وفي الثلاثين ساعة كاملة ، وبعد تقدير الشعيرة بأمر مضبوط مثل خروج مقدار من الرمل أو الماء من ثقب معلوم بقدر الشعيرة ، ومعرفة اليوم الذي أنت فيه كم شعيرة هو ، وامتحان اليوم من طلوع شمسه أو زوال يومه ، يظهر لك القدر المطلوب استعلامه ، وهذا الطريق جارٍ في أجزاء الليل والنهار.

وأمّا طريق معرفة آناء الليل ، فقد ذكروا لذلك طريقين :

الاولى : جعل طلوع القمر وأُفوله دليلاً على الماضي والباقي ، فأمّا في النصف الأوّل منه فيحسب الماضي من الشهر من ليلة الرؤية ، ثمّ اضرب المجتمع في ستّة ، وأسقط المجتمع سبعة سبعة فتجعل كلّ سبعة لساعة ، وما بقي فأضفه كسراً على الصحاح.

مثاله : مضى من الشهر ثلاث ليالٍ مثلاً ، فإذا ضربتها في ستّة فخارج قسمتها على

٤٤٤

سبعة هو الماضي من الليل وقت افول القمر.

وأمّا في النصف الأخير من الشهر فتأخذ الماضي وتُسقط منه أربعة عشر ، وتضرب الباقي في ستّة ، وتقسم المجتمع على سبعة ، فالخارج هو الماضي من الليل وقت طلوع القمر.

مثلاً الماضي عشرون فالباقي بعد إسقاط أربعة عشر ستّة ، وبعد الضرب في ستّة يكون المجتمع ستّة وثلاثين ، وبعد القسمة يكون الخارج خمس ساعات وسبع ساعة ، ويكون الماضي من الليل وقت الطلوع المقدار الخارج.

وأنت تعرف عدم شمول القاعدة لجميع أوقات الليل ؛ لاختصاصه بوقتي الطلوع والأُفول.

الطريقة الثانية : الاعتماد على المنازل ، فقد تحقّق عندهم أن من أوّل الليل إلى طلوع الشمس أربع عشرة منزلة ، ومن طلوعها إلى الغروب أربع عشرة منزلة اخرى ، وكلّ منزلة وسدس منزلة لساعة ، وكلّ ستّة أسباع ساعة منزلة كاملة ، وجعلوا سواد الليل لاثنتي عشرة منزلة ، ومن طلوع الفجر لطلوع الشمس لمنزلتين. فأنت متى عرفت أوّل منزلة من أوّل الليل فاجعل لمنزلتين بعدها سدس الليل ، ولثلاث بعدها ربع الليل ، ولستّ بعدها نصف الليل ، وهكذا إلى طلوع الفجر ، وطلوع الفجر بعد اثنتي عشرة منزلة ، كما لا يخفى.

وفي رواية عمر بن حنظلة : أنه قال لأبي عبد الله عليه‌السلام : زوال الشمس نعرفه بالنهار فكيف لنا بالليل؟ فقال لليل زوال كزوال الشمس.

قال : فبأيّ شي‌ءٍ نعرفه؟ قال بالنجوم إذا انحدرت (١).

قال الشهيد : في ( الذكرى ) : ( والظاهر أنه عنى به : انحدار النجوم الطوالع عند غروب الشمس ) (٢).

ونقل أن الجعفيّ : اعتمد على منازل القمر الثماني والعشرين ، فإنه قال وساق

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٤٦ / ٦٧٧.

(٢) الذكرى : ١٢٥ ( حجريّ ).

٤٤٥

عبارته كما تقدم ثمّ قال : ( أقول : لا يخفى عليك أن الظاهر من كلام الجعفي : قسمة سواد الليل الذي هو الليل شرعاً على أربع عشرة منزلة ؛ لأنه جعل لكلّ منزلة نصف سبع ، والأمر ليس كذلك ؛ لأن سواد الليل الذي هو الليل الشرعيّ مقسوم على اثنتي عشرة منزلة ؛ لأن من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس محسوباً بمنزلتين ، فلو قال مكان نصف سبع : سدس ، لكان أوفق. ويمكن تكلّف الجواب بحمل الليل على الليل الاصطلاحي ، وحينئذٍ نحتاج إلى تكلّف في إفادة المطلوب ) ، انتهى كلام الشيخ أحمد بن عبد السلام.

وأقول : ما ذكره رحمه‌الله من المعارضة وإن كان وارداً في الظاهر على ما قرّروه ، ولكنّه أخطأ التقرير ؛ فإنه فرض طول العمود ثمانية لظنّه أن مرادهم بطوله مساحة جسمه بالأصابع ، وليس كذلك ، فإنهم إنما يعنون بطوله : اثني عشر دائماً طال أو قصر. فعلى هذا ، فقسمة الاثنين والسبعين على ستّة عشر بعد الجمع والنقص في مثاله (١) ، فخارج القسمة هو ما مضى ، فسقطت المعارضة فلا تغفل.

والمقصود أنهم أجمع إنما أرادوا بالنهار المطلوب : استعلام ما مضى منه ، هو ما بين الطلوع والغروب ، وقد جعلوه مقابل الليل. وكذا ما ذكره الشيخ أحمد بن عبد السلام : في القانون الذي قرّره لاستعلام ما مضى من ساعات النهار والليل أي من الأجزاء الاثني عشر من كلّ منهما إنما ينطبق على أن النهار من الطلوع إلى الغروب ، والليل من الغروب إلى الطلوع. فأرباب الفنّ لا يعرفون إلّا ذلك.

وبهذا ، مضافاً إلى قوله رحمه‌الله في المعارضة : ( أنه يلزمهم أن يكون نصف النهار قبل الزوال ، وهو باطل ) تسقط معارضته للجعفيّ ، ويظهر به ظهوراً تامّاً أنه أراد بالليل : ما بين الغروب والطلوع بلا تكلّف ، وأن ذلك عنده هو الليل حقيقة عرفاً وشرعاً كما هو مدلول رواية ابن حنظلة ، وقد مرّ بيانه (٢).

هذا مع أنه سلّم اعتماد طريقة طلوع القمر ومغيبه المشتهرة بين فضلاء الفنّ ،

__________________

(١) في « ق » : ( أمثاله ).

(٢) الفقيه ١ : ١٤٦ / ٦٧٧.

٤٤٦

وهي غير منطبقة إلّا على أن النهار من الطلوع إلى الغروب ، والليل من الغروب إلى الطلوع ، فسقط اعتراضه على الجعفيّ. وأيضا فهو قد سلّم أن من غياب الشمس إلى طلوعها أربع عشرة منزلة ، ومن طلوعها إلى غروبها أربع عشرة منزلة ، فللّيل أربع عشرة منزلة ، وللنهار أربع عشرة منزله. فإذا كان للنهار أربع عشرة منزلة لزم أن يكون للّيل مثلها بمقتضى المقابلة ، فلزم أن الليل إلى الطلوع ، والنهار من الطلوع ، فسقط اعتراضه على الجعفيّ. إلا أن يلتزم خروج ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس عن حقيقة الليل وعن حقيقة النهار ، وأنها ليست من ساعاتهما حقيقة ، وإنما هي حقيقة أُخرى خارجة عنهما بالكلّيّة.

ولا أظنّ أن أحداً من البشر يقول بذلك ، بل النصّ والإجماع من كلّ ذي علم على عدم خروجه عنهما إلّا ما حكاه بعض الشافعيّة عن يحيى بن سعيد الزبيريّ ، وأبي محمّد العبديّ ، وأبي العبّاس الصفّار ، وأبي جعفر البصريّ ، ولم يثبت.

ولو صحّ لم يضرّ بالإجماع قبلهم وبعدهم ، ولا يعارض قولهم شيئاً ممّا قدّمناه ؛ لشذوذه وندوره ، فسقط ما قاله في معارضته للجعفيّ : كلّه.

وقال صاحب كتاب ( اليواقيت في معرفة المواقيت ) وقد زعم مؤلّفه ، وهو من أئمّة الشافعيّة أنه استخرجه من نيّف وخمسين كتاباً ، بعد أن قرّر معرفة الزوال بطريق زيادة الظلّ بعد نقصانه ـ : ( فإذا قدّرت الظلّ ، ورأيته قد ابتدأ في الزيادة فأوّل ما يبتدئ وتراه يقيناً فاعلم أن الشمس قد زالت ودخل الوقت ، فاعرف الظلّ كم هو من قدم حينئذٍ وصلّ الاولى ، وما من الظلّ في الميزان فهو مثل ظلّ الرجل ، والميزان أصحّ وأسرع ).

إلى أن قال : ( فصل : نذكر فيه صفة الميزانين اللذين يتوصل بهما إلى معرفة الزوال على السهولة : اعلم أن الميزان هو أن تأخذ قطعة من خشب طولها نصف شبر ، وعرضها إصبعان من كلّ جهة يسمّونها ميلاً في ميل وتأخذ ميلين مربّعين طول كلّ واحد منهما ثلاثة أصابع ، فتنزلهما في طرفي الخشبة تنزيلاً صحيحاً حتّى

٤٤٧

[ ينفذا (١) ] من أسفل الخشبة ، والباقي منها (٢) تقسمه ستّة أقسام ونصفاً ، وتسميها أقداماً ، وتأخذ قياس قدم منها بمجذر (٣) النقط ، فتقسم عليه تلك الخشبة من أصل الميل إلى أصل الثاني قسماً صحيحاً حتّى تأتي آخر نقطة ملصقة مع الميل ، ولو قسمته قبل أن تنزل الميلين [ لسهل (٤) ] عليك ، ولا تلتفت إلى عدد الأقدام. وتحدر فيه أربعة أحدار على القرن من الخشبة ، وتُولِج فيه خيوطاً متساوية ، وتجمع أطرافها بعضد ، وحينئذٍ كمل الميزان.

فصل : إذا أردت معرفة الزوال فيه فاستدبر الشمس به في صدر النهار رافعاً له بالخيوط ، فترى ظلّ الميل منبسطاً على تلك الأقدام ، وهو يتقاصر عنها قدماً فقدماً ، فلا يزال كذلك حتّى تصير الشمس في أعلى الفلك ، فيقف عن التقاصر بجري الشمس في الفلك ، ووقوفه بقدر طلوع ربع منزلة على التقريب.

وعلم الميزان علم صحيح شرعيّ ، لا يختلف في الأزمان ولا في البلدان ، وليس العمل إلّا على أحد الميلين لا غير ، ولكنّ الحكمة في عملنا فيه ميلين ليصحّ لك إذا استدبرت الشمس بأحد الميلين ووقع ظلّه مثلاً على قدم فاستدبر الشمس بالثاني ؛ فإن وقع ظلّه على قدم كالأوّل فقد صحّ ، وإن زاد أو نقص لم يصحّ ميل ، بل يفتقر إلى تعديل الخيوط.

ومن الناس من يجعله ميلاً واحداً في وسط الميزان ليعتبره من كلتا الجهتين ، ويرى أن هذا أسهل ، وهو كما قال ، غير أنه يبطل في بعض الأقاليم التي تمرّ الشمس فيها على قمّة الرأس أيّاما يسيرة ؛ لأنك كلّما رفعته بالخيوط وقع ظلّ يدك على الميل ، فتبطل معرفة الزوال ).

قلت : لا تسامت الشمس رؤوس أهل بلد أكثر من يوم أو يومين ، والأمر فيهما سهل إلّا في خطّ الاستواء.

__________________

(١) في النسختين : ( ينفد ).

(٢) من « ق » ، وفي « م » : ( منهما ).

(٣) في « ق » : ( منهما بمنحدر ).

(٤) في النسختين : ( ليسهل ).

٤٤٨

ثمّ قال : ( فصل : واعلم أن الميزان على ضربين : ضرب تعتبر به الأقدام وهو ما ذكرناه ، وضرب يعتبر به الأصابع. ولا فرق بينهما في الصنعة (١) ، وإنما الفرق بينهما في القسمة ، فإن قسمة ميزان الأقدام على جزء من ستّة أجزاء ونصف جزء من الميل ، وهو المسمّى بالقدم ، وقسمة ميزان الأصابع على جزءاً من اثني عشر جزءاً ممّا صغر وكبر. ولسنا نعني إصبع الكفّ لأن قسمة كلّ شي‌ء عندهم اثنا عشر إصبعا ، أو أربعة وعشرون.

وقد عرفتك الزوال بميزان الأقدام. فإذا أردت اعتبار الزوال والساعات بميزان الأصابع فاستدبر به الشمس ، وانظر على كم يقع ظلّ الميل من إصبع ، وزد عليه طول الميل وهو اثنا عشر إصبعاً وأسقط من الجميع ظلّ زوال يومك ، فما بقي بعد الإسقاط فاجعله مكيالاً وكِل به اثنين وسبعين ، فما حصل فهي ساعات قد مضت من النهار إن كان قبل الزوال ، وإن كان بعده فهي ما بقي منه. وما حصل كسراً فهو من الساعة التي أنت فيها على حصّة المكيال ، فإن كنت قبله فالكسر الداخل منها ، وإن كنت بعده فالكسر الباقي ).

ثمّ قال : ( فصل : في معرفة ساعات الليل مطّرداً في البلدان والأزمان : اعلم أني نظرت إلى منازل القمر ، فإذا هي يطلع في كلّ ليلة منها إلى طلوع الفجر اثنا عشر منزلاً ويغيب مثلها ، كلّما طلع منزل غرب منزل لا يختلف مدى الدهر ، فقسّموا ليل الصائم على اثني عشر جزءاً ، وقالوا : كلّما طلع منزل فقد مضى من الليل جزء من اثني عشر جزءاً ، وكذا في السقوط.

ومن الناس من يعتبر ساعات الليل بالمتوسّط من المنازل ، وقد عرّفتك أنه متى طلع منزل من المشرق غرب رقيبه من المغرب ، لكن قد يدرك المراقب رقيبه في بعض المنازل فتراهما يتناظران. وقد أنشدوا في معرفة مراقبة المنازل :

__________________

(١) من « ق » ، وفي « م » : ( الصيغة ).

٤٤٩

كم أقالوا من ناطحٍ باغتفار

وأحالوا على البُطَين الزُّبانى

والثريّا تكلَّلت فأرتنا

كوكب القلب يرقب الدبرانا

هقعوا شولة هنعوا نعاما (١)

بعد ما درَّعوا البلاد زمانا

نثروا ذبحهم لطرف بلوغ

جبهة السعد في زبور خبانا

فانصرفنا إذ المقدَّم يعوي

آخرا والسماك مدَّ رشانا

وأنشدوا في مراقبة البروج :

أرى الكبش في الميزان يقسم لحمه

وبين بنات الثور عقرب يعقر

وفي منكب الجوزاء قوس معلَّق

فإن زبر السرطان فالجدي ينفر

وكالليث نحو الماء يدلي دلوه (٢)

وفي قبضة العذراء حوت ميسّر )

انتهى ما أردنا نقله من كتاب ( اليواقيت ).

يقول أقلّ العباد وأحقرهم مؤلّف هذه الرسالة أحمد بن صالح بن سالم بن طوق : كلّ ما تلي عليك من قواعد يعرف بها أجزاء الليل والنهار ، لا ينطبق شي‌ء منها إلّا على أن الليل إلى الطلوع ، والنهار من الطلوع ؛ فإذن أربابها وواضعوها قائلون بذلك.

وأسهل الطرق إلى معرفة أجزاء النهار أن تحصّل ظلّ قامتك في الوقت الذي تريد تحصيلاً صحيحاً ، بعد أن تحصّل أقصر الظلال في اليوم الذي قبل يومك وهو ظلّ زواله إن كنت في النصف الأوّل من النهار وأقصر ظلال يومك وهو ظلّ زواله إن كنت في النصف الثاني من النهار كلّ ذلك بقدمك ، ثمّ تجمعه مع عدد ساعات النهار التي هي اثنتا عشرة أبداً ، وتنقص منه أقصر ظلال أمسك أو يومك ، وتقسم على الباقي مضروبَ عددِ ساعات نصف النهار وهي ستّ أبداً في عدد ساعات النهار كلّه وهي اثنتا عشرة أبداً وهو اثنان وسبعون ، فما أخرجته القسمة صحيحاً

__________________

(١) كذا ، غير موزون.

(٢) كذا غير موزون ، وقد مرّ هذا المصراع في ص ٤١٠ بلفظ : أرى الليث نحو الماء يرسل دلوه.

٤٥٠

فهو عدد ما مضى من ساعات يومك إن كنت قبل الزوال ، وما بقي إن كنت بعده ، والكسور كسور من ساعة فيهما.

مثاله : أردنا معرفة كم مضى من ساعة قبل الزوال ، وكان زوال أمسنا على قدمين ، فكِلنا ظلّ تلك الساعة فإذا هو ثمانية أقدام ، جمعنا الثمانية مع اثني عشر ، وأنقصنا من المجتمع اثنين ، وقسمنا الاثنين والسبعين على البقيّة وهي ثماني عشرة ، فخارج القسمة أربعة فهي ما مضى من ذلك النهار وهي ثلثه ، وإن كان العمل بعد الزوال فهي الباقي منه.

ومن هنا يُعلم أنك وقت أوّل الزوال لا تحتاج إلى جمع أقدام نصف النهار إلى الاثني عشر ؛ لأنه لا بدّ من طرحها بعد الجمع ، فلا فائدة ، بل تقسم حينئذٍ الاثنين والسبعين على اثني عشر ابتداءً فيكون خارج القسمة ستّة ، وهي نصف النهار.

ولانتصاف النهار وهو الزوال طرق عديدة يعرف بها منها ما مضى وغيره.

وأسهل الطرق إلى معرفة أجزاء الليل ضبط الطالع والغارب والمتوسّط من المنازل وقت الغروب ، فإن لكلّ ساعة من ساعات الليل الاثنتي عشرة ، منزلة وسدس منزلة ، فكلّما طلع منزلة وسدس مضت من الليل ساعة.

واعلم أن البعد بين كلّ منزلتين نصفه يحسب من الاولى ونصفه الآخر من التي بعدها ، فالمنزلة نصف مساحة ما بينها وبين التي (١) قبلها ، ونصف مساحة ما بينها وبين التي بعدها لها والاسم لمجموع ذلك ، فاعلم ذلك. وإذا لاحظت ما سبق من كلام العلماء عرفت تحصيل أجزاء الليل بالمنازل بلا كلفة.

وقال الكاشانيّ : في ( المفاتيح ) : ( يُعرف الزوال بزيادة الظلّ بعد نقصه ، كما في الأخبار ، أو حدوثه بعد عدمه في بعض المواضع ، وبميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن استقبل نقطة الجنوب ، وبميل الظلّ عن خطّ نصف النهار إلى جهة المشرق للحساب ) (٢) ، انتهى.

__________________

(١) من « ق » ، وفي « م » : ( الذي ).

(٢) مفاتيح الشرائع ١ : ٩٤ / ١٠٥.

٤٥١

وقال شارحه الإمام المقدّم محمّد الكاشانيّ : ( قوله : ( وبميل الشمس ) إلى آخره ، لا تأمّل في أنه لو استقبل المكلّف نقطة الجنوب وجعلها بين عينيه ، فإذا رأى الشمس مالت إلى الحاجب الأيمن فلا شكّ في أنها زالت ، إلّا إنه يظهر ذلك بعد مدّة من الزوال ولا يظهر منه ابتداؤه. ومعرفة أوائل الميل إلى الحاجب في غاية الصعوبة ، ومعرفة نقطة الجنوب أشكل ، فإن نقطة الشمال مع كونها أظهر من نقطة الجنوب [ لكن ] تشخيصها في غاية الصعوبة ، كلّ ذلك بالظنّ والتخمين. ولو روعي العلم فلا شكّ في حصوله إلّا إنه بعد مضيّ مدّة مديدة عن الزوال ).

ثم قال الكاشانيّ : في الشرح أيضاً : ( قوله : ( وبميل الظلّ ) إلى آخره ، هذا أقوى المعرّفات ، ويعرف بالدائرة الهنديّة ، وبها يستخرج خطّ نصف النهار الذي إذا وقع ظلّ الشاخص المنصوب في وسط الدائرة عليه كان في وقت الاستواء ووقوف الشمس ، فإذا مال عنه إلى الجانب الذي فيه المشرق كان أوّل الزوال.

وطريقها أن تسوّي موضعاً من الأرض خالياً من ارتفاع وانخفاض تسوية صحيحة كاملة ، ثمّ يدار عليها دائرة بأيّ بُعد تكون ، وينصب على مركزها مقياس مخروط محدّد الرأس يكون طوله قدر ربع قطر الدائرة تقريباً ، ويكون نصبه نصباً مستقيماً بحيث يحصل عن جوانبه زوايا قوائم ، ويُعلم ذلك بأن يقدّر ما بين رأس المقياس ومحيط الدائرة بمقدار واحد من ثلاث نقط. وترصد رأس الظلّ عند وصوله إلى محيطها وهو يريد الدخول فيها ، فتُعلّم عليه علامة ، ثمّ ترصده بعد الزوال عند خروج رأس الظلّ المذكور من الدائرة ، فإذا وصل إليه وأراد الخروج منه عُلّم عليه أيضاً علامة ، ووصل ما بين العلامتين بخطّ مستقيم ، ثمّ ينصّف القوسان. ويكفي تنصيف القوس الشماليّ فيخرج من تنصيفه خطّ مستقيم يتّصل بالمقياس ، هو خطّ نصف النهار ، فإذا ألقى المقياس الشاخص ظلّه على هذا الخطّ الذي هو خطّ نصف النهار كانت الشمس في وسط السماء لم تزل ، وهو وقت وقوفها وسكونها في النظر ، وإلّا فهي غير واقفة قطعاً ، لكن من جهة عدم ظهور حركة في الظلّ أصلاً يتراءى

٤٥٢

سكونها ، فإذا أخذ رأس الظلّ يخرج عن هذا الخطّ فقد زالت الشمس البتّة.

وذكروا أن الأولى والأضبط إحداث الدائرة المذكورة ، ورصد دخول رأس الظلّ إلى الدائرة وخروجه عنها ، وتعليم موضع الدخول والخروج في أوّل انتقال الشمس من الحوت إلى الحمل ، أو من السنبلة إلى الميزان ، أي وقت استواء اليوم مع الليل بحسب المقدار ) ، انتهى.

ثمّ قال الكاشانيّ : في ( المفاتيح ) : ( ويُعرف انتصاف الليلِ بانحدار النجوم الطالعة عند الغروب عن سَمتِ الرأس ، كما في الخبر ، وبمنازل القمر ، وقاعدة غروبه ، وطلوعه ) (١) ، انتهى.

وقال الشارح الإمام : المشار إليه : ( قوله : ( يعرف انتصاف الليل ) إلى آخره : أقول : من أمكنه معرفة نقطة الجنوب فعرفها وتوجّه إليها ، فإذا رأى النجم الطالع عند غروب الشمس مال إلى الجانب الأيمن ، فقد انتصف الليل ودخل وقت صلاة الليل. ويعرف أيضاً في أوقات مساواة الليل مع النهار ، تحقيقاً أو تقريباً بطي الفرقدين من ابتداء الغروب مقدار ربع الدائرة ، فإنهما يدوران حول الجدي في الليل والنهار دورة واحدة من ابتداء الغروب ، [ فإذا (٢) ] أُخذ ابتداء طيّه ودورانه إلى أن يتحقّق ربع الدائرة صار نصف الليل ، وإن تحقّق نصف الدائرة فهو وقت طلوع الشمس.

وأمّا في الأوقات التي يكون الليل طويلاً والنهار قصيراً أو بالعكس [ فيمكن ] (٣) معرفة الانتصاف بنوع من التخمين والتقدير لمن تمكّن منها. مثلاً إذا طلع على الطي من ابتداء الغروب مقدار ربع دورة ، يقول : هذا نصف الليل في ليالي الاعتدال ، فإذا كان الليل أربع عشرة ساعة يصير مقدار السدس : الربع أيضاً ؛ لأن طيّ الفرقدين مقدار ربع الدائرة ).

ثمّ أخذ في بيان الحيلة في ذلك بما ذهب من النسخة الموجودة حال هذه الكتابة.

__________________

(١) مفاتيح الشرائع ١ : ٩٤ / ١٠٥.

(٢) في النسختين : ( إذا ).

(٣) في النسختين : ( يمكن ).

٤٥٣

إلى أن قال : ( وما أشار إليه من الخبر ما ذكر في ( الفقيه ) : سأل عمر بن حنظلة : أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقال : زوال الشمس نعرفه بالنهار ) (١). وساق بقيّة الخبر.

ثم قال : ( والمراد : النجوم (٢) الطالعة ابتداء الغروب ، فإنها إذا طلعت لا تزال في الصعود إلى أن تبلغ خطّ نصف النهار ، ثمّ تشرع في الانحدار والهبوط ، فعند ابتداء انحدارها يكون انتصاف الليل ) ، انتهى.

وكلامهما صريح في أن النهار من الطلوع ، والليل إلى الطلوع.

وقال الشهيد : في ( الذكرى ) : ( وقت الظهر زوال الشمس إجماعاً ، ويعلم بزيادة الظلّ بعد نقصه أو حدوثه بعد عدمه .. وقد يعلم بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل قبلة أهل العراق ، ذكره في ( المبسوط ) (٣) بصيغة : وروى.

وما رواه سماعة : عن الصادق عليه‌السلام : أنه أخذ عوداً فنصبه حيال الشمس ، ثمّ قال إن الشمس إذا طلعت كان الفي‌ء طويلاً ، ثمّ لا يزال ينقص حتّى تزول ، فإذا زالت زاد ، فإذا استبنت الزيادة فصلِّ الظهر (٤).

ونحوه رواية عليّ بن أبي حمزة : عنه عليه‌السلام (٥).

وقد ذكر الأصحابُ الدائرةَ الهنديّة كالمفيد (٦) : وغيره ) (٧) ، انتهى.

ومرّ ذِكرُ عبارته في بيان انتصاف الليل ، ونَقلُهُ كلامَ الجعفيّ (٨). وقد صرّحنا بأن علامة انتصاف الليل انحدار النجوم الطالعة عند الغروب عن دائرة نصف النهار.

وقال في ( الدروس ) : ( ويُعلم الزوال بزيادة الظلّ بعد نقصه ، أو حدوثه بعد عدمه ، أو بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمستقبل قبلة العراق ) (٩) ، انتهى.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٤٦ / ٦٧٧.

(٢) في « ق » : ( بالنجوم ).

(٣) المبسوط ١ : ٧٣.

(٤) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٧ / ٧٥.

(٥) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٧ / ٧٦.

(٦) المقنعة ( ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ) ١٤ : ٩٢.

(٧) الذكرى : ١١٧ ( حجريّ ).

(٨) الذكرى : ١٢٥ ( حجريّ ).

(٩) الدروس ١ : ١٣٨.

٤٥٤

وقال في ( اللمعة ) (١) : ( إن الزوال يُعلم بزيد الظلّ بعد نقصه ، أو حدوثه بعد عدمه ). ووافقه الشهيد الثاني : في الشرح (٢).

وقال في ( الألفيّة ) : ( وللظهر زوال الشمس المعلوم بظهور الظلّ في جانب المشرق ) (٣).

وقال شارح ( الألفية ) الشيخ عبد الله ابن الشيخ حسين التستريّ : في شرح هذه العبارة : ( أمّا وقت الظهر فيُعلم بزوال الشمس ، أي بتجاوزها عن دائرة نصف النهار وهي دائرة مارّة بقطبي العالم وبسَمتِ الرأس والقدم ويعلم ذلك إذا مال الظلّ الشاخص العمود على خطّ نصف النهار عنه إلى جهة المشرق.

والمراد بخطّ نصف النهار : خطّ حاصل على سطح الأرض من تنصيف دائرة نصف النهار لكرة الأرض. وبعبارة اخرى : هو الخطّ المقاطع لخطّ المشرق والمغرب على قوائم. وخطّ المشرق والمغرب : هو خطّ مارّ بنقطتي المشرق والمغرب.

وأنت تعلم أن ما ذكره إنما يظهر بعد استخراج خطّ نصف النهار ووضع عمود عليه ، وربّما يعسر تحصيل ذلك بالنظر لبعض الأشخاص. والعلامة التي تسهل للكلّ غير أنه تقريبيّ هو أن تنظر إلى الجدي أو الفرقدين في حال ارتفاعه أو انحطاطه ، فتجعله بين كتفيك وتنظر في الموضع الذي يقع بين عينيك من السماء ، فإذا تجاوز الشمس عنه فقد تحقّق الزوال. هذا في البلاد الشماليّة ، وأمّا الجنوبيّة فالأمر بالعكس بأن يجعل نقطة الجنوب أو ما يحاذيه بين كتفيه ، وما يقع بين عينيه هو الموضع الذي إذا زالت الشمس عنه تحقّق وقت الظهر ) ، انتهى.

وقال الشهيد الثاني : في شرح هذه العبارة من ( الألفية ) : ( إذا كانت الشمس في وسط السماء على دائرة نصف النهار ، كان ظلّ (٤) الشاخص على خطّ نصف النهار

__________________

(١) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ١ : ١٧٤ ( المتن ) ، وليس فيه : ( أو حدوثه بعد عدمه ).

(٢) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ١ : ١٧٤.

(٣) الألفية : ٤٢.

(٤) في « ق » : ( الظلّ ) بدل : ( ظلّ ).

٤٥٥

من الشمال أو الجنوب إن كان له ظلّ ، فإذا زالت بأن مالت عن دائرة نصف النهار إلى جهة المغرب مال ظلّ الشاخص إلى جانب المشرق إن كان له ظلّ ، وحدث من ذلك الجانب إن لم يكن.

وعبارة الرسالة شاملة للظلّ الحادث الزائد ؛ فإن كلا الظلّين يظهر عند الزوال في جانب المشرق فتشمل هذه العلامة سائر البلاد في جميع الفصول ، لكن ظهور الظلّ في جانب المشرق إنما يعلم في أوّله. كذلك عند إخراج خطّ نصف النهار على سطح الأرض بنحو الدائرة الهنديّة أو ربع الدائرة أو الأصطرلاب ، فإذا وصل ظلّ الشاخص إليه كانت الشمس على دائرة نصف النهار لم تزل ، فإذا خرج الظلّ عنه إلى جهة المشرق فقد تحقّق زوالها وهو ميلها عن تلك الدائرة إلى جهة المغرب.

وما ذكره الأصحاب عن علمه بزيادة الظلّ بعد نقصانه أو حدوثه بعد عدمه ، فلا يتوقّف إلّا على نصب الشاخص كيف اتّفق. لكن تبيّن الزوال الأوّل قبل الثاني بزمان كثير ، فإن تحقّق الزيادة بعد النقصان لا يظهر إلّا بعد مضيّ نحو ساعة من أوّل الوقت ، بخلاف ما لو أخرج خطّ نصف النهار على سطحٍ مستوٍ ، كما لا يخفى على من مارس ذلك ) (١) ، انتهى.

وكلام الشارحين غير منطبق إلّا على أن الليل إلى الطلوع ، والنهار من الطلوع.

وقال المحقّق : في ( المعتبر ) : ( معنى الزوال : ميل الشمس عن وسط السماء ، ويعرف بزيادة ظلّ الشاخص المنصوب بعد نقصانه .. ولو لم يكن ظلّ فعند الزوال يظهر للشاخص في‌ء فيعلم الزوال بظهوره ) (٢).

وقال في ( الشرائع ) : ( ويعلم الزوال بزيادة الظلّ بعد نقصانه ، أو بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل القبلة ) (٣). يعني : نقطة الجنوب قبلة أهل العراق ، كما

__________________

(١) المقاصد العليّة في شرح الرسالة الألفيّة : ١٧٥ ـ ١٧٦.

(٢) المعتبر ٢ : ٤٩.

(٣) شرائع الإسلام ١ : ٥١.

٤٥٦

قاله الشارح في ( المسالك ) (١).

قال (٢) رحمه‌الله : ( قوله : ( ويعلم الزوال ) إلى آخره. بناءً على ما هو الواقع في بلاد المصنّف ، بدليل قوله بعدُ : ( وبميل الشمس إلى الحاجب الأيمن ) ، أو مبنيّ على الغالب في الربع المسكون. ولو أُريد تعميم الفائدة زيد : ( أو حدوثه بعد عدمه ) ، ويجمع العلامتين ظهور الظلّ في جانب المشرق عند إخراج خطّ نصف النهار.

قوله : ( أو بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل القبلة ) أي قبلة أهل العراق ، سواء في ذلك الركن العراقي وغيره ، لكن لا يعلم الزوال بهذه العلامة إلّا بعد مضيّ زمان طويل من أوّل الوقت ، فإن قبلة العراق تميل عن خطّ الجنوب نحو المغرب. وأضبط من ذلك أن يستقبل نقطة الجنوب بإخراج خطّ نصف النهار ، فيكون ميل الشمس حينئذٍ إلى الحاجب الأيمن علامة الزوال ) (٣) ، انتهى.

[ وظاهرهما أن الليل ما قابل المنصّف بالزوال ، ولم يذكرا ما ينافي ذلك (٤) ].

وقال السيّد : في ( المدارك ) في شرح هذه العبارة : ( زوال الشمس : هو ميلها عن وسط السماء وانحرافها عن دائرة نصف النهار ) (٥) ـ : ( وقد ذكر المصنّف وغيره أنه يعلم (٦) بأمرين :

أحدهما : زيادة الظلّ بعد نقصه أو حدوثه بعد عدمه ؛ وذلك أن الشمس إذا طلعت وقع لكلّ شاخص قائم على الأرض ظلّ طويل في جانب المغرب ، ثمّ لا يزال ينقص كلّما ارتفعت الشمس حتّى تصير إلى دائرة نصف النهار وهي دائرة عظيمة

__________________

(١) مسالك الأفهام ١ : ١٤٠.

(٢) عبارة الشهيد الثاني سوف ينقلها المصنِّف في الصفحة : ٤٥٩ ، وقد حذفناها هناك ، إلّا إنه أضاف إليها هناك معلّقاً ما أشرنا له في الهامش ٤ من هذه الصفحة.

(٣) مسالك الأفهام ١ : ١٤٠.

(٤) منه رحمه‌الله ، وقد نقلناها من ذيل العبارة المحذوفة المشار إليها في الهامش ٤ من الصفحة : ٤٦٦.

(٥) في المصدر بدلها : ويعلم الزوال بزيادة الظلّ بعد نقصانه أو بميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل القبلة.

(٦) من « ق » والمصدر ، وفي « م » : ( يعرف ).

٤٥٧

موهومة تفصل بين المشرق والمغرب فهناك ينتهي نقصان الظلّ أو ينعدم ، فإذا مالت الشمس عن دائرة نصف النهار إلى المغرب فإن لم يكن قد بقي ظلّ عند الاستواء حدث الفي‌ء في جانب المشرق ، وإن كان قد بقي ، فحينئذٍ يزيد متحوّلاً إليه. فإذا أُريد معاينة ذلك ينصب مقياس ويقدّر ظلّه عند قرب الشمس من الاستواء ، ثمّ يصبر قليلاً ويقدّر ، فإن كان دون الأوّل أو بقدره فإلى الآن لم تزل ، وإن زاد فقد زالت.

وقد ورد هذا الاعتبار في عدّة أخبار كرواية سماعة : قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ، متى وقت الصلاة؟ فأقبل يلتفت يميناً وشمالاً كأنه يطلب شيئاً ، فلمّا رأيت ذلك تناولت عوداً فقلت : هذا تطلب؟ قال نعم.

فأخذ العود فنصبه بحيال الشمس ، ثمّ قال إن الشمس إذا طلعت كان الفي‌ء طويلاً ، ثمّ لا يزال ينقص حتّى تزول ، فإذا زالت زاد ، فإذا استبنت الزيادة فصلِّ الظهر (١) الخبر.

ورواية عليّ بن أبي حمزة : قال : ذُكر عند أبي عبد الله عليه‌السلام : زوال الشمس ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : تأخذون عوداً طوله ثلاثة أشبار ، وإن زاد فهو أبين ، فيقام ، فما دام الظلّ ينقص فلم تزل ، فإذا زاد الظلّ بعد النقصان فقد زالت (٢).

وينضبط ذلك بالدائرة الهنديّة ، وبها يستخرج خطّ نصف النهار الذي إذا وقع ظلّ الشاخص المنصوب في مركز الدائرة عليه كان وقت الاستواء ، وإذا مال عنه إلى الجانب الذي فيه المشرق كان أوّل الزوال ).

ثمّ أخذ في بيان وضع الدائرة بمثل ما تقدّم بيانه ، إلى أن قال : ( ثمّ ينصّف القوسان ، ويكفي تنصيف القوس الشمالي فيخرج من منصفه خطّ مستقيم يتّصل بالمركز ، فذلك خطّ نصف النهار ، فإذا ألقى المقياس ظلّه على هذا الخطّ الذي هو خطّ نصف النهار كانت الشمس في وسط السماء لم تزل ، فإذا ابتدأ رأس الظلّ يخرج عنه فقد زالت.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٧ / ٧٥.

(٢) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٧ / ٧٦.

٤٥٨

وثانيهما : ميل الشمس إلى الحاجب الأيمن لمن يستقبل القبلة ، والمراد بها : قبلة أهل العراق ، ولا بدّ من حمله على أطراف العراق الغربيّة التي قبلتها نقطة الجنوب ، فإن الشمس عند الزوال تكون على دائرة نصف النهار المتّصلة بنقطتي الجنوب والشمال ، فيكون حينئذٍ لمستقبل نقطة الجنوب بين العينين ، فإذا زالت مالت إلى طرف الحاجب الأيمن.

وأمّا أوساط العراق وأطرافها الشرقيّة فقبلتهم تميل عن نقطة الجنوب نحو المغرب ، كما سيأتي ، فلا يعلم الزوال بصيرورة الشمس على الحاجب الأيمن لمستقبلها إلّا بعد مضيّ زمان طويل من أوّل الوقت ) (١) ، انتهى.

وكلام المتن والشارحين كغيرهم نصّ في أن منتصف النهار هو الزوال ، كما دلّت عليه الأخبار ، ولا ينصّف الزوال إلّا ما بين الطلوع والغروب ، فيكون الليل عندهم ما قابل ذلك. وهم لا يقولون بالواسطة الخارجة عن حقيقتيهما ؛ لوضوح فساد القول بذلك ، وشدّة شذوذ القول به في الملّة الإسلاميّة وإن عزاه الداماد : على ما نقله عنه في ( البحار ) (٢) إلى اصطلاح أعاظم علماء الهيئة من أهل الهند.

ونقل عن أبي الريحان البيرونيّ : أنه ذكر في القانون المسعودي أن براهمة الهند ذهبوا إلى أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وكذا ما بين غروب الشمس وغروب الشفق غير داخل في شي‌ء من الليل والنهار ، بل ذلك بمنزلة الفصل المشترك بينهما (٣).

وأن البرجنديّ : أورد ذلك في شرح الزيج الجديد. فإنه مجرّد اصطلاح يكفي في شدّة ضعفه مخالفة أهل الإسلام وغيرهم من الحكماء الأوّلين والآخرين له.

وقال المجلسيّ : في ( البحار ) : ( أوّل وقت الظهر زوال الشمس عن وسط السماء وهو خروج مركزها عن دائرة نصف النهار بإجماع العلماء. نقله في ( المعتبر ) (٤) ،

__________________

(١) مدارك الأحكام ٣ : ٦٤ ـ ٦٦.

(٢) انظر بحار الأنوار ٨٠ : ٨٤.

(٣) بحار الأنوار ٨٠ : ١٠٦.

(٤) المعتبر ٢ : ٢٧.

٤٥٩

و ( المنتهى ) (١) ، وتدلّ عليه الآية (٢) والأخبار المستفيضة (٣) ) (٤).

وقال أيضاً بعد أن أورد ما رواه الصدوق : في ( المجالس ) (٥) ، و ( العلل ) (٦) بسنده عن الحسن بن عليّ عليهما‌السلام ، من حديث [ أسئلة (٧) ] اليهود للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : في حديثٍ طويل قال فيه : إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال إن الشمس عند الزوال لها حلقة تدخل فيها ، فإذا دخلت فيها زالت الشمس الخبر ، وهو طويل ـ : ( يحتمل أن يكون المراد بالحلقة : دائرة نصف النهار المارّة بقطبي الأُفق ، وبقطبي معدّل النهار ، وإنما يكون زوال الشمس بمجاوزتها عنها وصيرورتها إلى جانب الغرب منها ) (٨) ، انتهى.

والعجب منه رحمه‌الله كلّ العجب ، كيف يقرّر أن منتصف النهار زوال الشمس ، وأن هناك دائرة تمرّ بالأقطاب الأربعة تسمّى دائرة نصف النهار إذا بلغتها الشمس انتصف النهار ، وأن هناك خطّاً يسمّى بخطّ نصف النهار إذا ألقى الشاخص ظلّه عليه فقد انتصف النهار ، ومع هذا يقول : ( إن أوّل النهار طلوع الفجر؟ ) ما هذا إلّا تناقض جليّ ؛ إذ لا يتصوّر أن عاقلاً يقول : الشي‌ء المنصّف يزيد نصف منه على نصف ، بمثل زمن ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس. وهو أعلم بما قال.

وقال العلّامة : في ( الإرشاد ) (٩) ، والشهيد الثاني : في ( الروضة ) (١٠) : أوّل وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس أي مالت عن وسط السماء وانحرفت عن دائرة نصف النهار نحو المغرب فذلك هو الزوال المعلوم بزيادة الظلّ بعد نقصه وحدوثه بعد عدمه.

ثمّ أخذ في بيانه بنصب الشاخص ، وبالدائرة الهنديّة ، واستخراج خطّ نصف النهار على نحو ما تقدّم ، وذكر أن الزوال وتنصيف النهار المعلوم بالزوال يعلم بطرق

__________________

(١) منتهى المطلب ١ : ١٩٨ ( حجري ). (٢) الإسراء : ٧٨.

(٣) تهذيب الأحكام ٢ : ٢٧ / ٧٥ ـ ٧٦.

(٤) بحار الأنوار ٨٠ : ٣٩.

(٥) الأمالي : ٢٥٦ / ١ ، وفيه : ( إن الشمس إذا طلعت عند الزوال .. ).

(٦) علل الشرائع ٢ : ٣٣ / ١.

(٧) في النسختين : ( أسولة ).

(٨) بحار الأنوار ٧٩ : ٢٥٤.

(٩) إرشاد الأذهان ١ : ٢٤٢ ، بالمعنى.

(١٠) الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ١ : ١٧٤ ، بالمعنى.

٤٦٠