قال رحمهالله : وفي الثعلب والأرنب والفأرة والوزغ تردد ، والأظهر الطهارة.
أقول : هنا مسائل :
الأولى والثانية : الثعلب والأرنب ، وبنجاستهما قال الشيخ في النهاية والمبسوط وبه قال المفيد ، لرواية يونس (١٢٨) ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، وبالطهارة قال ابن إدريس ، واختاره المصنف والعلّامة ، لرواية الفضل أبي العباس (١٢٩) ، عن أبي عبد الله عليهالسلام.
الثالثة والرابعة : الفأرة والوزغة ، وبنجاستهما قال الشيخ والمفيد ، وبطهارتهما قال المصنف والعلامة ، واستدل الجميع بالروايات (١٣٠).
قال رحمهالله : الثامن : المسكرات ، وفي تنجيسها خلاف ، والأظهر النجاسة.
أقول : قال الشيخ والمفيد والمرتضى ومعظم الأصحاب بنجاسة المسكرات ، وادعى الشيخ والسيد عليه الإجماع ، وقال ابن الجنيد : ومن أصاب ثوبه أو جسده خمر أو مسكر لم يكن عليه غسلهما ، لأنّ الله تعالى إنما حرمهما تعبدا لا لأنهما نجسان ، وكذلك سبيل العصير والخل إذا أصاب الثوب ، ونحوه قال محمد بن بابويه ، واستدل الجميع بالروايات (١٣١).
__________________
(١٢٨) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٣٤ من أبواب النجاسات ، حديث ٣.
(١٢٩) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ١١ من أبواب النجاسات ، حديث ١. في النسخ (ابن العباس) بدل (أبي ...) ، وصححناه من كتب الرجال والحديث.
(١٣٠) راجع الوسائل كتاب الطهارة باب ١٩ من أبواب الماء المطلق حديث ٢ ، وباب ٩ من أبواب الأسئار حديث ٢ و ٤ و ٧ و ٨ ، وباب ٣٣ من النجاسات ، حديث ١ و ٢ ، وباب ٣٦ حديث ١ و ٢.
(١٣١) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٣٨ من أبواب النجاسات.
قال رحمهالله : وفي عرق الجنب من الحرام وعرق الإبل الجلّالة والمسوخ خلاف ، والأظهر الطهارة.
أقول : هنا مسائل :
الأولى والثانية : عرق الجنب من الحرام وعرق الإبل الجلّالة ، وبنجاسته قال الشيخان ، وقال ابن إدريس والمصنف والعلامة بالطهارة ، واستدل الفريقان بالروايات (١٣٢).
الثالثة : المسوخ ، وبنجاستها قال الشيخ وسلار ، لأنّ المسوخ يحرم بيعها ، ولا مانع سوى النجاسة ، وقال المصنف والعلامة بالطهارة ، للأصل ، ولما رواه عبد الحميد بن سعد قال : «سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن عظام الفيل ، هل يحل بيعها للذي يعمل منها الأمشاط؟ قال : لا بأس ، قد كان لأبي مشط أو أمشاط» (١٣٣) ، والفيل أحد أنواع المسوخ ، فلو كان نجسا كان عظمه نجسا أيضا.
__________________
(١٣٢) راجع الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ١١ من أبواب الماء المضاف ، وباب ٢٧ من أبواب النجاسات ، هذا في خصوص عرق الجنب. وفي مسألة عرق الإبل الجلالة راجع الوسائل ، كتاب الطهارة باب ٥ و ٦ و ٧ ، من أبواب الأسئار وباب ١٥ من النجاسات.
(١٣٣) الوسائل ، كتاب التجارة ، باب ٣٧ من أبواب ما يكتسب به ، حديث ٢ وفي بعض النسخ : (عبد الحميد بن سعيد) كما في الوسائل.
في أحكام النجاسات
قال رحمهالله : وان كان متفرقا قيل : هو عفو ، وقيل : يجب إزالته ، وقيل : لا يجب إلّا أن يتفاحش ، والأول أظهر.
أقول : هنا ثلاثة أقوال في المتفرق من الدم :
الأول : لا يجب إزالته إلّا أن يبلغ كل موضع منه مقدار الدرهم ، وهو مذهب ابن إدريس ، واختاره المصنف ، لأنّ كل واحد من المتفرق عفو ، لقصوره عن سعة الدرهم.
الثاني : يجب إزالته إذا بلغ الدرهم ، سواء كان متفرقا أو مجتمعا ، وهو قول الشيخ في المبسوط ، لقوله تعالى (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) (١٣٤) خرج عنه ما وقع عليه الإجماع ـ وهو ما نقص عن الدرهم ـ فيبقى الباقي على المنع ، ولأنّ النجاسة البالغة مقدار الدرهم لا تتفاوت بالاجتماع والافتراق في المحل.
الثالث : قوله في النهاية ، وهو أنّه عفو ما لم يبلغ التفاحش ، ولم يذكر
__________________
(١٣٤) المدثر : ٤.
وجهه ، وليس في الروايات (١٣٥) الواردة في هذا المعنى ما يدل عليه ، ولعله نظر إلى استقذاره واستخباثه ، والخبث علة في التحريم ، لقوله تعالى (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) (١٣٦).
فرعان :
الأول : لو تعددت الثياب وفي كل واحد منها قدر ما عفى عنه من الدم ، لم يجب إزالته وإن زاد المجموع عن الدرهم ، والثوب والبدن متعددان لا يضم أحدهما إلى الآخر ، وإذا كان الدم في باطن الثوب وفي مقابله من الظاهر ، فان نفذ أحدهما إلى الآخر فهما واحد.
الثاني : إذا أصاب ما نقص عن الدرهم بصاق أو ماء ، فإن تعدّى عن محله لم يبق العفو ، وان بقي على محلّ الدم ولم يتعدّ ، هل يبقى العفو؟ قيل : لا ، لأنه صار حاملا لمنجّس وهي الرطوبة الملاقية للدم ، وقيل : يبقى ، لان المنجّس شيء لا يزيد عليه في الحكم.
قال رحمهالله : وإذا لاقى الكلب أو الخنزير أو الكافر ثوب الإنسان رطبا غسل موضع الملاقاة واجبا ، وإن كان يابسا رشّه بالماء استحبابا ، وفي البدن يغسل رطبا ، وقيل : يمسح يابسا ، ولم يثبت.
أقول : الضّابط أن كل نجاسة لا تؤثر في الثوب ولا البدن لا يجب غسلها ، إلا ميّت غير الآدمي فإن نجاسته تتعدى ، وإن كان يابسا على فتوى القواعد والموجز ، واشترط الشهيد في بيانه الرطوبة ، أمّا ميت الآدمي ففي القواعد تتعدى نجاسته مطلقا أيضا ، رطبا ويابسا ، باردا وسخنا ،
__________________
(١٣٥) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٢٠ من أبواب النجاسات.
(١٣٦) الأعراف : ١٥٧.
وفي الموجز لا تتعدى إلّا مع الرطوبة حال برده بالموت خاصة.
وقال ابن حمزة بوجوب رشّ الثوب إذا أصابه الكلب أو الخنزير أو الكافر يابسا ، ومسح موضع الإصابة في البدن بالتراب مع يبس الملاقي ، لما رواه حريز (١٣٧) عمن أخبره ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، والمشهور الاستحباب ، إذ مع اليبوسة لا تتعدى النجاسة ، وإلّا وجب غسل المحل.
قال رحمهالله : وإذا أخل المصلي بإزالة النجاسة عن ثوبه أو بدنه أعاد في الوقت وخارجه ، فإن لم يعلم ثمَّ علم بعد الصلاة لم تجب عليه الإعادة ، وقيل : يعيد في الوقت ، والأول أظهر.
أقول : إذا لم يعلم بالنجاسة إلّا بعد الصلاة ، وتيقن سبقها على الصلاة ، فإن خرج الوقت لا إعادة إجماعا (١٣٨) ، وهل يعيد مع بقائه؟
قال السيّد المرتضى ، وابن إدريس : لا يعيد ، واختاره المصنف والعلامة في الإرشاد ، لأصالة براءة الذمة ، ولرواية حفص بن غياث (١٣٩) ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام.
وقال الشيخ في موضع من النهاية ، والعلّامة في القواعد : يعيد ، للاحتياط ، ولرواية وهب بن عبد ربه (١٤٠) ، عن ابي جعفر عليهالسلام.
ويتفرّع على المذهبين ما لو علم بالنجاسة في أثناء الصلاة فعلى الأول يطرحها إن أمكن ويتم صلاته ، وإن لم يمكن إلّا بفعل المنافي كالاستدبار والفعل الكثير استأنف ، وعلى الثاني يستأنف مع بقاء الوقت مطلقا ، سواء
__________________
(١٣٧) الوسائل ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، باب ٢٦ ، حديث ٣.
(١٣٨) كلمة (إجماعا) من «ن».
(١٣٩) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٣٧ ، من أبواب النجاسات ، حديث ٥.
(١٤٠) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٤٠ من أبواب النجاسات ، حديث ٨.
افتقر إلى المنافي أو لا ، وسواء تيقن سبقها على الصلاة أو لا ، وقيد الشهيد ذلك بعلم سبقها على الصلاة ، أمّا لو شك في سبقها أو حدوثها أزالها ولا إعادة ، لأصالة صحة الصلاة الخالية عن معارضة التقدم (١٤١).
قال رحمهالله : إذا كان مع المصلي ثوبان وأحدهما نجس لا يعلمه بعينه صلّى الصلاة الواحدة في كل منهما منفردا على الأظهر.
أقول : مذهب الشيخ رحمهالله ومعظم الأصحاب أنّه يصلّي الصلاة الواحدة في كل واحد منهما منفردا ، لأنّه متمكن من أداء الفرض في ثوب طاهر فيتعين (١٤٢) ، وبالصلاة فيهما مرتين يحصل المأمور به ، فيجب عليه فعله.
وقال ابن إدريس : يلقيهما ويصلي عريانا ، لأنّ الواجب عليه عند إيقاع كل فريضة أن يقطع بطهارة ثوبه ، وهو منتف عن افتتاح كل صلاة هنا ، ولا يجوز أن تقف الصلاة عليه ما يظهر (١٤٣) ، لأنّ الصلاة واجبة على وجه يقع عليه الصلاة ولا يؤثر فيه المتأخر.
والجواب : المنع من وجوب علمه بطهارة الثوب حينئذ ، لأنّ هذا التكليف سقط عنه لتعذره ، والمؤثر في وجوب الصلاة (١٤٤) هنا موجود مع الفعل لا متأخر عنه ، لأنّا نحكم بوجوب صلاتين ، إحداهما بالأصالة والأخرى بالاشتباه ، لأنه لا يتم الواجب إلا به وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، ولم يتفطّن ابن إدريس لذلك ، وظنّ أن إحدى الصلاتين واجبة
__________________
(١٤١) من «ن» ، وفي النسخ : التقديم.
(١٤٢) في «ن» و «ر ١» : فتتعين الصلاة.
(١٤٣) في السرائر بزيادة : فيما بعد ، راجع السرائر ١ : ١٨٥.
(١٤٤) في «ن» : الصلاتين.
دون الأخرى ، ثمَّ يعلم المكلف بعد فعلهما أنه فعل الواجب بالجملة ، وليس كذلك.
فروع :
الأول : إذا اشتبه النجس بالطاهر ، وكان النجس محصورا كرّر الفريضة بعدد النجس وزيادة فريضة ، وإن كان غير محصور كررها في الجميع مع تمكنه ، وإلّا سقط التكرار ويصلّي بأيها شاء أو عاريا على الخلاف.
الثاني : إذا صلى في المشتبهين فليصلّي الفريضة في كل واحد منهما ليحصل القطع ببراءة ذمته منها ، ثمَّ يصلّي الأخرى فيهما ، ولو صلّى الأولى في ثوب والثانية فيه أيضا ثمَّ أعادهما في الآخر احتمل الإجزاء لحصول الترتيب قطعا ، ولكن الأول أولى.
الثالث : لو صلّى الأولى في ثوب ثمَّ الثانية في آخر ، ثمَّ الأولى فيه أيضا ثمَّ الثانية في الأول ، صحت الأولى خاصة ، لاحتمال كون الطاهر هو الثاني ، فيكون قد أوقع العصر قبل الظهر فتكون باطلة ، ولو لم يجب الترتيب صحتا معا.
قال رحمهالله : ويجب أن يلقي الثوب النجس ويصلي عريانا إذا لم يكن هناك غيره ، وإن لم يمكنه صلّى فيه وأعاد ، وقيل : لا يعيد ، وهو الأشبه (١٤٥).
أقول : الإعادة مذهب الشيخ رحمهالله ومستنده رواية عمار الساباطي (١٤٦) عن ابي عبد الله عليهالسلام ، وعدم الإعادة مذهب ابن إدريس
__________________
(١٤٥) في «ن» : أشبه.
(١٤٦) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٤٥ ، من أبواب النجاسات ، حديث ٨.
واختاره المصنف ، والعلامة ، لأنّه أتى بالمأمور به فيخرج به عن العهدة ، وهذان المذهبان مشهوران.
واختار المصنف في المعتبر ، والعلّامة في منتهى المطلب ، جواز الصلاة في الثوب النجس مع التمكن من نزعه إذا لم يتمكن من غسله ، وذهبا إلى جواز التخيير أيضا في نزعه والصلاة فيه لوجهين :
الأول : ان طهارة الثوب شرط في الصلاة وستر العورة شرط أيضا فيتخير المكلف بترك أيّهما شاء.
الثاني : صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليهالسلام قال :
«سألته عن رجل عريان وقد حضرت الصلاة ، فأصاب ثوبا نصفه دم أو كله دم ، أيصلي فيه أو يصلي عريانا؟ قال : إن وجد ماء غسله ، وإن لم يجد صلى فيه ، ولا يصلي عريانا» (١٤٧).
قال رحمهالله : والماء الذي تغسل به النجاسة نجس ، سواء كان في الغسلة الأولى أو الثانية ، وسواء كان متلوثا (١٤٨) بالنجاسة أو لم يكن ، وسواء بقي على المغسول عين النجاسة أو نقي ، وكذا القول في الإناء على الأظهر.
أقول : الماء المستعمل في تطهير الثياب وغيرها للأصحاب فيه أقوال :
قال السيّد المرتضى : حكم المنفصل عن المغسول حكم المحل بعد الغسل ، فعلى هذا يكون طاهرا ، سواء كان في الأولى أو الثانية أو الثالثة ، وبه قال الشيخ في باب تطهير الثياب من المبسوط.
قال السيّد : لأنّا لو حكمنا بنجاسة الماء القليل لوروده على النجاسة ،
__________________
(١٤٧) الوسائل ، كتاب الطهارة ، باب ٤٥ من أبواب النجاسات ، حديث ٥.
(١٤٨) في نسخة : متلونا.
لأدى ذلك إلى أن الثوب لا يطهر عن النجاسة إلّا بإيراد كرّ من الماء عليه دفعة ، وهو باطل للمشقّة.
وجزم الشيخ في الخلاف بنجاسة الأولى وطهارة الثانية.
وقال المصنف والعلامة : بنجاسة المنفصل مطلقا ، سواء كان في الأولى أو الثانية أو الثالثة ، أو ما زاد على ذلك من الغسلات الواجبة كالسابعة من نجاسة الخنزير والخمر ، لا ما زاد على العدد الواجب ، كما توهّمه ابن فهد رحمهالله في مقتصره ومهذّبه ، لأنه قال : وان زاد على الواجب. وهو غلط حصل له من لفظ الإطلاق.
قال العلامة في نهايته : وأن يكون نجسا مطلقا سواء انفصل من الغسلة المطهرة للمحل أو لا ، لأنّه ماء قليل لاقى نجاسة فانفعل عنها كغيره.
فقد تبين من الإطلاق أنّه في المطهرة وغير المطهرة ، لا ما زاد على المطهرة ، وإذا كان العلة في التنجيس كونه ماء قليلا لاقى نجاسة ، فبعد الحكم بالطهارة يلاقي محلا طاهرا (١٤٩) ، ولا قائل بنجاسة غسالة المحل الطاهر.
والمراد بالإطلاق خلافا للخلاف ، لأنّ الشيخ في الخلاف حكم بنجاسة الغسالة من الغسلة الأولى دون غسالة الغسلة المطهرة كثانية البول ، وثالثة الفأرة والولوغ وسابعة الخمر والخنزير ، والمصنف والعلامة أطلقا التنجيس في الأولى والمطهرة.
قال الشهيد في الذكرى : فعلى هذا يكون حكم الغسالة حكم مغسولها قبلها ، فمذهب الشهيد والمصنف والعلامة واحد ، وهو طهارة المنفصل إذا ورد على محل قد حكم بطهارته ، وعند ابن فهد (ان مذهب المصنف
__________________
(١٤٩) هكذا وردت هذه الجملة في النسخ إلا «ن» فإنها كالتالي : (فيفيد الحكم بطهارة ما يلاقي ...).
والعلامة) (١٥٠) نجاسة الغسالة وإن وردت على محل قد حكم بطهارته ، وهو مخالف للعقل والنقل.
وأجاب العلّامة عن حجة السيد بالمنع من الملازمة ، فإنّا نحكم بتطهير الثوب ونجاسة الماء بعد انفصاله عن المحل ، والفرق بين المتصل والمنفصل لزوم الكلفة والمشقة بتنجيس المتصل دون المنفصل ، هذا مع عدم التغيّر أمّا لو تغيّر بالنجاسة فنجس (١٥١) إجماعا ، ولا فرق بين الثياب والأواني عند المصنف ومن تابعه ، فلا يتوهّم متوهم أن قول المصنف : (وكذا القول في الإناء على الأظهر) أراد به الفرق ، بل أراد أن يبيّن أنّ حكم الأواني حكم الثياب.
وقوله : (على الأظهر) عائد إلى الخلاف الواقع في الماء الذي يغسل به النجاسة ، سواء كانت على الثوب أو في الإناء أو غيرهما.
وأما الشيخ رحمهالله فقد حكم في الخلاف بطهارة غسلتي الولوغ سواء كان من الأولى أو الثانية ، وهو موافق لمذهبه في المبسوط ، لأنه حكم بطهارة المنفصل مطلقا كمذهب السيد ، وقد بيّناه في صدر المسألة.
قال رحمهالله : وقيل في الذنوب إذا ألقي على نجاسة على الأرض تطهر الأرض مع بقائه على طهارته.
أقول : بالطهارة قال الشيخ وابن إدريس ، لما رواه أنس عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : «جاء أعرابي ، فبال في طائفة المسجد ، فزجره الناس ، فنهاهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلما قضى بوله ، فأمر بذنوب من ماء فأهريق عليه» (١٥٢) ، والنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إنما يأمر بالطهارة
__________________
(١٥٠) ما بين القوسين مضروب عليه القلم في «ن».
(١٥١) من «ن» ، وفي بعض النسخ : حكم بنجاسته.
(١٥٢) صحيح مسلم ج ١ ، كتاب الطهارة ، باب ٣٠ وجوب غسل النجاسات إذا حصلت. حديث ٩٩.
بالمؤثر في الطهارة ، لا بما يزيد في التنجيس ، فيلزم منه طهارة الماء أيضا.
ومنعه العلّامة ، لأنّه ماء قليل لاقى نجاسة فانفعل بها ، فلا يطهر المحل ، وأجاب عن الرواية بكونها من طريق العامة ، وبكون الذنوب كبيرا يسع كرا (١٥٣).
قلت : وهذه الرواية تقوي مذهب السيد المرتضى بعدم نجاسة الماء الذي تزال به النجاسة ، وهو قوي.
تنبيه : تطهر الأرض بأحد أمور ستة :
الأول : إلقاء كرّ فما زاد عليها دفعة مع زوال عين النجاسة عنها.
الثاني : إجراء الماء الجاري عليها حتى يستهلك النجاسة.
الثالث : طلوع الشمس عليها حتى تجف.
الرابع : وقوع الغيث عليها حتى يستهلك النجاسة.
الخامس : كشط النجاسة وما اتصل به أجزاؤها عنها.
السادس : الزيادة عليها ، بأن يطرح فوقها طينا أو ترابا ، وتسمية هذين مطهرين على سبيل المجاز.
تذنيب : إنما يطهر بغير الكثير ما يمكن (انفصال الغسالة عنه ، كالثياب والأواني ، وكل جسم لا يتشرّب الغسالة ، بحيث لا يمكن (١٥٤) انفصالها عنه ، وما لا يمكن انفصالها عنه كالمائعات ، والقرطاس ، والطين ، والحب المطبوخ بالماء النجس ، واللحم وشبهه إذا طبخ به ، والخبز المعجون بالنجس ، فهذا جميعه لا يطهر الّا بالكثير إذا تخلّله.
__________________
(١٥٣) في نسخة : يبلغ.
(١٥٤) في «ي ١» : يمكن.
قال رحمهالله : ويغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا أولاهن بالتراب على الأصح (١٥٥).
أقول : الولوغ هو شرب الكلب من الإناء بطرف لسانه ، ويغسل له ثلاث غسلات ، أولاهنّ بالتراب ، وقال المفيد : الوسطى بالتراب ، والأول هو المشهور.
والمشهور هو اختصاص التراب بالولوغ ، ولم يفرق المفيد بين الولوغ والوقوع والمباشرة بالأعضاء.
فرعان :
الأول : لو عدم التراب وجب التعفير بمشابهه (١٥٦) كالأشنان والنورة والدقيق ، ولو عدم الجميع وجب الثلاث بالماء.
الثاني : لو غمسه في الكثير لم يجز عن التعفير ، لان التراب ربما كان أبلغ بإزالة الرطوبة.
__________________
(١٥٥) في بعض النسخ : على الأظهر.
(١٥٦) في «ن» : بما يشابهه.
كتاب الصلاة
في النوافل
قال رحمهالله : ونوافلها في الحضر أربع وثلاثون ركعة على الأشهر.
أقول : أطبق الأصحاب في كتب الفتاوي على أن الفرض والنفل أحد وخمسون ركعة في اليوم والليلة ، ولهم عليه روايات كثيرة (١) ، ووردت روايات أخر (٢) تتضمن النقيصة عن ذلك ، فمنها : رواية يحيى بن حبيب ، عن الرضا عليهالسلام ، ورواية أبي بصير ، عن الصادق عليهالسلام ، فإنهما تتضمنان نقيصة أربع من نافلة العصر ، ومنها رواية زرارة ، عن الصادق عليهالسلام فإنها تضمنت إسقاط ركعتين من نافلة المغرب مع سقوط ما تقدم ، ولم يعمل بها أحد من الأصحاب.
__________________
(١) الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ١٣ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها.
(٢) الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ١٤ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها.
قال رحمهالله : ويسقط في السفر نوافل الظهر والعصر والوتيرة على الأظهر.
أقول : قال الشيخ في الجمل والمبسوط : تسقط ، وقال في النهاية : إنه يتخير ، واختاره أبو العباس.
في أوقات الصلاة
قال رحمهالله : والغروب باستتار القرص ، وقيل : بذهاب الحمرة من المشرق ، وهو الأشهر.
أقول : المشهور بين علمائنا أن علامة غروب الشمس ذهاب الحمرة المشرقية ، لان الآفاق مختلفة ، وربما حصل غيبوبة القرص قبل غروب الشمس ، لأجل حائل ، فلو لم يكن الاعتبار بزوال الحمرة لما حصل الصلاة بعد دخول الوقت بيقين ، ولرواية بريد بن معاوية (٣) في الصحيح عن الباقر عليهالسلام.
وقال الشيخ رحمهالله في المبسوط : علامة غيبوبة الشمس هو أنّه إذا رأى الآفاق والسماء مصحية ، ولا حائل بينه وبينها ورآها غابت عن العين علم غروبها.
ومن أصحابنا من قال : يراعى زوال الحمرة من ناحية المشرق ، وهو أحوط.
__________________
(٣) الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ١٦ من أبواب المواقيت ، حديث ١.
فأمّا على القول الأول إذا غابت الشمس عن البصر ورأس ضوءها على جبل يقابلها أو مكان عال مثل منارة الإسكندريّة ، فإنه يصلي ، ولا يلزمه حكم طلوعها بحيث طلعت وعلى الرواية الأخرى لا يجوز حتى تغيب في كل موضع (٤) ، وهو أحوط ، ويظهر من كلام الشيخ هذا أن الاعتبار بغيبوبة القرص ، ونحوه قال ابن الجنيد ، ولهما عليه روايات (٥).
قال رحمهالله : وقال آخرون ما بين الزوال حتى يصير ظل كل شيء مثله وقت للظهر ، وللعصر من حين يمكن الفراغ من الظهر حتى يصير مثليه ، والمماثلة بين الفيء الزائد والظل الأول ، وقيل : بل مثل الشخص ، وقيل :
أربعة أقدام للظهر وثمان للعصر ، هذا للمختار ، وما زاد على ذلك حتى تغرب وقت لذوي الأعذار.
أقول : لكل صلاة وقتان أول وآخر ، قال الشيخان ومن تابعهما : الأول وقت للمختار ، والثاني وقت للمعذور ، وقال المصنف والعلامة : الأول وقت للفضيلة ، والثاني وقت للإجزاء ، وهو مذهب ابن إدريس ، لقوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) (٦) ، والدلوك هو الزوال ، والغسق هو الظلمة ، وليس المراد الإتيان في جميع هذا الزمان إجماعا ، فتعين التخيير ، ومستند الشيخ ومن تابعه الروايات (٧).
إذا عرفت هذا فنقول : لا خلاف في أن زوال الشمس أول وقت الظهر ، وإنما الخلاف في آخره ، وفيه أقوال :
__________________
(٤) في «ن» بزيادة : يراه.
(٥) راجع الباب المتقدم.
(٦) الاسراء : ٧٨.
(٧) راجع الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ٣ من أبواب المواقيت.
الأول : إذا بقي للغروب مقدار أربع ركعات ، قاله السيد المرتضى ، وابن إدريس ، واختاره المصنف والعلامة.
الثاني : حتى يصير ظل كل شيء مثله ، وهو قول الشيخ رحمهالله ، واختلف في المماثلة ، هل هي بين الظل الحادث بعد الزوال ، أو الظلّ الأول ، أو مثل الشخص؟ قال الشيخ في التهذيب : المعتبر بزيادة الظل قدر الفيء الأول لا قدر الشخص ، وأكثر الأصحاب على أنه قدر الشخص.
الثالث : حتى يصير الظل أربعة أقدام ، وهي أربعة أسباع الشخص المنتصب ، ثمَّ يختص بعد ذلك بوقت العصر ، وهو قول أبي الصلاح.
قال رحمهالله : وللعشاء من ذهاب الحمرة إلى ثلث الليل للمختار ، وما زاد عليه حتى ينتصف الليل للمضطر ، وقيل : إلى طلوع الفجر ، وما بين طلوع الفجر إلى طلوع الحمرة للمختار في الصبح ، وما زاد على ذلك حتى تطلع الشمس للمعذور ، وعندي ان ذلك كله للفضيلة.
أقول : هنا مسئلتان.
الأولى : العشاء وقد اختلف في أول وقتها أو آخره ، قيل : أوله إذا مضى من الغروب مقدار ثلاث ركعات ، ثمَّ تشترك بينها وبين المغرب إلى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار أداء العشاء ، فيختص بها ، وهو مذهب المرتضى وابن إدريس ، واختاره المتأخرون ، وقيل : أوّله بعد ذهاب الحمرة المغربية ، قاله الشيخان وسلار.
واما آخره ففيه أقوال ، قيل : الى ثلث الليل للمختار ، ونصفه للمضطر ، وهو قول المفيد ، وقال السيد وابن إدريس : إلى نصف الليل ، وقيل : الى ثلث الليل للمضطر ، وهو قول الشيخ في النهاية ، وقيل إلى طلوع الفجر للمضطر ، حكاه الشيخ في المبسوط عن بعض أصحابنا.
الثانية : الصبح ، ولا خلاف في أوّله أنّه طلوع الفجر ، وإنما الخلاف في آخره ، قال الشيخ في المبسوط والخلاف : إنّه طلوع الحمرة للمختار ، وطلوع الشمس للمضطر ، وقال المرتضى وابن إدريس : طلوع الشمس مطلقا ، واختاره المصنف والعلامة.
قال رحمهالله : ووقت النوافل اليومية للظهر من حين الزوال الى أن تبلغ زيادة الفيء قدمين ، وللعصر أربعة أقدام ، وقيل : ما دام وقت الاختيار باقيا ، وقيل : يمتد وقتها بامتداد وقت الفريضة ، والأول أشهر.
أقول : الأول مذهب الشيخ في النهاية ، والثاني مذهبه في المبسوط ، والثالث لم أعلم القائل به ، ومستند الجميع في هذه المسائل كلها الروايات (٨).
قال رحمهالله : إذا حصل أحد الأعذار المانعة من الصلاة كالجنون والحيض ، وقد مضى من الوقت مقدار الطهارة وأداء الفريضة ، وجب عليه قضاؤها ، ويسقط القضاء إذا كان دون ذلك على الأظهر.
أقول : قال ابن الجنيد : لو حاضت الطاهرة بعد أن كان يصح لها لو صلت أول الوقت الصلاة أو أكثرها وجب عليها قضاء تلك الصلاة ، والمشهور لا يجب القضاء إلا بإدراك الصلاة كملا مع الطهارة ، لأنّ وجوب القضاء تابع لوجوب الأداء ، فلو أوجبنا الأداء في وقت لا يتسع له لزم تكليف ما لا يطاق.
قال رحمهالله : ولو زال المانع فإن أدرك الطهارة وركعة من الفريضة لزمه أداؤها ، ويكون مؤديا على الأظهر.
أقول : إذا ضاق الوقت إلا عن ركعة من الفريضة ، وجب عليه تلك
__________________
(٨) يراجع الوسائل ، كتاب الصلاة ، باب ٥ وباب ٨ وباب ٣٧ من أبواب المواقيت.