تفسير الخطيب الشربيني - ج ٣

محمّد بن أحمد الخطيب الشربيني المصري

تفسير الخطيب الشربيني - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن أحمد الخطيب الشربيني المصري


المحقق: إبراهيم شمس الدين
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-4207-0

الصفحات: ٧٣٦

لهؤلاء البعداء البغضاء (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ) أي : العام الرحمة (وَلَدٌ) أي : على زعمكم والمراد به الجنس لادعائهم في الملائكة وغيرهم (فَأَنَا) أي : في الرتبة ، وقرأ نافع بمد الألف بعد النون والباقون بغير مد (أَوَّلُ الْعابِدِينَ) للرحمن العبادة التي هي العبادة ولا يستحق غيرها أن يسمى عبادة وهي الخالصة أي : فأنا لا أعبد غيره لا ولدا ولا غيره ، ولم يشأ لي الرحمن أن أعبد الولد ولا غيره ، أو يكون المعنى : أنا أول العابدين للرحمن على وجه الإخلاص لم أشرك به شيئا أصلا في وقت من الأوقات بما سميتموه ولدا أو شريكا أو غيرهما ، ولو شاء ما عبدته على وجه الإخلاص ولا شك عندكم وعند غيركم أن من أخلص لأحد كان أولى من غيره برحمته فلو أن الإخلاص له ممنوع ما شاءه لي ولو لا أن عبادة غيره ممنوعة لشاءها لي ولو أن له ولدا لشاء لي عبادته ، فإن عموم رحمته لكافة خلقه لكونهم خلقه وخصوصها بي لكوني عبده خالصا يمنع على زعمكم من أن يشقيني وأنا أخلص له فبطلت شبهتكم بمثلها بل بأقوى منها ، وهذا مما علق بشيء هو بنقيضه أولى.

وقال الزمخشري : إن كان للرحمن ولد وصح ذلك وثبت ببرهان صحيح توردونه وحجة واضحة تدلون بها فأنا أول من يعظم ذلك الولد وأسبقكم إلى طاعته والانقياد له كما يعظم الرجل ولد الملك لتعظيم أبيه ، وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والتمثيل لغرض وهو المبالغة في نفي الولد والإطناب فيه وأن لا يترك الناطق به شبهة إلا مضمحلة مع الترجمة عن نفسه بثبات القدم في باب التوحيد ، وذلك أنه علق العبادة بكينونة الولد وهي محال في نفسها فكان المعلق بها محالا مثلها فهو في صورة إثبات الكينونة والعبادة وفي معنى نفيهما على أبلغ الوجوه وأقواها ، ثم قال : وقد تمحل الناس بما أخرجوه من هذا الأسلوب الشريف المليء بالنكت والفوائد المستقل بإثبات التوحيد على أبلغ وجوهه فقيل : إن كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا أول العابدين الموحدين لله المكذبين قولكم بإضافة الولد إليه ، وقيل : إن كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا أول الآنفين من أن يكون له ولد من عبد يعبد إذا اشتد أنفه فهو عبد وعابد.

وقال ابن عباس : إن إن نافية أي : ما كان له ولد فإني أول من عبده رتبة وما علمت له ولدا ولو كان له ولد إله لعبدته تقربا إليه بعبادة ولده ، وروي أن النضر بن عبد الدار بن قصي قال : إن الملائكة بنات الله تعالى فنزلت فقال النضر : ألا ترون أنه قد صدقني فقال له الوليد بن المغيرة : ما صدقك ولكن قال ما كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين الموحدين من أهل مكة أن لا ولد له.

ثم إنه تعالى نزه نفسه فقال : (سُبْحانَ رَبِ) أي : مبدع ومالك (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : اللتين كل ما فيهما ومن فيهما مقهور مربوب محتاج لا يصح أن يكون له منه سبحانه نسبة بغير العبودية بالإيجاد والتربية.

ولما كانت خاصة الملك أن يكون له ما لا يصل إليه غيره بوجه أصلا قال محققا لملكه لجميع ما سواه ومن سواه وملكه له ، ولم يعد العطف لأن العرش من السموات (رَبِّ الْعَرْشِ) أي : المختص به لكونه خاصة الملك الذي وسع كرسيه السموات والأرض (عَمَّا يَصِفُونَ) أي : يقولون من الكذب من أن له ولدا أو شريكا وذلك أن إله العالم يجب أن يكون واجب الوجود لذاته ، وكل ما كان كذلك فهو لا يقبل التجزي بوجه من الوجوه ، والولد عبارة عن أن ينفصل عن الشيء جزء فيتولد عن ذلك الجزء شخص مثله وهذا إنما يعقل فيمن تكون ذاته قابلة للتجزي

٦٨١

والتبعيض ، وإذا كان ذلك محالا في حق إله العالم امتنع إثبات الولد.

ولما ذكر تعالى هذا البرهان القاطع قال تعالى مسببا عن ذلك : (فَذَرْهُمْ) أي : اتركهم على أسوأ أحوالهم (يَخُوضُوا) أي : يفعلوا في باطلهم فعل الخائض في الماء (وَيَلْعَبُوا) أي : يفعلوا فعل اللاعب في دنياهم (حَتَّى يُلاقُوا) أي : يفعلوا بتصرم أعمارهم في فعل ما لا ينفعهم فعل المجتهدين في أن يلقوا (يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) أي : بوعد لا خلف فيه وهو يوم القيامة فيظهر فيه وعيدهم والمقصود منه التهديد لأنه تعالى ذكر الحجة القاطعة على فساد ما ذكروا فلم يلتفتوا إليها لأجل استغراقهم في طلب المال والجاه والرياسة ، فاتركهم في ذلك الباطل واللعب حتى يصلوا إلى ذلك اليوم الموعود به.

ثم زاد في التنزيه فقال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ) أي : معبود لا شريك له (وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) تتوجه الرغبات إليه في جميع الأحوال وتخلص إليه في جميع أوقات الاضطرار ، فقد وقع الإجماع من جميع من في السماء والأرض على إلهيته فثبت استحقاقه لهذه الرتبة وثبت اختصاصه باستحقاقها في الشدائد فباقي الأوقات كذلك من غير فرق لأنه لا مشارك له في هذا الاستحقاق فعبادة غيره باطلة ، وقرأ قالون والبزي بتسهيلها مع المد والقصر ، وقرأ أبو عمرو بإسقاط الهمزة الأولى مع المد والقصر ، وقرأ ورش وقنبل بتسهيل الثانية وإبدالها أيضا ألفا وقرأ الباقون بتحقيقهما.

تنبيه : كل من الظرفين متعلق بما بعده لأن إله بمعنى معبود أي : معبود في السماء ومعبود في الأرض وحينئذ يقال : الصلة لا تكون إلا جملة أو ما في تقديرها وهو الظرف وعديله ولا شيء منهما هنا؟ أجيب : بأن المبتدأ حذف لدلالة المعنى عليه وذلك المحذوف هو العائد تقديره وهو الذي هو في السماء إله وهو في الأرض إله ، وإنما حذف لطول الصلة بالمعمول فإن الجار متعلق بإله ومثله ما أنا بالذي قائل لك سوأ (وَهُوَ الْحَكِيمُ) أي : البليغ الحكمة في تدبير خلقه (الْعَلِيمُ) أي : البالغ في علمه بمصالحهم.

(وَتَبارَكَ) أي : وثبت ثباتا لا يشبهه ثبات لأنه لا زوال له مع اليمن والبركة وكل كمال فلا شبيه له حتى يدعى أنه ولد له أو شريك. ثم وصفه تعالى بما يبين تباركيته واختصاصه بالألوهية فقال عز من قائل : (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ) أي : كلها (وَالْأَرْضِ) كذلك (وَما بَيْنَهُما) أي : وما بين كل اثنين منهما ، والدليل على هذا الإجماع القائم على توحيده عند الاضطرار (وَعِنْدَهُ) أي : وحده (عِلْمُ السَّاعَةِ) أي : العلم بالساعة التي تقوم القيامة فيها (وَإِلَيْهِ) أي : وحده لا إلى غيره (تُرْجَعُونَ) بأيسر أمر تحقيقا لملكه وقطعا للنزاع في وحدانيته ، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء التحتية على الغيبة ، والباقون بالفوقية على الالتفات للتهديد.

(وَلا يَمْلِكُ) أي : بوجه من الوجوه في وقت ما (الَّذِينَ يَدْعُونَ) أي : يعبدون أي : الكفار (مِنْ دُونِهِ) أي : الله تعالى (الشَّفاعَةَ) كما زعموا أنهم شفعاؤهم عند الله وقوله تعالى (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ) أي : قال : لا إله إلا الله ، فيه قولان ؛ أحدهما : أنه متصل إن أريد بالموصول كل ما عبد من دون الله والمعنى : لا يقدر هؤلاء أن يشفعوا لأحد إلا من شهد بالحق (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أي : بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم وهم عيسى ومريم وعزير والملائكة فإنهم يملكون أن يشفعوا للمؤمنين بتمليك الله تعالى إياهم لها ، والثاني : هو منقطع إن خص بالأصنام.

٦٨٢

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) أي : الكفار مع ادعائهم الشريك (مَنْ خَلَقَهُمْ) أي : العابدين والمعبودين معا (لَيَقُولُنَّ اللهُ) أي : الذي له جميع صفات الكمال لتعذر المكابرة من فرط ظهوره (فَأَنَّى) أي : فكيف وأي جهة بعد أن أثبتوا له الخلق والأمر (يُؤْفَكُونَ) أي : يصرفون عن اتباع رسولنا الآمر لهم بتوحيدنا في العبادة كما أنا توحدنا في الخلق.

وقرأ : (وَقِيلِهِ) أي : قول محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم عاصم وحمزة بخفض اللام والهاء على معنى وعنده علم الساعة وعلم قيله ، والباقون بنصب اللام ورفع الهاء على المصدر بفعله المقدر أي : وقال (يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ) أي : أقوياء على الباطل ولم يضفهم إلى نفسه بأن يقول قومي ونحو ذلك من العبارات ولا سماهم باسم قبيلتهم لما شأنه من حالهم (لا يُؤْمِنُونَ) أي : لا يتجدد منهم هذا الفعل أصلا.

(فَاصْفَحْ) أي : اعف عفو من أعرض (عَنْهُمْ) صفحا فلا تلتفت إليهم بغير التبليغ (وَقُلْ) أي : لهم (سَلامٌ) أي : شأني الآن متاركتكم بسلامتكم مني وسلامتي منكم ، قال ابن عباس : وهذا منسوخ بآية السيف ، وقال الرازي : وعندي التزام النسخ في مثل هذه المواضع مشكل لأن الأمر لا يقيد بالفعل إلا مرة واحدة فسقطت دلالة اللفظ فأي حاجة إلى التزام النسخ ، وأيضا فاللفظ المطلق قد يتقيد بحسب العرف فإذا كان كذلك فلا حاجة إلى التزام النسخ وجرى على النسخ الجلال المحلي فقال : وهذا قبل أن يؤمر بقتالهم وقوله تعالى : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) فيه تهديد لهم وتسلية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقرأ نافع وابن عامر بتاء الخطاب التفاتا ، والباقون بياء الغيبة نظرا لما تقدم وما قاله البيضاوي تبعا للزمخشري من أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من قرأ سورة الزخرف كان ممن يقال له يوم القيامة : يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون» (١) حديث موضوع.

__________________

(١) ذكره الزمخشري في الكشاف ٤ / ٢٧١.

٦٨٣

سورة الدخان

مكية وقيل : إلا قوله تعالى : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً) الآية وهي ست أو سبع أو تسع وخمسون آية وثلاثمئة وست وأربعون كلمة وألف وأربعمائة وواحد وثلاثون حرفا.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(بِسْمِ اللهِ) الملك الجبار الواحد القهار. (الرَّحْمنِ) الذي عم بنعمته سائر مخلوقاته (الرَّحِيمِ) بأهل وداده وقوله تعالى :

(حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧) لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (٩) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (١١) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤) إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ (١٥) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦) وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (١٧) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٨))

(حم) قرأه ابن ذكوان وشعبة وحمزة والكسائي بإمالة الحاء محضة ، وقرأه ورش وأبو عمرو بالإمالة بين بين والباقون بالفتح وتقدمت الإشارة إلى شيء من أسرار أخواتها وقوله تعالى :

(وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) فيه احتمالان ؛ الأول : أن يكون التقدير هذه حم والكتاب المبين كقولك : هذا زيد والله ، الثاني : أن يكون التقدير حم والكتاب المبين.

(إِنَّا أَنْزَلْناهُ) فيكون في ذلك تقدير قسمين على شيء واحد ويجوز أن يكون (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) جواب القسم وأن يكون اعتراضا والجواب قوله تعالى : (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) واختاره ابن عطية ، وقيل : (إِنَّا كُنَّا) مستأنف و (فِيها يُفْرَقُ) يجوز أن يكون مستأنفا وأن يكون صفة ليلة وما بينهما اعتراض.

تنبيه : يجوز أن يكون المراد بالكتاب هنا الكتب المتقدمة المنزلة على الأنبياء عليهم‌السلام كما قال تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ) [الحديد : ٢٥] ويجوز أن يكون المراد به اللوح المحفوظ قال الله تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) [الرعد : ٣٩] وقال تعالى : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) [الزخرف : ٤] ويجوز أن يكون المراد به القرآن واقتصر على ذلك البيضاوي وتبعه الجلال المحلي ، وعلى هذا فقد أقسم بالقرآن أنه أنزل

٦٨٤

القرآن في ليلة مباركة ، وهذا النوع من الكلام يدل على غاية تعظيم القرآن فقد يقول الرجل إذا أراد تعظيم الرجل له إليه حاجة : أتشفع بك إليك وأقسم بحقك عليك وجاء في الحديث : «أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك ، وبك منك لا أحصي ثناء عليك» (١). والمبين : هو المشتمل على بيان ما بالناس من حاجة إليه في دينهم ودنياهم فوصفه بكونه مبينا وإن كانت حقيقة الإبانة لله تعالى لأن الإبانة حصلت به كقوله تعالى : (أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ) [الروم : ٣٥] فوصفه بالتكلم إذ كان غاية في الإبانة فكأنه ذو لسان ينطق مبالغة في وصفه.

واختلف في قوله سبحانه وتعالى : (فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) فقال قتادة وابن زيد وأكثر المفسرين : هي ليلة القدر : وقال عكرمة وطائفة : إنها ليلة البراءة وهي ليلة النصف من شعبان ، واحتج الأولون بوجوه ؛ الأول : قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر : ١] فقوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) يجب أن تكون هي تلك الليلة المسماة بليلة القدر لئلا يلزم التناقض ، ثانيها : قوله تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة : ١٨٥] فقوله تعالى ههنا (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) يجب أن تكون هذه الليلة المباركة في رمضان فثبت أنها ليلة القدر ، ثالثها : قوله تعالى في صفة ليلة القدر : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) [القدر : ٤] وقال تعالى ههنا : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) وقال ههنا (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) وقال تعالى في ليلة القدر (سَلامٌ هِيَ) [القدر : ٥] وإذا تقاربت الأوصاف وجب القول بأن إحدى الليلتين هي الأخرى ، رابعها : نقل محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن قتادة أنه قال : نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان ، والتوراة لست ليال منه ، والزبور لثنتي عشرة ليلة مضت منه ، والقرآن لأربع وعشرين مضت من رمضان ، والليلة المباركة هي : ليلة القدر ، خامسها : أن ليلة القدر إنما سميت بهذا الاسم لأن قدرها وشرفها عند الله عظيم ، ومعلوم أن قدرها وشرفها ليس بسبب نفس الزمان لأن الزمان شيء واحد في الذات والصفات فيمتنع كون بعضه أشرف من بعض لذاته فثبت أن شرفه وقدره بسبب أنه حصل فيه أمور شريفة لها قدر عظيم ، ومن المعلوم أن منصب الدين أعظم من مناصب الدنيا ، وأعظم الأشياء وأشرفها شعبا في الدين هو القرآن لأنه ثبت به نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبه ظهر الفرق بين الحق والباطل كما قال تعالى في صفته : (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) [المائدة : ٤٨] وبه ظهرت درجات أرباب السعادات ودركات أرباب الشقاوات فعلى هذا لا شيء إلا والقرآن أعظم قدرا وأعلى ذكرا وأعظم منصبا ، وحيث أطبقوا على أن ليلة القدر هي التي وقعت في رمضان علمنا أن القرآن إنما أنزل في تلك الليلة وهذه أدلة ظاهرة واضحة ، واحتج الآخرون على أنها ليلة النصف من شعبان بوجوه ؛ أولها : أن لها أربعة أسماء الليلة المباركة وليلة البراءة وليلة الصك وليلة الرحمة ، وقيل : بينها وبين ليلة القدر أربعون ليلة.

وقيل في تسميتها : ليلة البراءة والصك أن البندار إذا استوفى الخراج من أهله كتب لهم البراءة وكذلك الله تعالى يكتب لعباده المؤمنين البراءة في هذه الليلة ، ثانيها : أنها مختصة بخمس خصال الأولى : قال تعالى : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) والثانية : فضيلة العبادة فيها ، روى

__________________

(١) أخرجه مسلم في الصلاة حديث ٤٨٦ ، وأبو داود في الصلاة حديث ٨٧٩ ، والترمذي في الدعوات حديث ٣٤٩٣ ، والنسائي في الطهارة حديث ١٦٩ ، وأحمد في المسند ٦ / ٥٨.

٦٨٥

الزمخشري أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من صلى في هذه الليلة مائة ركعة أرسل الله تعالى إليه مائة ملك : ثلاثون يبشرونه بالجنة ، وثلاثون يؤمنونه من عذاب النار ، وثلاثون يدفعون عنه آفات الدنيا ، وعشرة يدفعون عنه مكايد الشيطان» (١). ثالثها : نزول الرحمة قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله يرحم أمتي في هذه الليلة بعدد شعر أغنام بني كلب» (٢). رابعها : حصول المغفرة فيها قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله يغفر لجميع المسلمين في تلك الليلة إلا الكاهن والساحر ومدمن الخمر وعاق والديه والمصر على الزنا» (٣). خامسها : أنه تعالى أعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في هذه الليلة تمام الشفاعة في أمته ، قال الزمخشري : وذلك أنه سأل ليلة الثالث عشر من شعبان في أمته فأعطي الثلث منها ثم سأل ليلة الرابع عشر فأعطي الثلثين ثم سأل ليلة الخامس عشر فأعطي الجميع إلا من شرد عن الله شرود البعير.

وروي أن عطية الحروري سأل ابن عباس عن قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر : ١] كيف يصح ذلك مع أن الله تعالى أنزل القرآن في جميع الشهور فقال ابن عباس : يا ابن الأسود لو هلكت أنا ووقع في نفسك هذا ولم تحرجوا به لهلكت ، نزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى البيت المعمور في السماء الدنيا ، ثم نزل بعد ذلك في أنواع الوقائع حالا فحالا ، وقال قتادة وابن زيد : أنزل الله تعالى القرآن في ليلة القدر من أم الكتاب إلى السماء الدنيا ثم نزل به جبريل عليه‌السلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نجوما في عشرين سنة وقوله تعالى (إِنَّا) أي : على ما لنا من العظمة (كُنَّا) أي : دائما لعبادنا (مُنْذِرِينَ) أي : مخوفين استئناف بين به المقتضى للإنزال.

وكذلك قوله تعالى : (فِيها) أي : الليلة المباركة سواء قلنا إنها ليلة القدر أو ليلة النصف (يُفْرَقُ) أي : ينشر ويبين ويفصل ويوضح مرة بعد مرة (كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) أي : محكم الأمر لا يستطاع أن يطعن فيه بوجه من جميع ما يوحي به من الكتب وغيرها والأرزاق والآجال والنصر والهزيمة والخصب والقحط وغيرها من جميع أقسام الحوادث وجزئياتها في أوقاتها وأماكنها ، ويبين ذلك للملائكة من تلك الليلة إلى مثلها من العام المقبل فيجدونه سواء فيزدادون بذلك إيمانا ، قال ابن عباس : يكتب في أم الكتاب في ليلة القدر ما هو كائن في السنة من الخير والشر والأرزاق والآجال حتى الحجاج يقال : يحج فلان ويحج فلان ، وقال الحسن ومجاهد وقتادة : يبرم في ليلة القدر في شهر رمضان كل عمل وأجل وخلق ورزق وما يكون في تلك السنة ، وقال عكرمة : ليلة النصف من شعبان يبرم فيها أمر السنة وتنسخ الأحياء من الأموات فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أحد قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى أن الرجل لينكح النساء ويولد له وقد خرج اسمه في ديوان الموتى» (٤).

وعن ابن عباس : إن الله تعالى يقضي الأقضية في ليلة النصف من شعبان ويسلمها إلى أربابها في ليلة القدر ، وروي : أن الله تعالى أنزل القرآن من اللوح المحفوظ في ليلة البراءة ووقع الفراغ

__________________

(١) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.

(٢) أخرجه ابن حجر في الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ١٤٨.

(٣) انظر الحاشية السابقة.

(٤) أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ١٠ / ٢٨٠ ، والسيوطي في الدر المنثور ٦ / ٢٦ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٤٢٧٨٠ ، وابن كثير في تفسيره ٧ / ٢٣٢ ، والقرطبي في تفسيره ١٦ / ١٢٦.

٦٨٦

في ليلة القدر فدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل ونسخة الحروب إلى جبريل وكذلك الزلازل والصواعق والخسف ونسخة الأعمال ، قال ابن عادل : إلى إسرافيل وقال الزمخشري : إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا وهو ملك عظيم ونسخة المصائب إلى ملك الموت ، قال الزمخشري : وعن بعضهم يعطى كل عامل بركات أعماله فيلقى على ألسنة الخلق مدحه وعلى قلوبهم هيبته.

وقوله تعالى : (أَمْراً) أي : فرقا حال من فاعل أنزلناه ومن مفعوله أي : أنزلناه آمرين أو مأمورا به كائنا (مِنْ عِنْدِنا) على مقتضى حكمتنا وقوله تعالى : (إِنَّا كُنَّا) أي : أزلا وأبدا (مُرْسِلِينَ) جواب ثالث أو مستأنف أو بدل من قوله تعالى : (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) أي : لنا صفة الإرسال بالقدرة عليها في كل حين والإرسال لمصالح العباد لا بد فيه من الفرقان بالبشارة والنذارة وغيرهما حتى لا يكون لبس فلا يكون لأحد على الله تعالى حجة ، قال البقاعي : وهذا الكلام المنتظم والقول الملتئم بعضه ببعض المتراصف أجمل رصف في وصف ليلة الإنزال دال على أنه لم ينزل صحيفة ولا كتابا إلا في هذه الليلة ، فيدل على أنها ليلة القدر للأحاديث الواردة في أن الكتب كلها نزلت فيها ، وكذلك قوله تعالى في سورة القدر : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) [القدر : ٤] فإن الوحي الذي هو مجمع ذلك هو روح الأمر الحكيم.

ثم بين تعالى حال الرسالات بقوله تعالى : (رَحْمَةً) وعدل لأجل ما اقتضاه التعبير بالرحمة عما كان من أسلوب التكلم بالعظمة من قوله : (مِنَّا) إلى قوله تعالى (مِنْ رَبِّكَ) أي : المحسن إليك بإرسالك وإرسال كل نبي مضى من قبلك فإن رسالاتهم كانت لب الأنوار في العبادات وتمهيد الشرائع في البلاد حتى استنارت القلوب واطمأنت النفوس بما صارت تعهد من شرع الشرائع وتوطئة الأديان فتسهلت طرق الرب لتعميم رسالتك حتى ملأت أنوارك الآفاق فكنت نتيجة كل من تقدمك من الرفاق وقال ابن عباس : معنى رحمة من ربك أي : رأفة مني بخلقي ونعمة عليهم بما بعثنا إليهم من الرسل ، وقال الزجاج : أنزلناه في ليلة مباركة للرحمة (إِنَّهُ هُوَ) أي : وحده (السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) أي : أن تلك الرحمة كانت رحمة في الحقيقة لأن المحتاجين إما أن يذكروا حاجاتهم بألسنتهم أو لم يذكروها فإن ذكروها فإنه سميع وإن لم يذكروها فهو تعالى عالم بها.

(رَبِ) أي : مالك ومنشئ ومدبر (السَّماواتِ) أي : جميع الأجرام العالية (وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) مما تشاهدون من هذا الفضاء وما فيه من الهواء وغيره مما تعلمون من أكساب العباد وغيرها مما لا تعلمون ، ومن المعلوم أنه ذو العرش والكرسي فعلم بهذا أنه مالك الملك كله ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بخفض الباء الموحدة على البدل أو البيان أو النعت ، والباقون برفعها على إضمار مبتدأ أو على أنه مبتدأ خبره لا إله إلا هو ، والمقصود من هذه الآية أن المنزّل إذا كان موصوفا بهذه الجلالة والكبرياء كان المنزّل الذي هو القرآن في غاية الشرف والرفعة ، فإن قيل : ما معنى الشرط الذي هو قوله تعالى (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ)؟ أجيب : بأنهم كانوا يقرون بأن للسموات والأرض ربا وخالقا فقيل لهم : إن كنتم يا أهل مكة موقنين بأنه تعالى رب السموات والأرض فأيقنوا بأن محمدا عبده ورسوله.

ولما ثبت بهذا النظر الصافي ربوبيته وبعدم اختلال التدبير على طول الزمان وحدانيته أنتج ذلك قوله تعالى : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي : وإلا لنازعه في أمرهما منازع ، أو أمكن أن ينازع فيكون

٦٨٧

محتاجا لا محالة وإلا لدفع عنه من يمكن نزاعه وخلافه إياه فلا يكون صالحا للتدبير والقهر لكل من يخالف رسله والإنجاء لكل من يوافقهم على ممر الزمان وتطاول الدهر ومر الحدثان على نظام مستمر وحال ثابت مستقر.

ولما ثبت أنه لا مدبر للوجود غيره ثبت قوله تعالى : (يُحْيِي وَيُمِيتُ) لأن ذلك من أجل ما فيهما من التدبير وهو تنبيه على تمام دلائل التوحيد لأنه لا شيء ممن فيهما يبقى ليسند التدبير إليه ويحال شيء من الأمر عليه فهما جملتان الأولى : نافية لما أثبتوه من الشركة ، والثانية ، مثبتة لما نفوه من البعث (رَبُّكُمْ) أي : الذي أفاض عليكم ما تشاهدونه من النعم في الأرواح وغيرها (وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) أي : الذي أفاض عليهم ما أفاض عليكم ثم سلبهم ذلك كما تعلمون فلم يقدر أحد منهم على ممانعة ، ولا طمع في منازعة بنوع مدافعة.

(بَلْ هُمْ) أي : بضمائرهم (فِي شَكٍ) أي : من البعث (يَلْعَبُونَ) أي : يفعلون دائما فعل التارك لما هو فيه من أخذ الجد الذي لا مرية فيه إلى اللعب الذي لا فائدة فيه ولا ثمرة له بوجه استهزاء بك يا أشرف الرسل فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف» (١) قال تعالى : (فَارْتَقِبْ) أي : انتظر بكل جهد عاليا عليهم ناظرا لأحوالهم نظر من هو حارس لها (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) أي : ظاهر.

(يَغْشَى النَّاسَ) أي : المهددين بهذا فقالوا عند إتيانه (هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : يخلص وجعه إلى القلب فيبلغ في ألمه كما كنتم تؤلمون من يدعوكم إلى الله تعالى ، واختلف في هذا الدخان فروى أبو الصفاء عن مسروق قال : بينما رجل يحدث في كندة قال : يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمن كهيئة الزكام ففزعنا ، فأتينا ابن مسعود وكان متكئا فغضب فجلس فقال : من علم فليقل به ومن لم يعلم فليقل : الله أعلم فإن من العلم أن تقول لما لا تعلم : لا أعلم ، فإن الله تعالى قال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) [ص : ٨٦] فإن قريشا أبطأوا عن الإسلام فدعاهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف ، فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان ، فجاءه أبو سفيان فقال : يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادع الله تعالى لهم فقرأ (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) إلى قوله تعالى (عائِدُونَ) وهذا قول ابن عباس ومقاتل ومجاهد واختيار الفراء والزجاج وهو قول ابن مسعود وكان ينكر أن يكون الدخان إلا هذا الذي أصابهم من شدة الجوع كالظلمة في أبصارهم حتى كانوا كأنهم يرون دخانا. وذكر ابن قتيبة في تفسير الدخان في هذه الحالة وجهين الأول : أن في سنة القحط يعظم يبس الأرض فبسبب انقطاع المطر يرتفع الغبار الكثير ويظلم الهواء وذلك يشبه الدخان ويقولون : كان بيننا أمر ارتفع له دخان ، ولهذا يقال للسنة المجدبة الغبراء ، الثاني : أن العرب يسمون الشيء الغالب بالدخان والسبب فيه : أن الإنسان إذا اشتد خوفه أو ضعفه أظلمت عيناه ويرى الدنيا كالمملوءة من الدخان.

__________________

(١) أخرجه البخاري في تفسير القرآن حديث ٤٦٩٣ ، والترمذي في تفسير القرآن حديث ٣٢٥٤ ، وأحمد في المسند ١ / ٤٣١ ، ٤٤١.

٦٨٨

ونقل عن علي بن أبي طالب : أنه دخان يظهر في العالم وهو إحدى علامات القيامة ، ويروى أيضا عن ابن عباس في المشهور عنه لما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «أول الآيات الدخان ونزول عيسى ابن مريم ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا قال حذيفة : يا رسول الله وما الدخان فتلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الآية وقال : يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة ، أما المؤمن فيصيبه كالزكمة وأما الكافر فهو كالسكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه النار» (١). وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «باكروا بالأعمال ستا وذكر منها طلوع الشمس من مغربها والدخان والدابة» (٢) رواه الحسن.

واحتج الأولون بأنه تعالى حكى عنهم أنهم يقولون : (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ) ثم عللوا بما علموا أنه الموجب للكشف فقالوا مؤكدين (إِنَّا مُؤْمِنُونَ) أي : عريقون في وصف الإيمان فإذا حمل على القحط الذي وقع بمكة استقام ، فإنه نقل أن الأمر لما اشتد على أهل مكة مشى إليه أبو سفيان فناشده الله والرحم وواعده إن دعا لهم وأزال عنهم تلك البلية أن يؤمنوا به ، فلما أزالها الله عنهم رجعوا إلى شركهم ، أما إذا حمل على أن المراد منه : ظهور علامة من علامات القيامة لم يصح ذلك لأن عند ظهور علامات القيامة لا يمكنهم أن يقولوا : (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) ولم يصح أيضا أن يقال : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ) قال البقاعي : ويصح أن يراد به طلوع الشمس من مغربها ، روى الشيخان عن أبي هريرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها» (٣) ثم قرأ الآية.

(أَنَّى) أي : كيف ومن أين (لَهُمُ الذِّكْرى) أي : هذا التذكر العظيم الذي وصفوا به أنفسهم ، وقرأ حمزة والكسائي أنى بالإمالة محضة ، وقرأ أبو عمرو بالإمالة بين بين ، وورش بالفتح وبين اللفظين ، والباقون بالفتح وأمال الذكرى محضة أبو عمرو وحمزة والكسائي ، وأمال ورش بين بين ، والباقون بالفتح وكذلك الكبرى (وَقَدْ) أي : والحال أنه قد (جاءَهُمْ) ما هو أعظم من ذلك وأدخل في وجوب الطاعة (رَسُولٌ مُبِينٌ) أي : ظاهر غاية الظهور ، وموضح غاية الإيضاح ، وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأظهر دال قد نافع وابن ذكوان وعاصم وأدغمها الباقون.

(ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ) أي : أطاعوا ما دعاهم إلى الإدبار عنه من دواعي الهوى ونوازع الشهوات والحظوظ (وَقالُوا) أي : زيادة على إساءتهم بالتولي (مُعَلَّمٌ) أي : علمه غيره القرآن من البشر ، قال بعضهم : علمه غلام أعجمي لبعض ثقيف ، وقال آخرون : إنه (مَجْنُونٌ) أي : يلقي الجن إليه هذه الكلمات حال ما يعرض له الغشي.

(إِنَّا) أي : على ما لنا من العظمة (كاشِفُوا الْعَذابِ) أي : بدعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإنه دعا فرفع

__________________

(١) أخرجه بنحوه مسلم في الفتن حديث ٢٩٤٧ ، وابن ماجه في الفتن حديث ٤٠٥٦.

(٢) أخرجه بنحوه البخاري في تفسير القرآن حديث ٤٦٣٥ ، ومسلم في الإيمان حديث ١٥٧ ، وأبو داود في الملاحم حديث ٤٣١٢ ، وابن ماجه في الفتن حديث ٤٠٦٨.

(٣) انظر الحاشية السابقة.

٦٨٩

عنهم القحط (قَلِيلاً) أي : زمنا يسيرا ، قيل : إلى يوم بدر ، وقيل : ما بقي من أعمارهم (إِنَّكُمْ عائِدُونَ) أي : ثابت عودكم عقب كشفنا عنكم إلى الكفران لما في جبلاتكم من العوج وطبائعكم من المبادرة إلى الزلل ، فإيمانكم هذا الذي أخبرتم برسوخه عرض زائل وخيال باطل.

وقوله تعالى : (يَوْمَ نَبْطِشُ) أي : بما لنا من العظمة (الْبَطْشَةَ الْكُبْرى) أي : يوم بدر منصوب باذكر أو بدل من يوم تأتي ، والبطش : الأخذ بقوة (إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) أي : منهم في ذلك اليوم وهو قول ابن عباس وأكثر العلماء وفي رواية عن ابن عباس : أنه يوم القيامة.

(وَلَقَدْ فَتَنَّا) أي : اختبرنا بما لنا من العظمة فعل الفاتن وهو المختبر الذي يريد أن يعلم حقيقة الحال بالإبلاء والتمكين ثم الإرسال (قَبْلَهُمْ) أي : هؤلاء العرب ليكون ما مضى من خبرهم عبرة لهم (قَوْمَ فِرْعَوْنَ) أي : مع فرعون لأن ما كان فتنة لقومه كان فتنة له لأن الكبير أرسخ في الفتنة بما أحاط به من الدنيا وسيأتي التصريح به في آخر القصة (وَجاءَهُمْ) أي : فرعون وقومه زيادة في فتنتهم (رَسُولٌ كَرِيمٌ) هو موسى عليه‌السلام قال الكلبي : كريم على ربه بمعنى أنه تعالى أعطاه أنواعا كثيرة من الإكرام ، وقال مقاتل : حسن الخلق ، وقال الفراء : يقال فلان كريم قومه ، قيل : ما بعث نبي إلا من أشراف قومه وأكرمهم.

ثم فسر ما بلغهم من الرسالة بقوله : (أَنْ أَدُّوا إِلَيَ) ما أدعوكم إليه من الإيمان أي : أظهروا طاعتكم بالإيمان لي يا (عِبادَ اللهِ) أو أطلقوا بني إسرائيل ولا تعذبوهم وأرسلوهم معي كقوله (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ) [طه : ٤٧] (إِنِّي لَكُمْ) أي : خاصة بسبب ذلك (رَسُولٌ) أي : من عند الله الذي لا تكون الرسالة الكاملة إلا منه (أَمِينٌ) أي : بالغ الأمانة لأن الملك الديان لا يرسل إلا من كان كذلك.

وقوله عليه‌السلام :

(وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٩) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (٢٠) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (٢١) فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (٢٢) فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٢٣) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (٢٤) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (٢٧) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ (٢٨) فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩) وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (٣٠) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢) وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٦) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٣٧) وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (٣٨) ما خَلَقْناهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٩))

(وَأَنْ لا تَعْلُوا) معطوف على أنّ الأولى وأن هذه مقطوعة في الرسم ، والمعنى لا تتكبروا (عَلَى اللهِ) تعالى بإهانة وحيه ورسوله (إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ) أي : برهان (مُبِينٍ) أي : بين على رسالتي فتوعدوه حين قال لهم ذلك بالرجم فقال : (وَإِنِّي عُذْتُ) أي : اعتصمت وامتنعت (بِرَبِّي) الذي رباني على ما اقتضاه لطفه وإحسانه إلي (وَرَبِّكُمْ) الذي أعاذني من تكبركم وقوة مكنتكم (أَنْ تَرْجُمُونِ) أي : أن يتجدد في وقت من الأوقات قتل منكم لي فإني قلت : إني أخاف أن يقتلون فقال

٦٩٠

تعالى (قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا) [القصص : ٣٥] فمن أعظم آياتي أن لا تصلوا مع قوتكم وكثرتكم إلى قتلي مع أنه لا قوة لي بغير الله الذي أرسلني ، وقال ابن عباس : أن ترجمون بالقول وهو الشتم وتقولوا : هو ساحر ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي عذت بإدغام الذال في التاء ، والباقون بالإظهار ، وقرأ ورش بإثبات الياء بعد النون في ترجمون في الوصل دون الوقف ، والباقون بغير ياء وقفا وصلا وكذلك فاعتزلون الآتي.

ولما كان التقدير فإن آمنتم بذلك وسلمتم لي أفلحتم عطف عليه قوله تعالى :

(وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي) أي : تصدقوا لأجل ما أخبرتكم به (فَاعْتَزِلُونِ) أي : كونوا بمعزل مني لا عليّ ولا ليّ فلا تتعرضوا إلي بسوء فإنه ليس جزاء دعائكم إلى ما فيه فلا حكم.

والفاء في قوله تعالى : (فَدَعا) تدل على أنه متصل بمحذوف قبله وتأويله أنهم كفروا ولم يرضوا فدعا موسى عليه‌السلام (رَبَّهُ) الذي أحسن إليه سياسته وسياسة قومه ثم فسر ما دعا بقوله : (أَنَّ هؤُلاءِ) أي : الحقيرين الأذلين الأرذلين (قَوْمٌ) لهم قوة على القيام فيما يحاولونه (مُجْرِمُونَ) أي : موصوفون بالعراقة في قطع ما أمرت به أن يوصل ، فإن قيل : الكفر أعظم حالا من الجرم فما السبب في أنه جعل الكفار مجرمين حين أراد المبالغة في ذمهم؟ أجيب : بأن الكافر قد يكون عدلا في دينه وقد يكون فاسقا في دينه والفاسق في دينه ، أخس الناس.

ثم تسبب عن دعائه لأنه ممن يستجاب دعاؤه قوله تعالى : (فَأَسْرِ بِعِبادِي) أي : بني إسرائيل الذين أرسلناك لإسعادهم باستنقاذهم ممن يظلمهم وتفريغهم لعبادتي وقوله تعالى : (لَيْلاً) نصب على الظرفية ، والإسراء : سير الليل ، فذكر الليل تأكيد بغير اللفظ وإنما أمره بالسير بالليل لأنه أوقع بالقبط موت الأبكار ليلا فأمر موسى أن يخرج بقومه في ذلك الوقت خوفا من أن يموتوا مع القبط.

ولما علم الله تعالى أنهم إن تأخروا إلى أن يطلع الفجر ويرتفع عنهم الموت منعوهم الخروج وإن تأخروا إلى آخر الليل أدركوهم قبل الوصول إلى البحر فقتلوهم ، علل هذا الأمر بقوله مؤكدا له لأن حال القبط عندما أمرهم بالخروج كان حال من لا يتهيأ له الخروج في قوله : (إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) أي : مطلوبون بغاية الجهد من عدوكم فلا يغرنكم ما هم فيه عند أمركم بالخروج من الجزع من إقامتكم بين أظهرهم وسؤالهم لكم في الخروج عنهم بسبب وقوع الموت الناشئ فيهم ، فإن القلوب بيد الله تعالى فهو ينسي قلب فرعون بعد رؤية هذه الآيات حين يرتفع عنهم الموت ويفرغون من دفن موتاهم فيطلبكم لما دبرته في القدم من سياستكم بإغراقهم أجمعين ليظهر مجدي بذلك وأدفع عنكم روع مدافعتهم ، فإني أعلم أنه لا قوة لكم ولا طاقة بكم فلم أكلفكم بمباشرة شيء من أمرهم ، وقرأ نافع وابن كثير فاسر بوصل الهمزة بعد الفاء ، والباقون بقطعها ، قال الزمخشري : وفيه وجهان إضمار القول بعد الفاء أي : فقال اسر بعبادي ، وجواب شرط مقدر كأنه قال : إن كان الأمر كما تقول : فأسر بعبادي ، قال أبو حيان : وكثيرا ما يدعى حذف الشرط ولا يجوز إلا لدليل واضح كأن يتقدمه الأمر أو ما أشبهه يقال : سرى وأسرى لغتان.

ولما أمر بالإسراء أمر بما يفعل فيه فقال تعالى : (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ) أي : إذا سريت بهم وتبعك العدو ووصلت بعد إليه وأمرناك بضربه لينفتح لتدخلوا فيه فدخلتم ونجيتم (رَهْواً) بعد خروجكم منه بأجمعكم وفي الرهو وجهان أحدهما : أنه الساكن أي : اتركه ساكنا قال الأعشى (١) :

__________________

(١) البيت من البسيط ، وهو للقطامي في ديوانه ص ٢٦ ، ولسان العرب (رها) ، وتاج العروس (رها) ، وبلا

٦٩١

يمشين رهوا فلا الأعجاز خاذلة

ولا الصدور على الأعجاز تتكل

أي : مشيا ساكنا على هينه قارا على حاله بحيث يبقى المرتفع من مائه مرتفعا ، والمنخفض منخفضا كالجدار ، وطريقه الذي سرتم به يابسا ذا سير سهل على الحالة التي دخلتم فيها لأن موسى لما جاوز البحر أراد أن يضربه بعصاه فينطبق كما ضربه فانفلق ، فأمر أن يتركه ساكنا على هيئته قارا على حاله ليدخله القبط فإذا حصلوا فيه أطبقه الله تعالى عليهم ، والثاني : أن الرهو الفجوة الواسعة وعن بعض العرب أنه رأى جملا فالجا فقال : سبحان الله رهو بين سنامين أي : اتركه مفتوحا على حاله منفرجا (إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) أي : متمكنون في هذا الوصف وإن كان لهم وصف القوة والتجمع الذي محطه النجدة الموجبة للعلو في الأمور.

ولما أخبر تعالى عن غرقهم أخبر عن متخلفهم بقوله تعالى : (كَمْ تَرَكُوا) أي : كثيرا ترك الذين سبق الحكم بإغراقهم فغرقوا (مِنْ جَنَّاتٍ) أي : بساتين هي في غاية ما يكون من طيب الأرض وكثرة الأشجار وزكاء الثمار والنبات وحسنها الذي يستر الهموم ودل على كرم الأرض بقوله تعالى : (وَعُيُونٍ) (وَزُرُوعٍ) أي : ما هو دون الأشجار ، وقرأ ابن كثير وابن ذكوان وشعبة وحمزة والكسائي بكسر العين والباقون بضمها ثم أخبر عن منازلهم بقوله تعالى : (وَمَقامٍ كَرِيمٍ) أي : مجلس شريف هو أهل لأن يقوم الإنسان فيه لأنه في النهاية فيما يرضيه.

(وَنَعْمَةٍ) وهي اسم للتنعم بمعنى الترفيه والعيش اللين الرغد (كانُوا فِيها) أي : دائما (فاكِهِينَ) أي : فعلهم في عيشهم فعل المتفكه المترفه لا فعل من يضطر إلى إقامة نفسه.

وقوله تعالى : (كَذلِكَ) خبر لمبتدأ مضمر أي : الأمر كما أخبرنا به من تنعيمهم وإخراجهم وإغراقهم وأنهم تركوا جميع ما كانوا فيه لم يغن عنهم شيء منه فلا يغتر أحد بما ابتليناه من النعم لئلا نصنع به من الإهلاك ما صنعنا بهم وقوله تعالى : (وَأَوْرَثْناها) أي : تلك الأمور العظيمة عطف على تركوا (قَوْماً) أي : ناسا ذوي قوة في القيام على ما يحاولونه وحقق أنهم غيرهم تحقيقا لإغراقهم بقوله تعالى : (آخَرِينَ) ليسوا منهم في شيء وهم بنو إسرائيل وقيل : غيرهم لأنهم لم يعودوا إلى مصر بل سكنوا الأرض المقدسة.

ولما سكن القوم الآخرون بمصر ورثوا كنوزها وأموالها ونعمها ومقامها الكريم وقوله تعالى : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) مجاز عن عدم الاكتراث بهلاكهم لهوانهم ، وإذا لم تبك المساكن فما ظنك بالساكن الذي هو فيها تقول العرب : إذا مات رجل خطير في تعظيم مهلكه : بكت عليه السماء والأرض وبكته الريح وأظلمت له الشمس قال الفرزدق (١) :

فالشمس طالعة ليست بكاسفة

تبكي عليك نجوم الليل والقمر

وقالت الخارجية (٢) :

__________________

نسبة في تهذيب اللغة ٦ / ٤٠٤ ، وأساس البلاغة (رهو).

(١) البيت من الطويل ، وهو في ديوان الفرزدق ص ٢٧٦ (طبعة الصاوي).

(٢) البيت من الطويل ، وهو لليلى بنت طريف في الأغاني ١٢ / ٨٥ ، ٨٦ ، والحماسة الشجرية ١ / ٣٢٨ ، والدرر ٢ / ١٦٣ ، وشرح شواهد المغني ص ١٤٨ ، ولليلى أو لمحمد بن بجرة في سمط اللآلي ص ٩١٣ ، وللخارجية في الأشباه والنظائر ٥ / ٣١٠ ، وبلا نسبة في لسان العرب (خبر) ، ومغني اللبيب ١ / ٤٧ ، وهمع الهوامع ١ / ١٣٣.

٦٩٢

أيا شجر الخابور ما لك مورقا

كأنك لم تجزع على ابن طريف

وقال جرير (١) :

لما أتى خبر الزبير تواضعت

سور المدينة والجبال الخشع

وذلك على سبيل التخييل والتمثيل مبالغة في وجوب الجزع والبكاء ، عليه قال الزمخشري : وكذلك ما يروى عن ابن عباس من بكاء مصلى المؤمن وآثاره في الأرض ومصاعد عمله ومهابط رزقه في السماء تمثيل ، ونفى ذلك عنهم في قوله تعالى : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) تهكما بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده فيقال فيه : بكت عليه السماء والأرض.

وروى أنس بن مالك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ما من مسلم إلا وله في السماء بابان باب يخرج منه رزقه وباب يدخل منه عمله فإذا مات وفقداه بكيا عليه وتلا هذه الآية» (٢). وقال علي رضي الله عنه : إن المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء. وعن الحسن : فما بكى عليهم الملائكة والمؤمنون بل كانوا بهلاكهم مسرورين يعني فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الأرض. وقال عطاء : بكاء السماء حمرة أطرافها ، وقال السدي : لما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما : بكت عليه السماء وبكاؤها حمرتها ، وقرأ أبو عمرو عليهم في الوصل بكسر الهاء والميم ، وحمزة والكسائي بضمهما ، والباقون : بكسر الهاء وضم الميم وأما الوقف فحمزة بضم الهاء والباقون بالكسر (وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) أي : لما جاء وقت هلاكهم لم يمهلوا إلى وقت آخر لتوبة وتدارك تقصير.

ولما كان إنقاذ بني إسرائيل من القبط أمرا باهرا لا يكاد يصدق فضلا عن أن يكون بإهلاك أعدائهم ، أكد سبحانه الأخبار بذلك إشارة إلى ما يحق له من العظمة تنبيها على أنه قادر أن يفعل بهذا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأتباعه كذلك وإن كانت قريش يرون ذلك محالا وأنهم في قبضتهم فقال تعالى : (وَلَقَدْ نَجَّيْنا) أي : بما لنا من العظمة تنجية عظيمة (بَنِي إِسْرائِيلَ) بعبدنا المخلص لنا (مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ) أي : من استعباد فرعون وقتله أبناءهم وقوله تعالى : (مِنْ فِرْعَوْنَ) بدل من العذاب على حذف المضاف ، أو جعله عذابا لإفراطه في التعذيب ، أو حال من المهين أي : واقعا من جهته (إِنَّهُ كانَ عالِياً) أي : في جبلته العراقة في العلو (مِنَ الْمُسْرِفِينَ) أي : العريقين في مجاوزة الحدود.

(وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ) أي : بني إسرائيل بما لنا من العظمة (عَلى عِلْمٍ) أي : عالمين بأنهم أحقاء بأن يختاروا ويجوز أن يكون المعنى مع علم منا بأنهم يزيغون ويفرط منهم الفرطات في بعض الأحوال. ثم بين المفضل عليه بعد أن بين المفضل بقوله تعالى : (عَلَى الْعالَمِينَ) أي : الموجودين في زمانهم بما أنزلنا عليهم من الكتب وأرسلنا إليهم من الرسل ، وقيل : على الناس

__________________

(١) البيت من الكامل ، وهو لجرير في ديوانه ص ٩١٣ ، والأشباه والنظائر ٢ / ١٠٥ ، ٢٢٠ ، وجمهرة اللغة ص ٧٢٣ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢١٨ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٧ ، ولسان العرب (حرث) ، (سور) ، (أفق) ، ولجرير أو للفرزدق في سمط اللآلي ص ٣٧٩ ، وليس في ديوان الفرزدق ، وبلا نسبة في الخصائص ٢ / ٤١٨ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ٢٦٧.

(٢) أخرجه الترمذي في تفسير القرآن حديث ٣٢٥٥.

٦٩٣

جميعا لكثرة الأنبياء منهم ، وقيل : عام دخله التخصص ثم بين آثار الاختيار بقوله تعالى : (وَآتَيْناهُمْ) أي : على ما لنا من العظمة (مِنَ الْآياتِ) أي : العلامات الدالة على عظمتنا واختيارنا لهم من حين أتى موسى عبدنا عليه‌السلام فرعون إلى أن فارقهم بالوفاة وبعد وفاته على أيدي الأنبياء المقررين للشريعة عليهم‌السلام (ما فِيهِ بَلؤُا) أي : اختبار مثله يميل من ينظره أو يسمعه إلى غير ما كان عليه ، وذلك بفرق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى وغير ذلك مما رأوه من الآيات التسع (مُبِينٌ) أي : بين في نفسه موضح لغيره.

(إِنَّ هؤُلاءِ) إشارة إلى كفار قريش لأن الكلام فيهم وقصة فرعون وقومه مسوقة للدلالة على أنهم مثلهم في الإصرار على الضلالة والإنذار على مثل ما حل بهم (لَيَقُولُونَ) أي : بعد قيام الحجة البالغة عليهم مبالغين في الإنكار.

(إِنْ) أي : ما (هِيَ) وقولهم (إِلَّا مَوْتَتُنَا) على حذف مضاف أي : ما الحياة إلا حياة موتتنا (الْأُولى) التي كانت قبل نفخ الروح كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الجاثية (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) [الأنعام : ٢٩] وقال الجلال المحلي : إن هي ما الموتة التي بعدها الحياة إلا موتتنا الأولى أي : وهم نطف ، وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة محضة وأبو عمرو بين بين ، وورش بالفتح وبين اللفظين والباقون بالفتح (وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ) أي : بمبعوثين بحيث نصير ذوي حركة اختيارية ننتشر بها بعد الموت ، يقال : نشره وأنشره أحياه.

ثم احتجوا على نفي الحشر والنشر بقولهم : (فَأْتُوا) أي : أيها الزاعمون أنا نبعث بعد الموت (بِآبائِنا) أي : لكوننا نعرفهم ونعرف وفور عقولهم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي : ثابتا صدقكم في أنا نبعث يوم القيامة أحياء بعد الموت.

ثم خوفهم الله تعالى بمثل عذاب الأمم الخالية فقال تعالى : (أَهُمْ خَيْرٌ) أي : في الدين والدنيا (أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) أي : ليسوا خيرا منهم فهو استفهام على سبيل الإنكار ، قال أبو عبيدة : ملوك اليمن كل واحد منهم يسمى تبعا لأن أهل الدنيا كانوا يتبعونه ، وموضع تبع في الجاهلية موضع الخليفة في الإسلام وهم الأعاظم في ملوك الحرب ، وقال قتادة : هو تبع الحميري وكان من ملوك اليمن سمي بذلك : لكثرة أتباعه وكان هذا يعبد النار فأسلم ودعا قومه وهم حمير إلى الإسلام فكذبوه ، ولذلك ذم الله تعالى قومه ولم يذمه ، وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تسبوا تبعا فإنه قد أسلم» (١). وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أدري أكان تبع نبيا أو غير نبي» (٢). وعن عائشة رضي الله عنها قالت : «لا تسبوا تبعا فإنه كان رجلا صالحا» (٣). وذكر عكرمة عن ابن عباس : أنه كان تبع الآخر وهو أبو كرب أسعد بن مليك وكان سار بالجيوش نحو المشرق وحبر الحبر وبنى قصر سمرقند ، وملك بقومه الأرض طولها والعرض وكان أقرب المملكين إلى قريش زمانا ومكانا ، وكان له بمكة المشرفة ما ليس لغيره من

__________________

(١) أخرجه أحمد في المسند ٥ / ٣٤٠ ، والسيوطي في الدر المنثور ٦ / ٣١ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٣٤٠٨٥ ، وابن حجر في فتح الباري ٨ / ٥٧١ ، والطبراني في المعجم الكبير ١١ / ٢٩٦ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٨ / ٧٦.

(٢) أخرجه الحاكم في المستدرك ٢ / ١٤ ، ٤٥٠ ، والبخاري في التاريخ الكبير ١ / ١٥٣.

(٣) أخرجه الطبري في تفسيره ٢٤٠٨٩.

٦٩٤

الآثار ، قال الرازي في اللوامع : هو أول من كسا البيت ونحر بالشعب ستة آلاف بدنة وأقام به ستة أيام وطاف به وحلق.

قال البغوي بعد أن ذكر قصته مع الأنصار : لما قتل ابنه غيلة في المدينة الشريفة وما وعظ به اليهود في الكف عن خراب المدينة لأنها مهاجر نبي من قريش إنه صدقهم واتبع دينهم وذلك قبل نسخه. وعن الرياشي آمن تبع بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل أن يبعث بسبعمائة عام ، فإن قيل : ما معنى قوله تعالى : (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) مع أنه لا خير في الفريقين؟ أجيب : بأن معناه أهم خير في القوة والشوكة كقوله تعالى : (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ) [القمر : ٤٣] بعد ذكر آل فرعون ويجوز في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي : مشاهير الأمم كمدين وأصحاب الأيكة والرس وثمود وعاد ، ثلاثة أوجه ؛ أحدها : أن يكون معطوفا على قوم تبع ، ثانيها : أن يكون مبتدأ وخبره (أَهْلَكْناهُمْ) أي : بعظمتنا وإن كانوا أصحاب مكنة وقوة ، وأما على الأول (فَأَهْلَكْناهُمْ) إما مستأنف ، وإما حال من الضمير المستكن في الصلة ، ثالثها : أن يكون منصوبا بفعل مقدر يفسره أهلكناهم ولا محل لأهلكناهم حينئذ (إِنَّهُمْ كانُوا) أي : جبلة وطبعا (مُجْرِمِينَ) أي : عريقين في الإجرام فليحذر هؤلاء إن ارتكبوا مثل أفعالهم من مثل حالهم.

ولما أنكر تعالى على كفار مكة قولهم ، ووصفهم بأنهم أضعف ممن كان قبلهم ، ذكر الدليل القاطع على صحة القول بالبعث والقيامة فقال تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ) أي : على عظمها واتساع كل واحدة منها واحتوائها لما تحتها وجمعها لأن العمل كلما زاد كان أبعد عن العبث.

ولما كان الدليل على تطابق الأرض دليلا دقيقا وحدها بقوله تعالى : (وَالْأَرْضَ) أي : على ما فيها من المنافع (وَما بَيْنَهُما) أي : النوعين وبين كل واحدة منهما وما يليها (لاعِبِينَ) أي : على ما لنا من العظمة التي يدرك من له أدنى عقل تعاليها عن اللعب لأنه لا يفعله إلا ناقص ، ولو تركنا الناس يبغي بعضهم على بعض كما تشاهدون ثم لا نأخذ لضعيفهم بحقه من قويهم لكان خلقنا لهم لعبا بل اللعب أخف منه ، ولم نكن على ذلك التقدير مستحقين للصفة القدسية وقد تقدم تقرير هذا الدليل في أول سورة يونس وفي آخر سورة المؤمنين عند قوله تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) [المؤمنون : ١١٥] وفي ص عند قوله تعالى (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) [ص : ٢٨].

(ما خَلَقْناهُما) أي : السموات والأرض مع ما بينهما وقوله تعالى : (إِلَّا بِالْحَقِ) حال إما من الفاعل وهو الظاهر ، وإما من المفعول أي : إلا محقين في ذلك يستدل به على وحدانيتنا وقدرتنا وغير ذلك ، أو متلبسين بالحق (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ) أي : هؤلاء الذين أنت بين أظهرهم وهم يقولون : (إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى) وكذا من نحا نحوهم (لا يَعْلَمُونَ) أي : إنا خلقنا الخلق بسبب إقامته الحق عليهم فهم لأجل ذلك يجترؤون على المعاصي ويفسدون في الأرض لا يرجون ثوابا ولا يخافون عقابا ، ولو تذكروا ما ذكرناه في جبلاتهم لعلموا علما ظاهرا أنه الحق الذي لا معدل عنه ، كما يتولى حكامهم المناصب لأجل إظهار الحكم بين رعاياهم ويشترطون الحكم بالحق ويؤكدون على أنفسهم أنهم لا يتجاوزونه.

ولما ذكر الدليل على إثبات البعث والقيامة ذكر عقبه يوم الفصل فقال تعالى :

(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٠) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤١) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٤٢) إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي

٦٩٥

الْبُطُونِ (٤٥) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (٤٦) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (٤٧) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩) إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (٥٠) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (٥٣) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (٥٥) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٥٦) فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٥٧) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩))

(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ) أي : يوم القيامة يفصل الله تعالى فيه بين العباد ، قال الحسن : سمي بذلك ؛ لأن الله تعالى يفصل فيه بين أهل الجنة والنار ، وقيل : يفصل فيه بين المؤمن وما يكرهه وبين الكافر وما يريده (مِيقاتُهُمْ) أي : وقت موعدهم الذي ضرب لهم في الأزل وأنزلت فيه الكتب على ألسنة الرسل (أَجْمَعِينَ) لا يتخلف عنه أحد ممن مات من الجن والأنس والملائكة وجميع الحيوانات.

وقوله تعالى : (يَوْمَ لا يُغْنِي) أي : بوجه من الوجوه بدل من يوم الفصل ، أو منصوب بإضمار أعني ، أو صفة لميقاتهم ، ولا يجوز أن ينتصب بالفصل نفسه لما يلزم من الفصل بينهما بأجنبي وهو ميقاتهم (مَوْلًى) أي : من قرابة أو غيرها (عَنْ مَوْلًى) بقرابة أو غيرها أي : لا يدفع عنه (شَيْئاً) من الأشياء كثر أو قل (وَلا هُمْ) أي : القسمان (يُنْصَرُونَ) أي : ليس لهم ناصر يمنعهم من عذاب الله تعالى.

تنبيه : المولى إما في الدين ، أو في النسب ، أو العتق ، وكل هؤلاء لا يسمون بالمولى فلما لم تحصل النصرة منهم فأن لا تحصل ممن سواهم أولى ، ونظير هذه الآية قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) [البقرة : ٤٨] إلى قوله تعالى (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) [البقرة : ٤٨] وقال الواحدي : المراد بقوله تعالى : (مَوْلًى عَنْ مَوْلًى) الكفار لأنه ذكر بعده المؤمن فقال تعالى : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ) أي : أراد إكرامه الملك الأعظم وهم المؤمنون يشفع بعضهم لبعض بإذن الله تعالى في الشفاعة لأحدهم فيكرم الشافع فيه وقال ابن عباس : يريد المؤمن فإنه يشفع له الأنبياء والملائكة.

تنبيه : يجوز في (إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ) أوجه ؛ أحدها : وهو قول الكسائي أنه منقطع ، ثانيها : أنه متصل تقديره لا يغني قريب عن قريب إلا المؤمنين فإنهم يؤذن لهم في الشفاعة فيشفعون في بعضهم كما مر ، ثالثها : أن يكون مرفوعا على البدلية من مولى الأول ويكون يغني بمعنى ينفع قاله الحوفي ، رابعها : أنه مرفوع المحل أيضا على البدل من واو ينصرون أي : لا يمنع من العذاب إلا من رحم الله (إِنَّهُ) أي : وحده (هُوَ الْعَزِيزُ) أي : المنيع الذي لا يقدح في عزته عفو ولا عقاب بل ذلك دليل على عزته فإنه يفعل ما يشاء فيمن يشاء من غير مبالاة بأحد (الرَّحِيمُ) أي : الذي لا يمنع عزته أن يكرم من شاء.

ولما وصف تعالى اليوم ذكر بعده وعيد الكفار فقال سبحانه : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ) هي من أخبث الشجر المر بتهامة ينبتها الله تعالى في الجحيم وقد مر الكلام عليها في الصافات ، ورسمت بالتاء المجرورة فوقف عليها بالهاء أبو عمرو وابن كثير والكسائي ، ووقف الباقون بالتاء على الرسم.

٦٩٦

(طَعامُ الْأَثِيمِ) أي : المبالغ في اكتساب الآثام حتى صارت به إلى الكفر قال أكثر المفسرين : هو أبو جهل.

(كَالْمُهْلِ) أي : وهو ما يمهل في النار حتى يذوب من ذهب أو فضة وكل ما في معناهما من المنطبعات سواء كان من صفر أو حديد أو رصاص ، وقيل : هو عكر القطران ، وقيل : عكر الزيت وقرأ (يَغْلِي فِي الْبُطُونِ) أي : من شدة الحر ابن كثير وحفص بالياء التحتية على أن الفاعل ضمير يعود على طعام ، وجوز أبو البقاء أن يعود على الزقوم ، وقيل : يعود على المهل نفسه والباقون بالتاء الفوقية على أن الفاعل ضمير الشجر.

(كَغَلْيِ) أي : مثل غلي (الْحَمِيمِ) أي : الماء الذي تناهى حره بما يوقد تحته ، وعن ابن عباس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لو أن قطرة من الزقوم قطرت في الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم ، فكيف بمن تكون طعامه» (١).

ويقال للزبانية : (خُذُوهُ) أي : هذا الأثيم أخذ قهر فلا تدعوه يملك من أمره شيئا (فَاعْتِلُوهُ) أي : جروه بقهر بغلظة وعنف وسرعة إلى العذاب والإهانة بحيث يكون كأنه محمول ، وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر بضم التاء والباقون بكسرها وهما لغتان في مضارع عتل ، قال البقاعي : وقراءة الضم أدل على تناهي الغلظة والشدة من قراءة الكسر (إِلى سَواءِ) أي : وسط (الْجَحِيمِ) أي : النار التي هي غاية في الاضطرام والتوقد وهو موضع خروج الشجرة التي هي طعامه.

(ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ) أي : ليكون المصبوب محيطا بجميع جسده (مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ) أي : من الحميم الذي لا يفارقه العذاب فهو أبلغ مما في آية (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ) [الحج : ١٩].

ويقال له توبيخا وتقريعا : (ذُقْ) أي : العذاب (إِنَّكَ) وأكد بقوله : (أَنْتَ) أي : وحدك دون هؤلاء الذين يخبرون بحقارتك (الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) بزعمك وقولك : ما بين جبليها أعز وأكرم مني ، وقرأ الكسائي بفتح الهزة بعد القاف على معنى العلة أي : لأنك ، وقيل : تقديره ذق عذاب الحميم إنك أنت العزيز ، والباقون بالكسر على الاستئناف المفيد للعلة فتتحد القراءتان معنى ، وهذا الكلام الذي على سبيل التهكم أغيظ للمستهزأ به ومثله قول جرير لشاعر سمى نفسه زهرة اليمن (٢) :

ألم يكن في رسوم قد رسمت بها

من كان موعظة يا زهرة اليمن

وكان هذا الشاعر قد قال (٣) :

أبلغ كليبا وأبلغ عنك شاعرها

أني الأعز وأني زهرة اليمن

ويقال لهم : (إِنَّ هذا) أي : الذي ترون من العذاب (ما كُنْتُمْ بِهِ) أي : جبلة وطبعا (تَمْتَرُونَ) أي : تعالجون أنفسكم وتحملونها على الشك فيه وتردونها عما لها من الفطرة الأولى من التصديق بالممكن لا سيما من جرب صدقه وظهرت خوارق العادات على يده بحيث كنتم لشدة ردكم له كأنكم تخصونه بالشك.

__________________

(١) أخرجه الترمذي في جهنم حديث ٢٥٨٥ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٢٧٣٠.

(٢) البيت من البسيط ، وهو في ديوان جرير ص ٥٧٢.

(٣) البيت لم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.

٦٩٧

ولما ذكر سبحانه وتعالى وعيد الكفار أردفه بآيات الوعد فقال : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) أي : العريقين في هذا الوصف (فِي مَقامٍ) أي : موضع إقامة لا يريد الحال فيه تحولا عنه (أَمِينٍ) أي : يأمن صاحبه فيه من كل ما لا يعجبه ، وقرأ نافع وابن عامر بفتح الميم أي : في مجلس أمين ، والباقون بضمها على المصدر أي : في إقامة وقوله تعالى : (فِي جَنَّاتٍ) أي : بساتين تقصر العقول عن إدراك كل وصفها ، بدل من قوله تعالى في مقام أمين أو خبر ثان وقرأ (وَعُيُونٍ) ابن كثير وابن ذكوان وشعبة وحمزة والكسائي بكسر العين ، والباقون بضمها.

ولما كان لا يتم العيش إلا بكسوة البدن أشار إلى ذلك بقوله تعالى : (يَلْبَسُونَ) ودل على الكثرة جدا بقوله تعالى : (مِنْ سُندُسٍ) وهو ما رق من الحرير يعمل وجوها (وَإِسْتَبْرَقٍ) هو ما غلظ منه يعمل بطائن ، وسمي بذلك : لشدة بريقه وقوله تعالى : (مُتَقابِلِينَ) أي : في مجلسهم ليستأنس بعضهم ببعض حال وقوله : (يَلْبَسُونَ) حال من الضمير المستكن في الجار أو خبر ثان فيتعلق الجار به أو مستأنف ، فإن قيل : الجلوس على هذه الهيئة موحش لأن كل واحد منهم يصير مطلعا على ما يفعل الآخر وأيضا فقليل الثواب إذا طلع على كثيره ينغص عليه؟ أجيب : بأن أحوال الآخرة ليست كأحوال الدنيا وقد قال تعالى (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) [الأعراف : ٤٣].

وقوله تعالى : (كَذلِكَ) يجوز فيه وجهان ؛ أحدهما : النصب نعتا لمصدر أي : نفعل بالمتقين فعلا كذلك أي : مثل ذلك الفعل ، ثانيهما : الرفع على خبر مبتدأ مضمر أي : الأمر كذلك.

ولما كان ذلك لا يتم السرور به إلا بالأزواج قال تعالى : (وَزَوَّجْناهُمْ) أي : قرناهم كما تقرن الأزواج وليس المراد به العقد لأن فائدة العقد الحل والجنة ليست بدار تكليف من تحليل أو تحريم (بِحُورٍ) أي : جوار بيض حسان نقيات الثياب (عِينٍ) أي : واسعات الأعين قال البيضاوي : واختلف في أنهن نساء الدنيا أو غيرهن.

ولما كان الشخص في الدنيا يخشى كلف النفقات وصف ما هنالك من سعة الخيرات فقال تعالى : (يَدْعُونَ) أي : يطلبون طلبا هو غاية المسرة (فِيها) أي : الجنة أي : يؤتون (بِكُلِّ فاكِهَةٍ) أي : لا يمتنع عليهم صنف من الأصناف لبعد مكان ولا فقدان ولا غير ذلك من الشأن ، وفي ذلك إيذان بأنه مع سعته ليس فيه شيء لإقامة البنية وإنما هو للتفكه والتلذذ حال كونهم مع ذلك (آمِنِينَ) في غاية الأمن من كل مخوف.

(لا يَذُوقُونَ فِيهَا) أي : الجنة (الْمَوْتَ) لأنها دار خلود لا دار فناء وقوله تعالى (إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) فيه أوجه ؛ أحدها : أنه استثناء منقطع أي : لكن الموتة الأولى قد ذاقوها ، ثانيها : أنه متصل وتأولوه بأن المؤمن عند موته في الدنيا يصير بلطف الله كأنه في الجنة لاتصاله بأسبابها ومشاهدته إياها وما يعطاه من نعيمها فكأنه مات فيها ، ثالثها : أن إلا بمعنى سوى أي : سوى الموتة التي ذاقوها في الدنيا كما في قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) [النساء : ٢٢] أي : سوى ما قد سلف ، رابعها : أن إلا بمعنى بعد ، أي : لا يذوقون فيها الموت بعد الموتة الأولى في الدنيا واختاره الطبري لكن نوزع بأن إلا بمعنى بعد لم يثبت وقد يجاب : بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ ، خامسها : قال الزمخشري : أريد أن يقال لا يذوقون فيها الموت البتة فوضع قوله : (إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) موضع ذلك لأن الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل فهو من باب التعليق بالمحال ، كأنه قيل : إن كانت الموتة الأولى يستقيم ذوقها في

٦٩٨

المستقبل فإنهم يذوقونها ، سادسها : المراد بالمتقين أعم من الراسخين وغيرهم وإن ضمير فيها يرجع للآخرة ، فالعاصي إذا أراد الله تعالى تعذيبه بالنار يذيقه فيها موتة أخرى كما جاء في الأحاديث الصحيحة فيكون على المجموع ، سابعها : أن الموتة الأولى في الجنة المجازية فلا يكون ذلك بالمحال وذلك أن المتقي لم يزل فيها في الدنيا.

قال بعض العلماء : الدنيا إذا تحققت في حق المؤمن التقي فإنها جنة صغرى لتوليه سبحانه إياه فيها وقربه منه ونظره إليه وذكره له وعبادته إياه وشغله به وهو معه أينما كان ، فإن قيل : أهل النار لا يذوقون الموت أبدا فلم بشر أهل الجنة بهذا مع أن أهل النار يشاركونهم فيه؟ أجيب : بأن البشارة ما وقعت بدوام الحياة فقط بل مع حصول تلك الخيرات والسعادات فافترقا (وَوَقاهُمْ) أي : المتقين (عَذابَ الْجَحِيمِ) أي : التي تقدم أنها لكل كفار أثيم وأما غير المتقين من العصاة فيدخل الله تعالى من أراد منهم النار فيعذب كلا منهم على قدر ذنوبه ثم يميتهم فيها ويستمرون إلى أن يأذن الله تعالى في الشفاعة فيهم ، فيخرجهم ثم يحييهم بما يرش عليهم من ماء الحياة ، ثم يدخلهم الله تعالى الجنة.

روي عن أنس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يدخل ناس في النار حتى إذا صاروا فحما أدخلوا الجنة فيقول أهل الجنة : من هؤلاء فيقال : هؤلاء الجهنميون» (١). وروي أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يعذب ناس من أهل التوحيد في النار حتى يكونوا فيها حمما ثم تدركهم الرحمة فيخرجون ويطرحون على أبواب الجنة» (٢) ، فيرش عليهم أهل الجنة الماء فينبتون كما ينبت الغثاء في حمالة السيل ثم يدخلون الجنة.

وقوله تعالى : (فَضْلاً) مفعول لأجله أي : فعل ذلك بهم لأجل الفضل ، وجعله أبو البقاء : منصوبا بمقدر أي : تفضلنا بذلك فضلا أي : تفضلا.

تنبيه : احتج أهل السنة بهذه الآية على أن الثواب يحصل من الله تعالى فضلا وإحسانا وأن كل ما وصل إليه العبد من الخلاص من النار والفوز بالجنة فإنما يحصل بفضل الله تعالى (مِنْ رَبِّكَ) أي : المحسن إليك بكمال إحسانه إلى اتباعك إحسانا يليق بك ، قال الرازي في اللوامع : أصل الإيمان رؤية الفضل في جميع الأحوال.

ولما عظمه الله تعالى بإظهار هذه الصفة مضافة إليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم زاد تعظيمه بالإشارة بأداة البعد فقال تعالى : (ذلِكَ) أي : الفضل العظيم الواسع (هُوَ) أي : خاصة (الْفَوْزُ) أي : الظفر بجميع المطالب (الْعَظِيمُ) لأنه خلاص عن المكاره ولم يدع جهة من الشرف إلا ملأها ، وهذا يدل على أن الفضل أعلى من درجات الثواب المستحق لأنه تعالى وصفه بكونه فوزا عظيما ، وأيضا فإن الملك العظيم إذا أعطى الأجير أجرته ثم خلع على إنسان آخر فإن تلك الخلعة أعلى من إعطاء تلك الأجرة.

ولما بيّن تعالى الدليل وشرح الوعد والوعيد قال تعالى : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ) أي : سهلنا القرآن سهولة كبيرة (بِلِسانِكَ) أي : هذا العربي المبين وهم عرب سجيتهم الفصاحة (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)

__________________

(١) أخرجه أحمد في المسند ٣ / ٢٥٥ ، والبخاري في التاريخ الكبير ٨ / ٣٢٧ ، والقرطبي في تفسيره ٩ / ٩٩.

(٢) أخرجه الترمذي حديث ٢٥٩٧ ، وأحمد في المسند ٣ / ٣٩١ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٣٩٤٢٥.

٦٩٩

أي : يفهمونه فيتعظون به وإن لم يتعظوا ولم يؤمنوا به.

(فَارْتَقِبْ) أي : فانتظر ما يحل بهم (إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) أي : منتظرون ما يحل بك فمفعولا الارتقاب محذوفان أي : فارتقب النصر من ربك إنهم مرتقبون بك ما يتمنونه من الدوائر والغوائل ولن يضرك ذلك ، وما رواه البيضاوي تبعا للزمخشري أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من قرأ حم الدخان ليلة جمعة أصبح مغفورا له» (١). رواه الترمذي وزاد الزمخشري : «من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك» (٢) ورواه البغوي عن أبي هريرة. قال ابن عادل : قال أبو أمامة رضي الله تعالى عنه : «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : من قرأ حم الدخان ليلة الجمعة أو يوم الجمعة بنى الله له بيتا في الجنة» (٣) والله تعالى أعلم بالصواب.

__________________

(١) أخرجه الترمذي في فضائل القرآن حديث ٢٨٨٩ ، والدارمي في فضائل القرآن حديث ٣٤٢٠.

(٢) أخرجه الترمذي في فضائل القرآن حديث ٢٨٨٨.

(٣) أخرجه القرطبي في تفسيره ١٦ / ١٢٥ ، والمناوي في فيض القدير ٦ / ٢٠٠.

٧٠٠