ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

ذكرى الشيعة في أحكام الشّريعة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-104-4
الصفحات: ٤٥٣

وفي رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام إيماء إليه ، حيث قال : « اغتسل (١) من الجنابة ، فقيل له : قد أبقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء. فقال له : ما كان عليك لو سكتّ ، ثم مسح تلك اللمعة بيده » ، رواه الكليني بسنده (٢) ورواه العامّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) وبموجبه قال الجعفي. والعصمة تنفيه ، إلاّ أن يحمل على الترك للتعليم ، ويكون من الجانب الأيسر.

فإن قلت : قد روى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « تصبّ الماء على رأسك ثلاثا ، وتفيض على جسدك بالماء » (٤).

وروى أحمد بن محمد عن أبي الحسن عليه‌السلام : « ثمّ أفض على رأسك وجسدك » (٥).

وروى سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « ليصبّ على رأسه ثلاثا » ، قال : « ليصبّه ، ثم يضرب بكف من ماء على صدره ، وكف بين كتفيه ، ويفيض الماء على جسده كله » (٦).

وروى العلاء عن محمد عن أحدهما عليهما‌السلام : « تصب على رأسك ثلاثا ، ثم تصب على سائر جسدك مرتين » (٧).

وروى بكر بن حرب عن أبي عبد الله عليه‌السلام في المغتسل من الجنابة أيغسل رجليه بعد الغسل؟ فقال : « إن كان يغتسل في مكان يسيل الماء على رجليه فلا عليه أن لا يغسلهما ، وان كان يغتسل في مكان تستنقع رجلاه في الماء‌

__________________

(١) في المصدرين زيادة : « أبي ».

(٢) الكافي ٣ : ٤٥ ح ١٥. وفي التهذيب ١ : ٣٦٥ ح ١١٠٨ عن أبي بصير.

(٣) المصنف لعبد الرزاق ١ : ٢٦٥ ح ١٠١٥ و ١٠١٧ ، المصنف لابن أبي شيبة ١ : ٤١ و ٤٢ ، سنن الدار قطني ١ : ١١٢.

(٤) التهذيب ١ : ١٣١ ح ٣٦٢ ، الاستبصار ١ : ١١٨ ح ٣٩٨.

(٥) قرب الاسناد : ١٦٢ ، التهذيب ١ : ١٣١ ح ٣٦٣ ، الاستبصار ١ : ١٢٣ ح ٤١٩.

(٦) التهذيب ١ : ١٣٢ ح ٣٦٤.

(٧) الكافي ٣ : ٤٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٣٢ ح ٣٦٥ ، الاستبصار ١ : ١٢٢ ح ٤١٢.

٢٢١

فليغسلهما » (١).

وروى هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنّه أصاب من جارية له بين مكة والمدينة ، فأمرها فغسلت جسدها وتركت رأسها ، وقال : « إذا أردت أن تركبي فاغسلي رأسك ». فعلمت بذلك أم إسماعيل فحلقت رأس الجارية ، فلما كان من قابل انتهى أبو عبد الله عليه‌السلام الى ذلك المكان ، فقالت له أم إسماعيل : أي موضع هذا؟ قال لها : « هذا الموضع الذي أحبط الله فيه حجّك عام أوّل » (٢).

وروى حكم بن حكيم ـ بضم الحاء ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « وأفض على رأسك وجسدك ، وان كنت في مكان نظيف فلا يضرك ان (٣) تغسل رجليك ، وان كنت في مكان ليس بنظيف فاغسل رجليك » (٤).

وروى يعقوب بن يقطين عن أبي الحسن عليه‌السلام : « ثم يصبّ على رأسه ، وعلى وجهه ، وعلى جسده كله ، ثم قد قضى الغسل » (٥). ويقرب منه رواية زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٦).

وهذه الأخبار كلها ظاهرة في عدم الترتيب في البدن ، وبعضها في عدمه في الرأس أيضا.

قلت : المطلق يحمل على المقيّد ولو اتحد المقيد وتعدّد المطلق. ويدلّ على وجوب الترتيب في الرأس بعد الإجماع : رواية حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « من اغتسل من جنابة ولم يغسل رأسه ثم بدا له ان يغسل رأسه ،

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٤ ح ١٠ ، التهذيب ١ : ١٣٢ ح ٣٦٦ ، عن بكر بن كرب عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٢) التهذيب ١ : ١٣٤ ح ٣٧٠ ، الاستبصار ١ : ١٢٤ ح ٤٢٢.

(٣) في المصدر : ( ألا ).

(٤) التهذيب ١ : ١٣٩ ح ٣٩٢.

(٥) التهذيب ١ : ١٤٢ ح ٤٠٢.

(٦) التهذيب ١ : ٣٧٠ ح ١١٣١.

٢٢٢

لم يجد بدّا من اعادة الغسل » (١).

وأمّا حديث غسل الرجلين ، فلعلّه أراد به التنظيف ، وهو ظاهر في ذلك.

وأمّا خبر هشام ، فحمله الشيخ على توهّم الراوي ، لأنّ هشاما ثقة روى عن محمد بن مسلم ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فسطاطه وهو يكلّم امرأة فأبطأت عليه. قال : « ادنه ، هذه أم إسماعيل جاءت وأنا أزعم أنّ هذا المكان الذي أحبط الله فيه حجّها عام أوّل ، حيث أردت الإحرام فقلت : ضعوا لي الماء في الخباء ، فذهبت الجارية بالماء فوضعته ، فاستخففتها فأصبت منها. فقلت : اغسلي رأسك وامسحيه مسحا شديدا لا تعلم به مولاتك ، فإذا أردت الإحرام فاغسلي جسدك ولا تغسلي رأسك فتستريب مولاتك فدخلت فسطاط مولاتها فذهبت تتناول شيئا ، فمسّت مولاتها رأسها فإذا لزوجة الماء ، فحلقت رأسها وضربتها. فقلت لها : هذا المكان الذي أحبط الله فيه حجك » (٢).

مسائل :

الأولى : يسقط الترتيب بالارتماس قطعا.

وروى زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « ولو أنّ رجلا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة ، أجزأه ذلك وان لم يدلك جسده » (٣). وروى الحلبي عنه عليه‌السلام : « إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة ، أجزأه ذلك من غسله » (٤). والخبران وردا في غسل الجنابة ، ولكن لم يفرّق أحد بينه وبين غيره من الأغسال.

ونقل الشيخ في المبسوط عن بعض الأصحاب : أنّه يترتب حكما (٥). وقال سلار : وارتماسة واحدة تجزئه عن الغسل وترتيبه (٦). وما نقله الشيخ يحتمل أمرين :

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٤ ح ٩ ، التهذيب ١ : ١٣٣ ح ٣٦٩ ، الاستبصار ١ : ١٢٤ ح ٤٢١.

(٢) التهذيب ١ : ١٣٤ ح ٣٧١ ، الاستبصار ١ : ١٢٤ ح ٤٢٣.

(٣) التهذيب ١ : ٣٧٠ ح ١١٣١.

(٤) الكافي ٣ : ٤٣ ح ٥ ، التهذيب ١ : ١٤٨ ح ٤٢٣ ، الاستبصار ١ : ١٢٥ ح ٤٢٤.

(٥) المبسوط ١ : ٢٩.

(٦) المراسم : ٤٢.

٢٢٣

أحدهما ـ وهو الذي عقله عنه الفاضل (١) ـ : انه يعتقد الترتيب حال الارتماس. ويظهر ذلك من المعتبر ، حيث قال : وقال بعض الأصحاب : يرتب حكما ، فذكره بصيغة الفعل المتعدي وفيه ضمير يعود إلى المغتسل ، ثمّ احتجّ بأنّ إطلاق الأمر لا يستلزم الترتيب ، والأصل عدم وجوبه ، فيثبت في موضع الدلالة (٢). فالحجة تناسب ما ذكره الفاضل.

الأمر الثاني : ان الغسل بالارتماس في حكم الغسل المرتب بغير الارتماس.

وتظهر الفائدة لو وجد لمعة مغفلة فإنه يأتي بها وبما بعدها ـ ولو قيل : بسقوط الترتيب بالمرة ، أعاد الغسل من رأس ، لعدم الوحدة المذكورة في الحديث ـ وفيما لو نذر الاغتسال مرتبا فإنّه يبرأ بالارتماس ، لا على معنى الاعتقاد المذكور ، لأنه ذكره بصورة اللازم المسند الى الغسل ، أي : يترتب الغسل في نفسه حكما وان لم يكن فعلا.

وقد صرّح في الاستبصار بذلك ـ لمّا أورد وجوب الترتيب في الغسل ، وأورد إجزاء الارتماس ـ فقال : لا ينافي ما قدمناه من وجوب الترتيب ، لأن المرتمس يترتب حكما وان لم يترتب فعلا ، لأنه إذا خرج من الماء حكم له أولا بطهارة رأسه ، ثم جانبه الأيمن ، ثم جانبه الأيسر ، فيكون على هذا التقدير مرتبا.

قال : ويجوز ان يكون عند الارتماس يسقط مراعاة الترتيب ، كما يسقط عند غسل الجنابة فرض الوضوء (٣).

قلت : هذا محافظة على وجوب الترتيب المنصوص عليه ، بحيث إذا ورد ما يخالفه ظاهرا أوّل بما لا يخرج عن الترتيب.

ولو قال الشيخ : إذا ارتمس حكم له أولا بطهارة رأسه ثم الأيمن ثم الأيسر ويكون مرتبا ، كان أظهر في المراد لأنه إذا خرج من الماء لا يسمى مغتسلا ، وكأنّه‌

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٣٣.

(٢) المعتبر ١ : ١٨٤.

(٣) الاستبصار ١ : ١٢٥.

٢٢٤

نظر إلى أنّه ما دام في الماء ليس الحكم بتقدم بعض على الأخر بأولى من عكسه ، ولكن هذا يرد في الجانبين عند خروجه إذ لا يخرج جانب قبل آخر.

وأمّا كلام سلار فليس صريحا في إيجاب اعتقاد ولا ظاهرا ، انّما حكم بإجزاء الارتماس عن الغسل وعن ترتيب الغسل. ويجوز أن يكون من قبيل العطف التفسيري ، مثل : أعجبني زيد وعلمه ، أي : يجزئ عن ترتيب الغسل ، ويكون ذلك موافقا لكلام المعظم.

الثانية : أجري في المبسوط مجرى الارتماس القعود تحت المجرى والوقوف تحت المطر في سقوط الترتيب ، نظرا الى وحدة شمول الماء (١) وإلى رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام ، سألته عن الرجل يجنب هل يجزئه من غسل الجنابة أن يقوم في القطر (٢) حتى يغسل رأسه وجسده وهو يقدر على سوى ذلك؟ قال : « إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك » (٣).

قال في المعتبر : هذا الخبر مطلق ، وينبغي أن يقيّد بالترتيب في الغسل (٤).

وفي المختلف قرّر به الترتيب الحكمي عند من قال به ، فقال : علّق الإجزاء على مساواة غسله عند تقاطر المطر لغسله عند غيره ، وانما يتساويان لو اعتقد الترتيب كما أنّه في الأصل مرتب (٥).

وهذا الكلام يعطي الاكتفاء بالاعتقاد ، وكلام المعتبر يعطي فعل الترتيب. ثمّ أجاب في المختلف : بأن المساواة للاغتسال المطلق الشامل للارتماس وغيره ، فلا تختص المساواة بالغسل المرتب.

وابن إدريس بالغ في إنكار إجراء غير الارتماس مجراه ، اقتصارا على محل‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٩.

(٢) في ط ، والمصادر : المطر.

(٣) قرب الاسناد : ٨٥ ، الفقيه ١ : ١٤ ح ٢٧ ، التهذيب ١ : ١٤٩ ح ٤٢٤ ، الاستبصار ١ : ١٢٥ ح ٤٢٥.

(٤) المعتبر ١ : ١٨٥.

(٥) مختلف الشيعة : ٣٣.

٢٢٥

الوفاق ، وتحصيلا لليقين (١) ، ولا ريب أنّه أحوط.

وفي التذكرة طرد الحكم في ماء الميزاب ، وشبهه (٢).

وبعض الأصحاب ألحق صبّ الإناء الشامل للبدن ، وهو لازم للشيخ رحمه‌الله.

وفي النهاية : يجزئ الغسل بالمطر (٣).

وفي الاقتصاد : وان ارتمس ارتماسة ، أو وقف تحت الميزاب ، أو النزال ، أو المطر ، أجزأه (٤).

وابن الجنيد ألحق المطر أيضا بالارتماس ، قال : ولو أمرّ يديه عقيب ذلك على سائر بدنه كان أحوط. وقد روى الكليني بإسناده عن محمد بن أبي حمزة ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في رجل أصابته جنابة فقام في المطر حتى سال على جسده ، أيجزئه ذلك من الغسل؟ قال : « نعم » (٥).

وفي الاستبصار لما أورد خبر علي عن أخيه أوّله بالترتيب الفعلي عند نزول المطر (٦) كما قاله صاحب المعتبر (٧). وأوّله الشيخ أيضا بالترتيب الحكمي ، كما ذكره في الارتماس (٨).

الثالثة : قال المفيد : لا ينبغي الارتماس في الماء الراكد ، فإنّه إن كان قليلا أفسده ، وان كان كثيرا خالف السنة بالاغتسال فيه (٩).

__________________

(١) السرائر : ٢٥.

(٢) تذكرة الفقهاء ١ : ٢٣.

(٣) النهاية : ٢٢.

(٤) الاقتصاد : ٢٤٥.

(٥) الكافي ٣ : ٤٤ ح ٧.

(٦) الاستبصار ١ : ١٢٥.

(٧) المعتبر ١ : ١٨٥.

(٨) الاستبصار ١ : ١٢٥.

(٩) المقنعة : ٦.

٢٢٦

وجعله ابن حمزة مكروها ولو في الكثير (١).

وخرّج في التهذيب كلام المفيد على أنّ الجنب حكمه حكم النجس الى أن يغتسل ، فمتى لاقى الماء الذي يصحّ فيه قبول النجاسة فسد. ثم ذكر خبر محمد بن الميسّر ـ بالسّين المهملة ، وضمّ الميم ، وفتح الياء المثناة تحت ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، الدالّ على أنّ الجنب إذا انتهى الى الماء القليل وليس معه إناء يغترف به ويداه قذرتان يضع يده ويغتسل ، دفعا للحرج. ونزّله على أخذ الماء بيده لا أنّه ينزله بنفسه ، ويغتسل بصبّه على البدن (٢) وحمل القذر على وسخ غير نجس (٣).

ولو تمسك بقضية صيرورة الماء مستعملا ، وحمل الفساد عليه ، كان أليق بمذهبهما. وفي الرواية : الارتماس في الجاري أو فيما زاد على الكر من الواقف لا فيما قلّ ، وهو يشعر بما قلناه من العلّة.

واحتج على كراهية النزول بمكاتبة محمد بن إسماعيل بن بزيع الى من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء ويستقى فيه من بئر فيستنجي فيه ، أو يغتسل فيه الجنب ، ما حدّه الذي لا يجوز؟ فكتب : « لا تتوضّأ من مثل هذا إلاّ من ضرورة » (٤) ولا يخفى ضعف هذا التمسك إسنادا ودلالة.

نعم ، روى العامّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : « لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم ، ولا يغتسل فيه من جنابة » (٥) وتمسّك به على سلب الطهورية ، وحمله في المعتبر على الكراهية تنزيها عما تعافه النفس (٦) ، أو على التعبّد‌

__________________

(١) الوسيلة : ٥٥.

(٢) التهذيب ١ : ١٤٩.

وخبر ابن الميسر في الكافي ٣ : ٤ ح ٢ ، التهذيب ١ : ٤٩ ح ٤٢٥ ، الاستبصار ١ : ١٢٨ ح ٤٣٦.

(٣) الاستبصار ١ : ١٢٨.

(٤) التهذيب ١ : ١٥٠ ح ٤٢٧ ، الاستبصار ١ : ٩ ح ١١.

(٥) مسند أحمد ٢ : ٣٤٦ ، صحيح البخاري ١ : ٦٨ ، صحيح مسلم ١ : ٢٣٥ ح ٢٨٢ ، سنن أبي داود ١ : ١٨ ح ٦٩ ، سنن النسائي ١ : ١٩٧ ، السن الكبرى ١ : ٢٣٨.

(٦) المعتبر ١ : ٤٥.

٢٢٧

المحض لما رووه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : « الماء لا يجنب » (١) وبعبارة أخرى : « الماء ليس عليه جنابة » (٢).

الرابعة : لو أخلّ بالترتيب أعاد على ما يحصل معه الترتيب. فان كان قد قدم النية على غسل الرأس ، ففي جميع صوره يراعي الترتيب. وان كان قد نوى عند غسل الرأس ، فتصور المخالفة في الجانبين ، فيعيد على الوجه المشروع.

ولو غسل بعض الرأس مقارنا للنية ، ثم انتقل الى الجانبين ، فسد غسلهما ، وأتمّ من حيث قطع على الرأس. ولو كرّر النكس فكما مر في الوضوء.

الخامسة : لا مفصل محسوس في الجانبين ، فالأولى : غسل الحدّ المشترك معهما. وكذا العورة ، ولو غسلها مع أحدهما ، فالظاهر : الإجزاء ، لعدم المفصل المحسوس ، وامتناع إيجاب غسلها مرتين.

السادسة : لا يجب الدلك في الغسل عندنا ، بل الواجب إمرار الماء ، للأصل ، ولصدق مسمّى الغسل به ، ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأم سلمة : « إنما يكفيك أن تحثي على رأسك الماء ثلاث حثيات ، ثم تفيضي عليك الماء فتطهرين » (٣).

السابعة : لا تجب الموالاة هنا بمعنييها. قاله علي بن بابويه ، وحكاه عنه ولده (٤) ، وذكره المفيد في الأركان.

وقال الشيخ في التهذيب : عندنا أنّ الموالاة لا تجب في الغسل (٥). وكذا‌

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ١٣٢ ح ٣٧٠ ، سنن أبي داود ١ : ١٨ ح ٦٨ ، الجامع الصحيح ١ : ٩٤ ح ٦٥ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان : ٢ : ٢٧٣ ح ١٢٤٥ ، السنن الكبرى ١ : ١٨٩.

(٢) سنن الدار قطني ١ : ٥٢.

(٣) مسند أحمد ٦ : ٣١٤ ، صحيح مسلم ١ : ٢٥٩ ح ٣٣٠ ، سنن ابن ماجة : ١ : ١٩٨ ح ٦٠٣ ، سنن أبي داود ١ : ٦٥ ح ٢٥١. الجامع الصحيح ١ : ١٧٥ ح ١٠٥ ، سنن النسائي ١ : ١٣١.

(٤) الفقيه ١ : ٤٩.

(٥) التهذيب ١ : ١٣٥.

٢٢٨

نفى وجوبها في النهاية (١) والمبسوط (٢) وكذا سلار (٣) وابن البراج (٤) وأبو الصلاح (٥) وابن زهرة (٦) والكيدري ، وابن إدريس (٧) وصاحب الجامع (٨) والفاضل (٩). ولم يتعرض لها المحقّق على ما اعتبرته ، وهي من المهمات مع عدم الخلاف فيها حسب ما نقلناه عنهم.

وروى إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « انّ عليا عليه‌السلام لم ير بأسا أن يغسل الجنب رأسه غدوة ، ويغسل سائر جسده عند الصلاة » ، روى ذلك في الكافي والتهذيب (١٠) ، وقصة أم إسماعيل تدلّ على ذلك (١١).

نعم ، لو خيف فجأة الحدث ، فالأجود : فعلها ، كالسلس والمبطون والمستحاضة. وتكون مقدّرة بزمان لا يلحقه فيه حدث مع إمكانه ، أو يراعي قلة الحدث.

الثامنة : قال المفيد ـ رحمه‌الله ـ : إذا عزم الجنب على التطهير بالغسل ، فليستبرئ بالبول. فان لم يتيسر له ذلك ، فليجتهد في الاستبراء ، بمسح تحت الأنثيين إلى أصل القضيب ، وغمزه الى رأس الحشفة (١٢).

__________________

(١) النهاية : ٢٢.

(٢) المبسوط ١ : ١٩.

(٣) المراسم : ٤٢.

(٤) المهذب ١ : ٤٦.

(٥) الكافي في الفقه : ١٣٤.

(٦) الغنية : ٥٥٤.

(٧) السرائر : ٢١.

(٨) الجامع للشرائع : ٣٥.

(٩) تذكرة الفقهاء ١ : ٢٥.

(١٠) الكافي ٣ : ٤٤ ح ٨ ، التهذيب ١ : ١٣٤ ح ٣٧٢.

(١١) تقدمت في ص ٢٢٣ الهامش ٢.

(١٢) المقنعة : ٦.

٢٢٩

وصرح الشيخ ـ في المبسوط ـ وابن حمزة ، وابن زهرة ، والكيدري بوجوبه (١) وكذا ابن البراج في الكامل.

وأبو الصلاح : يلزم الاستبراء (٢).

وقال الجعفي : والغسل من الجنابة أن يبول ، ويجتهد فينتر إحليله. وقال ابنا بابويه : فاجهد أن تبول (٣).

وفي من لا يحضره الفقيه : من ترك البول على أثر الجنابة ، وشك يردد بقيّة الماء في بدنه ، فيورثه الداء الذي لا دواء له (٤). وهو مروي في الجعفريّات عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥).

وابن البراج : يزيل النجاسة ، ثم يجتهد في الاستبراء بالبول ، فان لم يأت اجتهد (٦).

وقال ابن الجنيد : يتعرض الجنب للبول ، وإذا بال تخرّط ونتر.

وظاهر صاحب الجامع الوجوب (٧).

والأخبار إنّما دلّت على وجوب الإعادة لو رأى بللا ولم يستبرئ ، فلذلك نفى وجوبها المرتضى وابن إدريس والفاضلان ، مع قضية الأصل وموافقتهم على وجوب الإعادة (٨) فيما يذكر.

ولا بأس بالوجوب ، محافظة على الغسل من طريان مزيله ، ومصيرا الى قول معظم الأصحاب ، وأخذا بالاحتياط.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٢٩ ، الوسيلة : ٥٥ ، الغنية : ٤٩٢.

(٢) الكافي في الفقه : ١٣٣.

(٣) الفقيه ١ : ٤٦ ، الهداية : ٢٠.

(٤) الفقيه ١ : ٤٦.

(٥) الجعفريات : ٢١.

(٦) المهذب ١ : ٤٥.

(٧) الجامع للشرائع : ٣٥.

(٨) السرائر : ٢٠ ، شرائع الإسلام ١ : ٢٨ ، المعتبر ١ : ١٨٥ ، مختلف الشيعة : ٣٢ ، تذكرة الفقهاء ١ : ٢٣.

٢٣٠

التاسعة : لو اغتسل ، ثم رأى بللا علمه منيّا ، اغتسل ثانيا ، للعموم.

ولو شك فيه ، فان كان لم يبل أعاد الغسل ، لأنّ الغالب تخلّف أجزاء من المني في مخرجه ، وان كان قد بال لم يعد الغسل ، لأنّ الغالب خروجه مع البول وما بقي من الحبائل ، ولان اليقين لا يرتفع بالشك ، ولما رواه سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول فخرج منه شي‌ء ، قال : « يعيد الغسل ». قلت : المرأة يخرج منها بعد الغسل. قال : « لا تعيد ». قلت : فما الفرق؟ قال : « لان ما يخرج من المرأة انما هو من ماء الرجل » (١).

ونحوه رواية الحلبي عنه عليه‌السلام ، بلفظ : البلل (٢) ، ورواية حريز عن محمد عنه عليه‌السلام : عن الرجل يخرج من إحليله بعد ما اغتسل شي‌ء ، قال : « يغتسل ويعيد الصلاة ، الاّ أن يكون بال قبل أن يغتسل ، فإنه لا يعد غسله » ، قال محمد : قال أبو جعفر عليه‌السلام : « من اغتسل وهو جنب قبل أن يبول ثم وجد بللا (٣) فليس ينتقض غسله ولكن عليه الوضوء (٤) ، ورواه الصدوق بعد رواية إعادة الغسل مع ترك البول ، ثم قال : إعادة الغسل أصل ، والخبر الثاني رخصة (٥) ، يعني : إعادة الوضوء.

ودلّ على إجزاء الاجتهاد رواية جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل تصيبه الجنابة فينسى أن يبول حتى يغتسل ، ثم يرى بعد‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٩ ح ١ ، علل الشرائع : ٢٨٧ ، التهذيب ١ : ١٤٣ ح ٤٠٤ ، ١٤٨ ح ٤٢٠ ، الاستبصار ١ : ١١٨ ح ٣٩٩.

(٢) الفقيه ١ : ٤٧ ح ١٨٦ ، التهذيب ١ : ١٤٣ ح ٤٠٥ ، الاستبصار ١ : ١١٨ ح ٤٠٠.

(٣) الرواية وردت في التهذيب والاستبصار بزيادة لفظها : « فقد انتقض غسله ، وان كان بال ثم اغتسل ثم وجد بللا ».

والصدوق رواها كما في المتن ، أي : من دون زيادة.

هذا ولعل نسخة مصدر المصنف كانت كما في المتن.

(٤) التهذيب ١ : ١٤٤ ح ٤٠٧ ، الاستبصار ١ : ١٩٩ ح ٤٠٢.

(٥) الفقيه ١ : ٤٧ ح ١٨٦ ، ١٨٧.

٢٣١

الغسل شيئا أيغتسل أيضا؟ قال : « لا ، قد تعصّرت ونزل من الحبائل » (١).

والشيخ حمله على أمرين : أحدهما ـ أن يكون ذلك الشي‌ء مذيا. والثاني ـ أن الناسي يعذر ، لدلالة مضمر أحمد بن هلال عليه أيضا (٢).

ويشكل : بان الخارج إذا حكم بأنه منيّ مع عدم البول ، فكيف يعذر فيه الناسي؟ إذ الأسباب لا يفترق فيها الناسي والعامد. نعم ، روى عبد الله بن هلال وزيد الشحام عن أبي عبد الله عليه‌السلام : ان تارك البول لا يعيد الغسل برؤية شي‌ء بعده ، وفي خبر ابن هلال : أنّ ذلك مما وضعه الله عنه (٣) وهذان ليس فيهما للناسي ذكر فان صح عذره حملا عليه ، وحملهما الأصحاب على من لم يتأتّ له البول فاجتهد.

فخرج من هذا انّ في الأخبار دلالة على أربعة أوجه :

أحدها : إعادة الغسل على كلّ من لم يبل ولم يجتهد ، وعليه الأصحاب (٤).

ونقل فيه ابن إدريس والفاضل الإجماع (٥).

والثاني : ترك الإعادة على الإطلاق.

والثالث : إعادة الوضوء لا غير ، وهو مفهوم كلام الصدوق (٦).

والرابع : إعادة العامد الغسل بناء على أنّ الإعادة عقوبة على تعمّد الإخلال بالواجب مع اشتباه الخارج ، فمع النسيان يزول أحد جزئي السبب فلا يؤثر في الإعادة ، وهذا يؤيد وجوب الاستبراء ، هذا في تارك البول.

العاشرة : لو بال ولم يستبرئ ورأى بللا توضّأ ، لأنّ الغالب أنّ البول يدفع‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٤٥ ح ٤٠٩ ، الاستبصار ١ : ١٢٠ ح ٤٠٦.

(٢) التهذيب ١ : ١٤٥ ، الاستبصار ١ : ١٢٠ ، ومضمر بن هلال فيهما برقم ٤١٠ ، ٤٠٧.

(٣) التهذيب ١ : ١٤٥ ح ٤١١ ، ٤١٢ ، الاستبصار ١ : ١١٩ ح ٤٠٤ ، ٤٠٥.

(٤) راجع : المقنعة : ٦ ، النهاية : ٢٢ ، المهذب ١ : ٤٥ ، شرائع الإسلام ١ : ٢٨.

(٥) السرائر ٢٢ ، أما المحقق ففي الشرائع ١ : ٢٨ ، ومختصر النافع : ٩ ، والمعتبر ١ : ١٩٣ ولكن لم ينقل الإجماع وكذا العلامة في التحرير ١ : ١٣ وسائر كتبه.

(٦) المقنع : ١٣ ، الفقيه ١ : ٤٧ ح ١٨٧.

٢٣٢

أجزاء المني فيزول احتماله ، ولم يحصل الاستبراء المزيل لبقية البول فيبقى احتماله ، ولرواية معاوية بن ميسرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنّه سمعه يقول في رجل رأى بعد الغسل شيئا : « إن كان بال بعد جماعه قبل الغسل فليتوضّأ ، وان لم يبل حتى اغتسل ثم وجد البلل فليعد الغسل » (١).

والشيخ تارة حمله على أن يكون ما خرج منه بولا ، وتارة على استحباب الوضوء.

قلت : هذان الحملان ظاهرهما أنّه لا يجب مع الاشتباه شي‌ء.

وقد روى ـ في باب الاستنجاء ـ عن عبد الملك بن عمرو ـ بفتح العين ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في الرجل يبول ثم يستنجي ثم يجد بعد ذلك بللا ، قال : « إذا بال فخرط ما بين المقعدة والأنثيين ثلاث مرّات ، وغمز ما بينهما ، ثم استنجى ، فان سال حتى يبلغ السوق فلا يبالي » (٢).

وكذا حديث حفص بن البختري ـ بالباء الموحدة تحت ، والخاء المعجمة ـ عنه عليه‌السلام (٣).

وحديث محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام. بعد الاستبراء : « وان خرج بعد ذلك شي‌ء ، فليس من البول ، ولكنه من الحبائل » (٤).

ومفهوم هذه الاخبار أنّه لو لم يستبرئ حكم بالنقض ، بل قد روي إعادة الوضوء بالخارج بعد الاستبراء ، رواه الصفار عن محمد بن عيسى ، قال : كتب اليه رجل ، هل يجب الوضوء مما يخرج من الذكر بعد الاستبراء؟ فكتب : « نعم » (٥) وحملها الشيخ على الندب ، فكيف ينتفي الوجوب مع الاشتباه وعدم الاستبراء؟

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٤٤ ح ٤٠٨ ، الاستبصار ١ : ١١٩ ح ٤٠٣.

(٢) الفقيه ١ : ٣٩ ح ١٤٨ ، التهذيب ١ : ٢٠ ح ٥٠ ، الاستبصار ١ : ٩٤ ح ٣٠٣.

(٣) التهذيب ١ : ٢٧ ح ٧٠ ، الاستبصار ١ : ٤٨ ح ١٣٦.

(٤) الكافي ٣ : ١٩ ح ١ ، التهذيب ١ : ٢٨ ح ٧١ ، ٣٥٦ ح ١٠٦٣ ، الاستبصار ١ : ٤٩ ح ١٣٧.

(٥) التهذيب ١ : ٢٨ ح ٧٢ ، الاستبصار ١ : ٤٩ ح ١٣٨.

٢٣٣

مع ان الشيخ والجماعة مفتون بانتقاض الوضوء بالبلل إذا لم يستبرئ ، صرّح بذلك في المبسوط في باب الاستنجاء (١) ، ونقل ابن إدريس فيه الإجماع (٢) ، وكذا نقل الإجماع على عدم انتقاض الوضوء لو استبرأ ثم رأى البلل (٣).

الحادية عشر : لو بال الجنب واستبرأ ، ثم رأى بللا بعد الغسل ، فلا إعادة لغسل ولا وضوء ، لحصول الاستظهار بطرفيه ، وقد دلّت الاخبار عليه (٤).

فروع :

الأول : لا يكفي الاجتهاد الاّ مع عدم إمكان البول ، وقد دل عليه ما سلف.

الثاني : انّما يجب الاستبراء أو يستحبّ وتتعلّق به الأحكام للمنزل ، أمّا المولج بغير إنزال فلا ، لعدم سببه. هذا مع تيقن عدم الانزال ، ولو جوّزه أمكن استحباب الاستبراء أخذا بالاحتياط ، أمّا وجوب الغسل بالبلل فلا ، لأن اليقين لا يرفع بالشك.

الثالث : اختلف الأصحاب في استبراء المرأة.

فظاهر : المبسوط والجمل وابن البراج ـ في الكامل ـ انه لا استبراء عليها (٥) وأطلق أبو الصلاح الاستبراء (٦).

وابنا بابويه والجعفي لم يذكروا المرأة.

والفاضل : لا استبراء عليها ، لعدم غايته ، لتغاير مخرجي البول والمني‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ١٨.

(٢) السرائر : ١٦.

(٣) السرائر : ١٧.

(٤) راجع : الفقيه ١ : ٣٩ ح ١٤٨ ، التهذيب ١ : ٢٠ ح ٥٠ ، الاستبصار ١ : ٤٨ ح ١٣٦.

(٥) المبسوط ١ : ٢٩ ، الجمل والقعود : ١٦١.

(٦) الكافي في الفقه : ١٣٣.

٢٣٤

منها (١) ، وكذا علّل به الراوندي في الرائع.

وفي المقنعة : تستبرئ المرأة بالبول ، فان لم يتيسّر لها ذلك فلا شي‌ء عليها (٢).

وفي النهاية سوّى بين الرجل والمرأة في الاستبراء بالبول أو الاجتهاد (٣).

وابن الجنيد : إذا بالت تنحنحت بعد بولها ، ذكره في سياق غسل الجنابة.

ولعلّ المخرجين وان تغايرا ، يؤثر خروج البول في خروج ما تخلف في المخرج الآخر ان كان ، وخصوصا مع الاجتهاد.

فظاهر الأخبار تشهد للقول الأول ، مع قضيّة الأصل. فحينئذ لو رأت بللا بعد الغسل أمكن تنزيله على استبراء الرجل لو قلنا باستبرائها ، ولو قلنا بالعدم أمكن أن تكون كرجل لم يستبرئ فتعيد حيث يعيد ، وان تكون كمن استبرأ لأن اليقين لا يرفع بالشك ولم يصدر منها تفريط. هذا إذا لم يعلم ان الخارج منيّ.

ولو علم انه مني فقد دخل الخبر السابق على ان الذي يخرج منها انما هو مني الرجل (٤). وقطع ابن إدريس بوجوب الغسل إذا علمت ان الخارج مني ، ولم يعتد بالرواية ، لعموم : « الماء من الماء » ، قال : ولو لم تعلمه منيا فلا غسل عليها وان لم تستبرئ (٥) وكأنه نظر إلى اختلاط المنيّين غالبا.

أما لو اشتبه المنيّان فالوجوب قويّ ، أخذا بعموم : « إنّما الماء من الماء » (٦) وشبهه ، وقد مر. وعلى قول ابن إدريس لا إشكال في وجوب الغسل.

__________________

(١) مختلف الشيعة : ٣٢.

(٢) المقنعة : ٦.

(٣) النهاية : ٢١.

(٤) تقدم في ص ٢٣١ الهامش ١.

(٥) السرائر : ٢٢.

والرواية في : مسند أحمد ٣ : ٢٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٩٩ ح ٦٠٧ ، سنن أبي داود ١ : ٥٦ ح ٢١٧ ، الجامع الصحيح ١ : ١٨٦ ح ١١٢ ، الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٢ : ٢٤٩ ح ١١٨٣ ، شرح معاني الآثار ١ : ٥٤.

(٦) مسند أحمد ٣ : ٤٧ ، صحيح مسلم ١ : ٢٦٩ ح ٣٤٣ ، مسند أبي يعلى ٢ : ٤٣٢ ح ١٢٣٦.

٢٣٥

الرابع : هذا المني الخارج أو المشتبه مع عدم الاستبراء حدث جديد ، فالعبادة الواقعة قبله صحيحة لاستجماعها للشرائط. ونقل ابن إدريس عن بعض الأصحاب إعادة الصلاة ، وردّه (١) ولعلّ المستند الحديث المتقدم عن محمد (٢) ـ وهو ابن مسلم ـ ويمكن حمله على الاستحباب ، أو على من صلّى بعد أن وجد بللا حصل بعد الغسل.

وربما تخيل فساد الغسل الأول ، لأنّ المني باق بحاله في مخرجه لا في مقره ، كما قاله بعض العامة. وهو خيال ضعيف ، لان المتعبد به هو الغسل مما خرج لا مما بقي ، ولهذا لو حبسه لم يجب به الغسل الا بعد خروجه عندنا (٣) وعند أكثرهم (٤).

المسألة الثانية عشرة : لا يجب إيصال الماء الى باطن الفم والأنف ـ بالمضمضة والاستنشاق ـ عندنا ، للحديث السالف (٥) ، ولا يستحب إعادة الغسل لتاركهما. نعم ، مقطوع الأنف والشفتين يجب أن يغسل ما ظهر بالقطع ، لالتحاقه بالظاهر ، ولا عبرة بكونه باطنا بالأصالة.

ويجب غسل ما ظهر من صماخ الإذن ، لأنّه من البشرة ، وعليه نبّه الشيخان والصدوق بقولهم : ويخلّل أذنيه بإصبعيه (٦) ولا يجب تتبع الباطن من الصماخين.

ويجب غسل ما يبدو من الشقوق في البدن ، وما تحت القلفة (٧) ـ بضم‌

__________________

(١) السرائر : ٢٢.

(٢) تقدم في ص ٢٣١ الهامش ٤.

(٣) المعتبر ١ : ١٧٨ ، نهاية الإحكام ١ : ١٠٠.

(٤) المجموع ٢ : ١٤٠ ، المغني ١ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ١ : ٢٣٣.

(٥) تقدم في صفحة ٢١٧ الهامش ٧.

(٦) المقنعة : ٦ ، النهاية : ٢١ ، الفقيه ١ : ٤٩.

(٧) القلفة : الجلدة التي تقطع في الختان ، مجمع البحرين ـ مادة قلف.

٢٣٦

القاف وسكون اللام ـ ونفس القلفة ، الا ان يكون مرتتقا فيغسل الظاهر.

الثالثة عشرة : المرأة كالرجل في جميع ما ذكر. نعم ، ينبغي لها المبالغة في تخليل الشعر. ولو توقف الوصول إلى البشرة إلى حلّ الضفائر وجب وإلاّ فلا ، وقد سلفت الرواية (١).

وقال المفيد : إن كان الشعر مشدودا حلّته (٢). وحمله في التهذيب على توقّف وصول الماء عليه ، لأن الواجب غسل البشرة والشعر لا يسمى بشرة (٣).

ولا يجب عليها إيصال الماء الى باطن الفرج ، بكرا كانت أو ثيبا ، للأصل ، ولانه من البواطن. ويمكن وجوب غسل ما يبدو من الفرج عند الجلوس لقضاء الحاجة ، لأنه في حكم الظاهر كالشقوق.

ولا فرق بين الجنب والحائض ، في عدم وجوب نقض الضفائر إذا وصل الماء إلى البشرة ، لأن الواجب في الغسلين متعلق بالبشرة لا بالشعر.

__________________

(١) تقدمت في ص ٢٢٨ الهامش ٣.

(٢) المقنعة : ٦.

(٣) التهذيب ١ : ١٤٧.

٢٣٧

البحث الثاني : في مستحباته.

وهي ثلاثة عشر.

الأول : التسمية ، ذكرها الجعفي.

وقال المفيد : يسمي الله عزّ وجل عند اغتساله ويمجّده ويسبّحه (١) ونحوه قال ابن البراج في المهذب (٢).

والأكثر لم يذكروها في الغسل ، والظاهر : انّهم اكتفوا بذكرها في الوضوء ، تنبيها بالأدنى على الأعلى. وخبر زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « إذا وضعت يدك في الماء فقل : باسم الله وبالله ، اللهم اجعلني من التوابين ، واجعلني من المتطهّرين » (٣) يشمل ذلك.

ومنع منها بعض العامّة بناء على أنّها قرآن ، وان القرآن على الإطلاق يمنع منه ذو الحدث الأكبر (٤) والمقدّمتان ممنوعتان.

الثاني : غسل اليدين ثلاثا من الزّندين ، للخبر المذكور في الوضوء ، فإنه تضمن ثلاثا من الجنابة (٥).

وقال الجعفي : يغسلهما الى المرفقين أو الى نصفهما ، لما فيه من المبالغة في التنظيف ، والأخذ بالاحتياط ، ولخبر أحمد بن محمد قال سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن غسل الجنابة ، فقال : « تغسل يدك اليمنى من المرفق إلى أصابعك » (٦).

__________________

(١) المقنعة : ٦.

(٢) المهذب ١ : ٤٦.

(٣) التهذيب ١ : ٧٦ ح ١٩٢.

(٤) الأذكار للنووي : ٣٩ ، المجموع ٢ : ١٨١.

(٥) تقدم في ص ١٠٩ الهامش ٢ ، ٣.

(٦) التهذيب ١ : ١٣١ ح ٣٦٣ ، الاستبصار ١ : ١٢٣ ح ٤١٩.

٢٣٨

وروى سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إذا أصاب الرجل جنابة ، فأراد أن يغتسل ، فليفرغ على كفيه فليغسلهما دون المرفق » (١).

وصرّح الفاضل هنا باستحباب غسل اليدين وان كان مرتمسا ، أو تحت المطر ، أو مغتسلا من إناء يصبّه عليه من غير إدخال ، محتجّا بأنه من سنن الغسل ، ولقول أحدهما عليهما‌السلام في غسل الجنابة : « تبدأ بكفيك » (٢).

الثالث : المضمضة والاستنشاق ثلاثا ثلاثا ، لخبر زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « تبدأ فتغسل كفّيك ، ثم تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك ، ثم تتمضمض وتستنشق » (٣). وفي رواية أبي بصير عنه عليه‌السلام : « تصبّ على يديك الماء فتغسل كفّيك ، ثمّ تدخل يدك فتغسل فرجك ، ثم تتمضمض وتستنشق » (٤). وفيهما دلالة على الاجتزاء بالغسل الى الزند ، لأنّه حدّ الكف.

وامّا خبر أبي بكر الحضرمي عنه عليه‌السلام : « ليس عليك مضمضة ولا استنشاق ، لأنهما من الجوف » (٥).

وخبر أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابه عنه عليه‌السلام في الجنب يتمضمض قال : « لا ، ان الجنب الظاهر » (٦).

وخبر الحسن بن راشد قال : قال الفقيه العسكري عليه‌السلام : « ليس في الغسل ، ولا في الوضوء ، مضمضة ولا استنشاق » (٧).

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٣٢ ح ٣٦٤.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ١١٠.

والخبر في الكافي ٣ : ٤٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٣٢ ح ٣٦٥ ، الاستبصار ١ : ١٢٣ ح ٤٢٠.

(٣) التهذيب ١ : ٣٧٠ ح ١١٣١.

(٤) التهذيب ١ : ١٣١ ح ٣٦٢ ، الاستبصار ١ : ١١٨ ح ٣٩٨.

(٥) الكافي ٣ : ٢٤ ح ٣ ، التهذيب ١ : ٧٨ ح ٢٠١ ، ١٣١ ح ٣٥٩ ، الاستبصار ١ : ١١٧ ح ٣٩٥.

(٦) التهذيب ١ : ١٣١ ح ٣٦٠ ، الاستبصار ١ : ١١٨ ح ٣٩٦ ، بلفظ : « انما يجنب ».

(٧) التهذيب ١ : ١٣١ ح ٣٦١ ، الاستبصار ١ : ١١٨ ح ٣٩٧.

٢٣٩

فالمراد نفي الوجوب ـ الذي يقوله كثير من العامة (١) ـ توفيقا بين الأخبار.

الرابع : الدّلك باليدين ، لما فيه من المبالغة في الإيصال.

الخامس : تخليل ما يصل اليه الماء بدون التخليل‌ استظهارا ، كالشعر الخفيف ، ومعاطف الآذان ، والإبطين ، والسرّة ، وعكن البطن في السمين ، وما تحت ثديي المرأة.

وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : « فأمّا النساء اليوم فقد ينبغي أن يبالغن في الماء » (٢). ومنه يعلم استحباب نقض المرأة الضفائر ، وكذا في خبر جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « يبالغن في الغسل » (٣).

وأمّا ما رواه إسماعيل بن أبي زياد ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام ، قال : « كنّ نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا اغتسلن من الجنابة ، يبقين صفرة الطيب على أجسادهن ، وذلك أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرهنّ أن يصببن الماء صبّا على أجسادهن » (٤).

وما رواه إبراهيم بن أبي محمود ، قال : قلت للرضا عليه‌السلام : الرجل يختضب فيصيب جسده ورأسه الخلوق والطيب والشي‌ء اللّكد مثل علك الروم وما أشبهه فيغتسل ، فإذا فرغ وجد شيئا قد بقي في جسده من أثر الخلوق والطيّب وغير ذلك ، فقال : « لا بأس » (٥).

قلت : الخلوق ـ بفتح الخاء وضم اللام ـ ضرب من الطيب. واللّكد اللاصق بعضه ببعض ، يقال لكد عليه لكدا ـ بفتح الكاف في المصدر وكسرها في الفعل ـ إذا لصق به ، وتلكّد الشي‌ء لزم بعضه بعضا.

__________________

(١) المجموع ١ : ٣٥٦ ، فتح العزيز ١ : ٣٩٦ ، الوجيز ١ : ١٣ ، المغني ١ : ١٣٢.

(٢) التهذيب ١ : ١٤٧ ح ٤١٨.

(٣) الكافي ٣ : ٤٥ ح ١٧ ، التهذيب ١ : ١٤٧ ح ٤١٨.

(٤) علل الشرائع : ٢٩٣ ، التهذيب ١ : ٣٦٩ ح ١١٢٣.

(٥) الكافي ٣ : ٥١ ح ٧ ، التهذيب ١ : ١٣٠ ح ٣٥٦.

٢٤٠