السيد علي الشهرستاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة المؤمل الثقافية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٠
كان التثويب الاول بعد الأذان : (الصلاة خير من النوم) ، فأحدث الناس هذا التثويب ، وهو حسن (١) .
وقال في كتاب (الحُجّة على أهل المدينة) :
قال أبو حنيفة : كان التثويب في صلاة الصبح بعد ما فرغ المؤذن من الأذان : (الصلاة خير من النوم) ، وأهل الحجاز (٢) يقولون : (الصلاة خير من النوم) في الأذان حين يفرغ المؤذن من « حي على الفلاح » أخبرنا إسرائيل بن يونس ، قال : حدثنا حكيم بن جبير ، عن عمران بن أبي الجعد ، عن الأسود بن يزيد أنّه سمع مؤذناً أذّن ، فلمّا بلغ « حي على الصلاة » [ كذا ] قال : (الصلاة خير من النوم) ، قال الأسود : ويحَك ! لا تزد في أذان الله .
قال : سمعت الناس يقولون ذلك .
قال : لا تفعل (٣) .
وقال الإمام محمد بن الحسن في (موطّئه) ـ بعد أن نقل عن عمر جعل « الصلاة خير من النوم » في نداء الصبح ، وبعدما حكى عن ابن عمر أنه كان أحياناً إذا قال : حي على الصلاة ، قال على أثرها : حي على خير العمل ـ : الصلاة خير من النوم يكون في نداء الصبح بعد الفراغ من النداء ، ولا نحب أن يُزاد في النداء ما لم يكن منه (٤) .
______________________
(١) كتاب الصلاة للشيباني .
(٢) قال السيّد البكري في حاشية (إعانة الطالبين ١ : ٢٣٦) : جرت عادة أهل مكة بتخصيصه [ أي قول المؤذن : الصلاة خير من النوم ] بالأذان الثاني ؛ ليحصل التمييز بينه وبين الأول .
(٣) كتاب الحجة للشيباني : ٨٤ ـ ٨٥ .
(٤) هامش الآثار للشيباني ١ : ١٠٢ عنه ص ٨٤ .
وعلق فقهاء الأحناف اللاحقون على كلام الشيباني ، وما حكى عن أبي حنيفة وفسروه طبق ما يرتضونه ...
فقال الكاشاني في (بدائع الصنائع) : وأمّا التثويب فالكلام فيه في ثلاثة مواضع :
أحدها : في تفسير التثويب في الشرع .
والثاني : في المحل الذي شُرِّع فيه .
والثالث : في وقته .
أمّا الأوّل فقد ذكر محمد في كتاب الصلاة ، قلت : أرأيتَ كيف التثويب في صلاة الفجر ؟ قال : كان التثويب الأول بعد الأذان الصلاة خير من النوم ، فأحدث الناس هذا التثويب [ أي قول حي على الصلاة حي على الفلاح مرتين ] وهو حسن . وفسّر [ الشيباني ] التثويب وبيّن وقته ، ولم يفسّر التثويب المحدث ولم يبيّن وقته ، وفسّر ذلك في (الجامع الصغير) وبيّن وقته ، فقال : التثويب الذي يضعه الناس بين الأذان والإقامة في صلاة الفجر « حي على الصلاة ، حي على الفلاح » مرتين حسن .
وإنما سماه محدثاً ، لأنه أُحدث في زمن التابعين ، ووصفه بالحسن ، لأنّهم استحسنوه ، وقد قال : ما رآه المؤمنون حسناً فهو عند الله حسن ، وما رآه المؤمنون قبيحاً فهو عند الله قبيح (١) .
______________________
(١) بدائع الصنائع ١ : ١٤٨ . والخبر تراه في : مسند أبي داود الطيالسي : ٣٣ / ٢٤٦ ، وهذا النَّصّ ممّا خرّجه العجلوني في : كشف الخفاء ٢ : ٢٤٥ / ٢٢١٤ أيضاً ، وعلق عليه بقوله : قال الحافظ ابن عبد الهادي ؛ مرفوعاً عن أنس بإسناد ساقط ، والأصح وقفه على ابن مسعود .
وأمّا محل ّالتثويب : فمحلّ الأول هو صلاة الفجر عند عامّة العماء ، وقال بعض الناس بالتثويب في صلاة العشاء أيضاً ، وهو أحد قولي الشافعي في القديم وأنكر التثويب في الجديد رأساً ... إلى أن يقول :
وأمّا التثويب المحدث فمحله صلاة الفجر ووقته ما بين الأذان والإقامة ، وتفسيره أن يقول حي على الصلاة حي على الفلاح على ما بيّن في (الجامع الصغير) ، غير أنّ مشايخنا قالوا : لا بأس بالتثويب المحدث في سائر الصلوات ؛ لفرط غلبة الغفلة على الناس في زماننا وشدة ركونهم إلى الدنيا وتهاونهم بأمور الدين ، فصار سائر الصلوات في زماننا مثل الفجر في زمانهم فكان زيادة الإعلام من باب التعاون على البرّ والتقوى ، فكان مستحسناً ، ولهذا قال أبو يوسف : لا أرى بأساً أن يقول المؤذن : السلام عليك أيّها الأمير ورحمة الله وبركاته ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، الصلاة يرحمك الله ، لاختصاصهم بزيادة شغل بسبب النظر في أمور الرعية ، فاحتاجوا إلى زيادة إعلام نظراً لهم !
ثمّ التثويب في كلّ بلدة على ما يتعارفونه : إمّا بالتنحنح ، أو بقوله : الصلاة الصلاة ، أو : قامت قامت ، أو : با يك نماز با يك كما يفعل أهل بخارى ، لأنّه الإعلام ، والإعلام إنّما يحصل بما يتعارفونه (١) .
وفي (المبسوط) للسرخسي : وكان التثويب الأول في الفجر بعد الأذان (الصلاة خير من النوم) مرتين فأحدث الناس هذا التثويب [ حي على الصلاة حي على الفلاح مرتين ] وهو حسن ... إلى أن يقول : قوله « فأحدث الناس هذا التثويب
______________________
(١) بدائع الصنائع ١ : ١٤٨ .
إشارة إلى تثويب أهل الكوفة ، فإنّهم ألحقوا الصلاة خير من النوم بالأذان ، وجعلوا التثويب بين الأذان والإقامة حي على الصلاة حي على الفلاح مرتين (١) .
وقال أيضاً : والتثويب في كلّ بلدة ما ما يتعارفونه : إما بالتنحنح ، أو بقوله : الصلاة الصلاة ، أو بقوله : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، لأنّه للمبالغة في الإعلام .
إلى أن يقول : وإنّما يُستحسَن التثويب لأنّ الدعاء إلى الصلاة في الأذان كان بهاتين الكلمتين فيستحسن التثويب بهما أيضاً . هذا اختيار المتقدمين ، وأما المتأخرون فاستحسنوا التثويب في جميع الصلوات ، لأنّ الناس قد ازداد بهم الغفلة وقلّما يقومون عند سماع الأذان فيستحسن التثويب للمبالغة في الإعلام ، فمثل هذا يختلف باختلاف أحوال الناس . وقد روي عن أبي يوسف أنّه قال : لا بأس بأن يُخَصَّ الأمير بالتثويب ، فيأتي بابه فيقول : السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته ، حيّ على الصلاة مرتين حي على الفلاح مرتين يرحمك الله ، لأنّ الأمراء لهم زيادة اهتمام بأشغال المسلمين ورغبة في الصلاة بالجماعة ، فلا بأس بأن يُخَصّوا بالتثويب . وقد رُويَ عن عمر أنّه لما كثر اشتغاله نَصَب من يحفظ عليه صلاته ، غير أنّ محمداً رحمه الله كره هذا (٢) .
وقال ابن نجيم في (البحر الرائق) : التثويب : وهو نوعان : قديم وحادث .
فالأول : الصلاة خير من النوم ، وكان بعد الأذان إلّا أنّ علماء الكوفة ألحقوه بالأذان .
______________________
(١) المبسوط ١ : ٣١٠ .
(٢) المبسوط ١ : ١٣١ .
والثاني : أحدثه علماء الكوفة بين الأذان والإقامة : حيّ على الصلاة مرتين ، حيَّ على الفلاح مرتين . إلى أن يقول :
فعلى هذا إذا أحدث الناس إعلاماً مخالفاً لما ذُكر جاز ، كذا في (المجتبى) . وأفاد أنّه لا يخص صلاة بل هو في سائر الصلوات ، وهو اختيار المتأخرين لزيادة غفلة الناس وقلما يقومون عند سماع الأذان . وعند المتقدمين هو مكروه في غير الفجر ، وهو قول الجمهور كما حكاه النووي في (شرح المهذّب) لما رُوي أنّ علياً رأى مؤذناً يثوّب في العشاء قال : اخرجوا هذا المبتدع من المسجد ، وعن ابن عمر مثله ... ولحديث الصحيحين : مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رِدّ (١) .
وقال القاضي خان في (شرح الجامع الصغير) : والتثويب القديم « الصلاة خير من النوم » في رواية البلخي وأبي يوسف عن أصحابنا في نفس الأذان ، والأصح أنه كان بعد الأذان ؛ لأنه مأخوذ من الرجوع ، والعود إما يكون بعد الفراغ . وأفاد أنّه لا يخصّ شخصاً دون آخر ، فالأمير وغيره سواء وهو قول محمّد ، لأنّ الناس سواسية في أمر الجماعة . وخصّ أبو يوسف الأميرَ وكلّ مَن كان مشتغلاً بمصالح المسلمين كالمفتي والقاضي والمدرس بنوع إعلام ... (٢) .
وقال أبو الوفاء الأفغاني ـ محقّق كتاب (الآثار) للشيباني ـ :
وذكر أبو الحسن القدوري في (شرح مختصر الكرخي) في حق التثويب ـ بعد ما
______________________
(١) البحر الرائق ١ : ٤٥٢ .
(٢)
نقل عبارة الأصل وأنه بعد الأذان لا في صلبه (١) ، وبعد ما نقل عن كتاب (الآثار) ، أثر إبراهيم هذا وقول الإمام محمد فيه : (وبه نأخذ وهو قول أبي حنيفة) ـ :
... قال الحسن في كتاب (الحجة) : قال أبو حنيفة : التثويب إذا فرغ من الأذان قال : الله أكبر ، الله أكبر ، ثم قال : « الصلاة خير من النوم » مرتين ، قال الحسن : وفيها قول آخر أنّه يؤذّن ويمكث ساعة ثمّ يقول « حي على الصلاة » مرتين ، قال : وبه ناخذ .
قال أبو يوسف في (الجوامع) : التثويب بين الأذان والإقامة لا يجعله في صلب الأذان (٢) . وذكر الطحاوي في التثويب الأول أنه يقوله في نفس الأذان (٣) ، وذكر ابن شجاع عن أبي حنيفة أنّ التثويب الأول يقوله في نفس الأذان ، والثاني ـ أي حي على الصلاة حي على الفلاح الذي أحدثه الناس بعد الأذان ـ فيما بين الأذان والإقامة (٤) .
وأما وجه ظاهر الرواية التي جعلت التثويب الأول بعد الأذان ، فروى أبو يوسف عن كامل بن العلاء عن أبي صالح أبي محذورة قال : كان التثويب مع الأذان « الصلاة خير من النوم » مرتين .
وعلق الأستاذ أبو الوفاء الأفغاني على النَّصِّ السابق بقوله : وقوله معه (٥) لا يُفهَم أنه كان مفعولاً فيه ، وكان خبر بلال رضي الله عنه أنه يؤذن فإذا فرغ من أذانه
______________________
(١) أُنظر : شرح معاني الآثار ١ : ١٣٧ ـ الباب ٣ .
(٢) أُنظر : مواهب الجليل ١ : ٤٣١ .
(٣)
(٤)
(٥) اشارة إلى كلام أبي محذورة : كان التثويب مع الأذان : الصلاة خير من النوم مرتين .
مشى إلى رسول الله وقال : الصلاة خير من النوم ، فلما أقر صلىاللهعليهوآله فعله بعد الأذان وجب أن يكون هناك موضعه ، لأنّه كان بعد الأذان فهو أبلغ في الإعلام . ثمّ ختم الأستاذ كلامه بالقول :
قلت [ والكلام للأفغاني ] : أما مذهب الإمام وصاحبه ـ كما عُلم من الروايات التي نقلت من عيون كتب المذهب : أن قوله « الصلاة خير من النوم » بعد الأذان ، فوالله أعلم متى هجر ، وصار تعامل الأمة على خلافه ، وقواعد المذهب مصرِّحة بأن لا يفتى إلّا بقول الإمام إلّا إذا صار تعامل القوم بخلافه فإنّه حينئذ لا يفتى به ، صرح به في (البحر الرائق) في بحث الشفق بعد المغرب . .
وأما ما نقله عن الطحاوي فهو في (شرح معاني الآثار) قال فيه : وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ، ومحمد (١) ، فوالله أعلم من أين له قولهم ، وكتب القوم مشحونة بخلافه ، وكذا قول القاضي خان في رواية البلخي وأبي يوسف من أين جُعلت له ، ومن أصحابنا ها هنا حتى رويا عنهم ، فكان ينبغي له أن يقول : رويا عن أبي حنيفة لا عن أصحابنا ، لأن أصحابنا : الإمام ، وصاحباه ، وزفر ، والحسن (٢) .
وبهذا فقد عرفت أن السيرة جرت عند الأحناف على الأخذ بالتثويب في الأذان رغم عدم ثبوته عند أبي حنيفة والشيباني وأبي يوسف ، بل تصريحهم بأنّه مما أحدثه الناس لاحقاً وفي زمن التابعين على وجه الخصوص .
______________________
(١) شرح معاني الآثار ١ : ١٣٧ ـ الباب ٣ .
(٢) أُنظر كلام الافغاني في هامش : الآثار للشيباني ١ : ١٠٣ ـ ١٠٤ .
التثويب عند المالكية
استند الإمام مالك بن انس (ت ١٧٩ هـ) على شرعية التثويب بخبر أبي محذورة ، فقال في (المدونة الكبرى) :
أخبرني ابن وهب عن عثمان بن الحكم بن جريح ، قال : حدثني غير واحد من آل أبي محذورة أن أبا محذورة قال : قال لي رسول الله : « اذهب فأذّن عند المسجد الحرام » .
قال : قلت : كيف أؤذن ؟
قال : فعلمني الأذان : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، ثم قال : ارجع وامدد من صوتك أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن محمّداً رسول الله ، أشهد أن محمّداً رسول الله ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الصلاة ، حيّ على الفلاح ، حيّ على الفلاح ، الصلاة خير من النوم في الأولى من الصبح ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله(١) .
فقيَّدَ الإمام مالك كغيره جملة : (الصلاة خير من النوم) بالأولى من الصبح ، وعلق محقق المدونة على قوله : (في الأولى من الصبح) بقوله :
يحتمل أن تكون الثانية هي الإقامة ، والأولى هي أذان الصبح ، أي ما فعل في المرة الأولى وهو الأذان ، ويحتمل أن الأولى هو الأذان الأول من أذانَي الصبح (٢) ـ أي
______________________
(١) المدونة الكبرى ١ : ٥٧ ـ ٥٨ ، باب ما جاء في الأذان .
(٢) المشهور عند أهل السنة بأن للفجر أذانين : أحدهما لايقاظ النائم ويؤتى به في الثلث الأخير من الليل والآخر إعلاماً لدخول الوقت ، فقد يكون مقصود الإمام مالك هو الاتيان به لما قبل الفجر ، لوحدة التعليل مع العلة ، وأن جملة الصلاة خير من النوم مع ايقاظ النائم وتوجهه للعبادة هي اقرب من أذان الفجر ، لأن الإنسان عند ذلك ليس بنائم حتى يقال له « الصلاة خير من النوم » .
لصلاة الليل المتقدم على أذان الصبح ـ لما في الحديث : إن بلالاً ينادي بليل فكلو واشربوا حتى ينادي ابن أمّ مكتوم . وكان ابن أمّ مكتوم رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال له : أصبحتَ أصبحت .
وقد اختلف المسلمون في عهد الإمام مالك في شرعية التثويب والترجيع حتى نقل ابن وهب عن ابن جريج أنّه قال : قال عطاء : ما علمت تأذين من مضى يخالف تأذينهم اليوم ، وما علمت تأذين أبي محذورة يخالف تأذينهم اليوم ، وكان أبو محذورة يؤذن على عهد النبي حتى أدركه عطاء وهو يؤذن (١) .
وفي موطّأ الإمام مالك ، عن عمه أبي سهل بن مالك عن أبيه ، قال : ما أعرف شيئا مما أدركت الناس عليه إلّا النداء بالصلاة (٢) .
ونقل الحطاب الرعيني عن مالك بأنّه يجيز ترك قول (الصلاة خير من النوم) لو كان في ضيعة لوحده بعيداً عن الناس ، وردّه صاحب (الطراز) ، فقال الرعيني : (الصلاة خير من النوم) يعني أنّه يثنيها وهذا مذهب المدونة وهو المشهور ، ومقابله لابن وهب يفردها .
قال في (التوضيح) : والمشهور قولها لمن يؤذّن في نفسه ... انتهى ، ويشير إلى قول مالك في مختصر ابن شعبان : فيمن كان في ضيعة متحيراً عن الناس فترك ذلك ؟ أرجو أن يكون في سعة .
وحمله اللخمي على الخلاف ، قال : وهذا القول أحسن ، لأنّه إنما يزيد ذلك في
______________________
(١) المدونة الكبرى ١ : ٥٨ .
(٢) موطأ مالك .
الأذان لإمكان أن يسمعه من كان في مضجعه فينشط للصلاة ، وأمّا من كان وحده أو معه من ليس بنائم فلا معنى لذلك ، انتهى .
ورده صاحب (الطراز) وقال : هذا فاسد ، فإنّ الأذان يتّبع على ما شُرِّع ، ألا تراه يقول : حي على الصلاة ، وإن كان وحده وكان ينبغي له أن يستحسن ترك ذلك أيضاً ولا قائل به ؟ ثمّ قال : ومجمل ما في (المختصر) على أنّه لا يبطل الأذان بترك ذلك لا أنّه ينبغي له تركه ، انتهى .
تنبيه : واختلف في مشروعية هذا اللفظ في (الموطّأ) أنّ المؤذّن جاء يؤذن عمر بن الخطاب للصلاة فوجده نائماً ، فقال : الصلاة خير من النوم ، فقال له : اجعلها في نداء الصبح .
وقيل : أمر بها رسول الله ، رواها أبو داود والنسائي في حديث أبي محذورة . قاله في (الطراز) واقتصر في (التوضيح) على الثاني فقال : أعلّق أنّ قول المؤذّن : الصلاة خير من النوم صادر عنه عليه الصلاة والسلام ذكره صاحب (الاستذكار) وغيره وقول عمر : اجعلها في نداء الصبح إنكار على المؤذن أن يجعل شيئاً من ألفاظ الأذان في غير محله كما ذكر مالك التلبية في غير الحج ، انتهى والله أعلم (١) .
أقول : لو صحّ كلام صاحب (الاستذكار) وغيره وأنّه مثل التلبية في غير الحج ، فهل يجوز قول : لبيك في غير الحج ، وقول : الصلاة خير من النوم في غير الصبح أم لا ؟ فإن قال بعدم جوازها فكيف يجيز مالك وأمثاله ذلك مع عدم إنكارهم له ، وإن قال بجوازه فمعناه أن لا لبس بين أن يأتي بهذه الجملة في محله وفي محل آخر .
______________________
(١) مواهب الجليل للحطاب الرعيني ٢ : ٧٣ .
المهم أنّ الحطاب الرعيني ذكر نسبة تشريع التثويب إلى رسول الله على سبيل التمريض لقوله : « وقيل أمر بها رسول الله » . وهذا يشير إلى عدم اطمئنانه بالصدور عن رسول الله ، أي أن رأيه مثل رأي الإمام الشافعي الذي يشكّ في شرعيته ، ولأجله أفرد التنبيه ليجلب رأي القارئ إلى موضوع حساس مع رعايته لحال العامة من الناس واشتهار التثويب عندهم .
وقال ابن رشد المالكي في (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) :
واختلفوا في قول المؤذن في صلاة الصبح : « الصلاة خير من النوم » هل يقال فيها أم لا ؟ فذهب الجمهور إلى أنه يقال ذلك فيها .
وقال آخرون : إنّه لا يقال ، لأنّه ليس من الأذان المسنون ، وبه قال الشافعي ، وسبب اختلافهم : هل قيل ذلك في زمان النبي صلىاللهعليهوآله أو إنما قيل في زمان عمر بن الخطاب (١) .
وعليه فالمالكية تقول بالتثويب في أذان الصبح خاصّة ، مع تشكيك البعض منهم في شرعيته وشرعية الترجيع .
ومما احتمله بهذا الصدد أن يكون المعنيّ بجملة في (الأولى من الصبح) والذي مرّ عن (المدوّنة) للإمام مالك قبل قليل هو ما يؤتى به لايقاظ النائمين ، ويتأكّد لك هذا المعنى بعد قليل فيما يحكيه أحمد بن حنبل عن شعيب بن حرب عن مالك بن أنس ... فانتظر .
______________________
(١) بداية المجتهد ١ : ٧٧ .
التثويب عند الحنابلة
قال الترمذي في (سننه) : قد اختلف أهل العلم في تفسير التثويب ، فقال بعضهم : التثويب أن يقول في أذان الفجر « الصلاة خير من النوم » ، وهو قول ابن المبارك وأحمد .
وقال إسحاق في التثويب غير هذا ، قال : هو شي أحدثه الناس بعد النبي صلىاللهعليهوآله ، إذا أذّن فاستبطأ القوم ، فقال بين الأذان والإقامة « قد قامت الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح » . وهذا الذي قاله إسحاق هو التثويب الذي كرهه أهل العلم والذي أحدثوه بعد النبي صلىاللهعليهوآله ، والذي فسّر ابن المبارك وأحمد أن التثويب أن يقول المؤذن في أذان الفجر « الصلاة خير من النوم » وهو قول صحيح ويقال له التثويب أيضاً ، وهو الذي اختاره أهل العلم ورأوه (١) .
وقال أحمد بن حنبل : حدّثنا شعيب بن حرب ، قال : قلت لمالك بن أنس : إنّ الصبح ينادي لها قبل الفجر ؟ فقال : قال رسول الله : إنّ بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا ، قلت : أليس قد أمره النبي أن يعيد الأذان ؟ قال : لم يزل الأذان عندنا بليل .
وقال أبو بكير : قال مالك : لم يزل الصبح ينادي بها قبل الفجر فأما غيرها من الصلاة فإنا لم نر ينادي بها إلّا بعد أن يحل وقتها (٢) .
قال الخرقي في (مختصره) : ويذهب أبو عبد الله إلى أذان بلال وفيه يقول في أذان الصبح « الصلاة خير من النوم » مرتين (٣) .
______________________
(١) سنن الترمذي ١ : ٣٨٠ ـ ٣٨١ ، الباب ٤٥ .
(٢) تنقيح التحقيق للحنبلي ١ : ٢٨٥ / الرقم ٤١٧ ، التحقيق في احاديث الخلاف لابن الجوزي ١ : ٣١٠ / الرقم ٣٨٠ ، الموطّا لمالك : ٧٢ ، القبس في شرط موطّأ مالك بن أنس ١ : ١٧٨ .
(٣) مختصر الخرقي ١ : ٢٣ . وأنت تعلم بأنّ أذان بلال كان بليل حسب رواياتهم ، فلا يمكن تشريعه للصبح ، فتأمل .
وقال ابن قدامة في (المغني) :
ولنا ما روى النسائي وأبو داود عن أبي محذورة قال : قلت : يا رسول الله علمني سنة الأذان . فذكره إلى أن قال بعد قوله حي على الفلاح : فان كان في صلاة الصبح قلت « الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم » الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلّا الله . وما ذكروه قال إسحاق : هذا شيء أحدثه الناس . . وقال الترمذي : وهو التثويب الذي كرهه أهل العلم .
ويُكره التثويب في غير الفجر سواء ثوّب في الأذان أو بعده ؛ لما روي عن بلال قال : أمرني رسول الله أن اثوّب في الفجر ونهاني أن اثوّب في العشاء ، رواه ابن ماجة (١) .
وقال المرداوي في (الإنصاف) ، قوله : « ويقول في أذان الصبح : الصلاة خير من النوم مرتين » . لا نزاع في استحباب قول ذلك ، ولا يجب على الصحيح من المذهب ، وعليه جماهير الأصحاب ، وعنه : يجب ذلك . جزم به في (الروضة) ، واختاره ابن عبدوس في (تذكرته) ، وهو من المفردات ...
ويكره التثويب في غير أذان الفجر ، ويكره بعد الأذان أيضاً ، ويكره النداء بالصلاة بعد الأذان ، والأشهر في المذهب : كراهة نداء الأمراء بعد الأذان وهو قوله « الصلاة يا أمير المؤمنين » ونحوه . قال في (الفصول) : يكره ذلك لأنه بدعة ، ويحتمل أن يخرجه عن البدعة لفعله زمن معاوية !! (٢)
______________________
(١) المغني ١ : ٢٤٥ ، وانظر : سنن ابن ماجة ١ : ٢٣٧ / ح ٧١٥ .
(٢) الإنصاف ١ : ٤١٣ ـ ٤١٤ .
وخلاصة الكلام أن الحنابلة تقول بالتثويب في صلاة الصبح خاصّة ، مستدلّين على ذلك برواية بلال وأبي محذورة ، وحيث إنّ بلالاً كان يؤذن بليل حسب نصوصهم فلا يمكن الاستدلال به للصبح خاصّة . وأمّا رواية أبي محذورة فلم تثبت حكايته ذلك عن رسول الله حسبما مَرَّ عليك قول الشافعي فيه قبل قليل ، وقد يكون لأجل هذا قال المرداوي : لا نزاع في استحباب قول ذلك ، ولا يجب على الصحيح من المذهب .
التثويب عند الإماميّة الاثني عشرية
قال الشيخ الطوسي في (الخلاف) : لا يستحب التثويب في حال الأذان ولا بعد الفراغ منه ، وهو القول بـ « الصلاة خير من النوم » في جميع الصلوات (١) .
وفي (النهاية) : ولا يجوز التثويب في الأذان ... ولا يجوز قول « الصلاة خير من النوم » في الأذان ، فمن فعل ذلك كان مبدعاً (٢) .
كما قال الشيخ في (المبسوط) (٣) والمرتضى في (الانتصار) (٤) بكراهته ، وقال ابن البراج في (جواهر الفقه) : بدعة وخلاف السنة (٥) .
وقال ابن الجنيد : لا بأس به في أذان الفجر خاصة (٦) .
______________________
(١) الخلاف ١ : ٢٨٦ ـ المسألة ٣٠ .
(٢) النهاية : ٦٧ .
(٣) المبسوط ١ : ٩٥ .
(٤) الانتصار : ١٣٧ ، وقال في الناصريات : ١٨٣ ، والرسائل ١ : ٢٧٩ : بدعة .
(٥) جواهر الفقه : ٢٥٧ ، وانظر : المهذب ١ : ٨٩ .
(٦) نقله عنه في : الذكرى : ١٦٩ .
وقال الجعفي : تقول في أذان صلاة الصبح بعد قولك : حي على خير العمل ، حي على خير العمل « الصلاة خير من النوم » مرتين وليستا من أصل الأذان (١) .
وقال ابن إدريس في (السرائر) (٢) وابن حمزة الطوسي في (الوسيلة) (٣) بالتحريم ، وهو ظاهر اختيار الشيخ في (النهاية) (٤) . سواء في ذلك أذان الصبح وغيره .
وقال المحقق الحلي في (المعتبر) و (المختصر) بكراهة القول في أذان الصبح وغيرها « الصلاة خير من النوم » (٥) . وقال محمد بن السعيد الحلي في (الجامع) : بدعة (٦) .
وقال العلّامة الحلي في (تذكرة الفقهاء) : التثويب عندنا بدعة ، وهو قول « الصلاة خير من النوم » (٧) . وقال : بتحريمه في (التبصرة) (٨) . وكذا ابن العلامة في (الإيضاح) (٩) . وعن الشهيد الأول في (البيان) : الأقرب التحريم إلّا للتقية (١٠) .
______________________
(١) انظر : الذكرى ٣ : ٢٣٨ ـ الفصل ١٣ ، مدارك الأحكام ٣ : ٢٩١ .
(٢) السرائر ١ : ٢١٢ ، وفيه : لا يجوز التثويب في الأذان .
(٣) الوسيلة : ٩٢ وفيه : عُدّ التثويب من المحظورات إلّا إذا أراد تنبيه قوم .
(٤) النهاية : ٦٧ .
(٥) المعتبر ٢ : ١٤٤ ، المختصر النافع : ٢٨ .
(٦) الجامع للشرايع : ٧١ .
(٧) تذكرة الفقهاء ٣ : ٤٧ / المسألة ٦٠ ، وانظر : إرشاد الأذهان ١ : ٢٥١ ، نهاية الأحكام ١ : ٤١٥ .
(٨) تبصرة المتعلمين : ٤٥ .
(٩) إيضاح الفوائد ١ : ٩٦ .
(١٠) البيان : ٧١ .
وفي (الذكرى) قال بالكراهية (١) ، وذهب ابن فهد إلى الكراهية أيضاً (٢) . وقال الكركي بالتحريم (٣) . والشهيد الثاني والمحقق الاردبيلي : بدعة (٤) .
وقال السيّد العاملي في (مدارك الأحكام) : واختلف الأصحاب في حكم التثويب في الأذان ـ الذي هو عبارة عن قول : « الصلاة خير من النوم » ـ بعد اتفاقهم على إباحته للتقية ، والمعتمد التحريم ؛ لنا أن الأذان عبادة متلقاة من صاحب الشرع ، فيُقتصَر في كيفيتها على المنقول ، والروايات المنقولة عن أهل البيت خالية من هذا اللفظ ، فيكون الإتيان به تشريعاً محرماً (٥) .
وحكى المحقق في (المعتبر) : أن في كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي من أصحابنا قال : حدثني عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله الصادق عليهالسلام قوله : ... إذا كنت في أذان الفجر فقل « الصلاة خير من النوم » بعد « حي على خير العمل » ، وقل بعده « الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله » ، ولا تقل في الإقامة « الصلاة خير من النوم » إنما هو في الأذان .
ثمّ نقل عن الشيخ في (الاستبصار) أنه حمل ذلك على التقية ، ثم قال : لست أرى هذا التأويل شيئاً ، فإنّ في جملة الأذان « حي على خير العمل » وهو انفراد الأصحاب ، فلو كان للتقية لما ذكره ، لكن الوجه أن يقال : فيه روايتان عن أهل البيت أشهرهما تركه (٦) .
______________________
(١) الذكرى : ١٧٥ .
(٢) المهذب البارع ١ : ٣١٥ .
(٣) جامع المقاصد ٢ : ١٨٩ .
(٤) روض الجنان : ٢٤٦ ، مجمع الفائدة ٢ : ١٧٧ .
(٥) مدارك الأحكام ٣ : ٢٩١ .
(٦) المعتبر ٢ : ١٤٤ ـ ١٤٥ ، وانظر الروايتين في : وسائل الشيعة ٥ : ٤٢٦ ـ الباب ٢٢ / ح ٦٩٩٤ ، ٦٩٩٥ .
ويمكن الجواب عنه : بأنّه ليس في الرواية تصريح بأنّه يقول : حي على خير العمل جهراً ، فيحتمل أن يكون المراد أنّه قال ذلك سرّاً ، يقول بعده « الصلاة خير من النوم » لكن هذه الرواية مخالفة لما عليه الأصحاب من تربيع التكبير في أول الأذان وتثنية التهليل في آخره ، وكيف كان فالمذهب ترك التثويب مطلقاً .
وقال المحقق الكركي في (جامع المقاصد) : وعلى كل حال فالتثويب حرام في الأذان والإقامة . وبينهما ، في أذان الصبح وغيره على الأصح ؛ لأنّ الأذان والإقامة متلقيان من الشرع كسائر العبادات التي لا مدخل للعقل فيها ، فالزيادة فيها تشريع فتكون محرمة (١) .
وفي صحيحة معاوية بن وهب قال : سألت أبا عبد الله عن التثويب الذي يكون بين الأذان والإقامة ؟ فقال : ما نعرفه (٢) .
وإنا إن شاء الله سنوضّح رأي مدرسة أهل البيت في بدعيتها (٣) ، وعدم جواز الأذان بها لا في الصبح ولا في غيره إلّا تقية .
التثويب عند الزيدية
جاء في كتاب (الأحكام) : قال يحيى بن الحسين (ت ٢٩٨ هـ) : وقد صح لنا أنّ « حيّ على خير العمل » كانت على عهد رسول الله يُؤذَّن بها ، ولم تُطرح إلّا في زمن
______________________
(١) جامع المقاصد ٢ : ١٩٠ . ولنا تحقيق في هذه الرواية وأمثالها ، راجع كتابنا (أشهد أنّ علياً ولي الله) .
(٢) الفقيه ١ : ١٨٨ / ٨٩٥ ، الكافي ١ : ٣٠٣ / ٦ ، وسائل الشيعة ٥ : ٤٢٦ / ٦٩٩٤ .
(٣) في فصلٍ خاص لم يدوّن بعد .
عمر بن الخطاب ، فإنّه أمر بطرحها وقال : أخاف أن يتّكل الناس عليها ، وأمر بإثبات « الصلاة خير من النوم » (١) .
وقال الإمام المؤيد بالله أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني (ت ٤٢٤ هـ) في كتاب (التحرير) ، قال القاسم : الصلاة خير من النوم محدث ضعيف ، أحدثوها في زمان عمر (٢) .
وقال الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة الحسني (ت ٦١٤ هـ) : لا ترجيع في الأذان ولا تثويب ، وهو قوله : الصلاة خير من النوم (٣) .
وقال الإمام أحمد بن المرتضى (ت ٨٤٠ هـ) في (شرح الأزهار) : والتثويب بدعة (٤) .
وقال الإمام الزيدي القاسم بن محمد (ت ١٠٢٩ هـ) في كتابه « الاعتصام بحبل الله » وفي « شرح التجريد » : وروى بن أبي شيبة قال : حدثنا عبده بن سليمان ، عن هشام بن عروة ، عن رجل يقال له إسماعيل قال : جاء المؤذن يؤذن عمر بصلاة الفجر فقال : الصلاة خير من النوم ، فأُعجب عمر بها ، وأمر المؤذّن أن يجعلها في أذانه ، وهو في (أصول الأحكام) وفي (الشفا) .
وفيه أيضا : ورُويَ عن ابن جريج قال : أخبرنا عمر بن حفص أنّ جده سعد القرظ أول من قال : « الصلاة خير من النوم » بخلافة عمر ، وبتوفي أبي بكر ، فقال عمر : بدعة ، وهو في (أصول الأحكام) ، وفي (الشفا) .
______________________
(١) الإحكام في الحلال والحرام ١ : ٨٤ .
(٢) التحرير
(٣) المهذب
(٤) شرح الازهار ١ : ٢٢٤ .
وفي (شرح التجريد) ... : وروى أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن حكيم بن جبير ، عن عمران بن أبي الجعد ، عن الأسود بن يزيد أنّه سمع موذناً يقول في الفجر « الصلاة خير من النوم » فقال : لا تزيدوا في الأذان ما ليس فيه ، وهذا في (أصول الأحكام) ، وفي (الشفا) .
وفي (الشفا) أيضاً : سُئل طاووس ، وحسن بن مسلم جالس عنده ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن ، متى قيل « الصلاة خير من النوم » ؟ فقال طاووس : أما إنّها لم تُقَل على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، قال : فثبت أنّه مُحدَث كما قاله القاسم ـ إلى أن يقول ـ :
قلت وبالله التوفيق : وكفى بهذا جرحاً عن رفعه إلى النبي ، لأنّ إنكارهم متضمن لتكذيب مَن رفعه ، والله الهادي (١) .
وقال أحمد بن قاسم العيسي اليماني الزيدي في « التاج المُذهَّب لأحكام المذهب » : فصل : وهما (أي الأذان والإقامة) مَثنى ، إلّا التهليل في آخرهما فإنّه مرة واحدة ، ومنهما (حيَّ على خير العمل) . يعني أن من جملة ألفاظ الأذان والإقامة (حيَّ على خير العمل) بعد : حيَّ على الفلاح .
والتثويب عندنا بدعة ، سواءً كان في أذان الفجر أو في غيره ، ومحلّه في الأذان فقط بعد « حي على الفلاح » قول المؤذّن « الصلاة خير من النوم » (٢) .
وجاء في (نيل الأوطار) للشوكاني ... وذهبت العترة والشافعي في أحد قوليه إلى أن التثويب بدعة ، قال في (البحر) : أحدثه عمر ، فقال ابنه : هذه بدعة ، وعن علي
______________________
(١) الاعتصام بحبل الله ١ : ٢٨٢ .
(٢) التاج المذهَّب لأحكام المذهب ١ : ٨٨ ـ الفصل ٤٣ .
حين سمعه : لا تَزيدوا في الأذان ما ليس منه ، ثم قال بعد أن ذكر حديث أبي محذورة ، وبلال :
قلنا : لو كان لِما أنكره علي وابن عمر وطاووس ، سلّمنا ، فأمرُنا به إشعاراً في حال لا شرعاً ، جمعاً بين الآثار (١) .
وعليه ، فالثابت الذي لا خلاف فيه أنّ الزيدية مثل الإمامية ترى بدعية « الصلاة خير من النوم » في الفجر وغيره .
التثويب عند الإسماعيلية
قال القاضي نعمان بن محمد بن حيّون الاسماعيلي (ت ٣٦٣ هـ) في (الإيضاح) : اختلف الرواة عن أهل البيت ـ صلوات الله عليهم ـ في التثويب في أذان الفجر ، وما بين الأذان والإقامة ، ففي كتاب (الصلاة) من رواية أبي ذر أحمد بن الحسين بن أسباط ، عن معاوية بن وهب قال : سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد عن التثويب الذي بين الأذان والإقامة ، فقال : ما أعرفه .
وفي كتاب (يوم وليلة) و (الجامع) من كتب طاهر بن زكريا ، و (جامع الحلبي) ، وكتاب (الصلاة) من رواية أبي ذر أحمد بن الحسين بن أسباط عن أبي عبد الله جعفر ابن محمد .
وفي كتاب حمّاد بن عيسى (٢) عن أبي جعفر فيما حُكيت من هذه الكتب من
______________________
(١) نيل الأوطار ٢ : ١٨ ـ عن البحر . وانظر : السيل الجرار ١ : ٢٠٦ وفيه كلام آخر .
(٢) روايته عن حريز عن زرارة بن أَعين .