التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١٤

الدكتور محمد سيد طنطاوي

التفسير الوسيط للقرآن الكريم - ج ١٤

المؤلف:

الدكتور محمد سيد طنطاوي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
ISBN: 977-14-0694-9
الصفحات: ٤٨٧

التفت ـ سبحانه ـ بالحديث إلى أولئك الذين وصفوا القرآن بأنه أساطير الأولين .. فرد عليهم بما يخرس ألسنتهم ، ونعت القرآن بنعوت جليلة فقال ـ تعالى ـ :

(فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (٧٩) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٨٠)

قال بعض العلماء : ورد القسم على هذا النحو في القرآن الكريم كثيرا ، ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ ، وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ) وقوله : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ. الْجَوارِ الْكُنَّسِ ...).

وقد جاء على غير هذه الصورة ، أى : من غير لا النافية ، ومن غير الفعل «أقسم» كما في قوله ـ تعالى ـ : (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ .. وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ ...).

وتارة يكون القسم بأشياء مختلفة من خلقه ـ تعالى ـ كالصافات ، والطور ، والتين ، والقرآن (١). والفاء في قوله ـ تعالى ـ : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) للتفريع على ما تقدم من أدلة البعث.

و (فَلا) عند أكثر المفسرين في هذا التركيب وأمثاله : مزيدة للتأكيد ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ ...) أى ليعلم أهل الكتاب. والمعنى هنا : فأقسم بمواقع النجوم ..

قالوا : وزيادتها هنا جاءت جريا على سنن العرب من زيادتها قبل القسم ، كما في قولهم : لا وأبيك ، كأنهم ينفون ما سوى المقسم عليه ، فيفيد الكلام التأكيد.

ويرى بعضهم أن لا هنا : للنفي فيكون المعنى : فلا أقسم بمواقع النجوم ، لأن الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم أصلا فضلا عن هذا القسم العظيم.

قال الآلوسى ما ملخصه : (فَلا أُقْسِمُ ...) لا مزيدة للتأكيد مثلها في قوله ـ تعالى ـ :

__________________

(١) راجع تفسير آيات الأحكام ج ٤ ص ٩٦ ، للشيخ محمد على السائس.

١٨١

(لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) أو هي لام القسم ـ بعينها ـ أشبعت فتحتها فتولدت منها ألف أى : فلأقسم ..

وقيل إن لا هنا للنفي والرد على ما يقوله الكفار في القرآن من أنه سحر. كأنه قيل : فلا صحة لما يقولون فيه ، ثم استؤنف فقيل أقسم ..

وقال بعضهم إن «لا» كثيرا ما يؤتى بها قبل القسم على نحو الاستفتاح ، كما في قولهم لا وأبيك ..

وقال أبو مسلم وجمع : إن الكلام على ظاهره المتبادر منه. والمعنى : لا أقسم إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم. أى : لا يحتاج إلى قسم أصلا ، فضلا عن هذا القسم العظيم .. (١).

والمواقع : جمع موقع ، وموقع الشيء ما يوجد فيه ، وما يسقط من مكان مرتفع.

فالمراد بمواقع النجوم : مساقطها التي تسقط فيها عند غروبها .. وقيل : مواضعها من بروجها في السماء ، ومنازلها منها .. وقيل : المراد مواقعها يوم القيامة عدما تنتشر وتتفرق .. وأقسم ـ سبحانه ـ بذلك ، للتنوية بشأنها ، ولما فيها من الدلالة على أن لهذا الكون خالقا قادرا حكيما ، يسير كواكبه بدقة ونظام بديع ، لا اختلال معه ولا اضطراب .. إذ كل نجم من هذه النجوم المتناثرة في الفضاء ، له مجاله الذي يغيب فيه ، وله مكانه الذي لا يصطدم فيه بغيره.

قال بعض العلماء : إن هذه النجوم والكواكب ، التي تزيد على عدة بلايين نجم ، ما يمكن رؤيته بالعين المجردة ، وما لا يرى إلا بالمجاهر والأجهزة ، وما يمكن أن تحس به الأجهزة ، دون أن تراه كلها تسبح في الفلك الغامض ، ولا يوجد أى احتمال أن يقترب مجال مغناطيسى لنجم ، من مجال نجم آخر ، أو يصطدم بكوكب آخر .. (٢).

ومن العلماء من يرى أن المراد بمواقع النجوم أوقات نزول القرآن نجما نجما ، وطائفة من الآيات تلى طائفة أخرى ..

قال ابن كثير : واختلفوا في معنى قوله «بمواقع النجوم» فعن ابن عباس أنه يعنى نجوم القرآن فإنه نزل جملة ليلة القدر ، من السماء العليا إلى السماء الدنيا ، ثم نزل مفرقا بعد ذلك ..

وعن قتادة : «مواقع النجوم» منازلها .. وقال مجاهد : مطالعها ومشارقها .. وعن الحسن : انتشارها يوم القيامة .. (٣).

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ١٥٢.

(٢) من كتاب «الله والعلم الحديث» ص ٣٣ للأستاذ عبد الرازق نوفل.

(٣) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٣٩٩.

١٨٢

ويبدو لنا أن تفسير النجوم هنا ، بنجوم السماء هو الأرجح ، لأنه هو الظاهر من معنى الآية الكريمة.

وقوله ـ سبحانه ـ : (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) كلام معترض بين القسم وجوابه والضمير في «وإنه» يعود إلى القسم المذكور في قوله : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) أو يعود إلى (بِمَواقِعِ النُّجُومِ) بتأويله بمعنى المذكور ..

قال صاحب الكشاف : (بِمَواقِعِ النُّجُومِ) أى : بمساقطها ، ومغاربها .. واستعظم ذلك بقوله : (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) .. وهو اعتراض في اعتراض ، لأنه اعترض به بين المقسم والمقسم عليه ، وهو قوله : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) واعترض بقوله ـ لو تعلمون ـ بين الموصوف وصفته .. (١).

وجواب «لو» إما محذوف بالكلية لأنه لا يتعلق بذكره غرض ، إذ المقصود هو نفى علمهم ، أى : أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم عظيم ، ولكنكم لا تعلمون قيمته ومنزلته.

وإما أن يكون جوابها مقدرا ، فيكون المعنى : أقسم بمواقع النجوم ، وإنه لقسم عظيم لو كان عندكم علم نافع ، لعظمتموه ، ولآمنتم بما أقسمنا عليه ، ولكنكم لم تعظموه ولم تؤمنوا لجهلكم ، ولانطماس بصائركم ..

والضمير في قوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) راجع إلى غير مذكور في الكلام إلا أن علم المخاطبين به واستحضارهم له ، نزل منزلة ذكره ..

أى : أقسم بمواقع النجوم ، إن هذا الذي يتلوه عليكم نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقرآن كريم. أى : رفيع القدر طاهر الأصل ، كثير المنافع ، ظاهر الفضل ، لأن الناس يجدون فيه كل ما يريدونه من سعادة وخير ..

وليس أمره ـ كما زعمتم ـ من أن الشياطين تنزلت به ، أو أنه من أساطير الأولين ..

وقوله ـ سبحانه ـ : (فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) وصف آخر للقرآن الكريم ، والمكنون : المستور والمحجوب عن أنظار الناس ، بحيث لا يعلم كنهه إلا الله ـ تعالى ـ ، والمراد بالكتاب : اللوح المحفوظ. أى : أن هذا القرآن الكريم قد جعله الله ـ تعالى ـ في كتاب مصون من غير الملائكة المقربين ، بحيث لا يطلع عليه أحد سواهم ..

وقوله ـ سبحانه ـ : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) : صفة للكتاب الذي هو اللوح المحفوظ. أى : أن هذا القرآن قد اقتضت حكمتنا أن نجعله في كتاب مصون بحيث لا يطلع

__________________

(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٩.

١٨٣

عليه قبل نزوله. من اللوح المحفوظ ولا يمسه أحد ، إلا الملائكة المطهرون من كل ما يوجب الطهارة.

وعلى هذا التفسير يكون الغرض من الآيات الكريمة ، نفى ما زعمه المشركون من أن القرآن تنزلت به الشياطين ، وإثبات أن هذا القرآن مصون في كتاب مستور عن الأعين ، هو اللوح المحفوظ. وأن الملائكة المطهرين وحدهم هم الذين يطلعون على هذا القرآن من اللوح المحفوظ ، وهم وحدهم الذين ينزلون به على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

كما قال ـ تعالى ـ : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ، عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ..) (١).

وكما قال ـ سبحانه ـ : (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ. وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ ، إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ...) (٢).

ومنهم من يرى أن قوله ـ تعالى ـ : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) صفة أخرى للقرآن الكريم ، فيكون المعنى : إن هذا القرآن الكريم. لا يصح أن يمسه إلا المطهرون من الناس ، عن الحدث الأصغر ، والحدث الأكبر ، فيكون المراد بالطهارة : الطهارة الشرعية ..

وقد رجح العلماء الرأى الأول الذي يرى أصحابه أن قوله ـ تعالى ـ : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) صفة للوح المحفوظ المعبر عنه بأنه كتاب مكنون ، وأن المراد بالمطهرين : الملائكة المقربون ..

وقالوا في تأييد ما ذهبوا إليه : إن الآيات مسوقة لتنزيه القرآن عن أن تنزل به الشياطين ، وأنه في مكان مأمون لا يصل إليه إلا الملائكة المقربون.

والآيات ـ أيضا ـ مكية ، والقرآن المكي أكثر اهتمامه كان موجها إلى إبطال شبهات المشركين ، وليس إلى الأحكام الفرعية ، التي تحدث عنها القرآن المدني كثيرا.

كذلك قالوا : إن وصف الكتاب بأنه (مَكْنُونٍ) يدل على شدة الصون والستر عن الأعين ، بحيث لا تناله أيدى البشر ، وهذا لا ينطبق إلا على اللوح المحفوظ ، أما القرآن فيمسه المؤمن وغير المؤمن .. (٣).

قال الإمام القرطبي ما ملخصه قوله : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) اختلف في معنى

__________________

(١) سورة الشعراء الآيات ١٩٢ ـ ١٩٥.

(٢) سورة الشعراء الآيات ٢١٠ ـ ٢١٢.

(٣) راجع تفسيرنا آيات الأحكام ج ٤ ص ١٠٣.

١٨٤

(لا يَمَسُّهُ) هل هو حقيقة في المس بالجارحة أو معنى؟ وكذلك اختلف في (الْمُطَهَّرُونَ) من هم؟ ..

فقال أنس وسعيد بن جبير : لا يمس ذلك الكتاب إلا المطهرون من الذنوب وهم الملائكة ..

وقيل المراد بالكتاب : المصحف الذي بأيدينا ، وهو الأظهر ، وقد روى مالك وغيره أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان في كتابه الذي كتبه إلى شرحبيل بن كلال ... «ألا يمس القرآن إلا طاهر».

وقالت أخت عمر لعمر عند إسلامه : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) فقام واغتسل. ثم أخذ الصحيفة التي بيدها ، وفيها القرآن.

ثم قال : واختلف العلماء في مس المصحف على غير وضوء : فالجمهور على المنع ...

وفي مس الصبيان إياه على وجهين : أحدهما المنع اعتبارا بالبالغ والثاني الجواز ، لأنه لو منع لم يحفظ القرآن. لأن تعلمه حال الصغر ، ولأن الصبى وإن كانت له طهارة إلا أنها ليست بكاملة ، لأن النية لا تصح منه ، فإذا جاز أن يحمله على طهارة ، جاز أن يحمله محدثا (١).

ثم ختم ـ سبحانه ـ هذه الآيات الكريمة بقوله : (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) أى : هذا الكتاب الكريم منزل من رب العالمين ، لا رب سواه ، ولا خالق غيره ، وبذلك يرى : أن هذه الآيات الكريمة ، قد وصف الله ـ تعالى ـ فيها القرآن الكريم ، بجملة من الصفات الجليلة ، فقد وصفه ـ سبحانه ـ بأنه كريم ، ووصفه بأنه مصون ومحفوظ من أن يمسه أحد سوى ملائكته المقربين ، وسوى عباده المطهرين من الأحداث ، ووصفه بأنه منزل من عنده لا من عند أحد سواه كما زعم أولئك الجاهلون.

ثم تتحدث السورة في أواخرها. بأسلوب مؤثر ، عن لحظات الموت. وعن اللحظات التي يفارق الإنسان فيها هذه الحياة ، وأحباؤه من حوله لا يملكون له نفعا .. وعن بيان الحالة التي يكون عليها هذا المفارق لهم ، فتقول :

(أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (٨١) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢) فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ

__________________

(١) تفسير القرطبي ج ١٧ ص ٣٢٦.

١٨٥

إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٨٧) فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (٨٩) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩١) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (٩٤) إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٩٦)

والاستفهام في قوله ـ تعالى ـ : (أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) للإنكار والتوبيخ. وهو داخل على مقدر.

والمراد بالحديث : القرآن الكريم ، وما تضمنه من هدايات وإرشادات وتشريعات ..

وقوله : (مُدْهِنُونَ) من الإدهان وأصله جعل الجلد ونحوه مدهونا بشيء من الدهن ليلين ، ثم صار حقيقة عرفية في الملاينة والمسايرة والمداراة ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ).

والمراد به هنا : تظاهر المشركين بمهادنة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبما جاء به من قرآن كريم ، وإبداؤهم من اللين خلاف ما يبطنون من المكر والبغضاء.

ويصح أن يكون الإدهان هنا : بمعنى التكذيب والنفاق ، إذ أن هذه المعاني ـ أيضا ـ تتولد عن المداهنة والمسايرة.

أى : أتعرضون ـ أيها المشركون ـ عن الحق الذي جاءكم به رسولنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتظهرون أمامه بمظهر المداهن والمهادن ، الذي يلين أمام خصمه ، ولا يقابله بالشدة والحزم : مع أنه في الوقت نفسه يضمر له أشد أنواع السوء والكراهية؟ ..

إذا كان هذا شأنكم ، فاعلموا أن تصرفكم هذا لا يخفى علينا؟! ..

وقوله ـ سبحانه ـ وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون معطوف على ما قبله من باب عطف الجملة على الجملة. والكلام على حذف مضاف.

والمعنى : أتعرضون عن هذا القرآن على سبل المداهنة والملاينة ، وتجعلون شكر نعمة رزقنا

١٨٦

لكم به. وبالمطر الذي لا حياة لكم بدونه ، أنكم تكذبون بكونهما من عند الله ـ تعالى ـ فتقولون في شأن القرآن ، أساطير الأولين ، وتقولون إذا ما أنزلنا المطر عليكم : مطرنا بسبب نوء كذا. أى : بسبب سقوط النجم في جهة المغرب من الفجر.

قال الآلوسى : قوله : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) أى : وتجعلون شكركم أنكم تكذبون ، تقولون أمطرنا بنوء كذا وكذا ، وبنجم كذا وكذا وأكثر الروايات أن قوله ـ تعالى ـ : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ) نزل في القائلين : مطرنا بنوء كذا .. أخرج مسلم ـ في صحيحه ـ عن ابن عباس قال : مطر الناس على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر. قالوا : هذه رحمة وضعها الله وقال بعضهم : لقد صدق نوء كذا فنزلت هذه الآية : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) حتى بلغ (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ).

ثم قال الإمام الآلوسى : والآية على القول بنزولها في قائلى ذلك : ظاهرة في كفرهم المقابل للإيمان ، فكأنهم كانوا يقولونه عن اعتقاد أن الكواكب مؤثرة حقيقة موجدة للمطر ، وهو كفر بلا ريب بخلاف قوله مع اعتقاد أنه من فضل الله ـ تعالى ـ ، وأن النوء ميقات وعلامة فإنه ليس بكفر .. (١).

وقد ذكر المفسرون هنا جملة من الأحاديث في هذا المعنى فارجع إليها إن شئت .. (٢).

ثم انتقلت الآيات إلى توبيخهم على أمر آخر ، وهو غفلتهم عن قدرة الله ـ تعالى ـ ووحدانيته وهم يشاهدون آثار قدرته أمام أعينهم فقال ـ تعالى ـ : (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ. وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ. وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ ، فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).

ولو في الموضعين للتحضيض على التذكر والاعتبار ، ولإبراز عجزهم في أوضح صورة ، إذ إظهار عجزهم هو المقصود هنا بالحض ..

وقوله (إِذا بَلَغَتِ) ظرف متعلق بقوله (تَرْجِعُونَها) أى : تردونها ، وقد قدم عليه لتهويله ، والتشويق إلى الفعل المحضوض عليه ، وهو إرجاع الروح إلى صاحبها.

والضمير في (بَلَّغْتَ) يعود إلى الروح ، وهي وإن كانت لم تذكر إلا أنها مفهومه من الكلام.

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ١٥٦.

(٢) راجع تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٩٩. وتفسير القرطبي ج ١٧ ص ٢٢٨.

١٨٧

والحلقوم : مجرى الطعام وأل فيه للعهد الجنسي.

وجملة : (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) حال من ضمير (بَلَغَتِ) ، ومفعول (تَنْظُرُونَ) محذوف والتقدير : تنظرون وتبصرون صاحب الروح وهو في تلك الحالة العصيبة.

وجملة (تَرْجِعُونَها ...) جواب الشرطين في قوله : (إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ) وفي قوله : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).

وجملة (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ) مستأنفة لتأكيد توبيخهم على جهالاتهم وعدم اعتبارهم حتى في أوضح المواقف التي تدل على قدرة خالقهم ـ عزوجل ـ.

والمعنى : إذا كنتم ـ أيها الجاحدون المكذبون ـ لم تعتبروا ولم تتعظوا بكل ما سقناه لكم من ترغيب وترهيب على لسان رسولنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهلا اعتبرتم واتعظتم وآمنتم بوحدانيتنا وقدرتنا .. حين ترون أعز وأحب إنسان إليكم ، وقد بلغت روحه حلقومه ، وأوشكت على أن تفارق جسده ...

(وَأَنْتُمْ) أيها المحيطون بهذا المحتضر العزيز عليكم (حِينَئِذٍ) أى : حين وصل الأمر به إلى تلك الحالة التي تنذر بقرب نهايته ، أنتم (تَنْظُرُونَ) إلى ما يقاسيه من غمرات الموت ، وتبصرون ما فيه من شدة وكرب ، وتحرصون كل الحرص على إنجائه مما حل به ولكن حرصكم يذهب أدراج الرياح.

(وَنَحْنُ) في هذه الحالة وغيرها ، (أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ) أى : ونحن أقرب إليه منكم بعلمنا وبقدرتنا ، حيث إنكم لا تعرفون حقيقة ما هو فيه من أهوال ولا تدركون عظيم ما فيه من كرب ، ولا تقدرون على رفع شيء من قضائنا فيه وفي غيره.

وقوله : (وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) استدراك للكلام السابق. أى : ونحن أقرب إلى هذا المحتضر منكم ، ولكنكم لا تدركون ذلك لجهلكم بقدرتنا النافذة ، وحكمتنا البالغة ..

(فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ) أى : فهلا إن كنتم غير عاجزين عن رد قضائنا في هذا المحتضر الحبيب إليكم ، وغير مربوبين لنا ، وخاضعين لسلطاننا .. يقال : دان السلطان الرعية ، إذا ساسهم وأخضعهم لنفوذه.

هلا إن كنتم غير خاضعين لنا (تَرْجِعُونَها) أى : ترجعون الروح إلى صاحبها (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في اعتقادكم بأن آلهتكم تستطيع الدفاع عنكم وفي اعتقادكم أنه لا بعث ولا حساب بعد الموت ، وفي توهمكم أن هناك قوة سوى قوة الله ـ عزوجل ـ يمكنها أن تساعدكم عند الشدائد والمحن.

١٨٨

وهكذا نجد هذه الآيات الكريمة ، تقيم أوضح الأدلة وأكثرها تأثيرا في النفوس ، على كمال قدرة الله ـ تعالى ـ وعلى نفاذ مشيئته وإرادته ...

فهي تتحدى البشر جميعا أن يعيدوا الروح إلى أحب الناس إليهم ، وهم واقفون من حوله وقفة الحائر المستسلم. العاجز عن فعل أى شيء من شأنه أن يدفع عن هذا المحتضر ما فيه من كرب ، أو أن يؤخر انتزاع روحه من جسده ، ولو لزمن قليل ..

ثم تمضى السورة الكريمة بعد ذلك ، في بيان مصير هذه الروح ، التي توشك أن تستدبر الحياة الفانية ، وتستقبل الحياة الباقية فتقول : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ).

والروح : بمعنى الراحة والأمان والاطمئنان والريحان شجر طيب الرائحة.

أى : فأما إن كان صاحب هذه النفس التي فارقت الدنيا ، من المقربين إلينا السابقين بالخيرات .. فله عندنا راحة لا تقاربها راحة ، وله رحمة واسعة ، وله طيب رائحة عند قبض روحه ، وعند نزوله في قبره ، وعند وقوفه بين أيدينا للحساب يوم الدين ، وله جنات ينعم فيها بما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر.

(وَأَمَّا) إن كان هذا الإنسان (مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) وهم الذين ثقلت موازين حسناتهم ..

(فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) أى : فتقول له الملائكة عند قبض روحه وفي قبره ، وفي الجنة ، سلام لك يا صاحب اليمين ، من أمثالك أصحاب اليمين.

قال الآلوسى : وقوله : (فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) قيل هو على تقدير القول. أى : فيقال لذلك المتوفى منهم : سلام لك يا صحاب اليمين من إخوانك أصحاب اليمين.

وجوز أن يكون المعنى : فسلامة لك عما يشغل القلب من جهتهم فإنهم في خير. أى : كن فارغ البال من جهتهم فإنهم بخير.

وذكر بعض الأجلة أن هذه الجملة ، كلام يفيد عظمة حالهم ، كما يقال : فلان ناهيك به ، وحسبك أنه فلان ، إشارة إلى أنه ممدوح فوق حد التفصيل .. (١).

(وَأَمَّا إِنْ كانَ) هذا المتوفى (مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ) وهم أصحاب الشمال (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ) أى : فله نزل ـ أى : مكان ـ (مِنْ حَمِيمٍ) أى : من ماء قد بلغ أقصى

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ١٦٠.

١٨٩

درجات الحرارة وعبر عن المكان الذي ينزل فيه بالنزل ، على سبل التهكم ، إذا النزل في الأصل يطلق على ما يقدم للضيف على سبل التكريم ..

وقوله : (وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) أى : وله ـ أيضا ـ إدخال في نار جهنم التي تشوى جسده وتحرقه.

(إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) أى : إن هذا الذي قصصناه عليك ـ أيها الرسول الكريم ـ في هذه السورة وغيرها ، لهو الحق الثابت الذي لا يحوم حوله شك أو ريب ..

فقوله : (حَقُّ الْيَقِينِ) من إضافة الصفة إلى الموصوف ، أى : لهو اليقين الحق ..

أو هو من إضافة الشيء إلى نفسه مع اختلاف اللفظين ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (حَبْلِ الْوَرِيدِ) إذ الحبل هو الوريد ، والقصد من مثل هذا التركيب التأكيد.

ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بقوله : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) أى : إذا كان الأمر كما ذكرنا لك ـ أيها الرسول الكريم ـ فنزه ربك العظيم في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله ، عن كل ما لا يليق به ..

وبعد فهذا تفسير لسورة «الواقعة» نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..

الدوحة ـ قطر

صباح الأربعاء ١٦ من رجب سنة ١٤٠٦ ه‍ ٢٦ / ٣ / ١٩٨٦ م

كتبه الراجي عفو ربه

د. محمد سيد طنطاوى

١٩٠

تفسير

سورة الحديد

١٩١
١٩٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدمة وتمهيد

١ ـ سورة «الحديد» هي السورة السابعة والخمسون في ترتيب المصحف ، وسميت بذلك لقوله ـ تعالى ـ فيها : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ).

وعدد آياتها تسع وعشرون آية في المصحف الكوفي ، وثمان وعشرون في غيره.

٢ ـ وقد اختلف المفسرون في كونها مدنية أو مكية ، فابن كثير والقرطبي يقولان بأنها مدنية ، ولا يذكران خلافا في ذلك.

بينما نرى صاحب الكشاف يقول إنها مكية ، ولا يذكر ـ أيضا ـ خلافا في ذلك.

ومن المفسرين من يرى بأن سورة الحديد منها ما هو مكي ومنها ما هو مدني.

قال الآلوسى : أخرج جماعة عن ابن عباس أنها نزلت بالمدينة وقال النقاش وغيره : هي مدنية بإجماع المفسرين ، ولم يسلم له ذلك ، فقد قال قوم إنها مكية.

وقال ابن عطية : لا خلاف أن فيها قرآنا مدنيا. لكن يشبه أن يكون صدرها مكيا .. ويشهد لهذا ما أخرجه البزار في مسنده ، والطبراني وابن مردويه .. عن عمر ـ رضى الله عنه ـ أنه دخل على أخته قبل أن يسلم ، فإذا صحيفة فيها أول سورة الحديد ، فقرأه حتى بلغ قوله ـ تعالى ـ : (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) فأسلم (١).

والذي يبدولنا ـ بعد تدبرنا لهذه السورة الكريمة ـ أنها يغلب عليها طابع القرآن المدني ، الذي يتحدث عن الجهاد في سبيل الله ، وعن الإنفاق من أجل إعلاء كلمته ، وعن سوء مصير المنافقين ، وعن إرشاد المؤمنين إلى كيفية إقامة الدولة القوية العادلة .. وهذا لا يمنع من أن يكون من بين آياتها ما هو مكي ، متى ثبت ذلك عن طريق النقل الصحيح.

٣ ـ وقد افتتحت السورة الكريمة ببيان أن الله ـ تعالى ـ قد نزهه عن كل ما لا يليق به ، جميع ما في السموات وما في الأرض ، وأنه ـ عزوجل ـ هو مالكها ، وهو الأول والآخر ، والظاهر والباطن والمحيي والمميت والخالق لكل شيء ، والعليم بكل شيء.

__________________

(١) تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ١٦٤.

١٩٣

قال ـ تعالى ـ : (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

٤ ـ ثم حضت السورة الكريمة المؤمنين على الثبات على إيمانهم ، وعلى الإنفاق في سبيل الله ، ووعدتهم على ذلك بأجزل الثواب.

قال ـ تعالى ـ : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ ، وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ).

٥ ـ ثم تتحدث السورة الكريمة بعد ذلك بأسلوبها البليغ المؤثر ، عن حسن عاقبة المؤمنين ، وسوء عاقبة المنافقين ، فتحكى جانبا مما يدور بين الفريقين من محاورات فتقول : (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ ، قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً ، فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ ، وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ ، يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ؟ قالُوا : بَلى ، وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ ، وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ ، حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ).

٦ ـ وبعد أن تنتقل السورة الكريمة إلى حث المؤمنين على الخشوع لله ، وعلى تذكر الموت ، وعلى البذل في سبيل الله ... بعد كل ذلك تبين لهم مصير الحياة الدنيا ، وتدعوهم إلى إيثار الآجلة على العاجلة ، والباقية على الفانية فتقول : (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ، وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ ، كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ، ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً ، وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ ، وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ ، سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ، وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ، أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ، ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ، وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).

٧ ـ ثم تقرر السورة بعد ذلك أن كل شيء بقضاء الله وقدره ، وأنه ـ سبحانه ـ قد أرسل رسله ، وأنزل عليهم كتبه ، وأمرهم بنشر العدل بين الناس ، كما أمرهم بإعداد القوة لإرهاب أعداء الحق ، لأن الناس في كل زمان ومكان فيهم المهتدون ، وفيهم الضالون ، كما قال ـ تعالى ـ : (فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ).

٨ ـ ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة بهذا النداء الحكيم للمؤمنين فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ، وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ ، وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ، وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).

١٩٤

٩ ـ وبعد ، فهذا عرض مجمل لسورة «الحديد» ومنه نرى أنها زاخرة بالحديث عن مظاهر قدرة الله ـ تعالى ـ ، وعن صفاته الجليلة .. وعن دعوة المؤمنين إلى التمسك بتعاليم دينهم ، تمسكا يكون مقدما على كل شيء من زينة هذه الحياة الدنيا ، لأن هذا التمسك يجعلهم يعيشون سعداء في دنياهم ، وينالون بسببه الفوز والفلاح في أخراهم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

د. محمد سيد طنطاوى

الدوحة ـ قطر

مساء الأربعاء ١٦ من رجب سنة ١٤٠٦ ه‍ ٢٦ / ٣ / ١٩٨٦

١٩٥

التفسير

قال الله ـ تعالى ـ :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٥) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٦)

افتتحت سورة «الحديد» بتنزيه الله ـ تعالى ـ عن كل ما لا يليق به ، وبالثناء عليه ـ تعالى ـ بما هو أهله ، وببيان جانب من صفاته الجليلة ، الدالة على وحدانيته ، وقدرته ، وعزته ، وحكمته ، وعلمه المحيط بكل شيء.

افتتحت بقوله ـ عزوجل ـ : (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

وقوله : (سَبَّحَ) من التسبيح ، وأصله الإبعاد عن السوء ، من قولهم سبح فلان في الماء ، إذا توغل فيه ، وسبح الفرس ، إذا جرى بعيدا وبسرعة.

١٩٦

قالوا : وهذا الفعل (سَبَّحَ) قد يتعدى بنفسه ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) وقد يتعدى باللام كما هنا. وهي للتأكيد والتبيين أى : سبح لله لا لغيره.

والمراد بالتسبيح هنا : تنزيه الله ـ تعالى ـ عن كل مالا يليق بجلاله وكماله.

والمعنى : نزه الله ـ تعالى ـ وعظمه وخضع له ، وانقاد لمشيئته .. جميع ما في السموات والأرض من كائنات ومخلوقات .. لا يعلمها إلا هو ـ سبحانه ـ.

وقد جاء التسبيح تارة بصيغة الفعل الماضي كما في هذه السورة ، وكما في سورتي الحشر والصف ، وتارة بصيغة المضارع ، كما في سورتي الجمعة والتغابن ، وتارة بصيغة الأمر كما في سورة الأعلى ، وتارة بصيغة المصدر كما في سورة الإسراء.

جاء التسبيح بهذه الصيغ المتنوعة ، للإشعار بأن تسبيح هذه المخلوقات لله ـ تعالى ـ شامل لجميع الأوقات والأحوال.

قال ـ تعالى ـ (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ، وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ، إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) (١).

وختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة بقوله : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ، والعزيز : هو الغالب على كل شيء ، إذ العزة معناها : الغلبة على الغير ، ومنه قوله تعالى ـ : (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) أى : غلبني في الخصام.

وفي أمثال ـ العرب : من عزّ بزّ ، أى : من غلب غيره تفوق عليه.

والحكيم مأخوذ من الحكمة ، وهي وضع الأمور في مواضعها اللائقة بها.

أى : وهو ـ سبحانه ـ الغالب الذي لا يغلبه شيء ـ الحكيم الذي يضع الأمور في مواضعها السليمة.

ثم ذكر ـ سبحانه ـ صفات أخرى من صفاته الجليلة فقال : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

أى. له ـ سبحانه ـ وحده دون أن يشاركه مشارك ، ملك السموات والأرض ، إذ هو ـ تعالى ـ المتصرف فيهما ، والخالق لهما ، إن شاء أبقاهما وإن شاء أزالهما.

وملكه ـ سبحانه ـ للسموات والأرض ، ملك حقيقى ، لأنه لا ينازعه فيه منازع ، ولا يشاركه مشارك .. بخلاف ملك غيره لبعض متاع الدنيا ، فإنه ملك زائل مهما طال ، ومفتقر إلى من يحميه ويدافع عنه.

__________________

(١) سورة الإسراء الآية ٤٤.

١٩٧

وقوله : (يُحْيِي وَيُمِيتُ) صفة أخرى من صفاته ـ عزوجل ـ أى : هو الخالق للحياة لمن شاء أن يحييه ، وهو الخالق للموت لمن أراد أن يميته.

وهذه الجملة خبر لمبتدأ محذوف ، وهي في الوقت نفسه بدل اشتمال مما قبلها إذ الإحياء والإماتة ، مما يشتمل عليه ملك السموات والأرض.

وخص ـ سبحانه ـ هاتين الصفتين بالذكر ، لأنه هو المتفرد بهما ، ولا يستطيع أحد أن يدعى أن له عملا فيهما ، ومن ادعى ذلك كانت دعواه من قبيل المغالطة والمجادلة بالباطل ، إذ الموجد الحقيقي لهما هو الله ـ عزوجل ـ وما سواه فهو سبب لهما.

وقوله ـ تعالى ـ : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تذييل مؤكد لما قبله. أى : وهو ـ سبحانه ـ على كل شيء من الأشياء التي من جملتها ما ذكر ـ قدير على إيجادها أو إعدامها.

ثم ذكر ـ سبحانه ـ صفات أخرى من صفاته الجليلة فقال : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ ، وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

أى : هو ـ سبحانه ـ الأول والسابق على جميع الموجودات ، إذ هو موجدها ومحدثها ابتداء. فهو موجود قبل كل شيء وجودا لا حد ولا وقت لبدايته.

(وَالْآخِرُ) أى : الباقي بعد هلاك وفناء جميع الموجودات ، كما قال ـ تعالى ـ : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ).

وآثر لفظ (الْآخِرُ) على لفظ الباقي ليتم الطباق بين الوصفين المتقابلين ...

وهو (الظَّاهِرُ) أى : الظاهر وجوده عن طريق مخلوقاته التي أوجدها بقدرته إذ من المعروف عند كل عاقل أن كل مخلوق لا بد له من خالق ، وكل موجود لا بد له من موجد.

فلفظ (الظَّاهِرُ) مشتق من الظهور الذي هو ضد الخفاء ، والمراد به هنا ظهور الأدلة العقلية والنقلية على وجوده ووحدانيته وقدرته وعلمه.

ويجوز أن يكون مشتقا من الظهور ، بمعنى الغلبة والعلو على الغير ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ ..).

وعليه يكون المعنى : وهو الغالب العالي على كل شيء.

وهو (الْباطِنُ) من البطون بمعنى الخفاء والاستتار ، أى : وهو ـ سبحانه ـ المحتجب يكنه ذاته عن أن تدركه الأبصار ، أو أن تحيط بحقيقة ذاته العقول ، كما قال ـ تعالى ـ

١٩٨

(لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ، وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ ، وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١).

ويصح أن يكون (الْباطِنُ) بمعنى العالم بما بطن وخفى من الأمور يقال : فلان أبطن بهذا الأمر من غيره ، أى : أعلم بهذا الشيء من غيره.

ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية بقوله : (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أى : وهو ـ سبحانه ـ عليم بكل ما في هذا الكون ، لا تخفى عليه خافية من شئونه ، كما قال ـ تعالى ـ : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) (٢).

قال ابن كثير : وهذه الآية هي المشار إليها في حديث عرباض بن معاوية أنها أفضل من ألف آية.

وقد اختلفت عبارات المفسرين في هذه الآية على نحو بضعة عشر قولا وقال البخاري : قال يحيى : الظاهر على كل شيء علما والباطن على كل شيء علما.

وروى الإمام مسلم ـ في صحيحه ـ ، والإمام أحمد ـ في مسنده ـ عن أبى هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يدعو عند النوم فيقول : «اللهم رب السموات ورب العرش العظيم ، ربنا ورب كل شيء ، منزل التوراة والإنجيل والقرآن ، فالق الحب والنوى ، لا إله إلا أنت ، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته ، أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء. اقض عنا الدين ، وأغننا من الفقر ..» (٣).

ثم ساق ـ سبحانه ـ ألوانا أخرى من الأدلة التي تدل على وحدانيته وقدرته فقال : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ).

والأيام : جمع يوم ، واليوم في اللغة مطلق الوقت ، أى : في ستة أوقات لا يعلم مقدارها إلا الله ـ تعالى ـ. وقيل : هذه الأيام من أيام الدنيا.

والاستواء في اللغة : يطلق على الاستقرار ، كما في قوله ـ تعالى ـ (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ) أى استقرت سفينة نوح ـ عليه‌السلام ـ عند ذلك الجبل المسمى بذلك الاسم .. كما يطلق بمعنى القصد ، ومنه قولهم : استوى إلىّ يخاصمني ، أى : قصد لي. كما يطلق بمعنى الاستيلاء والقهر ، ومنه قول الشاعر : قد استوى بشر على العراق.

__________________

(١) سورة الأنعام الآية ١٠٤.

(٢) سورة آل عمران الآية ٣.

(٣) راجع تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٤٠٢.

١٩٩

وعرش الله ، مما لا يعلمه البشر إلا بالاسم أما حقيقته وكيفيته فلا يعلمها إلا الله ـ تعالى ـ.

وقد ذكر العرش في إحدى وعشرين آية من القرآن الكريم ، كما ذكر الاستواء على العرش في سبع آيات.

أى : هو ـ سبحانه ـ الذي خلق السموات والأرض في ستة أوقات ، ثم استوى على العرش ، استواء يليق به ـ تعالى ـ. بلا كيف ، ولا تمثيل ، ولا تشبيه ، لاستحالة اتصافه ـ تعالى : بصفات المحدثين ، ولوجوب تنزيهه عما لا يليق به (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).

قال الإمام مالك ـ رحمه‌الله ـ الكيف غير معقول ، والاستواء غير مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة.

ثم بين ـ سبحانه ـ شمول علمه فقال : (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها ، وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها).

وقوله : (يَلِجُ) من الولوج بمعنى الدخول ، يقال : ولج فلان بيته ، إذا دخله.

وقوله : (يَعْرُجُ) من العروج وهو الذهاب في صعود ، والسماء ، جهة العلو مطلقا.

أى أنه ـ سبحانه ـ يعلم ما يلج في الأرض ، وما يدخل فيها من ماء نازل من السماء ، ومن جواهر وكنوز قد طويت في باطنها ، ومن بذور ومعادن في طياتها.

ويعلم ـ أيضا ـ (ما يَخْرُجُ مِنْها) من نبات وحبوب وكنوز ، وغير ذلك من أنواع الخيرات ، ويعلم ـ كذلك ـ (ما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) من أمطار ، وثلوج ، وبرد ، وصواعق ، وبركات ، من عنده ـ تعالى ـ لأهل الأرض.

ويعلم ـ أيضا ـ ما يصعد فيها من الملائكة ، ومن الأعمال الصالحة ، كما قال ـ تعالى ـ (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ).

وعدى العروج بحرف في ، لتضمنه معنى الاستقرار ، وهو في الأصل يعدى بحرف إلى ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ).

وقوله ـ سبحانه ـ : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) أى : وهو معكم بعلمه ولطفه ورحمته .. أينما كنتم وحيثما وجدتم.

قال الآلوسى : قوله ـ تعالى ـ : وهو معكم أينما كنتم تمثيل لإحاطة علمه ـ تعالى ـ

٢٠٠