ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-104-4
الصفحات: ٤٥٣

البحث السابع : في نبش القبور.

وهو حرام ، إجماعا ـ كما سلف ـ إلاّ في مواضع :

أحدها : أن يصير الميت رميما‌ ـ فلو ظنّه فظهر بقاؤه وجب إعادته إلى ما كان عليه ـ ويختلف ذلك بحسب الترب والأهوية. ولو علم صيرورته رميما ، لم يجز تصويره بصورة المقابر في الأرض المسبّلة ، لأنه يمنع من الهجوم على الدفن فيه.

وثانيها : لو دفن في الأرض المغصوبة‌ ، لتحريم شغل مال الغير ، ويكفي غصب جزء منها في جواز القلع ولو أدّى الى الهتك ، لأن حرمة الحي أولى بالمراعاة. والأفضل لمالكها تركه ـ امّا بعوض أو غير عوض ـ لئلاّ يهتك حرمته ، وخصوصا لو كان الشريك وارثا أو رحما.

ولو اتفق الورّاث على دفنه في ملكهم حرم النبش ، وكذا لو دفن في ملك الغير بإذنه ، لأنّ ذلك يقتضي التأبيد الى بلى الميت عرفا ، حذرا من المثلة والهتك نعم ، لو رجع المعير قبل الطمّ ، جاز لعدم المانع.

وثالثها : لو كفّن في ثوب مغصوب‌ جاز نبشه لأخذ الثوب ، لبقائه على ملك صاحبه فينزعه ولا يجب عليه أخذ القيمة عندنا ، لأنّها تجارة فيشترط فيها التراضي. نعم ، يستحبّ.

والفرق : بانّ تقويم المدفن غير ممكن بخلاف الثوب ، ضعيف ، لإمكانه بإجارة البقعة زمانا يعلم بلى الميت فيه. وأضعف منه : الفرق باشراف الثوب على الهلاك بالتكفين بخلاف الأرض ، لأنّ الفرض قيام الثوب.

وربما احتمل انّه إن أدّى نبشه الى هتك الميت بظهور ما ينفّر منه لم ينبش ـ والا نبش ـ لما في الخبر السالف : « أنّ حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا » (١). ولكن هذا الاحتمال قائم في مواضع النبش الى البلى.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤١٩ ح ١٣٢٤ ، ٤٦٥ ح ١٥٢٢.

٨١

و رابعها : إذا وقع في القبر ما له قيمة‌ ، جاز نبشه وأخذه ، للنهي عن إضاعة المال. وروي أنّ المغيرة بن شعبة طرح خاتمه في قبر رسول الله ثم طلبه ، ففتح موضع منه فأخذه ، وكان يقول : أنا آخركم عهدا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

ولو دفع الى صاحب المال قيمته ، فكالثوب في عدم الوجوب بل أولى.

وخامسها : للشهادة على عينه‌ ، ليضمن المال المتلف ، أو لقسمة ميراثه ، واعتداد زوجته ، فإنّه موضع ضرورة. وهذا يتمّ إذا كان النبش محصّلا للعين ، ولو علم تغيّر الصورة حرم.

وتوقّف في مواضع :

منها : إذا دفن في أرض ثم بيعت ، قال في المبسوط : جاز للمشتري نقل الميت منها ، والأفضل تركه (٢). وردّه الفاضلان بتحريم النبش ، إلاّ أن تكون الأرض مغصوبة فيبيعها المالك (٣).

ومنها : إذا دفن بغير غسل ، أو كفن ، أو صلاة ، أو الى غير القبلة.

وقطع الشيخ ـ في الخلاف ـ بعدم النبش للغسل ، لانه مثلة (٤). ورجّحه في المعتبر (٥).

ومال في التذكرة إلى نبشه إذا لم يؤد الى إفساده ، لأنّه واجب فلا يسقط بذلك ، وكذا في الدفن الى غير القبلة. واما الكفن ، فوافق على عدم نبشه لأجله ، لحصول الستر بغيره ، فالاكتفاء به أولى من هتك حرمته بنبشه ، وأولى بعدم النبش : الصلاة ، لإمكان فعلها مدفونا (٦).

__________________

(١) الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ : ٣٠٣ ، دلائل النبوة للبيهقي ٧ : ٢٥٧.

(٢) المبسوط ١ : ١١٨.

(٣) المعتبر ١ : ٣٣٧ ، تذكرة الفقهاء ١ : ٥٤.

(٤) الخلاف ١ : ٧٣٠ المسألة ٥٦٠.

(٥) المعتبر ١ : ٣٠٩.

(٦) تذكرة الفقهاء ١ : ٥٤.

٨٢

ومنها : لو كفّن في حرير ، فهو كالمغصوب وأولى بعدم النبش ، لأن الحق فيه لله تعالى وحقوق الآدمي أشدّ تضيّقا.

ومنها : لو ابتلع حيا جوهرا أو ما له قيمة ثم مات ، فهل يشق جوفه؟ وجهان :

أحدهما ـ وهو الذي رجّحه في الخلاف (١) ـ : لا ، سواء كان له أو لغيره ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « حرمة المسلم ميتا كحرمته حيا » (٢).

والثاني : نعم ، توصلا الى استيفاء المال ، ومراعاة حرمة الحي.

ويحتمل تقييده بعدم ضمان الوارث ، جمعا بين الحرمتين لو ضمنه ، وعليه يتفرع النبش. ويمكن الفرق بين ماله ومال غيره ، لأنه استهلك مال نفسه بابتلاعه فهو كما لو أتلفه في حياته.

ومهما قلنا بعدم النبش يؤخذ من تركته إذا كان لغيره ، لأنّه أتلفه في حياته.

أمّا لو بلي وانتفت المثلة ، جاز النبش لإخراجه ، لزوال المانع. فإن كان الوارث لم يغرم لصاحبه عاد إليه ، وإن غرم فالأجود الترادّ لما يأتي في باب الغصب إن شاء الله تعالى.

فروع :

الأول : لو كان في يد الميت خاتم‌ ، أو في أذنه حلقة ، وتعذّر إخراجها توصّل اليه بالكسر أو البرد ، لأنّ في تركه إضاعة المال المنهي عنه.

ولو أوصى بدفن خاتم معه ـ وشبهه ـ ممّا يتبرّك به ، ففي إجابته وجهان : من إضاعة المال المنهي عنها ، ومن تسلّطه على ماله فيجري مجرى الوصية به لغيره ، وحينئذ يعتبر الثلث أو الإجازة. أمّا لو كان لا غرض فيه لم يجز قطعا ، لأنّه إتلاف محض.

__________________

(١) الخلاف ١ : ٧٣٠ المسألة ٥٥٩.

(٢) التهذيب ١ : ٤١٩ ح ١٣٢٤ ، ٤٦٥ ح ١٥٢٢.

٨٣

الثاني : لو وجد جزء من الميت بعد دفنه لم ينبش ، بل يدفن الى جانبه ، لأنّ نبشه مثلة وليس في تفرقة أجزائه ذلك. ولو أمكن إيصاله بفتح موضع من القبر لا يؤدي الى ظهور الميت أمكن الجواز ، لأنّ فيه جمعا بين أجزائه وعدم هتكه.

الثالث : لا يختن الأغلف بعد موته‌ ، قال في المعتبر : وعليه فتوى العلماء ، لأن الختان تكليف في حال الحياة وقد زالت ، ولأنّ فيه إبانة جزء من أعضاء الميت وهو حرام (١).

ولو ختن وجب دفن الجلدة معه ، وفي ضمان المباشر وجهان : من أنّه عاد ، ومن استحقاق قطعها من الحي فكأنّها منفصلة عنه. ولو قلنا بالضمان ، ففيه عشر الأرش لو كان حيّا ، وهو عسر الثبوت ، لأنّه إذا قدّر قطعها حيّا فلا أرش. ويمكن ثبوته إذا كان القطع بغير إذنه مع كونه غير ممتنع من الختان ، فإنّه لا يجوز ختنه حينئذ بغير إذنه ، فان قدّر تفاوت في القيمة بحال خروج الدم نسب أرش الميت إليه.

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٣٧.

٨٤

البحث الثامن : في البرزخ‌

وهو لغة الحاجز ، والمراد هنا ما بين الموت والبعث. قال الله تعالى ( وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (١). روى ابن بابويه عن الصادق عليه‌السلام : « إنّ بين الدنيا والآخرة ألف عقبة ، أهونها وأيسرها الموت » (٢).

وهنا مسائل :

الأولى : سؤال القبر عليه الإجماع‌ ، إلاّ لمن لقّن على ما سلف من الأخبار ، وروى الكليني بعدة أسانيد عن الصادق عليه‌السلام : « إنّما يسأل في قبره من محض الإيمان والكفر محضا ، وأمّا ما سوى ذلك فيلهى عنه » رواه محمد بن مسلم (٣) ، وعبد الله بن سنان (٤). وعن الباقر عليه‌السلام مثله ، بطريق أبي بكر الحضرمي (٥) وابن بكير (٦). ويجوز أن يأوّل بسؤال خاص لا مطلق السؤال.

وعن بشير الدّهان عن الصادق عليه‌السلام : « يجي‌ء الملكان : منكر ونكير ، فيسألان الميت : من ربك؟ وما دينك؟ فإذا كان مؤمنا قال : الله ربّي ، وديني الإسلام : فيقولان له : ما تقول في هذا الرّجل الذي خرج بين ظهرانيكم؟ فيقول : أشهد أنّه رسول الله. فيقولان له : نم نومة لا حلم فيها ، ويفسح له في قبره تسع أذرع ، ويفتح له باب إلى الجنّة فيرى مقعده فيها. وإذا كان كافرا دخلا عليه ، وأقيم الشيطان بين يديه ، عيناه من نحاس ، فيقولان : من ربّك؟ وما دينك؟ وما تقول في هذا الرّجل الذي خرج بين ظهرانيكم؟ فيقول : لا أدري. فيخلّيان‌

__________________

(١) سورة المؤمنون : ١٠٠.

(٢) الفقيه ١ : ٨٠ ح ٣٦٢.

(٣) الكافي ٣ : ٢٣٦ ح ٤.

(٤) الكافي ٣ : ٤٣٥ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٢٣٧ ح ٨.

(٦) الكافي ٣ : ٢٣٥ ح ٣.

٨٥

بينه وبين الشيطان ، ويفتح له باب الى النّار ، ويرى مقعده فيها » (١).

وعن أبي بكر الحضرمي : « يسألون عن الحجة القائم بين أظهرهم ، فيقول : ما تقول في فلان بن فلان؟ فيقول : ذاك إمامي. فيقال له : نم أنام الله عينك ، ويفتح له باب إلى الجنة. فما يزال ينفحه (٢) من روحها الى يوم القيامة. ويقال للكافر : ما تقول في فلان؟ فيقول : قد سمعت به ، وما أدري ما هو! فيقال له : لا دريت ، ويفتح له باب من النّار ، فلا يزال ينفحه (٣) من حرّها الى يوم القيامة » (٤).

ورووا في الصّحاح عن أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ هذه الأمة تمتلئ في قبورها ، فإنّ المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك فيقول : ما كنت تعبد؟ فان الله هداه بقول : كنت أعبد الله. فيقول : ما كنت تقول في هذا؟ فيقول : هو عبد الله ورسوله. قال : فما يسأل عن شي‌ء غيرها ، فينطلق به الى بيته الذي كان في النّار ، فيقال : هذا بيتك في النّار ، ولكنّ الله عصمك ورحمك وأبدلك به بيتا في الجنّة ، فيقول : دعوني حتى أذهب فأبشّر أهلي ، فيقال له : اسكن.

وإنّ الكافر إذ وضع في قبره أتاه ملك فينتهزه ، فيقول : ما كنت تعبد؟ فيقول : لا أدري! فيقال له : لا دريت ولا تليت. فيقول : ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول : كنت أقول مثل ما يقول النّاس! قال : فيضربه بمطراق من حديد بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها الخلائق غير الثقلين » (٥).

ومعنى تليت : قرأت ، أتي بالياء لمجانسة دريت. ويروى : أتليت ، من‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٣٦ ح ٧ ، باختلاف يسير.

(٢) في المصدر : « يتحفه ».

(٣) في المصدر : « يتحفه ».

(٤) الكافي ٣ : ٢٣٧ ح ٨.

(٥) مسند أحمد ٣ : ٢٣٣ ، صحيح البخاري ٢ : ١١٣ ، سنن أبي داود ٤ : ٢٣٨ ح النسائي ٤ : ٩٧.

٨٦

أتلت الإبل إذا ولدت وتلاها أولادها.

وفي رواية أخرى : « والكافر يرى مقعده من الجنة ، فيقال : هذا مقعدك من الجنّة ، ولكنّك عصيت الله وأطعت عدوه » (١).

وعن البراء بن عازب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله تعالى ( يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ ) (٢). قال : هذا في القبر إذا سئل عن ذلك (٣).

وروى الكليني عن أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام في المؤمن إذا أجاب : « يقولان له : نم نومة لا حلم فيها. ويفسح له في قبره تسع أذرع ، ويرى مقعده من الجنّة ، وهو قول الله تعالى ( يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ ) الآية (٤).

الثانية : تظافرت الأخبار بعذاب القبر‌ ـ نعوذ بالله منه ـ وقد مرّ طرف منها ، وقوله تعالى ( النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا ، وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ ) (٥) يدلّ عليه.

وقد روى ابن مسعود : أنّ أرواحهم في أجواف طير سود ، يعرضون على النّار بكرة وعشيّا الى يوم القيامة (٦).

وروى الكليني عن جابر ، عن الباقر عليه‌السلام : « قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس من نبيّ إلاّ وقد رعى الغنم. كنت أنظر الى الغنم والإبل وأنا‌

__________________

(١) أورد نحوها ابن ماجة في سننه ٢ : ١٤٢٦ ح ٤٢٦٨.

(٢) سورة إبراهيم : ٢٧.

(٣) بمضمونه في : صحيح مسلم ٤ : ٢٢٠١ ح ٢٨٧١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٤٢٧ ح ٤٢٦٩ ، سنن أبي داود ٤ : ٢٣٨ ح ٤٧٥٠ ، سنن النسائي ٤ : ١٠١.

(٤) الكافي ٣ : ٢٣٨ ح ١٠.

(٥) سورة المؤمن : ٤٦.

(٦) انظر : الجامع لأحكام القرآن ١٥ : ٣٦٩.

٨٧

أرعاها قبل النبوّة ، وهي متمكنة (١) ما حولها شي‌ء يهيجها حتّى تذعر فتطير ، فأقول : ما هذا؟ فأعجب ، حتى حدّثني جبرئيل عليه‌السلام انّ الكافر يضرب ضربة ما خلق الله جلّ وعزّ شيئا إلاّ يسمعها ويذعر لها إلاّ الثقلين ، فنعوذ بالله من عذاب القبر » (٢).

وعن أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج في جنازة سعد وقد شيّعه سبعون ألف ملك ، فرفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأسه الى السماء ثم قال : أو مثل سعد يضمّ؟ فقالت أم سعد : هنيئا لك يا سعد. فقال لها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أمّ سعد لا تحتمي على الله عزّ وجلّ » (٣).

وعن بشير الدّهان عن الصادق عليه‌السلام ، انّه قال : « إنّما القبر روضة من رياض الجنّة ، أو حفرة من حفر النّار » (٤).

وعن أبي بصير عنه عليه‌السلام في الكافر : « ينادي مناد من السماء : افرشوا له في قبره من النار ، وألبسوه ثياب النار ، وافتحوا له بابا الى النار حتى يأتينا وما عندنا شي‌ء له ، فيضر بأنه بمرزبة ثلاث ضربات ليس فيها ضربة إلاّ يتطاير قبره ، لو ضرب بتلك المرزبة جبال تهامة لكانت رميما » (٥).

وعن الصادق عليه‌السلام في المصلوب يصيبه عذاب القبر : « يوحي الله عزّ وجلّ الى الهواء فيضغطه ضغطة أشدّ من ضغطة القبر » (٦).

وعن أبي بصير عن أحدهما عليهما‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لما ماتت رقيّة ابنته ـ : إني لأعرف ضعفها ، وسألت الله عزّ وجلّ أن‌

__________________

(١) في م ، س : متكئة.

(٢) الكافي ٣ : ٢٣٣ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٢٣٦ ح ٦.

(٤) الكافي ٣ : ٢٤٢ ح ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٢٤٠ ح ١٢.

(٦) الكافي ٣ : ٢٤١ ح ١٧.

٨٨

يجيرها من عذاب القبر » (١).

وعن أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام : « ما أقلّ من يفلت من ضغطة القبر » (٢).

وفي البخاري ومسلم عن أنس : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل نخلا لبني النجّار ، فسمع صوتا ففزع ، فقال : « من أصحاب هذه القبور؟ ». فقالوا : يا رسول الله ناس ماتوا في الجاهليّة. فقال : « نعوذ بالله من عذاب القبر » (٣).

وفي رواية أخرى في المنافق والكافر : « ليضيق عليه قبره حتّى تختلف فيه أضلاعه ، فتعوّذوا بالله من عذابه ونقمته » (٤).

وعن ابن عمر أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « إنّ أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ، وإن كان من أهل الجنّة فمن أهل الجنّة ، وإن كان من أهل النّار فمن أهل النّار. فيقال له : هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة » (٥).

الثالثة : دلّ القرآن العزيز‌ ـ بقوله تعالى ( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ ) (٦) ، وقوله تعالى ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (٧) ، وغير ذلك ـ على بقاء النّفس بعد الموت بناء على تجرّدها ـ وعليه كثير من الأصحاب ومن المسلمين ـ أو على تعلّقها بأبدان ، وهو مروي بأسانيد متكثّرة من الجانبين ، فمنها :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٤١ ح ١٨.

(٢) الكافي ٣ : ٢٣٦ ح ٦.

(٣) لاحظناه في : مسند أحمد ٣ : ٢٣٣ ، سنن أبي داود ٤ : ٢٣٨ ح ٤٧٥١ ، وفيهما : « تعوذوا ».

(٤) مسند أحمد ٤ : ٢٨٨ ، سنن أبي داود ٤ : ٢٤٠ ح ٤٧٥٤. وليس فيهما : « فتعوذوا .. ».

(٥) مسند أحمد ٢ : ١١٣ ، صحيح البخاري ٢ : ١٢٤ ، صحيح مسلم ٤ : ٢١٩٩ ح ٢٨٦٦ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٤٢٧ ح ٤٢٧٠ ، الجامع الصحيح ٣ : ٣٨٤ ح ١٠٧٢ ، سنن النسائي ٤ : ١٠٧.

(٦) سورة البقرة : ١٥٤.

(٧) سورة آل عمران : ١٦٩.

٨٩

ما روى ابن عبّاس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : « أرواح الشّهداء في جوف طير خضر ، ترد أنهار الجنّة ، وتأكل من ثمارها ، وتأوي الى قناديل في ظلّ العرش » (١).

ومنها ما روي من الطريقين عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « حياتي خير لكم ، ومماتي خير لكم ». قالوا : يا رسول الله وكيف ذلك؟ قال : « أمّا حياتي فإنّ الله تعالى يقول ( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ). وأمّا مفارقتي إيّاكم ، فإن أعمالكم تعرض عليّ كلّ يوم ، فما كان من حسن استزدت الله لكم ، وما كان من قبيح ، استغفرت الله لكم ». قالوا : وقد رممت؟ فقال : « كلاّ ، إنّ الله عزّ وجلّ حرّم لحومنا على الأرض أن تطعم منها شيئا » (٢).

وروى الأصحاب في تفسير قوله تعالى ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) (٣) : انّ أعمال العباد تعرض على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى الأئمة عليهم‌السلام كلّ يوم ، أبرارها وفجّارها (٤).

وفي التهذيب : عن مروان بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قلت له : إنّ أخي ببغداد ، وأخاف أن يموت بها. قال : « ما تبالي حيثما مات ، أنّه لا يبقى مؤمن في شرق الأرض وغربها إلاّ حشر الله روحه إلى وادي السّلام ». قال : « وهو ظهر الكوفة ، كأنّي بهم حلق حلق قعودا يتحدّثون » (٥) ، ورواه في‌

__________________

(١) مسند أحمد ١ : ٢٦٦ ، سنن أبي داود ٣ : ١٥ ح ٢٥٢٠ ، مسند أبي يعلى ٤ : ٢١٩ ح ٢٣٣١ ، المستدرك على الصحيحين ٢ : ٨٨ ، السنن الكبرى ٩ : ١٦٣.

(٢) الفقيه ١ : ١٢١ ح ٥٨٢ ، أمالي الطوسي ٢ : ٢٣ ، وراجع : سنن ابن ماجة ١ : ٥٢٤ ح ١٦٣٦ ، سنن أبي داود ١ : ٢٧٥ ح ١٠٤٧ ، سنن النسائي ٣ : ٩١.

والآية في سورة الأنفال : ٣٣.

(٣) سورة التوبة : ١٠٥.

(٤) مجمع البيان ٣ : ٦٩.

(٥) التهذيب ١ : ٤٦٦ ح ١٥٢٥.

٩٠

الكافي أيضا (١).

وفي التّهذيب : عن يونس بن ظبيان ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « ما يقول الناس في أرواح المؤمنين »؟ قلت : يقولون في حواصل طيور خضر في قناديل تحت العرش. فقال أبو عبد الله : « سبحان الله المؤمن أكرم على الله من أن يجعل روحه في حوصلة طائر أخضر. يا يونس : المؤمن إذا قبضه الله تعالى صيّر روحه في قالب كقالبه في الدنيا ، فيأكلون ويشربون ، وإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي في الدّنيا » (٢).

وروى في التهذيب أيضا عن علي ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أرواح المؤمنين؟ فقال : « في الجنّة على صور أبدانهم ، لو رأيته لقلت فلان » (٣). ومثله رواه في الكافي بسنده الى أبي ولاّد الحنّاط ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤).

وعن أبي بصير عنه عليه‌السلام : « أنّ أرواح المؤمنين لفي شجرة في الجنة ، يأكلون من طعامها ، ويشربون من شرابها ، ويقولون ربّنا أقم لنا السّاعة ، وأنجز لنا ما وعدتنا ، وألحق آخرنا بأوّلنا » (٥).

وعن أبي بصير عنه عليه‌السلام : انّ الأرواح في صفة الأجساد في شجر في الجنّة تتعارف وتتساءل ، فإذا قدمت الرّوح عليهم يقولون : دعوها فإنّها قد أفلتت من هول عظيم. ثم يسألونها : ما فعل فلان؟ وما فعل فلان؟ فإن قالت لهم : تركته حيّا ارتجوه ، وإن قالت لهم : قد هلك ، قالوا : قد هوى » (٦). ويقرب منه‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٤٣ ح ٢.

(٢) التهذيب ١ : ٤٦٦ ح ١٥٢٦. ونحوه في الكافي ٣ : ٢٤٥ ح ٦.

(٣) التهذيب ١ : ٤٦٦ ح ١٥٢٧ عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير.

(٤) الكافي ٣ : ٢٤٤ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٢٤٤ ح ٢.

(٦) الكافي ٣ : ٢٤٤ ح ٣.

٩١

رواية يونس بن يعقوب عنه عليه‌السلام (١).

وفي الكافي بإسناده إلى حبّة العرني ، قال : خرجت مع أمير المؤمنين عليه‌السلام الى الظهر ، فوقف بوادي السّلام كأنّه مخاطب لأقوام ، فقمت لقيامة حتى أعييت ، ثم جلست حتى مللت ـ فعل ذلك غير مرّة ـ ثمّ عرض عليّ أمير المؤمنين الجلوس ، فقال « يا حبّة إن هو إلاّ محادثة مؤمن أو مؤانسته ، ولو كشفت لك لرأيتهم حلقا حلقا يتحادثون ». فقلت : أجسام أو أرواح؟ فقال : « أرواح ، وما من مؤمن يموت في بقعة في بقاع الأرض إلاّ قيل لروحه الحقي بوادي السّلام ، وإنّها لبقعة من جنة عدن » (٢).

وفي الكافي عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في أرواح المشركين : « في النّار يعذّبون ، يقولون : ربّنا لا تقم لنا السّاعة ، ولا تنجز لنا ما وعدتنا ، ولا تلحق آخرنا بأوّلنا » (٣).

وعن القدّاح عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : شرّ ماء على وجه الأرض ماء برهوت ، وهو بحضرموت ، ترده هام الكفار » (٤). وأكثر من الأخبار في ذلك.

وممّا يدلّ على بقاء النّفس مدركة بعد الموت أحاديث الزيارة ، وهي كثيرة منها :

رواية حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إنّ المؤمن ليزور أهله فيرى ما يحب ، ويستر عنه ما يكره. وإنّ الكافر يزور أهله فيرى ما يكره ، ويستر عنه ما يجب » ، قال : « ومنهم من يزور كلّ جمعة ومن يزور على قدر‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٤٤ ح ١ ، ٢ ، ٣ ، ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٢٤٣ ح ١.

(٣) الكافي ٣ : ٢٤٥ ح ١.

(٤) الكافي ٣ : ٢٤٦ ح ٤.

٩٢

عمله » (١).

وفي رواية إسحاق بن عمار ، عن الكاظم عليه‌السلام : « يزورون على قدر فضائلهم ، منهم من يزور في كل يوم ، ومنهم في كل يومين ، ومنهم في كلّ ثلاثة ، وإنّ زيارتهم عند الزّوال » (٢).

وفي رواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « ما من مؤمن ولا كافر إلاّ وهو يأتي أهله كل يوم عند زوال الشمس ، فإذا رأى أهله يعملون الصّالحات حمد الله على ذلك ، وإذا رأى الكافر أهله يعملون الصّالحات كانت عليه حسرة » (٣).

وفي رواية إسحاق عن الكاظم عليه‌السلام : « فيبعث الله ملكا فيريه ما يسرّه ، ويستر عنه ما يكره ، فيرى ما يسرّه ويرجع الى قرة عين » (٤).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٣٠ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٢٣١ ح ٥.

(٣) الكافي ٣ : ٢٣٠ ح ٢.

(٤) الكافي ٣ : ٢٣١ ح ٥.

٩٣

المقام السادس : غسل مسّ الميت.

وهو واجب ـ على الأصحّ ـ لما رواه أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من غسّل ميتا اغتسل ، ومن حمله فليتوضّأ » (١).

وروي : « ومن مسّه فليتوضّأ » (٢).

وفي خبر آخر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الغسل من غسل الميت ، والوضوء من مسّه » (٣).

وروي : أنّ أبا طالب ـ رضي‌الله‌عنه ـ لما مات أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا عليه‌السلام بتغسيله ، فلما فرغ منه قال له : « اذهب فاغتسل » (٤).

وروينا عن حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « من غسّل ميتا فليغتسل » قلت : فإنّ مسّه؟ قال : « فليغتسل ». قلت : إنّ أدخله القبر؟ قال : « لا غسل عليه » (٥).

وعن معاوية بن عمار عنه عليه‌السلام إذا مسّه وهو سخن : « فلا غسل عليه ، فإذا برد فعليه الغسل ». قلت : البهائم والطير إذا مسّها أعليه غسل؟ قال : « لا ، ليس هذا كالإنسان » (٦).

وعن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام في رجل مسّ ميتة أعليه‌

__________________

(١) المصنف لابن أبي شيبة ٣ : ٢٦٩ ، مسند الطيالسي : ٣٠٥ ح ٢٣١٤ ، سنن أبي داود ٣ : ٢٠١ ح ٣١٦١ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٢ : ٢٣٩ ح ١١٥٨.

(٢) فتح العزيز ٢ : ١٣١.

(٣) انظر الخلاف للشيخ الطوسي ١ : ٢٢٣ المسألة ١٩٣.

(٤) السنن الكبرى ١ : ٣٠٥.

(٥) المعتبر ١ : ٣٥٢ ، ولاحظ : الكافي ٣ : ١٦٠ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٠٨ ح ٢٨٣ ، الاستبصار ١ : ٩٩ ح ٣٢١.

(٦) التهذيب ١ : ٤٢٩ ح ١٣٦٧.

٩٤

غسل؟ قال : « لا ، إنّما ذلك من الإنسان » (١) ، ومثله روى الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢).

وعن محمد بن الحسن الصفّار كتبت اليه : رجل أصاب ثوبه أو بدنه ثوب الميت ، فوقّع : « إذا أصاب يدك جسد الميت قبل أن يغسّل فقد يجب عليك الغسل » (٣).

وعن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : « إذا مسّه بحرارته فلا ، وإذا مسّه بعد ما برد فليغتسل ». قلت : فالذي يغسّله أيغتسل؟ فقال : « نعم » (٤).

وعن سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « غسل من غسّل ميتا واجب » (٥).

وعن يونس عن بعض رجاله عنه عليه‌السلام : « الفرض : غسل الجنابة ، وغسل من غسّل ميتا » (٦).

وعن عبد الله بن سنان عنه عليه‌السلام : يغتسل الذي غسّل الميت. وإن ( غسّل ) (٧) الميت إنسان بعد موته وهو حار فليس عليه غسل ، ولكن إذا مسّه وقبّله وقد برد فعليه الغسل ، ولا بأس أن يمسّه بعد الغسل ويقبّله » (٨).

وظاهر هذه كلّها الوجوب ، وفي بعضها مصرّح به ، وقد قيّد بكونه بعد برده.

ومفهوم خبرين أنّه لا غسل عليه لو مسّه بعد الغسل ، ولطهارته به ، وفتوى‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٣٠ ح ١٣٧٤.

(٢) التهذيب ١ : ٤٣١ ح ١٣٧٥.

(٣) التهذيب ١ : ٤٢٩ ح ١٣٦٨.

(٤) الكافي ٣ : ١٦٠ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٤٢٨ ح ١٣٦٤.

(٥) الفقيه ١ : ٤٥ ح ١٧٦ ، التهذيب ١ : ١٠٤ ح ٢٧٠ ، الاستبصار ١ : ٩٧ ح ٣١٥.

(٦) التهذيب ١ : ١٠٥ ح ٢٧١ ، الاستبصار ١ : ٩٨ ح ٣١٦.

(٧) في المصادر : « قبّل ».

(٨) الكافي ٣ : ١٦٠ ح ٣ ، التهذيب ١ : ١٠٨ ح ٢٨٤ ، الاستبصار ١ : ٩٩ ح ٣٢٢.

٩٥

الأصحاب.

وعن محمد الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « ولا تغتسل من مسّه إذا أدخلته القبر » (١).

ورواية (٢) عمار عن الصادق عليه‌السلام : « كلّ من ( غسّل ) (٣) ميتا فعليه الغسل ، وإن كان الميت قد غسّل » (٤) مطرّحة ، وحملها في التهذيب على الندب (٥) كما سبق. وكذا مفهوم رواية حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام فيمن أدخل القبر : « لا غسل عليه ، إنّما يمسّ الثياب » (٦) تحمل على الندب ، لو استفيد من مفهوم المخالفة غسل.

تنبيه :

ويجب الغسل أيضا بمسّ قطعة فيها عظم ، سواء أبينت من حيّ أو ميت ، لرواية أيوب بن نوح عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة ، فإذا مسّه إنسان فكلّ ما كان فيه عظم فقد وجب على من مسّه الغسل ، وإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه » (٧). ونقل الشيخ ـ في الخلاف ـ الإجماع في ذلك (٨).

قال في المعتبر : الذي أراه التوقّف في ذلك ، فإنّ الرواية مقطوعة ، والعمل بها قليل ، ودعوى الشيخ الإجماع لم تثبت ، وغايته الاستحباب تفصّيا من اطّراح‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠٥ ح ٢٧٣.

(٢) في م : ورواه.

(٣) في المصادر : « مسّ ».

(٤) التهذيب ١ : ٤٣٠ ح ١٣٧٣ ، الاستبصار ١ : ١٠٠ ح ٣٢٨.

(٥) راجع الهامش السابق.

(٦) الكافي ٣ : ١٦٠ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٠٨ ح ٢٨٣ ، الاستبصار ١ : ٩٩ ح ٣٢١.

(٧) الكافي ٣ : ٢١٢ ح ٤ ، التهذيب ١ : ٤٢٩ ح ١٣٦٩ ، الاستبصار ١ : ١٠٠ ح ٣٢٥.

(٨) الخلاف ١ : ٧٠١ المسألة ٤٩٠.

٩٦

قول الشيخ والرواية (١).

قلت : هذه القطعة نجسة قطعا لوجوب غسلها كما مرّ ، وهي بعض من جملة يجب الغسل بمسّها وخصوصا في الميت ، فكل دليل دلّ على وجوب الغسل بمسّ الميت فهو دالّ عليها. ولأنّ الغسل يجب بمسّها متصلة ، فما الذي أخرجه عن الوجوب بانفصالها؟ ولأنّه يلزم عدم الغسل لو مسّ جميع الميت ممزّعا. والخبر المقبول (٢) عنده ـ رحمه‌الله ـ حجّة ، وكذا المقترن بالقرينة ، والأمران حاصلان في الخبر ، والإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة عند كثير ، وابن الجنيد سابق على الشيخ وقد أفتى بوجوبه في مسّ القطعة ، إلاّ أنّه قيّدها ما بينه وبين سنة وفرضها في القطعة من الحي (٣). فالتوقف في هذه بخصوصيتها لا وجه له ، لأنّ الأصحاب منحصرون في : موجب غسل الميت على الإطلاق وهم الأكثر ، وفي : نافيه على الإطلاق وهو المرتضى (٤) ومن أخذ أخذه ، فالقول بوجوبه في موضع دون موضع لم يعهد.

ثم إنّا لم نقف للمرتضى ـ رحمه‌الله ـ على حجّة نقليّة ، سوى ما يظهر من حديث سعد بن أبي خلف ، قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « الغسل في أربعة عشر موطنا ، واحد فريضة ، والباقي سنّة » (٥).

وما يلوح من مكاتبة القاسم الصيقل : كتبت إليه : جعلت فداك هل اغتسل أمير المؤمنين عليه‌السلام حين غسّل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند موته؟ فأجابه : « النبي طاهر مطهّر ، ولكنّ أمير المؤمنين فعل وجرت به السنّة » ، أورده في الاستبصار والتهذيب في باب الأغسال (٦).

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٥٢.

(٢) في س ، ط : المنقول.

(٣) مختلف الشيعة : ٢٨.

(٤) تذكرة الفقهاء ١ : ٥٧ ، مختلف الشيعة : ٢٨ ، المعتبر ١ : ٣٥٢.

(٥) التهذيب ١ : ١١٠ ح ٢٨٩ ، الاستبصار ١ : ٩٨ ح ٣١٩.

(٦) التهذيب ١ : ١٠٧ ح ٢٨١ ، الاستبصار ١ : ٩٩ ح ٣٢٣.

٩٧

وأورد في التهذيب بسند آخر الى الحسين بن عبيد ، قال : كتبت الى الصادق هل اغتسل أمير المؤمنين عليه‌السلام حين غسّل رسول الله عند موته؟ قال : « كان رسول الله طاهرا مطهّرا ، ولكن فعل أمير المؤمنين ذلك وجرت به السّنة » (١).

نعم ، هناك رواية تضمّنت أنّ غسل الميت سنّة ـ وحملها على ظاهرها يقتضي الحكم بطهارته ، ومسّ الطاهر لا يوجب غسلا ولا غسلا ، إلاّ أنّ هذا يخالف إجماع المسلمين فضلا عن الإمامية ـ وهي ما مرّ في مرسل عبد الرحمن عن أبي الحسن عليه‌السلام في اجتماع الجنب والميت والمحدث ، حيث قال : « وغسل الميت سنة » (٢). وكذا بطريق التفليسي عن أبي الحسن عليه‌السلام في ميت وجنب : « إذا اجتمعت سنّة وفريضة بدئ بالفرض » (٣). وبطريق الأرمني ـ وقيل هو التفليسي أيضا ـ عن الرضا عليه‌السلام : « يترك الميت ، لأنّ هذا فريضة وهذا سنّة » (٤).

وكلّ هذا تكلّف ، لوضوح روايات الوجوب دلالة ، وشهرتها عملا. والشيخ حمل لفظ « السنّة » على الثابت بالسنّة ، وهو حسن (٥). وأمّا اغتسال أمير المؤمنين عليه‌السلام وجري السنّة به ، فهو ظاهر الدلالة على الوجوب. وسلاّر عدّ الأغسال الواجبة ، وقال : وغسل من مسّ الميت على إحدى الروايتين (٦) ولم نر رواية مصرّحة بذلك.

وفي التهذيب ـ الذي هو شرح المقنعة ـ لم يذكر سوى ما ذكرناه. نعم ، كلامه في الخلاف يشعر بوجود مخالف غير المرتضى ، حيث قال : وعند بعضهم أنّه مستحبّ وهو اختيار المرتضى. ثم استدّل على الوجوب بالاحتياط والأخبار ، ولم‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٦٩ ح ١٥٤١.

(٢) الفقيه ١ : ٥٩ ح ٢٢٢ ، التهذيب ١ : ١٠٩ ح ٢٨٥ ، الاستبصار ١ : ١٠١ ح ٣٢٩.

(٣) التهذيب ١ : ١٠٩ ح ٢٨٦ ، الاستبصار ١ : ١٠١ ح ٣٣٠.

(٤) التهذيب ١ : ١١٠ ح ٢٨٧ ، الاستبصار ١ : ١٠٢ ح ٣٣١.

(٥) التهذيب ١ : ١٠٩ ، الاستبصار ١ : ١٠١.

(٦) المراسم : ٤٠.

٩٨

يذكر الإجماع هنا (١) ، ثمّ ذكره في كتاب الجنائز ، قال : ومن شذّ منهم لا يعتد بقوله ، ونقل الوجوب عن : علي عليه‌السلام ، وأبي هريرة ، وعن الشافعي في البويطي (٢).

وهذا الغسل يجامعه الوضوء وجوبا ، لما سلف. ولو أحدث بعد الوضوء المقدّم أعاده. وبعد الغسل المقدّم الوضوء لا غير. وفي أثناء الغسل ، الأقرب : أنّ حكمه حكم المحدث في أثناء غسل الجنابة.

وقطع في التذكرة بأنّه لو أحدث في أثناء غسله أتمّ وتوضأ ، تقدّم أو تأخّر (٣). ولعله يرى أنّ الحدث الأكبر يرفعه الغسل ، والأصغر يرفعه الوضوء بالتوزيع. وفيه بعد ، لظهور أنّ الغسل والوضوء علّة لرفع الحدث مطلقا ، وهذا ينسحب في جميع الأغسال سوى الجنابة.

تفريع :

لو مسّه قبل برده فلا غسل ، لما مرّ.

وهل يجب غسل ما مسّه؟ الأقرب : المنع ، لعدم القطع بنجاسته حينئذ ، وأصالة البراءة ، ولأنّ نجاسته ووجوب الغسل متلازمان إذ الغسل لمسّ النجس. وإن قلنا : أنّ وجوبه تعبّد محض ، فبطريق الأولى سقوط غسل اليد ، ويلوح ذلك من كلام ابن أبي عقيل رحمه‌الله ، إلاّ أنّه مخالف للجماعة ، ولدعوى الشيخ الإجماع عليه (٤).

والفاضل أوجب غسل يده بمسّه قبل البرد ، محتجّا بأنّ الميت نجس (٥)

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢٢٢ المسألة ١٩٣.

(٢) الخلاف ١ : ٧٠٠ المسألة ٤٨٩.

(٣) تذكرة الفقهاء ١ : ٥٧.

(٤) الخلاف ١ : ٧٠٠ المسألة ٤٨٨.

(٥) تذكرة الفقهاء ١ : ٥٧.

٩٩

وجوابه : إنّما يقطع بالموت بعد البرد.

ولو مسّ ما تمّ غسله منه ، فالأقرب : سقوط الغسل ، للحكم بطهارته. ولو غلّبنا النجاسة الحكمية ، وقلنا : أنّ زوالها عن جزء مشروط بزوالها عن آخر ، أمكن الوجوب ، ولأنّه يصدق عليه أنّه ميت لم يغسّل. أمّا على القول بالنجاسة العينية ـ كما هو ظاهر الأصحاب (١) ـ فلا إشكال في عدم الوجوب.

ولا فرق بين مسّ المسلم والكافر ، لشمول اللفظ. ولا دخل لقيد الغسل هنا في إجراء الكافر مجرى البهيمة ، لأنّه قيد لعدم وجوب الغسل لو مسّ بعده ، ولا يلزم منه كون صحته شرطا لوجوب الغسل بمسّه قبله ، لأصالة عدم الاشتراط. نعم ، لا فرق في مسّ الكافر بين مسّه قبل الغسل أو بعده ، لأنّ غسله لم يفده طهارة.

وهل يجب الغسل بمسّ العظم المجرّد متصلا أو منفصلا؟ الأقرب : نعم ، لدوران الغسل معه وجودا وعدما. ويمكن الالتفات الى طهارته فلا يفيد غيره نجاسة ، ونحن نمنع طهارته قبل الغسل الشرعي لأنّه ينجس بالاتصال. نعم ، لو أوضح العظم في حال الحياة وطهر ، ثمّ مات فمسّه ، فالإشكال أقوى لأنّه لا يحكم بنجاسة هذا العظم حينئذ. ولو غلبنا جانب الحكم توجّه وجوب الغسل ، وهو أقرب : امّا على هذا فظاهر ، وامّا على النجاسة العينية يمكن القول بنجاسته تبعا للميت عينا ، ويطهر بالغسل.

أمّا السن والضرس ، فالأولى : القطع بعدم وجوب الغسل بمسّهما ، لأنّهما في حكم الشعر والظفر. هذا مع الانفصال ، ومع الاتصال يمكن المساواة ، لعدم نجاستها بالموت. والوجوب ، لأنّها من جملة يجب الغسل بمسّها.

__________________

(١) راجع : المقنعة : ١٢ ، المبسوط ١ : ١٧٩ ، النهاية : ٣٥ ، المعتبر ١ : ٤٢٠ ، تذكرة الفقهاء ١ : ٥٧.

١٠٠