رسائل آل طوق القطيفي - ج ١

الشيخ أحمد آل طوق

رسائل آل طوق القطيفي - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طوق


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٢

وليصلح بظلامة وبرده أمر المواليد الثلاثة. فظلامه من حيث هو كذلك هو أثر تلك الكتابة ، بل هي هو ، أي صفته ، فهو يسبّح الله ويسجد له بظلامة من حيث هو كذلك ؛ لأنه كماله الذي يكمل به النظام الجمليّ كالنهار ، ونوره وضيائه. فسبحان من جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكوراً ، فكلّ من ضياء النهار وظلام الليل آية تدلّ على وحدانيّة مبدعه.

وذلك سرّ كتابة الاسم على كلّ منهما ، فكانا كما أمرهما وكتبه عليهما أي خلقه فيهما وفطرهما عليه من كمالات الوجود وما يصلح به النظام الجمليّ وهكذا في كلّ شي‌ء كتابه أسمائهم أي خلق الصفات الكمالية فيها التي فاضت عليها منهم وبهم فإنها جهة كمالها الموهوب ، فكتابتها على النار هو إحراقها وتعذيبها وقاهريّتها لمن القي فيها ، وعلى الجنّة هو بهجتها ونعيمها وسرورها لمن سكنها ، وحورها وارتفاع المنافيات والمحن والأخباث عن أهلها ، فهما يسبّحان الله عزّ اسمه ، ويسجدان له بذلك الاسم والصفة ، بل كتابتهُ على كلّ منهما هو عين كماله الفائض عليه من باب الرحمة الأعظم. فسبحان مَن أنزل مِن السماء ماء فسالت أودية بقدرها ، ووسعت رحمته كلّ شي‌ء.

فكلّ وُجود وَجود وكمالُ وُجودٍ فهو منهم وبهم فاض ، فقد أفاضوا على كلّ ذرّة من ذرّات الوجود قسطاً ممّا أنعم الله به عليهم ، وآتاهم من فضله ممّا يناسبه ويقبله بكمال اختيار فطرته وقابليّته ورتبته ؛ ليكمل النظام الجمليّ بكمالهم وتكميلهم ، وتكمل حجّة الله على جميع خلقه ، فهم الرحمة التي وسعت كلّ شي‌ء ، وبهم رحم الله الخلق ، قبِل من قبِل ، وأبى من أبى ، حتّى إنهم أفاضوا على قلب الكافر وجوارحه كماله من القدرة على الكفر والإيمان بعد إفاضة وجوده. وذلك هو جهة كتابة الاسم الأعظم عليه ، بل هي هو فإنها صفة كمال ، وكلّ كمال فهو فاضل شي‌ء من كمالهم [ الذي (١) ] لا تبلغ العقول وَصفه وحكايته ، كلّ ذلك بكمال الاختيار.

__________________

(١) في النسختين : ( التي ).

٤٠١

فإذا عرفت أن كتابة الاسم الأعظم على النهار ضياؤه وإبصاره ، وعلى الليل هو ظلامه واستتاره ، من حيث إنَّهما كمالان لوجوديهما وللنظام الجمليّ ، لأمن حيث إن الليل يطمس الأبصار بفقد النور ، ولا من حيث أنه عدم النور والضياء ، فليس ظلامه الفطريّ إنكاراً لذلك الاسم الذي كتب عليه ، ولا لأنه لم يقبل تلك الصفة التي هي من فاضل نور اسمهم الأعظم وصفتهم العليا ، وإلّا لما كان مكتوباً عليه الاسم الأعظم بالفعل ، ولم يكن قولهم : إن الاسم كتب عليه فأظلم ، حقيقة ، وهو حقيقة كما يرشد إليه تفريع ظلامه على تلك الكتابة ، حيث قال عليه‌السلام كتب على النهار فأضاء ، وعلى الليل فأظلم ، وعلى البرق فلمع ، وعلى الرعد فخشع (١).

ففرّع ذلك على الكتابة.

فهي إذن العلّة لضياء النهار ، وظلام الليل ولجميع كمالات الوجود ، فلا يكون ظلامه متسبّباً عن إنكاره وإبائه لقبول كتابة ذلك الاسم وتلك الصفة. وممّا يرشدك إلى ما قلناه ما رواه في ( الكافي ) بسنده عن أبي ولّاد قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إن الله خلق حجاباً من ظلمة ممّا يلي المشرق ، ووكّل به ملكاً ، فإذا غابت الشمس اغترف ذلك الملك غرفة بيده ، ثمّ استقبل بها المغرب يتبع الشفق ، ويخرج من بين يديه قليلاً قليلاً ، ويمضي فيوافي المغرب عند سقوط الشفق فيسرح الظلمة ، ثمّ يعود إلى المشرق فإذا طلع الفجر نشر جناحيه فاستاق الظلمة من المشرق إلى المغرب حتّى يوافي بها المغرب عند طلوع الشمس (٢).

فلو كان ظلام الليل متسبّباً وناشئاً عن إنكاره للاسم ، وعدم قبوله لتلك الصفة الكماليّة لما كان ظلامه إنما يخرج من كفّ الملك ، ولا كان الملك هو المغترف له من بحر ذلك الحجاب ، فلله حجب من ظلمة كما لَهُ حجب من نور.

عرفت (٣) أن ما في الساعة الفجريّة من الظلام هو من ظلام الليل ، فتكون من الليل ؛ إذ لو كانت من النهار لكان الاسم الذي كتب على النهار فأضاء قد كتب عليها ،

__________________

(١) شرح الجامعة الكبيرة ٤ : ١٦.

(٢) الكافي ٣ : ٢٧٩ / ٣.

(٣) جواب أداة الشرط ( إذا ) في قوله : ( فإذا عرفت أن كتابة الاسم الأعظم على النهار ضياؤه .. ) الواردة في أول الصفحة.

٤٠٢

ولو كتب عليها لم يكن فيها ظلام بوجه أصلاً ، بل كانت مثل سائر أجزاء النهار في الإضاءَة ، وإلّا لم تكن كتابة ذلك الاسم علّة لإضاءة النهار مطلقاً ، وهي علّة تامّة لإضاءة النهار مطلقاً بجميع أجزائه على حدّ سواء.

ومن البيّن أن ما في تلك الساعة من الإضاءة ليس من نوع إضاءة سائر أجزاء النهار ، وإنما هي من فاضل نور النهار ، بسبب المجاورة كالساعة المغربيّة كما بيّناه.

الثامن عشر : قد تبيّن من مطاوي هذه الأخبار أن لليل زوالاً ، وزواله انتصافه ، وعلامة زواله وآيته انحدار النجوم ، كما في خبر عمر بن حنظلة : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقال له : زوال الشمس نعرفه بالنهار ، فكيف لنا بالليل؟ فقال عليه‌السلام لليل زوال كزوال الشمس.

قال : فبأيّ شي‌ء نعرفه؟ قال بالنجوم إذا انحدرت (١).

فإن المراد منه : زوالها وانحدارها عن دائرة نصف النهار بمعونة العرف والتبادر ، حيث لا يفهم من زوال النجم إلّا هبوطه عنها ، ويرشد إليه تشبيهه عليه‌السلام زوال الليل الذي عرّفه بانحدار النجوم بزوال الشمس ، ولا وجه للشبه إلّا ذلك.

وقد كلّف الشارع عليه سلام الله العباد بمعرفة انتصاف الليل الذي هو زواله ؛ لأنه كلّفهم بأداء نافلة الليل ، وجعل أوّل وقتها انتصاف الليل إجماعاً ، وكلّفهم بأداء صلاة العشاء وجعل آخر وقتها انتصاف الليل على الأشهر الأظهر ، بل الظاهر شذوذ القول بأنه الصبح ، والقول بأنه ثلث الليل. بل الظاهر انقطاعهما ، وذكر عبادات ندب إليها في الثلث الأخير من الليل.

وبالجملة ، فافتقار الخلق إلى معرفة انتصاف الليل للعبادات والمعاملات وغير ذلك لا يخفى.

وحكم (٢) بأن انتصاف الليل زواله ، وجعل آية زواله انحدار النجوم عن دائرة نصف النهار ، وهذا لا يتمّ ولا يضبط إلّا على أن الليل عبارة عمّا بين الغروب

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٤٦ / ٦٧٧.

(٢) عطف على قوله : ( وذكر عبادات ندب .. ) ، أو على قوله : ( كلّف الشارع .. ).

٤٠٣

والطلوع ؛ وذلك لأنه تكليف عامّ فعلامته لا بدّ أن تكون ظاهرة معلومة لأكثر المكلّفين ؛ إذ لا يجزي التقليد في الأوقات إلّا للمعذورين كالعميّ وسائر من استثناه الفقهاء.

فلا بدّ أن يريد عليه سلام الله ـ : نجوماً مخصوصة ؛ لأن إرادة كلّ نجم فُرض واضحة الفساد ، بل ضروريّته ، فإنه لا يريد : النجوم الطالعة وقت العصر ولا الظهر ، فإن زوالها لا ينصّف الليل بالضرورة ، فلا بدّ أن يريد عليه‌السلام نجوماً مخصوصة.

والذي وقفت عليه في كثير من كتب الفقه أن المراد بها : النجوم التي تطلع وقت الغروب ، وهذا مجمل ، فإنه ليس كلّ نجم يطلع وقت الغروب يزول نصف الليل بالضرورة ؛ فإنه يطلع وقت الغروب نجم على المدارات الجنوبيّة المقاربة للقطب الجنوبيّ ، ونجم على المدارات الشماليّة المقاربة للقطب الشماليّ ، فمحال أن يزولا معاً بالضرورة.

وقال المجلسيّ : في ( البحار ) : ( وقال الشهيد : في ( الذكرى ) (١) : روى محمّد بن مسلم : عن أبي عبد الله عليه‌السلام : قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا صلّى العشاء الآخرة آوى إلى فراشه ، ثمَّ لا يصلّي شيئاً إلّا بعد انتصاف الليل.

ومثله عن أبي جعفر عليه‌السلام : قال حتّى يزول الليل ، فإذا زال الليل صلّى ثماني ركعات وأوتر في الركعة الأخيرة ، ثمّ يصلّي ركعتي الفجر قبل الفجر وعنده وبعيده.

قلت (٢) : عبّر بزوال الليل عن انتصافه كزوال النهار ).

ثمّ نقل رواية عمر بن حنظلة : المتقدّمة ، ثمّ قال : ( والظاهر أنه عنى : انحدار النجوم الطوالع عند غروب الشمس.

والجعفي : اعتمد على منازل القمر الثمانية والعشرين المشهورة ، فإنه قال : إنها مقسومة على ثلاثمائة وأربعة وستّين يوماً لكلّ منزلة ثلاثة عشر يوماً ، فيكون الفجر مثلاً بسعد الأخبية ثلاثة عشر يوماً ، ثم ينتقل إلى ما بعده ، وهكذا. فإذا جُعل

__________________

(١) الذكرى : ١٢٥ ( حجريّ ).

(٢) أي المجلسي رحمه‌الله.

٤٠٤

القطب الشماليُّ بين الكتفين نُظر ما على الرأس وبين العينين من المنازل ، فيُعدُّ منها إلى منزله الفجر ، ثمّ يؤخذ لكلّ منزلة نصف سبع ).

قال : ( والقمر يغرب ليلة الهلال على نصف سبع من الليل ، ثمّ يتزايد كذلك إلى ليلة أربع عشرة ، ثمّ يتأخّر إلى (١) ليلة خمس عشرة نصف سبع ، وعلى هذا إلى آخره. قال : وهذا تقريب ) ، انتهى كلام ( الذكرى ).

إلى أن قال : ( ثمّ اعلم أن ما ذكره الشهيد : وتبعه شيخنا البهائيّ رحمه‌الله : من تخصيص النجوم المذكورة في الخبر بالتي تطلع عند غروب الشمس إنما يستقيم إذا كان كلّ أُفق من الآفاق منصّفاً لمدارات جميع الكواكب ، وليس هو كذلك ، بل هذا مخصوص بافق خطّ الاستواء ، أمّا في الآفاق المائلة باعتبار قلّة ميل معدّل النهار عن سَمتِ الرأس ، وكثرته وقرب مدارات الكواكب بالنسبة إلى المعدّل وبعدها عنه فتختلف اختلافاً فاحشاً.

ففي أواسط المعمورة إذا اتّفق طلوع كوكب غروب الشمس ، فربّما وصل قبل انتصاف الليل إلى دائرة نصف النهار قريباً من ساعة ، كفرد الشجاع ، وربّما وصل قبله قريباً من ساعتين كالشعرى اليمانية ، وربّما تأخّر وصوله إلى دائرة نصف النهار عن (٢) الانتصاف بساعة ونصف تقريباً كالسماك الرامح ، ورأس الجوزاء ، وفم الفرس ، أو بساعتين تقريباً كالنسر الطائر ، والعيّوق ، ونير الفكّة ، أو بثلاث ساعات تقريباً كالنسر الواقع ، أو أربع ساعات كالردف. وربّما اتّفق وصول بعض الكواكب القريبة من القطب الشمالي إلى دائرة نصف النهار بعد طلوع الشمس ، فلا بدّ على طريقتهم من تخصيص آخر ، وهو أن تكون كواكب قوس نهارها موافقة لقوس درجة الشمس من منطقة البروج أو قريباً منها كالسماك الأعزل بالنسبة إلى بعض درجات أواخر الحمل.

وحمل كلام الإمام عليه‌السلام في بيان القاعدة التي يحتاج إليها عامّة الخلق على معنًى

__________________

(١) ليست في « ق ».

(٢) في « ق » : ( من ).

٤٠٥

لا يعرفه إلّا أوحديّ الناس في هذا الفنّ في غاية البعد ، وربّما يحمل على الكواكب التي كانت معروفة عند العرب ، وكانوا يعرفون بالتجارب طلوعها وغروبها ، ووصولها إلى دائرة نصف النهار ، ويكون الغرض تنبيههم على أنه يمكن استعلام الأوقات بأمثال ذلك ، بعد تحصيل التجربة ، وفيه أيضا ما فيه.

وذكر بعض أفاضل الأذكياء لذلك علامات ، فقال : علامة زوال الليل في أوائل الحمل طلوع الردف ، وفي أواسطه انحدار السّماك الأعزل ، وفي أواخره طلوع النسر الطائر وغروب الشعرى الشاميّة والعيّوق.

وفي أوائل الثور انحدار السّماك الرامح ، وفي أواسطه غروب فرد الشجاع ، وفي أواخره طلوع فم الفرس وانحدار نير الفكّة وعنق الحيّة ، وغروب قلب الأسد.

وفي أوائل الجوزاء انحدار رأس الجوزاء ، وفي أواسطه انحدار قلب العقرب ، وفي أواخره إشراف النسر الواقع على الانحدار.

وفي أوائل السرطان انحدار النسر الواقع ، وفي أواسطه غروب السّماك الأعزل ، وفي أواخره انحدار النسر الطائر.

وفي أوائل الأسد طلوع العيّوق وانحدار الردف ، وفي أواسطه طلوع الثريّا وغروب الرامح ، وفي أواخره طلوع عين الثور وانحدار فم الفرس وغروب عنق الحيّة.

وفي أوائل السنبلة إشراف نير الفكّة على الغروب ، وفي أواسطه غروب نير الفكّة ، وفي أواخره طلوع يد الجوزاء اليمنى ورجلها اليسرى.

وفي أوائل الميزان غروب رأس الجوزاء ، وفي أواسطه طلوع الشعرى اليمانيّة ، وفي أواخره إشراف النسر الطائر على الغروب.

وفي أوائل العقرب غروب النسر الطائر ، وفي أواسطه طلوع قلب الأسد وغروب النسر الواقع ، وفي أواخره طلوع فرد الشجاع.

وفي أوائل القوس انحدار عين الثور وغروب فم الفرس ، وفي أواسطه انحدار

٤٠٦

العيّوق ورجل الجوزاء اليسرى وغروب الردف ، وفي أواخره انحدار رجل الجوزاء اليمنى.

وفي أوائل الجدي انحدار اليمانيّة ، وفي أواسطه انحدار الشاميّة وطلوع الرامح ، وفي أواخره طلوع الأعزل ونير الفكّة.

وفي أوائل الدلو إشراف قلب الأسد على الانحدار ، وفي أواسطه انحدار قلب الأسد وطلوع العنق ، وفي أواخره إشراف رجل الجوزاء اليسرى على الغروب.

وفي أوائل الحوت طلوع الواقع وغروب رجل الجوزاء اليسرى ، وفي أواسطه غروب عين الثور ، وفي أواخره غروب اليمانيّة ويد الجوزاء اليمنى.

وهذا كله مبنيّ على أخذ الليل من غروب الشمس إلى طلوعها.

والجعفيّ رحمه‌الله : جعل بناء استعلام زوال الليل تارة على منازل القمر المعروفة بين العرب ولعلّه حمل الخبر عليه وتارة على غروب القمر وطلوعه :

أما الأوّل ، فلأن العرب قسّموا مدار القمر ثمانية وعشرين قسماً ، وضبطوا حدود تلك الأقسام بكواكب وسمّوها منازل القمر ، ومدة قطع الشمس تلك المنازل في ثلاثمائة وخمسة وستّين يوماً وشي‌ء ، فإذا قسّمت على المنازل يقع بإزاء كلّ منزلة ثلاثةَ عشرَ يوماً وشي‌ءٌ.

وإذا حصل الاطّلاع على منزلة الشمس من تلك المنازل ، يمكن استخراج ما مضى من الليل وما بقي منه بملاحظة الطالع والمنحدر والغارب من تلك المنازل تقريباً بأدنى تأمّل ؛ إذ عند غروب الشمس يكون المنزل السابع من المنزل الذي فيه الشمس على دائرة نصف النهار ، والرابع عشر على المشرق وفي نصف كلّ سُبع من الليل يتفاوت بقدر منزلة ، فيكون التفاوت في ربع الليل بقدر ثلاثة منازل ونصف ، وفي نصف الليل بقدر سبعة منازل ، وعلى هذا القياس.

وهذا أيضاً تقريبيّ ، لاختلاف مدار الشمس والقمر وجهات أُخر ، فلو حملنا الخبر عليه حملنا النجوم على المنزل الذي يكون مقابلاً للمنزل الذي فيه الشمس.

٤٠٧

وأما الثاني ، وهو بناء الأمر على غروب القمر في أوائل الشهر ، وطلوعه في أواخره ، فضابطه أن يضرب عدد ما مضى في أوائل الشهر إلى الرابع عشر ، ومن خامس عشر إلى الثامن والعشرين في الستّة ، وقسمة الحاصل على السبعة ، فالخارج في الأوّل قدر الساعات المعوجة الماضية من الليل إلى غروب القمر ، وفي الثاني قدر الساعات المذكورة إلى طلوعه.

مثاله : إذا ضربنا الأربعة في الستّة حصل أربعة وعشرون ، فإذا قسّمناه على السبعة خرج ثلاثة وثلاثة أسباع ، فيكون غروب القمر في الليلة الرابعة ، وطلوعه في الثامنة عشرة بعد ثلاث ساعات وثلاثة أسباع ساعة ، وكذا إذا قسّمنا الحاصل من ضرب الخمسة في الستّة ، وهو الثلاثون على السبعة خرج أربعة وسبعان ، فغروب القمر في الليلة الخامسة وطلوعه في الليلة التاسعة عشرة بعد أربع ساعات وسبعي ساعة ، وهكذا. وهذا أيضا تقريبي ) (١). إلى هنا عبارة المجلسيّ : باختصار.

وأقول : ما نقله عن الشهيد ، وعن الجعفيّ : من القاعدتين المشهورتين بين العلماء والجهّال ، بل كاد أن يكون الاعتماد عليهما في سائر الأصقاع والأزمان مجمعاً عليه ، وما نقله عن بعض الأفاضل أيضاً لا يتمّ إلّا على أن المراد من الليل : ما بين الطلوع إلى الغروب ، كما لا يخفى على ذي مسكة. وما خصّص به كلامهم من أنها نجوم قوس نهارها موافق لقوس درجة الشمس من المنطقة حسن ، لكنه مجمل أيضاً وإن كان أقلّ إجمالاً من إطلاق القول بأنها النجوم الطالعة وقت الغروب ، فلا يحمل كلام الشارع فيما كلّف به عامّة البشر ، من معرفة نصف الليل الذي هو آخر أداء العشاء وأوّل صلاة الليل.

والحقّ ما أشار له في توجيه كلام الجعفيّ : الأوّل من أن المراد بها : المنزلة المقابلة لمنزلة الشمس ، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وليس ما نقله من القواعد مبنيّاً على التقريب ، وإن تخلّف في بعض الحالات شي‌ء يسير لا يضرّ بالتحديد ، لأسباب عرضيّة.

__________________

(١) بحار الأنوار ٨٠ : ١٣٩ ـ ١٤٣.

٤٠٨

ورأيت في حواشي ( الفقيه ) على هذا الخبر ما صورته : ( لعلّ المراد بالنجوم هي التي طلعت في أوّل الليل من موضع تطلع منه الشمس في يوم كان على مقدار ذلك الليل. فإذا فرضنا أن الليل المفروض تسع ساعات ، اعتبر مطلع الشمس في يوم كان تسع ساعات. ويمكن استعلام ذلك بمطلع الشمس ، فإن طلعت على مشرق الاعتدال اعتبر كوكب يطلع منه ، وإن كان مشرقها جنوبيّا اعتبر كوكب شماليّ بعد مشرقه عن مشرق الاعتدال في الشمال بمثل بعد مشرق الشمس عنه في الجنوب ، وإن كان مشرقها شماليّاً فبالعكس والانحدار الانهباط ). ونسب هذا الكلام للملّا مراد رحمه‌الله.

ولا يخفى ما فيه من الخفاء بحيث يحصل القطع بأن معنى الخبر غيره ، فإنه لا يعرفه إلّا الأوحديّ في الفلكيّات والتقويم بشرط استعمال الآلات التي يضبط بها حركات الكواكب ، ودرج الفلك وعروض الآفاق. والتكليف بمعرفة انتصاف الليل الّذي عليه مدار تكليفات كثيرة في الحجّ وغيره ، وأعمّها معرفة آخر وقت العشاء وأوّل وقت نافلة الليل ، فلا تكون علامته وآيته اللازمة له إلّا جليّة يعرفها عامة المكلّفين ؛ إذ لو كلّف العامّة بما لا يعرفه إلّا أفراد قليلة من خاصّة الخاصّة ، لكان تكليفاً بالمحال أو قل : تكليفٌ بدون بيان.

والذي ظهر لي أنه عليه‌السلام إنما أراد انحدار رقيب منزلة الشمس من المنازل المعروفة عند عامّة المكلّفين ، فإن أكثر المكلّفين يعرف منازل الشمس والقمر من منطقة البروج ، فإن رقيب منزلة الشمس من المنازل ، وهي التي تطلع إذا غابت منزلة الشمس ككفّتي ميزان فإنها تزول عن سَمت الرأس ، ودائرة نصف النهار ونصف الليل أبداً في كلّ برج وكلّ يوم من أيّام السنة في كلّ صقع وبلد من المعمور على وجه التحقيق لا التقريب. وهذه آية واضحة عامّة شاملة توافق عموم التكليف.

فإن قلتَ : في البشر من لا يعرف المنازل.

قلتُ : وفيهم من لا يعرف زوال الحمرة المغربيّة ولا غروب الشمس ، وهذا لا يدور عليه التكليف ولا يخلّ بعمومه ، بل جعل الشارع لمثل هذا سبيلاً آخرَ ، هو الرجوع

٤٠٩

لغيره كالأعمى والمسجون.

ورقيب منزلة الشمس هي الخامسة عشرة من منزلة الشمس إذا عددتها على التوالي ، ولا بأس بذكر ما معرفته تُعين على ذلك ، فنقول : دائرة نصف النهار دائرة مفروضة قاسمة لدائرة الأُفق بقوسين : شماليّ وجنوبيّ ، مقاطعة لها على نقطتي الشمال والجنوب على زوايا قوائم ، فالنجم يسمّى صاعداً من حين طلوعه حتّى يبلغ تلك الدائرة ، ثمّ يسمّى منحدراً حتّى يغيب ، وهذا يختلف باختلاف الآفاق ؛ بسبب كرؤيّة الأرض المقطوع به ، ورقيب منزلة الشمس من المنازل الثمانية والعشرين هي الخامسة عشرة منها إذا عدّت على توالي البروج والمراقبة ثابتة بينهما ثلاث عشرة ليلة ، وهكذا في كلّ منزلتين ؛ وذلك لأن الشمس تقيم في كلّ منزلة ثلاث عشرة ليلة وشيئاً قليلاً ، جمعوا تلك الكسور وأضافوها إلى الهَنعَة فجعلوا لها أربع عشرة ليلة. وقد فصّل أصحاب هذه الصناعة ذلك.

قال بعض أئمّتهم : مهما طلع برج أو منزلة غار رقيبها ، ومهما اعتدل برج أو منزلة فرقيبه الوتد تحت القدم ، ورقيب البرج سابعه ، ورقيب المنزلة خامس عشرها ، فرقيب الحمل الميزان ، ورقيب الثور العقرب ، وهكذا. وقد نظمها بعض المتقدّمين ، فقال :

أرى الكبش بالميزان يقسم لحمه

وبين بنان الثور عقرب يعقر

وفي مِنكب الجوزاء قوس معلّق

وإنّ ظهر السرطان فالجدي ينفر

أرى الليث نحو الماء يرسل دلوه

وفي قبضة العذراء حوت ميسَّر

وممّن أحسن في جمع رقائب المنازل عبد الله بن أبي بكر بن عفيف المكّي ، حيث نظمها ، فقال :

يا ناطحاً غفر الله الكريم له

من نثر ذبح الكرى في الوجنتين دما

قد أضمر البطن فاستولى الزبان على

ما تحته واستفاد الطرف بلعهما

٤١٠

وللثرى كلل الدمع المصون له

من جبهة السعد في الداجي إذا انقسما

تدبَّر القلب آيات الزبور وفي

تلك الزوايا (١) خبايا أغلت القيما

ما هقعة الشول (٢) تغني المستبدَّ بها

شيئاً إذا انصرف المقدام منهزما

أيضاً ولا هنع الأنعام شاكرة

إذا عوى صاحب التأخير وانفحما

وكم ذرعنا بأخفاف المطي بلداً

وأعللنا سماك الحوت إن نجما (٣)

فمهما كان النطح طالعاً كان الغفر غارباً ، والنثرة وتداً ، والذابح متوسّطاً على الرأس ، أو كان الغفر طالعاً فالنطح غارباً ، والنثرة متوسّطاً ، والذابح وتداً ، أو كان النثرة طالعاً فالذابح غارباً ، والنطح متوسّطاً ، والغفر وتداً ، أو كان الذابح طالعاً ، فالنثرة غارباً ، والغَفر متوسّطاً والنطح وتداً ، وعلى هذا فقس. انتهى.

وهذا لا يشكّ فيه من له أدنى معرفة بهذا الفنّ ، وهو غير جار إلّا على أن الليل هو ما بين الغروب إلى الطلوع ، وسيأتي لهذا مزيد كشف وبيان إن شاء الله تعالى.

التاسع عشر : إطباق العرف من الخاصّ والعامّ في كلّ زمان ومكان ، وإجماع الفلكيّين والمقوّمين والمنجّمين وأصحاب الأرصاد وأهل اللغة وعرف المتشرّعة في ضبط الآجال ، وأيّام الإقامة ، ومسافة القصر ، ووقت النفر ، وإفطار المسافر ، وغير ذلك من النذور وغيرها ، على أن نصف النهار هو زوال الشمس ، وإجماع أهل كلّ فنّ حجّة كما بُيّن في محلّه ، ومحال بالضرورة أن يكون أحد نصفي النهار أطول من الآخر ، والليل يقابل النهار البتّة ، فنصفه ما فصل ما بين الغروب والطلوع بمتساويين ، كما عليه عرف أهل الشرع في تحديد وقت صلاة العتمة.

العشرون : إطباق العرف عامّاً وخاصّاً في كلّ زمان ومكان ، وإجماع الفلكيّين والمقوّمين وأصحاب الأرصاد أن تساوي الليل والنهار عبارة عن تساوي ما بين الطلوع والغروب مع ما بين الغروب والطلوع ، ومثله ما لو قيل : زاد الليل على النهار

__________________

(١) في « ق » : ( الروايات ) ، وهو مخلٌّ بالوزن.

(٢) في « ق » : ( الشبول ).

(٣) كذا النسختين ، وهو مختلُّ الوزن.

٤١١

بساعة مثلاً أو بالعكس. ولا ريب أن في كلّ سنة يومين يتساوى فيهما الليل والنهار ، والإجماع عليه منعقد في كلّ زمان ومكان ، وأنهما يوما حلول الشمس نقطتي الاعتدالين عند حلول الشمس أوّل الحمل وأوّل الميزان.

وهذا إنما ينطبق على تساوي ما بين الطلوع والغروب ، وبين الغروب والطلوع ، فلو كان النهار من طلوع الفجر لكان يوما الاعتدالين غير ذلك ، ولم يذكر غيره في كلام عالم ولا حَبر (١). فعلى هذا لا يكون يوما الاعتدالين معروفين ، وهما معروفان بالضرورة.

الحادي والعشرون : التكليف بمعرفة الأوقات عامّ ، وقد ورد من الشارع لوقت المغرب ولوقت العشاء وللظهرين علامات جليّة واضحة عامّة يعرفها عامّة المكلّفين ، ولم نظفر بعلامة من الشارع ولا من فقيه من فقهاء الأُمّة ، بل ولا من لغويّ ولا فلكيّ ولا مقوّم ، ولا من أحد من أصحاب الأرصاد وأرباب الزيجات بعلامة لانتصاف ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر ، مع أن هؤلاء قد عيّنوا علامات لانتصاف الليل لا ينطبق شي‌ء منها على تنصيف ذلك ، فكيف يكلّف الشارع بمعرفة وقت لم يجعل له آية ولا علامة؟ ما هذا إلّا محال.

فدلّ على أن المراد بالليل شرعاً ما نصّفته العلامات الشرعيّة المذكورة ، والعرفيّة المذكورة وغيرها ، وهو ما بين الغروب والطلوع.

الثاني والعشرون : اتّفاق كلمة المصنّفين في علم الميزان على تعريف الشمس بأنها كوكب نهاريّ ينسخ طلوعه وجود الليل. فإنه ظاهر جليّ في أنه متى لم تطلع الشمس فلا نهار. وعلى قولهم : متى كانت الشمس طالعة فالنهار موجود في الشرطيّات العامّة ، ومفهومه أنه إذا لم تكن الشمس طالعة فلا نهار موجود.

الثالث والعشرون : قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً ) (٢) ، فإن الظاهر أن آية النهار الشمس ، وآية الشي‌ء

__________________

(١) في « ق » : ( خبر ) بدل : ( حبر ).

(٢) الإسراء : ١٢.

٤١٢

علامته ودليله الذي يعرف به ، فإذا كانت الشمس هي دليل وجود النهار فلا نهار قبل طلوعها.

ويدلّ على هذا ما في ( نهج البلاغة ) من قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها ، وقمرها آية ممحوَّة من ليلها ، وأجراهما في مناقل مجراهما ، وقدّر مسيرهما في مدارج مدرجهما ؛ ليميز بين الليل والنهار بهما ، وليعلم عدد السنين والحساب بمقاديرهما (١).

فجعل الشمس آية للنهار مميّزة بين النهار والليل ، فما لم توجد العلامة والمميّز الذاتيّين لم يوجد النهار.

وفي ( العلل ) (٢) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنه سئل : ما بال الشمس والقمر لا يستويان في الضوء والنور؟ قال لمّا خلقهما الله عزوجل أطاعا ولم يعصيا شيئاً ، فأمر الله جبرئيل أن يمحو ضوء القمر فمحاه ، فأثَّر المحو في القمر خطوطاً سوداء. ولو أن القمر ترك على حاله بمنزلة الشمس لم (٣) يُمحَ ، لما عرف الليل من النهار ولا النهار من الليل ، ولا علم الصائم كم يصوم ، ولا عرف الناس عدد السنين ، وذلك قول الله عزوجل ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ ) الآية.

وفي ( الاحتجاج ) (٤) أن أمير المؤمنين عليه‌السلام : قال لابن الكوّاء : أما سمعت الله يقول ( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً )؟ لمّا سأله عن المحو الذي يرى في القمر.

وهما صريحان في أن الشمس آية النهار التي لا يعرف ويتميّز عن الليل إلّا بها. فإذن ما لم توجد وتطلع في أُفق لم يوجد النهار.

الرابع والعشرون : ما في حديث الإهليلجة عن الصادق عليه‌السلام : أنه قال في قوله تعالى : ( وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً ) (٥) يسبحان في ذلك ، يدور بهما دائبين ، يطلعهما تارة ويؤفلهما اخرى حتّى تعرف عدَّة الأيّام والشهور والسنين ، وما يستأنف من الصيف

__________________

(١) نهج البلاغة : ١٥٥ / الخطبة ٩١.

(٢) علل الشرائع ٢ : ١٨١ / ٣٣.

(٣) في « ق » : « لما ».

(٤) الاحتجاج ١ : ٦١٥ / ١٣٩.

(٥) الفرقان : ٦١.

٤١٣

والربيع والشتاء والخريف ، أزمنة مختلفة باختلاف الليل والنهار (١).

فقد جعل اختلاف الليل والنهار إنما يعرف بطلوع الشمس وإنارة القمر ، فلا نهار ما لم تطلع الشمس ويخفى نور القمر ، ومتى كان للقمر ضياء في سطح الأرض فالليل موجود.

الخامس والعشرون : ظاهر قوله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً ) (٢) ، فإنه بمعنى : يخلف كلّ منهما الآخرَ ويحلّ محلّه ويعاقبه ، فلا بدّ من كمال التمايز بينهما ليكمل الاستدلال بذلك على وحدانيّة خالقهما ، وليكون تعاقبهما نعمة على العبد يجب شكرها حيث إن حوائج العباد وخصوصاً المواليد الثلاثة ، وخصوصاً الإنسان لا تتمّ ولا يستقيم معاشها ومعادها إلّا بتعاقبهما.

فمنها ما لا يتمّ بل لا يكون إلّا بالليل ، ومنها ما لا يكمل أو يكون إلّا بالنهار ، ومنافع تعاقبهما وحلول كلّ منهما محلّ الآخر لا تحصى ، منها تدارك ما فات من شكر المنعم الموقّت له الليل بالنهار ، وبالعكس ، كما جاء في بعض تفاسير الآية عن أهل البيت عليهم‌السلام (٣).

ومن المحسوس عدم (٤) معاقبة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لليل ، وعدم ظهور التمايز بينها وبين أجزاء الليل ، فالصفات الصفات ، والآية التي هي ضوء القمر الآية ، خصوصاً مع ما بين غروب الشمس إلى ذهاب البياض من المغرب بعد العشاء الذي هو من الليل بلا خلاف ؛ فإن بينهما كمال المطابقة ، فلا تكون الساعة الفجريّة من النهار وإلّا لقامت بها صفاته ولوازمه ، ولزمتها آيته وعلامته ، وتحقّقت معها علّته.

السادس والعشرون : قوله تعالى : ( وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ ) (٥)

__________________

(١) التفسير الصافي ٤ : ٢٢ ، نور الثقلين ٤ : ٢٥ ـ ٢٦ / ٨٦.

(٢) الفرقان : ٦٤.

(٣) كنز الدقائق ٧ : ١٩٦.

(٤) ليست في « ق ».

(٥) يس : ٣٧.

٤١٤

، حيث جعل سلخ النهار ورفعه ملزوماً لوجود الظلام ، بل جعل الليل هو الظلام الحادث بسبب سلخ النهار ورفعه عنه ، والحسّ شاهد بوجود الظلام المشابه لظلام الليل بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس كالساعة الاولى من الليل. وقد ورد في تأويل هذه الآية كما في ( الكافي ) عن الباقر عليه‌السلام : أنه قال يعني قبض محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وظهرت الظلمة فلم يبصروا فضل أهل البيت ، عليهم سلام الله (١).

والتأويل طبق التنزيل ، فكما لا نهار ولا نور بعد غياب شمس الرسالة ، لا نهار قبل طلوع شمس الآفاق.

السابع والعشرون : قوله تعالى : ( لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (٢) ، فإن ظاهرها أن الشمس لا تطلع في سلطان القمر وهو الليل ، فمهما لم تكن الشمس طالعة فهو من سلطان القمر وهو الليل ، وإن الليل وظلامه لا يكون في شي‌ء من النهار ، والحسّ شاهد بوجود الظلام قبل طلوع الشمس فلا يكون من النهار.

يدلّ على ذلك ما في ( تفسير القمي : ) عن الباقر عليه‌السلام : أنه قال الشمس سلطان النهار والقمر سلطان الليل ، لا ينبغي للشمس أن تكون مع ضوء القمر بالليل ولا يسبق الليل النهار. يقول : لا يذهب الليل حتّى يدركه النهار ( وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (٣) ، يقول : يجي‌ء وراء الفلكِ الاستدارةُ (٤).

فقد صرّح الخبر بأن الشمس سلطان النهار أي دليله وبرهانه فلا نهار في أفق بدون طلوعها فيه فقبله ليل لا نهار ، والقمر سلطان الليل فمادام ضياؤه ونوره ظاهراً فالليل موجود ، وضياؤه ونوره قبل طلوع الشمس موجود بالضرورة ، فالليل موجود لوجود سلطانه وبرهانه وآيته ودليله.

__________________

(١) الكافي ٨ : ٣١١ / ٧٤.

(٢) يس : ٤٠.

(٣) يس : ٤٠.

(٤) تفسير القمّي ٢ : ٢١٦.

٤١٥

الثامن والعشرون : التقابل بين الليل والنهار (١) إمّا تقابل الملكة والعدم ، كما يشعر به قوله عزّ اسمه ( وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ ) (٢) ، فالتعبير بالسلخ يشعر بأنه كالموضوع للنهار ، وقوله تعالى : ( يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) (٣) ، وإمّا تقابل التضادّ كما يشعر به ما جاء عن أهل البيت : عليهم سلام الله في أخبار متعدّدة أن النهار خلق قبل الليل (٤) ، ولكلّ وجه ، وهما صحيحان كلّ باعتبار.

ومن المحسوس أن الساعة الفجريّة لا تقابل الليل بشي‌ء من المعنيين ، وإنما تقابل النهار مقابلة كمقابلة أوّل الليل ، فلا تكون من النهار.

التاسع والعشرون : ممّا قام عليه البرهان المتضاعف عقلاً ونقلاً أن الوجود سبق العدم ، والنور خلق قبل الظلمة ، والنهار خلق قبل الليل ؛ لأنك إذا علمت أن الباري عزّ اسمه علّة تامّة علمت ذلك ، ولسنا بصدد بيانه ، وإنما نحن بصدد بيان أن النهار خلق قبل الليل فقط بذكر شي‌ء من الأخبار الدالّة عليه دون ذكر الاعتبارات العقليّة ؛ لعدم احتمال هذه الأوراق لها ، والأخبار بذلك كثيرة ، كما لا يخفى على الفطن بلحن القول :

منها : ما في ( المجمع ) نقلا عن ( م العيّاشي : ) (٥) عن الرضا عليه‌السلام : أنه قال إن النهار خلق قبل الليل (٦).

وقال في تفسير قوله تعالى : ( وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (٧). قال أي قد سبقه النهار (٨).

وفي ( الاحتجاج ) عن الصادق عليه‌السلام : أنه قال خلق النهار قبل الليل ، والشمس قبل القمر ، والأرض قبل السماء (٩).

__________________

(١) في « ق » : ( النهار والليل ).

(٢) يس : ٣٧.

(٣) الحج ٦١.

(٤) الاحتجاج ٢ : ٢٤٩ / ٢٢٣.

(٥) عنه في كنز الدقائق ٨ : ٤١١.

(٦) مجمع البيان ٨ : ٥٤٨ ، باختلاف.

(٧) يس : ٤٠.

(٨) مجمع البيان ٨ : ٥٤٨.

(٩) الاحتجاج ٢ : ٢٤٩ / ٢٢٣.

٤١٦

ورواه في ( الكافي ) وزاد وخلق النور قبل الظلمة (١).

إلى غير ذلك من الأخبار.

فإذا كان النهار قبل الليل والنور قبل الظلمة ، لزم أن ابتداء النهار وأوّله ليس فيه ظلمة بوجه أصلاً ؛ إذ لم يسبقه ظلام ولا ليل بوجهٍ أصلاً ، وإنما سبقه نور علّته الّذي نوره قبس من نورها ، فلو كان ما بين الطلوعين من النهار كان مبدأ النهار ظلمة وقبله ليل ، وهو محال. وهذه الأخبار وما في معناها يردّه ، فلزم أن أوّل النهار طلوع شمسه وانبساط نورها.

الثلاثون : قوله تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) (٢) الآية ، فإنها حكمت باختلافهما ، والإطلاق يحمل على الفرد الأكمل ، فثبت أن بينهما كمال الاختلاف ، وليس بين الساعة الفجريّة وبين الليل كمال اختلاف ، بل مشابهة خصوصاً للساعة الاولى منه فإنّهما متطابقتان.

وفي ( تفسير الإمام ) في تفسير هذه الآية قال بعد كلام ثمّ ما في السماوات من الشمس المنيرة في نهاركم لتنتشروا في معاشكم ، ومن القمر المضي‌ء لكم في ليلكم لتبصروا في ظلماته ، وألجأكم بالاستراحة بالظلمة التي بها ترك مواصلة الكدِّ الذي ينهك أبدانكم ، وَاخْتِلَافِ الليْلِ وَالنَّهَارِ المتتابعين عليكم بالعجائب التي يحدثها ربّكم في عالمه (٣) الخبر.

فقد دلّ بفحواه على أن الشمس لا تضي‌ء إلّا في النهار ، ولا نهار إلّا مع ضياء الشمس ، وضياء الشمس ممتاز عن ضياء الفجر وإن كان من فاضل ضيائها ، بل صريحُهُ أن استنارة الشمس يعني الكاملة بمقتضى الإطلاق ظرفها النهار ، ولازمها المساوي ، ودلّ على أن القمر لا يضي‌ء إلّا بالليل. فإذن ما قبل طلوع

__________________

(١) الكافي ٨ : ١٢٧ / ١١٦ ، عن الباقر عليه‌السلام ، باختلاف.

(٢) البقرة : ١٦٤.

(٣) التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه‌السلام : ٥٧٥ ، باختلاف.

٤١٧

الشمس ليس من النهار ، لإضاءة القمر فيه. ودلّ على كمال الاختلاف بين الليل والنهار ، ولا اختلاف كذلك بين الليل وما قبل طلوع الشمس كما مرّ.

الحادي والثلاثون : لا ريب أنه للّيل طرفان : أوّل وآخر ، هما حدّاه ، يعقب طرفه الأوّل النهار ويعقب النهار طرفه الآخر ، فيجب تشابههما وتماثلهما ، وكذلك النهار له أوّل يعقب الليل ، وآخر يعقبه الليل يجب تشابههما وتماثلهما. ولا ريب ولا خلاف أن آخر النهار غروب الشمس ، فيجب بحكم التقابل أن يكون أوّله طلوعها ، وكذا لا ريب ولا خلاف أن أوّل الليل ما بعد غروب الشمس بلا فصل ، فيجب بحكم المقابلة والمشابهة ، بل التطابق أن يكون آخره ما قبل الطلوع بلا فصل ؛ لتشابه الوقتين من كلّ وجه ، فالحكم بأن الأُولى منه والأُخرى خارجة خارجٌ عن الصواب وتحكّم ، وحكم بالمضادّة ، بل المناقضة بين المتماثلين من كلّ وجه ، وبطلانه أظهر من أن يحتاج إلى بيان.

قال المجلسيّ : في ( البحار ) بعد أن ادّعى أن أوّل النهار طلوع الفجر ، واستدلّ عليه بما سنشير إليه إن شاء الله تعالى ـ : ( واستدلّ بعض الأفاضل على خلاف هذا المدّعى بقوله تعالى : ( يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ) (١) ، حيث قال : فقد قيل في تفسيره : إن الله تعالى يقلّب بالمعاقبة بينهما ، أو بنقص أحدهما وزيادة الآخر ، أو بتغيير أحوالهما بالحرّ والبرد والظلمة والنور وما يعمّ ذلك.

وعندي : كلّ هذه الوجوه خلاف الظاهر ، وفرق بين تقليب الشي‌ء وتبديل الشي‌ء بالشي‌ء ومعاقبتهما. والظاهر من التقليب : جعل الصدر عجزاً وبالعكس ، وذلك إنما يتحقّق في كلّ واحد من الليل والنهار بالمعنى الذي ذكرناه حسب ، بناءً على أن في أوّل الليل الحمرة في جهة المغرب ، ثمّ يزداد الليل ظلمة وتزول الحمرة وتبقى الصفرة والبياض المعترض ، ثمّ البياض المرتفع إلى السماء ، ثمّ السواد المحيط بالآفاق. ويزداد الليل ظلمة وإن لم يظهر أثر الازدياد حتّى ينتصف الليل ، ويصير

__________________

(١) النور : ٤٤.

٤١٨

رأس ظلّ المخروط على دائرة نصف النهار فوق الأرض ، ويكون المخروط حينئذٍ إمّا قائماً أو مائلاً إلى جهة الجنوب أو الشمال مع تساوي بعده عن جهة المشرق والمغرب.

ثمّ إذا زال الليل مال رأس المخروط عن دائرة نصف النهار إلى جهة المغرب ، وأخذت الظلمة إلى الانتقاص وإن لم يظهر ذلك حسّا ، وانقلبت الحالات الواقعة في النصف الأوّل فيميل النور إلى جهة المشرق حتّى يصير النور المستطيل في الأُفق الشرقيّ ، ثمّ الفجر المعترض ، ثمّ الصفرة والحمرة المشرقيّتان ، إلى أن تطلع الشمس من المشرق. وفي هذا حالات تقليب للحالة الاولى وانعكاس لأمرها.

وكذلك إذا طلع الشمس من المشرق كثر النور في الجهات الشرقيّة والظلّ ممتدّ من جهة المغرب ، وكلّما ارتفعت نقص الظلّ وازداد النور والشعاع ، وجميع ما يترتّب على ذلك ، حتّى إذا زالت الشمس انعكس الأمر وانقلب الحال فصارت الجهات الغربيّة في حكم الشرقيّة وبالعكس ) (١) ، انتهى.

وعنى بصاحب هذا الكلام الفاضل الخراسانيّ : في رسالته الموضوعة في هذه المسألة ، فقد اختار أن النهار من الطلوع إلى الغروب ، وأطال في الاستدلال بطرق مختلفة.

وجميع ما ذكره من تفصيل حالات الليل والنهار لا يشكّ فيه من له أدنى أثارة من علم ، فإن الليل عبارة عن وقوع مخروط ظلّ الأرض ممّا يلي المعمور ، وهو لا يكون إلّا بهذا الترتيب. وقد اتّفق الفلكيّون والمقوّمون والمنجّمون وأهل الأرصاد والزيجات على أن الليل عبارة عن ذلك ؛ ولذا يعبّرون عن زمان طلوع الكوكب بقوس نهاره ، وعن مدّة كونه تحت الأُفق بقوس ليله ، فقوس ليل الشمس أي مدّة كونها تحت الأُفق هو الليل ، وقوس نهارها أي مدّة كونها فوق الأُفق هو الليل ، فما لم تطلع فالليل باقٍ.

__________________

(١) بحار الأنوار ٨٠ : ١٠٣ ـ ١٠٤.

٤١٩

الثاني والثلاثون : ما ذكره أهل اللغة وغيرهم بلا نكير من أسماء ساعات الليل والنهار ، وهي غير منطبقة إلّا على كون الليل إلى طلوع الشمس ، ففي ( الخصال ) وغيره عن الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري : عن عمّه عن أبي إسحاق : قال : ( أملى علينا ثعلب : ساعات الليل : الغَسَق ، والفَحمَة ، والعُشوَة ، والهَدأة ، والسياع (١) الجِنح ، والهَزيع ، والفقدة وفي بعض النسخ بدل الفقدة : العفر بالعين المهملة والفاء وفي بعضها بالمعجمة ، نصّ عليه في ( البحار ) ، وقال : ( وفي بعض النسخ : الفغر بالفاء ثم الغين المعجمة. وعلى التقادير آخره راء ، وفي بعضها بالفاء ثم القاف وفي بعضها بالنون ثم القاف ، وعلى التقادير آخره دال مهملة ) والزلفة ، والسحرة ، والبُهرة.

وساعات النهار : الرادّ ، والشروق ، والمتوع ، والضّحاء ، والترحّل ، والدلوك ، والجنوح ، والهجيرة ، والظهيرة والأصيل ، والطفل ) (٢).

ووجدت في بعض الكتب ما صورته : ( إن العرب قسّموا الليل والنهار كلّاً منهما إلى اثنتي عشرة ساعة ، لكلّ ساعة اسم هكذا :

ساعات النهار : البكور ، والشروق ، والغدوة ، والضحى (٣) ، والهاجرة ، والظهيرة ، والرواح ، والعصر ، والقصر ، والأصيل ، والعشاء ، والغروب.

وساعات الليل : الشفق ، والغسق ، والعتمة ، والسدفة ، والجهمة ، والزلفة ، والبهرة ، والسحر ، والسحرة ، والفجر ، والصبح ، والصباح.

وبعضهم ذكر في ساعات النهار : الذرور ، والبزوغ ، والضحى ، والغزالة ، والهاجرة ، والزوال ، والدلوك ، والعصر ، والأصيل ، والصبوب ، والحدود ، والغروب.

وبعضهم هكذا : البكور ، والشروق ، والإشراق ، والرادّ ، والضحى ، والمتوع ،

__________________

(١) في البحار : ( السباع ) بدل : ( السياع ).

(٢) الخصال ٢ : ٤٨٨ ، أبواب الاثني عشر / ٦٧ ، ولم يرد فيه لفظتا : ( السياع ) و ( الضحاء ) ، بحار الأنوار ٥٦ : ٥ ـ ٦.

(٣) في « ق » : ( الضحاء ).

٤٢٠