محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-106-0
الصفحات: ٤٩٣
المطلب الثاني : فيّ شروط القصر ، وهي ستة .
الأوّل : ربط القصد بمقصد معلوم ، فلا يقصر الهائم وطالب الآبق ومستقبل المسافر ، إذا جوّز الظفر بالحاجة قبل المسافة وان تمادوا في السفر ، لان للسفر تأثيراً في العبادة فلا بُدّ من نيّته كما تجب النيّة في العبادة ، ولان المعتبر السفر الىٰ مسافة وهو غير معلوم هنا ، فلا يترك لاجله المعلوم من اتمام العبادة .
وسأل صفوان الرضا علیهالسلام في الرجل يريد ان يلحق رجلاً علىٰ رأس ميل ، فلم يزل يتبعه حتىٰ بلغ النهروان ، قال : « لا يقصر ولا يفطر ، لانه لم يرد السفر ثمانية فراسخ ، وانما خرج ليلتحق بأخيه فتمادىٰ به السير » (١) .
والاسير في أيدي المشركين ، والمأخوذ ظلماً ، ان عرف مقصدهم وقصده ترخّص . وان غلب علىٰ ظنه بقاء الاستيلاء فكذلك اذا كان مقصدهم مسافة . وان احتمل الأمرين ، أو جهل مقصدهم ، لم يترخّص . وكذا العبد مع السيد ، والزوجة مع الزوج ، والولد مع الوالد .
ولو جوّز العبد العتق ، والزوجة الطلاق ، وعزما على الرجوع متىٰ حصلا فلا يترخص . قاله الفاضل (٢) ، وهو قريب ان حصلت امارة لذلك (٣) وإلّا فالظاهر البناء علىٰ بقاء الاستيلاء ، وعدم دفعه بالاحتمال البعيد .
ولو بلغه خبر عبده ، أو غائبه في بلد يبلغ مسافة ، فقصده جزماً ، فلمّا
__________________
(١) التهذيب ٤ : ٢٢٥ ح ٦٦٢ ، الاستبصار ١ : ٢٢٧ ح ٨٠٦ ، وفي سؤال الراوي : حتىٰ بلغ النهروان ، وهي اربعة فراسخ من بغداد ، ايفطر اذا اراد الرجوع ويقصر ؟
(٢) نهاية الاحكام ٢ : ١٧١ .
(٣) في م : كذلك .
كان في اثناء الطريق نوىٰ الرجوع ان ظفر به قبل البلد ، فهو حينئذ في حكم الراجع عن السفر ، فان كان قد قطع مسافةً لم يخرج عن السفر ، وإلّا خرج .
ومنتظر الرفقة علىٰ حدّ المسافة يقصّر الىٰ ثلاثين يوماً .
وعلىٰ اقل منها ، وهو جازم بالسفر من دونها ، مقصّر إذا كان في محل الترخّص .
وان علّق سفره عليها ، وعلم أو غلب علىٰ ظنّه وصولها ، فكالجازم بالسفر من دونها .
وان انتفىٰ العلم وغلبة الظن أتمّ . وكذا لو كان توقّفه في محل التمام ، كالذي لم يتجاوز رؤية الجدار وسماع الأذان .
ولو قصد ما دون المسافة ثم قصد كذلك لم يترخص ، وان تمادىٰ في السفر .
وكل هؤلاء يقصرون في العود اذا بلغ السفر مسافة .
الشرط الثاني : استمرار القصد . فلو قصد المسافة ثم رجع عن قصده ، فان كان بعد بلوغ المسافة فلا أثر له ما لم ينو المقام عشراً أو يصل الىٰ بلده ، وإن نوىٰ الرجوع قبل بلوغ المسافة أتمّ . وكذا لو تردّد عزمه في الذهاب والرجوع .
فلو كان قد صلّىٰ قصراً ، فالاصح انه لا يعيد ، للامتثال ، سواء كان الوقت باقياً أم لا .
وقال الشيخ في الاستبصار
: يعيد مع بقاء الوقت ، تعويلاً علىٰ رواية سليمان بن حفص المروزي قال : قال الفقيه : « التقصير في الصلاة في بريدين ، أو بريد ذاهباً وجائياً . فاذا خرج الرجل من منزله يريد اثنىٰ عشر ميلاً ، ثم بلغ فرسخين ، ورجع عما نوىٰ واراد المقام ، أتمّ . وان كان قصر ،
ثم رجع عن نيته ، أعاد الصلاة » (١) .
وانما فصّل الشيخ بالوقت وخروجه ، لرواية زرارة عن الصادق علیهالسلام في الرجل يخرج في سفره الذي يريده ، فيرجع عن سفره وقد صلىٰ ركعتين : « تمت صلاته » (٢) ، فجمع بينهما بذلك .
فرع :
لو تردّد عزم المسافر بعد بلوغ المسافة بين الاستمرار وبين الرجوع ، لم يؤثر في الترخص بل له ذلك . فلو تمادىٰ في سفره متردّداً ، ومضى عليه ثلاثون يوماً ، فهل يكون بمثابة من تردد وهو مقيم في المصر ؟ فيه نظر : من وجود حقيقة السفر فلا يضر التردّد ، ومن اخلال القصد .
ومن موانع الاستمرار أمران :
أحدهما : ان يقطع السفر بعزم اقامة عشرة ايام ، فمتىٰ عزم علىٰ ذلك أتمّ ، وهو منصوص عن علي علیهالسلام (٣) واهل بيته (٤) .
ولو علّقه بشرط ـ كلقاء رجل فلقيه ـ تحقق التمام ما لم يغيّر النية .
ولو علم أن حاجته لا تنقضي في اقل من عشرة ، وهو ناو قضاءها ، فكناوي المقام . ثم ان كان نيّة المقام علىٰ ما دون المسافة ، اشترط مسافة جديدة في خروجه منه ، وان كان علىٰ مسافة فكذلك ، غير انه يكتفي هنا بالرجوع في القصر .
__________________
(١) الاستبصار ١ : ٢٢٨ ، والحديث فيه برقم ٨٠٨ ، وفي التهذيب ٤ : ٢٢٦ ح ٦٦٤ .
(٢) الفقيه ١ : ٢٨١ ح ١٢٧٢ ، التهذيب ٤ : ٢٢٧ ح ٦٦٥ ، الاستبصار ١ : ٢٢٨ ح ٨٠٩ .
(٣) امالي الطوسي ١ : ٣٥٧ .
(٤) التهذيب ٤ : ٢٢٧ ح ٦٦٦ .
ولو نوى المسافة فصاعداً ، وفي نيّته المقام عشراً في اثنائها ، لم يقصر إلّا ان يكون ذلك القدر الذي قبل موضع المقام مسافة . ولا فرق بين كون نيّة المقام في بلد أو قرية أو حلة أو بادية ، ولا بين العازم علىٰ استمرار السفر بعد المقام وغيره .
والظاهر أن بعض اليوم لا يحسب بيوم كامل ، بل يلفق . فلو نوىٰ المقام عند الزوال ، اشترط ان ينتهي بزوال الحادي عشر منه . والاقرب انه لا يشترط عشرة أيام غير يومي الدخول والخروج ، لصدق العدد حينئذ .
ولو تردّد عزم المسافر علىٰ المقام والخروج ، قصّر الىٰ شهر في رواية ابي ولاد عن الصادق علیهالسلام (١) . وعن الباقر علیهالسلام : إلىٰ ثلاثين يوماً (٢) ، وهو الأقوىٰ ، لان المبيّن أولىٰ من المجمل بل هو مبني عليه .
ولو رجع عن نيّة المقام ، وكان قد صلى علىٰ التمام فرضاً ولو صلاة ، بقىٰ علىٰ التمام حتىٰ يخرج وإلّا قصّر ، رواه أبو ولاد عن الصادق علیهالسلام (٣) .
ويعارضه رواية حمزة بن عبد الله الجعفري ، وقد اقام بمكة ناوياً فاتمّ الصلاة ثم بدا له ، فسأل ابا الحسن علیهالسلام فقال : « ارجع الىٰ التقصير » (٤) وحمله الشيخ علىٰ ان الامر بالتقصير اذا خرج فصار مسافراً (٥) .
__________________
(١) الفقيه ١ : ٢٨٠ ح ١٢٧١ ، التهذيب ٣ : ٢٢١ ح ٥٥٣ ، الاستبصار ١ : ٢٣٨ ح ٨٥١ .
(٢) الكافي ٣ : ٤٣٦ ح ٣ ، التهذيب ٣ : ٢١٩ ح ٥٤٨ ، الاستبصار ١ : ٢٣٨ ح ٨٤٩ ، ولكن في الكافي والاستبصار عن أبي عبد الله ( علیهالسلام ) .
(٣) الفقيه ١ : ٢٨٠ ح ١٢٧١ ، التهذيب ٣ : ٢٢١ ح ٥٥٣ ، الاستبصار ١ : ٢٣٨ ح ٨٥١ .
(٤) الفقيه ١ : ٢٨٣ ح ١٢٨٦ ، التهذيب ٣ : ٢٢١ ح ٥٥٤ ، الاستبصار ١ : ٢٣٩ ح ٨٥٢ .
(٥) التهذيب ٣ : ٢٢٢ ، الاستبصار ١ : ٢٣٩ .
قلت : يمكن ان يقال هذا مختص بمكة وباقي الاماكن الاربعة ، لجواز التمام فيها بغير نيّة المقام ، وسيأتي بحثه .
وهنا فروع :
الأوّل : انه قيّد في الرواية بالفريضة (١) . فلو صلىٰ نافلة الزوال أو العصر فالاقرب ان له الرجوع ، لعدم الاسم المعلق عليه .
الثاني : أنّ الصلاة المؤداة تماماً ينبغي أن تكون بعد نية المقام . فلو صلّىٰ فرضاً تماماً ناسياً قبل نية المقام لم يعتد ، سواء خرج الوقت أوْ لا .
الثالث : لا ريب في تعلق الحكم بمن صلّىٰ فرضاً تماماً لأجل نيّة المقام .
فاذا كان في غير الأماكن الاربعة فالامر ظاهر .
وإن كان في احدها ، ونوىٰ الصلاة تماماً لاجل المقام ، فالحكم ثابت قطعاً ، وصورة السؤال في الرواية عمن نوىٰ الاقامة بالمدينة عشراً (٢) .
وان صلّى تماماً لشرف البقاع ، وذهل [ في ] تلك (٣) الحالة عن نيّة المقام ، ثم رجع بعد هذه الصلاة ، ففي اعتبارها عندي وجهان ، ومن قوله في الرواية « ان كنت صليت بها فريضة واحدة بتمام فليس لك ان تقصر » (٤)
__________________
(١) الفقيه ١ : ٢٨٠ ح ١٢٧١ ، التهذيب ٣ : ٢٢١ ح ٥٥٣ ، الاستبصار ١ : ٢٣٨ ح ٨٥١ .
(٢) الفقيه ١ : ٢٨٠ ح ١٢٧١ ، التهذيب ٣ : ٢٢١ ح ٥٥٣ ، الاستبصار ١ : ٢٣٨ ح ٨٥١ .
(٣) في نسخة « س » اشار بالزيادة علىٰ كلمة « تلك » والظاهر أنّ صحة العبارة علىٰ ما اثبت .
(٤) الفقيه ١ : ٢٨٠ ح ١٢٧١ ، التهذيب ٣ : ٢٢١ ح ٥٥٣ ، الاستبصار ١ : ٢٣٨ ح ٨٥١ .
والضمير في « بها » يعود إلىٰ المدينة فقد صدق الشرط ، ومن انّ هذه الصلاة قد كانت سائغة له بحكم البقعة وان صلاها علىٰ ذلك الحكم ، كما سبق في رواية حمزة (١) .
الرابع : لو نوىٰ ثم صلّىٰ بنيّة القصر ، ثم أتمّ أربعاً ناسياً ، ثم تذكر بعد الصلاة ونوىٰ الخروج ، فان كان في الوقت فكمن لم يصل لوجوب اعادتها . وإن كان قد خرج الوقت احتمل الاجتزاء بها لانها صلاة تمام مجزئة ، وعدمه لانه لم يقصد التمام .
الخامس : لو خرج الوقت ولما يصل عمداً أو نسياناً ، فللفاضل في الاجتزاء به وجهان ، ينظران الىٰ استقرارها في الذمة تماماً ، والىٰ عدم صدق فعلها .
ولو خرج الوقت لعذر مسقط ـ كالجنون والاغماء ـ فكن لم يصل (٢) .
السادس : لو شرع في الصوم ، فهل هو بحكم الصلاة ؟ يحتمل ذلك ، لانه أحد الامرين المرتبين علىٰ المقام ، وقد قال تعالىٰ : ( وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) (٣) . ويحتمل عدم اعتباره ، لانه لم يصل فريضة . والاول مختار الفاضل (٤) .
السابع : لو رجع في أثناء الصلاة ، حكم الشيخ ـ في المبسوط ـ بعدم عوده الىٰ التقصير حتىٰ يخرج مسافراً (٥) .
__________________
(١) التهذيب ٣ : ٢٢٢ ، الاستبصار ١ : ٢٣٩ .
(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ١٩٣ .
(٣) سورة محمد : ٣٣ .
(٤) تذكرة الفقهاء ١ : ١٩٣ .
(٥) المبسوط ١ : ١٣٩ .
وتردّد فيه المحقق (١) ، نظراً الىٰ افتتاح الصلاة وقد سبق الخبر بـ « انها علىٰ ما افتتحت عليه ، والىٰ عدم الاتيان بالشرط حقيقة .
وفصّل الفاضل : بتجاوز محل القصر فلا يرجع ، وبعدم تجاوزه (٢) . فيرجع ، لانه مع التجاوز يلزم من جواز الرجوع ابطال العمل المنهي عنه ، ومع عدم تجاوزه يصدق انه لم يصل بتمام .
وفي الجمع بين هذا التفصيل وبين فتواه بان الشروع في الصوم يلزم بالاتمام (٣) نظر ، لانه في كليهما لم يأت بمسمّىٰ الصيام والصلاة ، ومن حيث انّ الصوم لا ينعقد فرضه في السفر أصلاً ورأساً ، بخلاف الصلاة فإن الركعتين منعقدتان سفراً وحضراً ، فلم تقع المخالفة إلّا في الركعتين الاخيرتين ، فاذا لم يأت بهما فهو باق علىٰ القدر المشترك بين السفر والحضر .
وأمّا الصوم فقد فعل منه ما لا يتصور فعله في السفر ، فلا يجوز ابطاله بعد انعقاده . ويحتمل ان يقال ان كان رجوعه عن نيّته قبل الزوال صح الرجوع ، لانه لا يزيد علىٰ الافطار في الصوم لمن خرج مسافراً قبل الزوال ، وان كان بعده فلا رجوع ، كما لو خرج المسافر بعد الزوال فانه لا يباح له الافطار ، وهذا قوي .
الثامن : لو نوىٰ المسافر الاقامة عشراً في اثناء الصلاة قصراً ، اتمّها لوجود المقتضىٰ ، والنية الاُولىٰ بجملة الصلاة كافية ، فان الركعتين الاخيرتين تابعة للاوليين ، وقد روىٰ ذلك علي بن يقطين عن أبي
__________________
(١) الشرائع ١ : ١٣٦ .
(٢) نهاية الأحكام ٢ : ١٨٥ ومختلف الشيعة : ١٦٩ .
(٣) انظر نهاية الأحكام ٢ : ١٨٥ ـ ١٨٦ .
الحسن علیهالسلام (١) .
فلو نوىٰ الرجوع عن المقام بعد هذه الصلاة ، ففيه عندي وجهان :
أحدهما : جوازه ، لان ظاهر الرواية ان يكون جميع الصلاة التامة واقعاً قبل الرجوع عن نيته ، ولم يقع هنا جملة الصلاة .
وثانيهما : ـ وهو الاقرب ـ عدم اعتبار هذا الرجوع ، لصدق الصلاة تماماً ، والمؤثر في الحقيقة ليس إلّا القدر الزائد عن الركعتين الاوليين وقد حصل هنا .
المانع الثاني : أن يصل إلىٰ بلده ، أو بلد له فيه ملك قد استوطنه ستة أشهر ، فيتم حينئذ وان كان جازماً علىٰ السفر بعد قبل تخلّل عشرة ، رواه محمد بن اسماعيل بن بزيع عن الرضا علیهالسلام ، وقد سأله عن الاستيطان فقال : « ان يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر » (٢) .
وروىٰ عمار عن الصادق علیهالسلام : « يتم ولو لم يكن له إلّا نخلة واحدة » (٣) .
ولا يشترط في الاقامة التتالي ، للعموم الشامل للمتفرق .
ولا السكنىٰ في الملك ، فلو سكن في غيره أجزأ .
ولا كون الملك له صلاحية السكنىٰ ، لحديث النخلة . نعم ، يشترط كون السكنىٰ بعد الملك ، فلو تقدمت أو بعضها علىٰ الملك لم يعتدّ بها ، لانه المفهوم من الاستيطان .
__________________
(١) الكافي ٣ : ٤٣٥ ح ٨ ، الفقيه ١ : ٢٨٥ ح ١٢٩٩ ، التهذيب ٣ : ٣٢٤ ح ٥٦٤ .
(٢) الفقيه ١ : ٢٨٨ ح ١٣١٠ ، التهذيب ٣ : ٢١٣ ح ٥٢٠ ، الاستبصار ١ : ٢٣١ ح ٨٢١ .
(٣) التهذيب ٣ : ٢١١ ح ٥١٢ ، الاستبصار ١ : ٢٢٩ ح ٨١٤ .
ويشترط ايضاً دوام الملك ، فلو خرج عن ملكه زال الحكم ، لأنّ الصحابة لما دخلوا مكة قصروا فيها (١) لخروج املاكهم .
ويشترط ملك الرقبة ، فلا تكفي الاجارة ، والتملك بالوصية .
ولو تعدّدت المواطن في البلد الواحد ، كفىٰ استيطان الأول منها ستة أشهر ، ولو خرج عن ملكه إذا بقىٰ الباقي علىٰ ملكه .
ولو كان في طريق المسافر مواطن ، قصّر بين كل موطنين بينهما مسافة ، واتمّ فيها وفيما بين كل موطنين تقصير عن المسافة .
ولو اتخذ بلداً دار مقامة علىٰ الدوام ، فالظاهر ان حكمه حكم الملك ، وكذا لو اتخذ بلداناً للمقام دواماً على التناوب .
وهل يشترط هنا استيطان الستة الأشهر ؟ الاقرب ذلك ، لتحقق لاستيطان الشرعي مضافاً الىٰ العرفي .
فروع :
الأوّل : اذا سبقت نيّة المقام ببلد عشرة أيام علىٰ الوصول اليه ، ففي انقطاع السفر بما ينقطع به الوصول الىٰ بلده من مشاهدة الجدار وسماع لأذان وجهان ، من صيرورته كبلدة ، ومن ضعف المانع من القصر هنا ، هو الآن مسافر حقيقة فيستصحب حكمه حتىٰ يخرج عنه اسم السفر .
وكذا الوجهان لو خرج منه الىٰ مسافة هل يترخص بمجرد الخروج أو خفاء الأذان والجدار ؟ فيه الوجهان .
الثاني : لو نوى المقام في أثناء المسافة عشراً ولما يقمها ثم سافر ،
__________________
(١) السنن الكبرىٰ ٣ : ١٣٦ ، ١٥٣ ، وانظر صحيح البخاري ٢ : ٥٣ ، صحيح مسلم ١ : ٤٨١ ح ٦٩٣ .
فالظاهر انها سفرة ثانية ، سواء كان ذلك في صوب المقصد أوْلا .
أما لو وصل الىٰ وطنه ، فان كان لم يقصد تجاوزه في سفره ، ثم عرض له سفر آخر الىٰ وطنه الآخر قبل العشرة ، فكالاول . وحينئذ لو تجدّدت له سفرات ثلاث علىٰ هذا الوجه اتمّ في الثالثة ، وان كانت علىٰ صوب المقصد .
وان كان من عزمه اتصال السفر في أول خروجه ومرّ علىٰ أوطانه ، فالحكم : بتعدد السفر هنا اذا لم يتخلل مقام عشرة ، بعيد ، لانها سفرة واحدة متصلة حساً وان انفصلت شرعاً ، ومن ثم لم يذكر الاصحاب الاحتمال في ذلك .
ويحتمل ضعيفاً احتسابها ، لانقطاع سفره الشرعي بذلك ، وكون الآخر سفراً مستأنفاً ، ومن ثم اشترطت المسافة .
الثالث : لو خرج من بلده الىٰ مسافة نوىٰ المقام بها عشراً ، ولمّا يتمّها ثم عاد الىٰ بلده ، فهل تحسب هذه ثانية ؟ فيه الوجهان .
الشرط الثالث : كون المقصود مسافة ، وهي ثمانية فراسخ ، كل فرسخ ثلاثة أميال ، كل ميل أربعة الاف ذراع ، كل ذراع اربع وعشرون اصبعاً ، كل اصبع سبع شعيرات ـ وقيل ست عرضاً (١) ـ كل شعيرة سبع شعرات من شعر البرذون .
وقدّر اهل اللغة الميل بقدر مدّ البصر من الارض المستوية (٢) .
وروي تقديره بألف وخمسمائة ذراع (٣) وحمل علىٰ سهو الراوي ،
__________________
(١) راجع : المهذب البارع ١ : ٤٨٠ ، التنقيح الرائع ١ : ٢٨٥ ، المدارك ٤ : ٤٣٠ ، مفتاح الكرامة ٣ : ٤٩٧ .
(٢) الصحاح ٥ : ١٨٢٣ ، ابن أثير ٤ : ٣٨٣ ، لسان العرب ١١ : ٦٣٩ .
(٣) الفقيه ١ : ٢٨٦ ح ١٣٠٣ .
وانه ثلاثة آلالف وخمسمائة فاسقط ثلاثة ، والطعن في الرواية رأساً أولىٰ من نسبته الىٰ السهو في بعضها ، وقد اوردها في من لا يحضره الفقيه .
وقدّرت المسافة في رواية سماعة : بـ « الثمانية » (١) .
وفي رواية ابي أيوب عن الصادق علیهالسلام : بـ « بريدين ، أو بياض يوم » (٢) .
وفي رواية علي بن يقطين عن الكاظم علیهالسلام : بـ « مسير يوم » (٣) .
ولو أراد الرجوع ليومه كفىٰ أربعة فراسخ فصاعداً ، لقول الصادق علیهالسلام في رواية معاوية بن وهب : « بريد ذاهباً ، وبريد جائياً » (٤) .
وفي رواية محمد بن مسلم عن الباقر علیهالسلام : « اذا ذهب بريداً ، ورجع بريداً ، فقد شغله يومه » (٥) .
فروع :
الأوّل : لو قصد الرجوع لليلته ، أو في ليلته ويومه ، فالأقرب القصر مع اتصال السفر . نعم ، لو قطعه بالمبيت انقطع الترخص ، لحصول راحة الليل حينئذ .
وروىٰ الفضل بن شاذان عن الرضا علیهالسلام ، قال : « انما وجب التقصير في ثمانية فراسخ ، لا أقل من ذلك ولا أكثر ، لانّ ثمانية فراسخ مسيرة (٦) يوم
__________________
(١) التهذيب ٣ : ٢٠٧ ح ٤٩٢ ، الاستبصار ١ : ٢٢٢ ح ٧٨٦ .
(٢) التهذيب ٣ : ٢١٠ ح ٥٠٦ ، الاستبصار ١ : ٢٢٥ ح ٨٠٢ .
(٣) التهذيب ٣ : ٢٠٩ ح ٥٠٣ ، الاستبصار ١ : ٢٢٥ ح ٧٩٩ .
(٤) التهذيب ٣ : ٢٠٨ ح ٤٩٦ ، ٤ : ٢٢٤ ح ٦٥٧ ، الاستبصار ١ : ٢٢٣ ح ٧٩٢ .
(٥) التهذيب ٤ : ٢٢٤ ح ٦٥٨ .
(٦) في النسخ « من » والمتنبت « مسيره » من المصادر اوجه .
للعامة والقوافل والاثقال ، ولم يجب في مسير يوم لما وجب في مسير سنة ، لان كل يوم يكون بعد هذا اليوم فانما هو نظير هذا اليوم ، فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره » (١) ، وهو يدل علىٰ ما قلناه من انقطاع سفره بالمبيت .
الثاني : لو كان المقصد زيادة علىٰ الاربعة فكالاربعة .
ولو نقص ـ كالثلاثة يتردّد فيها ثلاث مرات ـ لم يترخص لخروجه عن اسم المسافر (٢) ، وإلّا لزم تقصير المتردّد في أقل من ميل ، وهو باطل .
الثالث : ثبتت المسافة بالاعتبار بالاذرع ، وحينئذ لا فرق بين قطعها في يوم أو أقل أو اكثر .
ولو لم يتفق ذلك ، فالظاهر ان مسير يوم كاف في الارض المعتدلة والسفر المعتدل ، لنطق الاخبار به ، وعسر المساحة .
نعم ، لو قصد مسافة في زمان يخرج به عن اسم المسافر ـ كالسنة ـ فالاقرب عدم القصر ، لزوال التسمية .
ومن هذا الباب ، لو قارب المسافر بلده ، فتعمد ترك الدخول إليه للترخص ، ولبث في قرىٰ تقاربه مدة يخرج بها عن اسم المسافر .
ولو أقف في هذين الموضعين علىٰ كلام للاصحاب ، وظاهر النظر يقتضي عدم الترخص .
الرابع : لو تعارضت البيّنتان بالنفي والاثبات في المسافة ، فالاقرب العمل ببيّنة الاثبات ، لان شهادة النفي غير مسموعة .
ولا يكفي اخبار الواحد بها ، ويحتمل الاكتفاء به اذا كان عدلاً ، جعلاً
__________________
(١) الفقيه ١ : ٢٩٠ ح ١٣٢٠ ، علل الشرائع : ٢٦٦ ، عيون اخبار الرضا ٢ : ١١٣ .
(٢) في « س » المسافة .
لذلك من باب الرواية لا من باب الشهادة .
فعلىٰ هذا لو سافر اثنان : احدهما يعتقد المسافة ، والآخر لا يعتقدها ، فالظاهر ان لكل منهما ان يقتدي بالآخر ، لصحة صلاته بالنسبة إليه .
ولو شك المكلف في بلوغ المسافة أتمّ ، لاصالة عدمه .
ولو علم في أثناء السفر بلوغ المقصد مسافة ، فالظاهر الترخص حينئذ ، وإن قصر الباقي عن مسافة .
ومبدأ المساحة (١) من آخر العمارة في البلد المعتدل ، ومن آخر محلته في البلد المتسع جداً .
الخامس : لو كان لبلد طريقان ، احدهما خاصة مسافة ، فسلك الاقرب أتمّ ، وان سلك الأبعد لعلّة غير الترخص قصر ، وان كان للترخص لا غير فالاقرب التقصير للاباحة . وقال ابن البراج : يتم ، لانه كاللاهي بصيده (٢) .
ولو رجع قاصد الاقرب بالأبعد ، قصر في رجوعه لا غير .
ولو رجع قاصد الأبعد بالاقرب ، قصّر في ذهابه وايابه .
الشرط الرابع : كون السفر مباحاً ـ واجباً كان أو ندباً ، أو جائزاً أو مكروهاً ـ فلا يترخص العاصي ، كالآبق ، والزوجة الناشز ، وتابع الجائر ، وقاطع الطريق ، والباغي علىٰ الامام ، والتاجر في المحرمات .
وقد روىٰ عدم تقصير العاصي لله ولرسوله ـ كطالب الشحناء ، والسعاية في ضرر علىٰ قوم من المسلمين ـ عمار بن مروان عن
__________________
(١) في « س » المسافة .
(٢) المهذب ١ : ١٠٧ .
الصادق علیهالسلام (١) .
وروىٰ حماد بن عثمان عنه علیهالسلام : « الباغي والعادي ليس لهما ان يقصرا الصلاة » (٢) .
والصيد لهواً وبطراً معصية ، فلا ترخص فيه ، ورواه زرارة عن الباقر علیهالسلام (٣) .
فروع :
لا يشترط انتفاء المعصية في سفره ، انما الشرط انتفاؤها بسفره ، سواء كان نفس السفر معصية ـ كالفار من الزحف ، ومن وقوف عرفات بعد وجوبه عليه ـ أو غايته معصية ـ كما سبق من الباغي والعادي ـ .
ولو سلك طريقاً مخوفاً علىٰ النفس يغلب معه ظن التلف ، فالاقرب انه عاص بسفره فلا يترخص .
ولو خاف علىٰ ماله المجحف به فكذلك .
ولو كان غير مجحف ، فالظاهر انه يترخص ، لعدم وجوب حفظ مثل هذا القدر .
ولو رجع عن المعصية في أثناء السفر اعتبرت المسافة حينئذ ، فلو قَصُر الباقي أتمّ .
ولو قصد المعصية في اثناء السفر المباح انقطع ترخّصه . فلو عاد إلىٰ الطاعة ، فالظاهر انه يعود ترخّصه ولا تشترط مسافة متجددة ، لانّ المانع
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٩٢ ح ٤٠٩ ، التهذيب ٤ : ٢١٩ ح ٦٤٠ .
(٢) الكافي ٣ : ٤٣٨ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ٢١٧ ح ٥٣٩ .
(٣) التهذيب ٣ : ٢١٨ ح ٥٤٠ ، الاستبصار ١ : ٢٣٦ ح ٨٤٢ .
كان المعصية وقد زالت ، وقد سبق مثله في المائل الىٰ الصيد ثم يعود عنه .
الشرط الخامس : ان لا يكون سفره اكثر من حضره ، وبها عبر معظم الاصحاب (١) .
ولم يرتضها في المعتبر ، محتجاً بانه يلزم عليه ان لو اقام في بلده عشرة ثم سافر عشرين ان يتم في سفره ، ولم يقل به أحد .
قال : بل الأولىٰ ان يقال : ان لا يكون ممن يلزمه الاتمام سفراً ، كما تضمنته رواية السكوني عن الصادق علیهالسلام ، عن الباقر علیهالسلام من : « الجابي الذي يدور في جبايته ، والأمير الذي يدور في إمارته ، والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلىٰ سوق ، والراعي ، والبدوي » (٢) .
وروىٰ زرارة عن الباقر علیهالسلام : « المكاري ، والكري ، والراعي ، والاشتقان » (٣) وهو امين البيادر ، وقيل : البريد (٤) .
وفي رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام : « الملاحون ، والمكاري ، والجمال » (٥) .
وروىٰ اسحاق بن عمار : الاعراب والملاحين (٦) .
__________________
(١) راجع : المقنعة : ٥٥ ، جمل العلم والعمل ٣ : ٤٧ ، المبسوط ١ : ١٤١ ، والمراسم : ٧٤ ، مختلف الشيعة : ١٦٣ .
(٢) المعتبر ٢ : ٤٧٢ .
والرواية في : الفقيه ١ : ٢٨٢ ح ١٢٨٢ ، الخصال : ٤٠٣ ، التهذيب ٣ : ٢١٤ ح ٥٢٤ .
(٣) الكافي ٣ : ٤٣٦ ح ١ ، الفقيه ١ : ٢٨١ ح ١٢٧٦ ، الخصال : ٢٥٢ ، التهذيب ٣ : ٢١٥ ح ٥٢٦ .
(٤) الفقيه ١ : ٢٨١ .
(٥) الكافي ٣ : ٤٣٧ ح ٢ ، الفقيه ١ : ٢٨١ ح ١٢٧٧ ، التهذيب ٣ : ٢١٤ ح ٥٢٥ .
(٦) الكافي ٣ : ٤٣٨ ح ٩ ، التهذيب ٣ : ٢١٥ ح ٥٢٧ ، الاستبصار ١ : ٢٣٣ ح ٨٢٩ .
ويخرجون هؤلاء عن الكثرة بمقام عشرة أيام منويّة سواء كان ببلدهم أو غيره ، وبمقام عشرة في بلدهم وإن لم يكن بنيّة . قاله الاصحاب وقد روىٰ ذلك في المكاري عبد الله بن سنان عن الصادق علیهالسلام (١) . ومن ثم احتمل الشيخ المحقق اختصاص هذا بالمكاري (٢) ، وجعل الباقين علىٰ التمام وان اقاموا عشرة ، وهو بعيد .
فروع :
المعتبر صدق اسم هؤلاء علىٰ من سافر ، وكذا من كان في معناهم ، وانما يحصل ذلك غالباً بالسفرة الثالثة التي لم تتخلل قبلها تلك العشرة .
وابن إدريس اعتبر ثلاث دفعات كما قلناه ، ثم قال : صاحب الصّنعة من المكارين والملاحين والتاجر والامير ، يجب عليهم الاتمام بنفس خروجهم الىٰ السفر ، لان صنعتهم تقوم مقام تكرر من لا صنعة له (٣) .
وهو ضعيف ، لان العلة كثرة السفر وهي مفقودة هنا .
وفي المختلف : يتمّون جميعاً في الثانية اذا لم يقيموا بعد الاُولىٰ عشرة (٤) .
ويضعف بمنع التسمية بهذا القدر ، فالاولىٰ التمام في الثالثة مطلقاً .
وربما قيل : اذا كان الاسم قد صدق عليهم ، فخرجوا لمقام عشرة أيام ثم عادوا الىٰ السفر ، اكتفي بالمرتين ، وان كانوا مبتدئي السفر فلا بد من
__________________
(١) تقدمت في ٣٠٠ الهامش ١ .
(٢) المعتبر ٢ : ٤٧٢ .
(٣) السرائر : ٧٦ .
(٤) مختلف الشيعة : ١٦٣ .
الثلاثة .
وهو ضعيف ، لان الاسم قد زال وهو الآن كالمبتدأ ، لانه لو لم يزل وجب الاتمام في السفرة الاُولىٰ عقيب العشرة ، كما اشار إليه المحقق . وهذا ايضاً يرد علىٰ ابن إدريس ، لأنّ الصنعة ان كانت كافية ، فلا فرق بين أن يقيم عشرة أو لا ، وهذا التزام حينئذ .
والمراد بالكري في الرواية المكتري . وقال بعض اهل اللغة : قد يقال الكري علىٰ المكاري (١) . والحمل علىٰ المغايرة أولىٰ بالرواية ، لتكثر الفائدة ، ولاصالة عدم الترادف .
ولو انشأ هؤلاء أسفاراً غير صنائعهم ـ كالحج مثلا ، أو التاجر يصير ملاحاً أو مكارياً ـ فالظاهر انهم يقصرون ، وخصوصاً البدوي والملاح ، للتعليل بان « بيوتهم معهم » (٢) . وربما كان ذلك بحديثين معتبري الاسناد :
أحدهما : رواية محمد بن مسلم عن أحدهما عليهمالسلام ، قال : « المكاري والجمال اذا جدّ بهما السير فليقصرا » (٣) ومثله رواه الفضل بن عبد الملك عن الصادق علیهالسلام (٤) .
ويكون المراد بـ ( جدّ السير ) ان يكون مسيرهما متصلا ، كالحج ، والاسفار التي لا يصدق عليها صنعته .
ويحتمل ان يراد انّ المكارين يتمّون ما داموا يتردّدون في أقل من المسافة ، أو في مسافة غير مقصودة ، فإذا قصدوا مسافة قصروا ، ولكن هذا
__________________
(١) القاموس المحيط ٤ : ٣٨٢ .
(٢) الكافي ٣ : ٤٣٨ ح ٩ ، التهذيب ٣ : ٢١٥ ح ٥٢٧ ، الاستبصار ١ : ٢٣٣ ح ٨٢٩ .
(٣) الكافي ٣ : ٤٣٧ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢١٥ ح ٥٢٨ ، الاستبصار ١ : ٢٣٣ ح ٨٣٠ .
(٤) التهذيب ٣ : ٢١٥ ح ٥٢٩ ، الاستبصار ١ : ٢٣٣ ح ٨٣١ .
لا تخصص للمكاري والجمال به ، بل كل مسافر .
وقال الكليني رحمهالله ـ وتبعه الشيخ (١) ـ : المراد ان يجعلوا المنزلين منزلاً ، فيقصرون في الطريق ويتمون في المنزل (٢) ، لما رفعه الىٰ أبي عبد الله علیهالسلام بطريق عمران الاشعري عن بعض اصحابنا : « الجمال والمكاري اذا جدّ بهما السير ، فليقصرا فيما بين المنزلين ، ويتما في المنزل » (٣) .
قلت : الظاهر انه أراد به المنزل الذي ينتهيان اليه مسافرين لا منزلهما ، إذ منزلهما لا اشكال فيه .
وعلىٰ تقدير أرادة المنزل مطلقاً يكون ذلك الايضاح بالنسبة الىٰ منزلهما ، وان اريد منزلهما خاصة كان تأكيداً .
وعلىٰ كل تقدير ، يلزم ان يقال المكاري والجمال : اما ان يجعلا المنزلين منزلاً أوْ لا ، فإن جعلاه قصّرا وإلّا أتمّا ، ولعله للمشقة الشديدة بذلك ، لخروجه عن السير المعتاد . وحينئذ في اطراده في باقي الاقسام تردّد ، من حيث حصول المشقة به مع قصد المسافة ، ومن عدم النص عليه .
وربما لاح ان تخلّف القصر فيمن عدّد في الروايات لتخلف قصد المسافة علىٰ الوجه المعتاد غالباً ، لانهم بين :
من لا قصد له في بعض الاحيان ، كالبدوي والراعي اللذين يطلبان
__________________
(١) الكافي ٣ : ٤٣٧ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢١٥ ح ٥٢٨ ، الاستبصار ١ : ٢٣٣ ح ٨٣٠ .
(٢) الكافي ٣ : ٤٣٧ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ٢١٥ ح ٥٢٨ ، الاستبصار ١ : ٢٣٣ ح ٨٣٠ .
(٣) الفقيه ١ : ٢٨٢ ح ١٢٧٩ ، التهذيب ٣ : ٢١٥ ح ٥٣٠ ، الاستبصار ١ : ٢٣٣ ح ٨٣٢ .
القطر والنبت .
ومن له قصد لا يكون مسافة غالباً ، كالامير والتاجر .
ومن له قصد الىٰ المسافة لكن لا علىٰ الوجه المعتاد ، كبعض الامراء والتجار والمكارين .
ومن له قصد المسافة علىٰ وجه المقام ، كالملاح الذي اهله معه .
فان قلت : فما يصنع بالبريد والمكاري والجمال ؟
قلت : هؤلاء مقاصدهم تارة تستحلق المسافة ، وتارة لا تستتبع المسافة . فإن كانت الى دون المسافة فظاهر ، وان كانت الىٰ مسافة اغتفرت ، لانهم اعتادوا مطلق السفر فجروا مجرىٰ الحاضر .
واعلم ان ابن ابي عقيل عمّم وجوب القصر علىٰ كل مسافر ، ولم يستثن أحداً (١) .
الشرط السادس : أن يضرب في الأرض ، للتعليق عليه في الآية (٢) . وناطه الأصحاب باُمور ثلاثة :
احدها : أن تتوارىٰ جدران بلده .
والثاني : ان يخفىٰ عليه أذان مصره .
والأول في رواية محمد بن مسلم عن الصادق علیهالسلام (٣) . والثاني في رواية عبد الله بن سنان عنه علیهالسلام (٤) . وكلاهما صحيحا السند .
والثالث : الاكتفاء بالخروج من منزله ، وهو قول ابن بابويه في
__________________
(١) مختلف الشيعة : ١٦٣ .
(٢) سورة النساء : ١٠١ .
(٣) الكافي ٣ : ٤٣٤ ح ١ ، الفقيه ١ : ٢٧٩ ح ١٢٦٧ ، التهذيب ٢ : ١٢ ح ٢٧ ، ٤ : ٢٣٠ ح ٦٧٦ .
(٤) التهذيب ٤ : ٢٣٠ ح ٦٧٥ ، الاستبصار ١ : ٢٤٢ ح ٨٦٢ .
الرسالة (١) . ورواه ولده مرسلا عن الصادق علیهالسلام : « إذا خرجت من منزلك فقصّر الىٰ ان تعود اليه » (٢) .
وابن الجنيد يقول في ظاهر كلامه : أنّ المسافر في خروجه يقصّر إذا فارق منزله وانقطع عنه رؤية أبيات قريته ، وفي رجوعه الى دخوله منزله .
قال : فان حيل بينه وبين منزله بعد وصوله اليه أتم (٣) .
واعتبار الاولين هو المشهور بل يكاد يكون اجماعاً . ورواية ابن بابويه عن الصادق علیهالسلام مجملة ، والمجمل يحمل علىٰ المبيّن .
نعم ، روىٰ اسحاق بن عمار عن الكاظم علیهالسلام عن المسافر يدخل بيوت الكوفة ، أيتمّ الصلاة أم يكون مقصراً حتىٰ يدخل أهله ؟ قال : « بل يكون مقصراً حتىٰ يدخل اهله » (٤) .
وروىٰ العيص عن الصادق علیهالسلام : « لا يزال المسافر مقصراً حتىٰ يدخل اهله » (٥) .
وتأولهما بعض الاصحاب بان المراد بدخول اهله سماع الأذان (٦) ، أو رؤية الجدران ، ولا ينافي ذلك دخول الكوفة فانها كانت واسعة الخطة ، فلعلّه دخل منها ما لا يسمع فيه اذان محلته .
__________________
(١) مختلف الشيعة : ١٦٣ .
(٢) الفقيه ١ : ٢٧٩ ح ١٢٦٨ .
(٣) مختلف الشيعة : ١٦٤ .
(٤) الكافي ٣ : ٤٣٤ ح ٥ ، الفقيه ١ : ٢٨٤ ح ١٢٩١ ، التهذيب ٣ : ٢٢٢ ح ٥٥٥ ، الاستبصار ١ : ٢٤٢ ح ٨٦٣ .
(٥) التهذيب ٣ : ٢٢٢ ح ٥٥٦ ، الاستبصار ١ : ٢٤٢ ح ٨٦٤ ، وفيهما : « حتىٰ يدخل بيته » .
(٦) هو الشيخ في الاستبصار ١ : ٢٤٢ ، ذيل الحديث ٨٦٤ .