والطّنين والقبح والماء الحادث في الأذنين. وينفع من الماء النازل في العينين اكتحالا : يكتحل ببزره مع العسل ، لبياض العين.
والمطبوخ منه كثير الغذاء : ينفع من اليرقان والسعال وخشونة الصدر ، ويدرّ البول ، ويلين الطبع ، وينفع من عضة الكلب غير الكلب : إذا نطل عليها ماؤه بملح وسذاب ، وإذا احتمل : فتح أفواه البواسير.
وأما ضرره : فإنه يورث الشّقيقة ، ويصدّع الرأس ، ويولّد أرياحا ، ويظلم البصر ، وكثرة أكله تورث النسيان ، ويفسد العقل ، ويغيّر رائحة الفم والنّكهة ، ويؤذي الجليس والملائكة ، وإماتته طبخا تذهب بهذه المضرّات منه.
وفي السنن : أنه (ص) أمر آكله وآكل الثوم : أن يميتهما طبخا ، ويذهب رائحته مضغ السّذاب عليه.
بطّيخ :
روى أبو داود والترمذيّ عن النبي (ص) : أنه كان يأكل البطيخ بالرّطب ، يقول : «يدفع حرّ هذا برد هذا». وفي البطيخ عدة أحاديث لا يصح منها شيء غير هذا الحديث الواحد.
والمراد به : الأخضر. وهو بارد رطب ، وفيه جلاء. وهو أسرع انحدارا عن المعدة من القثاء والخيار. وهو سريع الاستحالة إلى أي خلط صادفه في المعدة.
وإذا كان آكله محرورا : انتفع به جدا ، وإن كان مبرودا : دفع ضرره بيسير من الزّنجبيل ونحوه.
وينبغي أكله قبل الطعام ، ويتبع به وإلّا غثّى وقيّأ. وقال بعض الأطباء : إنه قبل الطعام يغسل البطن غسلا ، ويذهب بالداء أصلا.
بلح :
روى النّسائيّ وابن ماجة في سننهما ، من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله (ص) : «كلوا البلح بالتّمر ، فإن الشيطان إذا نظر إلى ابن آدم يأكل البلح بالتمر ، قول : بقي ابن آدم حتى أكل
الحديث بالعتيق». وفي رواية : «كلوا البلح بالتمر ، فإن الشيطان يحزن إذا رأى ابن آدم يأكله ؛ يقول : عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق. رواه البزار في مسنده ، وهذا لفظه.
قلت : الباء في الحديث بمعنى. «مع» ؛ أي : كلوا هذا مع هذا.
قال بعض أطباء الإسلام : «إنّما أمر النبيّ (ص) بأكل البلح بالتمر ، ولم يأمر بأكل البسر مع التمر : لأن البلح بارد يابس ، والتمر حار رطب ، ففي كل منهما إصلاح للآخر. وليس كذلك البسر مع التمر : فإن كل واحد منهما حارّ ، وإن كانت حرارة التمر أكثر». ولا ينبغي من جهة الطب الجمع بين حارّين أو باردين ؛ كما تقدم.
وفي هذا الحديث : التنبيه على صحة أصل صناعة الطب ، ومراعاة التدبير الذي يصلح في دفع كيفيات الأغذية والأدوية بعضها ببعض ، ومراعاة القانون الطبّي الذي يحفظ به الصحة.
وفي البلح برودة ويبوسة. وهو ينفع الفم واللّثة والمعدة ، وهو رديء للصدر والرّئة : بالخشونة التي فيه : بطيء في المعدة ، يسير التغذية ، وهو للنخلة كالحصرم لشجرة العنب وهما جميعا يولّدان رياحا وقراقر ونفخا ، ولا سيّما : إذا شرب عليهما الماء. ودفع مضرتهما : بالتمر أو بالعسل والزّبد.
بيض :
ذكر البيهقي في شعب الإيمان ، أثرا مرفوعا : «أن نبيا من الأنبياء شكا إلى الله سبحانه الضعف ، فأمره بأكل البيض». وفي ثبوته نظر.
ويختار من البيض الحديث على العتيق ، وبيض الدّجاج على سائر بيض الطير. وهو معتدل يميل إلى البرودة قليلا.
قال صاحب القانون : «ومحّه حار رطب ، يولّد دما صحيحا محمودا ، ويغذي غذاء يسيرا ، ويسرع الانحدار من المعدة : إذا كان رخوا». وقال غيره : «محّ البيض مسكن للألم ، مملّس للحلق وقصبة الرئة ، نافع للحلق والسعال
وقروح الرئة والكلى والمثانة ، مذهب للخشونة لا سيما إذا أخذ بدهن اللوز الحلو ، ومنضج لما في الصدر ملين له ، مسهل لخشونة الحلق».
وبياضه إذا قطر في العين الوارمة ورما حارّا : برّده وسكن الوجع ، وإذا لطخ به حرق النار أول ما يعرض له : لم يدعه يتنفّط ، وإذا لطخ به الوجه : منع من الاحتراق العارض من الشمس ، وإذا خلط بالكندر ولطخ على الجبهة : نفع من النزلة.
حرف التاء
تلبينة :
قد تقدم : أنها ماء الشعير المطحون ، وذكرنا منافعها ، وأنها أنفع لأهل الحجاز من ماء الشعير الصحيح.
تمر :
ثبت في الصحيح عنه (ص) : «من تصبّح بسبع تمرات وفي لفظ : من تمر العالية ، لم يضرّه ذلك اليوم سمّ ولا سحر. وثبت عنه أنه قال : «بيت لا تمر فيه جياع أهله. وثبت عنه : أنه أكل التمر بالزّبد ، وأكل التمر بالخبز ، وأكله مفردا.
وهو حار في الثانية ، وهل هو رطب في الأولى؟ أو يابس فيها؟ على قولين :
وهو : مقوّ للكبد ، مليّن للطبع ، يزيد في الباه ولا سيما مع حب الصّنوبر ، ويبرئ من خشونة الحلق ، ومن لم يعتده : كأهل البلاد الباردة فإنه يورث لهم السدد ، ويؤذي الأسنان ، ويهيج الصداع ، ودفع ضرره باللّوز والخشخاش.
وهو من أكثر الثمار تغذية للبدن ، بما فيه : من الجوهر الحار الرطب ، وأكله على الريق يقتل الدود : فإنه مع حرارته فيه قوة ترياقيّة ؛ فإذا أديم استعماله على الريق : جفف مادة الدود وأضعفه ، وقلّله أو قتله ، وهو فاكهة وغذاء ودواء وشراب وحلوى.
تين :
لما لم يكن التين بأرض الحجاز والمدينة ، لم يأت له ذكر في السّنة. فإن أرضه تنافي أرض النخل. ولكن : قد أقسم الله به في كتابه ، لكثرة منافعه وفوائده. والصحيح : أن القسم به هو التين المعروف.
وهو حار. وفي رطوبته ويبوسته قولان. وأجوده : الأبيض الناضج القشر : يجلو رمل الكلي والمثانة ، ويؤمّن من السّموم. وهو أغذا من جميع الفواكه ، وينفع خشونة الحلق والصدر وقصبة الرئة ، ويغسل الكبد والطّحال ، وينقّي الخلط البلغميّ من المعدة ، ويغذو البدن غذاء جيدا. إلا أنه يولد القمل : إذا أكثر منه جدّا.
ويابسه : يغذو وينفع العصب ، وهو مع الجوز واللوز محمود. قال جالينوس : «وإذا أكل مع الجوز والسّذاب قبل أخذ السم القاتل : نفع وحفظ من الضرر».
حرف الثاء
ثريد :
الثريد وإن كان مركّبا فإنه مركب من خبز ولحم ، فالخبز أفضل الأقوات ، واللحم سيد الإدام. فإذا اجتمعا : لم يكن بعدهما غاية.
وتنازع الناس : أيّهما أفضل؟ والصواب : أن الحاجة إلى الخبز أكثر وأعمّ ، واللحم أجلّ وأفضل ؛ وهو أشبه بجوهر البدن من كل ما عداه ، وهو طعام أهل الجنة ، وقد قال تعالى لمن طلب البقل والقثّاء والفوم والعدس والبصل : (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ؟)!. وكثير من السلف : على أن الفوم هو الحنطة ، وعلى هذا : فالآية نصّ على أن اللحم خير من الحنطة. والله سبحانه أعلم.
ثوم :
هو قريب من البصل ، وفي الحديث : «من أكلهما فليمتهما طبخا». وأهدي إليه طعام فيه ثوم ، فأرسل به إلى أبي أيوب الأنصاريّ ، فقال : يا رسول الله ، تكرهه وترسل به إليّ! فقال : «إنّي أناجي من لا تناجي».
وبعد : فهو حار يابس في الرابعة ، يسخن إسخانا قويّا ، ويجفف تجفيفا بالغا نافعا للمبرودين ولمن مزاجه بلغميّ ، ولمن أشرف على الوقوع في الفالج. وهو مجفف للمنيّ ، مفتح للسّدد ، محلل للرياح الغليظة ، هاضم للطعام ، قاطع للعطش ، مطلق للبطن ، مدرّ للبول يقوم في لسع الهوامّ وجميع الأورام الباردة ، مقام التّرياق. وإذا دق وعمل به ضماد على نهش الحيات ، أو في لسع العقارب : نفعها ، وجذب السموم منها ، ويسخن البدن ، ويزيد في حرارته ، ويقطع البلغم ، ويحلل النفخ ، ويصفّي الحلق ، ويحفظ صحة أكثر الأبدان ، وينفع من تغير المياه والسعال المزمن. ويؤكل نيئا ومطبوخا ومشويّا ، وينفع من وجع الصدر من البرد ، ويخرج العلق من الحلق ، وإذا دق مع الخل والملح والعسل ، ثم وضع على الضرس المتآكل : فتّته وأسقطه ؛ وعلى الضرس الوجع ، سكن وجعه ، وإن دق منه مقدار درهمين ، وأخذ مع ماء العسل أخرج البلغم والدّود ، وإذا طلي بالعسل على البهق : نفع.
ومن مضاره : أنه يصدّع ويضر الدماغ والعينين ، ويضعف البصر والباه ، ويعطش ، ويهيج الصفراء ، ويجيّف رائحة الفم ، ويذهب رائحته : أن يمضغ عليه ورق الشّذاب.
حرف الجيم
جبن :
في السنن عن عبد الله بن عمر : أتي النبي (ص) بجبنة ، في تبوك ، فدعا بسكين ، وسمّى وقطع». رواه أبو داود. وأكله الصحابة رضي الله عنهم بالشام والعراق.
والرّطب غير المملوح : جيد للمعدة ، هيّن السلوك في الأعضاء ؛ يزيد في اللحم ، ويليّن البطن تليينا معتدلا ، والمملوح أقلّ غذاء من الرّطب ؛ وهو رديء للمعدة ، مؤذ للأمعاء ، والعتيق يعقل البطن ، وكذا المشويّ وينفع القروح ، ويمنع الإسهال.
وهو بارد رطب. فإن استعمل مشويّا : كان أصلح لمزاجه ، فإن النار تصلحه وتعدّله وتلطّف جوهره ، وتطيّب طعمه ورائحته ، والعتيق المالح حار يابس ، وشبّه يصلحه أيضا : بتلطيف جوهره ، وكسر حرافته ، لما تجذبه النار منه : من الأجزاء الحارة اليابسة المناسبة لها ، والمملّح منه يهزل ، ويولّد حصاة الكلى والمثانة ، وهو رديء للمعدة ، وخلطه بالملطّفات أردأ : بسبب تنفيذها له إلى المعدة.
حرف الحاء
حبة السّوداء :
ثبت في الصحيحين ـ من حديث أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ـ أن رسول الله (ص) ، قال : «عليكم بهذه الحبة السوداء ، فإن فيها شفاء من كل داء ، إلا السام. والسام : الموت.
(الحبة السوداء هي : الشّونيز ، في لغة الفرس ، وهي : الكمّون الأسود ، وتسمى : الكمون الهنديّ). وحكى الهرويّ : أنها الحبة الخضراء ، ثمرة البطم ، وهو وهم والصواب : أنها الشونيز.
وهي كثيرة المنافع جدا. وقوله : «شفاء من كل داء» مثل قوله تعالى : (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها) كلّ شيء يقبل التدمير ؛ ونظائره. وهي نافعة من جميع الأمراض الباردة ، وتدخل في الأمراض الحارة اليابسة بالعرض ، فتوصّل قوى الأدوية الباردة الرطبة إليها ، بسرعة تنفيذها : إذا أخذ يسيرها.
حلبة :
يذكر عن النبي (ص) : «أنه عاد سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ بمكّة ، فقال : ادعوا له طبيبا ، فدعي الحارث بن كلدة ، فنظر إليه فقال : ليس عليه بأس ، فاتخذوا له فريقة ـ وهي : الحلبة مع تمر عجوة رطبة يطبخان فيحساهما ـ ففعل ذلك فبرأ».
وقوة الحلبة من الحرارة في الدرجة الثانية ، ومن اليبوسة في الأولى.
وإذا طبخت بالماء ليّنت الحلق والصدر والبطن ، وتسكّن السعال والخشونة والرّبو وعسر النفس ، وتزيد في الباه ، وهي جيدة للريح والبلغم والبواسير ، محدرة الكيموسات المرتكبة في الأمعاء ، وتحلل البلغم اللزج من الصدر ، وتنفع من الدّبيلات وأمراض الرئة ، وتستعمل لهذه الأدواء في الأحشاء ، مع السّمن والفانيذ.
وإذا شربت مع وزن خمسة دراهم فوّة : أدرّت الحيض ، وإذا طبخت وغسل بها الشعر : جعّدته وأذهبت الحزاز.
ودقيقها إذا خلط بالنطرون والخل ، وضمد به : حلّل ورم الطّحال ، وقد تجلس المرأة في الماء الذي طبخت فيه الحلبة ، فتنتفع به من وجع الرحم العارض من ورم فيه ، وإذا ضمد به الأورام الصلبة القليلة الحرارة : نفعتها وحللتها ، وإذا شرب ماؤها نفع من المغص العارض من الرياح ، وأزلق الأمعاء.
وإذا أكلت مطبوخة بالتمر أو العسل أو التين ، على الريق : حللت البلغم اللزج على الريق : حللت البلغم اللزج العارض في الصدر والمعدة ، ونفعت من السعال المتطاول منه.
وهي نافعة من الحصر ، مطلقة للبطن وإذا وضعت على الظّفر المتشنّج : أصلحته. ودهنها ينفع إذا خلط بالشمع من الشّقاق العارض من البرد ، ومنافعها أضعاف ما ذكرنا.
ويذكر عن القاسم بن عبد الرحمن ، أنه قال : قال رسول الله (ص) : «استشفوا بالحلبة. وقال بعض الأطباء : لو علم الناس منافعها ، لاشتروها بوزنها ذهبا».
حرف الخاء
خبز :
ثبت في الصحيح ، عن النبي (ص) ، أنه قال : «تكون الأرض يوم القيامة حبزة واحدة ، يتكفّوها الجبّار بيده نزلا لأهل الجنة».
وروى أبو داود في من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان أحبّ الطعام إلى رسول الله (ص) الثريد من الخبز ، والثريد من الحيس».
وروى أبو داود في سننه أيضا من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله (ص) : «وددت أن عندي خبزة بيضاء ، من برّة سمراء : ملبّقة بسمن ولبن. فقام رجل من القوم ، فاتخذه فجاء به. فقال : «في أيّ شيء كان هذا السمن»؟ فقال : في عكّة ضبّ. فقال : «ارفعه».
خلّ :
روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : «أن رسول الله (ص) سأل أهله الإدام ، فقالوا : ما عندنا إلا خلّ ، فدعا به ، وجعل يأكل ويقول : نعم الإدام الخلّ نعم الإدام الخلّ». وفي سنن ابن ماجه عن أم سعيد رضي الله عنها ، عن النبي (ص) : «نعم الإدام الخلّ ، اللهم : بارك في الخل ، ولم يفتقر بيت فيه الخلّ.
الخل مركب من الحرارة والبرودة ، وهي أغلب عليه. وهو يابس في الثالثة ، قويّ التجفيف ، يمنع من انصباب المواد ، ويلطّف الطبيعة.
وخلّ الخمر : ينفع المعدة الملتهبة ، ويقمع الصفراء ، ويدفع ضرر الأدوية القتّالة ؛ ويحلل اللبن والدم : إذا جمدا في الجوف ، وينفع الطحال ، ويدبغ
المعدة ، ويعقل البطن ، ويقطع العطش ، ويمنع الورم يريد أن يحدث ، ويعين على الهضم ، ويضاد البلغم ، ويلطف الأغذية الغليظة ، ويرقّ الدم.
وإذا شرب بالملح : نفع من أكل الفطر القتال ، وإذا احتسي : قطع العلق المتعلق بأصل الحنك ، وإذا تمضمض به مسخّنا : نفع من وجع الأسنان ، وقوى اللثّة.
وهو نافع للدّاحس : إذا طلي به ، والنملة ، والأورام الحارة ، وحرق النار ، وهو مشهّ للأكل ، مطيّب للمعدة ، صالح للشباب ، وفي الصيف لسكان البلاد الحارة.
حرف الدال
دهن :
ومن منافعه : أن يجلو الأسنان ويكسبها بهجة ، وينقّيها من الصدإ ومن مسح به وجهه ورأسه ؛ لم يصبه حصبة ولا شقاق ، وإذا دهن به حقوه ومذاكيره وما والاها : نفع من برد الكليتين وتقطير البول.
حرف الذال
ذريرة :
ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : «طيّبت رسول الله (ص) بيدي بذريرة ، في حجة الوداع ، لحلّه وإحرامه».
حرف الراء
رطب :
قال الله تعالى لمريم : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي) (مريم : ٢٥ ، ٢٦).
وفي الصحيحين ، عن عبد الله بن جعفر ، قال : «رأيت رسول الله (ص) يأكل القثّاء بالرّطب». وفي سنن أبي داود ، عن أنس ، قال : «كان رسول الله (ص) يفطر على رطبات قبل أن يصلّي ، فإن لم تكن رطبات : فتمرات ، فإن لم تكن تمرات : حسا حسوات من ماء».
طبع الرّطب المياه : حار رطب يقوّي المعدة الباردة ويوافقها ، ويزيد في الباه ، ويخصب البدن ، ويوافقه أصحاب الأمزجة الباردة ، ويغذو غذاء كثيرا.
وهو من أعظم الفاكهة موافقة لأهل المدينة وغيرها : من البلاد التي هو فاكهتهم فيها وأنفعها للبدن : وإن كان من لم يعتده يسرع التعفّن في جسده ، ويتولد عنه دم ليس بمحمود ، ويحدث في إكثاره منه صداع وسوداء ، ويؤذي أسنانه ، وإصلاحه بالسكنجبين ونحوه.
وفي فطر النبي (ص) من الصوم ، عليه أو على التمر أو الماء ، تدبير لطيف جدّا ، فإن الصوم يخلي المعدة من الغذاء : فلا تجد الكبد فيها ما تجذبه وترسله إلى القوى والأعضاء ، والحلو أسرع شيء وصولا إلى الكبد ، وأحبه إليها ولا سيما إن كان رطبا فيشتدّ قبولها له ، فتنتفع به هي والقوى. فإن لم يكن فالتمر :
لحلاوته وتغذيته. فإن لم يكن فحسوات الماء : تطفىء لهيب المعدة وحرارة الصوم ، فتنتبه بعده للطعام ، وتأخذه بشهوة.
رمّان :
قال تعالى : (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ).
ويذكر عن ابن عباس موقوفا ومرفوعا : «ما من رمان ، من رمانكم هذا ، إلّا وهو ملقّح بحبة من رمان الجنّة». والموقوف أشبه ، وذكر حرب وغيره ، عن علي ، أنه قال : «كلوا الرمّان بشحمه فإنه دباغ المعدة».
حلو الرمان حار رطب ، جيد للمعدة ، مقوّ لها بما فيه : من قبض لطيف ، نافع للحلق والصدر والرّئة ، جيد للسّعال ، وماؤه مليّن للبطن ، يغذو البدن غذاء
فاضلا يسيرا ، سريع التحلل لرقّته ولطافته ، ويولّد حرارة يسيرة في المعدة وريحا ، ولذلك يعين على الباه ، ولا يصلح للمحمومين ، وله خاصيّة عجيبة : إذا أكل بالخبز يمنعه من الفساد في المعدة.
وحامضه بارد يابس ، قابض لطيف ، ينفع المعدة الملتهبة ، ويدر البول أكثر من غيره : من الرمان ، ويسكّن الصّفراء ، ويقطع الإسهال ، ويمنع القيء ، ويلطّف الفضول ، ويطفىء حرارة الكبد ، ويقوّي الأعضاء ، نافع من الخفقان الصفراويّ ، والآلام العارضة للقلب وفم المعدة. ويقوّي المعدة ؛ ويدفع الفضول عنها ، ويطفىء المرّة الصفراء والدم.
وإذا استخرج ماؤه بشحمه ، وطبخ بيسير من العسل حتى يصير كالمرهم ، واكتحل به : قطع الصّفرة من العين ، ونقّاها من الرطوبات الغليظة ، وإذا لطخ على اللّثة : نفع من الأكلة العارضة لها ، وإن استخرج ماؤها بشحمها : أطلق البطن ، وأحدر الرطوبات العفنة المرّية ، ونفع من حميات الغب المتطاولة.
وأما الرومان المزّ ، فمتوسط طبعا وفعلا بين النوعين ، وهذا أميل إلى لطافة الحامض قليلا ، وحبّ الرمان مع العسل طلاء للداحس والقروح الخبيثة ، وأقماعه للجراحات ، قالوا : ومن ابتلع ثلاثة من جنبذ الرمان في كل سنة ، أمن الرّمد سنة كلّها.
ريحان :
قال تعالى : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ). وقال تعالى : (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ).
وفي صحيح مسلم ـ عن النبي (ص) ـ : من عوض عليه ريحان فلا يردّه : فإنه خفيف المحمل ، طيّب الرائحة.
وفي سنن ابن ماجه من حديث أسامة رضي الله عنه ، عن النبي (ص) أنه قال : «ألا مشمّر للجنة ؛ فإن الجنة لا خطر لها. هي ورب الكعبة : نور يتلألأ ، وريحانة تهتزّ ، وقصر مشيد ، ونهر مطّرد ، وتمرة نضيجة ، وزوجة حسناء جميلة ، وحلل كثيرة ، ومقام في أبد في دار سليمة ، وفاكهة وخضرة ، وحبرة ونعمة ، في
محلّة عالية بهيّة ، قالوا : نعم يا رسول الله ، نحن المشمّرون لها ، قال : قولوا : إن شاء الله ، فقال القوم : إن شاء الله».
الريحان : كل نبت طيب الريح ، فكلّ أهل بلد يخصونه بشيء من ذلك : فأهل الغرب يخصونه بالآس ، وهو الذي يعرفه العرب ، من الريحان. وأهل العراق والشام يخصونه بالحبق.
حرف الزاي
زبيب :
روي فيه حديثان لا يصحّان ، (أحدهما) : «نعم الطعام الزّبيب : يذهب النّصب ، ويشدّ العصب ، ويطفىء الغضب ، ويصفي اللون ، ويصيّب النّكهة» وهذا أيضا لا يصح فيه شيء عن رسول الله (ص).
وبعد : فأجود الزبيب ما كبر جسمه ، وسمن شحمه ولحمه ، ورقّ قشره ، ونزع عجمه ، وصغر حبّه ، وجرم الزبيب حار رطب في الأولى ، وحبه بارد يابس ، وهو كالعنب المتخذ منه : الحلو منه حار والحامض قابض بارد ، والأبيض أشد قبضا من غيره ، وإذا أكل لحمه : وافق قصبة الرئة ، ونفع من السعال ووجع الكلى والمثانة ، ويقوّي ، ويلين البطن.
والحلو اللحم أكثر غذاء من العنب ، وأقلّ غذاء من التين اليابس ، وله قوة منضجة هاضمة ، قابضة محلّلة باعتدال. وهو بالجملة : يقوي المعدة والكبد والطّحال ، نافع من وجع الحلق والصدر والرئة والكلى والمثانة.
وأعدله : أن يؤكل بغير حبّه ، وهو يغذّي غذاء صالحا ، ولا يسدّد كما يفعل التمر وإذا أكل منه بعجمه : كان أكثر نفعا للمعدة والكبد والطّحال وإذا لصق لحمه على الأطافير المتحركة : أسرع قلعها ، والحلو منه وما لا عجلم له نافع لأصحاب الرطوبات والبلغم ، وهو يخصب الكبد وينفعها بخاصيّته.
وفيه نفع للحفظ ، قال الزّهريّ : «من أحبّ أن يحفظ الحديث ، فليأكل الزبيب». وكان المنصور يذكر عن جده عبد الله بن عباس : عجمه داء ، ولحمه دواء».
زنجبيل :
قال تعالى : (وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً).
وذكر أبو نعيم في كتاب الطب النبويّ من حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال : «أهدى ملك الرّوم إلى رسول الله (ص) جرّة زنجبيل ، فأطعم كلّ إنسان قطعة ، وأطعمني قطعة».
الزنجبيل حار في الثانية ، رطب في الأولى ، مسخّن ، معين على هضم الطعام ، ملين للبطن تليينا معتدلا ؛ نافع من سدد الكبد العارضة عن البرد والرطوبة ، ومن ظلمة البصر الحادثة عن الرطوبة : أكلا واكتحالا ، معين على الجماع ، وهو محلّل للرياح الغليظة الحادثة في الأمعاء والمعدة.
وبالجملة : فهو صالح للكبد والمعدة الباردتي المزاج ، وإذا أخذ منه مع السكر وزن درهمين بالماء الحار ، أسهل فضولا لزجة لعابية ، ويقع في المعجونات التي تحلّل البلغم وتذيبه.
والمزّيّ منه حار يابس ، يهيج الجماع ، ويزيد المنيّ ، ويسخّن المعدة والكبد ، ويعين على الاستمراء ، وينشّف البلغم الغالب على البدن ، ويزيد في الحفظ ، ويوافق برد الكبد والمعدة : يزيد بلّتها الحادثة عن أكل الفاكهة ، ويطيّب النّكّهة ، ويدفع به ضرر الأطعمة الغليظة الباردة.
زيت :
قال تعالى : (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ).
وفي الترمذيّ وابن ماجه ـ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي (ص) أنه قال : «كلوا الزّيت وادّهنوا به ، فإنه من شجرة مباركة ، وللبيهقيّ
وابن ماجه أيضا ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله (ص) : «ائتدموا بالزيت وادّهنوا به ، فإنه من شجرة مباركة».
الزيت حار رطب في الأولى ، وغلط من قال : يابس ، والزيت بحسب زيتونه ، فالمعتصر من التّصّيج أعدله وأجوده ؛ ومن الفجّ فيه برودة ويبوسة ، ومن الزيتون الأحمر متوسط بني الزيتين ، ومن الأسود يسخّن ويرطّب باعتدال ، وينفع من السّموم ، ويطلق البطن ، ويخرج الدود ، والعتيق منه أشد تسخينا وتحليلا ، وما استخرج منه بالماء فهو أقل حرارة وألطف ، وأبلغ في النفع ، وجميع أصنافه ملينة للبشرة ، وتبطىء الشيب.
وماء الزيتون المالح يمنع من تنفّط حرق النار ، ويشد اللّثة ، وورقه ينفع من الحمرة والنملة والقروح الوسخة والشّرى ، ويمنع العرق ، ومنافعه أضعاف ما ذكرناه.
حرف السين
سفرجل :
السفرجل بارد يابس ، ويختلف في ذلك باختلاف طعمه. وكلّه بارد قابض ، جيد للمعدة. والحلو منه أقلّ بردا ويبسا ، وأميل إلى الاعتدال ، والحامض أشد قبضا ويبسا وبردا ، وكله يسكن العطش والقيء ، ويدر البول ، ويعقل الطبع ، وينفع من قرحة الأمعاء ، ونفث الدم ، والهبضة ، وينفع من الغثيان ، ويمنع من تصاعد الأبخرة : إذا استعمل بعد الطعام ، وحراقة أغصانه وورقه المغسولة ، كالتوتياء في فعله.
وهو قبل الطعام يقبض ، وبعد يليّن الطبع ، ويسرع بانحدار الثقل ، والإكثار منه مضر بالعصب ، مولّد للقولنج ، ويطفىء المرّة الصفراء المتولدة في المعدة.
وإن شوي : كان أقلّ لخشونته وأخفّ ، وإذا قوّر وسطه ، ونزع حبّه ، وجعل فيه العسل ، وطيّن جرمه بالعجين ، وأودع الرماد الحارّ نفع نفعا حسنا.
وأجود ما أكل مشويّا أو مطبوخا بالعسل ، وحبّه ينفع من خشونة الحلق ،
وقصبة الرئة ، وكثير من الأمراض. ودهنه يمنع العرق ويقوي المعدة ، والمربّى منه تقوّي المعدة والكبد ، وتشد القلب ، وتطيّب النفس.
ومعنى «تجمّ الفؤاد» : تريحه. وقيل : تفتّحه وتوسّعه ، من «جمام الماء» وهو : اتساعه وكثرته. و «الطخاء» للقلب مثل الغيم على السماء ، قال أبو عبيد : «الطّخاء : ثقل وغشاء : تقول : ما في السماء طخاء ، أي : سحاب وظلمة».
سلق :
السلق حار يابس في الأولى ، وقيل : رطب فيها ، وقيل : مركب منهما ، وفيه برودة ملطّفة ، وتحليل وتفتيح ، وفي الأسود منه قبض ، ونفع من داء الثعلب ، والكلف ، الحزار والثآليل ، إذا طلي بمائه ، ويقتل القمل ، ويطلى به القوباء مع العسل ، ويفتّح سدد الكبد والطّحال.
وأسوده يعقل البطن ولا سيّما مع العدس ، وهما رديئان ، والأبيض يليّن مع العدس ويحقن بمائه للإسهال ، وينفع من القولنج مع المريّ والتّوابل ، وهو قليل الغذاء ، رديء الكيموس ، يحرق الدم ، ويصلحه الخل والخردل ، والإكثار منه يولّد القبض والنفخ.
سمك :
السمك البحري فاضل محمود لطيف ، والطري منه بارد رطب ، عسر الانهضام ، يولّد بلغما كثيرا ، إلا البحري وما جرى مجراه : فإنه يولد خلطا محمودا ، وهو يخصب البدن ، ويزيد في المنيّ ويصلح الأمزاج الحارة.
وأما المالح فأجوده : ما كان قرب العهد بالتملّح ، وهو حار يابس ، وكلما تقادم عهده : ازداد حره ويبسه ، والسلور منه كثير اللزوجة ، ويسمى : الجرّيّ ، واليهود لا تأكله. وإذا أكل طريا : كان مليّنا للبطن ، وإذا ملّح وعتق وأكل : صفى قصبة الرئة ، وجود الصوت ، وإذا دق ووضع من خارج : أخرج السّلى والفضول من عمق البدن ، من طريق أن له قوة جاذبة.
وماء ملح الجري المالح إذا جلس فيه من كانت به قرحة الأمعاء ، في ابتداء العلة وافقه بجذبه الموادّ إلى ظاهر البدن ، وإذا احتقن به ، أبرأ من عرق النسا.
وأجود ما في السمك : ما قرب من مؤخرها ، والطريّ السمين منه يخصب البدن لحمه وودكه.
في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : بعثنا النبي (ص) في ثلثمائة راكب ، وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه ، فأتينا الساحل ، فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط ، فألقى لنا البحر حوتا يقال لها :
عنبر. فأكلنا منه نصف شهر وائتدمنا بودكه ، حتى ثابت أجسامنا ، فأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه ، وحمل رجلا على بعيره ، ونصبه فمرّ تحته.
سمن :
روى محمد بن جرير الطبري بإسناده من حديث صهيب ، يرفعه : «عليكم بألبان البقر : فإنها شفاء ، وسمنها دواء ، ولحومها داء. رواه عن أحمد بن الحسن الترمذي ، حدثنا محمد ابن موسى النسائي ، حدثنا دفّاع بن دغفل السدوسي ، عن عبد الحميد بن صيفي بن صهيب ، عن أبيه ، عن جده ، ولا يثبت ما في هذا الإسناد».
والسمن حار رطب في الأولى ، وفيه جلاء يسير ، ولطافة ، وتفشية للأورام الحادثة من الأبدان الناعمة ، وهو أقوى من الزّبد في الإنضاج والتّليين. وذكر جالينوس : أنه أبرأ الأورام الحادثة في الأذن ، وفي الأرنبة. وإذا دلك به موضع الأسنان : نبت سريعا.
وإذا خلط مع عسل ولوز مرّ : جلا ما في الصدور والرئة ، والكيموسات الغليظة اللزجة ، إلا أنه ضار بالمعدة : سيّما إذا كان مزاج صاحبها بلغميا.
وأما سمن البقر والمعز ، فإنه إذا شرب مع العسل : نفع من شرب السم القاتل ، ومن لدغ الحيات والعقارب ، وفي كتاب ابن السّني ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : لم يستشف الناس بشيء أفضل من السمن.
حرف الشين
شعير :
روى ابن ماجه ـ من حديث عائشة قالت : كان رسول الله (ص) إذا أخذ أحدا من أهله الوعك أمر بالحساء من الشّعير فصنع ؛ ثم أمرهم فحسوا منه ، ثم يقول : إنه ليرتو فؤاد الحزين ، ويسرو عن فؤاد السّقيم : كما تسرو إحداكن الوسخ بالماء عن وجهها». ومعنى يرتوه : يشدّه ويقوّيه. ويسرو : يكشف ويزيل.
وقد تقدم أن هذا هو : ماء الشعير المغليّ ، وهو أكثر غذاء من سويقه ، وهو نافع للسعال وخشونة الحلق ، صالح لقمع حدّة الفضول ، مدرّ للبول ، جلاء لما في المعدة ، قاطع للعطش ، مطفىء للحرارة. وفيه قوة يجلو بها ويلطف ويحلل.
وصفته : أن يؤخذ من الشعير الجيد المرضوض مقدار ، ومن الماء الصافي العذب خمسة أمثاله ، ويلقى في قدر نظيف ، ويطبخ بنار معتدلة إلى أن يبقى منه خمساه ، ويصفى ويستعمل منه مقدار الحاجة محلا.
حرف الصاد
صبر :
الصبر نصف الإيمان : فإنه ماهيّة مركبة من صبر وشكر. كما قال بعض السلف : الإيمان نصفان : نصف صبر ، ونصف شكر ، قال تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ).
والصبر من الإيمان ، بمنزلة الرأس من الجسد ، وهو ثلاثة أنواع : صبر على فرائض الله ، فلا يضيّعها ، وصبر عن محارمه ، فلا يرتكبها ، وصبر على أقضيته وأقداره ، فلا يتسخّطها ، ومن استكمل هذه المراتب الثلاث : استكمل الصبر ولذة الدنيا والآخرة ونعيمهما ، والفوز والظفر فيهما فلا يصل إليه أحد إلا على جسر الصبر ، كما لا يصل أحد إلى الجنة إلا على الصراط ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : خير عيش أدركناه بالصبر.
حرف العين
عجوة :
في الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه ، عن النبي (ص) أنه قال : «من تصبّح بسبع تمرات عجوة ، لم يضرّه ذلك اليوم سمّ ولا سحر».
وفي سنن النّسائيّ وابن ماجه ـ من حديث جابر وأبي سعيد رضي الله عنهما ، عن النبي (ص) ـ : «العجوة من الجنة ، وهي شفاء من السم ، والكمأة من المنّ ، وماؤها شفاء للعين».
وقد قيل : إن هذا في عجوة المدينة وهي أحد أصناف التمر بها ، ومن أنفع تمر الحجاز على الإطلاق ، وهو صنف كريم ملزّز ، متين الجسم والقوة ، من ألين التمر وأطيبه وألذّه.
وقد تقدم ذكر التمر وطبعه ومنافعه في حرف التاء ، والكلام على دفع العجوة للسم والسحر فلا حاجة لإعادته.
عدس :
قد ورد فيه أحاديث كلها باطلة على رسول الله (ص) ، لم يقل منها شيئا ، كحديث : «إنه قدّس فيه سبعون نبيا ، وحديث : «إنه يرق القلب ويغرز الدّمعة ، وإنه مأكول الصالحين».
وهو قرين الثوم والبصل في الذكر ، وطبعه طبع المؤنث : بارد يابس ، وفيه قوتان متضادّتان ؛ (إحداهما) : يعقل الطبيعة (والأخرى) : يطلقها. وقشره حار يابس في الثالثة ، حرّيف مطلق للبطن ، وترياقه في قشره ، ولهذا كان صحاحه أنفع من مطحونه ، وأخف على المعدة ، وأقل ضررا ، فإن لبّه بطيء الهضم لبرودته ويبوسته.
وهو مولّد للسوداء ، ويضر بالماليخوليا ضررا بيّنا ، ويضر بالأعصاب والبصر.
وهو غليظ الدم ، وينبغي أن يتجنبه أصحاب السوداء ، وإكثارهم منه يولد لهم أدواء رديئة : كالوسواس ، والجذام ، وحمّى الرّبع ، ويقلل ضرره السلق والأسفاناخ ، وإكثار الدّهن ، وأردأ ما أكل بالمكسود ، وليتجنب خلط الحلاوة به فإنه يورث سددا كبديّة ، وإدمانه يظلم البصر لشدة تجفيفه ، ويعسّر البول ، ويوجب الأورام الباردة ، والرياح الغليظة ، وأجوده : الأبيض السمين السريع النّضاج.
وأما ما يظنه الجهال : أنه كان سماط الخليل الذي يقدمه لأضيافه ، فكذب مفترى ، وإنما حكى الله عنه الضيافة بالشّويّ ، وهو : العجل الحنيذ.
عسل :
قد تقدم ذكر منافعه.
قال ابن جريج : قال الزّهريّ : «عليك بالعسل ، فإنه جيد للحفظ».
وأجوده أصفاه وأبيضه ، وألينه حدّة ، وأصدقه حلاوة. وما يؤخذ من الجبال والشجر ، له فضل على ما يؤخذ من الخلايا. وهو بحسب مرعى نحله.
عنب :
في الغيلانيّات من حديث حبيب بن يسار ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : «رأيت رسول الله (ص) يأكل العنب خرطا».
قال أبو جعفر العقيليّ : «لا أصل لهذا الحديث». قلت : وفيه داود بن عبد الجبار أبو سليم الكوفيّ ، قال يحيى بن معين كان يكذب.
ويذكر عن رسول الله (ص) : «أنه كان يحبّ العنب والبطيخ».
وقد ذكر الله سبحانه العنب في ستة مواضع من كتاب في جملة نعمه التي أنعم بها على عباده ، في هذه الدار ، وفي الجنة ، وهو من أفضل الفواكه وأكثرها منافع ، وهو يؤكل رطبا ويابسا ، وأخضر ويانعا ، وهو فاكهة مع الفواكه ، وقوت مع الأقوات ، وأدم مع الإدام ، ودواء مع الأدوية ، وشراب مع الأشربة ، وطبعه طبع الحبّات : الحرارة والرطوبة ، وجيده : الكبّار ثلاثة ، أحمد من المقطوف في
يومه فإنه منفخ مطلق للبطن ، والمعلّق حتى يضمر قشره ، جيد للغذاء ، مقوّ للبدن. وغذاؤه كغذاء التّين والزّبيب ، وإذا ألقي عجم العنب كان أكثر تليينا للطبيعة ، والإكثار منه مصدع للرأس ودفع مضرته : بالرمان المزّ ، ومنفعة العنب يسهّل الطبع ، ويسمن ويغذو جيده غذاء حسنا.
وهو أحد الفواكه الثلاث التي هي ملوك الفواكه هو والرّطب والتين.
عنبر :
وأما العنبر الذي هو أحد أنواع الطّيب ، فهو من أفخر أنواعه بعد المسك ، وأخطأ من قدّمه على المسك وجعله سيد أنواع الطّيب ، وقد ثبت عن النبي (ص) ، أنه قال في المسك : «هو أطيب الطّيب. حتى إنه طيب الجنة ، والكثبان التي هي مقاعد الصدّيقين هناك من مسك لا من عنبر.
والذي غرّ هذا القائل : أنه لا يدخله التغيّر على طول الزمان ، فهو كالذهب ، وهذا لا يدل على أنه أفضل من المسك فإنه بهذه الخاصيّة الواحدة ، لا يقاوم ما في المسك من الخواصّ.
وبعد : فضروبه كثيرة ، وألوانه مختلفة ، فمنه : الأبيض والأشهب ، والأحمر والأصفر ، والأخضر والأزرق ، والأسود وذو الألوان ، وأجوده : الأشهب ، ثم الأزرق ، ثم الأصفر ، وأردؤه الأسود.
وقد اختلف الناس في عنصره ، فقالت طائفة : هو نبات ينبت في قعر البحر ، فيبتلعه بعض دوابّه ، فإذا ثملت منه : قذفته رجيعا ، فيقذفه البحر إلى ساحله.
وقيل : طلّ ينزل من السماء في جزائر البحر ، فتلقيه الأمواج إلى الساحل ، وقيل : روث دابة بحرية ، تشبه البقرة ، وقيل : بل هو جفاء من جفاء البحر ، أي : زبد.
وقال صاحب القانون : «هو فيما يظن ينبع من عين في البحر. والذي يقال : أنه زبد البحر ، أو روث دابة بعيد» انتهى.