تراثنا ـ العدد [ 141 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 141 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٣١٨

(م٥٣٥هـ) بإسناده عن ابن الجندي قال: «أخبرنا أبو الحسن ابن البيضاوي قال أخبرنا أبو الحسن ابن الجندي قال حدّثنا إبراهيم بن هاشم الطريقي قال حدّثنا عبيد بن كثير قال حدّثنا إسماعيل بن أميّة قال حدّثنا عثمان بن مطر عن عبد الغفور عن أبي هاشم عن زاذان عن علي رضي الله عنه قال سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلاً طلّق البتّة فغضب وقال: ...» (مشيخة قاضي المارستان ٢ / ٧٤٨).

وهذه الرواية نفسها رواها أبوطاهر السلفي في (مشيخة المحدّثين البغدادية ٢ / ٢١١ رقم ٢١٤١) كالتالي: «أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ، نا أَحْمَدُ بن هَاشِم الصُّوفِي، نا سَعِيدُ بن كَثِير، نا اِسْمَاعِيلُ بن أُمَيَّةَ، نا عُثْمَانُ بن مَطَر، عَنْ عَبْدِ الْغَفُورِ، عَنْ أَبِي هَاشِم، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ عَلِيّ [عليه السلام] قَالَ: ..».

وقد يتوهّم ـ على ضوء هذين الإسنادين ـ أنّ لابن الجندي شيخين أحدهما (أحمد بن هاشم الصوفي) والآخر (إبراهيم بن هاشم الطريقي) ولكنّ الحقيقة أنّ هذين الإسنادين كليهما مصحّف والوثيقة التي تمثّل الحلّ الحاسم بهذا الشأن هو أنّ ابن النجّار روى في ذيل تاريخ بغداد نفس الحديث من طريق السلفي وهو كالتالي: «كتب إليّ علي بن المفضّل الحافظ أنبأنا أبوطاهر أحمد بن محمّد السلفي قراءةً عليه أنبأنا أبوالحسن علي بن أحمد الحلواني أنبأنا أبوالحسن محمّد بن عبد الله بن البيضاوي أنبأنا أبوالحسن أحمد بن محمّد بن عمران الجندي حدّثنا أحمد بن هاشم الطريقي، حدّثنا عبيد بن كثير حدّثنا إسماعيل بن أمية حدّثنا عثمان بن مطر عن عبد الغفور عن أبي هاشم عن زاذان عن علي رضي الله عنه قال ..». (ذيل تاريخ بغداد ٣ / ٧٨).

٢٠١

إذن فليس هناك إلاّ شيخ واحد وهو المحدّث المعروف: (أحمد بن هاشم الطريقي) الذي تعرّضنا له عند دراسة أساتذة ابن الجندي ولا سيّما بعد ملاحظة أستاذه الذي يروي الطريقي عنه في هذه الأسانيد الثلاث وهو (عبيد بن كثير) الذي عدّه الخطيب في عداد مشايخه (تاريخ بغداد ٥ / ٤٠٨) وإن كان اسم (عبيد) هو الآخر قد تصحّف في نصّ السلفي إلى (سعيد بن كثير) وهو تصحيف محتمل جدّاً ومعتاد.

٣ ـ روى الشيخ أبو طاهر السلفي في كتابه مشيخة المحدّثين البغدادية تحت عنوان: (من حديث ابن الجندي) روايات فقال في الحديث الأوّل: «أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو بَكْر أَحْمَدُ بن عَلِي بن بَدْرَانَ بن عَلِي الْحُلْوَانِي، فِي شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَع وَتِسْعِينَ وَأَرْبَعِ مِائَة، وَوَلَدُهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِي، قَرَأتُ عَلَيْهِمَا بِبَابِ الْمَرَاتِبِ، قُلْتُ: أَخْبَرَكُمَا الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدِ بن مُحَمَّدِ بن عَبْدِ اللَّهِ الْبَاهِلِي، نَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بن مُحَمَّدِ بن عِمْرَانَ الجندي، نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بن عَلي الْجُلُودِي، نا مُحَمَّدُ بن زَكَرِيَّا، نا ابن عَائِشَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ إِسْحَاقَ بن يُوسُفَ الأَزْرَقَ يَوْمًا فَرَآنِي فَبَكَى، قُلْتُ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ ...» (مشيخة المحدّثين البغدادية ٢ / ٢١٠ رقم ٢١٣٩).

وهناك عدّة ملاحظات على هذا الإسناد:

أ) إنّ أبا الحسن محمّد بن عبد الله الباهلي ممّن ترجم له الخطيب وأرّخ وفاته بمصر سنة (٣١٤هـ) (تاريخ بغداد ٣ / ٤٣٢) فهو من طبقة مشايخ ابن الجندي فكيف يمكنه أن يروي عنه؟

ب) لم يصف الباهلي أحدٌ ممّن ترجم له بـ : (القاضي).

٢٠٢

ج) على ضوء النقطة الأولى فكيف يمكن أن يسمع أبوبكر، أحمد بن علي بن بدران الحلواني (ح٤٢٠ ـ ٥٠٧ق) وابنه أبو الحسن علي (٤٥٦ ـ ٥١٨ ق) من الباهلي (م ٣١٤ق) إذن فيبدو جليّاً أنّ هذا الإسناد مصحّف والقرينة التي تحسم الخلاف هي أنّ الرواية الثالثة من هذه الروايات التي رواها السلفي عن ابن الجندي ـ وهي الرواية التي تحدّثنا عنها في الملاحظة السابقة وذكرنا إسناد السلفي لها ـ رواها ابن النجّار من طريق السلفي عن أحمد بن علي بن بدران وابنه عن أبي الحسن محمّد بن عبد الله بن البيضاوي عن ابن الجندي وقد ذكرنا إسناد ابن النجّار بنصّه آنفاً وفي ظلّ ذلك فلا نرتاب في أنّ عبارة (القاضي أبوالحسن محمّد بن محمّد بن عبد الله الباهلي) ولاسيّما إذا أخذنا في الاعتبار أنّ القاضي البيضاوي (م ٤٦٨ق) ممّن نصّ الخطيب بروايته عن ابن الجندي (تاريخ بغداد ٣ / ٤٥٩) كما صرّح ابن النجّار برواية أبي الحسن علي بن أحمد بن علي بن بدران عن البيضاوي (ذيل تاريخ بغداد ٣ / ٧٨).

د) إنّ (عبد العزيز بن علي الجلودي) في إسناد السلفي مصحّف عن: (عبد العزيز بن يحيى الجلودي) بلا ريب وذلك:

أوّلاً: لأنّ عبد العزيز بن يحيى الجلودي هو من مشايخ ابن الجندي كما أسلفنا.

وثانياً: لأنّا لم نعثر على (عبد العزيز بن علي الجلودي) فيما بأيدينا من المصادر.

وثالثاً: إنّ محمّد بن زكريّا الواقع في الإسناد هو من أبرز شيوخ: (عبد العزيز

٢٠٣

ابن يحيى الجلودي) كما سبق.

ورابعاً: إنّ مضمون الرواية يتعلّق بأحوال أبي نواس الذي تعرّض لها الجلودي فألّف فيها: (كتاب أخبار أبي نوّاس) (رجال النجاشي / ٢٤٣).

٤ ـ روى الشيخ أبو بكر محمّد بن عبد الباقي المعروف بـ : (قاضي المارستان) (م ٥٣٥ق) بإسناده عن ابن الجندي عن جماعة من مشايخه حديثاً قد عدّ ابن الجندي في هذا الإسناد إسحاق بن إبراهيم أبا يعقوب الصنعاني من جملة شيوخه (مشيخة قاضي المارستان ٢ / ٧٤٣).

ولكن ليس بإمكان ابن الجندي أن يروي عن أبي يعقوب هذا مباشرة ؛ ذلك أنّ المترجمين صرّحوا بوفاة أبي يعقوب هذا بصنعا سنة (٢٨٥ ق) (تاريخ الإسلام ٦ / ٧١٤) أي قبل ولادة ابن الجندي بنحو ٢٠ سنة! فمن المحتّم أنّ هذا السند يعاني من الإرسال الخفي.

٥ ـ هناك نقولات لا بأس بها لابن الجندي أدلى فيها برأيه حول وفيات عدد من الرواة والمحدّثين الذين عاصرهم ولكن لا ندري أنّه لقيهم أم لا؟ علماً بأنّا لم نجد رواية لابن الجندي عنهم وهم أمثال محمّد بن منصور بن النضر (راجع تاريخ بغداد ٤ / ١٥) ومحمّد بن يوسف أبي عمر القاضي (تاريخ بغداد ٤ / ١٧٤) وأحمد بن عبد الله بن سيف (تاريخ بغداد ٤ / ٤٤٩) وبدر بن الهيثم (م.ن: ٧ / ١١٠) وأحمد بن محمّد بن الجرّاح الضرّاب (م. ن: ٥ / ١٧٥) وغيرهم.

ومن الطبيعي أن لا نعتبرهم من مشايخ ابن الجندي حيث لم تثبت روايته ولا سماعه عنهم.

٢٠٤

٦ ـ روى ابن عساكر في تاريخه من طريق ابن الجندي قال: «نا أبي، أخبرني علي بن محمّد بن حاتم، حدّثني أبو عبد اللّه الحسين بن محمّد بن يحيى العلوي بالمدينة عن أبيه عن جدّه عن علي بن أبي طالب رضوان اللّه عليه قال: ...» (تاريخ مدينة دمشق ٤ / ٣٨١) ولكن الملفت للنظر أنّا لم نجد رواية ابن الجندي عن أبيه إلاّ في هذا الموضع ولا ندري إن كان أبوه من ذوي المشاركة في مجال التحديث أم لا؟ حيث لم تتوفّر لدينا أيّة معلومات عن أبيه. أمّا علي بن محمّد بن حاتم فقد أشرنا في طبقة مشايخ ابن الجندي على محدّث واحد ينطبق عليه هذا العنوان وهو (علي بن محمّد بن حاتم أبو الحسن القومسي الحدّادي) (م ٣٢٢ ق) وقد ترجم له السهمي في تاريخ جرجان: ٣٠١ ـ ٣٠٢ وقال: «روى عنه جماعة من أهل جرجان وأهل العراق» ونقل توثيقه عن الحافظ الكبير الحجّة أبي بكر الإسماعيلي وترجم له الخطيب أيضاً وقال: «سكن قزوين وقدم بغداد حاجّاً» (تاريخ بغداد ١٢ / ٦٥) وكان قدومه بغداد في سنة (٣٠٧ ق) (نفس المصدر) ومن المظنون أنّ علي بن محمّد بن حاتم لمّا ورد بغداد سنة (٣٠٧ ق) حضر مجلسه محمّد بن عمران أبو شيخنا ولم يسمع منه ابن الجندي حيث كان آنذاك ابن سنتين وهو سنّ لا يفي بسماع الرواية عادة ومن ثمّ روى ابن الجندي عن علي بن محمّد بن حاتم بتوسّط أبيه.

إذن ينبغي علينا ـ على ضوء هذا الاحتمال القريب ـ أن نعتبر محمّد بن عمران أبا شيخنا من أساتذته.

٧ ـ روى الشيخ النجاشي كتاب الفضل بن عبد الملك أبي العبّاس البقباق

٢٠٥

بهذا الإسناد وفق الطبعة المتداولة من كتاب الرجال: «أخبرنا أحمد بن محمّد بن الجرّاح قال: حدّثنا علي بن همّام قال: حدّثنا المنذر بن زياد قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله بن غالب قال: حدّثنا الحسين بن داود بن حصين، عن أبيه عنه بكتابه». (رجال النجاشي / ٣٠٨ رقم ٨٤٣) ولكنّ الصحيح في هذا الإسناد: (أبو علي بن همّام) دون أيّ ريب لأنّ أبا علي محمّد بن همّام الإسكافي هو من أبرز مشايخ ابن الجندي في الوسط الشيعي ـ كما أشرنا إليه عند سرد مشايخه ـ قد روى عنه في أكثر من ٤٠ موضعاً من رجال النجاشي (راجع: مشيخة النجاشي: ١١٧).

على أنّا لم نعثر على رواية ابن الجندي عن (علي بن همّام) في غير هذا الموضع كما لم نجد راوياً بهذا العنوان في ما وصلنا من تراث الشيعة إذن فقد سقطت لفظة (أبو) من هذا الإسناد.

٨ ـ حول الطرق التي تحمّل شيخنا الروايات عن مشايخه على أساسها فنستشفّ من أسانيده أنّ أكثرها حضوراً هو السماع من المشايخ والقراءة عليهم أمّا غيرهما فلم نجد ما يشير إليه إلاّ في موضع واحد حيث روى الشجري بإسناده عن ابن الجندي قال: «وجدت في كتاب الحسن بن علي القزويني لأبي العتاهية ..» ثمّ ذكر بيتين له (الأمالي الخميسية ١ / ١٨٤) وهناك في رواة العامّة عدد ممّن يسمّى بـ : (الحسن بن علي) ويلقّب بـ : (القزويني) وينطبق عصرهم على القرن الرابع وهم:

أ ـ الحسن بن علي بن العبّاس أبو محمّد الحسيني القزويني:

ترجم له الرافعي في (التدوين ٢ / ٤٢٣ ـ ٤٢٤) ولكن لم يذكر مولده ولا

٢٠٦

تاريخ وفاته ولكنّه من طبقة ابن الجندي نفسها تقريباً بشهادة روايته ـ حسب ما نقله الرافعي ـ عن محمّد بن أحمد بن منصور القطّان القزويني (م ٣٦٦) ورواية أبي سعد السمّان (م ٤٤٥ ق) عنه (التدوين في أخبار قزوين ٢ / ٤٢٣).

ب ـ الحسن بن علي بن عمر أبو محمّد القزويني الصيدناني (م ٣٧٢ ق) :

وهو أيضاً من طبقة ابن الجندي بشهادة تاريخ وفاته وروايته عن ابن عقدة ومن هو في طبقة مشايخ ابن الجندي (راجع: التدوين في أخبار قزوين ٢ / ٤٢٤).

ت ـ الحسن بن علي بن الحسن أبو محمّد القزويني السمسار:

ترجم له الرافعي ونقل رواية عن أبي سعد السمّان (م ٤٤٥ ق) عنه ويتّضح من مساق كلامه أنّ القزويني السمسار لم يكن من ذوي الشأن في مجال الحديث ومن ثمّ فمن المستبعد جدّاً أن يكون قد صنّف كتاباً أو رحل إلى بغداد ليتمكّن ابن الجندي من الرواية عن كتابه.

وعلى كلّ فالأوّلان من هؤلاء الثلاثة هما الأشهران ولكن لم نجزم بعد أنّ الذي ينقل ابن الجندي عنه هو أحد الرجلين لأنّ هذا العنوان أي: (الحسن بن علي) من الأسماء الكثيرة الحضور في الناس على مرّ العصور ومن الطبيعي أن يكون الكثير ممّن يسمّى بهذا الإسم ملقّباً بالقزويني وعليه فلا نتمكّن من تحديد هويّة الرجل بأكثر ممّا قرأت.

وللبحث صلة ...

٢٠٧

المنهج الموسوعي في الفقه الإمامي

(الحدائق والجواهر أنموذجاً)

(٣)

الشيخ مهدي البرهاني

بسم الله الرحمن الرحیم

تناولنا في الأعداد السابقة المناهج الموسوعية الفقهية في المدرسة الإمامية ونبذة عن كتاب الحدائق ومؤلّفه وكتاب الجواهر ومؤلّفه ونستأنف البحث هنا.

المبحث الثاني

تطبيقات المنهج الموسوعي عند صاحب الحدائق

تمهيد :

اتّجه التأليف الفقهي منذ القرن الثامن الهجري وحتّى عصر صاحب الحدائق وما بعده إلى كتابة الشروح والحواشي والتعليقات على أمّهات المتون الفقهية التي ألّفها كبار الفقهاء السابقين أمثال المحقّق جعفر بن الحسن الحلّي

٢٠٨

(ت٦٧٦هـ) في كتابيه : المختصر النافع (١) وشرائع الاسلام (٢) ، والعلاّمة الحسن بن يوسف الحلّي (ت٧٢٦هـ) في كتبه : قواعد الأحكام (٣) وإرشاد الأذهان (٤) وتبصرة المتعلّمين (٥) ، والشهيد الأوّل محمّد بن مكّي العاملي الجزيني (ت٧٨٦هـ) في كتابه : اللمعة الدمشقية (٦) ، وذلك لما اتّصفت به هذه المتون من التركيز والتعمّق والشمول ودقّة العبارة وحسن الترتيب والتبويب.

وهذا العمل وإن كان من جهة فيه تنقيح وتعظيم وإكبار لآراء المتقدّمين وهو أمر ممدوح في نفسه ، وأيضاً يكون سبباً وموجباً لعدم تكرار المباحث المطروحة وبذلك تعرف الأطوار التكاملية التي مرّت بها التحقيقات والبحوث الفقهية ، ولكن في نفس الوقت هناك مشكلة ولّدها هذا النحو من التأليف ، وهي مشكلة عدم الإبداع والتجديد والتأسيس والتأصيل في العمل الفقهي التحقيقي.

__________________

(١) من الشروح عليه : كتاب (المهذّب البارع في شرح المختصر النافع) لابن فهد الحلّي المتوفّى ٨٤١هـ.

(٢) من شروحه المعروفة كتاب (جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام) للشيخ محمّد حسن النجفي المتوفّى ١٢٦٦هـ.

(٣) كشرح المحقّق علي بن الحسين الكركي المتوفّى ٩٤٠هـ بكتاب أسماه : (جامع المقاصد في شرح القواعد).

(٤) من الشروح عليه : كتاب (مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان) للمحقّق الأردبيلي المتوفّى ٩٩٣هـ.

(٥) من أهمّ الشروح عليها كتاب (شرح تبصرة المتعلّمين) للمحقّق آقا ضياء العراقي المتوفّى ١٣٦١هـ.

(٦) من شروحها المعروفة (الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية) للشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي المتوفّى ٩٦٥هـ.

٢٠٩

ومن هنا اتّجه صاحب الحدائق في تأليف كتابه وجهة أخرى أراد فيها تطبيق منهجه الأخباري في موسوعة فقهية شاملة لجميع أبواب الفقه ومسائلة ومنازلة الأصوليّين في آرائهم الفقهية في كلّ باب ومسألة ، الأمر الذي اقتضاه بحكم ذلك المنهج محاولة الإحاطة بجميع الأخبار الواردة في الفقه واستعراض آراء الفقهاء في كلّ مسألة ، مع مناقشة آرائهم فيها من الأخبار وغيرها من الأدلّة الأخرى المعتمدة عند الأصوليّين منهم.

ذلك كلّه مع خصائص أخرى مهمّة تميّز بها منهجه العام في التأليف وأسلوب العرض ، أسهمت إلى جانب المنهجية الخاصّة التي اتّبعها المؤلّف في جعله أحد المراجع المهمّة في الفقه الموسوعي الإمامي ، فصار الكتاب بذلك مرجعاً لايَستغني عنه الفقهاء والمحقّقون والباحثون في الفقه الشيعي الإمامي وطلبة الحوزات العلمية الشيعية منذ اشتهاره وحتّى الوقت الحاضر ، وذلك بالرغم من عدم تمكّن المؤلّف من إكماله ، إذ توقّفت يراعه في أثناء كتاب الظهار بموافاة أجله سنة (١١٨٦هـ) ، وأكمله من بعده ابن أخيه وتلميذه المحدّث الشيخ حسين ابن محمّد بن عصفور متّبعاً خُطى أستاذه وعمّه في طريقة بحثه ، واسِماً له بعيون الحقائق الناظرة في تتمّة الحدائق الناضرة.

منهج المحدّث البحراني في بحث مسائل الكتاب :

والمقصود من عنوان هذا البحث هو الخطوات التي اتّبعها المؤلّف في بحث كلّ مسألة من مسائل الكتاب ومنهجه الفقهي الذي اتّبعه في استنباط رأيه

٢١٠

في تلك المسائل ، مضافاً إلى ما امتاز به الكتاب من أمور عامّة شاملة تميِّزه عن غيره من الكتب الفقهية.

وقبل الشروع في البحث أحببت أن أكرّر ما كنت قد أشرت له في مقدّمة هذه المقالة للدراسة القيّمة للدكتور خالد العطية والتي خصّصها عن صاحب الحدائق وعن منهجه في تأليف كتاب الحدائق (١) ، وقد فصّل فيها القول واستقصاه وأسهبه وبيّنه ، سواء أكان فيما يرتبط في بحث مسائل الكتاب المتفرّقة أم ما يرتبط بالخصائص العامّة له ، كلّ ذلك بمنهجية علمية وتبويب دقيق وفهرس واضح.

وأيضاً لما كتبته يراعة المحقّق السيّد زهير الأعرجي في هذا المجال ، إذ كنت بيّنت أنّه تطرّق هو الآخَر ولكن بنحو الاختصار وفي بضع صفحات لمنهجية صاحب الحدائق في الحدائق ، وذلك في ضمن دراسة له مُمَنهَجة ومفصَّلة خصّصها عن بيان مناهج الفقهاء في المدرسة الإمامية (٢).

ومن أجل معرفة منهجية المحدّث البحراني في كتاب الحدائق فإنّه لابدّ من مطالعة مقدّماته الاثنتي عشرة التي ابتدأ بها تأليف كتابه الحدائق ، شرَحَ فيها متبنّياته الأخبارية ـ مشيراً بالضمن إلى المتبنّيات الأصولية أيضاً ـ في أخبار الكتب الحديثية الأربعة المعروفة وغيرها ، وبيان مدارك الأحكام الشرعية ، وموقفه من

__________________

(١) جاءت بعنوان : الحدائق الناضرة للمحدّث البحراني دراسة مقارنة في المنهج.

(٢) جاءت بعنوان : مناهج الفقهاء في المدرسة الإمامية. انظر : مجلّة تراثنا ، الأعداد : ١٠٢ ـ ١٠٨

٢١١

حجّية ظواهر الكتاب والإجماع ودليل العقل والبراءة والاحتياط في كلّ من الشبهات الوجوبية والحكمية ، وكذا أصل الاستصحاب والعلّة المنصوصة وحالات التعارض والترجيح بين الأدلّة الشرعية ونحوها. وباختصار : فإنّه بيّن في تلك المقدّمات كلّيات منهجه وأصول فقهه ، وهي ظاهرة لم تكن شائعة في الكتب الفقهية عدا استثناءات قليلة ، فقد دأب الفقهاء على البحث في أصول الفقه منذ بواكير التأليف فيه عند الشيعة على عهد المفيد والمرتضى والطوسي على نحو منفصل وخارج إطار كتبهم الفقهية على نحو ماحصل أيضاً في بحوثهم في أصول الدين.

وبالجملة : فإنّ من استوعب تلك المقدّمات استوعب منهج المحدّث البحراني النقدي الاستدلالي الاستنباطي في مناقشة الأحكام الشرعية في الأبواب الفقهية المتعدّدة من كتاب الحدائق.

ويمكن تحديد منهجه المشار إليه ضمن النقاط الآتية :

النقطة الأولى : ذكر الأخبار الواردة في المسألة سواء ما استدلّ به الفقهاء فيها أم لم يستدلّوا به في حدود تتبّعه واستقرائه لمصادرها.

النقطة الثانية : ذكر أقوال الفقهاء السابقين والمتأخّرين والمعاصرين وبيان آرائهم في كلّ مسألة وما يتفرّع منها مع الإشارة غالباً إلى مختاره.

النقطة الثالثة : ذكر سائر الأدلّة الأخرى المطروحة في المسألة والمعتمدة عند فقهاء المدرسة الأصولية بوصفها أدلّة مستقلّة ومن ثمّ مناقشتها.

٢١٢

النقطة الرابعة : استنباط رأيه في المسألة في ذوق منهجه الأخباري ممّا عرضه من الأخبار والآيات المفسَّرة بها من دون غيرهما ممّا يعتمده الأصوليّون من الأدلّة.

وسأحاول أن أضع تصوّراً أكثر وضوحاً وتفصيلاً عن خصائص منهجه في بحث مسائل الكتاب وتأليف متنه ، وذلك بذكر بعض التطبيقات لهذا المنهج من متن نفس الكتاب ويكون ضمن مطالب ثلاثة :

المطلب الأوّل : حكم ملاقاة النجاسة للماء القليل الراكد :

في الفصل الثالث من الباب الأوّل من كتاب الطهارة في الحدائق والذي عُقد لبيان حكم المياه، تطرّق المصنّف لمسألة حكم الماء القليل الراكد إذا لاقته النجاسة ، بيد أنّه لم يشأ أن يذكر الحكم الشرعي المشهور بل المجمع عليه بين الفقهاء وإسناده بالروايات الصحيحة عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام حتّى ذكر أوجُه الخلاف فيما بينهم ، فقال :

«المقام الأوّل : الظاهر أنّه لا خلاف بين أصحابنا رضوان الله عليهم نصّاً وفتوىً في نجاسة الماء القليل بتغيّره بالنجاسة في أحد الأوصاف الثلاثة إنّما الخلاف في النجاسة بمجرّد الملاقاة ، فالمشهور بل كاد يكون إجماعاً ـ بل ادّعى عليه في الخلاف في غير موضع الإجماع ـ هو النجاسة ، وعُزي إلى الحسن بن أبي عقيل رحمه‌الله القول بعدم النجاسة إلا بالتغيّر ، واختار هذا القول جمعٌ من متأخّري المتأخّرين ، ولابدّ من نقل الأخبار هنا من الطرفين والكلام بما يرفع التناقض من

٢١٣

البين ، فنقول : أمّا ما يدلّ من الأخبار على القول المشهور الذي هو عندنا المؤيَّد المنصور فمنها صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام وسُئل عن الماء تبول فيه الدوابّ وتَلِغُ فيه الكلاب ويَغتسل فيه الجنب ، قال : إذا كان الماء قدر كرٍّ لم ينجّسه شيء» (١).

وبعد نقله لهذه الرواية استطرد نقل روايات عديدة من كتب الحديث والفقه ـ كالكافي للكليني والذكرى للشهيد ـ أوصلها إلى ستّة وثلاثين حديثاً صحيحاً أو حسناً أو موثّقاً أو روايةً ـ مجرّدة عن أحد الأوصاف المتقدّمة ـ كلّها تؤيّد القول الأوّل (المشهور) وهو أنّ ما نقص عن الكرّ ينفعل بالنجاسة ، قائلاً :

«هذه جملة ما وقفت عليه من الأخبار التي تصلح لأن تكون مستَنَداً للقول المشهور ، وهي كما ترى على ذلك المطلب واضحة الظهور عارية عن القصور» (٢).

ولم يكن عرض الروايات المؤيّدة للقول الأوّل نهاية مطلب المصنّف ومأربه ولا غاية مراده ومبتغاه ، بل قام بعرض الروايات المؤيّدة للقول الثاني أيضاً ، ومن تلك الروايات ما رواه العلاّمة في المختلف عن ابن أبي عقيل أنّه قال : تواتر عن الصادق عن آبائه عليهم‌السلام إنّ الماء طاهر لا ينجّسه إلاّ ما غيَّر لونه أو طعمه أو رائحته. وذكر مضافاً لهذا ثلاثة عشر حديثاً يؤيّد هذا القول الدالّ على جواز

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١ / ٢٨٠. والرواية رواها الحرّ العاملي في الوسائل ١ / ١٥٨ ح (١).

(٢) الحدائق الناضرة ١ / ٢٨٩.

٢١٤

الوضوء والشرب من الماء الذي لاقته النجاسة إلا مع غلبة أوصاف النجاسة (١).

وأمام هذا الكمّ الكبير من الأحاديث المتعارضة كان لابدّ له من تحليل ظروف السؤال والسائل ومعرفة المكان والزمان وطبيعة الحالة المرتكزة زمان ومكان صدور النصّ ، وهذا ما يفهم من كلام المصنّف ملخَّصاً بما يلي :

أوّلاً : إنّ الغالب في السؤال الوارد في تلك الروايات إنّما هو عن مياه الحياض والغدران والطرق من حيث عموم الحاجة إليها وعموم البلوى بها سيّما في الأسفار ، وتلك المياه عادة لا تنفكّ عن بلوغ الكرور المتعدّدة فضلاً عن الكرّ الواحد ، وجواب الإمام عليه‌السلام كان يلحظ هذا الصنف من المياه الكثيرة التي لا ينفعل معها الماء بمجرّد الملاقاة.

ثانياً : إنّ المناط في النجاسة والطهارة هو التغيّر وعدمه في تلك الأحاديث المسؤول فيها عن مثل وقوع الميتة والجيفة وأبوال الدوابّ ونحوها ممّا يكون مغيّراً للماء وإن كثر دون جعله مناطاً لهما في مثل قطرة من بول أو دم أو نحو ذلك إذا لاقت تلك المياه القليلة.

ثالثاً : إنّ في بعض تلك الروايات ورد: «تبول فيه الدوابّ» بلفظ الجمع ، وفي بعضها: «تردها السباع والكلاب والبهائم» وذلك أعمّ من أن يكون دفعة أو دفعات ، وورود الدوابّ والسباع والبهائم للشرب أو لغيره وتبوّلها في الماء إنّما يكون في المياه التي لا تنقص مساحتها عن كرور عديدة فضلاً عن كرّ ، وما قدر كرّ من ماء وما قدر مساحته حتّى يُحتمل أنّه يفي لمثل هذه الأمور.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١ / ٢٩٠ ـ ٣٩٣.

٢١٥

رابعاً : إنّ ظاهر السؤال كان عن مياه الطرق الواقعة بين مكّة والمدينة أو بينها وبين العراق ونحوها من الأمكنة التي لا وجود للمياه الجارية فيها غالباً ، ومن المنقول أنّهم كانوا يعمدون تلك الأيّام إلى بعض الأمكنة فيجعلون فيها حياضاً تُسقى من آبار هناك وأمكنة يُعدّوها لاجتماع السيول فيها ، وقد أشير إليها في الروايات بـ : (السقايات) و (ماء السبيل).

ويستفيض المصنّف في نقاش موضوع البحث نقضاً وإبراماً ويورد العديد من آراء الفقهاء في ذلك المجال ويردّها ثمّ يوصلنا إلى نتيجة مبناه فيقول :

«والتحقيق عندي في الجواب أنّ المقصود بالإفادة بمثل هذا الكلام أمران : أحدهما : عموم المنطوق ، والثاني : عموم المفهوم ، والرواة قد فهموا حكم المفهوم من ذلك كذلك ولذلك سكتوا عن الاستفسار ، وإلاّ فمثل هؤلاء الأجلاّء كزرارة ومحمّد بن مسلم وأضرابهما من فضلاء الرواة ومحقّقيهم كيف يسكتون ويرضون بفهم بعض المقصود مع توفّر حاجة الأمّة إلى ذلك ـ ولاسيّما زرارة الذي من عادته تنقيح الأسئلة والفحص عن جملة فروع المسألة ـ ويقنعون باستفادة أنّه إذا نقص عن كرٍّ نجّسه شيء ما؟! ويرشدك إلى ما ذكرنا جوابه عليه‌السلام في صحيحة محمّد بن مسلم الأولى من تلك الروايات المتقدّمة لمّا سُئل عن الماء تبول فيه الدوابّ وتَلِغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب ، قال : «إذا بلغ قدر كرٍّ لم ينجّسه شيء» فإنّه من الظاهر البيّن أنّ السائل أراد السؤال عن حال هذا الماء بعد وقوع هذه الأشياء أو أحدها فيه وأنّه هل ينجس بمجرّد ملاقاتها أم لا ، فأجابه عليه‌السلام بوجه عامّ وقاعدة كلّية في كلّ ماء وكلّ نجاسة وهو التحديد ببلوغ الكرّية وعدمه ،

٢١٦

وأنّه لا ينجس مع الأوّل وينجس مع الثاني ، ولو لم يفهم السائل عموم المفهوم من جوابه عليه‌السلام بذلك وأنّه إذا نقص عن الكرّية ينجس بملاقاة تلك النجاسات المسؤول عن ملاقاتها لاستفسر منه البتة ، لأنّه أحد طرفي الترديد في جوابه عليه‌السلام ، إذ حاصل جوابه أنّه إذا بلغ الماء كرّاً لم ينجّسه (شيء) وإذا لم يبلغ نجّسه شيء ، فلو لم يفهم السائل عموم لفظ شيء الذي في جانب المفهوم على وجه يشمل النجاسات المسؤول عنها وغيرها بقرينة المقام ـ ولاسيّما السؤال هنا عن وقوع تلك الأشياء المخصوصة ـ لراجع في السؤال عن تنجّسه بتلك الأشياء المخصوصة ، إذ بناءً على ما يقولونه من عدم العموم لم يحصل الجواب عن السؤال ، ومع غفلة السائل كيف يرضى الإمام عليه‌السلام بعدم إفادته ذلك مع أنّه مناط السؤال والبلوى به عام في جميع الأحوال؟!» (١).

وبذلك أوصلَنا المصنّف إلى فهم نتيجة الاستدلال ، وهو أنّ منطوق المسألة واضح جليّ وهو أنّ الماء إذا بلغ كرّاً لا ينجّسه شيء ، ومفهوم المسألة أنّ الماء إذا لم يبلغ الكرّ نجّسه الشيء النجس ، وبذلك فهو يؤيّد القول الأوّل (المشهور) الذي ورد فيه سبعة وثلاثون حديثاً ، ويطرح القول الثاني الذي ورد فيه أربعة عشر حديثاً معارضاً.

المطلب الثاني : حكم صلاة الجمعة زمن الغيبة :

وتطبيق آخر من تطبيقات منهجية كتاب الحدائق ما ذُكِر في بحث صلاة

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١ / ٣١١.

٢١٧

الجمعة زمن غيبة الإمام عليه‌السلام والذي جاء هذا البحث في أكثر من مائة صفحة من صفحات المجلّد التاسع من الكتاب ، وقد ذكر قدّس سرّه أنّه لا خلاف بين الأصحاب في وجوب صلاة الجمعة عيناً مع حضوره عليه‌السلام أو نائبه الخاصّ وإنّما الخلاف في زمن الغيبة ، ولكنّه قبل ذكر الأخبار والأقوال وماهو المختار الظاهر من الآية وأحاديث العترة الأطهار ابتدأ بحثه بتحقيق وصفه بالمهمّ خاطب به ذوي الأفهام عسى أن تنكشف به ـ كما قال ـ غشاوة الإبهام ، قال ما نصّه :

«لا ريب أنّ الظاهر من الأخبار حتّى كاد أن يكون كالشمس الساطعة على جميع الأقطار هو الوجوب العيني الذي لايختلجه الشكّ منها والإنكار متى لوحظت في حدّ ذاتها بعين الإنصاف والاعتبار ، إلاّ أنّ الشبهة قد دخلت على جُلّ أصحابنا رضوان الله عليهم في هذه المسألة من وجهين فأسقطوا بذلك فيها الوجوب العيني من البين ، أحدهما : عدم جواز العمل بخبر الواحد ، فإنّ بعضاً منهم منع من العمل به وبعضاً توقّف في ذلك ، وتحقيق ذلك في الأصول ، وثانيهما : من أخذ الإجماع مدركاً شرعيّاً كالكتاب والسنّة النبوية وجعله دليلا مرعيّاً يُعتمد عليه في الأحكام الشرعية» (١).

ثمّ أخذ يناقش بإسهاب وتفصيل ما ذهب إليه جلّ الأصحاب في كلا الأمرين معاً ـ أقصد عدم تجويزهم العمل بخبر الواحد وأخذهم الإجماع مدركاً للحكم الشرعي ـ مثبتاً جواز العمل بمثل هذه الأخبار وعدم حجّية تلك الإجماعات كأدلّة على الأحكام ، كلّ ذلك طبقاً لمدرسته الأخبارية وموقفها

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٩ / ٣٥٥.

٢١٨

الواضح والصريح والمعارض للمدرسة الأصولية في : العمل بالإجماع ، و : التحفّظ عن العمل بأخبار الآحاد.

ثمّ بعد ذلك أرجَعَ عنان الكلام للبحث الفقهي وشرع ببيان فرض حالات المسألة المتصوّرة واستقصاء كلّ تفريعاتها والأقوال الواردة فيها في ضمن مقامات ، قال قدّس سرّه :

«وإذ قد عرفت ذلك فلنشرع الآن في الأقوال المذكورة في المسألة وما يتعلّق بها من الكلام وتحقيق البحث فيها وما ذكر فيها من نقض وإبرام ، فنقول : ينبغي أن يعلم أوّلاً أنّ هنا مقامات : الأوّل : إنّه هل يشترط الإمام المعصوم في الجمعة أو نائبه الخاصّ أم لا؟ الثاني : إنّه هل هذا الشرط شرط في الانعقاد أو الوجوب؟ الثالث : إنّ هذا الشرط مخصوص بزمان الحضور أو يشمل الغيبة أيضاً؟ الرابع : إنّ المراد بالنائب هل هو الخاصّ أو العامّ الذي يشمل الفقيه حال الغيبة أو الأعمّ الشامل لإمام الجماعة؟ الخامس : إنّ وجوبها على تقدير اشتراط الفقيه عينيّ أو تخيريّ؟ أقوال ، ولكلٍّ من هذه الشقوق قائل» (١).

ثمّ ذكر بعد ذلك ـ وكما أسلفت قبل أسطر ـ أنّه لا خلاف بين أصحابنا في وجوبها العيني مع حضوره عليه‌السلام أو نائبه الخاصّ وإنّما الخلاف بينهم زمن غيبته وعدم وجود الإذن على الخصوص ، وجعل الأقوال في ذلك أربعة :

الأوّل : القول بالوجوب العيني ، قائلاً : «وهو المختار المعتضد بالآية والأخبار وبه صرّح جملة من مشاهير الأبرار متقدّميهم ومتأخّريهم أحدهم الشيخ

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٩ / ٣٧٨.

٢١٩

المفيد حيث قال في المقنعة ...» (١).

ثمّ ذكر القول الثاني للشيخ أبي الصلاح الحلبي في كتابه الكافي ، والثالث للشيخ أبي الفتوح الكراجكي في كتابه المسمّى تهذيب المسترشدين ، وهكذا حتّى أتى على ذكر أسماء خمسة عشر فقيهاً ممّن قالوا بهذا الرأي ، وذكر أسماء كتبهم التي ورد فيها ذلك ، ثمّ أردفها بأسماء من حُكي عنهم هذا القول أيضاً ممّن لم يطّلع على نصوص أقوالهم في مراجعها الأصلية (٢).

الثاني : القول بالوجوب التخييري ، وقد ذكر عن المحدّث الكاشاني في كتابه الوافي أنّه نقل أنّ القائلين به هم طائفة من متأخّري أصحابنا ، وأنّ من صرّح به منهم الشهيد الأوّل في كتابه نكت الإرشاد ، ناقلاً نصَّ عبارة نكت الإرشاد المذكور (٣).

الثالث : القول بالتحريم ، قال : «وهذا القول صريح ابن إدريس وسلاّر وظاهر المرتضى في أجوبة المسائل الميَّافارقيّات (٤) والعلاّمة في المنتهى وجهاد التحرير والشهيد في الذكرى» (٥).

الرابع : القول بالوجوب التخييري شريطة حضور الفقيه الجامع لشرائط

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٩ / ٣٧٨.

(٢) الحدائق الناضرة ٩ / ٣٧٨ ـ ٣٩٣.

(٣) الحدائق الناضرة ٩ / ٤١٩.

(٤) رسالة تشتمل على ٦٦ مسألة فقهية واعتقادية وُجِّهت من قبل أهل ميافارقين ـ من ديار بَكر وهي أكبر مدينة في جنوب شرق تركيا ـ للسيّد المرتضى لمعرفة رأيه فيها ، وهي مطبوعة ضمن رسائل المرتضى ، المجموعة الأولى : ٢٧١.

(٥) الحدائق الناضرة ٩ / ٤٣٦.

٢٢٠