في الأحكام المتعلقة بمنى
قال رحمهالله : فلو بات بغيرها كان عليه عن كل ليلة شاة إلا أن يبيت بمكة مشتغلا بالعبادة أو يخرج من منى بعد نصف الليل ، وقيل : بشرط أن لا يدخل مكة إلا بعد طلوع الفجر ، وقيل : لو بات الليالي الثلاث بغير منى لزمه ثلاث شياه ، وهو محمول على من غربت الشمس في الليلة الثالثة وهو بمنى ، أو لم يتق الصيد والنساء.
أقول : المشهور بين الأصحاب وجوب المبيت بمنى ليالي التشريق ، وقال الشيخ في التبيان باستحبابه ، وهو نادر.
وحدّ المبيت الواجب أن يكون بها إلى انتصاف الليل ، فلو خرج بعده لم يكن عليه شيء ، وهل يجب عليه تأخير الدخول إلى مكة حتى يطلع الفجر؟.
قال الشيخ : نعم ، والمشهور عدم الوجوب ، بل هو مخير إن شاء دخل مكة ، وإن شاء بات بقية ليلته بغير مكة وغير منى ، ولا يجب في المبيت بمنى غير النية ، وإذا بات بغير منى لا يخلو : إما أن يبيت بمكة أو غيرها.
الأول : أن يبيت بغير مكة ، وهذا لا يخلو : إما ان يكون متقيا ، أو غير متق ، فإن كان متقيا وكان خروجه من منى قبل غروب الشمس وجب عليه
شاتان ، وإن لم يكن متقيا ، أو كان خروجه منها بعد الغروب لزمه ثلاث شياه.
هذا التفصيل هو المشهور بين الأصحاب ، وهو المعتمد.
وقال الشيخ في النهاية والعلامة في المختلف وابن إدريس بوجوب الثلاث ، ولم يفصلوا ، ووجوب الكفارة عن الليلة الثالثة عند القائل به من غير تفصيل مترتب على الإخلال بالليلتين السابقتين ، أما لو بات بها ليلتين وبات الثالثة في غيرها ، وكان متقيا ، وخرج منها قبل الغروب لم يلزمه شيء إجماعا لجواز نفور المتقي يوم الثاني عشر.
الثاني : أن يبيت بمكة ، ولا يخلو : إما أن يبيت مشتغلا بالعبادة ، أو غير مشتغل ، فإن كان الثاني وجبت الكفارة أيضا ، وإن كان الأول لم يجب.
تنبيه : إذا جاز مبيته بمكة للعبادة ، جاز خروجه من منى إليها وإن كان بعد غروب الشمس ، ويجب استيعاب الليلة بالعبادة إلا ما يضطر إليه من غذاء ، أو شرب ، أو نوم يغلب عليه لا يمكنه دفعه.
ويحتمل أن القدر الواجب هو ما كان يجب عليه بمنى ـ وهو أن يتجاوز نصف الليل متعبدا ـ ثمَّ له الترك بعد ذلك ، لأن مبيته بمكة مشتغلا بالعبادة عوض المبيت بمنى ، والواجب المبيت بها إلى بعد نصف الليل ، فيكون حكم العوض ـ وهو الاشتغال بالعبادة ـ حكم المعوض ، وهو قريب.
ولا فرق بين أن تكون العبادة واجبة أو مستحبة ، والعبادة أعم من أن تكون طوافا ، أو صلاة ، أو قراءة قرآن أو دعاء ، أو تسبيحا ، بأي شيء أتى من هذه الأقسام خرج من العهدة ، لكن المبيت بمنى أفضل وإن لم يتعبد ، لأنها دار الضيافة والقوم أضياف الله تعالى ، وللخروج عن الخلاف ، لأن ابن إدريس أوجب الكفارة على من بات بمكة وإن كان مشتغلا بالعبادة.
قال رحمهالله : والتكبير بمنى مستحب ، وقيل : واجب ، وصورته : الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله والله أكبر ، الله أكبر على ما هدانا ، والحمد لله على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الأنعام.
أقول : الوجوب مذهب الشيخ في الجمل ، وبه قال ابن البراج وابن حمزة ، والمشهور الاستحباب للأصل.
احتج الموجب بقوله تعالى (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ) (١٠٢) ، والمراد به التكبير لرواية محمد بن مسلم الحسنة ، عن الصادق عليهالسلام «قال : سألته عن قول الله تعالى (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ) قال : التكبير في أيام التشريق» (١٠٣).
قال رحمهالله : يكره أن يمنع أحد من سكنى دور مكة ، وقيل : يحرم والأول أصح.
أقول : التحريم مذهب الشيخ وابن البرّاج لقوله تعالى (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) (١٠٤) ، والخلاف هنا مبني على تفسير المسجد الحرام ، هل هو مجموع مكة ، أو المسجد نفسه؟ قيل بالأول لقوله تعالى (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) (١٠٥) ، وكان الإسراء من دار أم هاني ، وهي خارجة عن المسجد نفسه ، فدلّ على أن جميع مكة مسجد ، ولقوله تعالى : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ
__________________
(١٠٢) البقرة : ١٠٣.
(١٠٣) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٨ من أبواب العود إلى منى ، حديث ٤.
(١٠٤) الحج : ٢٥.
(١٠٥) الاسراء : ١ ، وفي مجمع البيان أن الاسراء كان من دار أم هاني.
الْحَرامِ) (١٠٦) ، وكان صد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن مكة ، وأجيب بأن تسمية مكة بالمسجد مجاز للحرمة والشرف ، والضمير الراجع إلى المسجد الحرام حقيقة ، فعلى الأول يحرم المنع ، وعلى الثاني ـ وهو أن المراد بالمسجد الحرام هو المسجد نفسه ـ يكره المنع لقوله عليهالسلام : «الناس مسلطون على أموالهم» (١٠٧) ، وقد قال الله تعالى (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) (١٠٨) ، أضاف الديار إليهم ، والمفهوم من الإضافة الملك ، فإن الإضافة قد تكون للملك ، وقد تكون لغيره ، ولا دلالة للعام على الخاص.
قال رحمهالله : يحرم أن يرفع أحد بناء فوق الكعبة ، وقيل : يكره ، وهو أشبه.
أقول : التحريم مذهب الشيخ ، لتعظيم الكعبة شرفها الله تعالى ، ولقول أبي جعفر عليهالسلام : «لا ينبغي لأحد رفع بناء فوق الكعبة» (١٠٩) ، وهو يحتمل الوجوب والاستحباب ، وقضية الاحتياط حمله على الوجوب ، والقائل بالكراهية حمله على الاستحباب ، لأصالة الجواز.
__________________
(١٠٦) الحج : ٢٥ ، وفي كنز الدقائق ان سبب نزول الآية هو صدّ قريش للنبي صلىاللهعليهوآله عن مكّة.
(١٠٧) عوالي اللئالي ١ : ٢٢٢.
(١٠٨) الحج : ٤٠.
(١٠٩) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ١٧ من أبواب مقدمات الطواف ، حديث ١.
في الإحصار والصد
قال رحمهالله : ولو خشي الفوات لم يتحلل وصبر حتى يتحقق ، ثمَّ يتحلل بعمرة.
أقول : معناه : إذا كان له طريق غير موضع الصد ، وكان معه نفقة تكفيه وجب عليه سلوكها ، ولم يجز له التحلل ، سواء بعدت أو قربت ، خاف الفوات مع سلوك تلك الطريق أو لم يخف ، لأنه إنما يجوز له التحلل بالصد لا بخوف الفوات ، وهو غير مصدود عن الأبعد فيمضي في إحرامه ، فإن كان محرما بعمرة لم تفت ، وأتى بها في وقت الإمكان لعدم تعينها بزمان ، وإن كان إحرامه بحج صبر حتى يتحقق الفوات ، ثمَّ يتحلل بعمرة ، كما قاله المصنف.
قال رحمهالله : ولو كان ساق ، قيل : يفتقر إلى هدي التحلل ، وقيل : يكفيه ما ساقه ، وهو الأشبه.
أقول : اختيار المصنف هو المشهور الذي عليه أكثر الأصحاب ، وهو الاكتفاء بهدي السياق عن هدي غيره للتحلل ، لأنه مملوك لم يخرج عنه بالسياق.
وقال ابن الجنيد : إن أوجبه لله بإشعار أو بغيره لم يجز عن هدي التحلل
ووجب غيره ، وظاهر المختلف ترجيحه ، وأوجب ابنا بابويه غيره مطلقا ، وبه قال ابن الجنيد (١١٠).
وقال في القواعد بالإجزاء إن كان مندوبا ، وعدمه إن كان واجبا بنذر وشبهه ، واختاره أبو العباس ، وهو المعتمد ، لوجوب أحدهما بالنذر والآخر بالصد ، والأصل عدم التداخل.
قال رحمهالله : ويتحقق الصد بالمنع عن الموقفين ، وكذا بالمنع من الوصول إلى مكة ، ولا يتحقق بالمنع من العود إلى منى لرمي الجمار والمبيت بها ، بل يحكم بصحة الحج ويستنيب الثلاث في الرمي.
أقول : هذه المسئلة لم يذكر المصنف فيها خلافا ولا ترددا ، ولكنها تفتقر إلى تبين أحكامها ، وتفصيل ما أجمل من كلامها ليسهل تناولها على من رامها ، فنقول : الصد قد يكون عن مكة قبل الموقفين ، وقد يكون عن الموقفين دون مكة ، وقد يكون عن أحد الموقفين دون الآخر ، وقد يكون عن مكة بعد الموقفين قبل طواف الزيارة والسعي ، وقد يكون عن مناسك منى بعد الطواف والسعي ، فالأقسام خمسة :
الأول : أن يكون الصد عن مكة قبل الموقفين ، وهذا مصدود بإجماع المسلمين.
الثاني : أن يكون الصد عن الموقفين دون مكة ، وهذا مصدود بإجماع الإمامية. وقال أحمد وأبو حنيفة : ليس له أن يتحلل.
الثالث : أن يكون الصد عن أحد الموقفين دون الآخر ، وهذا القسم حكم الشيخ بتحقق الصد فيه ، والمعتمد عدم جواز التحلل ، والاجتزاء بالآخر ، فإن صد عن أحدهما وفاته الآخر جاز التحلل ، فإن بقي على إحرامه
__________________
(١١٠) كذا في النسخ.
حتى فاته الموقفان معا تحلل بعمرة مفردة ولا دم عليه ، لفوات الحج بفوات الموقفين ، ويقضي من قابل مع الوجوب.
الرابع : أن يكون الصد عن مكة بعد الموقفين قبل طواف الزيارة والسعي ، وهذا لا يخلو : إما أن يكون قبل التحلل الأول بمناسك مني ، أو بعده.
فان كان قبله تحقق الصد وجاز له التحلل ، على ما اختاره الشهيد في دروسه ، وهو المشهور بين الأصحاب ، لكنه مخير بين التحلل والبقاء على الإحرام ، فإن تحلل كان عليه دم التحلل والحج من قابل ، وإن بقي على إحرامه ، فإن لحق أيام منى رمى وذبح وحلق وإلا أمر من ينوب عنه في ذلك ، فإن تمكن من الإتيان إلى مكة في طول ذي الحجة طاف وسعى وقد تمَّ حجه ، ولا قضاء عليه ، وإن هلّ المحرم قبل ان يطوف ويسعى كان عليه الحج من قابل ، لأنه لم يستوف أركان الحج من الطواف والسعي.
وإن كان الصد بعد التحلل بمناسك منى وقبل الطواف والسعي ، ذهب الشهيد في دروسه إلى عدم جواز التحلل ، وأوجب البقاء على الإحرام بالنسبة إلى الطيب والنساء ، والصيد لا غير ، حتى يأتي بباقي المناسك فإن أدرك الطواف والسعي في ذي الحجة وإلا كان عليه إعادة الحج من قابل ، لعدم استيفاء أركانه.
الخامس : أن يكون الصد عن مناسك منى بعد الطواف والسعي ، وهنا لا يتحقق الصد إجماعا ، لأنه قد استوفى جميع أركان الحج ، فقد تمَّ حجه ومناسك منى ، وهي : المبيت ، والرمي من الواجبات التي ليست بأركان ، وكان عليه أن يستنيب في الرمي خاصة.
قال رحمهالله : لو أفسد حجه فصدّ ، كان عليه بدنة ودم التحلل والحج
من قابل ، ولو انكشف العدو في وقت يتسع لاستئناف القضاء وجب ، وهو حج يقضى لسنته ، وعلى ما قلناه فحجه العقوبة باقية.
أقول : في كلام المصنف هنا نظر من وجهين :
الأول : أنه يوهم التناقض ، لأنه قال : (لو أفسد فصد كان عليه بدنة ودم التحلل والحج من قابل) ، وظاهره أن عليه حجا واحدا ، وهو بناء على أن الأولى عقوبة ، وهي تسقط بالتحلل منها ، وإلا لوجب عليه حجان. ثمَّ قال : (ولو انكشف العدو في وقت يتسع لاستئناف القضاء وجب ، وهو حج يقضى لسنته ، وعلى ما قلناه فحجه العقوبة باقية) ، وهي لا تكون باقية إلا على أحد وجهين :
إما على القول ، بأن الأولى حجة الإسلام ، أو على القول بأنها عقوبة ، وهي لا تسقط بالتحلل منها ، وعلى أحد هذين الوجهين يجب عليه مع عدم الإتيان بالحج في سنته حجان : حجة الإسلام وحجة العقوبة ، لأن حجة الإسلام لا تسقط بالتحلل إجماعا ، والفرض أن العقوبة لا تسقط أيضا ، فالجمع بين بقاء حجة العقوبة إذا قضى الحج لسنته ، وبين وجوب حج واحد إذا لم يقضه مناقضة بيّنة.
الثاني : في قوله : (وعلى ما قلناه فحجه العقوبة باقية) ، وهي لا تكون إلا على أحد الوجهين المذكورين ، وهو لم يذكر في هذه المسألة شيئا يدل دلالة ظاهرة على اختيار أحدهما ، بل ولا في غير هذه المسألة من هذا الكتاب المشروح ، والظاهر أن مراده في قوله : (وعلى ما قلناه) ، هو قوله : (وهو حج يقضى لسنته) ، لأنه لا يكون حجا يقضى لسنته إلا إذا كانت الأولى حجة الإسلام ، فيكون هذه المأتي بها قضاء لتلك الفاسدة ، فهو حج يقضى لسنته ، ولو قلنا : الأولى عقوبة ، فهذه حجة الإسلام فهو ليس حجا يقضى لسنته فقوله
(وهو حج يقضى لسنته) حكم بأن الأولى حجة الإسلام. ويترتب على القولين فوائد
الأولى : إذا قلنا إن الأولى حجة الإسلام ، والثانية عقوبة ، كانت نيته في الثانية : (أحرم بالحج الواجب علي بالإفساد) ، وهكذا.
الثانية : إذا نذر أن يحج العام حجة الإسلام ثمَّ أفسد ، فإن قلنا : الأولى حجة الإسلام ، فلا كفارة عليه ، ووجب القضاء خاصة ، وإن قلنا : الأولى عقوبة ، كان عليه القضاء والكفارة ، لإخلاله بالنذر عمدا في العام المعين.
الثالثة : لو أفسد النائب ثمَّ مات قبل القضاء ، فان قلنا : الأولى حجة الإسلام ، استأجر ولي النائب من أصل تركته لإيقاع حج بسبب الإفساد ، وإن قلنا : الأولى عقوبة ، استأجر ولي المنوب عنه لإيقاع حجة الإسلام ، ثمَّ يرجع على تركة النائب بالأجرة التي أخذها النائب الميت ، سواء زادت عن الأجرة الثانية التي دفعها إلى النائب الثاني أو نقصت.
تنبيه : قال المقداد رحمهالله في شرح المختصر : العبد إذا أعتق في الحج الفاسد قبل الوقوف أجزأه مع القضاء عن حجة الإسلام ، ولو كان العتق بعد الوقوف ، وقلنا : الأولى فرضه ، لم يجزه ، ويجب حج الإسلام بعد حج القضاء ، وإن قلنا : إنها العقوبة ، أجزأه القضاء عن حجة الإسلام لصدق عتقه قبل الوقوف.
هذا كلامه ، وفيه غلط ظاهر في حكمين :
أحدهما قوله : (ويجب حج الإسلام بعد حج القضاء) ، إذ لا خلاف في وجوب تقديم حجة الإسلام هنا على حجة القضاء ، وإنما الخلاف إذا قدم القضاء ، هل تجزي عن حجة الإسلام أو يقع باطلا؟ قال الشيخ : يجزي عن حجة الإسلام ، لأن الزمان متعين لها ، وقال أكثر الأصحاب : يقع باطلا ،
لأن القضاء منهي عنه قبل حجة الإسلام ، وحجة الإسلام غير منوية ، فلا يقع صحيحا للنهي عنه ، وهو المعتمد. وكيف يقدم القضاء وهو هنا واجب على التراخي وحجة الإسلام واجبة على الفور ، وإنما يجب القضاء على الفور ، إذا كان الأصل الذي أفسده واجبا على الفور ، والفرض هنا غير ذلك الحكم؟!
الثاني الذي فيه الغلط ، قوله : (وإن قلنا : إنها العقوبة ، أجزأه القضاء عن حجة الإسلام ، لصدق عتقه قبل الوقوف).
مراده أن عتقه قد حصل قبل وقوف القضاء ، وقد قلنا : إن الثانية هي حجة الإسلام ، والأولى عقوبة ، وهو قد أعتق قبل وقوف حجة الإسلام ، فتكون مجزية ، لعموم قولهم : «العبد إذا أعتق قبل الوقوف أجزأه عن حجة الإسلام» (١١١) ، وهذا يصدق عليه انه أعتق قبل الوقوف فيجزيه.
هذا وجه استدلاله رحمهالله ، وهو غلط ، لأن القضاء إنما يجزي عن حجة الإسلام على القولين في موضع لو سلمت من الإفساد لأجزأت عن حجة الإسلام ، وهذه لو سلمت من الإفساد لم تجزه عن حجة الإسلام ، لوقوع العتق بعد الموقفين ، ولأن القضاء قد صار واجبا عليه بسبب الإفساد ، فلا يجزي عن حجة الإسلام التي لا تجزي عنها الفاسدة على تقدير عدم إفسادها ، ولأنه لو حج الصرورة قبل الاستطاعة ندبا ثمَّ أفسد كان عليه الإتمام والقضاء ، ولو استطاع قبل القضاء لم يجز القضاء عن حجة الإسلام ، لأن الفاسدة لو سلمت لم تجز عن حجة الإسلام ، ولا أعلم كيف يخيل للمقداد رحمهالله هذا ، مع أن جميع مصنفات أصحابنا مصرحة بضد ما ذهب إليه رحمهالله.
قال ابن إدريس رحمهالله : وإن أحرم بإذن سيده فأفسد الحج لزمه القضاء ، وعلى سيده تمكينه منه ، وإذا أفسد العبد الحج ولزمه القضاء على ما
__________________
(١١١) راجع الوسائل ، كتاب الحج ، باب ١٧ من أبواب وجوبه وشرائطه.
قلناه فأعتقه السيد ، فلا يخلو أن يكون بعد الوقوف بالمشعر ، أو قبله ، فإن كان بعده ، كان عليه أن يتم هذه الحجة ، ويلزمه حجة الإسلام فيما بعد وحجة القضاء ، ويجب عليه البدأة بحجة الإسلام ، هذا قول ابن إدريس رحمهالله ، أوجب عليه حجة الإسلام وحجة القضاء معا إذا كان العتق بعد الوقوف ، مع ان مذهبه أن الأولى عقوبة ، والثانية حجة الإسلام.
وقال العلامة في التحرير : لو أذن له مولاه فأحرم ، ثمَّ أفسد حجه ، وجب عليه إتمام الفاسد كالحر ، ويجب القضاء وإن كان رقيقا ، ولا يجب إجابة المولى في طلب الصبر إلى حين العتق ، ولو أحرم بغير إذن سيده ثمَّ أفسد لم يتعلق به حكم ، ولو أعتقه مولاه بعد إفساده ، فإن كان قبل فوات أحد الموقفين أتم حجه ، وقضى في القابل ، وأجزأ عن حجة الإسلام ، وان كان بعد الموقفين أتم حجه وقضى في القابل ، وعليه حجة الإسلام ، ويجزي القضاء عنها ، هذا كلام العلامة في التحرير مع أن مذهبه فيه كون الأولى عقوبة ، والثانية حجة الإسلام.
وقال في القواعد والتذكرة كذلك ، ومثله قول الشهيد في الدروس ، وهذه العبارات كلها مصرحة بضد الحكمين اللذين ذكرهما بما لا يقبل التأويل ، وبغير اختلاف بين الأصحاب ، لكن السهو جائز على غير المعصوم ، والغلط متطرق اليه ، وإذا حصل مثل هذا الغلط الظاهر الذي لا يقبل التأويل من مثل هذا العالم المحقق ثبت أن غير المعصوم لا يوثق بقوله لاحتمال غلطه ، فقبّح الله كل من يقول : إن الله يكلف الخلق جميعا اتباع شخص ، ويوجب عليهم الأخذ بقوله وهو غير معصوم ، فنسأل الله تعالى العصمة من الزلل ، الموجب للخلل في القول والعمل.
قال رحمهالله : ولو لم يندفع العدو إلا بالقتال لم يجب ، سواء غلب على الظن
السلامة أو العطب ، ولو طلب مالا لم يجب بذله ، ولو قيل : بوجوبه إذا كان غير مجحف كان حسنا.
أقول : العدو لا يخلو إما أن يكونوا مسلمين أو مشركين ، فإن كانوا مشركين جاز قتالهم ، لأنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومنعه الشيخ لاشتراط إذن الامام عليهالسلام في الجهاد ، وهو مدفوع ، لأن قتالهم من باب النهي عن المنكر ، لا من باب الجهاد ، وإن كانوا مسلمين فالأولى ترك قتالهم ، لكن لو فعلوه جاز لما قلناه من أنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذا مع ظن الظفر في الموضعين.
أما لو ظن العطب أو تساوى الاحتمالان سقط الجواز في الموضعين ، ولو بدأوا بالقتال جاز دفاعهم مع المكنة في الموضعين ، فلو لبسوا جنة القتال من الجلباب ، والجواشن والمغافر والمخيط ، وجب عليهم الفدية ، ولو طلبوا مالا احتمل عدم الوجوب ، سواء قل أو كثر ، مشركين كانوا أو مسلمين ، فإنه من باب تحصيل الشرط ، وهو غير واجب ، وهو مذهب الشيخ رحمهالله ، وظاهر المصنف وجوب الدفع ما لم يجحف ، واختاره العلامة ، لأنه من باب ما لا يتم الواجب إلا به ، فيكون واجبا ، وكره العلامة دفعه مع الكثرة وإن لم يجحف إذا كانوا مشركين لما في ذلك من الصغار للمسلمين ، ولو لم يوثق بهم ، لم يجب الدفع مطلقا.
قال رحمهالله : والمعتمر إذا تحلل يقضي عمرته عند زوال العذر ، وقيل : في الشهر الداخل.
أقول : اختيار المصنف مذهب الشيخ في التهذيب ، لصحيحة معاوية (١١٢) ، عن الصادق عليهالسلام ، واختاره أبو العباس ، والأكثر على
__________________
(١١٢) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ١ من أبواب الإحصار والصد ، حديث ٣.
الثاني ، والخلاف هنا مبني على الخلاف في أقل ما يكون بين العمرتين ، وهو يأتي إن شاء الله تعالى.
قال رحمهالله : والقارن إذا أحصر فتحلل لم يحج في القابل إلا قارنا ، وقيل : يأتي بما كان واجبا. وإن كان ندبا حج بما شاء من أنواعه ، وإن كان الإتيان بمثل ما خرج منه أفضل.
أقول : عدم جواز الإتيان بغير ما خرج منه مذهب الشيخ ، وقال ابن إدريس : يأتي بما شاء ، والمعتمد التفصيل ، وهو إن كان القران متعينا عليه ، بنذر وشبهه لم يجز العدول عنه إلى غيره ، وإلا كان مخيرا ، والأفضل أن يأتي بمثل ما خرج منه.
تنبيه : الصدّ والحصر بمعنى واحد ، وهو : المنع ، قال الله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (١١٣) أي منعتم ، وخصص الفقهاء الصد :
بالمنع بالعدو ، والحصر : بالمنع بالمرض ، وإنما فرقوا بينهما مع الاتحاد في الآية ، للفرق بين أحكامهما ، إذ الفرق بين الحصر والصد يحصل من وجوه :
الأول : جواز التحلل للمصدود موضع الصد ، من غير تربص ، سواء شرط أم لم يشرط ، والمحصر لا يجوز له التحلل حتى يبلغ الهدي محله مع عدم الشرط إجماعا ، ومعه يتحلل في الحال ، على المختار.
الثاني : أن المصدود يحل من كل شيء ، والمحصر لا يحل له النساء حتى يحج من قابل إن كان واجبا ، أو يطاف عنه طواف النساء ان كان ندبا.
الثالث : افتقار المحصر وقت المواعدة إلى التقصير قطعا ، والمصدود لا يفتقر على ما هو مشهور بين الأصحاب ، وقيل : يفتقر ، وهو المعتمد.
__________________
(١١٣) البقرة : ١٩٦.
قال رحمهالله : وروي أن باعث الهدي تطوعا يواعد أصحابه وقتا لذبحه أو نحره ، ثمَّ يجتنب ما يجتنبه المحرم ، فإذا كان وقت المواعدة أحلّ ، لكن هذا لا يلبي ، ولو أتى بما يحرم على المحرم كفّر استحبابا.
أقول : هذا الذي حكاه المصنف مذهب الشيخ في النهاية ، وعليه أكثر الأصحاب ، ومنع ابن إدريس جواز هذا الحكم ، وجعل الروايات (١١٤) المتضمنة للجواز أخبار آحاد.
والمعتمد الجواز ، لأن الوارد في هذا الحكم أخبار كثيرة ، مشهورة بين الأصحاب ، منها ما رواه معاوية بن عمار في الصحيح «قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يبعث بالهدي تطوعا وليس بواجب ، قال : فيواعد أصحابه يوما فيقلدونه ، فإذا كان تلك الساعة اجتنب ما يجتنب المحرم إلى يوم النحر ، فإذا كان يوم النحر أحل» (١١٥) وقال الصادق عليهالسلام : «ما يمنع أحدكم أن يحج كل سنة؟ قيل له : ما يبلغ ذلك أموالنا ، قال : ما يقدر أحدكم إذا حج أخوه أن يبعث معه بثمن أضحية ، ويأمره أن يطوف عنه أسبوعا بالبيت ويذبح ، فإذا كان يوم عرفة لبس ثيابه وتهيّأ وأتى المسجد ، ولا يزال في الدعاء حتى تغرب الشمس؟» (١١٦) ومنها : رواية عبد الله بن سنان (١١٧) ، وغير ذلك من الروايات الدالة على مطلوبهم.
__________________
(١١٤) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٩ من أبواب الإحصار والصد.
(١١٥) حديث ٥ من المصدر السابق. وفيه : (يواعد) بدل : (فيواعد) كما في النسخ.
(١١٦) حديث ٦ من المصدر السابق.
(١١٧) حديث ٣ من المصدر السابق.
في أحكام الصيد
قال رحمهالله : إلا الأسد ، فان على قاتله كبشا إذا لم يرده على رواية فيها ضعف.
أقول : بمضمون الرواية (١١٨) أفتى ابن بابويه وابن حمزة ، والأكثر ، على عدم وجوب الكفارة لأصالة البراءة ، ولرواية حريز (١١٩).
قال رحمهالله : وكذا لا كفارة فيما يتولد من وحشي وإنسي ، أو بين ما يحل للمحرم وما يحرم ، ولو قيل : يراعى الاسم كان حسنا.
أقول : المشهور : مراعاة الاسم لورود النص (١٢٠) على الجزاء عن أشياء مسماة بأسمائها ، فيثبت في كل ما صدق عليه ذلك الاسم ، وما لا فلا ، ومنع في المبسوط من الجزاء [في] مثل المتولد بين الوحشي والإنسي ، وكذا في المتولد بين ما يحرم قتله على المحرم وبين ما لا يحرم لأصالة براءة الذمة ، والمعتمد الأول
__________________
(١١٨) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٣٩ من أبواب كفارات الصيد ، حديث ١.
(١١٩) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٨١ من أبواب تروك الإحرام ، حديث ١.
(١٢٠) راجع الوسائل ، كتاب الحج ، أبواب كفارات الصيد.
قال رحمهالله : وفي الزنبور تردد ، والوجه المنع ، ولا كفارة في قتله خطأ ، وفي قتله عمدا صدقة ولو كف من طعام.
أقول : منشأ التردد من مشاركته للسباع وللحية والعقرب في العلة المبيحة للقتل ، وهي : الخوف من الأذى ، لأنه من المؤذيات ، وقد أباح الشارع قتل المؤذيات (١٢١) ، ومن ورود النص على أن من قتله عمدا أطعم شيئا من الطعام وروى معاوية بن عمار عن الصادق عليهالسلام ، «عن محرم قتل زنبورا؟ ، فقال : إن كان خطأ فلا شيء ، وإن كان عمدا أطعم شيئا من الطعام» (١٢٢) ، والمصنف عوّل على هذه الرواية.
قال رحمهالله : ويجوز شراء القماري والدباسي وإخراجها من مكة على رواية.
أقول : جواز إخراج القماري والدباسي من مكة على كراهية مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط ، واختاره المصنف والشهيد للأصل ، ولما رواه عيص بن القاسم ، «قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن شراء القماري يخرج من مكة أو المدينة ، قال : ما أحب أن يخرج منهما شيئا» (١٢٣) ، وهو يدل على الكراهية ، والمنع مذهب ابن إدريس ، واختاره فخر الدين لعموم (١٢٤) المنع من إخراج القماري.
قال رحمهالله : وفي فراخ النعامة روايتان ، إحداهما مثل ما في النعامة ، والأخرى من صغار الإبل ، وهو أشبه.
__________________
(١٢١) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٨١ من أبواب تروك الإحرام.
(١٢٢) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٨ من أبواب كفارات الصيد ، حديث ١ و ٢.
(١٢٣) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ١٤ من أبواب كفارات الصيد ، حديث ٣. وفيه : (منها) بدل : (منهما).
(١٢٤) المائدة : ٩٩٦. راجع إيضاح الفوائد ١ : ٣٢٨ ، وليراجع السرائر ١ : ٥٦٠.
أقول : الأول : مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط للاحتياط ، لأن الفرخ يسمى باسم النوع فيثبت فيه ما يثبت في الكبير لتعلق الحكم بالاسم ، ولرواية أبان بن تغلب (١٢٥) الدالة على مطلوبه.
والمشهور الثاني ، وهو أن في الفرخ إبل في سنة لقوله تعالى (مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (١٢٦) ، ولأصالة البراءة عما زاد عن المثل.
قال رحمهالله : وفي الثعلب والأرنب شاة ، وهو المروي ، وقيل : فيه ما في الظبي.
أقول : لا خلاف في ان في كل واحد من الظبي والثعلب والأرنب شاة ، وإنما الخلاف في مساواة شاة الثعلب والأرنب لشاة الظبي في البدل عند فقد الشاة ، ذهب السيد والشيخ والمفيد إلى المساواة ، واختاره ابن إدريس وأبو العباس ، وهو المعتمد ، والمستند الروايات (١٢٧).
والحسن بن أبي عقيل وعلي بن بابويه لم يتعرضا لبدل الثعلب والأرنب ، وقال في التحرير : ونحن فيه من المتوقفين ، وإذا لم نقل بالمساواة رجعنا إلى عموم رواية معاوية بن عمار : «ان من كان عليه شاة ولم يجد أطعم عشرة مساكين ، فان لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج» (١٢٨).
قال رحمهالله : والأبدال في الأقسام الثلاثة على التخيير ، وقيل : على الترتيب ، وهو الأظهر.
أقول : التخيير مذهب ابن إدريس نقله عن الشيخ في الجمل والخلاف ،
__________________
(١٢٥) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٢ من أبواب كفارات الصيد ، حديث ١١.
(١٢٦) المائدة : ٩٥.
(١٢٧) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٢ من أبواب كفارات الصيد.
(١٢٨) حديث ٣ من المصدر المتقدم.
والترتيب مذهب الشيخ في النهاية ، وبه قال محمد بن بابويه والحسن بن أبي عقيل ، واختاره المصنف والعلامة في القواعد وولده فخر الدين في شرحه ، والمستند الروايات (١٢٩).
قال رحمهالله : وفي كسر بيض النعام إذا تحرك فيها الفرخ ، بكارة من الإبل.
أقول : قال ابن إدريس : لا يظن ظان أن البكارة الأنثى ، وإنما البكارة جمع بكرة بفتح الباء ، فأوجب الشارع في كل بيضة تحرك فيها الفرخ واحدا من هذا الجمع ، وقال : قال ابن الأعرابي في نوادره : بكار بلا هاء تثبت فيها للإناث ، وبكارة بإثبات الهاء للذكران ، وقال أبو عبيدة : البكر من الإبل بمنزلة الفتى من الناس ، والبكارة : بمنزلة الفتاة ، والقلوص بمنزلة الجارية ، والبعير بمنزلة الإنسان ، والجمل : بمنزلة الرجل ، والناقة : بمنزلة المرأة.
قال رحمهالله : وفي كسر بيض القطا والقبج إذا تحرك الفرخ من صغار الغنم ، وقيل : عن البيضة مخاض من الغنم ، وقيل : التحرك إرسال فحولة الإبل في إناث منها بعدد البيض ، فما نتج فهو هدي ، فإن عجز كان كمن كسر بيض النعام.
أقول : ذهب العلامة في القواعد إلى اختيار المصنف هنا ، وهو : أن الواجب مع التحرك من صغار الغنم ، وهو قوي لأصالة البراءة من الزائد ، ولأن الشاة تجب في القطاة لا يساويها المتحرك من بيضها ، كما لا يتساوى النعام المتحرك من بيضها لقوله تعالى (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (١٣٠)
__________________
(١٢٩) الأحاديث ١ و ٧ و ١١ من المصدر المتقدم للترتيب ، وأما التخيير فدليله الآية (٩٦) من سورة المائدة بضميمة الحديث الأول من الباب ١٤ من أبواب كيفية كفارات الإحرام.
(١٣٠) المائدة : ٩٥.
ووجوب المخاض من الغنم مذهب الشيخ ، واختاره العلامة في المختلف ، والدليل الروايات (١٣١).
والمراد بالمخاض : ما يصح أن يكون حاملا ، ولا يلزمه الحامل بل ما من شأنها ذلك ، وهذا مع تحرك الفرخ ، ومع عدمه يجب إرسال فحولة الغنم في إناث بعدد البيض ، ولا يجب تعدد الفحل ، بل لو أنزى فحلا واحدا على الجميع جاز ، وكذلك في الإبل.
وإن عجز عن الإرسال كان عليه إطعام عشرة مساكين عن كل بيضة ، فإن عجز صام عن كل بيضة ثلاثة أيام ، كما في بيض النعام ، هذا تفسير المتأخرين.
وقال ابن إدريس : معناه أن النعام إذا كسر بيضه فتعذر الإرسال ، وجب في كل بيضة شاة ، فهذا وجه المشابهة بينهما فصار حكمه حكمه ، ولا يمنع ذلك إذا قام الدليل عليه.
وهذا التفسير ضعيف ، لأن الشاة لا تجب مع القدرة على الإرسال ، فكيف يجب مع العجز عنه؟! والقطا إذا كسر بيضه فتعذر الإرسال وجب في كل بيضة شاة مع العجز ، لأن حكم العجز الانتقال من الأقوى إلى الأضعف لا العكس ، فلو أوجبنا الشاة مع العجز عن الإرسال يكون قد نقلناه من الأضعف إلى الأقوى ، لأن الإرسال أضعف من الشاة في التكليف ، لأنه لا ثمن ولا قيمة عليه في الحال ، وربما لم يحصل النتاج فيما بعد ، فكان الإرسال أضعف ، فلا ينتقل من الأضعف إلى الأقوى مع العجز ، لأنه خلاف المعهود من الشرع ، فيتعين التفسير الأول ، وهو المعتمد.
__________________
(١٣١) الوسائل ، كتاب الحج ، باب ٢٥ من أبواب كفارات الصيد.
قال رحمهالله : الحمام ، وهو اسم لكل طائر يهدر ويعب الماء ، وقيل : كل مطوّق.
أقول : قال الكسائي : الحمام كل مطوق ، وهو الذي فسره الشيخ في المبسوط ، وقال صاحب الصحاح : الحمام عند العرب ذوات الأطواق من الفواخت والقماري والقطا والوراشين وأشباه ذلك يقع على الذكر والأنثى ، وعند العامة : فهي الداوجن فقط ، وهو الذي يألف البيوت ، فعلى هذا التفسير لا يدخل القطا والوراشين ، بل يكون مختصا بالحمام الذي يهدر ويعب الماء.
والهدر : تواصل الصوت ، وعب الماء : شربه دفعة من غير أن يعطف كالدجاج ، بل يضع منقاره في الماء ويكرع كرع الشاة.
قال رحمهالله : في قتل الجرادة تمرة ، والأظهر كف من طعام ، وكذا في القملة يلقيها عن جسده.
أقول : وجب التمرة في الجرادة مذهب الشيخ في النهاية ، وتبعه ابن البراج وابن حمزة. وخيّر في المبسوط بينها وبين كف من طعام ، وأوجب المفيد وعلم الهدى الكف من الطعام.
والأخبار (١٣٢) واردة بالطرفين معا ، فيحمل على التخيير جمعا بين الأدلة ، وأما القملة ففيها كف من طعام خاصة.
قال رحمهالله : وقيل : في البطة والإوزّة والكركي شاة ، وهو تحكم.
أقول : قال في المبسوط : البط والإوز والكركي يجب فيه شاة ، وهو الأحوط ، وان قلنا : فيه القيمة ـ لأنه لا نص فيه ـ كان جائزا.
__________________
(١٣٢) المصدر المتقدم باب ٣٧ من أبواب كفارات الصيد.