في النفاس
قال رحمهالله : وأكثر النفاس عشرة على الأظهر.
أقول : إذا تعدى دم النفاس عشرة فللأصحاب فيه أقوال : والمحصل منها : إن كانت ذات عادة رجعت إليها ، وان كانت مبتدأة أو مضطربة كان نفاسها عشرة أيام ، لأن النفاس حيضة حبسها الاحتياج إلى تغذية الولد ، فاذا وضعته انطلقت ، وأقصى مدة الحيض عشرة ، فيكون كذلك لما تبين من أنه دم الحيض ، وهو مذهب العلامة في القواعد ، وقال في المختلف أقصاه ثمانية عشر يوما ، مستدلا بصحيحة محمد بن مسلم (٩١) ، عن ابي جعفر عليهالسلام. والسيد المرتضى ومحمد بن بابويه جعلاه عشرة مطلقا للمعتادة وغيرها.
تنبيه : التوأمان نفسان إن تخلل بينهما طهر كامل ، بان تطهر بعد نفاسها من الأول عشرة أيام ، ثمَّ تضع الثاني وترى الدم ، فإنه نفاس على حدته ، وإن كان بينهما أقل من ذلك فهو نفاس واحد ، لكن مبتدأة من وضع
__________________
(٩١) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٣ من أبواب النفاس ، حديث ١٥.
الأول ، واحتساب العشرة من وضع الأخير وإن تعدد ، وكذلك حكم خروج الأعضاء متعاقبة.
وهي بين التوأمين حامل تشارك الحوامل في النذر والوصية لهن ، والوقف عليهنّ ، وتطلّق من غير استبراء.
والنفساء كالحائض ، إلّا في أماكن :
الأول : في الأقل.
الثاني : في عدم العمل على التمييز.
الثالث : في تخلل النقاء ، بمعنى أن لا يشترط أن يكون بين دمي النفاس أقل الطهر ، فإنه لو رأت دم النفاس ثمَّ انقطع أقل من عشرة ، ثمَّ وضعت آخر ورأت الدم ، وتعدى الدمان (٩٢) العشرة ، فالدمان وما بينهما نفاس ، ولو اتفق ذلك للحائض ، بأن ترى الدم أيام عادتها ، ثمَّ ينقطع أقل من عشرة ثمَّ ترى الدم أيضا وعبر الجميع العشرة فالثاني يكون استحاضة.
الرابع : إبطاله لما قبله من الحيض ، بمعنى أن النفاس اللاحق للحيض قبل أقل الطهر ، فإنه يبطله ويتبيّن انه كان استحاضة ، والدم المتعقب للنفاس قبل أقل الطهر لا يبطل النفاس ، بل يكون الزائد على العشرة استحاضة.
الخامس : عدم الخروج به من العدة ، بل الخروج بوضع الولد ، إلّا أن تكون حاملا من زنا فالخروج بالدم لا بوضع الولد ، فتحسب الدم حيضة وتخرج به إن كان ثالثا ، وإلّا أكملته بحيضة أو حيضتين.
السادس : عدم رجوع المبتدأة به إلى نسائها مع عبوره العشرة ، بل تجعله عشرة.
__________________
(٩٢) في «ن» و «ر ٢» : الزمان.
السابع : عدم رجوع المعتادة إلى عادتها فيه ، بل إلى عادتها في الحيض.
الثامن : ثبوت الحكم له مع مجاوزة العشرة ، كما لو رأت دم النفاس في الأول عشرة ، ثمَّ وضعت الثاني قبل مضي عشرة أخرى ، فهي نفساء في الجميع إجماعا.
في أحكام الأموات
قال رحمهالله : وهو فرض كفاية ، وقيل : هو مستحب.
أقول : وجوب التوجيه هو مذهب المفيد وابن إدريس ، واختاره الشهيد وأبو العبّاس ، والاستحباب مذهب الشيخ في المبسوط والخلاف ، لأصالة البراءة ، ودليل الوجوب الروايات (٩٣).
قال رحمهالله : وإذا لم يحضر الميت مسلم ولا كافر ولا محرم من النساء ، دفن بغير غسل ، ولا تقربه الكافرة. وكذا المرأة ، وروي أنهم يغسلون وجهها ويديها.
أقول : هذه الرواية نقلها الشيخ بإسناده الى المفضل بن عمر ، قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : جعلت فداك ، ما تقول في المرأة تكون في السفر مع رجال ليس لها فيهم محرم ولا معهم امرأة فتموت المرأة ، ما يصنع بها؟ قال : يغسل منها ما أوجب الله تعالى عليه التيمم ، ولا تمس ولا يكشف لها شيء من محاسنها التي أمر الله بسترها ، فقلت : كيف يصنع بها؟ قال : يغسل
__________________
(٩٣) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٣٥ من أبواب الاحتضار.
باطن كفيها ، ثمَّ يغسل وجهها ، ثمَّ يغسل ظهر كفيها» (٩٤).
قال رحمهالله : وأقل ما يكفي في الماء من السدر أقل ما يقع عليه من الاسم ، وقيل مقدار سبع ورقات.
أقول : المشهور بين الأصحاب الاكتفاء بأقل ما يصدق عليه الاسم من السدر لحصول الامتثال به ، والأصل براءة الذمة عما زاد ، وقيل : مقدار سبع ورقات ، وقد وردت به رواية (٩٥) ضعيفة السّند ، وعمل الأصحاب بضدها ، لأن التقدير أمر شرعي ، فيتوقف على النص ، ولم يثبت.
تنبيه : لا ينبغي وضع السدر صحيحا ، بل مطحونا ، لأنّ المراد به التنظيف ، والتنظيف إنما هو بالمطحون ، ولو طرحه صحيحا أجزأ.
قال رحمهالله : وفي الوضوء تردّد ، والأشبه أنه لا يجب.
أقول : منشأ التردد من عموم قوله عليهالسلام : «كل غسل يفتقر الى الوضوء إلّا غسل الجنابة» (٩٦) ، وهذا غسل ، فيفتقر إلى الوضوء ، ومن أنّ افتقار الأغسال إلى الوضوء لأجل استباحة الصلاة ، لا لأنه تمام الغسل ، والميت لا صلاة عليه.
فكلام أبي الصلاح يشعر بوجوب الوضوء ، لأنه قال حين عد الأغسال الواجبة : وغسل الميت وجه وجوبه مصلحة الحي وتكرمة الميت ، وصفته أن يبدأ الغاسل فينحّي الميت ثمَّ يوضيه وضوء الصلاة ، وقال الشيخ في المبسوط : وقد روي ان يوضي الميت قبل غسله (٩٧) ، فمن عمل بها كان جائزا ، غير
__________________
(٩٤) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٢٢ من أبواب غسل الميت ، حديث ٢.
(٩٥) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٦ من أبواب غسل الميت ، حديث ٢.
(٩٦) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٣٥ من أبواب الجنابة ، حديث ١ وحديث ٢ بتفاوت يسير.
(٩٧) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٦ من أبواب غسل الميت.
ان عمل الطائفة على ترك العمل بذلك ، لأن غسل الميت كغسل الجنابة ولا وضوء في غسل الجنابة (٩٨).
قال ابن إدريس : وإذا كان الشيخ قال في مبسوطه : غير أن عمل الطائفة على ترك العمل بذلك لم يجز العمل بالرواية ، لأن العامل بها يكون مخالفا للطائفة (٩٩).
ومذهب المصنف في المختصر الاستحباب ، واختاره العلامة.
قال رحمهالله : ولو عدم السدر والكافور غسل بماء القراح ، وقيل :
لا تسقط الغسلة بفوات ما يطرح فيها ، وفيه تردّد.
أقول : منشأ التردد من أن غسل الميت ثلاث : الاولى : بماء السدر ، والثانية : بماء الكافور ، والثالثة : بماء القراح ، فيكون مطلق الغسلات واجبا متصفا بهذه الصفة ، ولا يلزم من تعذر الصفة سقوط الموصوف عن الذمة ، ومن أن المأمور به هو الغسل بماء السدر وماء الكافور وماء القراح ، وقد تعذر فيسقط التكليف بذلك النوع من الغسل ، والقول بعدم السقوط قول ابن إدريس.
تنبيه : يكفي في غسل الميت نيّة واحدة عند الغسلة الأولى ، بأن يقول : (أغسل هذا الميّت لوجوبه قربة الى الله) ، ولا يجب ذكر السّدر والكافور ، ويكتفى بها في غسلتي الكافور والقراح ، لأن غسل الميّت في الحقيقة غسل واحد ، والغسلات الثلاث كيفية لذلك الغسل الواحد ، لا أنها أغسال متعددة ، ولهذا لما عدّوا الأغسال الواجبة جعلوها ستة أغسال ، أحدها غسل الأموات.
__________________
(٩٨) المبسوط ١ : ١٧٩.
(٩٩) السرائر ١ : ١٥٩ بتفاوت.
قال رحمهالله : ومنهم من أوجب قرضها مطلقا ، والأول أولى.
أقول : قال الشيخ رحمهالله : إذا أصاب كفن الميت نجاسة قرض الموضع بالمقراض ، وقال ابنا بابويه وابن إدريس : يقرض إن وضع في القبر ، وإلّا غسلت ، لأنّه قبل وضعه في القبر يمكن غسله ، فيكون أولى من قرضه ، لوجوب حفظ الكفن.
قال رحمهالله : الشهيد يدفن بثيابه وينزع عنه الخفان والفرو أصابهما الدم أو لم يصبهما على الأظهر.
أقول : قال الشيخ : الشهيد يدفن بثيابه ولم يغسل ، ويدفن معه جميع ما عليه ممّا أصابه الدم الا الخفين ، وقد روي أنهما إذا أصابهما الدم دفنا معه ، وقال المفيد : يدفن بثيابه التي قتل فيها وينزع عنه من جملتها السراويل ، الا ان يكون أصابها دم ، فلا تنزع عنه وتدفن معه ، وكذلك ينزع عنه الفرو والقلنسوة ، وان أصابهما دم دفنا معه ، وينزع عنه الخف على كل حال.
فرع : لا يجوز التكفين في الجلود ، لأنها تنزع عن الشهيد مع انه يدفن بجميع ما عليه (١٠٠) ، وقال الشهيد في البيان : يجوز التكفين فيه مع عدم غيره.
__________________
(١٠٠) في «ن» بزيادة : (فلا يناسب تكفين غيره بها).
في الأغسال المندوبة
قال رحمهالله : واما الأغسال المندوبة ، فالمشهور منها ثمانية وعشرون غسلا.
أقول : هذه الأغسال التي عددها من المشهور (١٠١) بين الأصحاب ، وهناك أغسال أخر غير التي عددها وليست بالمشهورة ولم يذكرها هنا ، وذلك مثل ما ورد من استحباب الغسل في كل ليلة وتر من رمضان ، ومن استحباب الغسل عند قتل الوزغ ، ويوم نيروز الفرس.
قال رحمهالله : وغسل المفرّط في صلاة الكسوف مع احتراق القرص إذا أراد قضاءها على الأظهر.
أقول : اختلف علماؤنا في وجوب الغسل على قاضي صلاة الكسوف والخسوف إذا تركها متعمدا مع احتراق القرص كله ، قال أبو الصلاح وسلار بوجوبه ، لرواية محمد بن مسلم (١٠٢) ، وقال المفيد : انه مستحب ، واختاره
__________________
(١٠١) في «ي ١» : هي المشهورة.
(١٠٢) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ١ من أبواب الأغسال المسنونة ، حديث ١١.
ابن إدريس والمتأخرون ، لأصالة براءة الذمة ، ولقوله عليهالسلام : «من فاته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته» (١٠٣) ، ولم يجب الغسل عند فوتها ، فلا يجب عند قضائها.
قال رحمهالله : إذا اجتمعت أغسال مندوبة لا تكفي نية القربة ما لم ينو السبب. وقيل : إذا انضم إليها غسل واجب كفاه نية القربة ، والأول أولى.
أقول : الأغسال المندوبة لا تتداخل لاختلاف أسبابها ، وقال في التذكرة : فإن نوى الجميع كفاه غسل واحد ، وان نوى البعض اختص بما نواه.
وإن جامعها واجب ، قال الشيخ : اغتسل ونوى به غسل الجنابة دون غسل الجمعة أجزأ عنهما ، والمشهور خلافه ، لأن غسل الجمعة مستحب ، وغسل الجنابة واجب ، ولا بد من نية الوجه في كل منهما ، فإن نوى الوجوب عن الجنابة والجمعة لم يجزه ، لأنه يكون قد نوى الواجب فيما ليس بواجب ، فيكون قبيحا فلا يتقرب به الى الله تعالى ، وان نوى الندب لم يقع غسل الجنابة على وجهه ، وان نواهما معا كان الفعل الواحد قد نوى به الوجوب والندب معا ، وهما ضدان فلا يقع عنهما ولا عن أحدهما ، لأنه ترجيح من غير مرجّح.
__________________
(١٠٣) الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ٦ من أبواب قضاء الصلوات. والنص الذي ذكره الشارح (رحمهالله) مطابق لما في عوالي اللئالي ٢ : ٥٤.
في الطهارة الترابية
قال رحمهالله : ولو أخل بالضرب حتى ضاق الوقت أخطأ وصح تيممه وصلاته على الأظهر.
أقول : قال الشيخ : إذا تيمّم قبل الطلب مع تمكنه منه لم يعتد بذلك التيمم ، قال العلامة : وهذا الكلام مع إطلاقه مشكل ، وتقرير البحث أن نقول : إذا تيمم قبل تضيق الوقت بطل لعدم الشرط ، وهو تضيق الوقت ، وان تيمم في آخر الوقت ولم يكن قد طلب مع تمكنه منه ، ففي بطلان تيممه نظر : من ان صحته مشروطة بعدم الوجدان المشروط بالطلب ، والمشروط بالمشروط بالشيء مشروط بذلك الشيء ، فيكون التيمم مشروطا بالطلب ، ولم يوجد الشرط فينتفي المشروط.
ومن أنه مأمور بالصلاة ، وبدون فعلها لا يخرج عن العهدة ، وفعلها مشروط بالتيمم ، لتعذر الماء عليه حينئذ ، والطلب قد أسقط عنه لضيق الوقت ، ومع امتثال الأمر يخرج من العهدة ، وهو مذهب المصنف والعلامة.
فروع :
الأول : لو وجد الماء بعد فراغه في رحله أو عند أصحابه الباذلين له
وجبت الإعادة ، بمعنى القضاء ، ولو طلب ووجده بعد الفراغ ، لم يجب الإعادة.
الثاني : تجوز النيابة في الطلب ، لأن الاعتماد على الظن وهو يحصل بقول الثقة.
الثالث : لو ظن وجود الماء في أزيد من النصاب وجب الطلب.
الرابع : الطلب انما يكون بعد دخول الوقت ، لأنه قبل دخول الوقت غير مأمور بالصلاة ، ولا بتحصيل شيء من شرائطها ، فلو طلب قبل دخول الوقت وأفاده العلم بعدم الماء اكتفى به على الأقرب ، وإلّا وجب اعادة الطلب في الوقت.
قال رحمهالله : ولا يصحّ التيمم قبل دخول الوقت ويصح مع تضيّقه ، وهل يصح مع سعته؟ فيه تردد ، والأحوط المنع.
أقول : منشؤه أن شرط صحة التيمم فقدان الماء في الوقت ، وانما يتحقّق مع فقده في جميع أجزاء الوقت ، فيجب التأخير حتى يضيق ، ومن ان الأفضل الإتيان بالصلاة في أول وقتها ، والتيمم طهارة شرعية فيسوغ عند إرادتها في الوضوء والغسل ، لعطفه عليه في الآية (١٠٤) ، والعطف يقتضي التسوية. وقال ابن الجنيد والعلامة في القواعد : إن كان العذر يرجى زواله وجب التأخير ، وإن كان لا يرجى زواله جاز التيمم في أول الوقت ، لعدم فائدة التأخير ، وهو المعتمد.
قال رحمهالله : وقيل باستيعاب مسح الوجه والذراعين ، والأول أظهر.
__________________
(١٠٤) النساء : ٤٣ ، والمائدة : ٦.
أقول : القائل بذلك عليّ بن بابويه رحمهالله ، محتجا برواية سماعة (١٠٥) ، ولأنه تعالى بيّن في الغسل الوجه واليدين وأحال في التيمم عليه (١٠٦) ، ولأن طهارة الماء أكمل ، وقد وجب فيها الاستيعاب ، ففي الأنقص أولى.
والمشهور بين الأصحاب وجوب مسح الجبهة ، وحدّها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجب ، وظاهر الكفين من المعصم إلى أطراف الأصابع ، والدليل صحيحة زرارة (١٠٧) عن الباقر عليهالسلام وأجابوا عن حجة ابن بابويه بمنع سند رواية سماعة ، وبالمنع من احالة التيمم على الغسل ، لحصول الفاصل وهو الباء الدالة على التبعيض ، وبمنع مساواة الأنقص الأكمل في الفعل ، لأن ذلك غير لائق ، بل اللائق نقصه في الفعل أيضا.
قال رحمهالله : ويجزيه في الوضوء ضربة واحدة لجبهته وظاهر كفيه ، ولا بد من ضربتين ، وقيل : في الكل ضربتان ، وقيل : ضربة واحدة ، والتفصيل ، أظهر.
أقول : حكى المصنف هنا ثلاثة أقوال :
أولها : التفصيل وهو الاكتفاء بضربة واحدة إن كان التيمم بدلا من الوضوء ، وان كان بدلا من الغسل ضرب ضربتين ، واحدة للوجه وأخرى لليدين ، وهو المشهور بين الأصحاب ، وهو مذهب الشيخين وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة ، ولهم عليه روايات (١٠٨).
__________________
(١٠٥) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ١٣ من أبواب التيمم ، حديث ٣.
(١٠٦) المائدة : ٦.
(١٠٧) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ١١ من أبواب التيمم ، حديث ٩ ، ولزرارة روايات أخر في الباب.
(١٠٨) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ١١ من أبواب التيمم ، وباب ١٢.
وثانيها : وجوب الضربتين مطلقا ، سواء كان بدلا من الوضوء أو الغسل ، وهو قول علي بن بابويه ، لصحيحة زرارة (١٠٩) عن ابي جعفر عليهالسلام.
وثالثها : الاكتفاء بضربة واحدة مطلقا أيضا ، وهو مذهب السيّد المرتضى رحمهالله ، لصحيحة زرارة (١١٠) عن الباقر عليهالسلام ، ولا يتوهم أحد أنها هي دليل ابن بابويه في وجوب الضربتين ، بل هي مغايرة لها.
في أحكامه
قال رحمهالله : من صلى بتيممه لا يعيد ، سواء كان في سفر أو حضر ، وقيل فيمن تعمد الجنابة وخشي على نفسه من استعمال الماء : يتيمم ويصلي ثمَّ يعيد ، وفيمن منعه زحام الجمعة عن الخروج مثل ذلك ، وكذا من كان على جسده نجاسة ولم يكن معه ماء لإزالتها ، والأظهر عدم الإعادة.
أقول : هنا ثلاث مسائل :
الأولى : فيمن تعمد الجنابة ، قال الشيخ : يتيمم مع خوف التلف ويصلي ، فإذا وجد الماء اغتسل وأعاد ، محتجا برواية جعفر بن بشير (١١١) ، عن عبد الله بن سنان ، أو غيره ، عن ابي عبد الله عليهالسلام.
وقال المفيد بعدم جواز التيمم وإن خاف على نفسه ، ويلزمه بطلان الصلاة ، وعدم الاعتداد بها ، لرواية علي بن أحمد (١١٢) ، عن أبي عبد الله عليهالسلام.
__________________
(١٠٩) راجع نفس المتقدم.
(١١٠) راجع نفس المتقدم.
(١١١) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ١٤ من أبواب التيمم ، حديث ٦. وليراجع التهذيب ١ : ٩٦.
(١١٢) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ١٧ من أبواب التيمم ، حديث ١.
وقال ابن إدريس : بصحة التيمم والصلاة ، واختاره المصنف والعلامة ، لقوله تعالى (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (١١٣) ، ولما رواه ابن بابويه ، يرفعه الى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ان فلانا أصابته جنابة ...» (١١٤) إلى آخر الرواية ، ولأنه فعل المأمور به شرعا فيخرج به من العهدة.
الثانية : من منعه زحام الجمعة ، ولم يتمكن من الخروج بسببه ، فتيمم وصلّى في المسجد ، هل تصح هذه الصلاة ويخرج بها من العهدة ، أو يجب قضاؤها؟ قولان : أحدهما الصحة ، لأنه امتثل المأمور به شرعا فيخرج من العهدة ، وهو مذهب المصنف والعلامة ، والآخر الإعادة عند وجود الماء ، قاله الشيخ رحمهالله ، لرواية السكوني (١١٥) ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام.
الثالثة : إذا كان على جسده نجاسة ولم يكن معه ماء لإزالتها ، ويعلم البحث فيها مما تقدم.
فرع : قال العلامة في التذكرة : لو جامع المسافر ومعه ما يغسل به الفرج ، غسله وتيمم وصلى ، ولا إعادة إجماعا ، ولو فقد ، تيمم وصلّى ولا إعادة على رأي.
قال رحمهالله : من عدم الماء وما يتيمم به لقيد أو حبس في موضع نجس ، قيل : يصلي ويعيد ، وقيل : يؤخر الصلاة حتى يرتفع العذر ، فإن خرج الوقت قضى ، وقيل : يسقط الفرض أداء وقضاء ، وهو الأشبه.
__________________
(١١٣) الحج : ٧٨.
(١١٤) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٥ من أبواب التيمم ، حديث ١.
(١١٥) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ١٥ من أبواب التيمم ، حديث ١.
أقول : هنا ثلاثة أقوال :
الأول : قول الشيخ رحمهالله في المبسوط قال من كان محبوسا بالقيد أو الرباط ، أو مصلوبا على خشبة أو في موضع نجس لا يقدر على طاهر يسجد عليه ولا يتيمم به ، فإنه إما أن يؤخرها أو يصلي وعليه الإعادة ، لأنه صلى بلا طهارة ولا تيمم.
الثاني : قول السيّد المرتضى في المسائل الناصرية ، قال : ليس لأصحابنا فيه نص صريح ويقوى في نفسي أن من لم يجد ماء ولا ترابا أن الصلاة لا تجب عليه ، وإذا تمكن من الماء أو التراب قضى الصلاة ان كان الوقت قد خرج ، واستدل بقوله عليهالسلام : «لا يقبل الله صلاة بغير طهور» (١١٦) ، والطهور هو الماء عند وجوده ، والتراب عند فقده وقد عدمهما جميعا ، فوجب أن لا يكون له صلاة.
قال العلامة : وما قواه السيّد قوي ، وما استدل به سديد في موضعه ، واستشكل في وجوب القضاء ، لان وجوبه تابع لوجوب الأداء (ولا يتحقق وجوب الأداء) (١١٧) ، فلا يجب القضاء.
الثالث : سقوط الفرض أداء وقضاء ، وهذا القول نقله المصنف عن بعض علمائنا ، قال العلامة : ولا بأس به.
والمعتمد ان فاقد الطهورين يجب ان يذكر الله تعالى بقدر زمان صلاته ، فإن لم يفعل وجب القضاء ، وهو مذهب المفيد في رسالته الى ولده ، ونقله العلامة في مختلفة (١١٨) ، وابن فهد في مهذبه ، وجزم به في موجزه.
__________________
(١١٦) مستدرك الوسائل ١ : ٢٨٨ باب ١ من أبواب الوضوء ، حديث ٨.
(١١٧) ما بين القوسين من «ي ١». وهو في عبارة المختلف : ٥٣.
(١١٨) المختلف : ١٤٩ ، والمهذب البارع ١ : ٤٥٧ ، ولم نعثر على رسالة المفيد.
قال رحمهالله : إذا وجد الماء قبل دخوله في الصلاة تطهر ، وإن وجده بعد فراغه من الصلاة لم تجب عليه الإعادة ، وان وجده وهو في الصلاة ، قيل :
يرجع ما لم يركع ، وقيل : يمضي في صلاته ولو تلبس بتكبيرة الإحرام حسب وهو الأظهر.
أقول : القول الأول ـ وهو الرجوع ما لم يركع ـ قول الشيخ في النهاية ، ومحمد بن بابويه ، لرواية عبد الله بن عاصم (١١٩) ، عن ابي عبد الله عليهالسلام.
والقول الثاني ـ وهو عدم الرجوع ، ولو تلبس بتكبيرة الإحرام ـ هو قول السيّد المرتضى وابن إدريس والمصنف والعلامة ، وهو المعتمد ، لأنه دخل في الصلاة دخولا مشروعا ، فيجب الإتمام ، ويحرم إبطاله.
قال رحمهالله : وإن كان ملكا لهم جميعا أو لا مالك له ، أو مع مالك يسمح ببذله فالأفضل تخصيص الجنب ، وقيل : يختص به الميت ، وفي ذلك تردد.
أقول : التحقيق في هذه المسألة : أنّ الماء الذي لا يكفي غير واحد مع اجتماع ميت ومحدث وجنب ، إما أن يكون مملوكا لواحد فهو لمالكه ، أو مباحا فهو لمن حازه ولا بحث حينئذ ، وإن كان مبذولا ، أو منذورا ، أو موقوفا أو موصى به للأحوج ، أو مملوكا للجميع ، احتجنا إلى تمييز الأحوج ، فيختص به على سبيل الاستحباب إن كان غير مقيد بالأحوج ، فالقول باختصاص الجنب هو قول الشيخ ، لرواية (١٢٠) وردت عن الكاظم عليهالسلام ، ولأن الجنب متعبد بالغسل مع وجود الماء ، والميت قد سقط عنه الفرض بالموت.
وقال ابن إدريس باختصاص الميّت ، لأنّ المقصود من غسل الميت
__________________
(١١٩) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٢١ من أبواب التيمم ، حديث ٢.
(١٢٠) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ١٨ ، حديث ١.
تنظيفه وهو لا يحصل بالتيمم ، ولأنّه خاتمة عمله فينبغي أن تكون طهارته كاملة (١٢١).
وتردد المصنف لعدم ترجيح أحد الدليلين عنده.
فروع :
الأول : لو تغلب المرجوح مع وجوب التخصيص أثم ولم يجزأه الطهارة به ، ومع استحباب التخصيص أساء وأجزأه الطهارة به.
الثاني : لو اجتمع حائض وجنب كان الجنب أولى ، لأنّ الرجل أولى بالكمال من المرأة ، ويحتمل أولوية الحائض ، لأنّها تقضي حق الله تعالى وحق زوجها في إباحة الوطئ.
الثالث : لو اجتمع من على ثوبه أو بدنه نجاسة مع جنب أو ميت ، كان مزيل النجاسة أولى ، وإن كانت على الميت وقلنا بتقديم الجنب عليه ، كان إزالتها عن الميت اولى.
الرابع : يقدم العطشان على الجميع.
الخامس : لو لم يكف من خصّه الشارع به صرف الى الآخر ، فان قصر عن الجميع تعيّن للجنب ليصرفه في بعض أعضائه ، ويتوقع للباقي ، لعدم وجوب الموالاة في الغسل ، فان تعذر الإكمال تيمم.
__________________
(١٢١) في «ن» بزيادة : والحي يرجع الى الماء فيغتسل.
في النجاسات
قال رحمهالله : وفي رجيع ما لا نفس له سائلة وبوله تردد ، وكذا في ذرق الدجاج غير الجلال ، والأظهر الطهارة.
أقول : هنا مسئلتان :
الأولى : في رجيع ما لا نفس له سائلة ، ومنشأ التردد عموم الأخبار الدالة على نجاسة رجيع ما لا يؤكل لحمه (١٢٢) ، فيدخل ما لا نفس له في العموم ، ومن لزوم الحرج بنجاسته فإنه مما يشق بالاحتراز عنه ، والمشهور بين الأصحاب طهارته.
الثانية : ذرق الدجاج غير الجلّال ، وبنجاسته قال الشيخان ، لرواية محمد بن أحمد بن يحيى (١٢٣) ، وبطهارته قال محمد بن بابويه ، وتابعه
__________________
(١٢٢) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٩ من أبواب النجاسات.
(١٢٣) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ١٠ من أبواب النجاسات ، حديث ٣.
معظم (١٢٤) الأصحاب لرواية زرارة (١٢٥) ، وأصالة الطهارة ، وكونه مما يشق التحرز منه.
قال رحمهالله : وفي منيّ ما لا نفس له تردد ، والطهارة أشبه.
أقول : التردد من عموم (١٢٦) نجاسة المني مطلقا من جميع الحيوانات المحللة والمحرمة ، فيدخل غير ذي النفس في العموم ، ومن أصالة الطهارة ، وكونه دما في الحقيقة ، ودم ما لا نفس له طاهر ، فيكون منيه طاهرا لعدم الدليل الناقل له عن أصله.
قال رحمهالله : وما كان منه لا تحله الحياة ، كالعظم والشعر فهو طاهر إلّا أن تكون عينه نجسة كالكلب والخنزير والكافر على الأظهر.
أقول : المشهور نجاسة جميع أجزاء نجس العين ، فإنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وصفه بكونه «رجسا نجسا» (١٢٧) ، وهو يتناول عظمه وشعره ، لأنهما داخلان في مسمّاه ، وقال السيد المرتضى بعدم نجاسة ما لا تحله الحياة منه ، لأنّ ما لا تحله الحياة لا يحكم بنجاسته كشعر الميتة وعظمها من طاهر العين.
والجواب حصول الفرق ، لأنّ المقتضي للتنجيس في نجس العين ذاته ، وفي الميتة صفة الموت ، وهذه الصفة لم تحصل فيما لا تحله الحياة ، فيبقى على أصالة الطهارة.
__________________
(١٢٤) في «ن» : بعض.
(١٢٥) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٩ من أبواب النجاسات ، حديث ٤ و ٦.
(١٢٦) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ١٦ من أبواب النجاسات.
(١٢٧) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ١٢ من أبواب النجاسات ، حديث ٢٢ ، والرواية عن الصادق عليهالسلام ، لا عن النبي صلىاللهعليهوآله.