القرآن والطبّ الحديث

الدكتور صادق عبدالرضا علي

القرآن والطبّ الحديث

المؤلف:

الدكتور صادق عبدالرضا علي


الموضوع : الطّب
الناشر: دار المؤرّخ العربي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٤

فيتامين E

٣, ٠ وحدة دولية

١, ٠ وحدة دولية

فيتامين K

٢ ميكروغم

٥ ميكروغم

فيتامين C

٨, ٧ ملغم

٣, ٢ ملغم

ثيامين

٢٥ ميكروغم

٥٩ ميكروغم

رايبوفلافين

٦٠ ميكروغم

٢٥٢ ميكروغم

نياسين

٢٥٠ ميكروغم

١٣١ ميكروغم

فيتامين ٦B

١٥ ميكروغم

٦٦ ميكروغم

فولك أسيد

٤ ميكروغم

٨ ميكروغم

فيتامين ١٢B

١٥, ٠ ميكروغم

٥٦, ٠ ميكروغم

الكالسيوم

٥٠ ملغم

١٨٦ ملغم

الفسفور

٢٥ ملغم

١٤٥ ملغم

المغنسيوم

٦ ملغم

٢٠ ملغم

الحديد

١/ ٥ ملغم

٥٨/ ٥ ملغم

اليود

٤ ـ ٩ ملغم

٧ ملغم

النحاس

٦٠ ميكروغم

٢٠ ميكروغم

الزنك

٥, ٠ ميكروغم

٦, ٠ ميكروغم

المنغنيز

٥, ١ ميكروغم

٣ ميكروغم

الصوديوم

١MEq.

٣, ٣MEq.

البوتاسيوم

٢, ١. MEq

٦ MEq

الكلور

١ ,٦ MEq

٤ ,٦ MEq

درجة الترشح

٣ ,١١ MOSM

٤٠ MOSM (١)

__________________

(١). Current pediatric diagnosis and treatment

٢٢١

* [قاعدة لطيفة مأخوذة من علم التجزئة] *

اعلم أن لبن الانسان يختلف في كمية أجزائه اللازمة المركبة بحسب الأشخاص ، والنوع ، وكيفية التغذية ، ومدة الرضاع ، وهكذا لبن البقرة والحمار والشاة ، وآخر تدقيق لهم في هذا الباب ، وفي تعيين كمية أجزائها ما نذكره مفصلا في هذا الجدول :

الكيل منه يقسم بمائة ألف قسمة بالفرض

لبن الانسان

لبن البقر

أجزاؤه المائية

٨٧١٦٣

٨٧٠١٢

أجزاؤه الدسومية

٤٢٨٣

٤٢٠٩

أجزاؤه الجبنية وبياض البيض

١٠٤٦

٣٢٥٢

أجزاؤه السكرية

٧٤٠٧

٥٠٠٠

أجزاؤه من الأملاح المعدنية

١٠١

٥٢٧ (١)

* [قاعدة اخرى في إرضاع الطفل من لبن البقر] *

ينبغي للمربية أن تلاحظ هذه القاعدة ، وهي أنّ ألبان البقر لما كانت غليظة تحتاج إلى تمزيح الماء فيها عند تناول الطفل منها بهذا الترتيب :

(في الشهر الأول) من الولادة : كيل من اللبن وكيلان من الماء.

(وفي الشهر الثاني) : كيل من اللبن وكيل من الماء.

(وفي الشهر الثالث) : كيل من اللبن ونصف الكيل من الماء.

(وفي الشهر الرابع إلى الخامس) : كيل من اللبن وثلث من الكيل من الماء.

(وفي الشهر السادس إلى آخر الرضاع) : يرتضع من خالص اللبن ولا يمتزج بالماء ، بل يحتاج في كل خمسين مثقالا من اللبن تمزيج مثقالين من السكر الأبيض (٢).

__________________

(١) و (٢) ريحان المجالس وتحفة المؤانس : للبحاثة المتتبع الاستاذ السيد طالب الخرسان.

٢٢٢

الموضوع الرابع

(الاسلام دين الصحة والنظافة)

قال تعالى :

(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى) (١).

(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (٢).

(وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) (٣).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (٤).

(وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) (٥).

وقال الرسول الاكرم (ص) :

«الوقاية خير من العلاج».

«الحمية رأس كل داء».

«النظافة من الإيمان».

«تنظفوا فإنّ الإسلام نظيف».

«إنّ الله يبغض الوسخ الشعث».

«إنّ الله جميل يحب الجمال ، سخي يحب السخاء ، نظيف يحب النظافة».

__________________

(١) سورة محمد : الآية ١٥.

(٢) سورة البقرة : الآية ٢٢٢.

(٣) سورة الأنفال : الآية ١١.

(٤) سورة المائدة : الآية ٦.

(٥) سورة المدثر : الآية ٤.

٢٢٣

حقا ، إنّ الاسلام دين النظافة ، دين الوقاية ، دين الصحة والحياة ، فقد تميّز على سائر الأديان الاخرى بتكالمه وشموليته.

غذّى بعطره كافة جوانب الحياة الانسانية ، وخصوصا الصحيّة منها ، وهذا ما نجده في الكثير من الآيات القرآنية الكريمة التي ترشد الانسان إلى أهمية البيئة والنظافة.

أمّا بالنسبة للرسول الأكرم (ص) وهو القرآن الناطق ، فقد كان له دور بارز ومتميز في هذا المضمار ، فلم يترك صغيرة وكبيرة لها علاقة بالصحة والنظافة إلّا وأشار اليها في أحاديثه العديدة ، وهدفه (ص) من ذلك هو خلق مجتمع إسلامي ، يمثل النموذج الحي لما أراده الاسلام من بني البشر.

وكانت أحاديثه (ص) علمية وجامعة أنارت الضوء ، ومهدت الطريق للمسلمين ، لكي يكونوا سادة الامم إن هم أخذوا ما فيها وطبقوها على واقعهم وحياتهم العامة والخاصة.

وكيف لا؟ وهي علوم إلهية تحاكي العلم والزمن وتسايرهما.

نظافة المدينة : من الأهداف الاسلامية الاولى هي بناء مجتمع عصري نظيف ، وإنسان متكامل ، من النواحي : النفسية ، والجسدية ، والمادية. فقد ركز القرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهرة على هذه الناحية.

فأعطى القرآن الكريم البيئة أهميتها ومكانتها في عملية بناء المدن.

وكان الرسول (ص) يوصي المسلمين بضرورة الاهتمام بنظافة المدن وتخطيطها ، وخير مثال على ذلك : ما بناه المسلمون من مدن كثيرة في الأقطار الاسلامية ، حيث كانت تلك المدن جيدة من ناحية ، الموقع والمناخ ، وقريبة من مصادر المياه ، وإشرافها على الطرق الرئيسية المهمة.

أما الشجرة فلها موقعها وأهميتها في الاسلام ، فقد كان الرسول الأعظم (ص) ومن بعده الصحابة والأئمة الأطهار ، يوصون القادة بضرورة الحفاظ على الأشجار ورعايتها وعدم قلعها أو حرقها ، وبالخصوص الأشجار المثمرة.

٢٢٤

كما أولى الاسلام العناية بمصادر المياه ، كالأنهار والعيون والآبار ، فأوصى بعدم رمي الأوساخ فيها ، مؤكدا على ضرورة بناء عازل ـ ترابي او طيني ـ حول العيون والآبار ، ليكون بمثابة سياج او سور يمنع التلوث.

فقد اعتبرت التعاليم الاسلامية المياه القليلة الراكدة غير طاهرة ، وملوثة من الناحية الصحية ، كما أوصى الاسلام بدفن الموتى بدون تأخير معللا أنّ بقاء جسد الميت يصبح عرضة للتفسخ وانتشار الأمراض. أما الجيف الناتجة عن موت الحيوانات المختلفة ، فكانت تدفن خارج المدن وبسرعة.

نظافة البيت : لقد خصّ القرآن الكريم نظافة البيت بآيات عديدة :

(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (١).

(وَمَساكِنَ طَيِّبَةً) (٢).

كما أشار الرسول العظيم (ص) في أحاديثه الشريفة إلى ضرورة نظافة البيوت ، باعتبار أنّ النظافة من صفة المسلم ، ونبه إلى المضار الصحية العديدة إثر تواجد الحيوانات داخل البيوت ، فقال (ص) :

«إنّ الملائكة لا تدخل البيوت التي فيها الكلاب».

وقد ثبت علميا وطبيا ، أنّ الحيوانات ، وخصوصا الأليفة منها ، التي تتواجد في البيوت ، هي من العوامل المباشرة أو وسائط لنقل الأمراض والاصابة بها.

وتطرقت الأحاديث النبوية الشريفة إلى أهمية المرافق الصحية في البيت ، واعتبرت ذلك من الضروريات ، لأنها تستر عورة المسلم ، وستر العورة واجب في الاسلام ، فقد منع الاسلام الفرد المسلم من كشف عورته أثناء التبول أو التغوط. كما حبب الاسلام المنزل الواسع النظيف ، مؤكدا على ضرورة تنظيفه وكنسه يوميا لكيلا يكون مصدرا للتلوث والأمراض.

__________________

(١) سورة يونس : الآية ٨٧.

(٢) سورة التوبة : الآية ٧٢.

٢٢٥

فقال رسول الله (ص) : «اكنسوا أفنيتكم ولا تتشبهوا باليهود».

وقال الإمام الصادق (ع) : «كنس البيوت ينفي الفقر».

وقال (ع) : قال رسول الله (ص) : «سعادة المرء المسلم : المسكن الواسع».

وقال الرسول الأكرم (ص) في وصيته لأمير المؤمنين الامام علي (ع) : «مكروه أن يدخل الرجل بيتا مظلما إلّا مع سراج (نور)» (١).

وقال (ص) ايضا : «أجيفوا أبوابكم ، وخمروا آنيتكم ، وأوكوا أسقيتكم ، فإنّ الشيطان لا يكشف غطاء ، ولا يحل وطاء ، واطفوا سراجكم فإنّ الفويسقة ـ أي الفأرة ـ تضرم البيت على أهله ، وأحبسوا مواشيكم وأهليكم من حين تحجب الشمس ، إلى أن تذهب محمة العشاء».

وقال (ص) : «إذا آوى أحدكم إلى فراشه فليمسحه بضفة أزاره ، فإنّه لا يدري ما حدث عليه بعده».

وقال أمير المؤمنين علي (ع) وهو يوصي بتنظيف البيوت والعناية بها : «بيت الشياطين من بيوتكم بيت العنكبوت».

وقال (ع) أيضا : «إنه كره أن يبيت الرجل في بيت ليس له باب أو ستر».

نظافة الملابس : تعتبر الملابس دليلا واضحا على شخصية الفرد المسلم ونظافته ، فهي مظهر من مظاهر تكامله الشخصي ، فإذا كانت الملابس نظيفة فهي برهان على أنّ صاحبها نظيف أيضا في داره ومكان عمله.

فالملابس النظيفة تخلو من رائحة العرق والنتن ، وخالية من الجراثيم العالقة بها ، لأنه ثبت علميا أنّ الملابس وسيط لنقل الأمراض من وإلى الانسان ، لذلك وجبت نظافتها من حين لآخر. في حين أنّ ارتداء الملابس الوسخة دليل على ضعف الايمان.

فقد جاء في القرآن الكريم قوله تبارك وتعالى :

__________________

(١) لأن الظلام له تأثيرات نفسية على روح الإنسان ، ودليل على عدم الإهتمام بنظافة المسكن.

٢٢٦

(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) (١).

(خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (٢)

(وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) (٣)

وقال الرسول الأعظم (ص) :

«البسوا البياض ، فإنّه أطيب وأطهر ، وكفنوا فيه موتاكم».

«بئس العبد القاذورة».

«طي الثياب راحتها ، وهو أبقى لها».

«اخلعوا نعالكم عند الطعام ، فإنّه سنة جميلة ، وأروح للقدمين».

هذا وقد نهى صلوات الله عليه وآله عن مسح اليد بثوب الغير ، لأنّ ذلك لا يليق بالمسلم ، وهو عامل من عوامل نقل الأمراض بين المجتمع.

وقال الامام علي (ع) :

«ليتزين أحدكم لأخيه المسلم ، كما يتزين للغريب الذي يحب أن يراه في أحسن الهيئة».

«البسوا ثياب القطن ، فإنّه لباس رسول الله (ص) وهو لباسنا».

وقد ثبت علميّا وطبيّا ، أنّ الملابس القطنية على عكس الملابس الصوفية خفيفة ، ولا تؤدي إلى نشوء الحساسية الجلدية عند الأفراد الذين يرتدونها ، فهي سهلة الحمل والغسل ، وأقل تعرضا للاحتراق.

وقال (ع) : «تشمير الثياب طهور لها ، وثيابك فطهر (أي فشمر)».

«غسل الثياب يذهب الهم والحزن ، وهو طهور للصلاة ، وتشمير الثياب طهور لها».

«استجادة الحذاء وقاية للبدن ، وعون على الصلاة والطهور».

__________________

(١) سورة الاعراف : الآية ٣٢.

(٢) سورة الاعراف : الآية ٣١.

(٣) سورة المدثر : الآية ٤.

٢٢٧

وكان أمير المؤمنين الامام علي (ع) يؤكد على ضرورة لبس الحذاء صيفا وشتاء ، فقد أكدت الدراسات العلمية الحديثة صدق رأي الامام (ع) ، حيث تبين أنّ الكثير من الطفيليات والمكروبات ، تدخل الجسم عن طريق الأقدام الحافية ، ولبس الحذاء يمنع ذلك ، ويقي الانسان من الاصابة بالأمراض المختلفة.

وقال الامام الصادق (ع) :

«ثلاثة أشياء لا يحاسب الله عليها المؤمن : طعام يأكله ، وثوب يلبسه ، وزوجة صالحة تعاونه ويحصن بها فرجه».

«لا بأس أن يكون للرجل عشرون قميصا».

[نظافة الجسم]

أولا : الأغسال المسنونة : خلق الله الانسان من روح وجسد ، فكما يعتبر الايمان والعلم غذاء الروح ، فإنّ النظافة والطعام هما غذاء الجسد. لذا يتوجب غسل البدن بصورة دائمة كي نمنع عنه الأمراض العديدة ، والمضاعفات المختلفة.

ولو تفحصنا جسم الانسان لوجدناه مدينة صناعية كبيرة ، تقوم بأنواع الفعاليات من هدم وبناء ، وذو درجة حرارية ثابتة ، ويتم ذلك بواسطة ملايين الغدد العرقية والدهنية الموجودة في الجلد.

وهذا التعرق والتبخر المستمر في الجسم إذا لم ينظف ويزال ، فسوف يؤثر على الجسم ، وتنتج عنه أمراض جسدية وجلدية عديدة منها : نشوء حساسية في الجلد ، وبروز الأمراض الجلدية كالفطريات ، والعفنيات ، وانسداد أنابيب الغدد الدهنية ، ممّا يؤدي إلى كبرها بشكل غير طبيعي ، والتهابها ، إضافة إلى حصول اختلال بسيط في درجة حرارة جسم الانسان ، ناهيك عن حصول رائحة كريهة عند الانسان ، تشمئز منها النفوس عند الاقتراب منه.

لهذا فقد ركز الاسلام على سنة الغسل والنظافة ، وجعلها سنة من السنن

٢٢٨

الاسلامية العديدة. ويعتبر الغسل بعد الجنابة والجماع من الضروريات الصحية ، والواجبات الدينية ، لما له من فوائد عديدة ، فعملية الجماع عملية شاقة ، تصرف فيها طاقة كبيرة ، وتشارك فيها معظم أجهزة الجسم ، وتفرز فيها هرمونات مختلفة ، ممّا يؤدي إلى تعرق جسم الانسان بصورة كبيرة ، وهذا العرق إذا ترك بدون غسل ، يؤدي إلى ظهور رائحة كريهة من جسم الانسان لا تليق به كمسلم نظيف يريد التوجه إلى الله ، أو مقابلة الناس.

وقد ثبت اليوم علميّا أنّ الدم سريع التفسخ والتلوث ، فبقاؤه على جسم الانسان يجعله عرضة للاصابة بالأمراض ، إضافة إلى رائحته غير المقبولة. ولهذا اشترط الاسلام الغسل على الحائض والنفساء ـ المرأة التي ولدت حديثا ـ والطفل المولود ، أو بعد حدوث نزيف دموي عند الانسان ، أو سقوط الدم بكميات كبيرة على جسم الانسان ، سواء أكان الدم إنسانيا أو حيوانيا؟

أما عملية الوضوء التي تكرر خمس أو ثلاث مرات يوميا ، فإنّها مثال رائع على عظمة الاسلام ، باعتباره دين النظافة ، علما بأنّ الوجه واليدين والقدمين من أكثر الأعضاء تعرضا للأوساخ والتلوث. كما أنّ المضمضة والاستنشاق اللذين يصاحبان الوضوء وسائل يومية لتنظيف الفم والأنف.

ولعلّ ما يفتخر به الأسلام على غيره من الأديان ، هو اشتراطه على المسلمين وجوب الغسل بعد التبول والبراز ، لأنّ البول أو البراز إضافة إلى رائحتهما الكريهة يحملان الكثير من الطفيليات والأمراض.

وعدم الغسل يؤدي إلى تلوث الملابس الداخلية للانسان ، والاصابة بالعديد من الأمراض ، وانبعاث رائحة كريهة لا يمكن قبولها ، خصوصا عند تحلل قطرات البول الموجود على الملابس.

أمّا الجسد الميت فهو سريع التحلل والتفسخ ، خصوصا في أيام الصيف ، ويصبح عرضة لهجوم المكروبات بعد ساعات من الموت ، ومس هذا الجسد من قبل الأحياء ، قد يؤدي إلى الاصابة بالكثير من الأمراض ، لا سيما إذا كانت الوفاة قد

٢٢٩

حدثت نتيجة الاصابة بأحد الأمراض المعدية.

وبما أنّ الاسلام هو السبّاق في كل شيء ، فقد أوجب الغسل بعد ملامسة الميت. ولم يغفل الاسلام عن النجاسات ، فاشترط غسل اليدين ، أو الأجزاء التي تتعرض لها ، مثل مسّ الكلب أو الخنزير أو النجاسات الاخرى.

وقد أشار الامام الصادق (ع) إلى الأغسال المسنونة فذكر منها : غسل الجنابة والحيض ، وغسل الميت ، ومن مسّ الميت بعد ما يبرد ، وغسل من غسل الميت ، وغسل يوم الجمعة ، وغسل العيدين ، وغسل دخول مكة ، وغسل دخول المدينة ، وغسل الزيارة ، وغسل الاحرام ، وغسل يوم عرفة ، وغسل ليلة السابع عشر من شهر رمضان ، والتاسع عشر من شهر رمضان ، وغسل ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين منه ، وغسل التوبة ، وغسل من رأى المصلوب.

وقال (ع) : «ثلاث يسمنّ البدن : إدمان الحمام ، وشم الرائحة الطيبة ، ولبس الثياب اللينة».

ثانيا : السواك : تعتبر الأسنان من مكونات جمال الانسان ، ونظافتها دليل واضح على شخصيته ونظافته ، والأسنان من الناحية العملية لها الدور المهم في عملية الهضم ، فهي تقوم بمضغ الغذاء ، وتقطيعه جيدا ، كي يرسل الى المعدة ، لاتمام عملية الهضم المعروفة.

إذن ، فإنّ أيّ خلل قد يصيب الأسنان سوف يؤثر على عملية هضم الطعام ، والاستفادة منه من قبل الانسان ، إضافة إلى أنّ تسوس الأسنان أو سقوطها يؤثر على عملية إخراج الصوت من الفم ، وينتج عنه انبعاث رائحة كريهة من الفم ، كما ويصبح السن المتسوس مصدرا لاصابة الفم والجهاز التنفسي العلوي بالمكروبات والأمراض. وثبت طبيا أنّ القيح المتولد من قبل الأسنان المريضة له تأثير مباشر على المعدة وعدم الشهية.

٢٣٠

لهذه الأسباب يؤكد الاسلام على ضرورة العناية بالأسنان والمحافظة عليها ، فأمر بالسواك وجعله سنة متبعة ، وقد وردت أحاديث كثيرة حوله منها :

قال الرسول الكريم (ص) :

«ما زال جبرئيل يوصيني بالسواك حتى ظننت أنّه سيجعله فريضة».

«ما زال جبرئيل يوصيني بالسواك حتى خشيت أن أدرد أو أحفي».

«استاكوا عرضا».

«لو لا أن أشق على امتي لأمرتهم بالسواك عند وضوء كل صلاة».

وقال الامام علي (ع) :

«السواك مطهرة للفم ، ومرضات للرب».

«السواك شطر الوضوء».

وقال الامام الصادق (ع) :

«في السواك عشر خصال : مطهرة للفم ، ومرضاة للرب ، ومفرحة للملائكة ، وهو من السنة ، ويشد اللثة ، ويجلو البصر ، ويذهب بالبلغم ، ويذهب بالحفر».

ثالثا : جز الشعر واستئصاله :خلق الله الانسان في أحسن تصوير ، وجعل له هيئة جميلة ، وتركيبا بديعا ، وكان الشعر جزءا من تلك الصورة الحسنة ، فهو إضافة إلى وضعه الجمالي ، له وظائف عديدة : صحّية ، وطبية ، واجتماعية ، ونفسية ، خصوصا عند النساء ، حيث يعتبر شعر المرأة عاملا مهما من عوامل جمالها ومظهرها الخارجي.

والشعر عند الانسان له فوائد كثيرة منها : ـ

١ ـ يؤلف طبقة محيطة بالجلد ، تلعب دورا كبيرا في حفظ حرارة الانسان تجاه التقلبات الجوية.

٢٣١

٢ ـ يمنع شعر الرأس التأثيرات الحرارية الناتجة عن الشمس أو البرودة الشديدة من التأثير المباشر على الرأس والدماغ.

٣ ـ يعتبر الحاجبان مانعا طبيعيا يمنع عرق الجبهة من النزول على العينين.

٤ ـ يمنع شعر الشارب ترشح الأنف من دخول الفم.

٥ ـ يلعب شعر اللحية دورا كبيرا في حماية الفكين ، والأعصاب الحساسة فيهما ، والأسنان من التعرض للبرودة والحرارة العالية.

٦ ـ يعتبر شعر الابطين والعانة ، أحد مؤشرات بلوغ الانسان سن المراهقة ومؤشرا على ضرورة غسل وحلق تلك المناطق ، عند ما يصبح الشعر طويلا ومعرضا للاصابة بأمراض مختلفة.

٧ ـ يستفاد من الشعر في تقدير العمر.

٨ ـ يستفاد من الشعر في الطب العدلي ، للكشف على الجرائم التي تحدث يوميا ، خصوصا حالات الاعتداء الجنسي.

٩ ـ يعتبر الشعر من الناحية النفسية هيبة ووقارا للشخص ، وعلى الأخص في السنين المتقدمة من العمر ، عند ما يختطه الشيب.

١٠ ـ يعتبر شعر الأنف حاجزا طبيعيا ومصفا جيدا ضد دخول العديد من المكروبات المرضيّة الى الجسم.

مضار الشعر الطويل

١ ـ شعر الرأس : إذا كان شعر الرأس طويلا وأكثر من المعتاد أصبح عائقا أثناء الحركة ، ومؤثرا على مجال رؤية العينين ، وتنتشر فيه الروائح العرقية ، وقد يصاب بالقمل والأمراض الجلدية الاخرى.

٢ ـ شعر الحاجبين : إذا كان أكثر من المعتاد فإنّه سوف يؤثر على دخول النور الى العينين ، ويمنع الرؤية الجيدة.

٣ ـ شعر الشارب : لو طال شعر الشارب تدلى إلى الفم ، وأصبح يلامس

٢٣٢

الغذاء الداخل ممّا يؤدي إلى تعلق ذرات من الغذاء خلاله ، ويجعل من شعر الشارب مصدرا للتلوث ، وحمل المكروبات ، إضافة إلى تشويه منظر الفم.

٤ ـ شعر اللحية : طول شعر اللحية أكثر من قبضة اليد ، يجعلها صعبة التنظيف ، وعائقة للعمل ، ومشوهة لجمال الانسان ، وعرضة للاصابة بالأمراض الجلدية.

٥ ـ شعر الابطين : من المعلوم أنّ التعرق في الابطين أكثر من غيره من مناطق الجسم ، خصوصا إذا كان شعر الابطين طويلا مما يجعل من الابطين مصدرا لانبعاث الروائح الكريهة التي تنفر الناس ، وتنقص الشخصية.

٦ ـ شعر العانة : يقع في منطقة كثيرة الحركة والتعرق قريبا من الاحليل والفرج ، وطوله يؤدي إلى احتفاظه بالمواد العرقية ذات الروائح الكريهة ، والاصابة بالأمراض الجلدية المختلفة ، خصوصا الفطريات ، والعفنيات ، وقمل العانة ، إضافة إلى أنّه يعيق عملية الجماع عند الانسان.

لتلك الأسباب المارة ، أكد الاسلام على ضرورة العناية بالشعر بصورة دائمة ويومية ، لما فيه من فوائد نفسية وصحية ، لها آثار غير مباشرة على تكامل شخصية الانسان وروحه ، وقد وردت أحاديث كثيرة عن الرسول الأكرم (ص) وأهل بيته الأطهار (ع) حول نظافة الشعر والعناية به منها :

قال النبي (ص) :

«احلق فإنّه يزيد في جمالك».

«من اتخذ شعرا فليحسن ولايته أو ليجزه».

«من السنة أن تأخذ من الشارب حتى يبلغ الاطار ـ أي إطار الفم ـ ولا يكون الشعر على الشفة».

«لا يطولن أحدكم شاربه ، فإنّ الشيطان يتخذه مخبئا يستتر به».

«لا يطولن أحدكم شاربه ، ولا شعر إبطيه ، ولا عانته ، فإنّ الشيطان يتخذها مخبئا يستتر بها».

٢٣٣

«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يترك عانته فوق أربعين يوما ، ولا يحل لإمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تدع ذلك منها عشرين يوما».

وقال الامام علي (ع) :

«إنّ الشعر على الرأس إذا طال ، ضعف البصر ، وذهب بضوء نوره ، وطم الشعر يجلو البصر ، ويزيد في ضوئه».

«نتف الابط ينفي الرائحة المكروهة ، وهو طهور وسنة مما أمر به الطيب».

«المشط يذهب بالوباء».

وقال الامام جعفر الصادق (ع) :

«الرجل يقلم أظافره ، ويجز شاربه ، ويأخذ من شعر لحيته ، ورأسه ، سنّة».

«لا تكثر من وضع يدك في لحيتك ، فإنّ ذلك يشين الوجه».

«أخذ الشعر من الأنف يحسن الوجه».

رابعا : تقليم الأظافر : خلق الله تبارك وتعالى الأظافر من مواد صلبة لمساعدة الكفين والقدمين في القيام بواجباتها على أحسن الوجوه أثناء العمل ، وتثبيت قامة الانسان عند الحركة.

والأظافر : إحدى مقومات جمال وهيئة الانسان ، والعناية بها دليل آخر على كمال ونضوج فكره العقلي والصحي ، لأنّ الأظافر الطويلة من الناحية العملية مخدشة ، كأظافر الطيور والحيوانات ، ومعوقة للعمل.

أما من الناحية الصحية ، فإنّ الفراغ الموجود بين الاظفر والنهايات اللحمية للأصابع ، يصبح مكانا صالحا للأوساخ ، والمواد الغذائية المختلفة. ويتحول تدريجيا إلى بؤرة مرضية تزود الانسان بالمكروبات والأمراض بصورة دائمة.

ولهذا حث الاسلام المسلمين كافة على ضرورة تقليم الأظافر والعناية بها بصورة دورية ، حفظا على جمال وصحة الفرد المسلم.

٢٣٤

قال الرسول الأعظم (ص) : «تقليم الأظافر يمنع الداء الأعظم ، ويزيد الرزق».

وقال الامام الصادق (ع) : «من السنّة تقليم الأظافر».

خامسا : الختان : وهو إحدى السنن الآلهية القديمة ، التي أمر الله بها نبيه إبراهيم الخليل (ع) ، لما فيه من فوائد عديدة تهم سلامة الانسان وصحته ، وجاء الاسلام على لسان نبينا محمد (ص) ليؤكد على تلك السنة ، ويحببها في الأيام الاولى للمولود.

وبالرغم من كون الديانات الاخرى لا تقر (الختان) كسنة ، فإنها أذعنت الآن وأقرت بأنه ضروري ومهم من الناحية الصحية والنفسية للانسان.

فوائد الختان :

١ ـ يمنع تجمع ورسوب المواد البولية ، بين الحشفة والجلد ، وبذلك تقل نسبة التعرض للأمراض.

٢ ـ يمنع التهاب الجلد الموجود على الحشفة الذي قد يؤدي إلى حرقة شديدة في البول.

٣ ـ يمنع تضييق فتحة الجلد الموجود على الحشفة ، والذي يسبب بعض الأحيان انحباس البول ، وآلام شديدة لا تنتهي إلّا بإجراء عملية الختان.

٤ ـ يمنع نشوء الحساسية في المنطقة التناسلية.

٥ ـ يمنع سرعة الانزال أثناء العملية الجنسية ، وبالتالي يمنع المضاعفات والمشاكل الجنسية التي تنشأ عند الأشخاص غير المختونين.

٦ ـ دليل على الالتزام بالتعاليم والسنن الاسلامية.

قال الامام الصادق (ع) : «قال الله عزوجل لإبراهيم (ع) : تطهر ، فأخذ شاربه ، ثم قال : تطهر ، فنتف إبطيه ، ثم قال : تطهر ، فقلّم أظفاره ، ثم قال : تطهر ، فحلق عانته ، ثم قال : تطهر ، فاختتن».

٢٣٥

سادسا : التطيب : العطر أو الطيب ، دليل على جمال وكمال الانسان المسلم ، والشخص الذي يستعمل العطر مثله كالحديقة السيارة تنشر روائحها حيثما مرّ أو تواجد ، والطيب برهان محسوس على حسن الذوق ، وطراوة الروح ، وتجاوز للعقد النفسية ، وطريقة لطيفة لجذب إحترام الناس وحبهم.

ولا شك ، أنّ من يستعمل الطيب ، ويتذوقه ما هو إلّا إنسان نظيف البدن والملابس والمظهر.

وقد شجع الاسلام أتباعه على استعمال العطور ، لما فيها من فوائد روحية وإجتماعية ، وكان الرسول (ص) وهو القدوة الحسنة يستعمل الطيب ، ويوصي بذلك ، خصوصا في المناسبات العامة ، كأوقات الصلاة والأعياد وغيرها ، لأنّ رائحة الطيب تطغى على الروائح الكريهة التي تتولد في تلك المناسبات نتيجة الزحام.

أما دهن الجلد والعناية به فقد كان ضمن الوصايا التي أوصى بها الاسلام ونبّه إليها.

قال الامام علي (ع) : «لا ينبغي للرجل أن يدع الطيب في كل يوم».

«الدهن يلين البشرة ، ويزيد في الدماغ ، ويسهل مجاري الماء ، ويذهب القشف ، ويسفر اللون».

وقال الامام الصادق (ع) : «الطيب يشد القلب».

«العطر من سنن المرسلين».

وقال الامام الرضا (ع) : «الطيب من أخلاق الأنبياء» (١).

نظافة الزوجة : الزوجة أو المرأة تمثل نصف المجتمع ، وتقع عليها مسؤوليات كبيرة وخطيرة ، توجب عليها أن تكون المثال والنموذج للجيل الذي تشرف على تربيته في جميع الأبعاد ، الدينية والاجتماعية والصحية. فسلوك المرأة في تنظيف بدنها

__________________

(١) بتصرف عن كتاب الفقه (الآداب والسنن) لآية الله الشيرازي.

٢٣٦

وملابسها وأثاثها وبيتها ، يترك أثرا وانطباعا عند الأطفال الصغار ، ويجعل منهم قدوة حسنة في المستقبل.

ولا ننسى أن جمع الأوساخ بصورة يومية ، ووضعها خارج البيت ، يمنع العديد من الأمراض ، كما أنّ تنظيف الأثاث والأواني المستعملة في طبخ وتناول الطعام له أهمية صحية كبيرة ، أما تهيئة الغذاء النظيف والجيد والمتوازن في كمياته ونوعيته ، فهو وظيفة مهمة لها ارتباط بصحة وسلامة العائلة وتقع مسؤوليته على الزوجه.

ولعل ما ذكر في الغسول الواجبة ما ينطبق عليها ، خصوصا غسول : الحيض والنفاس وبعد المقاربة الجنسية. وقد حبّب الاسلام للمرأة أن تقوم بتزيين نفسها لزوجها ، وتعتني بشعرها ، وتزيل ما طال منه في بعض المناطق ، وتعطر نفسها ، وتظهر بأحلى ما يمكن أمام زوجها لكي تصرفه عن سلوك طريق الحرام.

روى السيّد المرتضى (رحمه‌الله) (١) ـ نقلا عن تفسير النعماني ـ بإسناده عن اسماعيل بن جابر عن جعفر الصادق (ع) عن آبائه عن علي (ع) : «أنّ قوما من أصحاب رسول الله (ص) ترهبوا وحرموا على أنفسهم طيبات الدنيا ، وحلفوا على ذلك أنهم لا يرجعون إلى ما كانوا عليه أبدا ، ولا يدخلون فيه بعد وقتهم ذلك ، منهم عثمان بن مظعون وسلمان وعشرة من المهاجرين والأنصار.

فأما عثمان بن مظعون فحرم على نفسه النساء ، فجاءت امرأته إلى بيت ام سلمة (رض) وكانت امرأة جميلة ، فنظرت إليها ام سلمة ، وقالت لها : لم عطلت نفسك من الطيب والصبغ والخضاب وغيره؟ فقالت : لأن عثمان بن مظعون ما قربني منذ كذا وكذا ، فقالت ام سلمة : ولم لا؟ قالت : لأنّه قد حرّم على نفسه النساء وترهب ، فأخبرت ام سلمة رسول الله (ص) بذلك ، فخرج إلى أصحابه وقال :

__________________

(١) رسالة المحكم والمتشابه : ص ١٠٥ ـ ١٠٦.

٢٣٧

أترغبون عن النساء؟ إنّي آتي النساء ، وأفطر بالنهار ، وأنام بالليل ، فمن رغب عن سنتي فليس منّي».

وأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ).

فقالوا : يا رسول الله! إنّا قد حلفنا على ذلك فأنزل الله عزوجل : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) إلى قوله : (ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ).

فحمل رسول الله (ص) صحابيا من أصحابه على العودة إلى الاستمتاع بالدنيا ، وعلى معاشرة زوجته .. هي دعوة ـ ضمنا ـ إلى زوجته كذلك : في الاستمرار في تجميل نفسها لزوجها حتى يسعدا بحياة زوجية طبيعية.

والاسلام الذي يعلم أنّ طبيعة المرأة ، كانثى ، تنطوي على الفتنة والاغراء لم يمنعها من رعاية هذه الطبيعة لتظل ذات فتنة وإغراء لذاتها ، وذلك بأن لا تهمل هذه الطبيعة ، وتتركها غير معتنى بها ، فتحجب خلق الله وفطرته فيها ، وبذلك تضعف صلتها بزوجها. وتزين المرأة يراه الاسلام لذلك متفقا مع خصائص طبيعتها. والاسلام يدعو الزوجة إلى تجميل نفسها لزوجها ، ويريدها أن تكون دوما ذات إغراء له.

أما الرجل فقد نصحه الاسلام بعدم الافراط في المقاربة الجنسية لأنها تضعف القدرة البدنية والعقلية ، ووضع شروطا لها : منها عدم المقاربة بعد الطعام ، أو في الحمام ، أو أثناء الحيض والنفاس ، وأن تكون المقاربة في مكان هادئ ومستور ، بعيدا عن نظر الأطفال وفضولهم ، كي لا يحصل الانحراف الجنسي والنفسي لديهم.

قال الامام علي (ع) : «كثرة الجماع تؤدي إلى الجنون ، وقلته تورث العنة».

وقال الشيخ الرئيس بن سينا :

واحفظ منيّك ما استطعت فإنّه

ماء الحياة يراق في الأرحام

٢٣٨

وله أيضا :

وإياك إياك العجوز ووطيها

فما هي إلّا مثل سمّ الأراقم

ولا تك في وطي الكواعب مسرفا

فإسرافه للعمر أقوى الهوادم

نظافة الطعام : الغذاء هو المادة الأساسية لبناء الجسم ، لذا ركز الاسلام عليه ، واشترط نظافته ونوعيته ، وعدم الافراط فيه ، لأنّ الافراط له مضاعفات مرضية كثيرة تؤثر على سلامة الانسان جسديا ونفسيا.

توّق إذا استطعت إدخال مطعم

على مطعم من قبل فعل الهواضم

وكل طعام يعجز السن مضغه

فلا تبتلعه فهو شرّ المطاعم

واجعل غذاءك كل يوم مرة

واحذر طعاما قبل هضم طعام

وهذه مسألة الصيام التي شرعها الله سبحانه وتعالى ، وكان يعدها السواد الأعظم من دعاة الحضارة الغربية وبعض الأغرار منا من الويلات الكبرى على الجسد والعقل معا ، أصبحت اليوم لديهم إكسيرا كبيرا يداوون به الجبن الأدبي وفقد عزيمة الرجولية ، وقد ألفوا في ذلك الكتب الضخمة ، إليك ما قاله عنه الدكتور (جبهاردت) في كتابه : (كيف يكون الانسان قوي الإرادة) ردّا على الذين يتوهمون أنّ في الصيام ضررا ، قال : «لا نشكّ في أنّ معترضا سيعترض على هذا العلاج الصومي ظانّا أنّ في الأخذ به ضررا على الصحة ، وهو اعتراض لا أساس له البتة. أما من حيث الصحة والطب فإنّ الصيام من العلاجات التي يجب الأمر بها والاعتراف بعظم فوائدها».

إلى أن قال متابعا في ذلك الدكتور (ستوهر) : «إنّ من الناس من كبر وعاش مقتنعا بأنّ طينته أرق وألطف من طينة غيره من الآدميين ، ومع ذلك فإنّ المراقب لأحوال أمثال هؤلاء الناس لتأخذه الدهشة ، إذا وقف على هذا المعمى الذي لا يحل وهو أنّه بينما يري الواحد من هؤلاء قد يقع على الأرض من الضعف والهزال إذا لم يقدم إليه ما اعتاده من كأس المرق يراه قبل بضعة أيام قد احتمل أعباء الرقص

٢٣٩

وتكاليفه بغاية النشاط والجلد طول الليل لغاية الساعة الاولى صباحا».

كما حرّمت الشريعة الإسلامية أكل وشرب بعض الأطعمة الضارة ، كالميتة والدم ولحم الخنزير ، والمشروبات الكحولية بأنواعها المختلفة.

ومن جهة اخرى شجعت المسلمين على أكل الفواكه بأنواعها لما فيها من فوائد لا تحصى ولا تعد حتى قال القرآن الكريم فيها :

(فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) (١)

(فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) (٢)

(فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) (٣)

وقال الرسول الأكرم (ص) :

«نحن قوم لا نأكل حتى نجوع ، وإذا أكلنا لا نشبع».

«لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب ، فإنّ القلب كالزرع يموت إذا كثر عليه الماء».

وقال لقمان الحكيم لإبنه :

(يا بنى! إذا إمتلأت المعدة نامت الفكرة ، وخرست الحكمة ، وقعدت الأعضاء عن العبادة).

الإسلام وآداب الطعام

١ ـ غسل اليدين قبل الطعام وبعده. قال الامام الصادق (ع) :

«من غسل يده قبل الطعام وبعده ، بورك له في أوله وآخره».

٢ ـ عدم أكل الطعام الحار.

__________________

(١) سورة الرحمن : الآية ٦٨.

(٢) سورة عبس : الآية ٢٤.

(٣) سورة الكهف : الآية ١٩.

٢٤٠