علل الشرائع والأحكام والأسباب - ج ٣

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]

علل الشرائع والأحكام والأسباب - ج ٣

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي [ الشيخ الصدوق ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-612-7
ISBN الدورة:
978-964-319-609-7

الصفحات: ٣٩٦

ابن محمّد ، عن محمّد بن يحيى الخزّاز ، عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، عن أبيه قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لاأٌقيم على أحد حدّاً بأرض العدوّ حتّى يخرج منها ؛ لئلاّ تلحقه الحميّة فيلحق بالعدوّ» (١) .

ـ ٥٩٨ ـ

باب العلّة التي من أجلها صار حدّ القاذف

وشارب الخمر ثمانين (٢)

[ ١٢٨٥ / ١ ] حدّثنا عليّ بن أحمد رحمه‌الله ، قال : حدّثنا محمّد بن أبي عبدالله ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن عليّ بن العبّاس ، قال : حدّثنا القاسم بن الربيع الصحّاف ، عن محمّد بن سنان أنّ أبا الحسن الرضا عليه‌السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله : «علّة ضرب القاذف وشارب الخمر ثمانين جلدة ؛ لأنّ في القذف نفي الولد وقطع النسل وذهاب النسب ، وكذلك شارب الخمر إذا شرب هذى (٣) ، وإذا هذى افترى ، وإذا افترى جُلد ، فوجب عليه حدّ المفتري» (٤) .

__________________

(١) أورده الشيخ الطوسي في التهذيب ١٠ : ٤٠ / ١٣٩ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحارالأنوار ٧٩ : ٩٧ / ٤.

(٢) في «ح ، ع» زيادة : جلدة.

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : هذى يهذي هَذْياً وهذياناً : تكلّم بغير معقول لمرض أو غيره.القاموس المحيط ٤ : ٤٦٧ / هذى.

(٤) ذكره المصنِّف في العيون ٢ : ١٨٩ ـ ٢٠٠ / ٧٤٣ ، الباب ٣٣ ضمن الحديث ١ ، ونقله المجلسي عن العيون في بحار الأنوار ٦ : ١٠٢ قطعة من حديث ٢.

٢٦١

ـ ٥٩٩ ـ

باب العلّة التي من أجلها إذا قذف الزوج

امرأته كانت شهادته أربع شهادات وإذا قذفها

غير الزوج جُلد الحدّ

[ ١٢٨٦ / ١ ] حدّثنا الحسين بن أحمد ، عن محمّد بن عليّ الكوفي ، عن محمّد بن أسلم الجبلي ، عن بعض أصحابه قال : سألت الرضا عليه‌السلام فقلت : كيف صارالزوج إذا قذف امرأته كانت شهادته أربع شهادات بالله ، وإذا قذفها غير الزوج جُلد الحدّ وإن كان أباها أو أخاها ، قال : «سئل جعفر بن محمّد عليهما‌السلام عن هذا ، فقال : لأنّه إذا قذف الزوج امرأته قيل له : كيف علمت أنّها فاعلة ، فإن قال : رأيت ذلك بعيني كانت شهادته أربع شهادات بالله ، وذلك أنّه يجوزللزوج أن يدخل المداخل في الخلوات التي لا تصلح لغيره أن يدخلهاولا يشهدها ولد ولا والد في الليل والنهار ، فلذلك صارت شهادته أربع شهادات بالله إذا قال : رأيت ذلك بعيني ، فإن قال : لم اُعاين ذلك صار قاذفاًوضُرب الحدّ إلاّ أن يقيم عليها البيّنة ، وغير الزوج إذا قذفها وادّعى أنّه رأى ذلك قيل له : وكيف رأيت ذلك؟ وما أدخلك ذلك المدخل الذي رأيت فيه هذا وحدك وأنت متّهم في رؤياك ، فإن كنت صادقاً فأنت في حدّ التهمة ، فلابُدّ من أدبك الذي أوجبه الله عليك ، وإنّما صار شهادة الزوج أربع شهادات بالله لمكان الأربعة شهداء مكان كلّ شاهد

٢٦٢

يمين» (١) .

ـ ٦٠٠ ـ

باب العلّة التي من أجلها يُضرب العبد

في الحدّ نصف ما يُضرب الحرّ

[ ١٢٨٧ / ١ ] حدّثنا محمّد بن الحسن ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : حدّثنا محمّد بن سليمان المصري ، عن مروان بن مسلم ، عن عبيد بن زرارة ، أو عن بريد العجلي الشكّ من محمّد بن سليمان قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : عبد زنى ، قال : «يُضرب نصف الحدّ» (٢) ، قال : قلت : فإن عاد ، قال : «لا يزاد على نصف الحدّ» ، قال : قلت : فهل يجري عليه الرجم في شيء من فعله؟ قال : «نعم ، يُقتل في الثامنة (٣) إن فَعَل ذلك ثمان مرّات» ، قلت : فما الفرق بينه وبين الحُرّ وإنّما فعلهما واحد؟ قال : «لأنّ الله تبارك وتعالى رحمه أن يجعل عليه ربق الرقّ وحدّ الحُرّ» ، قال : ثمّ قال : «وعلى إمام المسلمين (٤)

__________________

(١) أورده البرقي في المحاسن ٢ : ١١ / ١٠٨٢ ، والكليني في الكافي ٧ : ٤٠٣ / ٦ ، وابن شهرآشوب في مناقبه ٤ : ٢٩٣ مرسلاً وباختصار ، ونقله المجلسي عن العلل في بحارالأنوار ١٠٤ : ١٧٦ ـ ١٧٧ / ٥.

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : هذا في حقوق الله ، أمّا في حقوق الناس كالقذف ففيها خلاف ، وأكثر الأصحاب على أنّ عليه الحدّ فيها كاملاً ، بل نُقل فيه الإجماع. (م ق ر رحمه‌الله).

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : هذا قول المفيد والمرتضى وابن إدريس وجماعة ، وذهب الشيخ في النهاية وجماعة إلى إنّه يُقتل في التاسعة. (م ق ر رحمه‌الله).

(٤) ورد في حاشية «ج ، ل» : اختاره بعض الأصحاب ، ونفى عنه الشهيد الثاني في الشرح البُعْدَ . (م ق ر رحمه‌الله).

٢٦٣

أن يدفع ثمنه إلى مولاه من سهم الرقاب» (١) .

ـ ٦٠١ ـ

باب العلّة التي من أجلها يُقتل ساحر

المسلمين ولا يُقتل ساحر الكفّار

[ ١٢٨٨ / ١ ] حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، عن الحسين بن يزيد النوفلي ، عن إسماعيل بن مسلم السكوني ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ساحر المسلمين يُقتل ، وساحر الكفّارلا يُقتل ، قيل : يا رسول الله ، ولِمَ لا يُقتل ساحر الكفّار؟ قال : لأنّ الشرك أعظم من السحر ، ولأنّ السحر والشرك مقرونان».

وروي : أنّ توبة الساحر أن يحلّ ولا يعقد (٢) .

ـ ٦٠٢ ـ

باب العلّة التي من أجلها يُقتل المحدود

في الزنا وشرب الخمر في الثالثة

[ ١٢٨٩ / ١ ] حدّثنا عليّ بن أحمد رحمه‌الله ، قال : حدّثنا محمّد بن

__________________

(١) ذكره المصنِّف في مَنْ لا يحضره الفقيه ٤ : ٤٤ / ٥٠٥١ ، والكليني في الكافي ٧ : ٢٣٥ / ٧ ، والعيّاشي في تفسيره ٢ : ٢٣٩ / ١٨٤٥ ، والشيخ الطوسي في التهذيب ١٠ : ٢٨ / ٨٧ باختصار ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٧٩ : ٨٢ / ٢.

(٢) ذكره المصنِّف في مَنْ لا يحضره الفقيه ٣ : ٥٦٧ / ٤٩٣٨ ، وأورده محمّد بن محمّدالأشعث الكوفي في الجعفريّات : ٢١٥ / ٨٢١ ، ولم يرد فيهما ذيل الحديث ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٧٩ : ٢١٢ / ٩.

٢٦٤

أبي عبدالله ، قال : حدّثنا محمّد بن إسماعيل ، عن عليّ بن العبّاس ، قال : حدّثنا القاسم بن الربيع الصحّاف ، عن محمّد بن سنان أنّ أبا الحسن عليّ ابن موسى الرضا عليهما‌السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله : «علّة القتل في إقامة الحدّ في الثالثة لاستخفافهما ، وقلّة مبالاتهما بالضرب ؛ حتّى كأنّهما مطلق لهما الشيء ، وعلّة اُخرى أنّ المستخفّ بالله وبالحدّ كافر ، فوجب عليه القتل لدخوله في الكفر» (١) .

[ ١٢٩٠ / ٢ ] أبي (٢) رحمه‌الله ، قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن جميل بن درّاج ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنّه قال في شارب الخمر : «إذا شربها ضُرب ، فإن عاد ضُرب ، فإن عاد قُتل في الثالثة».

قال جميل : وقد روى بعض أصحابنا : أنّه يُقتل في الرابعة (٣) ، ومَنْ كان إنّما يؤتى به يُقتل في الرابعة (٤) .

ـ ٦٠٣ ـ

باب علّة تحريم اللواط والسحق

[ ١٢٩١ / ١ ] حدّثنا عليّ بن أحمد رحمه‌الله ، قال : حدّثنا محمّد بن

__________________

(١) ذكره المصنِّف في العيون ٢ : ١٨٩ ـ ٢٠٠ / ٧٤٣ ، الباب ٣٣ ضمن الحديث ١ باختلاف يسير ، ونقله المجلسي عن العيون والعلل في بحار الأنوار ٧٩ : ٢٠٤ / ١.

(٢) في «ن ، س» : حدّثنا أبي.

(٣) في «س ، ش ، ن» زيادة : وقال ابن أبي عمير : كان المعنى أن يُقتل في الثالثة ، وكذاباختلاف يسير في طبعة اُخرى للعلل من منشورات دار الزهراء.

(٤) أورده الكليني في الكافي ٧ : ٢١٨ / ٤ ، والشيخ الطوسي في التهذيب ١٠ : ٩٥ / ٣٦٨ ، وفيه إلى قوله : قُتل في الثالثة ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٧٩ : ١٥٧ / ١٠.

٢٦٥

أبي عبدالله ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن عليّ بن العبّاس ، قال : حدّثنا القاسم بن الربيع الصحّاف ، عن محمّد بن سنان أنّ أبا الحسن عليّ بن موسى الرضا عليهما‌السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله : «علّة تحريم الذكران للذكران ، والإناث للإناث لما ركّب في الإِناث وما طبع عليه الذكران ، ولما في إتيان الذكران الذكران والإناث الإناث من انقطاع النسل ، وفساد التدبير وخراب الدنيا» (١) .

[ ١٢٩٢ / ٢ ] حدّثنا أبي رحمه‌الله ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد بن أحمد ، عن أبي جعفر ، عن أبي الجوزاء ، عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن عليّ ، عن آبائه عن عليٍّ عليهم‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله عزوجلحين أمر آدم أن يهبط هبط آدم وزوجته ، وهبط إبليس ولا زوجة له ، وهبطت الحيّة ولا زوج لها ، فكان أوّل مَنْ يلوط بنفسه إبليس ، فكانت ذريّته من نفسه ، وكذلك الحيّة ، وكانت ذرّيّة آدم من زوجته ، فأخبرهماأنّهما عدوّان لهما» (٢) .

[ ١٢٩٣ / ٣ ] حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رحمه‌الله قال : حدّثنا عبدالله ابن جعفر ، عن محمّد بن الحسين ، عن أحمد بن محمّد البزنطي ، عن أبان ابن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أحدهما عليهما‌السلام في قول (٣) لوط : ( إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ ) (٤) فقال : «إنّ

__________________

(١) ذكره المصنِّف في العيون ٢ : ١٨٩ ـ ٢٠٠ / ٧٤٣ ، الباب ٣٣ ضمن الحديث ١ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٧٩ : ٦٤ / ٦.

(٢) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ١١ : ٢٣٧ / ١٩ ، و٦٣ : ٢٤٦ / ١٠١.

(٣) في «ح» ، وفي حاشية «ع» عن نسخة : قوم ، وكذا في الكافي.

(٤) سورة العنكبوت ٢٩ : ٢٨.

٢٦٦

إبليس أتاهم في صورة حسنة ، فيه تأنيث ، عليه ثياب حسنة ، فجاء إلى شبّان (١) منهم فأمرهم أن يقعوا به ، ولو طلب إليهم أن يقع بهم لأبوا عليه ، ولكن طلب إليهم أن يقعوا به ، فلمّا وقعوا به التذّوه ، ثمّ ذهب عنهم وتركهم ، فأحال بعضهم على بعض» (٢) .

[ ١٢٩٤ / ٤ ] حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رحمه‌الله ، قال : حدّثنا عبدالله ابن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يتعوّذ من البخل ، فقال : «نعم يا أبا محمّد ، في كلّ صباح ومساء ، ونحن نتعوّذ بالله من البخل ، يقول الله : ( وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (٣) وسأُخبرك عن عاقبة البخل : إنّ قوم لوط كانوا أهل قرية أشحّاء على الطعام ، فأعقبهم البخل داءً لا دواء له في فروجهم» ، فقلت : وما أعقبهم؟

فقال : «إنّ قرية قوم لوط كانت على طريق السيّارة إلى الشام ومصر ، فكانت السيّارة تنزل بهم فيضيّفونهم ، فلمّا كثر ذلك عليهم ضاقوا بذلك ذرعاًبخلاً ولؤماً ، فدعاهم البخل إلى أن كانوا إذا نزل بهم الضيف فضحوه من غير شهوة بهم إلى ذلك ، وإنّما كانوا يفعلون ذلك بالضيف حتّى ينكل النازل عنهم ، فشاع أمرهم في القرية وحذر منهم النازلة ، فأورثهم البخل بلاءً لايستطيعون دفعه عن أنفسهم من غير شهوة لهم إلى ذلك ، حتّى

__________________

(١) في «س ، ش ، ج» : شباب.

(٢) أورده الكليني في الكافي ٥ : ٥٤٤ / ٤ ، والراوندي في قصص الأنبياء عليهم‌السلام : ١١٩ / ١١٩ ، ونقله المجلسي عن العلل والكافي والقصص في بحار الأنوار ١٢ : ١٦٢١٦١ / ١٣ ، و٦٣ : ٢٤٧ / ١٠٢.

(٣) سورة الحشر ٥٩ : ٩ ، سورة التغابن ٦٤ : ١٦.

٢٦٧

صاروا يطلبونه من الرجال في البلاد ويعطونهم عليه الجعل» ، ثمّ قال : «فأيّ داء أدأى (١) من البخل ولا أضرّ عاقبة ولا أفحش عند الله عزوجل ؟».

قال أبو بصير : فقلت له : جُعلت فداك ، فهل كان أهل قرية لوط كلّهم هكذايعملون؟ فقال : «نعم ، إلاّ أهل بيت منهم من المسلمين ، أما تسمع لقوله تعالى : ( فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ *‏ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ ) (٢) ».

ثمّ قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إنّ لوطاً لبث في قومه ثلاثين سنة يدعوهم إلى الله عزوجلويحذّرهم عذابه ، وكانوا قوماً لا يتنظّفون من الغائط ، ولايتطهّرون من الجنابة ، وكان لوط ابن خالة إبراهيم ، وكانت امرأة إبراهيم سارة اُخت لوط ، وكان لوط وإبراهيم نبيّين مرسلين منذرين ، وكان لوط رجلاًسخيّاً كريماً يقري الضيف إذا نزل به ، ويحذّرهم قومه».

قال : «فلمّا رأى قوم لوط ذلك منه قالوا له : إنّا ننهاك عن العالمين لاتقرضيفاً ينزل بك ، إن فعلت فضحنا ضيفك الذي ينزل بك وأخزيناك ، فكان لوط إذا نزل به الضيف كتم (٣) أمره مخافة أن يفضحه قومه ، وذلك أنّه لم يكن للوط عشيرة» ، قال : «ولم يزل لوط وإبراهيم يتوقّعان نزول العذاب على قومه ، فكانت لإبراهيم وللوط منزلةٌ من الله عزوجل شريفة ، وإنّ الله عزوجل كان إذا أراد عذاب قوم لوط أدركته مودّة إبراهيم وخُلّته ومحبّة لوط ، فيراقبهم فيؤخّر عذابهم».

قال أبو جعفر عليه‌السلام : «فلمّا اشتدّ أسف الله على قوم لوط وقدّر

__________________

(١) في «ج ، س ، ع ، ل» : أوذى.

(٢) سورة الذاريات ٥١ : ٣٥ و٣٦.

(٣) في «ح ، ع» : يكتم.

٢٦٨

عذابهم ، وقضى أن يعوّض إبراهيم من عذاب قوم لوط بغلام عليم ، فيسلّي به مصابه بهلاك قوم لوط ، فبعث الله رُسلاً إلى إبراهيم يبشّرونه بإسماعيل ، فدخلواعليه ليلاً ففزع منهم وخاف أن يكونوا سُرّاقاً ، فلمّا رأته الرسل فزعاً مذعوراً ( قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ ) (١) ( إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ * قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا ) رسل ربك ( نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ )» (٢) .

قال أبو جعفر عليه‌السلام : «والغلام العليم هو إسماعيل بن هاجر ، فقال إبراهيم للرسل : ( أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ *‏ قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ) (٣) ، فقال إبراهيم : ( فَمَا خَطْبُكُمْ ) بعد البشارة؟ ( قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ ) (٤) ، قوم لوط إنّهم كانوا قوماً فاسقين لننذرهم عذاب ربّ العالمين».

قال أبو جعفر عليه‌السلام : «فقال إبراهيم للرسل : ( إِنَّ فِيهَا لُوطًا ۚ قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ ) (٥) ، ( أَجْمَعِينَ *‏ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا ۙ إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ *‏ فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ * قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ * قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ *‏ وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ ) لتنذر قومك العذاب ( وَإِنَّا لَصَادِقُونَ *‏ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ ) يا لوط ، إذا مضى لك من يومك هذا سبعة أيّام ولياليها ( بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ ) إذا مضى نصف الليل ولا يلتفت منكم أحد إلاّ امرأتك

__________________

(١) سورة هود ١١ : ٦٩.

(٢) سورة الحجر ١٥ : ٥٢ و٥٣.

(٣) سورة الحجر ١٥ : ٥٤ ـ ٥٦.

(٤) سورة الحجر ١٥ : ٥٧ و٥٨.

(٥) سورة العنكبوت ٢٩ : ٣٢.

٢٦٩

إنّه مصيبها ما أصابهم ( وَامْضُوا ) من تلك الليلة ( حَيْثُ تُؤْمَرُونَ ) (١) ».

قال أبو جعفر عليه‌السلام : «فقضوا ذلك الأمر إلى لوط أنّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين».

قال أبو جعفر عليه‌السلام : «فلمّا كان يوم الثامن مع طلوع الفجر قدّم الله عزوجل رسلاً إلى إبراهيم يبشّرونه بإسحاق ويعزّونه بهلاك قوم لوط ، وذلك قوله تعالى : ( وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ) يعني ذكيّاً مشويّاً نضيجاً ( فَلَمَّا رَأَىٰ ) إبراهيم ( أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ *‏ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ) فضحكت ، يعني فتعجّبت من قولهم ( قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ) (٢) ».

قال أبو جعفر عليه‌السلام : «فلمّا جاءت إبراهيم البشارة بإسحاق وذهب عنه الروع أقبل يناجي ربّه في قوم لوط ويسأله كشف البلاء عنهم ، فقال الله عزوجل : ( يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ ) بعد طلوع الشمس من يوم محتوم ( غَيْرُ مَرْدُودٍ ) (٣) » (٤) .

__________________

(١) الآيات من قوله تعالى : (أجمعين) إلى هنا وردت في سورة الحجر ١٥ : ٥٩ ـ ٦٥.

(٢) سورة هود ١١ : ٦٩ ٧٣.

(٣) سورة هود ١١ : ٧٦.

(٤) أورده العيّاشي في تفسيره ٢ : ٤٣١ / ٢٣٣٩ باختلاف يسير ، ونقله المجلسي عن العللوتفسير العياشي في بحار الأنوار ١٢ : ١٤٧ ١٤٩ / ١.

٢٧٠

[ ١٢٩٥ / ٥ ] وبهذا الإسناد عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام (١) : «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سأل جبرئيل كيف كان مهلك قوم لوط؟

فقال : إنّ قوم لوط كانوا أهل قرية لا يتنظّفون من الغائط ، ولايتطهّرون من الجنابة ، بخلاء أشحّاء على الطعام ، وإنّ لوطاً لبث فيهم ثلاثين سنة ، وإنّماكان نازلاً عليهم ، ولم يكن منهم ، ولا عشيرة له فيهم ولا قوم ، وإنّه دعاهم إلى الله عزوجلوإلى الإيمان واتّباعه ، ونهاهم عن الفواحش ، وحثّهم على طاعة الله ، فلم يجيبوه ولم يطيعوه ، وإنّ الله عزوجل لمّا أراد عذابهم بعث إليهم رسلاً منذرين عُذراً نُذراً ، فلمّا عَتَوا عن أمره ، بعث إليهم ملائكة ليخرجوا مَنْ كان في قريتهم من المؤمنين ، فما وجدوا فيها غير بيت من المسلمين ، فأخرجهم (٢) منها ، وقالوا للوط : أسر بأهلك من هذه القرية الليلة بقطع من الليل ، ولا يلتفت منكم أحد ، وامضوا حيث تؤمرون ، فلمّاانتصف الليل سار لوط ببناته ، وتولّت امرأته مدبرةً فانقطعت إلى قومهاتسعى بلوط وتُخبرهم أنّ لوطاً قد سار ببناته.

وإنّي نوديت من تلقاء العرش لمّا طلع الفجر : يا جبرئيل ، حقّ القول من الله بحتم (٣) عذاب قوم لوط ، فاهبط إلى قرية قوم لوط وما حوت فاقلعهامن تحت سبع أرضين ، ثمّ اعرج بها إلى السماء ، فأوقفها حتّى يأتيك أمر الجبّار في قلبها ، ودَعْ منها آية بيّنة من منزل لوط عبرةً للسيّارة.

__________________

(١) في «ح» زيادة : قال.

(٢) كذا في النسخ ، وفي البحار : فأخرجوهم ، وهو الأنسب للسياق.

(٣) في «ن ، ح ، ع» : تحتم.

٢٧١

فهبطتُ على أهل القرية الظالمين فضربتُ بجناحي الأيمن على ماحوى عليه شرقيّها ، وضربتُ بجناحي الأيسر على ما حوى عليه غربيّها ، فاقتلعتها يا محمّد ، من تحت سبع أرضين إلاّ منزل (١) لوط آية للسيّارة ، ثمّ عرجت بها في خوافي (٢) جناحي حتّى أوقفتها حيث يسمع أهل السماء زُقاء (٣) ديوكها ونباح كلابها ، فلمّا طلعت الشمس نوديت من تلقاء العرش : يا جبرئيل ، اقلب القرية على القوم ، فقلّبتها عليهم حتّى صارأسفلها أعلاها ، وأمطر الله عليهم حجارة من سجّيل مسوّمة عند ربّك ، وما هي ـ يا محمّد ـ من الظالمين من اُمّتك ببعيد.

قال : فقال له رسول لله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جبرئيل ، وأين كانت قريتهم من البلاد؟فقال جبرئيل : كان موضع قريتهم في موضع بحيرة طبريّة اليوم وهي في نواحي الشام ، قال : فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أرأيتك حين قلبتها عليهم في أيّ موضع من الأرضين وقعت القرية وأهلها؟ فقال : يا محمّد ، وقعت فيما بين بحرالشام إلى مصر فصارت تلولاً في البحر» (٤) .

[ ١٢٩٦ / ٦ ] أبي (٥) رحمه‌الله قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أبان ، عن

__________________

(١) في «ج» والبحار زيادة : آل.

(٢) في «ج ، ح ، ن» : جوافي.

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : زقى الصدى يزقو زقوّاً وزُقاءً : صاح. القاموس المحيط ٤ : ٣٧٤ / زقا.

(٤) أورده العياشي في تفسيره ٢ : ٣١٩ / ٢٠٤٤ ، والراوندي في قصص الأنبياء : ١١٧ / ١١٧ ، ونقله المجلسي عن العلل وتفسير العيّاشي في بحار الأنوار ١٢ : ١٥٢ ـ ١٥٣ / ح ٧ وذيله.

(٥) في «ن ، س» : حدّثنا أبي.

٢٧٢

أبي بصير وغيره ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «إنّ الملائكة لمّا جاءت في هلاك قوم لوط ، قالوا : إنّامهلكو أهل هذه القرية ، قالت سارة ـ وعجبت من قلّتهم وكثرة أهل القرية ـ فقالت : ومَنْ يطيق قوم لوط ، فبشّروها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ، فصكّت وجهها وقالت : عجوز عقيم ، وهي يومئذ ابنة تسعين سنة ، وإبراهيم يومئذ ابن عشرين ومائة سنة ، فجادل إبراهيم عنهم ، وقال : إنّ فيها لوطاً ، قال جبرئيل : نحن أعلم بمن فيها ، فزاده إبراهيم ، فقال جبرئيل : ياإبراهيم ، أعرض عن هذا إنّه قد جاء أمر ربّك وإنّهم آتيهم عذاب غير مردود».

قال : «وإنّ جبرئيل لمّا أتى لوطاً في هلاك قومه فدخلوا عليه وجاءه قومه يهرعون (١) إليه ، قام فوضع يده على الباب ، ثمّ ناشدهم ، فقال : اتّقوا الله ولاتخزوني في ضيفي ، قالوا : أَوَ لَم ننهك عن العالمين ، ثمّ عرض عليهم بناته نكاحاً ، قالوا : ما لنا في بناتك من حقٍّ وإنّك لتعلم مانريد ، قال : فما منكم رجل رشيد؟ قال : فأبوا ، فقال : لو أنّ لي بكم قوّةً أو آوي إلى ركن شديد ، قال : وجبرئيل ينظر إليهم ، فقال : لو يعلم أيّ قوّة له ، ثمّ دعاه فأتاه ففتحواالباب ودخلوا ، فأشار إليهم جبرئيل بيده ، فرجعوا عمياناً يلتمسون الجدار بأيديهم يعاهدون الله لئن أصبحنا لا نستبقي أحداً من آل لوط».

قال : لمّا قال جبرئيل : إنّا رسل ربّك ، قال له لوط : يا جبرئيل ، عجِّل ، قال : نعم ، قال : يا جبرئيل ، عجِّل ، قال : إنّ موعدهم الصبح ، أليس

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : الهرع محرّكةً كغراب مشى في اضطراب وسرعة ، وأقبل يُهرع بالضمّ ، وفي التنزيل : ( يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ ) القاموس المحيط ٣ : ١٣٠ / هرع.

٢٧٣

الصبح بقريب.

ثمّ قال جبرئيل : يا لوط ، اخرج منها أنت ووُلدك حتّى تبلغ موضع كذا وكذا ، قال : يا جبرئيل ، إنّ حُمُري ضعاف ، قال : ارتحل فاخرج منها.

فارتحل حتّى إذا كان السحر نزل إليها جبرئيل ، فأدخل جناحه تحتها حتّى إذا استعلت قلّبها عليهم ، ورمى جدران المدينة بحجارة من سجّيل وسمعت امرأة لوط الهَدّة (١) فهلكت منها» (٢) .

[ ١٢٩٧ / ٧ ] أبي (٣) رحمه‌الله ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد ابن أحمد ، عن موسى بن جعفر السعدآبادي ، عن عليّ بن معبد ، عن عبيدالله الدهقان (٤) ، عن دُرست ، عن عطيّة أخي أبي المغراء ، قال : ذكرت لأبي عبدالله عليه‌السلام المنكوح من الرجال ، قال : «ليس يبلى الله عزوجل بهذا البلاء أحداً وله فيه حاجة ، إنّ في أدبارهم أرحاماً منكوسة ، وحياء أدبارهم كحياء المرأة ، وقد شرك فيهم ابن لإبليس يقال له : زوال ، فمن شرك فيه من الرجال كان منكوحاً ، ومَنْ شرك فيه من النساء (كان عقيماً من المولود) (٥) والعامل بها من الرجال إذا بلغ أربعين سنة لم يتركه ، وهُم بقيّة

__________________

(١) ورد في حاشية «ج ، ل» : الهدّ : الهدم الشديد والكسر والصوت الغليظ. القاموس المحيط١ : ٤٨٢ / الهدُّ.

(٢) أورده العيّاشي في تفسيره ٢ : ٣١٨ / ٢٠٤٠ ، ونقله المجلسي عن العلل وتفسير العيّاشي في بحار الأنوار ١٢ : ١٦٠ ـ ١٦١ / ح ١٢ وذيله.

(٣) في «س ، ن» : حدّثنا أبي.

(٤) في «س ، ع ، ح ، ش» : عن عبدالله الدهقان ، كذا في الكافي.

(٥) بدل ما بين القوسين في «ج» : كانت من الموارد ، وفي «ن ، ح ، س ، ع ، ش» : كانت من المولود .

٢٧٤

سدوم ، أما إنّي لست أعني بقيّتهم أنّه (١) وُلده ، ولكن من طينتهم» ، قلت : سدوم الذي قلبت عليهم؟قال : «هي أربعة مدائن : سدوم وصديم ولدنا وعميراء» ، قال : «فأتاهم جبرئيل عليه‌السلام وهُنّ مقلوبات (٢) إلى تخوم الأرضين السابعة ، فوضع جناحه تحت السفلى منهنّ ورفعهنّ جميعاً حتّى سمع أهل السماء الدنيا نباح كلابهم ثمّ قلّبها» (٣) .

ـ ٦٠٤ ـ

باب العلّة التي من أجلها أمر الله تبارك وتعالى عباده

إذا تداينوا وتعاملوا أن يكتبوا بينهم كتاباً

[ ١٢٩٨ / ١ ] حدّثنا (٤) محمّد بن موسى بن المتوكّل رحمه‌الله ، قال : حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام : «إنّ الله عزوجل عرض على آدم أسماء الأنبياء وأعمارهم ، قال : فمرّ بآدم اسم داوُد النبيّ فإذاًعمره في العالم أربعون سنة ، فقال آدم : ياربّ ، ما أقلّ عمر داوُد ، وما أكثرعمري! يا ربّ ، إن أنا زدت داوُد من

__________________

(١) في المطبوع : أنّهم.

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : مقطوعات ، كذا في بعض نُسخ الكافي ، وهو الظاهر ، أي قلعها الله تعالى أوّلاً ، فجاء جبرئيل فوضع جناحه تحتها ، وعلى الأصل يكون معترضة على خلاف الترتيب ، والله يعلم. (م ق ر رحمه‌الله).

(٣) أورده الكليني في الكافي ٥ : ٥٤٩ / ٢ ، ونقله المجلسي عن العلل والكافي في بحار الأنوار١٢ : ١٦٢ / ح ١٤ وذيله ، ولم يرد فيه : قال : ليس يبلى الله ، إلى قوله : أربعين سنة لم يتركه .

(٤) في «ح» : حدّثني.

٢٧٥

عمري ثلاثين سنة أتثبت ذلك له؟

قال : نعم ، يا آدم ، قال : فإنّي قد زدته من عمري ثلاثين سنة ، فأنفذ ذلك لهوأثبتها له عندك ، واطرحها من عمري».

قال أبو جعفر عليه‌السلام : «فأثبت الله عزوجل لداوُد في عمره ثلاثين سنة ، وكانت له عند الله مثبتة ، فذلك قول الله عزوجل : ( يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (١) » قال : «فمحا الله ما كان عنده مثبتاً لآدم ، وأثبت لداوُد ما لم يكن عنده مثبتاً» ، قال : «فمضى عمر آدم ، فهبط ملك الموت لقبض روحه ، فقال له آدم : يا ملك الموت ، إنّه قد بقي من عمري ثلاثون سنة ، فقال له ملك الموت : يا آدم ، ألم تجعلها لابنك داوُد النبيّ وطرحتهامن عمرك حين عرض عليك أسماء الأنبياء من ذرّيّتك ، وعرضت عليك أعمارهم ، وأنت يومئذ بوادي الدخياء (٢) ؟ قال : فقال له آدم : ماأذكر هذا ، قال : فقال له ملك الموت : يا آدم ، لا تجحد ، ألم تسأل الله عزوجل أن يثبتها لداوُد ويمحوها من عمرك؟ فأثبتها لداوُد في الزبور ومحاهامن عمرك في الذكر ، قال آدم : حتّى أعلم ذلك».

قال أبو جعفر : «وكان آدم صادقاً لم يذكر ولم يجحد ، فمن ذلك اليوم أمرالله تبارك وتعالى العباد أن يكتبوا بينهم إذا تداينوا وتعاملوا إلى أجل مسمّى ، لنسيان آدم وجحوده ما جعل على نفسه» (٣) .

__________________

(١) سورة الرعد ١٣ : ٣٩.

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : الدخاء : الظلمة ، وليلة دخياء. القاموس المحيط ٤ : ٣٥٨ / الدخى.

(٣) أورده العيّاشي في تفسيره ٢ : ٣٩٨ / ٢٢٥٢ ذيل الحديث ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٤ : ١٠٢ / ١٥ ، و١١ : ٢٥٨ ـ ٢٥٩ / ٢.

٢٧٦

ـ ٦٠٥ ـ

باب علّة المدّ والجزر

[ ١٢٩٩ / ١ ] حدّثنا أبو الحسن محمّد بن عمر بن عليّ بن عبدالله البصري ، قال : حدّثنا أبو عبدالله محمّد بن عبدالله بن أحمد بن خالد بن جبلة الواعظ ، قال : حدّثنا أبو القاسم عبدالله بن أحمد بن عامر الطائي ، قال : حدّثناأبي ، قال : حدّثنا عليّ بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام «أنّه سئل عن المدّ والجزر ما هُما؟ فقال : ملك موكّل بالبحار يقال له : رومان ، فإذا وضع قدمه في البحر فاض ، وإذا أخرجها غاض» (١) .

[ ١٣٠٠ / ٢ ] حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رحمه‌الله ، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، عن أبيه ، عن خلف بن حمّاد الأسدي ، عن أبي الحسن العبدي ، عن سليمان بن مهزيار ، عن عباية بن ربعي ، عن عبدالله بن عبّاس ، أنّه سئل عن المدّ والجزر ، فقال : إنّ الله عزوجل وكّل ملكاً بقاموس (٢) البحر ، فإذا وضع رجله فيه فاض ، وإذا أخرجهاغاض (٣) .

__________________

(١) ذكره المصنِّف في العيون ١ : ٣١٧ ـ ٣١٩ / ١٧٨ ، الباب ٢٤ ، ضمن الحديث ١ ، وأورده ابن شهر آشوب في مناقبه ٢ : ٤٢٦ مرسلاً ، ونقله المجلسي عن العيون والعلل في بحارالأنوار ١٠ : ٧٦ / ١ ، و ٦٠ : ٢٩ / ١

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : القومس : معظم ماء البحر. القاموس المحيط ٢ : ٣٧٨ / القمس.

(٣) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٦٠ : ٢٩ / ٢ ، وأورده ابن حنبل في

٢٧٧

ـ ٦٠٦ ـ

باب علّة الزلزلة

[ ١٣٠١ / ١ ] أبي (١) رحمه‌الله ، قال : حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد ابن أحمد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن بعض أصحابه ، عن محمّد بن سنان ، عمّن ذكره ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : «إنّ الله عزوجل خلق الأرض فأمر الحوت فحملتها ، فقالت (٢) : حملتها بقوّتي ، فبعث الله عزوجل حوتاً قدر شبر (٣) فدخلت في منخرها ، فاضطربت أربعين صباحاً ، فإذا أراد الله عزوجل أن يزلزل أرضاً تراءت لها تلك الحوتة الصغيرة ، فزلزلت الأرض فرقاً (٤) » (٥) .

[ ١٣٠٢ / ٢ ] وروي : «أنّ ذا القرنين لمّا انتهى إلى السدّ تجاوزه فدخل في الظلمات ، فإذا هو بملك قائم على جبل طوله خمسمائة ذراع ، فقال له

__________________

مسنده ٦ : ٥٢٧ / ٢٢٧٢٧ بسند آخَر عن ابن عبّاس ، وكذا الصنعاني في تفسيره ٣ : ٢٤٤ / ٣٠٠٤ ، وابن قتيبة في غريب الحديث ٢ : ٣٤٦ ، والمقدسي في أحسن التقاسيم : ١٢٤ ، وابن الجوزي في المنتظم ١ : ١٦٣ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٨ : ١٣٤.

(١) في «س ، ن» : حدّثنا أبي.

(٢) ورد في حاشية «ج ، ل» : التأنيث باعتبار الحوتة أو السمكة.

(٣) ورد في حاشية «ج ، ل» : «فتر» الفقيه ، وفي حاشيتهما أيضاً : الفتر بالكسر : ما بين السبّابةوالمشيرة . القاموس المحيط ٢ : ١٨٩ / فتر. وأيضاً في حاشيتهما : المشيرة : السبّابة .القاموس المحيط ٢ : ١٣٤ / شار.

(٤) ورد في حاشية «ج ، ل» : الفرق بالتحريك : الخوف. الصحاح ٤ : ١٥٤١ / فرق.

(٥) ذكره المصنِّف في مَنْ لا يحضره الفقيه ١ : ٥٤١ / ١٥١٢ ، وفيه : قدر فتر ، بدل قدر شبر ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٦٠ : ١٢٧ / ٢٠ ، و٩١ : ١٤٨ / ٦.

٢٧٨

الملك : ياذا القرنين ، أما كان خلفك مسلك؟ فقال له ذو القرنين : مَنْ أنت؟ قال : أنا ملك من ملائكة الرحمن موكّل بهذا الجبل ، فليس من جبل خلقه الله عزوجلإلاّ وله عِرق إلى هذا الجبل ، فإذا أراد الله عزوجل أن يزلزل مدينةً أوحى إليّ فزلزلتها» (١) .

قال محمّد بن أحمد : أخبرني بهذا الحديث عيسى بن محمّد ، عن عليّ بن مهزيار ، عن عبدالله بن عمر ، عن عبدالله بن حمّاد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام (٢) .

[ ١٣٠٣ / ٣ ] حدّثنا محمّد بن الحسن رحمه‌الله ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار بإسناد له رفعه إلى أحدهم عليهم‌السلام : «أنّ الله تبارك وتعالى أمر الحوت بحمل الأرض وكلّ بلدة من البلدان على فلس من فلوسه ، فإذا أراد الله عزوجل أن يزلزل أرضاً أمر الحوت أن يُحرّك ذلك الفلس فيُحرّكه ، ولو رفع الفلس لانقلبت الأرض بإذن الله عزوجل» (٣) .

[ ١٣٠٤ / ٤ ] حدّثنا أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن محمّد بن أحمد ، عن الهيثم النهديّ ، عن بعض أصحابنا بإسناده رفعه قال : كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقرأ : ( إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا

__________________

(١) أورده المصنِّف في مَنْ لا يحضره الفقيه ١ : ٥٤٢ / ١٥١١ مرسلاً ، والعيّاشي في تفسيره٣ : ١٢٢ / ٢٧٠٦ ، والفتّال النيشابوري في روضة الواعظين ١ : ١٢٩ / ١٥٢ مرسلاً.

(٢) ذكره المصنِّف في الأمالي : ٥٥٠ / ٧٣٣ (المجلس ٧١ ، ح ٢) ، وأورده الشيخ الطوسي في التهذيب ٣ : ٢٩٠ / ٨٧٤ ، ونقله المجلسي عن العلل والأمالي في بحار الأنوار ٦٠ : ١٢٧ / ١٩ ، و٩١ : ١٤٦ / ٣.

(٣) ذكره المصنِّف في مَنْ لا يحضره الفقيه ١ : ٥٤٣ / ١٥١٣ مرسلاً ، ونقله المجلسي عن العلل والفقيه في بحار الأنوار ٦٠ : ١٢٨ / ٢١ ، و ٩١ : ١٤٩ / ٧.

٢٧٩

وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) (١) يقولهاعند الزلزلة ، ويقول : ( وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) (٢) (٣) .

[ ١٣٠٥ / ٥ ] وبهذا الإسناد عن محمّد بن أحمد ، عن يحيى بن محمّد بن أيّوب ، عن عليّ بن مهزيار ، عن ابن سنان ، عن يحيى الحلبي ، عن عمر ابن أبان ، عن جابر قال : حدّثني تميم بن جذيم (٤) ، قال : كنّا مع عليٍّ عليه‌السلام حيث توجّهنا إلى البصرة ، قال : فبينما نحن نزول إذا اضطربت الأرض ، فضربها عليٌّ عليه‌السلام بيده ثمّ قال لها : «ما لكِ»؟ ثمّ أقبل علينا بوجهه ، ثمّ قال لنا : «أما إنّها لوكانت الزلزلة التي ذكرها الله عزوجلفي كتابه (٥) لأجابتني ، ولكنّها ليست بتلك» (٦) .

[ ١٣٠٦ / ٦ ] وبهذا الإسناد عن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن مهزيار قال : كتبتُ إلى أبي جعفر عليه‌السلام وشكوتُ إليه كثرة الزلازل في الأهواز ، ترى لنا التحوّل عنها؟ فكتب : «لا تتحوّلوا عنها ،

__________________

(١) سورة فاطر ٣٥ : ٤١.

(٢) سورة الحجّ ٢٢ : ٦٥.

(٣) نقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٩١ : ١٤٩ / ٨.

(٤) اختلف في ضبطه ، فقيل : تميم بن حذيم ، أو تميم بن جذلم ، أو تميم بن حذلم. انظر : جامع الرواة ١ : ١٣١ ، ومعجم رجال الحديث ٤ : ٢٨٥ / ١٩٢٧.

(٥) ورد في حاشية «ج ، ل» : أي زلزلة القيامة لأجابته عليه‌السلام ; لقوله تعالى : ( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ) أي في جواب سؤاله عليه‌السلام عنها : مالكِ؟ كما يظهر من خبر آخَر مضى ذكره ، والله يعلم . (م ق ر رحمه‌الله).

(٦) أورده الكليني في الكافي (الروضة) ٨ : ٢٥٥ / ٣٦٦ ، والسيّد شرف الدين في تأويل الآيات ٢ : ٨٣٦ / ٣ ، ونقله المجلسي عن العلل في بحار الأنوار ٤١ : ٢٥٣ / ١٣ ، و٦٠ : ١٢٩ / ٢٣.

٢٨٠