تفسير الراغب الأصفهاني - ج ١

الحسين بن محمّد بن المفضّل أبوالقاسم الأصفهاني [ الراغب الأصفهاني ]

تفسير الراغب الأصفهاني - ج ١

المؤلف:

الحسين بن محمّد بن المفضّل أبوالقاسم الأصفهاني [ الراغب الأصفهاني ]


المحقق: د. عادل بن علي الشدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدار الوطن للنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٣٩
الجزء ١ الجزء ٢

سورة آل عمران

بسم الله الرّحمن الرّحيم

قوله عزوجل : (الم* اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ* نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ* مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ)(١).

الأصل في حروف التهجي السكون (٢) ، وكان حكم الميم حكم غيره لكن حرّك لالتقاء الساكنين ، وفتح استثقالا للكسرة فيه من أجل الياء قبله (٣) ، ومن قال : إنما فتح لأنه ألقي عليه حركة الهمزة (٤) فخطأ ؛ لأن هذه الهمزة تسقط في الدّرج إلا في قولهم : يا الله ، والهمزة التي تلقى حركتها على ما قبلها هي

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآيات : ١ ـ ٤.

(٢) انظر : كتاب سيبويه (٣ / ٢٦٥) ، والحجة لأبي علي الفارسي (٢ / ٣٤٠).

(٣) انظر : كتاب سيبويه (٤ / ١٥٤) ، والحجة (٢ / ٣٤٠) ، وكشف المشكلات لجامع العلوم الأصبهاني (١ / ٢٠٩).

(٤) القائل هو الفرّاء كما في معاني القرآن (١ / ٩) وحكاه عنه جامع العلوم الأصبهاني في كشف المشكلات (١ / ٢٠٩) ، ونسبه النحاس إلى الكسائي ، ودافع الزمخشري عن هذا القول. انظر : إعراب القرآن للنحاس (١ / ٣٥٣ ـ ٣٥٤) ، والكشاف للزمخشري (١ / ٣٣٥).

٤٠١

الثابتة في الوصل والوقف ، نحو : من ابوك؟ إذا قلت : من أبوك؟ (١).

وروي عن عاصم (٢) وغيره (٣) سكون الميم وقطع الألف (٤) ، وليس ذلك بصحيح عند النحويين ، لكون الألف فيه للوصل (٥) ، وأما موضع إعراب (الم) فمبتدأ وخبره مضمر ، أو خبر مبتدؤه

__________________

(١) انظر : الحجة (٢ / ٣٤١) ، وكشف المشكلات (١ / ٢٠٩ ـ ٢١٠).

(٢) عاصم : ابن بهدلة بن أبي النّجود الأسدي مولاهم الكوفي ، أبو بكر المقرئ ، صدوق له أوهام ، حجة في القراءات ، وحديثه في الصحيحين مقرون ، من السادسة ، توفي سنة ١٢٨ ه‍. انظر : تهذيب التهذيب (٥ / ٣٨) ، وتقريب التهذيب لابن حجر ص (٢٨٥).

(٣) كالأعشى والبرجمي والرؤاسي. انظر : المبسوط في القراءات العشر ، ص (١٤٠) والغاية في القراءات العشر ص (٢٠٨) كلاهما لابن مهران الأصبهاني. والبحر المحيط لأبي حيان (٢ / ٣٨٩).

(٤) انظر : الكتاب الموضح في وجوه القراءات وعللها ، للإمام نصر بن علي الشيرازي (١ / ٣٦٠) ، والمبسوط ص (١٤٠). ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (١ / ٣٧٣). وقال ابن مجاهد : والمعروف عن عاصم (الم* اللهُ) موصولة. وحفص عن عاصم (الم* اللهُ) مفتوحة الميم غير مهموزة الألف. انظر السبعة ص (٢٠٠) وقال الزّجّاج : والمضبوط عن عاصم في رواية أبي بكر بن عيّاش وأبي عمرو فتح الميم. انظر : معاني القرآن وإعرابه للزجاج (١ / ٣٧٣).

(٥) انظر : إعراب القرآن للنحاس (١ / ٣٠٧ ـ ٣٠٨). ومعاني القرآن للفرّاء (١ / ٩).

٤٠٢

مضمر ، ودلّ على المحذوف منه قوله : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ)(١) فصار كقوله : (الم* ذلِكَ الْكِتابُ) وقال بعضهم : (الم) مبتدأ وخبره (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ)(٢) ، ونسب تعالى التنزيل إلى الحروف ، تنبيها أنه منها ، وأن عجزكم عن الإتيان بمثله (٣) دلالة لكم أنه كلام الله دون كلام الخلق. وقد تقدّم أن أهل اللغة قالوا : الكتاب سمّي لكتب الحروف بعضها إلى بعض ، أي ضمّها. وقيل : سمّي المعنى الثابت كتابا تشبيها بالمكتوب (٤) ، وعلى هذا قوله تعالى : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي

__________________

(١) انظر : المحرر الوجيز لابن عطية (٣ / ٦). والبحر المحيط (٢ / ٣٩١).

(٢) ذكر العكبري ثلاثة أوجه في إعراب قوله تعالى : الم أحدها : الجر على القسم. والثاني النصب. والوجه الثالث «موضعها رفع بأنها مبتدأ وما بعدها الخبر». وهو ما أشار إليه الراغب ، انظر : إملاء ما منّ به الرحمن (١ / ١٠). وقد ذكر النحاس هذا الوجه وهو الرفع واقتصر عليه ، انظر إعراب القرآن للنحاس (١ / ٣٥٤) وانظر : مشكل إعراب القرآن لمكي ابن أبي طالب (١ / ١٤٨) ، والبحر المحيط لأبي حيّان (٢ / ٣٩٢) ، والدر المصون للسمين الحلبي (٣ / ٦).

(٣) انظر : جامع البيان لابن جرير الطبري (١ / ٢٠٩).

(٤) انظر : مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني ص (٦٩٨) وما ذكره الراغب عند قوله تعالى : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) في تفسيره ق (١١ مخطوط).

٤٠٣

كِتابٍ)(١) ، ويقال : لكل موجب كتاب (٢). /

وروي أنه نزل ذلك في وفد نجران (٣) الذين أتوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤) ، فخاصموا في عيسى عليه الصلاة والسّلام ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألستم تعلمون أن الله حيّ لا يموت ، وأن عيسى يموت ، وأن الله لا يخفى عليه شيء ، وقد كان عيسى يخفى عليه أشياء ، وأن عيسى صوّر في الرحم كيف شاء الله؟» ـ نبههم بذلك أنه لا يصحّ أن يكون عيسى مع كونه بهذه الصفات إلها ـ فأنزل الله تعالى الآية (٥).

__________________

(١) سورة الحديد ، الآية : ٢٢.

(٢) انظر : العين للخليل بن أحمد (٥ / ٣٤١) ، ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس (٥ / ١٥٨ ـ ١٥٩) والمفردات ص (٦٩٩ ـ ٧٠٢).

(٣) نجران : مدينة بالحجاز من شق اليمن ، سميت بنجران بن زيد بن يشجب ابن يعرب وهو أول من نزلها. وتقع جنوب المملكة العربية السعودية على مسافة (٩١٠) أكيال جنوب شرقي مكة. انظر : معجم ما استعجم (٤ / ١٢٩٨) ، والمعالم الأثيرة في السنة والسيرة لمحمد شرّاب ص (٢٨٦).

(٤) وذلك عام الوفود في السنة التاسعة من الهجرة ، وكانوا نحوا من ستين رجلا. انظر : السيرة النبوية لابن هشام (٢ / ٢٥٤) ، البداية والنهاية لابن كثير (٥ / ٤٨).

(٥) أخرجه ابن جرير الطبري في جامع البيان (٦ / ١٥٤) ، وابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم (٢ / ٥٨٧) عن الربيع وساق القصة ، وعزاه السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٥) إلى ابن جرير وابن أبي حاتم. وهذا إسناد

٤٠٤

فقوله : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ)(١) ليس بدعوى يحتاج فيها إلى دلالة من خارج ، بل هو في نفسه دلالة لازمة وحجة واضحة ، فإن معنى قوله : (اللهُ) أي هو الذي يحقّ له العبادة ، أي الذي تأله الأشياء إليه (٢) ، وكان الكفار يقولون : الأشياء ثلاثة : عابد غير معبود ، ومعبود عابد ، ومعبود غير عابد ؛ وهو الله تعالى.

فبيّن تعالى بهذا أن المستحق للعبادة على الإطلاق هو الذي لا إله إلا هو ، وأكّد ذلك بقوله : (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) ، والحيّ في صفات الله معناه الذي لا يجوز عليه الموت ، وبه حياة كلّ حي ، وإذا استعمل في غيره فعلى معنى قبول الحياة منه تعالى (٣). والقيّوم : هو القائم بحفظ كل شيء ، والمعطي له ما به قوامه (٤) ، وهو المعنى المذكور

__________________

ـ مرسل. وأما سياق قصة وفد نجران فسيأتي ذكره عند قول الله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ) الآية ٥٩ من سورة آل عمران.

(١) سورة آل عمران ، الآية : ٢.

(٢) أي تفزع إليه وتلوذ به. انظر : معجم مقاييس اللغة لابن فارس (١ / ١٢٦) ، والمفردات ص (٨٢ ، ٨٣) ، وانظر : لمعنى [الإله] لسان العرب لابن منظور مادة [أله] (١٣ / ٤٦٨) ، والقاموس المحيط للفيروزآبادي ص (١٦٠٣).

(٣) انظر : تفسير جامع البيان للطبري (٦ / ١٥٦) ، والمفردات ص (٢٦٩) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٢٩١).

(٤) انظر : مجاز القرآن لأبي عبيدة (١ / ٧٨) ، جامع البيان للطبري (٦ / ١٥٧) ،

٤٠٥

في قوله تعالى : (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى)(١) ، وقوله : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ)(٢).

والحقّ أبلغ من الصدق ، لأن كل صدق حقّ ، وليس كلّ حقّ صدقا (٣) ، ويتناول الأحكام والواجبات من حقوق الله وحقوق الناس. والصدق من أخبار الأمم السالفة والآنفة ، والحقّ الذي هو الجدّ. والتوراة عند الكوفيين تفعلة (٤) وليس في كلام العرب تفعلة بوجه ، وإنما هو تفعلة نحو تتفلة (٥) وتفعلة نحو تكرمة (٦).

__________________

ـ معاني القرآن للزجاج (١ / ٣٧٤) ، المفردات ص (٦٩١) ، زاد المسير لابن الجوزي (١ / ٣٠٢).

(١) سورة طه ، الآية : ٥٠.

(٢) سورة الرعد ، الآية : ٣٣.

(٣) انظر : المفردات ص (٤٧٨).

(٤) انظر : المحرر الوجيز (٣ / ١٠) ، والتفسير الكبير للرازي (٧ / ٣٨). وانظر رأي الكوفيين في : معاني القرآن للزّجّاج (١ / ٣٧٤ ـ ٣٧٥) ، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (٤ / ٥).

(٥) في الأصل : تفعلة وهو تصحيف والصواب ما أثبته.

(٦) ما ذكره من خلو كلام العرب من وزن «تفعلة» يعارضه ما ذكره سيبويه حيث قال : «ويكون على تفعلة وهو قليل ، قالوا : «تتفلة». انظر كتاب سيبويه (٤ / ٢٧١). كما أن حصره أوزان هذه الحروف متوالية في الوزنين الذين ذكرهما لا يؤيده واقع اللغة ، فقد ذكر سيبويه في الكتاب (٢ / ٢٧١) من

٤٠٦

وقيل : أصله تفعلة ، فعدل عن الكسرة إلى الفتحة (١).

وعند البصريين هي فوعلة نحو : حوقلة ، وصومعة. فأبدل من الواو تاء ، كما أبدل في توصية وتيقور (٢) من الوقار (٣).

والإنجيل : إفعيل من النجل ، والنجل مستعمل في الأصل وفي الولد (٤).

__________________

ـ ذلك أربعة أوزان ، وذكر الفيروزآبادي في القاموس مادة «تفل» أن في التتفل والتتفلة سبع لغات ، وقد ذكر الفتح أيضا ابن سيده في المخصص (١٦ / ١١٠).

(١) هذا أحد الوجهين الذين ذكرا عن الكوفيين ، وذلك كما قالوا في جارية : جاراة ، وفي ناصية : ناصاة. انظر : كتاب سيبويه (٢ / ٢٧١) ، والمخصّص (١٦ / ١١٠) ، والقاموس مادة «تفل».

(٢) انظر : كتاب سيبويه (٤ / ٣٣٢ ـ ٣٣٣). والقاموس مادة «وقر».

(٣) انظر مذهب البصريين في : معاني القرآن للزّجاج (١ / ٣٧٥) ، وسر صناعة الإعراب ص (١٤٦) ، والزاهر للأنباري (١ / ١٦٨).

(٤) انظر : العين للخليل (٦ / ١٢٤) ، ومعاني القرآن للزّجاج (١ / ٣٧٥) ، ومعجم مقاييس اللغة (٥ / ٣٩٦) ، والمحرر الوجيز (٣ / ١١) ، وزاد المسير لابن الجوزي (١ / ٣٤٩) ، والتفسير الكبير (٧ / ١٣٨). ويرى بعض أهل اللغة أن «الإنجيل» مما عرّبته العرب وليس بمشتق ، وإنما هو لفظ سرياني. انظر : المعرب للجواليقي ص (١٢٣) ، والكشاف (١ / ٣٣٥) ، وشفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل للخفاجي ص (٤٨).

٤٠٧

إن قيل : لم قال : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ؟) قيل : قد يقال : (نزّل) و (أنزل) بمعنى. لكن خصّ الكتاب بالتنزيل لأمرين :

أحدهما : أن هذا الكتاب لما كان حكمه مؤبدا ، والتنزيل بناء المبالغة خصّ به تنبيها على هذا المعنى ، وليس ذلك حكم الكتابين قبل.

والثاني : أن هذا الكتاب أنزل شيئا فشيئا ، والكتابين أنزل كل واحد منهما جملة (١).

وقوله : (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) يعني الكتب المتقدمة (٢) ، وخصّ التوراة والإنجيل / بالذكر ، وإن كانا قد دخلا في عموم ما بين يديه تشريفا لهما.

و (مُصَدِّقاً) حال للمنزّل أو للمنزّل (٣).

__________________

(١) وهذا قول كثير من المفسرين ، انظر : الوسيط للواحدي (١ / ٤١٢).

والكشاف للزمخشري (١ / ٣٣٦). وزاد المسير (١ / ٣٤٩) ، والتفسير الكبير (٧ / ١٣٦). وقد ردّ هذا القول أبو حيان في البحر المحيط (٢ / ٣٩٣) والطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير (٣ / ١٤٧ ـ ١٤٨).

(٢) انظر : جامع البيان (٦ / ١٦١) ، والوسيط (١ / ٤١٢) ، والمحرر الوجيز (٣ / ١٠) ، والتفسير الكبير (٧ / ١٣٧) ، والتحرير والتنوير (٣ / ١٤٨).

(٣) انظر : المحرر الوجيز (٣ / ٩) ، والبحر المحيط (٢ / ٣٩٢). وقيل : انتصاب مصدقا على أنه بدل من موضع «بالحق». وقيل : حال من الضمير المجرور. انظر البحر الموضع السابق.

٤٠٨

وقوله : (وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ)(١) أي أنزل في كتبه ما يفرّق به بين الحقّ والباطل في الاعتقادات ، والخير والشرّ في الأفعال ، نحو قوله : (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ)(٢) وكلّ كتاب لله فرقان (٣) ، وقيل : الفرقان مخصوص به القرآن خاصة (٤) ، وتخصيصه بالذكر بعد ما تقدّم تنبيه على إثبات المعنيين له (٥) ، كقوله تعالى : (وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ)(٦).

إن قيل : كيف يكون القرآن مصدّقا لما بين يديه ، وهو ناسخ

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية : ٤.

(٢) سورة النحل ، الآية : ٨٩.

(٣) وهو ما ذهب إليه الزمخشري وأبو حيان. انظر : الكشاف (١ / ٣٣٦) ، والبحر المحيط (٢ / ٣٩٤).

(٤) وهو قول قتادة والربيع ، كما في جامع البيان (٦ / ١٦٣) وزاد المسير (١ / ٣٥٠) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٣٢٥). واختاره الواحدي والطاهر بن عاشور. انظر : الوسيط (١ / ٤١٢) ، التحرير والتنوير (٣ / ١٥٠). وردّ هذا القول ابن جرير الطبري واختار أن يكون معنى الفرقان في هذا الموضع : فصل الله بين نبيّه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والذين حاجّوه في أمر عيسى ، وفي غير ذلك من أموره. انظر : جامع البيان (٦ / ١٦٤) وهو ما ذهب إليه ابن إسحاق ، كما رواه عنه ابن المنذر في تفسيره.

انظر : تفسير ابن المنذر المخطوط بهامش تفسير ابن أبي حاتم (ق ٤).

(٥) والمعنيان هما : الهدى والفرق بين الحق والباطل.

(٦) سورة البقرة ، الآية : ١٨٥.

٤٠٩

لعامة أحكامه؟

قيل : تصديقه إياه تحقيقه أنه من جهة الله ، ومطابقته إياه في كونه داعيا إلى التوحيد وفعل الخير ونحو ذلك ، وإلى أنواع العبادات دون قدرها وهيكلها وكيف إيقاعها (١).

قوله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ)(٢).

لم يعن بآيات الله كتابه فقط ، بل كل آية دالة عليه : عقلية كانت أم سمعية ، ففي كلّ شيء له عبرة (٣) ، ونبّه أنه لا يتهيّأ لأحد منعه من عذاب من أراد.

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ* هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ

__________________

(١) أورد الرازي هذا التساؤل ، وأجاب عنه بنحو ما قال الراغب ، إلا أنه زاد فقال : «إذا كانت الكتب مبشرة بالقرآن وبالرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ودالّة على أن أحكامها تثبت إلى حين بعثه ، وأنها تصير منسوخة عند نزول القرآن ، كانت موافقة للقرآن ، وكان القرآن مصدّقا لها». انظر : التفسير الكبير (٧ / ١٣٧).

(٢) سورة آل عمران ، الآية : ٤.

(٣) انظر : جامع البيان (٦ / ١٦٤) ، والكشاف (١ / ٣٣٦) ، والبحر المحيط (٢ / ٣٩٤).

٤١٠

الْحَكِيمُ)(١).

الصورة من صيّرته أي أحلته ، وهي هيئة معقولة أو محسوسة (٢). والصبغة نحوها (٣) ، إلا أن أكثر ما يستعمل في المحسوسة. إن قيل : كيف قال في موضع : (وَصَوَّرَكُمْ)(٤) على لفظ الماضي ، وقال هاهنا بلفظ الاستقبال؟ قيل : أما أولا فلا اعتبار بالأزمنة في أفعاله تعالى ، وإنما استعمال الألفاظ فيه الدالة على الأزمنة بحسب اللغات ، وأيضا فقوله : صوّركم إنما هو على سبيل التقدير ، وأن فعله تعالى في حكم ما قد فرغ منه ، كقوله : (أَتى أَمْرُ اللهِ)(٥) ، وقوله : يصوّر على حسب ما يظهر لنا حالا ، فحالا (٦) ،

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآيتان : ٥ ، ٦.

(٢) قال في المفردات : الصورة ... ضربان : أحدهما : محسوس يدركه الخاصة والعامة ، بل يدركه الإنسان وكثير من الحيوان كصورة الإنسان والفرس. والثاني : معقول يدركه الخاصة دون العامة ، كالصورة التي اختصّ بها الإنسان من العقل والرّويّة. انظر : المفردات ص (٤٩٧) باختصار ، وانظر : معجم مقاييس اللغة (٣ / ٣٢٠).

(٣) انظر معنى الصبغة : عند تفسير الراغب للآية (١٣٨) من سورة البقرة ق (١٠١ ـ مخطوط) ، والمفردات ص (٤٧٥) ، وتاج العروس للزبيدي (٢٢ / ٥١٦).

(٤) سورة غافر ، الآية : ٦٤.

(٥) سورة النحل ، الآية : ١.

(٦) نقل أبو حيان هذه الفقرة كاملة ، ونسبها إلى الراغب ، انظر : البحر المحيط

٤١١

إن قيل : لم قال : (لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ)(١) ولم يقل : هو عالم بكل شيء؟ قيل : لأن الوصف بأنه «لا يخفى عليه شيء» أبلغ من قوله «يعلم» في الأصل (٢) ، وإن كان استعمال اللفظتين فيه يفيدان معنى واحدا ، وتخصيص الأرض والسماء لكون ذكرهما أهول بالإضافة إلينا ، وفيه دلالة على كل شيء (٣) ، وإنما كرّر قوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) لأنه لما ذكر ما تقدم دليلا على كون عيسى مخلوقا ، وكونه تعالى خالقا نبّه بقوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أن لا / معبود سواه (٤) ، وأنه العزيز في نقمته ، الحكيم في أمره ، لا حاجة به إلى ولد ، ولا حكمة تقتضي ذلك.

قوله عزوجل : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ)(٥).

__________________

ـ (٢ / ٣٩٥).

(١) سورة آل عمران ، الآية : ٥.

(٢) لعله يقصد بالأصل الدلالة على الحقيقة وعدم احتمال إرادة غيرها.

(٣) انظر : الكشاف (١ / ٣٣٦) ، والبحر المحيط (٢ / ٣٩٥) ، والتحرير والتنوير (٣ / ١٥١).

(٤) انظر : جامع البيان (٦ / ١٦٨) ، والبحر المحيط (٢ / ٣٩٦).

(٥) سورة آل عمران ، الآية : ٧.

٤١٢

الزيغ : الميل عن الاستقامة إلى أحد الجانبين ، ومنه زاغ البصر ، وزاغت الشمس عن كبد السماء ، وزاغ قلبه (١) ، وزاغ وزال وما [ل](٢) تتقارب ، لكن زاغ لا تقال إلا فيما كان عن حقّ إلى باطل (٣) ، والتأويل : آخر الشيء ومآله (٤) ، وقد تقدم الفرق بينه وبين التفسير (٥).

والمحكم قد وصف به القرآن على وجهين :

أحدهما : عام في جميعه ، نحو (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ)(٦) وقوله : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ)(٧) ويعني بذلك المتقن ، نحو : بناء محكم ، وعقد محكم.

والثاني : ما وصف به بعض الكتاب المذكور في قوله : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) وهو ما لا يصعب على العالم معرفته لفظا أو معنى ،

__________________

(١) انظر : العين (٤ / ٤٣٤) ، ومعجم مقاييس اللغة (٣ / ٤٠ ـ ٤١) ، والمخصص (٩ / ٢٥) ، والمفردات ص (٣٨٧).

(٢) ساقطة من الأصل والتصويب من تاج العروس (٢٢ / ٤٩٧).

(٣) نقل الزبيدي هذه الفقرة عن الراغب. انظر : تاج العروس (٢٢ / ٤٩٧).

(٤) انظر : العين للخليل ابن أحمد (٨ / ٣٦٩) ، ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس (١ / ١٦٢) ، والصاحبي لابن فارس ص (٣١٤ ـ ٣١٥).

(٥) انظر مقدمة جامع التفاسير : للراغب بتحقيق : د. أحمد حسن فرحات ص ٤٧ ، حيث عقد الراغب فصلا في الفرق بين التفسير والتأويل.

(٦) سورة هود ، الآية : ١.

(٧) سورة يونس ، الآية : ١.

٤١٣

وقيل : ما لا يحتاج العالم في معرفته إلى تكلّف نظر ، وعكسه المتشابه (١) ، والكلام في أحوال المحكم والمتشابه مشكل (٢) ، ولا بدّ من إيراد جملة ينكشف بها ذلك ، فيقال وبالله التوفيق : الكلام من جهة الإحكام والتشابه على ضربين :

أحدهما : ما يرجع إلى ذات المحكم والمتشابه في نفسه.

والثاني : ما يرجع إلى أمر ما يعرض لهما. فالأول على أربعة أضرب :

أحدها : محكم من جهة اللفظ والمعنى ، نحو قوله تعالى : (تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ)(٣). (٤)

__________________

(١) القولان متقاربان من حيث المعنى ، فما لا يصعب على العالم معرفته لا يحتاج فيه إلى تكلف نظر ، وهذا القول نسبه الطبري إلى جابر بن عبد الله بن رئاب ، وقال عنه : إنه أشبه بتأويل الآية ، وخلاصته أن المحكم ما عرف العلماء تأويله ، وفهموا معناه وتفسيره ، والمتشابه بعكس ذلك. انظر : جامع البيان (٦ / ١٧٩).

(٢) وذلك لاختلاف عبارات السلف في تحديد معنى المحكم والمتشابه. انظر : جامع البيان (٦ / ١٧٤ وما بعدها) ، زاد المسير (١ / ٣٥٠) ، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٣٢٦).

(٣) سورة الأنعام ، الآية : ١٥١.

(٤) فسّر ابن عباس قوله تعالى : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) بقوله : هي الثلاث الآيات من ههنا (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) إلى ثلاث آيات. والتي في بني إسرائيل (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)

٤١٤

الثاني : متشابه من جهتيهما ، نحو قوله : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ)(١). (٢)

والثالث : متشابه في اللفظ محكم في المعنى ، نحو قوله : (وَجاءَ رَبُّكَ)(٣). (٤)

__________________

ـ إلى آخر الآيات. انظر : جامع البيان (٦ / ١٧٤). وأخرجه عبد بن حميد في تفسيره بسنده عن ابن عباس. انظر : تفسير عبد بن حميد المخطوط (ق ٥). وابن أبي حاتم في تفسيره (٢ / ٥٩٢). وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر. انظر : الدر المنثور (٢ / ٦) ولم أقف عليه في القسم الذي وصلنا من تفسير ابن المنذر.

(١) سورة الأنعام ، الآية : ١٢٥.

(٢) الصحيح أن هذه الآية ليست من المتشابه ، فمعناها معلوم ، ولفظها ظاهر ، قال ابن كثير في تفسيره لها : يقول تعالى : يوسّع قلبه للتوحيد والإيمان به ، وكذا قال أبو مالك وغير واحد ، وهو ظاهر. انظر : تفسير القرآن العظيم (٢ / ١٦٦) وانظر : جامع البيان (١٢ / ٩٨) ، وتفسير أبي المظفر السمعاني (٢ / ١٤٢).

(٣) سورة الفجر ، الآية : ٢٢.

(٤) يثبت أهل السنة والجماعة أن الله يجيء يوم القيامة ، كما قال تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) انظر : «عقيدة السلف وأصحاب الحديث» للصابوني (ص ١٩) و «الحجة في بيان المحجة» لقوام السنة (٢ / ١٢٤) و «الرد على الجهميّة» للدارمي (ص ٧٢) ؛ «رسالة إلى أهل الثغر» للأشعري (ص ٢٢٧) ، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (٥ / ٩١) ، (٥ / ٣٩١). وعلى ـ

٤١٥

والرابع : متشابه في المعنى محكم في اللفظ ، نحو : الساعة ، والملائكة.

وقد تجعل هذه الأقسام ثلاثة : أحدها : محكم على الإطلاق ، ومتشابه على الإطلاق (١) ، ومحكم من وجه. والمتشابه ضربان : أحدهما : من جهة اللفظ ، والآخر : من جهة المعنى ، والمتشابه من جهة اللفظ ضربان : أحدهما : يرجع إلى مفردات الألفاظ ، وذلك إما من جهة غرابة اللفظ ، نحو (الأبّ) (٢) ونحو (يَزِفُّونَ)(٣) ،

__________________

هذا فلفظ الآية محكم كما هو معناها.

(١) هذا الكلام قد يوهم بأن الراغب يرى أن في القرآن ما لا يعلم معناه على الإطلاق بسبب كونه متشابها من جهة اللفظ والمعنى ، والصحيح أنه لا يرى ذلك ، فقد بين في مواضع أخرى : أن المتشابه ما أشكل تفسيره لمشابهته بغيره ، إما من حيث اللفظ أو من حيث المعنى ، وأنه ما يعلم معناه مجملا لا مفصلا ؛ كعلم الساعة ، وخروج الدابة وكيفيتها. انظر : مقدمة جامع التفاسير ص (٨٧) والمفردات ص (٤٤٤).

(٢) كما في قوله تعالى : وَفاكِهَةً وَأَبًّا [عبس : ٣١]. والأبّ : المرعى المتهيىء للرعي والجز. انظر : جمهرة اللغة لابن دريد (١ / ١٣) ، ومجمل اللغة ص (٣٧) والمفردات ص (٥٩).

(٣) كما في قوله تعالى : (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) [الصافات : ٩٤]. قال أبو عبيدة : تقول العرب للنعامة : تزفّ ، وهو أول عدوها ، وآخر مشيها ، وجاءني الرجل يزفّ زفيف النعامة أي من شدة سرعته. انظر : مجاز القرآن (٢ / ١٧١) ، ومعاني القرآن للزجاج (٤ / ٣٠٩) والمفردات ص (٣٨٠).

٤١٦

وإما من تشارك في اللفظ : كاليد والعين والوجه. الثاني : يرجع إلى جملة الكلام المركب / ، وذلك ثلاثة أضرب :

أحدها : اختصار الكلام نحو (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ)(١). والثاني : تطويله نحو (كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٢). والثالث : إغلاق نظمه ، نحو : (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً* قَيِّماً)(٣).

والمتشابه من جهة المعنى ضربان :

أحدها : دقة المعنى ، كأوصاف الباري تعالى (٤) ، وأوصاف

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ٣.

(٢) سورة الشورى ، الآية : ١١. وذلك لاجتماع الكاف الدالة على التشبيه مع كلمة : مثله الدالة على نفس المعنى ، ولم يقل ليس مثله شيء. انظر : المفردات ص (٤٤٤) ، ومقدمة جامع التفاسير ص (٣٧).

(٣) سورة الكهف ، الآيتان : ١ ـ ٢. قال الراغب : تقديره : الكتاب قيّما ولم يجعل له عوجا. انظر : المفردات ص (٤٤٤).

(٤) صفات الله عزوجل ليست من المتشابه الذي لا يعلم معناه ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك : «من قال : إن هذا من المتشابه ، وإنه لا يفهم معناه. فنقول : أما الدليل على بطلان ذلك : فإني ما أعلم عن أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة ؛ لا أحمد بن حنبل ولا غيره أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل في هذه الآية ، ونفى أن يعلم أحد معناه ، وجعلوا أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجمي الذي لا يفهم ، ولا قالوا : إن الله ينزل كلاما لا

٤١٧

القيامة (١). والثاني : ترك الترتيب ، نحو قوله : (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ) إلى قوله : (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا)(٢).

__________________

ـ يفهم أحد معناه ، وإنما قالوا : كلمات لها معان صحيحة» انظر : مجموع الفتاوى (١٣ / ٢٩٤). وقال في موضع آخر : «والصواب ما عليه أئمة الهدى ، وهو أن يوصف الله بما وصف به نفسه ، أو وصفه به رسوله ، لا يتجاوز القرآن والحديث ، ويتّبع في ذلك سبيل السلف الماضين أهل العلم والإيمان ، والمعاني المفهومة من الكتاب والسنة لا ترد بالشبهات ... فهذا أحد الوجهين ، وهو منع أن تكون هذه من المتشابه» مجموع الفتاوى (١٣ / ٣٠٥). وانظر : الصواعق المرسلة (٣ / ٧٩٥) ، ومنهج دراسات لآيات الأسماء والصفات (ص ٢٣) ، ومنهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد (٢ / ٤٨٨) ؛ وموقف المتكلمين من الاستدلال بنصوص الكتاب والسنّة (١ / ٤١٣) ، ومذهب أهل التفويض (ص ٣٠٦) ، وموقف ابن تيميّة من الأشاعرة (٣ / ١١٢٢).

(١) أوصاف القيامة الواردة في الكتاب والسنة يجب الإيمان بوقوعها حقيقة دون تأويل أو تفويض أو تحريف ، وإن كانت الكيفية التي تحدث بها غير معلومة لنا ، لأن أمور الآخرة لا تقاس على أمور الدنيا. ولذا فإن «مجيء ما أخبر القرآن بوقوعه من القيامة وأشراطها : كالدابة ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ومجيء ربك والملك صفّا صفّا ، وما في الآخرة من الصحف والموازين والجنة والنار وأنواع النعيم والعذاب وغير ذلك» هو تأويل ما أخبر الله به من أوصاف القيامة. انظر : مجموع الفتاوى (١٣ / ٢٧٨) وشرح العقيدة الطحاوية ص (٢٢٢ ، ٢٩٧).

(٢) سورة الفتح ، الآية : ٢٥. وترك الترتيب هنا أنه أخّر قوله : (تَطَؤُهُمْ)

٤١٨

وما يرجع إلى اللفظ والمعنى معا ، فأقسامه بحسب تركيب بعض وجوه اللفظ مع بعض وجوه المعنى ، نحو : غرابة اللفظ مع دقة المعنى ، وذلك ستة أقسام ، وأما المتشابه من جهة ما يعرض للفظ فخمسة أقسام : أحدها : من جهة الكمية : كالعموم والخصوص (١) ، والثاني : من طريق الكيفية : كالوجوب والندب (٢) ، والثالث : من جهة الزمان : كالناسخ والمنسوخ (٣) ، والرابع : من جهة المكان : كالمواضع ، والأمور التي نزلت فيها ، نحو قوله : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها)(٤) ، وقوله : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ)(٥) ، فإنه يحتاج في معرفة ذلك

__________________

ـ في التلاوة مع أنها مقدمة في التقدير. قال ابن جرير الطبري : معنى الكلام : ولو لا أن تطئوا رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموهم ، فتصيبكم منهم معرّة بغير علم ، لأذن الله لكم أيها المؤمنون في دخول مكة. انظر : جامع البيان (٢٢ / ٢٥٠).

(١) مثّل الراغب لذلك بقوله تعالى : فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التوبة : ٥]. انظر : المفردات ص (٤٤٤).

(٢) مثّل الراغب لذلك بقوله تعالى : فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ [النساء : ٣]. المفردات ص (٤٤٤).

(٣) مثّل الراغب لذلك بقوله تعالى : اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ [آل عمران : ١٠٢]. المفردات ص (٤٤٤).

(٤) سورة البقرة ، الآية : ١٨٩.

(٥) سورة التوبة ، الآية : ٣٧.

٤١٩

إلى معرفة عادتهم في الجاهلية (١) ، والخامس : من جهة الإضافة ، وهي الشروط التي بها يصح الفعل أو يفسد : كشروط العبادات والأنكحة (٢) ، وهذه الجملة من المحكم والمتشابه إذ تصوّرت علم أن جميع ما يذكره المفسرون لا يخرج منها ، نحو قول من قال : المتشابه نحو (الم) وما أشبهه (٣) ، وقول مجاهد (٤) : المحكم ما فيه الحلال والحرام ، والمتشابه ما سواه (٥). وقول

__________________

(١) أعاد الراغب ذكر هذين المثالين في المفردات ص (٤٤٤).

(٢) كرّر الراغب ذكر هذا القسم في المفردات ص (٤٤٤).

(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم (٢ / ٥٩٤) بسنده عن مقاتل ، ونسبه لمقاتل أيضا ابن كثير في تفسير القرآن العظيم (١ / ٣٢٦) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٧) ، وعزاه لابن أبي حاتم عن مقاتل.

(٤) مجاهد بن جبر المكي أبو الحجاج المقرئ المفسر الإمام ، ثقة إمام في التفسير وفي العلم ، أخذ التفسير عن ابن عباس ، روى عن أبي هريرة وجابر وابن عمر وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم ، ولد بمكة سنة ٢١ ه‍ وتوفي بالكوفة سنة ١٠٤ ه‍. انظر : سير أعلام النبلاء (٤ / ٤٤٩) ، تهذيب التهذيب (١٠ / ٤٢) ، تقريب التهذيب ص (٥٢٠) ، طبقات المفسرين (٢ / ٣٠٥).

(٥) أخرجه ابن جرير الطبري في جامع البيان (٦ / ١٧٧) ، وابن خيرون في «تفسير مجاهد» ص (٢٤٨) ، وابن المنذر في تفسيره (ق ٥ ـ مخطوط). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (١ / ٣٥٠) ، والسيوطي في الدر المنثور (٢ / ٧).

٤٢٠