السيد علي الشهرستاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة المؤمل الثقافية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٠
الروح بالبدن ، بل عدم جدوائية ظاهر طاعة الله ورسوله مع إبطان بغض عليّ عليهالسلام وآله . فصلاة الجمعة والعيدين مثلا لا تجبان إلّا عند حضور الإمام المعصوم أو من نَصَبَهُ الإمام (١) .
وكذا الأراضي المفتوحة عنوة فهي مشروطة بإذن المعصوم ، وأيضاً تقسيم السبايا والفروج والغنائم ، وإقامة الحدود ، وتحليل الخمس للشيعة لتطيب مواليدهم ، مع غيرها من عشرات الأحكام ، المنوطة بإذن الإمام .
ومثله لزوم ذكر أسماء الأئمّة في خطب الجمعة ، وإجمال ذكر أسمائهم في تشهّد الصلاة بذكر جملة : « اللهم صل على محمد وآل محمد » .
فما تعني هذه الأمور ؟ بل ماذا يعني المرويّ عنهم عليهمالسلام : « الجمعة لنا والجماعة لشيعتنا » (٢) ؟ أو قوله عليهالسلام : « لا صلاة يوم الفطر والأضحى إلّا مع إمام ؟ » (٣)
فهل هناك تلازم بين الإمامة ومسائل الفقه ؟ أم الأمر جاء عفوياً وغير ملحوظ فيه هذا الأمر .
بل لماذا لا تصح صلاة الجماعة إلّا بإمام عادل عندنا ؟ وما السرّ في أن يكون المقدم والأولى في إمامة الجماعة هاشميّاً ؟
ولماذا يؤكّد الشارع على الإمامة في كلّ شيء حتّى لو كانوا ثلاثة فلا بدّ أن يكون أحدهم إماماً ؟
بل ماذا تعني العدالة في إمام الجماعة عند الإماميّة وعدم جواز الصلاة خلف
______________________
(١) انظر وسائل الشيعة ٧ : ٣٠٩ الباب ٥ .
(٢) أنظر جواهر الكلام ١١ : ١٥٨ ، نقله عن رسالة ابن عصفور .
(٣) وسائل الشيعة ٧ : ٤٢١ ـ الباب ٢ / ح ٢ .
الفاسق الفاجر ؟ وهل هي تشير إلى مسالة جوهرية عندهم ؟ ألا تدلّ كلّ هذه الأمور على مكانة الإمامة وأنّها إمامة اجتماعية ودينية ، تؤخذ أصولها من القرآن والسنّة ؟
بل على أيّ شيء يدلّ قوله تعالى : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) (١) ؟!
بل ماذا يعني إِخبار الباري سبحانه بأنّه وملائكته يصلّون على النبيّ في قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (٢) ؟!
فسبحانه لم يخبرنا عن ماضي فعله وأنّه قد صلّى على النبيّ في الزمن الغابر ، بل أخبرنا عمّا هو وملائكته فيه ، وأنّهم يصلّون على النبيّ في الحال والمستقبل إلى قيام يوم الدين .
ولم يكتف سبحانه وتعالى بهذا ، بل أمرنا أن نصلّي عليه وأن نُسَلِّم للأئمّة عليهمالسلام (٣) ، وذلك بقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) .
والؤمنون كانوا يعرفون السّلام على رسول الله صلىاللهعليهوآله ولا يعرفون الصلاة عليه ، فسألوه صلىاللهعليهوآله عن ذلك ففي مسند أحمد عن أبي مسعود عقبة بن عمرو ، قال : « أقبل
______________________
(١) الانشراح : ٤ .
(٢) الأحزاب : ٥٦ .
(٣) كما ورد في تفسيري : القمي ٢ : ١٩٦ و ١ : ١٤٢ ، وفرات الكوفي : ٣٤٢ / ح ٤٦٧ واُنظره في تفسير العياشي : ٢٥٥ / ح ١٨٢ ، والاحتجاج ١ : ٣٧٧ ، ومعاني الأخبار : ٣٦٧ / ح ١ ، والمحاسن ١ : ٢٧١ / ح ٣٦٣ ، وغير ذلك .
رجل حتّى جلس بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله ونحن عنده ، فقال : يا رسول الله ، أمّا السلام عليك فقد عرفناه ، فكيف نصلّي عليك إذا نحن صلّينا في صلاتنا صلّى الله عليك ؟
قال : فصمت رسول الله صلىاللهعليهوآله حتّى أحببنا أنّ الرجل لم يسأله ، فقال : إذا أنتم صلّيتم عَلَيَّ فقولوا : وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمّد النبيّ الأمّي كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد » (١) .
إذن من خلال بيان رسول الله والآية القرآنيّة نعرف بأنّ الله سبحانه صلّى عليهم وأمرنا بالصلاة عليهم في الصلاة وفي غيرها ، بل نهانا الرسول عن الصلاة عليه بالصلاة البتراء (٢) . بأن نذكره ولا نذكر آله معه .
وهذا يعني بأنّ الصلاة على النبي وآله غدت من الضروريات في الأحكام
______________________
(١) مسند أحمد ٤ : ١١٩ ، وانظروه في صحيح البخاري ٣ : ١٢٣٣ ، عن كعب بن عجره و ٥ : ٢٣٣٨ / ح ٥٩١٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٩٣ / ح ٩٠٤ ، سنن الترمذي ٢ : ٥٢ ـ ٣٥٣ باب ٣٥١ / ح ٣٤٨٣ ، سنن النسائي ٣ : ٤٧ ، ٩ باب ٥٠ / ح ١٢٨٦ ، ١٢٩٣ مسند أحمد ٣ : ٤٧ ، ٤ : ٢٤١ .
(٢) أورده الطحاوي في حاشيته على مراقي الفلاح ١ : ٨ ، من دون ذكر الاسناد ، وأخرج الدارقطني والبيهقي حديث : من صلى علي ولم يصل على أهل بيتي لم تتقبل منه ، انظر مقدَّمَة مسند الإمام زيد : ٣٣ ، ورواه أبو القاسم حمزة بن يوسف بن إبراهيم السهمي ت ٤٣٧ في تاريخ جرجان ص ١٤٨ ط حيدر آباد : حدثنا أبو إبراهيم إسماعيل بن إبراهيم العلوي بواسط ، حدثنا الحسن بن الحسين الجرجاني الشاعر ، حدثني أحمد بن الحسين ، حدثني الفضل بن شاذان النيسابوري باسناد له [ وهو الإمام الرضا من آبائه ] رفعه عن علي بن الحسين ، عن أبي ، عن جده ، قال : ان الله فرض على العالم الصلاة على رسول الله وقرننا به ، فمن صلى على رسول الله صلىاللهعليهوآله ولم يُصَلِّ علينا لقي الله وقد بتر الصلاة عليه وترك أوامره .
الشرعية والأدعية المأثورة والزيارات للمعصومين ، وهو ليؤكّد على مكانتهم ومنزلتهم في المنظومة الإلهية ، وهذا ما جزم به الإمام الشافعي في قوله :
يا أهل بيتِ رسول الله حُبُّكُمُ |
|
فَرْضٌ من اللهِ في القرآنِ أنزلَهُ |
كفاكُمُ من عظيمِ القَدْرِ أَنَّكُمُ |
|
من لم يُصَلِّ عليكم لا صلاةَ لَهُ (١) |
أجل إنّ الرسول الأعظم سأل جبرئيل عن كيفيّة رفع الذكر في قوله تعالى : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) ، فقال جبرئيل : قال الله : « إذا ذُكِرْتُ ذُكِرْتَ معي » (٢) .
وفي (دفع الشبه عن الرسول) للحصني الدمشقي في قوله تعالى : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : « المراد الأذان والإقامة والتشهّد والخطبة على المنابر ، فلو أنّ عبداً عبد الله وصدّقه في كلّ شيء ولم يشهد أنّ محمّداً رسول الله لم يسمع منه ولم ينتفع بشيء وكان كافراً » (٣) .
وقال ابن كثير في البداية النهاية : « ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) فليس خطيب ولا شفيع ولا صاحب صلاة إلّا ينادي بها : أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله ، فقرن الله اسمه باسمه في مشارق الأرض ومغاربها وجعل ذلك مفتاحاً للصلاة المفروضة » (٤) .
______________________
(١) مرقاة المفاتيح ١ : ٦٧ ، إعانة الطالبين ١ : ١٧١
(٢) دفع الشبه : ١٣٤ .
(٣) دفع الشبه عن الرسول صلىاللهعليهوآله : ١٣٤ .
(٤) البداية والنهاية ٦ : ٢٨٣ باب القول فيما اعطى ادريس عليهالسلام إمتناع الأسماع ٤ : ١٩٤ .
أبوبكر وأهل البيت
وروى السيوطي عن ابن مردويه ، عن أنس بن مالك وبريدة ، قالا : « قرأ رسول الله هذه الآية ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ ) فقام إليه رجل فقال : أيّ بيوت هذه يا رسول الله ؟ قال : بيوت الأنبياء ، فقام إليه أبو بكر فقال : يا رسول الله هذا البيتِ منها ـ بيت عليّ وفاطمة ـ قال : نعم من أفاضلها » (١) .
وعن أبي جعفر الباقر عليهالسلام أنّه قال : « هي بيوت الأنبياء وبيت عليّ منها » (٢) .
فما يعني أن يأذن الله برفع اسمه في بيت عليّ وفاطمة ، وعلى أيّ شيء يدلّ ذلك ؟ ألا يدلّ هذا على رتبة لعلي وفاطمة هي من جنس رتبة الأنبياء ؟! ثمّ ألا يدلّ هذا على السيادة والإمامة لهم من بعد رسول الله ؟!
ولقائل أن يقول : « إنّ هذه الروايات هي روايات شيعية ؟ »
فنجيبهم : ما تقولون فيما رواه البخاري بإسناده عن أبي بكر وقوله : « ارقبوا محمّداً في أهل بيته » (٣) وعلى أيّ شيء يدلّ هذا الخطاب من أبي بكر للناس ؛ خاصّة إذا ضُمّ إليه ما ورد في أهل البيت عليهمالسلام عن الله ورسوله صلىاللهعليهوآله .
قال ابن حجر : « فالمراقبة للشيء المحافظة عليه ، ومعنى قول الصديق احفظوه فيهم فلا تؤذوهم ولا تسيئوا إليهم » (٤) .
______________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٢٠٣ ، تفسير الثعلبي ٧ : ١٠٧ .
(٢) تفسير القمي ٢ : ١٠٤ ، وعنه في بحار الأنوار ٢٣ : ٣٢٧ ح ٦ .
(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٣٦١ ، فضائل الصحابة باب مناقب قرابة رسول الله صلىاللهعليهوآله ح ٣٥٠٩ .
(٤) فتح الباري ٧ : ٧٩ باب مناقب قرابة رسول الله صلىاللهعليهوآله .
وقال النووي : « ومعنى (ارقبوا) راعوه واحترموه وأكرموه » (١) .
ألم يكن في تأكيد الله على الصلاةَ على الرسول والآل دلالة واضحة على قربهم من الله ؛ بل إمامتهم المطلقة كما جزم بذلك الاقترانُ بين الكتاب وأهل البيت على ما هو صريح حديث الثقلين .
من هذا المنطلق نقرأ وصيّة أبي بكر : « ارقبوا محمّداً في أهل بيته » (٢) ؛ فنحن لا نشكّ في أنّه يعلم جيّداً مكانة أهل البيت السماوية عند الله ورسوله ، يرشدك إلى ذلك إصرار أبي بكر على الاعتذار من فاطمة لترضى عنه ، لكنّها صلوات الله عليها ماتت وهي واجدة عليه وعلى عمر ـ كما في البخاري (٣) ـ ولم يُصَلِّ عليها أبو بكر ولم يُؤْذَنْ هو ولا عمر بحضور جنازتها ، وذلك بوصية منها (٤) .
ومن ذلك قوله : « ليتني لم أكشف عن بيت فاطمة » (٥) .
فهذا وما سبقه لو جمع مع ما رواه مسلم وغيره عن زيد بن أرقم الذي قال : « قام رسول الله يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خُمّاً بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذَكَّر ثمّ قال :
______________________
(١) رياض الصالحين للنووي : ٨١ ، الباب ٤٣ ح ٣٤٧ .
(٢) انظر صحيح البخاري ٣ : ١٣٦١ / ح ٣٥٠٩ ، ٣ : ١٣٧ / ح ٣٥٤١ .
(٣) صحيح البخاري ٤ : ١٥٤ / ح ٢٩٩٨ ، وانظر ٣ : ١١٢٦ / ح ٢٩٢٦ ، وفيه : فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله فهجرت ابا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت .
(٤) صحيح البخاري ٤ : ١٥٤٩ / ح ٣٩٩٨ ، مصنف عبد الرزاق ٥ : ٤٧٢ / ح ٩٧٧٤ .
(٥) انظر تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٣٧ ، وفيه : ليتني لم أُفتش بيت فاطمة بنت رسول الله وأُدخله الرجال ولو كان أغلق على حرب ، وشرح النهج ٢ : ٤٧ و ٢٠ : ٢٤ والمتن عنه .
|
أمّا بعد ألا أيّها الناس فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين : أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحثَّ على كتاب الله ورغب فيه ، ثمّ قال : وأهل بيتي أذكّركمُ الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ... » الحديث (١) . |
لثبت بأنّه يعرف مكانة أهل البيت الدينية ، وقد خاف من عقبى مخالفته إيّاهم ، لوقوفه على قول النبي صلىاللهعليهوآله : « فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني » (٢) ، والباري جلّ وعلا يقول في كتابه العزيز : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (٣) .
كما أنّه وقف على قوله صلىاللهعليهوآله : « إنّ الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها » (٤) ، وقوله صلىاللهعليهوآله لفاطمة : « يا فاطمة ان الله عزّ وجلّ ليغضب لغضبكِ ويرضى لرضاكِ » (٥) .
______________________
(١) صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٣ ، مسند أحمد ٤ : ٣٦٦ ، سنن البيهقي ٢ : ١٤٨ .
(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٣٦١ / ح ٣٥١٠ ، ٣ : ١٣٧٤ / ح ٣٥٥٦ ، مصنف ابن أبي شيبة ٦ : ٣٨٨ / ح ٣٢٢٦٩ ، وفي نص آخر في صحيح البخاري ٥ : ٢٠٠٤ / ح ٤٩٣٢ ، صحيح مسلم ٢ : ١٩٠٢ / ح ٢٤٤٩ ، ابن داود ٢ : ٢٢٦ / ح ٢٠٧١ ، ابن ماجة ١ : ٦٤٢ / ح ١٩٩٨ ، سنن الترمذي ٥ : ٦٩٨ / ح ٣٨٦٧ ، الأحاديث المختارة ٩ : ٣١٥ / ح ٢٧٥ : فإنما هي بضعة مني يريبني ما ارابها ويؤذيني ما آذاها .
(٣) الأحزاب : ٥٧ .
(٤) كنز العمال ١٢ : ٥١ / ح ٣٤٢٣٧ ، الديلمي عن علي .
(٥) معجم أبي يعلى ١ : ١٩٠ / ح ٢٢٠ ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٦٧ / ح ٤٧٣٠ ، قال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، مجمع الزوائد ٩ : ٢٠٣ ، قال رواه الطبراني واسناده حسن .
وفي (صحيح البخاري) قول النبي صلىاللهعليهوآله : « فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني » (١) .
فمن كانت لها هذه المنزلة بحيث إنّ الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها يكون إيذاؤها وإغضابها يؤذي ويغضب اللهَ ، فكان على أبي بكر أن يوصي بأن (يرقبوا محمداً في أهل بيته) .
قال النووي عند شرحه لهذا الحديث : « قال العلماء سُمِّيا ثقلين لعظمهما وكبر شأنهما ؛ وقيل : لثقل العمل بهما » (٢) .
« واتّباع القرآن واجب على الأمّة بل هو أصل الإيمان ، وهُدَى الله الذي بعث به رسوله ، وكذلك أهل بيت رسول الله تجب محبتهم وموالاتهم ورعاية حقهم ، وهذان الثقلان اللذان وصى بهما رسول الله » (٣) .
|
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى : « وكذلك آل بيت النبي (٤) لهم من الحقوق ما يجب رعايتها فإنّ الله جعل لهم حقاً في الخمس والفيء ، وأمر بالصلاة عليهم في الصلاة على رسول الله » (٥) . وقال فخر الدين الرازي : « جعل الله تعالى أهل بيت النبيّ مساوين له في خمسة أشياء : |
______________________
(١) صحيح البخاري ٣ : ٣٧٤ كتاب فضائل الصحابة ـ باب مناقب فاطمة عليهاالسلام / ح ٣٥٥٦ .
(٢) شرح صحيح مسلم للنووي ١٥ : ١٨٠ .
(٣) هذا كلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ٢٨ : ٤٩١ ، كما في العقيدة في أهل البيت من الافراط والتفريط للدكتور السحيمي ١ : ٢٢٥ .
(٤) اضافة « آل » إلى « البيت » غلط (انظر مفردات غريب القرآن للراغب) .
(٥) مجموع الفتاوى ٣ : ٤٠٧ .
|
أحدها : المحبة ، قال الله تعالى : ( فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ )(١) ، وقال لأهل بيته : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَ ) (٢) . والثانية : تحريم الصدقة ؛ قال صلىاللهعليهوآله : لا تحلّ الصدقة لمحمّد ولا لآل محمّد إنّما هي أوساخ الناس . والثالثة : الطهارة ؛ قال الله تعالى : ( طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ ) (٣) أي يا طاهر ، وقال لأهل بيته : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٤) . والرابعة : في السلام ؛ قال : « السلام عليك أيّها النبيّ » ، وقال لأهل بيته : « سلام على آل ياسين » . والخامسة : في الصلاة على النبيّ وعلى الآل في التشهّد » (٥) . |
ألا تدلّ هذه المقارنات والمساواة بين النبي وأهل بيته على كون بعضهم من بعض ، وأنّ لهم منزلة من الله لا ينالها غيرهم من هذه الأمة .
ولذلك صرّح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بذلك قائلاً : « لا يُقاس بآل محمد صلىاللهعليهوآله من هذه الأُمّة أَحَدٌ » (٦) .
______________________
(١) آل عمران : ٣١ .
(٢) الشورى : ٢٣ .
(٣) طه : ١ ـ ٢ .
(٤) الأحزاب : ٣٣ .
(٥) نقل كلام الرازي في الصواعق المحرقة ٢ : ٤٣٦ ـ ٤٣٧ ، فيض القدير ٢ : ١٧٤ ، نظم درر السمطين : ٢٣٩ ـ ٢٤٠ ، ينابيع المودة ٢ : ٤٣٥ .
(٦) نهج البلاغة ١ : ٣٠ / خ ٢ .
وقد خلطهم النبي صلىاللهعليهوآله بنفسه فقال : « نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد » (١) .
وقال الإمام الصادق عليهالسلام : « إنّا أهل بيت لا يقاس بنا أحد » (٢) ، ومثله ورد عن الإمام الباقر عليهالسلام (٣) .
وردّ ابن قدامة قول من أنكر سهم ذوي القربى فقال : « فهو مخالف لظاهر الآية ، فإنّ الله تعالى سمى لرسوله وقرابته شيئاً ، وجعل لها في الخمس حقّاً كما سمى للثلاثة الأصناف الباقية ، فمن خالف ذلك فقد خالف نصّ الكتاب » (٤) .
وقال ابن حزم ـ في من قال بعدم استحقاق ذوي القربى ـ : « هذه الأقوال في غاية الفساد لأنّها خلاف القرآن نصّاً وخلاف السنن الثابتة » (٥) .
وقال ابن قدامة : « لا نَعْلَمُ خلافاً في أنّ بني هاشم لا تحلّ لهم الصدقة المفروضة » (٦) .
وقال النووي : « انّ الزكاة حرام على بني هاشم وبني المطلب بلا خلاف » (٧) .
لماذا لا تحلّ الصدقة على آل محمّد ؟ (٨) بل هي محرمة عليهم .
ولماذا يميزهم الله ورسوله عن غيرهم من المسلمين ؟
______________________
(١) ذخائر العقبى : ١٧ .
(٢) معاني الأخبار : ١٧٩ / ح ٢ .
(٣) نوادر المعجزات : ١٢٤ .
(٤) انظر المغني لابن قدامة ٦ : ٣١٥ .
(٥) انظر المحلى ٧ : ٢٢٦ .
(٦) المغني ٢ : ٢٧٤ .
(٧) المجموع ٦ : ٢١٨ .
(٨) صحيح مسلم بشرح النووي ٧ : ١٧٩ كتاب الزكاة باب ترك استعمال آل النبي على الصدقة .
وما هو الترابط بين محمّد وآله ؟
وماذا تعني رواية البخاري « أما علمت أنّ آل محمّد لا يأكلون الصدقة » (١) . ألا تدلّ كلّ هذه النصوص على منزلتهم العالية في المنظومة الإلهية والتشريع الإسلامي .
قال النووي : قوله صلىاللهعليهوآله : « إنّما هي أوساخ الناس » تنبيه على العلة في تحريمها على بني المطلب ، وأنّها لكرامتهم وتنزيههم عن الأوساخ ، ومعنى أوساخ الناس انّها تطهير لأموالهم ونفوسهم كما قال الله تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ) (٢) فهي كغسالة الأوساخ (٣) .
وعليه فكلّ هذه النصوص المارة والأحكام الفقهية التي أشرنا إلى بعضها لتدلّ على عظمة هذا البيت الشريف ، وأنّ لهم سمات لا تكون عند الآخرين ، وحتّى أنّ أبا بكر كان يعلم بالصلة الموجودة بين أهل البيت وبيوت الأنبياء ، إذ لا معنى لأن يسأل أبو بكر عن بيت علي وفاطمة هل هو من بيوت الأنبياء ، إلّا أن يكون سؤاله ينطوي على معرفته بمكانتهما وأنّها من وزانٍ واحدٍ عند ربّ العالمين .
فكما أنّ النظر إلى الكعبة عبادة (٤) ، ففي الخبر أيضاً : « النظر إلى وجه عليّ عبادة » (٥) .
______________________
(١) صحيح البخاري مع الفتح كتاب الزكاة باب أخذ صدقة التمر ٢ : ٥٤١ / ح ١٤١٤ .
(٢) التوبة : ١٠٣ .
(٣) شرح صحيح مسلم للنووي ٧ : ١٧٩ .
(٤) أخبار مكة للأزرقي ٢ : ٨ ، عن يونس بن خباب و ٢ : ٩ عن مجاهد ، أخبار مكة للفاكهي ١ : ٢٠٠ عن مكحول ، الفردوس بمأثور الخطاب ٤ : ٢٩٣ / ح ٦٨٦٤ عن عائشة .
(٥)
المعجم الكبير ١٠ : ٧٦ ، المستدرك للحاكم ٣ : ١٥٢ / ح ٤٦٨١ ، قال : هذا حديث صحيح الإسناد وشواهده عن عبد الله بن مسعود صحيحة ، مجمع الزوائد ٩ : ١١٩ ، قال : رواه
الطبراني وفيه أحمد بن بديل الياحي وثقه ابن حبان وقال مستقيم الحديث ، وابن أبي حاتم قال :
وفيه ضعف
=
وكما أنّ لرسول الله أن يبيت جُنُبا في المسجد فلعلي أن يبيت جُنُباً في المسجد أيضاً (١) .
فهذه الأمور تؤكّد وجود خصوصية ومكانة لعلي لا تكون لغيره من الصحابة ، وهذا هو الذي بُيِّن في كلام الإمام الرضا عن جدّه الإمام الباقر عليهالسلام في تفسير قوله تعالى : ( فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) (٢) فقال : « هو لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، عليّ أمير المؤمنين ، إلى هاهنا التوحيد » (٣) .
وفيما أخرجه الكليني بسنده عن أبي بصير عن أبي جعفر في قوله تعالى : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ) (٤) قال : « هي الولاية » (٥) .
وفي رواية أخرى في الكافي : « أثافي الإسلام الصلاة والزكاة والولاية ، ولا تصحّ واحدة منهنّ إلّا بصاحبتها » (٦) .
______________________
وبقية رجاله رجال الصحيح ، تاريخ دمشق ٤٠ : ٩ ، ٤٢ : ٣٣٥ ـ ٣٥٥ ، رواه عن عدة من الصحابة منهم : أبو بكر ، عثمان بن عفان ، ابن مسعود ، معاذ بن جبل ، جابر بن عبد الله ، انس بن مالك ، ثوبان ، حمران بن الحصين .
(١) عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لعلي : يا علي لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك . سنن الترمذي ٥ : ٦٣٩ / ح ٣٧٢٧ ، وعن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لا ينبغي لاحد ان يجنب في هذا المسجد إلّا أنا وعلي ، المعجم الكبير ٢٣ : ٣٧٣ / ح ٨٨١ ، تخريج الأحاديث والآثار ١ : ٣٢٥ / ح ٣٣٣ .
(٢) الروم : ٣٠ .
(٣) تفسير القمي ٢ : ١٥٥ .
(٤) الروم : ٣٠ .
(٥) الكافي ١ : ٤١٩ / ح ٣٥ ، تفسير القمي ٢ : ١٥٤ ، وانظر كتابنا أشهد أنّ عليّاً ولي الله : ٤٧٦ .
(٦) الكافي ٢ : ١٨ باب دعائم الاسلام ح ٤ .
فما علاقة التوحيد بولاية عليّ عليهالسلام ؟
وكيف تكون ولاية عليّ هي الوسيلة الوحيدة لمعرفة للتوحيد الحقّة ؟
الجواب : إنّ طاعة الإمام عليّ عليهالسلام والإقرار له بالولاية تستلزم الإقرار الصحيح والاعتقاد السليم بالرسول والرسالة وبالتوحيد والعبودية لله .
والقيامُ بالحنيفية في قوله تعالى : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ) هو إقامة الوجه لله عبر الولاية والإقرار لوليّ الله ، ولا يصلح أحدهما أن يحلّ محلّ الآخر ، وذلك لا يُتَصوَّر إلّا بأن يقال بأنّ الولاية هي الصراط المستقيم للنبوّة والمنهج القويم للتوحيد ، وهو معنى آخر لما خلّفه رسول الله في أمّته من خلال حديث الثقلين ، وكونهم عليهمالسلام حبل الله الذي أمرنا بالاعتصام به (١) .
وليس هو كما يلقيه الخصم من أنّ الشيعة تعتقد بأنّ الولاية هي أهمّ من الشهادتين ، لما روي عن أبي جعفر الباقر قوله : « بُني الإسلام على خمس : الصلاة والصوم والزكاة والحجّ والولاية ولم يُنادَ بشيء كما نودي بالولاية » (٢) .
فأئمة أهل البيت أجابوا عن هذا بأنّه لا يتقدّم على الشهادتين شيء ـ لا الولاية ولا غيرها ـ ، بل إنّ أمر الشهادتين مفروغ عنه ، ومعنى : « بني الإسلام على خمس » أي انّ الإسلام المؤلَّف من الشهادتين قد بني على ركائز خمس هي الصلاة ، الصوم ، الزكاة ، الحج ، الولاية ، وأنّ الولاية أفضلها ، وما نودي بشيء كالولاية ، لأنّها امتداد للنبوّة لا أنّها قبال النبوّة والتوحيد ـ كما يُصَوِّر بعضهم ـ فلا
______________________
(١) انظر تفسير القمي ١ : ١٠٨ والأمالي للشيخ : ٢٧٢ المجلس ١٠ ح ٥١٠ وتفسير العياشي ١ : ١٩٤ ح ١٢٢ و ١٢٣ .
(٢) المحاسن ١ : ٢٨٦ / ح ٤٢٩ باب الشرائع ، والكافي ٢ : ١٨ باب دعائم الاسلام / ح ١ و ٣ و ٨ .
يمكن معرفة الله إلّا بالنبيّ ولا يمكن معرفة النبيّ والله جلّ جلاله معرفة مقبولة صالحة إلّا بالإمام المفترض الطاعة .
إذن الاعتقاد بالإمامة لا يُترك بحال بل لا يمكن تصوّر ذلك ؛ فهي ليست كالصلاة والصوم والزكاة والحجّ التي قد يرخّص في تركها في ظروف خاصّة .
فالحائض مثلاً تترك الصلاة ، والمريض معفو عن الصوم ، والزكاة والحج ساقطان عن الفقير ، أمّا الولاية فهي واجبة على المكلف سواء كان صحيحاً أم مريضاً وذا مال أم معسراً . وهذا ما قاله الإمام الباقر عليهالسلام توضيحاً لهذه المسألة (١) .
مضادة قريش مع الرسول وآله
أجل إنّ قريشاً سعت بكلّ قواها للوقوف أمام دين الإسلام ، لكنّ الله أبى إلّا أن يتمّ نوره ويرفع ذكر محمّد وآل محمّد ولو كره الكافرون ، الذين ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ) (٢) وقد جئنا أكثر من مرّة في بحوثنا بقول معاوية بن أبي سفيان وقوله لمّا سمع المؤذن يشهد بأن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله : « إلّا دفناً دفناً » ، كلّ ذلك مبارزة لقوله تعالى : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) (٣) ، ومحاولة لطمس هذا الذكر الشريف .
فهم حسدوا أهل البيت لما آتاهم الله من الفضل ، كما في تفسير قوله تعالى :
______________________
(١) الخصال : ٢٧٨ ح ٢١ باب الخمسة بسنده عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر الباقر .
(٢) التوبة : ٣٢ .
(٣) الانشراح : ٤ .
( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ) (١) والتي نزلت في عليّ عليهالسلام وما خصّ به من العلم (٢) .
وعن أبي جعفر عليهالسلام في نص آخر : « نحن الناس المحسودون على ما آتانا الله من الإمامة دون الخلق أجمعين » (٣) .
وروى الحاكم باسناده إلى أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلّا أدخله الله النار » (٤) .
بعد هذا العرض السريع نقول : لو جمعنا بين الآيتين القرآنيتين ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) (٥) مع ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ) (٦) والتي قال الإمام الباقر عليهالسلام في تفسيرها : « نحن أولئك » (٧) .
مع المروي عن أبي جعفر الباقر عن آبائه عليهمالسلام عن جدّه رسول الله صلىاللهعليهوآله في عليّ عليهالسلام : « وما أكرمني الله بكرامة إلّا وقد أكرمك بمثلها » (٨) .
______________________
(١) النساء : ٥٤ .
(٢) شرح نهج البلاغة ٧ : ٢٢٠ .
(٣) الكافي ١ : ٢٠٥ / ح ١ .
(٤) المستدرك للحاكم ٣ : ١٦٢ / ح ٤٧١٧ قال : حديث صحيح الاسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه وسكت عنه الذهبي في تلخيصه وأورده في السير ٢ : ١٢٣ في ترجمة فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله .
(٥) الانشراح : ٤ .
(٦) النور : ٣٦ ، ٣٧ .
(٧) الكافي ٦ : ٢٥٦ باب ما ينتفع به من الميتة / ح ١ .
(٨) أمالي الصدوق : ٥٨٣ المجلس الرابع والسبعون ح ١٦ .
مع المروي من طرق أبناء العامّة عن رسول الله صلىاللهعليهوآله في عليّ عليهالسلام : « أحبّ لك ما أحبّ لنفسي وأكره لك ما أكره لنفسي » (١) .
وعرفنا معنى رفع الذكر من قبل الله ، وكون بيت علي وفاطمة عليهماالسلام من تلك البيوت المرفوعة ، وأنّ الأنبياء والأوصياء هم الذين رفع الله ذكرهم ، وبهم يعرف الله .
لعرفنا بأنّ الله رفع ذكر الرسول وأهل بيته رغم حسد الحاسدين وكيد الكائدين ، وما من مكرمة لرسول الله إلّا وهي ممنوحة لعلي أيضاً باستثناء النبوّة كما يشير إليه حديث المنزلة : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه ليس نبيّ بعدي » (٢) وغيره من الأحاديث الصحيحة والمعتبرة كمرسلة الاحتجاج : « من قال محمّد رسول الله فليقل عليّ أمير المؤمنين » (٣) ، لأنّ علي بن أبي طالب هو نفس رسول الله بشهادة نصّ آية المباهلة وأخوه بنص حديث المؤاخاة .
وبذلك يكون ذكرهم هو من ذكر الله كما جاء صريحاً في موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله أنّه قال : « ما اجتمع في مجلس قوم لم يذكروا الله ولم يذكرونا إلّا كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة » ، ثمّ قال أبو جعفر : « انّ ذكرنا من ذكر الله وذكر عدوّنا من ذكر الشيطان » (٤)
______________________
(١) سنن الترمذي ٢ : ٧٢ / ح ٢٨٢ ، السنن الكبرى للبيهقي ٣ : ٢١٢ / ح ٥٥٨١ ، مصنف عبد الرزاق ٢ : ١٤٤ / ح ٢٨٣٦ ، مسند احمد ١ : ١٤٦ / ح ١٢٤٣ .
(٢) صحيح البخاري ٤ : ١٦٠٢ / ح ٤١٥٤ ، صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٠ / ح ٢٤٠٤ وفيه : إلّا أنّه لا نبيّ بعدي .
(٣) الاحتجاج ١ : ٢٣١ .
(٤) الكافي ٢ : ٤٩٦ / ح ٢ ، باب ما يجب من ذكر الله في كل مجلس و ١٨٦ / ح ١ ، باب تذاكر الأخوان ، وسائل الشيعة ٧ : ١٥٢ / ح ٨٩٨١ .
وقال الإمام الحسن عليهالسلام لمعاوية لما استنقص عليّاً وحاول الحط من ذكره : « أيّها الذاكر عليّاً ، أنا الحسن وأبي عليّ ، وأنت معاوية وأبوك صخر ، وأمّي فاطمة وأمّك هند ، وجدّي رسول الله وجدّك حرب ، وجدّتي خديجة وجدّتك قتيلة ، فلعن الله أخمَلَنا ذكراً ، وألأمنا حَسَباً ، وشرّنا قَدَماً ، وأقدمنا كفراً ونفاقاً » ، فقال طوائف من أهل المسجد : « آمين » (١) .
والعقيلة زينب قد أشارت إلى هذه الحقيقة أيضاً مخاطبة يزيد بقولها : « كد كيدك ، واسْع سعيك ، واجهد جهدك ، فوالله الذي شرّفنا بالوحي والكتاب والنبوّة والانتخاب ، لا تُدرك أمدنا ، ولا تَبلُغ غايتنا ، ولا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا يُرْخَضُ عنك عارها ... » (٢) .
إذن سعى القومُ لإطفاء نور الله وتحريف الشريعة ، بضرب جذورها ـ وهم الأئمّة مفاتيح معرفة التوحيد والنبوّة والقرآن ـ لكنّ الله أتمّ نوره وأكرم نبيّه بكرامات كثيرة .
وقد مَرَّ عليك دلالة القرآن والحديث النبويّ الشريف وأدعية المعصومين على التقارن الطولي بين اسمه واسم أوصيائه ، فمنها قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٣) .
______________________
(١) مقاتل الطالبيين : ٤٦ ، شرح نهج البلاغة ١٦ : ٤٧ .
(٢) الاحتجاج ٢ : ٣٧ ، عنه في بحار الأنوار ٤٥ : ١٦٠ .
(٣) والتي نزلت في عليّ انظر تفسير الطبري ٦ : ٢٨٦ ، تفسير القرطبي ٦ : ٢٢١ ، مرقاة المفاتيح ١١ : ٢٤٦ ، شرح المقاصد في علم الكلام ، للتفتازاني ٢ : ٢٨٨ ، قال : نزلت باتفاق المفسرين في علي بن أبي طالب ؟ ، وهي الآية ٥٥ من سورة المائدة .
وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) (١) .
وقوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ ) (٢) .
وقوله تعالى : ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) (٣) .
وقوله تعالى وغيرها من عشرات الروايات بل مئات الروايات من كتب جميع فرق المسلمين .
إذن هناك ترابط طولي بين الولايات الثلاث ـ لله ولرسوله ولأولي الأمر الذين ذكرهم الله في كتابه وعلى لسان نبيّه ـ فلا يمكن لأحد أن يعرف الله حقّ معرفته غير رسوله وأهل بيته المعصومين ، ولا يعرف النبي صلىاللهعليهوآله أحدٌ حقّ معرفته إلّا الله وأهل البيت ، ولا يعرف أهل البيت حقّ معرفتهم إلّا الله ورسوله ، فجاء في مختصر بصائر الدرجات عن رسول الله قوله : « يا علي ما عرف الله إلّا أنا وأنت ، وما عرفني إلّا الله وأنت ، وما عرفك إلّا الله وأنا » (٤) .
وفي كتاب سليم بن قيس عن رسول الله : « يا علي ما عُرف الله إلّا بي ثمّ بك ، من جحد ولايتك جحد الله ربوبيته » (٥) .
______________________
(١) النساء : ٥٩ .
(٢) الأنفال : ٤١ .
(٣) التوبة : ١٠٥ .
(٤) مختصر بصائر الدرجات : ١٢٥ .
(٥) كتاب سليم بن قيس : ٣٧٨ ، عنه في بحار الأنوار ٢٢ : ١٤٧ / ح ١٤١ .
إذن أهل البيت مذكورون في القرآن والسنّة المطهّرة ، وقد بنيت أحكام فقهية تدور مدارهم خاصّة بهم ، تشريفاً لهم ، وتعظيماً لحقّهم ، كما في الخمس وغيره ؛ لأنّهم كما قال الإمام علي عليهالسلام : « الشعار والأصحابُ الخزنة والأبواب ، ولا تؤتى البيوت إلّا من أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها سُمِّي سارقاً » (١) .
ومن هذا المنطلق لا نستبعد أن يكون أئمّة النهج الحاكم قد سعوا إلى تحريف كلّ ما يمت إليهم عليهمالسلام في الشريعة والتاريخ ، ثمّ الإتيان بما يشابهه في آخرين ، لأنّ من المعلوم بأنّ الأشياء القيّمة والثمينة يحاك ويصنع ما يشابهها كما نحن فيه هنا .
إمامة أهل البيت في الأذان
وعليه فموضوع الإمامة لم يكن من الأمور الاجتماعية البسيطة التي يناط أمرها إلى الناس ، بل هي من المواضيع الأساسية الهامة في بناء الدين ، أصولاً وفروعاً ، مظهراً وجوهراً ، ونحن في هذه الرسالة نريد أن نسلّط الضوء على جملتين موجودتين في الأذان ، وهاتان الجملتان مرتبطتان بموضوع الإمامة بنحو من الأنحاء ، نحن نطرحهما علي طاولة المناقشة والبحث :
إحداهما : ما تلهج به الشيعة الإمامية وتدين به تبعاً لرسول الله وجملة من الصحابة وجميع أهل البيت ، وهي جملة : « حيَّ على خير العمل » .
وثانيتهما : ما يلهج به أبناء العامّة تبعاً للمحكي عندهم عن رسول الله ، والمشكوك النسبة إلى بلال وأبي محذورة ، وهي جملة : « الصلاة خير من النوم » .
______________________
(١) من كلام لأمير المؤمنين عليهالسلام ، انظر نهج البلاغة ٢ : ٤٤ .
فنريد هنا أن نسلّط الضوء على ما تنطوي عليه هاتان الجملتان من معنى عقائدي علاوة على التفسير الشرعي المتضمَّن فيهما ؛ إذ ما المقصود من جملة « حيّ على خير العمل » .
وهل هي الولاية والإمامة والدعوة إلى برّ فاطمة وولدها عليهمالسلام حقّاً ـ كما جاء في بعض الأخبار (١) ـ ؟ أم هي الصلاة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأشباهها ؟
بل ماذا تعني جملة « الصلاة خير من النوم » ، هل تعني ما يفهمه الجميع ، أم فيها معنى باطن مكنون يُقابل ما جاء عن أهل البيت في تفسير معنى « حيّ على خير العمل » ، والتفسير المكنون لم يبح به الخصم بل يجب اكتشافه .
وبعبارة أوضح : هل الألف واللام في « الصلاة » وفي « النوم » في جملة : « الصلاة خير من النوم » هي لجنس الصلاة والنوم ، أم أنّ « الألف » و « اللام » للعهد ؛ أي لصلاة خاصّة ونوم خاص معهود عندهم ؟
ثمّ ما هو سرّ حذف الحيعلة الثالثة « حيَّ على خير العمل » واستبدالها في أذان الصبح خاصّة بـ « الصلاة خير من النوم » . ولماذا لا تستبدل بجملة غير هذه الجملة ؟
وهل هناك دافع مطويٌّ في تشريعها للصبح خاصّة دون الأوقات الأخرى كالظهر والعصر والمغرب والعشاء ؟
______________________
(١) التوحيد للشيخ الصدوق : ٢٤١ ، معاني الأخبار : ٤١ ، مناقب بن شهرآشوب ٣ : ١٠٧ ، وعنه في بحار الأنوار ٤٣ : ٤٤ / ح ٤٤ .