منهج جديد لدراسة الفقه المقارن

السيد علي الشهرستاني

منهج جديد لدراسة الفقه المقارن

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات دليل ما
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-397-634-7
الصفحات: ٨٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

Description: F:Book-LibraryENDQUEUEManhaj-Jadid-Derasah-Feqhimagesimage001.gif

١
٢

Description: F:Book-LibraryENDQUEUEManhaj-Jadid-Derasah-Feqhimagesimage002.gif

٣

٤

دليل الكتاب :



المقدمة ...................................................................  ٧

حوار بين الاستاذ المحاضر وأحد علماء السنّة ..................................  ٩

دعوة إلى البحث ........................................................  ٢٨

المحور الاول : المدونين ....................................................  ٤٢

المحور الثاني : فقه الانصار ................................................  ٤٦

المحور الثالث : رواة الفضائل ..............................................  ٤٨

المحور الرابع : الذين شهدوا علياً حروبه ....................................  ٤٩

اثر البحث التاريخي على الاستدلال الفقهي .................................  ٥٣

المصادر .................................................................  ٧٣

٥

٦

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين ؛ وبعد هناك اثارات كثيرة يطرحها البعض بين الفينة والاخرى في كتب الفقه والعقيدة والتاريخ حول مشروعية فقه الإمامة والإمامية ، فاحببت في هذه الليلة تسليط الضوء على هذه المدعيات ، ودراسة مسألة توثيق فقه الإمامية من الصحاح والسنن العامية ، فقد قال ابن خلدون في الفصل السابع من مقدمته ، باب « علم الفقه وما يتبعه من الفرائض » : وشذ أهل البيت في مذاهب ابتدعوها ، وفقه انفردوا به ـ إلى أن يقول ـ فلا نعرف شيئاً من مذاهبهم ، ولا نروي كتبهم ولا أُثر بشيء منها إلاّ في مواطنهم (١).

وقال الدكتور محمد كامل حسين في مقدمته على موطأ مالك : يروي الشيعة عن طريقه [ يعني بذلك عن طريق الإمام الصادق ] أحاديث كثيرة لا نجدها إلاّ في كتب الشيعة (٢).

وقال ابن سعد في الطبقات الكبرى في ترجمة الباقر : وكان ثقةً كثير العلم والحديث ، وليس يَرْوي عنه من يُحْتَج به (٣).

_________________________________

(١) تاريخ ابن خلدون ١ : ٤٤٦.

(٢) موطأ مالك ١ : ٢١ « مقدمة المحقق ».

(٣) الطبقات الكبرى ٥ : ٣٢٤ ، وقد علق الاستاذ أسد حيدر طاب ثراه في كتابه ( الإمام الصادق والمذاهب الاربعة ٢ : ١٤٩ تحقيق نشر الفقاهة ) ، على كلام ابن سعد بقوله : فهل كان يقصد ابن سعد أنّ جميع من روى عن الإمام الباقر

٧

نعم هذه الاثارات والأقوال موجودة في كثير من المصنفات ، وهي الأُخرى تختلج في صدور كثير ممن يتقاطع مع مدرسة أهل البيت ، وأولئك الاشخاص وباثارتهم لهذه المسألة بين الحين والاخر أرادوا التشكيك فيما يرويه الأئمة عن رسول الله ، بدعوى أنّها مراسيل وليس اسنادها صحيح متصل.

ونحن في هذه الليلة نريد أن نبيّن كذب هذه المدعيات بل « توثيق روايات الشيعة الإمامية من الصحاح والسنن » وان هذا العمل ـ بنظرنا ـ ليس بالعسير ، ومحاضرتنا جاءت لتساهم في معالجة وردم هذه الفجوة التي احدثها امثال : ابن تيمية وابن قيم الجوزية وغيرهم من ائمة مدرسة السلف ؛ لان هؤلاء تارة يشككون في الرواة عن الائمة ، وأخرى في مرويات نفس الأئمّة ، وهدفهم في كلا المرحلتين هو تضعيف مدرسة أهل البيت من خلال تشكيكهم في اتصال مرويات الأئمة الرواة عن رسول الله ، واخرى عن الراوين عنهم.

_________________________________

لا يحتج به ؟ كيف وقد روى عنه ثقات التابعين وعلماء المسلمين ، وقد احتجّ أصحاب الصحاح بتلك الروايات ، ولم يتوقف أحد عن قولها. وليس من البعيد أنّ ابن سعد يقصد بكلمته هذه رواته من الشيعة ، فهم في نظره غير ثقات ، نظراً لنفسيته وارتكازاته الذهنية التي علقت به من إيحاء الأوهام ، وعوامل السياسة ، وتدبير السلطة ضد شيعة أهل البيت عليهم‌السلام ، أو مجاراة للظرف الذي نشأ فيه. ثم اخذ الاستاذ يعدّ اسماء الرواة عن الإمام الباقر عليه‌السلام.

٨

حوار بين الاستاذ المحاضر وأحد علماء السنة

لأبد لي قبل أن أبدأ في بيان تفاصيل رؤيتي أن أنقل لكم قضية حدثت لي مع عالم من أهل السنة والجماعة زارني في مدينة مشهد ، وطرح عليّ هذه الاثارة ، وكان خلاصة كلامه : أنّه لا خلاف بين المسلمين في مكانة الإمام علي ، فهو وصي رسول الله وخليفته من بعده عندكم ، أما عندنا فهو الخليفة الرابع وصهر الرسول ، والكل يشهد بفضله وعلمه وتقواه ، فلو امكنكم أن تثبتوا لنا أن الفقه الذي تعملون به هو فقه الإمام علي لقبلنا مذهبكم ، واتبعنا سيرة ائمتكم ؛ لان كلام الإمام علي هو حجة علينا وعليكم ، وهو واجب الاتبّاع عندنا وعندكم ، لكنكم تنسبون إلى علي والأئمة من أهل البيت أشياء لم تثبت عنهم ؛ ولا تصح هذه الطرق التي تروونها عنهم ، فعلي بن أبي طالب عندنا هو غير علي بن أبي طالب عندكم ، فقلت له : أنا لا اريد ان ادخل معك في مهاترات ، وأقول بمثل ما قلت بانكم تتقولون على الإمام علي ، لكني سأثبت لك بالارقام عدم صحة كلامك ، ثم اخذ ذلك العالم يكرر عليّ ما قاله الاخرون عنا ، مؤكداً لزوم اثبات مشروعية فقهنا من فقههم ، وصحة احاديثنا من احاديثهم حتى يصح العمل به عندنا وعندهم ؛ لان منهج التوثيق هو المنهج الصحيح لتوحيد المسلمين على الطريق الصحيح.

فقلت له : لنتفق أولاً على منهجية في البحث ثم ننطلق بعد ذلك

٩

إلى الجهات الاخرى فيه.

فقال : لا مانع من ذلك.

فقلت له : من المعلوم ان الروايات المحكية عن الإمام علي ـ سلام الله عليه ـ لا تتجاوز عن أربعة محاور.

المحور الاول : ما اتفق عليه الفريقان سنة وشيعة على صدوره عن الإمام علي.

المحور الثاني : ما اختلف عليه الفريقان سنة وشيعة ، فالشيعة تروي شيئاً عن الإمام علي ، وأهل السنة شيئاً آخر.

المحور الثالث : ما انفردت به أهل السنة والجماعة عن علي ، ولم يُؤثر ما يماثلها عند مدرسة أهل البيت.

المحور الرابع : ما انفردت به الشيعة الإمامية عن علي ، ولم يُؤثر ما يماثلها في مصادر أهل السنة والجماعة.

أمّا المحور الاول فلا خلاف في حجيته عندنا وعندكم وذلك لعدم وجود ما يثير الريب فيه ، لكن الخلاف في المختلف فيه عن الإمام علي سلام الله عليه ، فنحن نحكي عن علي شيء ، وانتم تنسبون إليه شيئاً اخر ، والفريقان يدعيان صحة طريقيهما إلى الإمام علي ، فما هو الصحيح عن علي ؟! هل ما تنقله الشيعة الإمامية ، أم ما روته كتب العامة ، وهذا هو الجانب الأهم ـ ضمن المحاور الأربع ـ الذي يجب الوقوف عنده ، ومن خلاله يمكننا أن نعرف قيمة المحورين الثالث والرابع ؛ لأنّه لو ثبت وجود دور للسياسة في

١٠

الاختلاف عن الإمام علي سلام الله عليه لعرفنا عدم امكان اعتماد ما تنفرد بها العامة عن أهل البيت ؛ لكونه فقه حكومي ابتنى على المصالح ويصب في مشرعة الخلفاء ، فقد يروى النهج الحاكم اخباراً عن الإمام لتحكيم أحكام سلطانية صادرة من قبل الخلفاء وأصحاب النفوذ ، ولا نشك في أنّ كثيراً من كبار الصحابة كانوا خصوماً بارزين للإمام علي عليه‌السلام ، كما لا نشك في أنّ لهذه الخصومة مردودها السلبي على اصول الدين الإسلامي ، والمنقول عن رسول الله على وجه الخصوص.

اما عن المحور الرابع فلا يمكننا أن نعتبر ما تنفرد بها الشيعة الإمامية شيئاً غريباً عن فقه المسلمين ؛ لأنّهم اتباع مدرسة أهل البيت وابنائهم ، وهؤلاء قد يختصون بأمور لا يطلّع عليها الاخرون من فقه وحديث رسول الله ، وهو امر طبيعي يشاهد عند اتباع كل مذهب ، فقد تقف على اشياء عند اتباع مالك لا يعرفها اتباع أبي حنيفة النعمان عن مالك ، وأبو حنيفة تفرد بأشياء لا يعرفها الشافعي ، وهكذا فإن لكل مذهب معايير واُمور خاصة به ، وقد يتبلور ما نقوله بعد وقوفنا على الجو السياسي الحاكم انذاك ، ومطاردة الحكام لأهل البيت ، فقد يكون أهل البيت قد خصوا بعض اتباعهم ببعض الروايات والاخبار خوفاً من الاتجاه الحاكم.

فقلت لذلك العالم السني : هذا هو المنهج المقترح ، فهل لك اقتراح اخر ؟

١١

قال : لا.

فقلت له : فاطرح موضوعاً ـ من المسائل المختلفة عن الإمام عليّ ـ كي اطبق لك رؤيتي ، فقال : كيف تجوزون المتعة ، وعلي بن أبي طالب قد روى أن رسول الله قد حرم متعة النساء (١).

قلت : هذا الكلام غير صحيح ؛ لأنّه لو ثبت عن علي ـ كما تزعم مدرسة الخلفاء ـ منعه من المتعة ، فلماذا الاصرار من قبل آله في الدفاع عن حلية التمتع ، والتأكيد على أنّها مذهب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

ولماذا غدا اشياع علي موضع سهام الانتقاد والمحاربة من أجل القول بمشروعيتها ؟ ولِمَ تحارَب الشيعة من أجله حتى اليوم ؟

ان حلية المتعة ثبت صدورها عن علي بطرق متعددة عند الفريقين ، واجمع على حليتها ائمة أهل البيت ، وهو المحفوظ عنه في الصحاح والاخبار ، وأما حديث المنع المدعى فيها على علي ـ فهو افتراء عليه وعلى غيره (٢) ـ لان أنصار مدرسة الخلفاء والراي

_________________________________

(١) زاد المعاد ٣ : ٤٦٢ لابن قيم الجوزية.

(٢) نسبوا القول بالتحريم إلى ابن عباس وابن مسعود وجابر كذلك (انظر فتح الباري ٩ : ١٤٢ ، أحكام القران للجصاص ٢ : ١٤٧ ، الجامع لاحكام القران ٥ : ١٣٢ ، المعنى لابن قدامه ٧ : ٥٧٢ ، المبسوط للسرخسي ٥ : ١٥٢ ، المهذب ٢ : ٤٦ ، تحفة الاحوذي ٤ : ٢٦٧ ) في حين ان الثابت القطعي عن هؤلاء هو قولهم بتحليل المتعة ( انظر المحلى ، لابن جزم ٩ : ٥١٩ ) ، وقد روى عن

١٢

قد انفردوا في هذا النقل عن علي ؛ لمصالح ارتضوها ـ كما سيتضح لك بعد قليل ـ ومما يزيد الامر التباساً أو تلبيساً هو اختلاف نقلهم عن علي ، فتارة نقلوا عنه أنّه قال : نهى عنها رسول الله يوم خيبر ، وفي آخر : في يوم حنين ، وفي ثالث : في غزوة تبوك (١).

في حين ان الباحث وبالقاء نظرة سريعة إلى أخبار الباب يقف على عدم صحة ادعاء نهج الخلفاء ؛ وذلك لوجود رعيل من الصحابة ، مثل : ابن عباس (٢) وابن عمر (٣) وسعد بن أبي وقاص (٤) وابي موسى الاشعري (٥) وغيرهم (٦) كانوا يعتقدون بمشروعية التمتع بالنساء ، ويعتبرونه فعلاً شرعياً نص عليه الله ورسوله ولم

_________________________________

علي وابن عباس قولهما ( لو لا نهي عمر لما زنى الا شقي ) انظر النّهاية ٢ : ٢٤٩ و ٤٨٨ وهو يضعف ما نسب إليه من القول بالتحريم.

(١) فتح البارئ ٩ : ١٣٧ ، احكام القران للقرطبي ٥ : ١٣١.

(٢) زاد المعاد ١ : ١٢١ ـ ٢١٣ ، مسند أحمد ١ : ٣٢٧ ، ارشاد النقاد للصنعاني : ٢٤ ـ ٢٥ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٩٥.

(٣) سنن الترمذي ٢ : ١٥٩ / ٨٢٣ ، ارشاد النقاد ، للصنعاني : ٢٥.

(٤) السنن الكبرى للبيهقي ٥ : ١٧ ، زاد المعاد ١ : ١٧٩ ، سنن الدرامي ٢ : ٣٥.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٨٩٦ / ١٥٧ ، مسند أحمد ١ : ٥٠ ، سنن النسائي ( المجتبى ) ٥ : ١٥٣ ، السنن الكبرى ، للبيهقي ٥ : ٢٠ ، تيسير الوصول ١ : ٣٤٠ / ٣٠ ، سنن ابن ماجة ٣ : ٩٩٢ / ٢٩٧٩.

(٦) كعمران بن الحصين ، انظر صحيح مسلم ٢ : ٨٩٩ / ١٦٨ ، شرح صحيح مسلم للنووي ٧ ـ ٨ : ٤٥٦.

١٣

ينسخ ، كما كان الإمام علي (١) يعتقد بذلك.

بخلاف عمر بن الخطاب (٢) وعثمان بن عفان (٣) ومعاوية بن أبي سفيان (٤) وبقية ائمة النهج الحاكم فكانوا لا يرتضون ذلك الفعل ؛ لان عمر بن الخطاب نهى عنه بقوله ( متعتان كانتا على عهد رسول الله حلالاً أنا أحرّمهما وأعاقب عليهما ) (٥).

إذن الحكومات هي التي كانت وراء ظاهـرة اختلاف النقل عن الصحابي الواحد ، والامر لا يرتبط بالإمام علي وحده ، فهناك نقولات مختلفة عن انس بن مالك في البسملة (٦) وغيرها من الفروع الفقهية ، وكذا عن عبدالله بن عباس في اكثر المسائل الفقهية ، وهكذا الامر بالنسبة إلى كبار الصحابة امثال : ابن مسعود ، وأبو سعيد الخدري ، ومعاذ بن جبل ، وجابر بن عبدالله الانصاري وغيرهم ، فقد نقلوا نصوصاً عن امثال هؤلاء تتفق مع فتاوى الخلفاء ، ففي بعض

_________________________________

(١) مسند أحمد ١ : ٥٧ ، سنن النسائي ( المجتبى ) ٥ : ١٥٢ ، المستدرك على الصحيحين ١ : ٤٧٢ الموطأ ١ : ٣٣٦ / ٤٠ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٩٥.

(٢) أحكام القرآن للجصاص ١٥٢٦٢ وغالب المصادر السابقه.

(٣) سنن النسائي « المجتبىٰ » ٥ : ١٥٢ المستدرك على الصحيحين ١ : ٤٧٢ ، مسند أحمد ١ : ٥٧ ، الموطأ ١ : ٣٣٦.

(٤) السنن الكبرى للبيهقي ٥ : ٢٠ ، سنن أبي داود ٢ : ١٥٧ / ١٧٩٤ زاد المعاد ١ : ١٨٩.

(٥) احكام القرآن للجصاص ٢ : ١٥٢.

(٦) تفسير الفخر الرازي ١ : ٢٠٦ وانظر الام ١ : ١٠٨ واحكام البسملة للرازي : ٧٦.

١٤

تلك النقول ما يستشم منها رائحة الفقه الحكومي ، وهناك نصوص بريئة وصحيحة موجودة في الصحاح والسنن تؤيد مدرسة أهل البيت وان سعى علماء البلاط لتضعيفها ، لكنها لو جمعت ـ تلك الروايات ـ مع ما جاء عن علي في مرويات أهل البيت عند الشيعة الإماميه لرأيت إن نقل أهل البيت عن علي هو الامتن والاصح ، للرواية عنه عليه السلام بطريقين :

١ ـ بأحد نقلي العامة عن علي ٢ ـ ما صح في طرق الخاصة عنه عليه السلام.

إذن الروايات التي تصب في مصب السـنة النبوية الاصيلة لا يمكن تضعيفها بروايات مكذوبة على أهل البيت وبعض الصحابة تخدم اهداف الخلفاء ؛ إذ كيف يكون موقف الخلفاء ـ وهم أشرس خصوم أهل البيت ـ معيارا لترجيح بعض المرويات على اُخرى.

وهنا انبرء هذا العالم ليسأل سـؤالاً أخر وبلحن اعتراضي شديد.

فقال : ما تقول في روايات علي في المسح على الخفين والذي تواتر النقل عنه بأ نّه كان يقول : للمسـافر ثلاث ليال وليلة للمقيم ، أو ما روي عنه أنّه كان يغسل رجليه ؟

قلت : هذا هو الاخر لا يمكن الاعتماد عليه ؛ لأن موضوع المسـح على الخفين كان حكماً حكومياً صدر عن عمر بن الخطاب ، وكان بعض الصحابة لا يرتضونه ، فقد ثبت عن عمر بن

١٥

الخطاب أنّه كان يمسح على خفيه ويفتي بذلك (١) ، ويأمر به (٢) ، وكتب إلى زيد بن وهب الجهني وهو باذربايجان كتاباً في ذلك ، يشترط الثلاث للمسافر وليلة للمقيم (٣) وروي عنه انه قال : لا يختلجن في نفس رجل مسلم ان يتوضا على خفيه وان كان جاء من الغائط (٤) وقد بال عمر مرة فمسح على خفيه (٥).

كل هذه النصوص تؤكد ان الافتاء بمشروعية المسـح على الخفين كان من قبل عمر ، وأنّه هو الذي أمر به وكتب إلى الامصار ، فلا يبعد أن يروى عن علي ، وابن عباس ، وعائشة ، وابن عمر (٦) ما يؤيد موقف عمر بن الخطاب في المسح على الخفين.

فقد نسب إلى علي بن أبي طالب أنّه مسح على خفيه (٧) وقال : للمسافر ثلاث ليال ويوم وليلة للمقيم (٨) ومثله نسب إلى ابن

_________________________________

(١) موسوعة فقه عمر بن الخطّاب : ٨٧٠.

(٢) المصنف ، لعبد الرزاق ١ : ١٩٧ / ح ٧٦٦.

(٣) المصنف ، لعبد الرزاق ١ : ٢٠٦ / ح ٧٩٧. وقد كتب عمر بن عبدالعزيز إلى أهل المصيصة أن اخلعوا الخفاف في كلّ ثلاث ، المصنف لابن أبي شيبة ١ : ١٩٣ / ح ١٨٧٩.

(٤) المصنف ، لعبدالرزاق ١ : ١٩٥ / ح ٧٦٠ ، و ١٩٦ / ح ٧٦٣.

(٥) المصنف ، لابن أبي شيبة ١ : ١٦٦ / ح ١٩٠٥.

(٦) أنظر المحلى ٢ : ٦٠ ، والمجموع ١ : ٤٧٧ ـ ٤٧٨ ، وفتح الباري ١ : ٢٤٥ ، وأحكام القرآن ، للجصاص ٢ : ٢٥٠.

(٧) المصنف لابن أبي شيبة ١ : ١٦٥ / ح ١٨٩٤.

(٨) المصنف لابن أبي شيبة ١ : ١٦٥ / ح ١٨٩٢.

١٦

عباس (١) وابن مسعود (٢).

في حين ثبت عن علي وابن عباس قولهما : سـبق الكتاب الخفين (٣).

ونحن في كتابنا ( وضوء النبيّ ) ذكرنا أن الإمام علي كان من المعـترضين على عمر لقوله بالمسح على الخفين بقوله : ( ما يروى هذا عليك ) بدلاً من ( عنك ) لاحتماله التقول على عمر ...

وجاء عن خصيف أن مقسماً اخبره ان ابن عباس قال : أنا عند عمر حين ساله سعد وابن عمر عن المسح على الخفين ؟

فقضى عمر لسعد فقال ابن عباس : فقلت : يا سعد ، قد علمنا ان النبي مسح على خفيه ، ولكن أقبل المائدة أم بعدها ؟ قال : فقال روح [ وهو من رواه السنة ] : أو بعدها ؟

قال : لا يخبرك أحد أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مسح عليها بعدما انزلت

_________________________________

(١) المصنف ، لعبد الرزاق ١ : ٢٠٨ / ح ٨٠٢ ، المصنف لابن أبي شيبة ١ : ١٦٥ / ح ١٨٩٣ و ١٩١١.

(٢) المصنف ، لعبد الرزاق ١ : ٢٠٧ / ح ٧٩٩ ، المصنف لابن أبي شيبة ١ : ١٦٤ / ح ١٨٨٣ و ١٨٨٨ و ١٨٩٠.

(٣) مصنف بن أبي شيبة ١ : ١٦٩ / ح ١٩٤٦ ( قول علي ) وفي ١٩٤٧ ، ١٩٤٩ قول ابن عبّاس. وانظر عن ابن عبّاس في زوائد الهيثمي ١ : ٢٥٦ قال : رواه الطبراني في الاوسط ، انظر الطبراني (١١٤٠) ، وجامع المسانيد ٣٢ : ٢٦٦ وج ٣٠ : ٢٤٥ عن المعجم الكبير للطبراني ١١ : ٤٣٦ / ح ١٢٢٣٧.

١٧

المائدة فسكت عمر (١).

فكثير من الصحابة كانوا لا يقبلون بفتوى عمر في المسح على الخفين منهم علي ، وابن عباس ، وعائشة ، التي جاء عنها إنّها قالت عن المسح على الخفين : لان احزهما أو احز أصابعي بالسكين أحب إليّ من أن أمسح عليهما (٢) أو : لان تقطع قدماي أحب إليَّ من ان امسح على الخفين. أو : لان امسح على جلد حمار أحبّ إليّ من أن أمسح على الخفين (٣). وقد انزعج عمر من تصريحات عائشة فقال : لا تاخذوا بقول امراة (٤).

إذن عائشة ، وعلي ، وابن عباس كانوا يقولون بعدم جواز المسح على الخفين ، وهذا ينبئنا عن وجود تعارض بين نقلين احدهما يدعم الفقه الحاكم ، والاخر يحكي سنة رسول الله ، فليس لنا إلاّ أن نفترض أن النقل الثاني عن الصحابي ـ المؤيد للنهج الحاكم ـ كان قد طبخ في مطابخ السلطة والحكومة ؛ فهي الوحيدة القادرة على الصاق ما تريد بالصحابي ، بل بأي صحابي ، وإلاّ لا يمكن لأي أحد أن

_________________________________

(١) رواه الإمام أحمد في مسنده ١ : ٣٦٦ واسناده صحيح. ونقل الهيثمي في مجمع الزوائد ( ١ : ٢٥٦ ) نحو هذا عن ابن عبّاس ، ونسبه للطبراني في الأوسط ، كما في هامش جامع المسانيد والسنن لابن كثير ٣٢ : ٦ ـ ٤.

(٢) مصنف بن أبي شيبة ١ : ١٧٠ / ح ١٩٥٣.

(٣) التفسير الكبير ، للرازي ١١ : ١٦٣.

(٤) مسند زيد بشرح الروض ، والاعتصام بحبل الله ١ : ٢١٨ وأنظر سنن الدارمي ٢ : ٢١٨ / ح ٢٢٧٤.

١٨

يلصق بالصحابي ما يريد ، لولا ان هناك قوى عظمى ورائه ، وما هي إلاّ السلطة والحكام ، وعليه فلا يستبعد ان تكون السلطة قد نسبت إليهم اقوالاً تؤيد موقف عمر في المسح على الخفين.

نحن لو اخذنا بأحد النقلين عن علي عند أهل السنة وجمعناه مع ما روي عن ائمة الطالبيين ، كمحمد بن علي الباقر ، وزيد بن علي بن الحسين لعرفت صحة مدعانا ؛ لان الثابت عن علي هو عكس ما تطرحه مدرسة الخلفاء عنه عليه‌السلام.

فجاء في مسند الإمام زيد بن علي عن أبيه عن جده الحسين بن علي قوله : إنّا ولد فاطمة لا نمسح على الخفين ، ولا العمامة ، ولا كمة ، ولا خمار ، ولا جهار (١).

وروى ابن مصقلة عن الإمام الباقر عليه‌السلام ، أنّه قال : فقلت : ما تقول في المسح على الخفين ؟ فقال : كان عمر يراه ثلاثاً للمسافر ، ويوماً وليلة للمقيم ، وكان أبي لا يراه في سفر ولا حضر.

فلما خرجتُ من عنده ، وقفتُ على عتبة الباب ، فقال لي : أقبل ، فأقبلتُ عليه ، فقال : إنّ القوم كانوا يقولون برأيهم فيخطؤون ويصيبون ، وكان أبي لا يقول برأيه (٢).

وعن حبابة الوالبية ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قالـت : سمعته يقول : إنّا أهل بيت لا نمسح على الخفين ، فمن كان من شيعتنا

_________________________________

(١) مسند الإمام زيد : ٧٤.

(٢) التهذيب ١ : ٣٦١ / ١٠٨٩ ، الوسائل ١ : ٤٥٩ أبواب الوضوء ب ٣٨ / ح ١٠.

١٩

فليقتدِ بنا وليستنَّ بسنّتنا ، فإنّها سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

وقال قيس بن الربيع : سألت أبا إسحاق عن المسح على الخفين ، فقال : أدركتُ الناس (٢) يمسحون حتّى لقيت رجلاً من بني هاشم ، لم أر مثله قط ، محمد بن علي بن الحسين ، فسألته عنها ، فنهاني عنه ، وقال : لم يكن علي أمير المؤمنين يمسح على الخفّين ، وكان يقول : سبقَ الكتابُ المسحَ على الخفّين ، قال : فما مسحتُ منذ نهاني عنه (٣).

وفي الأنساب للسمعاني : إنّ جعفر الموسائي ـ نسبة إلى موسى بن جعفر ـ يقول : إنّا أهل بيت لا تقية عندنا في ثلاثة أشياء : كثرة الصلاة ، وزيارة قبور الموتى ، وترك المسح على الخفين (٤).

وقبله جاء عن جعفر بن محمد الصادق ـ كما في التهذيب والاستبصار ـ قوله : لا أتقي من ثلاث ... وعدّ منها المسح على الخفين (٥).

كل هذه النصوص تؤكد كذب ما تدعـيه مدرسة الاجتهاد والراي في نسبة المسح على الخفين إلى الإمام علي ، وذلك لعدم تطابقه مع

_________________________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٩٨ / ٨٩٨ ، الوسائل ١ : ٤٦٠ أبواب الوضوء ب ٣٨ / ح ١٢.

(٢) لاحظ قول ابن عباس « أبى الناس إلاّ الغسل ».

(٣) ارشاد المفيد ٢ : ١٦١ ، الوسائل ١ : ٤٦٢ أبواب الوضوء ب ٣٨ / ح ٢٠.

(٤) الانساب للسمعاني ٥ : ٤٠٥.

(٥) انظر الكافي ٣ : ٣٢ / ح ٢ ، التهذيب ١ : ٣٦٢ / ح ١٠٩٣ ، الاستبصار ١ : ٧٩ / ح ٢٣٧.

٢٠