ومزاجه حار يابس : مقوّ للقلب والدماغ والحواس وأعضاء البدن ، نافع من الفالج واللّقوة ، والأمراض البلغمية ، وأوجاع المعدة الباردة ، والرياح الغليظة ، ومن السدد : إذا شرب أو طلي به من خارج ، وإذا تبخر به ، نفع من الزّكام والصّداع ، والشّقيقة الباردة.
عود :
العود الهندي نوعان : أحدهما يستعمل في الأدوية ، وهو : الكست. ويقال له : القسط. الثاني : يستعمل في الطيب ويقال له الألوّة.
وقد روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه كان يستجمر بالألوّة غير مطرّاة وبكافور يطرح معه ، ويقول : هكذا كان يستجمر رسول الله (ص) وثبت عنه في صفة نعيم أهل الجنة : «مجامرهم الألوّة».
و (المجامر) جمع (مجمر) : ما يتجمر به من عود وغيره. وهو أنواع : أجودها الهندي ، ثم الصيني ، ثم القماري ، ثم المندلي ، وأجوده : الأسود والأزرق الصّلب الرزين الدسم ، وأقله جودة : ما خف وطفا على الماء ، ويقال : إنه شجر يقطع ويدفن في الأرض سنة ، فتأكل الأرض منه ما لا ينفع ، ويبقى عود الطيب لا تعمل فيه الأرض شيئا ، ويتعفن منه قشرة وما لا طيب فيه.
وهو حار يابس في الثالثة ، يفتح السدد ويكسر الرياح ، ويذهب بفضل الرطوبة ويقوّي الأحشاء والقلب ويفرّحه ، وينفع الدماغ ، ويقوي الحواس ، ويحبس البطن ، وينفع من سلس البول الحادث عن برد المثانة.
قال ابن سمجون ، العود أضراره كثيرة ، يجمعها اسم الألوة ، ويستعمل من داخل وخارج ، ويتجمّر به مفردا ومع غيره ، وفي خلط الكافور به عند التّجمير معنى طبي ، وهو : إصلاح كل منهما بالآخر. وفي التجمير مراعاة جوهر الهواء وإصلاحه ، فإنه أحد الأشياء الستة الضرورية ، التي في صلاحها إصلاح الأبدان.
حرف القاف
قصب السّكر :
جاء في بعض ألفاظ السنة الصحيحة. في الحوض : «ماؤه أحلى من السكّر». ولا يعرف «السكر» في الحديث ، إلا في هذا الموضع».
والسكر حادث لم يتكلم فيه متقدّمو الأطباء ولا كانوا يعرفونه ولا يصفونه في الأشربة وإنما يعرفون العسل ويدخلونه في الأدوية.
وقصب السكر حار رطب : ينفع من السعال ويجلو الرطوبة والمثانة ، وقصبة الرئة. وهو أشد تليينا من السكر. وفيه معونة على القيء ، ويدر البول ، ويزيد في الباه. قال عفار بن مسلم الصفّار : من مص قصب السكر بعد طعامه ، لم يزل يومه أجمع في سرور انتهى. وهو ينفع من خشونة الصدر والحلق : إذا شوي. ويولّد رياحا دفعها : بأن يقشّر ويغسل بماء حار.
والسكر حار رطب على الأصح. وقيل : بارد ، وأجوده : الأبيض الشفاف الطّبرزد. وعتيقه ألطف من جديده. وإذا طبخ ونزعت رغوته : سكن العطش والسعال. وهو يضر المعدة التي تتولد فيها الصفراء : لاستحالته إليها. ودفع ضرره : بماء الليمون ، أو النازنج ، أو الرمان اللفاء.
وبعض الناس يفضله على العسل : لقلة حرارته ولينه. وهذا تحامل منه على العسل : فإن منافع العسل أضعاف منافع السكر ، وقد جعله الله شفاء ودواء وإداما وحلاوة ، وأين نفع السكر في منافع العسل. من تقوية المعدة ، وتليين الطبع ، وإحداد البصر ، وجلاء ظلمته ، ودفع الخوانيق بالغرغرة به ، وإبرائه من الفالج واللّقوة ، ومن جميع العلل الباردة : التي تحدث في جميع البدن من الرطوبات ، فيجذبها من قعر البدن ومن جميع البدن. وحفظ صحته وتسخينه ، والزيادة في الباه ، والتحليل والجلاء وفتح أفواه العروق ، وتنقية المعي ، وإحداد الدود ، ومنع التخم وغيره من العفن ؛ والأدم النافع ، وموافقة من غلب عليه
البلغم ، والمشايخ ، وأهل الأمزجة الباردة؟! وبالجملة : فلا شيء أنفع منه للبدن وفي العلاج ، وعجن الأدوية وحفظ قواها ، وتقوية المعدة ، إلى أضعاف هذه المنافع ، فأين للسكّر مثل هذه المنافع والخصائص ، أو قريب منها؟!
كرّاث :
فيه حديث لا يصح عن رسول الله (ص) ـ بل هو باطل موضوع ـ : «من أكل الكرّاث ثم نام عليه : نام آمنا من ريح البواسير : واعتزله الملك ـ لنتن نكهته ـ حتى يصبح».
وهو نوعان : نبطيّ وشاميّ. فالنبطيّ هو : البقل الذي يوضع على المائدة. والشاميّ : الذي له رؤوس. وهو حار يابس مصدّع. وإذا طبخ وأكل أو شرب ماؤه : نفع من البواسير الباردة. وإن سحق بزره ، وعجن بقطران ، وبخرت به الأضراس التي فيها الدود ـ : نثرها وأخرجها ، ويسكن الوجع العارض فيها. وإذا دخنت المقعدة ببزره : جففت البواسير. هذا كله في الكراث النبطيّ.
وفيه ـ مع ذلك ـ فساد الأسنان واللّثة ، ويصدع ويرى أحلاما رديئة ، ويظلم البصر ، وينتن النّكهة. وفيه : إدرار للبول والطّمث ، وتحريك للباه. وهو بطيء الهضم.
كرفس :
روي في حديث لا يصح عن رسول الله (ص) ، أنه قال : «من أكله ثم نام عليه ، نام : ونكهته طيبة ، وينام آمنا من وجع الأضراس والأسنان».
وهذا باطل على رسول الله (ص) ولكن البستانيّ منه يطيّب النكهة جدّا. وإذا علق أصله في الرقبة : نفع من وجع الأسنان.
وهو حار يابس وقيل : رطب. مفتّح لسدد الكبد والطّحال. وورقه رطبا ينفع المعدة والكبد البارد ، ويدر البول والطّمث ، ويفتّت الحصاة. وحبّه أقوى في ذلك ، ويهيّج الباه وينفع من البخر. قال الرازيّ : وينبغي أن يجتنب أكله : إذا خيف من لدغ العقارب.
كرم :
شجرة العنب ، وهي الحبلة. ويكره تسميتها كرما ، لما روى مسلم في صحيحه ، عن النبي (ص) ، أنه قال : «لا يقولنّ أحدكم للعنب الكرم ؛ الكرم : الرجل المسلم ، وفي رواية : «إنما الكرم : قلب المؤمن وفي أخرى : «لا تقولوا الكرم ، وقولوا : العنب والحبلة.
وفي هذا معنيان : (أحدهما) : أن العرب كانت تسمي شجرة العنب الكرم : لكثرة منافعها وخيرها. فكره النبي (ص) تسميتها باسم يهيّج النفوس على محبتها ومحبة ما يخذ منها : من المسكر ، وهو أمّ الخبائث ، فكره أن يسمّى أصله بأحسن الأسماء وأجمعها للخير.
(والثاني) : أنه من باب قوله : «ليس الشديد بالصّرعة ، وليس المسكين بالطوّاف ، أي : أنكم تسمون شجرة العنب كرما لكثرة منافعه ، وقلب المؤمن أو الرجل المسلم أولى بهذا الاسم منه : فإن المؤمن خير كلّه ونفع فهو من باب التنبيه والتعريف لما في قلب المؤمن : من الخير والجود ، والإيمان والنور ، والهدى والتقوى ، والصفات التي يستحق بها هذا الاسم أكثر من استحقاق الحبلة له.
وبعد : فقوة الحبلة باردة يابسة ، وورقها وعلائقها وعروشها مبردة في آخر الدرجة الأولى. وإذا دقت وضمد بها من الصداع : سكنته ، ومن الأورام الحارة ، والتهاب المعدة.
وعصارة قضبانه إذا شربت : سكنت القيء ، وعقلت البطن ، وكذلك : إذا مضغت قلوبها الرطبة ، وعصارة ورقها تنفع من قروح الأمعاء ، ونفث الدم وقيئه ، ووجع المعدة ودمعة شجره ـ الذي يحمل على القضبان ـ كالصمغ : إذا شربت أخرجت الحصاة ، وإذا لطخ بها : أبرأت القوب والجرب المتقرح وغيره. وينبغي غسل العضو ـ قبل استعمالها ـ بالماء والنّظرون. وإذا تمسّح بها مع الزيت : حلقت الشعر.
ورماد قضبانه إذا تضمد به مع الخل ودهن الورد والسّذاب : نفع من الورم
العارض في الطّحال. وقوة دهن زهرة الكرم قابضة : شبيهة بقوة دهن الورد. ومنافعها كثيرة قريبة من منافع النخلة.
كمأة :
ثبت عن النبي (ص) ، أنه قال : «الكمأة من المنّ ، وماؤها شفاء للعين». أخرجاه في الصحيحين.
قال ابن الأعرابي : الكمأة جمع واحدة : «كمء». وهذا خلاف قياس العربية : فإن ما بينه وبين واحد التاء ؛ فالواحد منه بالتاء. وإذا حذفت كان للجمع. وهل هو جمع أو اسم جمع؟ على قولين مشهورين. قالوا : ولم يخرج عن هذا إلا حرفان : كمأة وكمء ، وخبأة وخبء. وقال غير ابن الأعرابي ؛ بل هي على القياس : الكمأة للواحد ، والكمء للكثير. وقال غيرهما : «الكمأة تكون واحدا وجمعا.
حرف اللام
اللحوم :
قال الله تعالى : (وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ). وقال : (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ). وفي سنن ابن ماجة ـ من حديث أبي الدرداء ، عن رسول الله (ص) ـ : «سيد طعام أهل الدنيا وأهل الجنة : اللحم.
من حديث بريدة يرفعه : «خير الإدام في الدنيا والآخرة : اللحم.
و (الثريد) : الخبز واللحم. قال الشاعر :
إذا الخبز تأدمه بلحم : |
|
فذاك ـ أمانة الله ـ الثّريد |
وقال الزهريّ : أكل اللحم يزيد سبعين قوّة. وقال محمد بن واسع : اللحم يزيد في البصر. ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : كلوا اللحم : فإنه يصفّي اللون ، ويخمص البطن ، ويحسّن الخلق». وقال نافع : كان ابن عمر : إذا كان رمضان لم يفته اللحم ، وإذا سافر لم يفته اللحم.
وأما حديث عائشة رضي الله عنها ـ الذي رواه أبو داود مرفوعا ـ : «لا تقطعوا اللحم بالسّكين : فإنه من صنع الأعاجم ، وانهشوه نهشا ؛ فإنه أهنأ وأمرأ» ؛ فرده الإمام أحمد وصح عنه (ص) ـ : من قطعه بالسكين ـ في حديثين. وقد تقدّما.
واللحم أجناس يختلف باختلاف أصوله وطبائعه. فنذكر حكم كل جنس وطبعه ، ومنفعته ومضرته.
(لحم الضأن) : حار في الثانية ، رطب في الأولى. جيده الحوليّ : يولّد الدم المحمود المقوّي لمن جاد هضمه. يصلح لأصحاب الأمزجة الباردة والمعتدلة ، ولأهل الرياضات التامة ، في المواضع والفصول الباردة. نافع لأصحاب المرّة السوداء. يقوّي الذهن والحفظ. ولحم الهرم والعجيف رديء ، وكذلك لحم النعاج.
وأجوده : لحم الذكر الأسود منه. فإنه أخف وألذ وأنفع. والخصيّ أنفع وأجود. والأحمر من الحيوان السمين أخف وأجود غذاء والجذع من المعز أقل تغذية ، ويطفو في المعدة.
وأفضل اللحم : عائذه بالعظم. والأيمن أخف وأجود من الأيسر ، والمقدّم أفضل من المؤخر. وكان أحبّ الشاة إلى رسول الله (ص) مقدمها. وكلّ ما علا منه ـ سوى الرأس ـ وكان أخفّ وأجود مما سفل. وأعطى الفرزدق رجلا يشتري له لحما ، وقال له : خذ المقدّم ، وإياك والرأس والبطن : فإن الداء فيهما.
ولحم العنق جيد لذيذ ، سريع الهضم خفيف. ولحم الذراع أخف اللحم وألذّه وألطفه وأبعده من الأذى ، وأسرعه انهضاما. وفي الصحيحين : أنه كان يعجب رسول الله (ص).
ولحم الظهر كثير الغذاء ، يولّد دما محمودا. وفي سنن ابن ماجة مرفوعا : «أطيب اللحم : لحم الظهر».
(لحم المعز) : قليل الحرارة يابس. وخلطه المتولد منه ليس بفاضل ، وليس بجيد الهضم ، ولا محمود الغذاء ، ولحم التيس : رديء مطلقا ، شديد اليبس ، عسر الانهضام ، مولّد للخلط السوداويّ.
قال الجاحظ : قال لي فاضل من الأطباء : يا أبا عثمان ؛ إياك ولحم المعز : فإنه يورث الغم ، ويحرّك السوداء ، ويورث النسيان ، ويفسد الدم. وهو ـ والله ـ يخبّل الأولاد.
وقال بعض الأطباء : إنما المذموم منه : المسنّ ولا سيما للمسنّين. ولا رداءة فيه لمن اعتاده. وجالينوس جعل الحوليّ منه ، من الأغذية المعتدلة المعدّلة للكيموس المحمود. وإناثه أنفع من ذكوره. وقد روى النسائي في سننه ـ عن النبي (ص) ـ : «أحسنوا إلى الماعز ، وأميطوا عنها الأذى. فإنها من دوابّ الجنة. وفي ثبوت هذا الحديث نظر.
وحكم الأطباء عليه بالمضرة : حكم جزئيّ ، ليس بكليّ عام وهو بحسب المعدة الضعيفة ، والأمزجة الضعيفة التي لم تعتده واعتادت المأكولات اللطيفة. وهؤلاء : أهل الرفاهية من أهل المدن. وهم القليلون من الناس.
(لحم الجدي) : قريب إلى الاعتدال ، خاصة ما دام رضيعا ولم يكن قريب العهد بالولادة ، وهو أسرع هضما ، لما فيه ؛ من قوة اللبن ، ملين للطبع ، موافق لأكثر الناس في أكثر الأحوال. وهو ألطف من لحم الجمل. والدم المتولد عنه معتدل.
(لحم البقر) : بارد يابس ، عسر الانهضام ، بطيء الانحدار ؛ يولّد دما سوداويّا ، لا يصلح إلّا لأهل الكد والتعب الشديد. ويورث إدمانه الأمراض السوداويّة ؛ كالبهق والجرب ، والقوب والجذام ، وداء الفيل والسّرطان ، والوسواس ، وحمّى الرّبع ، وكثير من الأورام. وهذا لمن لم يعتده ، أو لم يدفع ضرره بالفلفل والثّوم والدار صيني والزنجبيل ونحوه. وذكره أقل برودة ، وأنثاه أقل يبسا.
ولحم العجل ـ ولا سيما السمين ـ : من أعدل الأغذية وأطيبها ، وألذّها وأحمدها. وهو حار رطب. وإذا انهضم : غذي غذاء قويا.
(لحم الفرس) : ثبت في الصحيح ، عن أسماء رضي الله عنها ، قالت : «نحرنا فرسا فأكلناه على عهد رسول الله (ص)». وثبت عنه (ص) : «أنه أذن في لحوم الخيل ، ونهى عن لحوم الحمر». أخرجاه في الصحيحين.
ولا يثبت عنه حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه : «أنه نهى عنه». قاله أبو داود وغيره من أهل الحديث. واقترانه بالبغال والحمير في القرآن : لا يدل على أن حكم لحمه حكم لحومها بوجه من الوجوه ؛ كما لا يدل على أن حكمها في السهم في الغنيمة حكم الفرس. والله سبحانه يقرن في الذكر بين المتماثلات تارة ، وبين المختلفات ، وبين المتضادّات. وليس في قوله (لِتَرْكَبُوها) ؛ ما يمنع من أكلها. كما ليس فيه ما يمنع من غير الركوب : من وجوه الانتفاع. وإنما نصّ على أجلّ منافعها ، وهو : الركوب. والحديثان في حلّها صحيحان ، لا معارض لهما.
وبعد : فلحمها حار يابس ، غليظ سوداويّ ، مضر لا يصلح للأبدان اللطيفة.
(لحم الجمل) : إنه أحد الفروق بين اليهود وأهل الإسلام. وقد علم ـ بالاضطرار من دين الإسلام ـ جلّه. وطالما أكله رسول الله (ص) وأصحابه : حضرا وسفرا.
ولحم الفصيل منه : من ألذّ اللحوم وأطيبها ، وأقواها غذاء. وهو لمن اعتاده ، بمنزلة لحم الضأن : لا يضرهم البتة ، ولا يولّد لهم داء. وإنما ذمه بعض الأطباء بالنسبة إلى أهل الرفاهية : من أهل الحضر الذين لم يعتادوه. فإنه فيه حرارة ويبسا. وتوليدا للسوداء. وهو عسر الانهضام.
وفيه قوة غير محمودة ؛ لأجلها أمر النبي (ص) ، بالوضوء من أكله ، في حديثين صحيحين : لا معارض لهما. ولا يصح تأويلهما بغسل اليد : لأنه خلاف المعهود من الوضوء في كلامه (ص) ؛ لتفريقه بينه وبين لحم الغنم : فخيّر بين الوضوء وتركه منها ، وحتّم الوضوء من لحوم الإبل. ولو حمل الوضوء على غسل اليد فقط ، لحمل على ذلك قوله : «من مسّ فرجه فليتوضأ.
(وأيضا) : فإن آكلها قد لا يباشر أكلها بيده : بأن يوضع في فمه. فإن كان وضوءه غسل يده ، فهو : عبث ، وحمل لكلام الشارع على غير معهوده وعرفه!!.
وقد يصح معارضته بحديث : «كان آخر الأمرين من رسول الله (ص) ، ترك الوضوء مما مست النار» ؛ لعدة أوجه :
(أحدها) : أن هذا عامّ ، والآمر بالوضوء منها خاصّ.
(الثاني) : أن الجهة مختلفة ؛ فالأمر بالوضوء منها : بجهة كونها لحم إبل ، سواء كان نيئا ، أو مطبوخا ، أو قديدا. ولا تأثير للنار في الوضوء. وأمّا ترك الوضوء مما مست النار ، ففيه بيان أن مس النار ليس بسبب للوضوء ، فأين أحدهما من الآخر؟ هذا فيه إثبات سبب الوضوء ، وهو : كونه لحم إبل. وهذا فيه نفي لسبب الوضوء ، وهو كونه ممسوس النار. فلا تعارض بينهما بوجه.
(الثالث) : أن هذا ليس فيه حكاية لفظ عام عن صاحب الشرع : وإنما هو إخبار عن واقعة فعل في أمرين : أحدهما متقدم على الآخر ؛ كما جاء ذلك مبيّنا في نفس الحديث : أنهم قرّبوا إلى النبي (ص) لحما ، فأكل. ثم حضرت الصلاة ، فتوضأ وصلى. ثم قرّبوه إليه فأكل ، ثم صلى ولم يتوضأ ، فكان آخر الأمرين منه ترك الوضوء مما مست النار. هكذا جاء الحديث ، فاختصره الراوي : لمكان الاستدلال. فأين في هذا ما يصلح لنسخ الأمر بالوضوء منه؟ حتى لو كان لفظا عامّا متأخرا مقاوما : لم يصلح للنسخ ، ووجب تقديم الخاص عليه. وهذا فيغاية الظهور!!.
(لحم الضّب) : لحمه حار يابس ، يقوي شهوة الجماع.
(لحم الغزال) : الغزال أصلح للصيد ، وأحمده لحما. وهو حار يابس. وقيل : معتدل جدّا. نافع للأبدان المعتدلة الصحيحة. وجيّده : الخشف.
(لحم الظّبي) : حار يابس في الأولى ، مجفّف للبدن ، صالح للأبدان الرطبة.
قال صاحب القانون : وأفضل لحوم الوحش : لحم الظبي ، مع ميله إلى السوداويّة.
(لحم الأرنب) : ثبت في الصحيحين ، عن أنس بن مالك ، قال : أنفجنا أرنبا ، فسعوا في طلبها ، فأخذوها. فبعث أبو طلحة بوركها إلى رسول الله (ص) ، فقبله.
لحم الأرنب : معتدل إلى الحرارة واليبوسة ، وأطيبها : وركها. وأحمد لحمها : ما أكل مشويّا. وهو يعقل البطن ، ويدر البول ، ويفتّت الحصى. وأكل رؤوسها ينفع من الرّعشة.
(لحم حمار الوحش) : ثبت في الصحيحين ـ من حديث أبي قتادة رضي الله عنه ـ : أنهم كانوا مع رسول الله (ص) في بعض عمرة ، وأنه صاد حمار وحش ، فأمرهم النبي (ص) بأكله : وكانوا محرمين ، ولم يكن أبو قتادة محرما.
وفي سنن ابن ماجة ، عن جابر ، قال : أكلنا زمن خيبر الخيل وحمر الوحش.
ولحمه : حار يابس ، كثير التغذية ، مولّد دما غليظا سوداويّا. إلا أن شحمه نافع ـ مع دهن القسط ـ لوجع الضّرس ، والريح الغليظة المرخية للكلى ، وشحمه للكلف طلاء. وبالجملة : لحوم الوحش كلها تولّد دما غليظا سوداويّا. وأحمده : الغزال ؛ وبعده الأرنب.
(لحوم الأجنّة) غير محمودة : لاحتقان الدم فيها. وليست بحرام قوله (ص) : «ذكاة الجنين : ذكاة أمه.
ومنع أهل العراق من أكله ، إلا أن يدركه حيّا فيذكيه. وأوّلوا الحديث على أن المراد به : أن ذكاته كذكاة أمه. قالوا : فهو حجة على التحريم.
وهذا فاسد : فإن أول الحديث : أنهم سألوا رسول الله (ص) ، فقالوا : يا رسول الله ، نذبح الشاة فنجد في بطنها جنينا ؛ أفنأكله؟ فقال : «كلوه إن شئتم ، فإن ذكاته ذكاة أمه.
(وأيضا) : فالقياس يقتضي حلّه ؛ فإنه ما دام حملا ، فهو جزء من أجزاء الأم : فذكاتها ذكاة لجميع أجزائها. وهذا هو الذي أشار إليه صاحب الشرع ، بقول : «ذكاته ذكاة أمه» ؛ كما يكون ذكاتها ذكاة سائر أجزائها. فلو لم تأت السنة الصريحة بأكله ، لكان القياس يقتضي حلّه. وبالله التوفيق.
(لحم القديد) : في السنن ـ من حديث بلال رضي الله عنه ـ قال : ذبحت لرسول الله (ص) شاة : ونحن مسافرون؟ فقال : «أصلح لحمها ، فلم أزل أطعمه منه إلى المدينة».
القديد أنفع من المكسود ، ويقوّي الأبدان ، ويحدث حكة. ودفع ضرره : بالأبازير الباردة الرطبة. ويصلح الأمزجة الحارة ، والمكسود حار يابس مجفّف ، جيده من السمين الرطب ، يضر بالقولنج. ودفع مضرته : طبخه باللبن والدهن. ويصلح للمزاج الحار الرطب.
* الفصل الرابع
طب الإمام علي (ع)
الإمام علي بن أبي طالب :
اجتمع للإمام علي من الصفات والذكاء والشجاعة والعلم ما لم يتهيّأ لغيره من الرجال ، فأبوه عظيم قريش وجدّه عبد المطلب أمير مكة ، ينتمي إلى أطيب الأعراق ، إلى بني هاشم ، وقد وصفهم الجاحظ بقوله :
«ملح الأرض ، وزينة الدنيا ، وحلى العالم والسنام الأضخم ، والكاهل الأعظم .... ومعدن الفهم ، وينبوع العلم ...».
كان عليهالسلام زاهدا في الدنيا.
في هذا الفصل بحث في الأطعمة والأشربة والمسائل الصحيّة التي وردت في أحاديث الإمام علي ، لما فيها من فائدة وقيمة غذائية وعلاج ودواء ، وقد تكلم الإمام في مختلف الشؤون الطبية بشكل واسع وشامل ، بغية حفظ الصحة وتجنّب المضرات والابتعاد عن الأمراض ، مستلهما ذلك من ينابيع الوحي كما جاء على لسان النبي محمد :
«أنا مدينة العلم وعلي بابها ، أنا مدينة الحكمة وعلي بابها ، فمن أراد فليأتها من بابها».
لقد اهتم الإمام علي بتوجيه المسلمين نحو البحث عن معرفة أسباب العلل كي يسهل مداواة العلّة.
بين أيدينا ثروة طبية جيدة ، أتحفنا بها الإمام وكم يسعدنا العودة إلى تلك الثروة الطبية ودراستها دراسة علمية ، كي يكون الاستغناء قدر الإمكان عن الأدوية الكيماوية.
من أقوال الإمام علي :
ـ يا ابن آدم لا تحمل همّ يومك الذي لم يأتك على يومك الذي قد أتاك ، فإنّه إن يك من عمرك يأت الله فيه برزقك.
ـ امش بدائك ما مشى بك. (أي ما دام الداء سهل الاحتمال ، يمكنك معه العمل في شؤونك فاعمل ، فإن أعياك فاسترح له).
ـ من أراد البقاء ولا بقاء ، فليخفف الرداء ويباكر الغداء ، وليقلّ مجامعة النساء.
ـ قال لولده الحسن :
ألا أعلّمك أربع كلمات تستغني بها عن الطب!
فقال الحسن : بلى يا أمير المؤمنين.
«لا تجلس على الطعام إلّا وأنت جائع ، ولا تقم إلّا وأنت تشتهيه ، جود المضغ ، وإذا نمت فاعرض نفسك على الخلاء ، وإذا استعملت هذا استغنيت عن الطبيب».
ـ إنّ زيارة المريض ثواب ، روي عن الإمام علي ما يلي :
«إن للمسلم على أخيه المسلم من المعروف ، يسلّم عليه إذا لقيه ، ويعوده إذا مرض ، ويشهده إذا مات الخبر».
وفي نفس السياق روي عن الرسول أنّه قال :
«من زار أخا في الله أو عاد مريضا ، ناد مناد في السماء : طبت وطاب ممشاك».
ـ توقوا البرد في أوّله ، وتلقوه في آخره ، فإنه يفعل في الأبدان كفعله في الأشجار ، أوّله يحرق وآخره يورق.
* في الطعام قال :
ـ المعدة بيت الداء ، والحمية رأس الدواء ، وعود كل بدن ما اعتاد.
ـ اجتنب الدواء ما احتمل بدنك الداء ، فإذا لم يحتمل الداء فالدواء.
ـ ليس من دواء إلّا ويهيج داء ، وليس شيء في البدن أنفع من إمساك البدن إلّا عمّا يحتاج إليه.
ـ لا صحّة مع النهم.
ـ صحة الأجسام من أهنأ الأقسام.
ـ خدمة الجسد إعطاؤه ما يستدعيه من الملاذ والشهوات والمقتنيات ، وفي ذلك هلاك النفس.
ـ من أكل الطعام على النقاء ، وأجاد الطعام تمضغا ، وترك الطعام وهو يشتهيه ، ولم يحبس الغائط إذا أتاه ، لم يمرض إلّا مرض الموت.
ـ قلّ من أكثر من الطعام فلم يسقم.
ـ قلّ من أكثر من فضول الطعام إلّا لزمته الأسقام.
ـ قلّة الغذاء أكرم للنفس وأدوم للصحة.
ـ من قلّ طعامه قلّت آلامه.
ـ من غرس في نفسه محبة أنواع الطعام ، إجتنى ثمار فنون الأسقام.
ـ أقلل طعاما تقلّل سقاما.
ـ من أراد أن لا يضرّه طعاما فلا يأكل حتى يجوع ، وإذا أكل فليقل : بسم الله وبالله .. وليجيد المضغ ، وليكفّ عن الطعام وهو يشتهيه ، وليدعه وهو يحتاج إليه.
* عن الإمام روي من وصية النبي له :
يا علي اثنتا عشرة خصلة ينبغي للرجل المسلم أن يتعلّمها في المائدة :
أربع منها فريضة ، وأربع منها سنّة ، وأربع منها آداب.
الفريضة : معرفة ما يأكل ، التسمية ، الشكر ، الرضا.
السنة : الجلوس على الرجل اليسرى ، الأكل بثلاث أصابع ، أن يأكل ما يليه ....
الآداب : تصغير اللقمة ، المضغ الجيد ، قلّة النظر في وجه الناس ، غسل اليدين.
* الإسراف في الطعام :
ـ إيّاك والبطنة ، فمن لزمها كثرت أسقامه ، وفسدت أحلامه.
ـ إياكم والبطنة ، فإنّها مقساة للقلب ، مكسلة عن الصلاة ، مفسدة للجسد.
ـ البطنة تمنع الفطنة.
ـ الشبع يفسد الورع.
ـ إدمان الشبع يورث أنواع الوجع.
ـ إذا أراد الله سبحانه صلاح عبده ، ألهمه قلّة الكلام ، وقلّة الطعام ، وقلّة المنام.
ـ قلّة الأكل من العفاف وكثرته من الإسراف.
ـ قلّة الأكل أكرم للنفس وأدوم للصحة.
ـ كم من أكلة منعت أكلات.
ـ كثرة الأكل من الشره ، والشره من العيوب.
ـ كثرة الأكل والنوم يفسدان النفس ، ويجلبان المضرّة.
ـ لا تجتمع الصحّة والنهم.
ـ كن كالنحلة إذا أكلت ، أكلت طيبا ، وإذا وضعت وضعت طيبا ، وإذا وقعت على عود لم تكسره.
ـ من قلّ أكله صفى فكره.
ـ من اقتصر في أكله كثرت صحته وصلحت فكرته.
ـ من كانت همّته ما يدخل بطنه ، كانت قيمته ما يخرج منه.
* في الجوع قال الإمام علي :
ـ الجوع خير من ذلّ الخضوع.
ـ التجويع أنفع الدواء ، الشبع يكثر الأدواء.
ـ تأدّب بالجوع وتأدّب بالقنوع.
ـ نعم الآدام الجوع.
ـ نعم عون الورع التجويع.
ـ نعم العون على أسر النفس وكسر عادتها التجوع.
* في الداء الدواء :
ـ ربّ دواء جلب داء.
ـ ربّ داء إنقلب دواء.
ـ ربّما كان الدواء داء.
ـ ربما كان الداء شفاء.
ـ من كثرت أدواؤه لم يعرف شفاؤه.
ـ من لم يحتمل مرارة الدواء ، دام ألمه.
ـ لا دواء لمشغوف بدائه.
ـ لا شفاء لمن كتم طبيبه داءه.
ـ عجبت لمن عرف دواء دائه فلا يطلبه ، وإن وجده لم يتداو به.
ـ لكل حي داء.
ـ لكل علّة دواء.