في صلاة الخوف
قال رحمهالله : فان صليت فرادى ، قيل : يقصر ، وقيل : لا.
أقول : التقصير مطلقا مذهب ابن الجنيد وابن البراج وأبي الصلاح ، واختاره العلامة والشهيد ، وقال ابن إدريس : هي مقصورة سفرا مطلقا ، وحضرا إن صليت جماعة.
قال رحمهالله : أخذ السلاح واجب في الصلاة ، ولو كان على السلاح نجاسة لم يجز على قول ، والأول أشبه.
أقول : قال الشيخ في المبسوط : والسلاح الذي يحمله ينبغي أن يكون خاليا من نجاسة ، والمشهور عدم الاشتراط للعموم (١٣٦) ، أو لكونه مما لا يتم الصلاة فيه منفردا.
تنبيه : مذهب العلامة في القواعد ان محل المفارقة للفرقة الأولى بعد كمال السجدتين ، لانتهاء الركعة بانتهائهما فينوون حينئذ الانفراد ، ومذهب الشهيد : [ان] محله حال الاعتدال وقيامه إلى الثانية ، لأنه محل الابتداء بالثانية ،
__________________
(١٣٦) النساء : ١٠٢.
ولأن الجميع صائر إلى القيام ، فالانفراد قبله لا فائدة له ، فيحدثوا نية الأفراد حينئذ ، ثمَّ استقرب الشهيد في دروسه وجوب نية الانفراد على الفرقة الثانية حين قعود الامام للتشهد.
قال رحمهالله : إذا صلى موميا فأمن ، أتم صلاته بالركوع والسجود فيما بقي ولا يستأنف ، وقيل : ما لم يستدبر في أثناء صلاته.
أقول : القول المشار اليه هو قول الشيخ في المبسوط ، والمشهور عدم الاستئناف وان استدبر ، لأنه مضطر إلى الاستدبار فكان سائغا ، لكنه ان كان راكبا وجب النزول ، ويمسك عن القراءة في حالة النزول حتى يستقر على الأرض.
فرع : إذا تمكن المطارد من النزول والسجود على الأرض وجب ، وان احتاج إلى الركوب بعده ركب ، ثمَّ ينزل للسجود في الثانية إن تمكن ، ويغتفر الفعل الكثير للحاجة.
في صلاة المسافر.
قال رحمهالله : الذي طوله أربعة وعشرون إصبعا ، تعويلا على المشهور بين الناس ، أو مدّ البصر من الأرض.
أقول : المسافة التي يجب معها القصر تعلم بأمرين : أحدهما الزمان والآخر التقدير.
أما الزمان فهو مسير يوم الصوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس للقفول والحمول ، سيرا معتدلا في الزمان المعتدل.
وأما التقدير فهو على ضربين :
أحدهما : ثمانية فراسخ ، والفرسخ ثلاثة أميال ، وللميل تقديران :
أحدهما : أربعة آلاف ذراع باليد ، كل ذراع ست قبضات ، كل قبضة أربع أصابع ، عرض كل إصبع ست شعيرات متلاصقات البطون ، عرض كل شعيرة سبع شعرات من شعر البرذون ، هذا هو المشهور ، وفي بعض الروايات : «الميل ثلاثة آلاف ذراع وخمس مائة» (١٣٧) ، وهي متروكة.
__________________
(١٣٧) الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ٢ من أبواب صلاة المسافر ، حديث ١٣.
والضرب الآخر : مد البصر في الأرض المستوية ، بحيث يتحقق الفارس من الراجل المستوي البصر.
فروع :
الأول : لو شك في المسافة وجب التمام ، لأنه الأصل ، وكذا لو اختلف المخبرون بحيث لا ترجيح.
الثاني : لو شهد عنده عدلان بالمسافة وجب القصر ، ولو عارضهما غيرهما وجب القصر أيضا ، ترجيحا لبينة الإثبات على بينة النفي.
الثالث : التقدير تحقيق لا تقريب ، فلو نقص خطوة أو ذراع لم يجز القصر.
الرابع : الزمان مع بلوغ المسافة ليس بمعتبر ، فلو قطعها بأقل من يوم أو أكثر فله القصر.
الخامس : اعتبار المسافة من جدران البلد لا من البساتين والمزارع.
السادس : لو جمع سور قرى لم يعتبر السور في المسافة من قريته ، ولو كان البلد كبيرا يخرج عن العادة فالمعتبر محلته.
السابع : البحر كالبر يقصر مع بلوغ المسافة وان قطعها في ساعة.
الثامن : لو قصر اتفاقا لم يجزه ، كما لو قصر قبل تحقق المسافة ثمَّ تبين ان المقصود مسافة ، أو صلى على التمام قبل تحقق المسافة ثمَّ سلم على الأوليين ناسيا ، ثمَّ تبين بعد الفراغ ان المقصود مسافة لم يجزه فعله ، ووجبت عليه إعادة الصلاة قصرا في الوقت ، فلو خرج فان كان خروجه بعد علمه بالمسافة قضاها قصرا ، وان كان قبله قضاها تماما ، لقوله عليهالسلام : «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» (١٣٨) وقد فاتته تماما فإنه مكلف بالتمام ما لم يتحقق المسافة ، ولم
__________________
(١٣٨) عوالي اللئالي ٢ : ٥٤.
يتحقق الا بعد خروج الوقت. ولم يوجب صاحب الموجز الإعادة إذا سلم على الأوليين ناسيا ثمَّ تبين المسافة.
التاسع : لو لم يقصد المسافة في ابتداء سفره ثمَّ قصدها في أثنائه ، اعتبرت حينئذ ولم يعتبر خفاء الموضع الذي قصد منه المسافة ، بل يجب القصر حين الضرب في الأرض.
العاشر : قصد المتبوع كاف عن قصد التابع ، كالزوجة والعبد والأجير.
الحادي عشر : من لا يجب عليه المتابعة كالولد والصديق والضيف إذا وطن نفسه عليها ، كفى قصد المتبوع عن قصده ، كواجب المتابعة.
الثاني عشر : لو عزم العبد والزوجة الرجوع بالعتق والطلاق وجب الإتمام.
الثالث عشر : المكره على السفر إذا ظن الوصول ولا مندوحة قصّر ، وان عزم الهرب مع الفرصة ـ وهي ممكنة ـ أو جهل المقصد فلا قصر.
قال رحمهالله : ولو كان الصيد لقوته وقوت عياله قصر ، ولو كان للتجارة ، قيل : يقصّر الصوم دون الصلاة ، وفيه تردد.
أقول : الصيد على ثلاثة أقسام : الأول : ما كان للهو والبطر ، وهذا لا يقصر إجماعا.
الثاني : ما كان لقوته وقوت عياله أو للصدقة ، وهذا يقصر إجماعا.
الثالث : ما كان للتجارة ، وهذا يقصر الصوم إجماعا ، وفي الصلاة قولان : أحدهما عدم القصر ، لروايات (١٣٩) دالة عليه ، وبه قال المفيد والشيخ في النهاية وابن إدريس ومحمد بن بابويه ، والآخر القصر ، لأن السبب الموجب
__________________
(١٣٩) راجع مستدرك الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ٧ من أبواب صلاة المسافر ، والمبسوط ١ : ١٣٦.
للقصر ـ وهو قصد المسافة مع اباحة السفر ـ وهو (١٤٠) حاصل هنا ، ولأنه كلما وجب قصر الصوم وجب قصر الصلاة إلا ما استثني في أماكن التخيير ، فان القصر في الصوم دون الصلاة ، إذ هو مخير فيها.
فروع :
الأول : العاصي في سفره ، كالساعي بالمسلم إلى الظالم ، وطالب الفتنة بين المسلمين ، والآبق ، والناشز ، والعاق ، وقاطع الطريق ، وطالب قتل معصوم الدم ، أو أخذ مال معصوم ، أو مطالب غريم بريئا ، أو لقصد الزنا ، أو لشرب الخمر.
والضابط : كل ما كان غايته حراما إذا غير نيته إلى المباح ، قصر إذا كان الباقي مسافة ، ولو بالعكس بان كان سفره مباحا فغير نيته إلى المعصية انقطع الترخص.
الثاني : إذا قصد الصبي مسافة فبلغ في أثنائها قصر وان كان الباقي دون المسافة.
الثالث : إذا عزم على مسافة فصاعدا ، وفي عزمه الإقامة في أثنائها ، فإن كان من ابتداء مسيره إلى الموضع الذي عزم فيه الإقامة مسافة ، قصر في تلك المسافة إلى موضع الإقامة فيتمم فيه ، ثمَّ ان كان من ذلك الموضع إلى منتهى سفره مسافة قصر فيها ، وان قصر أحد الطرفين عن المسافة فحكمه فيه الإتمام.
قال رحمهالله : وقيل : ذلك يختص بالمكاري ، فيدخل في جملته الملاح والأجير ، والأول أظهر.
__________________
(١٤٠) كذا.
أقول : يريد أن كثير السفر إذا أقام في بلده عشرة أيام مطلقا ، أو في غير بلده مع النية ، أو ثلاثين مرددة ، إذا خرج بعد ذلك يكون مقصرا ، ونقل المصنف اختصاص هذا الحكم بالمكاري والملاح دون باقي الأصناف ، والمشهور عدم الفرق بين المكاري وغيره ، وهو الذي عليه الأصحاب.
قال رحمهالله : وإذا أقام خمسة ، قيل : يتم ، وقيل : يقصّر نهارا صلاته دون صومه ، ويتم ليلا ، والأول أشبه.
أقول : المشهور أنه لا بد من العشرة ولا يكفي الخمسة ، واكتفى بها ابن الجنيد فالمسافر عنده إذا نوى خمسة في غير بلده ، وقال الشيخ في النهاية والمبسوط : يقصر الصلاة في النهار ويتم في الليل ، وتبعه ابن البراج ، والمستند الروايات (١٤١).
تنبيه : اختلف الأصحاب في تحديد الكثرة التي يتعلق بها وجوب الإتمام ، قال ابن إدريس : بالسفرة الأولى لذي الصنعة كالمكاري والملاح ، لأن صنعتهم تقوم مقام تكرر من لا صنعة له ممن سفره أكثر من حضره ، وبالثالثة لغيرهم.
وقال العلامة في مختلفة : والأقرب ان أرباب الصنائع لا يثبت فيهم التمام بأول مرة ، بل بثاني مرة ، قال : وكذا من لا صنعة له إذا جعل السفر عادته ، فإنه يجب عليه التمام في ثاني مرة إذا لم يتخلل الإقامة عشرة أيام.
وقال الشهيد بالثالثة ، وهو مذهب ابي العباس في موجزه ، لأن اسم الكثرة يراد به الجمع ، واقله ثلاثة ، ويخرج عن حد الكثرة بإقامة عشرة في بلده ، وان كانت متفرقة لا يفصل بينهما بمسافة ، كما لو قام ثلاثة أيام ، ثمَّ خرج إلى ما دون المسافة ثمَّ رجع فأقام ثلاثة ثمَّ خرج الى ما دون المسافة ورجع فأقام
__________________
(١٤١) الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ١٢ من أبواب صلاة المسافر.
أربعة ، فهذا يخرج عن حد الكثرة ، وفي غير بلده لا بد من ان يكون منوية أو يقيم شهرا مترددا.
واكتفى ابن الجنيد بالخمسة مع النية في غير بلده ، وفيه مطلقا ، بناء على أصله.
فرع : لو سافر البدوي لا للقطر والنبت ، والملاح وذو الصنعة في غير صنعته ، قصروا.
قال رحمهالله : وقيل : يقصر عند الخروج من منزله ويتم عند دخوله ، والأول أظهر.
أقول : المشهور بين الأصحاب اعتبار خفاء الجدران والأذان معا ، وهو مذهب الشيخ والسيد وابن البراج ، واختاره المصنف والعلامة وأبو العباس ، وقال محمد بن بابويه : يقصر عند الخروج من منزله ثمَّ يتم عند دخوله ، وتبعه (١٤٢) ابن الجنيد ، والذي عليه عمل أكثر هذا العصر اشتراط خفائهما في الابتداء ، وانقطاع الترخص بإدراك أحدهما في العود ، ومستند الجميع الروايات (١٤٣).
تنبيه : المراد بخفاء الأذان عدم التمييز بين فصوله ، فلو سمعه ولم يميز فصوله وجب القصر.
والمراد بخفاء الجدران عدم التمييز بين البيوت ، فلو رآها وهو لا يميز بين البيوت وجب القصر ، ولا عبرة بالإعلام كالقباب والبساتين ، إلا ان يتخللها دور تسكن مدة السنة أو بعضها ، ولا سور دونها ، ولا بد من مجاورة السور وان اشتمل على خراب ومزارع ، لا الدور الملاصقة له من خارج ، ولو
__________________
(١٤٢) في «ر ٢» : منعه.
(١٤٣) الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ٦ و ٧ من أبواب صلاة المسافر.
خرج البلد في العظم عن العادة اعتبر أذان محلته وجدرانها.
والبدوي يعتبر حلته. ولو كان طرف البلد خرابا لا عمارة ، ورآه لم يعتد بالخراب.
ولو جمع سور قرى منفصلة بعضها من بعض لم يشترط مجاوزة السور ، بل خفاء جدران قريته وأذانها ، فإذا خفيا عليه قصر وان لم يتجاوز السور ، ولو لم تكن منفصلة فهي واحدة وان كثرت ما لم يتناه في العظم ، ويحصل الفصل بالنهر والجدار المتخذين للحجز بين القريتين ، والطريق غير فاصل ، إلا أن يزيد عن قدر الحاجة ، فهو فاصل حينئذ.
قال رحمهالله : وأما القصر فهو عزيمة ، إلا ان تكون المسافة أربعا ولا يريد الرجوع ليومه على قول ، أو في أحد المواطن الأربعة.
أقول : إذا كانت المسافة أربعة ، وأراد الرجوع ليومه أو لليلته فإنه يقصر.
وإن لم يرد الرجوع ليومه ولا لليلته ، قال السيد المرتضى : يجب عليه إتمام الصوم والصلاة ، وتبعه ابن إدريس ، واختاره العلامة وأبو العباس ، وقال الشيخ : يتم في الصوم ويتخير في الصلاة ، وقال المفيد وابنا بابويه : يتخير فيهما ، ومستند الجميع الروايات (١٤٤).
فروع :
الأول : لو نوى قاصد الأربعة الرجوع ليومه أو لليلته قصر ذاهبا وعائدا ، فلو منع عن الرجوع ليومه أو لليلته أو بدا له عنه رجع متما.
الثاني : لا يعيد ما صلى قصرا إذا رجع عن قصد العود وان كان في الوقت.
الثالث : لو تردد هل يرجع ليومه أو لليلته أو لا يرجع ، لم يجز القصر.
__________________
(١٤٤) الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ٢ وباب ٣ من أبواب صلاة المسافر.
الرابع : لو رجع المسافر لأخذ شيء نسيه ولم يكن على رأس مسافة ، أتم في رجوعه ، إلا ان يكون غريبا لم يتخذ ذلك البلد دار إقامة مدة عمره ، وان أقام فيه ثلاثين يوما أو كانت أهله فيه فإنه يبقى على القصر ، لأنه ليس بعائد إلى بلده.
الخامس : لو شرع في أحد الأماكن الأربعة بنية القصر أو الإتمام لم يتحتم عليه ، بل له العدول إلى الإتمام وبالعكس ، وإن قلنا بوجوب نية القصر أو الإتمام هنا كمذهب الشهيد وأبي العباس.
السادس : لو شك المصلي في أحد الأماكن الأربعة بين الاثنتين والأربع جالسا لم يجب عليه الاحتياط ، ولو شك بين الثلاث والأربع وجب ، ولو شك بين الاثنتين والثلاث والأربع أتى بركعة خاصة.
السابع : لو أدرك قبل غروب الشمس أربعا تحتم القصر.
الثامن : إذا فاتته الصلاة في أحد الأماكن تخير في القضاء ان كان فيها ، وتحتم القصر ان كان في غيرها ، ويحتمل التخيير أيضا وان كان في غيرها ، لقوله عليهالسلام : «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» (١٤٥) ، وهذه قد فاتته مخيرة فيتخير في قضائها.
قال رحمهالله : ولو دخل الوقت وهو حاضر ، ثمَّ سافر والوقت باق ، قيل : يتم بناء على وقت الوجوب ، وقيل : يقصر اعتبارا بحال الأداء ، وقيل :
يتخير ، وقيل : يتم مع السعة ويقصّر مع الضيق ، والتقصير أشبه ، وكذا الخلاف لو دخل الوقت وهو مسافر فحضر والوقت باق ، والإتمام هنا أشبه.
أقول : هنا أربعة أقوال :
الأول : الإتمام اعتبارا بحالة الوجوب ، ولأنه قصر بتأخيره ، وقد وجبت
__________________
(١٤٥) عوالي اللئالي ٢ : ٥٤.
عليه في ذمته تماما فيصليها كذلك ، وهو مذهب الصدوق وابن ابي عقيل ، واختاره العلامة وأبو العباس.
الثاني : التمام مع السعة والقصر مع الضيق ، وهو مذهب الشيخ في النهاية وابن البراج.
الثالث : التقصير مطلقا اعتبارا بحالة الأداء ، وهو مذهب المفيد وابن إدريس واختاره المصنف.
الرابع : التخيير بين التمام والقصر ، وهو مذهب الشيخ في الخلاف ، والمستند رواية منصور بن حازم (١٤٦).
هذا في حال الخروج إلى السفر ، اما في حال القدوم من السفر ، فعند المصنف يصلي تماما اعتبارا بحال الأداء ، وهو مذهب العلامة والشهيد وأبي العباس ، لأن القصر إنما كان لأجل السفر وقد زال بدخوله منزله في الوقت فيزول الترخيص ، وقال الشيخ : ان اتسع الوقت للتمام والا قصر.
قال رحمهالله : ولو نوى الإقامة عشرا ودخل في الصلاة فعنّ له السفر لم يرجع الى التقصير ، وفيه تردد.
أقول : هذا الذي حكاه المصنف مذهب الشيخ في المبسوط ، وبه قال ابن الجنيد وابن البراج ، لأنه دخلها بنية مقيم فلا يجوز له القصر ، ومذهب العلامة التفصيل ، وهو ان كان قد تجاوز في صلاته محل القصر بان صلى ثلاث ركعات وجب الإتمام ، وان كان محل القصر باقيا بأن يعن له السفر قبل أن يركع في الثالثة ، فإنه يجوز له القصر لبقاء محله.
فروع :
الأول : إذا نوى المسافر إقامة عشرة أيام وجب التمام وإن رجع عن نيته
__________________
(١٤٦) الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ٢١ من أبواب صلاة المسافر ، حديث ٩.
إذا صلى ولو واحدة على التمام ، ولو خرج وقت الصلاة ولم يصل عامدا أو ساهيا فكذلك ، لأنه في حكم المصلي ، هذا مذهب الموجز.
الثاني : الشروع في الصوم كتمام الصلاة ، بمعنى وجوب الإتمام وان رجع عن نية الإقامة.
الثالث : لو عزم السفر وصلى تماما ناسيا أو جاهلا بالتقصير ، أو في أحد أماكن التخيير ، بقي على التقصير.
قال رحمهالله : الاعتبار في القضاء بحال فوات الصلاة لا بحال وجوبها ، فإذا فاتت قصرا قضيت كذلك ، وقيل : الاعتبار في القضاء بحال الوجوب ، والأول أشبه.
أقول : إذا دخل وقت الصلاة وهو حاضر ثمَّ فاتت وهو مسافر ، أو دخل وقتها وهو مسافر ثمَّ فاتت وهو حاضر ، هل يكون اعتبار القضاء بحال الوجوب أو بحال الفوات؟ ذهب العلامة إلى قضائها تماما في الحالين ، لأن في الأداء عنده الإتمام فيهما فيقضيهما تماما.
وقال ابن إدريس : ان كان الوقت دخل وهو مسافر ، ثمَّ دخل البلد والوقت باق ولم يصلّ حتى خرج الوقت ، وجب القصر ، وبالعكس الإتمام ، لأن ابتداء الوجوب كان مسافرا وقد فاتت ، فيجب القصر في القضاء ، وهو ظاهر الشيخ في التهذيب ، ومذهب الشهيد كالعلامة.
كتاب الزكاة
في من تجب عليه
قال رحمهالله : وتستحب الزكاة في غلات الطفل ومواشيه ، وهو أشبه ، وقيل : تجب ، وكيف قلنا فالتكليف بالإخراج يتناول الوالي عليه ، وقيل :
حكم المجنون حكم الطفل ، والأصح أنه لا زكاة في ماله إلا في الصامت إذا اتجر له الولي استحبابا.
أقول : هنا مسئلتان :
الأولى : غلّات الطفل ومواشيه هل يجب فيها الزكاة؟ قال الشيخان وابن البراج وأبو الصلاح : نعم ، لعموم (١) الأمر بالزكاة ، وقال ابن إدريس : لا زكاة على الأطفال والمجانين ، ونقله عن ابن أبي عقيل ، واختاره العلامة ، لأن الطفل ليس من أهل التكليف ، والزكاة تكليف ، ولأنها وجبت طهارة عن الذنب للآية (٢) ، ولا ذنب على الطفل.
__________________
(١) الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب ٤ من أبواب زكاة الغلات ، كالاحاديث ١ و ٢ و ٣.
(٢) التوبة : ١٠٣.
الثانية : هل المجنون حكمه حكم الطفل فيما تقدم؟ قال الشيخ وأبو الصلاح وابن البراج : نعم ، واستضعف المصنف دخول المجنون في قسم الأطفال ، لأصالة براءة الذمّة ، ولخلو النصوص عنه ، لأن رواية محمد بن مسلم (٣) لم يذكر فيها غير اليتيم ، وهو الطفل ، لقوله عليهالسلام : «لا يتم بعد احتلام» (٤).
قال رحمهالله : ولو ملّكه سيده مالا وصرفه فيه لم يجب عليه الزكاة ، وقيل : يملك وتجب عليه الزكاة ، وقيل : لا يملك والزكاة على مولاه.
أقول : أمّا عدم الوجوب على القول بأنه لا يملك مطلقا فظاهر ، لعدم الملك ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وأما على القول الآخر بأنه يملك فاضل الضريبة وأرش الجناية ، فقد نقل الشيخ خلافا بين علمائنا ، فمنهم من نفى الزكاة لعدم تمامية الملك ، إذ للمولى انتزاعه منه ، وهو اختياره في المبسوط ، ومنهم من أثبتها عليه ، لأنه مالك له التصرف فيه ، وعلى القول بأنها لا تجب على المملوك فإنها تجب على المالك ، لأنه المالك في الحقيقة ، والشرائط موجودة فيه ، لتمكنه تمكنا تاما من التصرف فيه كيف شاء.
قال رحمهالله : بنى على القول بانتقال الملك ، والوجه أنه من حين العقد.
أقول : لو اشترى نصابا زكويا ، واشترط خيارا زائدا على الثلاثة الأصلية ، احتسب الحول من حين انتقال الملك. والمشهور أنه ينتقل إلى المشتري بمجرد العقد فيجري في الحول من حينه ، سواء كان الخيار لازما
__________________
(٣) الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب ١ من أبواب من تجب عليه ، حديث ٢.
(٤) الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب ٤ من أبواب مقدمة العبادات ، حديث ٩.
أو مشترطا ، وقال الشيخ في المبسوط : وإذا باع نصابا يجب فيه الزكاة قبل الحول بشرط الخيار ، فإن كان الخيار للبائع أو لهما فإنه يلزمه زكاته ، لأن ملكه لم يزل ، وإن كان الخيار للمشتري استأنف الحول ، وهو بناء على مذهبه ، وهو أن المبيع لا ينتقل إلا بعد مضي الخيار ، ويتفرع على هذا ثبوت الخيار للمشتري لو أخرج من العين.
قال رحمهالله : فإن كان تأخيره من جهة صاحبه ، قيل : تجب الزكاة على مالكه ، وقيل : لا ، والأول أحوط.
أقول : قال الشيخ بالوجوب إذا كان تأخيره من جهة مالكه ، بأن يكون على غني باذل ، لعموم قوله عليهالسلام : «هاتوا ربع عشر أموالكم» (٥).
وقال ابن إدريس وأكثر المتأخرين بعدم الوجوب ، لأن الأصل براءة الذمة ، ولأن الزكاة تجب في العين ولا عين قائمة للدين ، ولرواية عبد الله بن سنان في الصحيح عن الصادق عليهالسلام ، «قال : لا زكاة في الدين ولا في المال الغائب حتى يرجع إليك» (٦).
__________________
(٥) مستدرك الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب ٣ من أبواب زكاة الذهب والفضة ، حديث ١.
(٦) الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب ٥ من أبواب من تجب عليه الزكاة ، حديث ٦.
فيما يستحب فيه الزكاة
قال رحمهالله : وفي مال التجارة قولان : أحدهما الوجوب ، والاستحباب أصح.
أقول : أكثر الأصحاب على استحباب زكاة التجارة ، لأصالة البراءة ، ولأنه عليهالسلام أوجبها في تسعة أشياء ، وعفى عما عداها (٧) ، وهو يعم التجارة وغيرها. وقال ابنا بابويه بالوجوب ، لعموم قوله عليهالسلام : «هاتوا ربع عشر أموالكم» (٨).
__________________
(٧) الوسائل ، كتاب الزكاة ، باب ٨ من أبواب ما تجب فيه ، حديث ٤.
(٨) تقدمت في المسألة السابقة.