الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: ٤٩٦
النَّعَمِ ) (١) .
وروى العامّة : أنّ علياً عليه السلام حَكَم فيها ببدنة (٢) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « وفي النعامة جزور » (٣) .
وفي حديث آخر : « بدنة » (٤) .
وقال أبو حنيفة : تجب القيمة . وقد تقدّم (٥) .
ولو لم يجد البدنة ، قوّم البدنة ، وفضّ قيمتها علىٰ البُرّ ، وأطعم ستّين مسكيناً لكلّ مسكين نصف صاع ـ وبه قال الشافعي وأحمد (٦) ـ لقوله تعالىٰ : ( فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ ) (٧) بقراءة الخفض (٨) ، وهو يقتضي أن يكون الجزاء بدلاً عن المثل من النَّعَم ؛ لأنّ تقديرها : فجزاء بمثل .
ولقول الصادق عليه السلام : « إذا أصاب المُحْرم الصيد ولم يجد ما يُكفّر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوّم جزاؤه من النَّعَم دراهم ثم قُوّمت الدراهم طعاماً لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً » (٩) .
وقال مالك : يقوّم الصيد لا المثل ؛ لأنّ التقويم إذا وجب لأجل الإِتلاف
__________________
=
فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٢٨ و ٤٣٨ .
(١) المائدة : ٩٥ .
(٢) سنن البيهقي ٥ : ١٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ .
(٣) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨٠ .
(٤) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨١ .
(٥) تقدّم في المسألة السابقة .
(٦) فتح العزيز ٧ : ٤٩٩ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ ، المغني ٣ : ٥٨٨ .
(٧) المائدة : ٩٥ .
(٨) أي : بالإِضافة .
(٩) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ ـ ٣٤٢ / ١١٨٣ .
قوّم المتلف كالذي لا مثل له (١) .
وقال أبو حنيفة : لا يجب المثل ، بل قيمة الصيد ، فإن شاء تصدّق بها ، وإن شاء اشترى شيئاً من النَّعَم التي تجزئ في الأضحية يذبح ، وإن شاء صرفها إلى الطعام ، فأعطى كلّ مسكين نصف صاع من بُرٍّ أو صاعاً من غيره ، أو صام عن كلّ نصف صاع من بُرٍّ أو صاع من غيره يوماً (٢) .
ولو لم يجد الإِطعام ، قوّم الجزور بدراهم والدراهم بطعام على ما قلناه ، ثم صام عن كلّ نصف صاع يوماً ـ وبه قال ابن عباس والحسن البصري والنخعي والثوري وأصحاب الرأي وابن المنذر (٣) ـ لأنّ صوم اليوم بدل عن نصف صاع في غير هذه الصورة ، فيكون كذلك هنا .
ولقول الصادق عليه السلام : « فإن لم يقدر علىٰ الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً » (٤) .
وقال عطاء : يصوم عن كلّ مُدٍّ يوماً ـ وبه قال مالك والشافعي ، وعن أحمد روايتان ـ لأنّ الله تعالى جعل اليوم في كفّارة الظهار في مقابلة إطعام المسكين ، فكذا هنا (٥) .
ويبطل بتقديم النصّ على القياس .
مسألة ٣١٨ : واختلف علماؤنا في كفّارة جزاء الصيد :
__________________
(١) بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ، المغني ٣ : ٥٥٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٠ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ .
(٢) الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٦٩ ـ ١٧٠ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٦ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ .
(٣) المغني ٣ : ٥٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٠ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٨٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠١ .
(٤) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ ـ ٣٤٢ / ١١٨٣ .
(٥) المغني ٣ : ٥٥٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٠ ، بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ .
فقال بعضهم : إنّها على الترتيب (١) ـ وبه قال ابن عباس والتوري وابن سيرين ، ونقله أبو ثور عن الشافعي في القديم (٢) ـ لقول الصادق عليه السلام : « فإن لم يقدر على ذلك ـ يعني الذبح ـ قوّم جزاء الصيد وتصدّق بثمنه على المساكين » ثم قال : « فإن لم يقدر صام بدل كلّ صاع يوماً » (٣) وهو يدلّ على الترتيب .
ولأنّ هدي المتعة على الترتيب ، وهذا آكد منه ؛ لأنّه فعل محظور .
وقال بعضهم : إنّها على التخيير (٤) ـ وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي ، وعن أحمد روايتان (٥) ـ وهو المعتمد ؛ لقوله تعالى : ( هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا ) (٦) و « أو » للتخيير .
قال ابن عباس : كلّ شيء « أو ، أو » فهو مخيّر ، وأمّا ما كان « فإن لم يجد » فهو الأوّلُ الأوّلُ . رواه العامّة (٧) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « كلّ شيء في القرآن ( أو ) فصاحبه بالخيار يختار ما شاء ، وكلّ شيء في القرآن ( فمن لم يجد فعليه كذا ) فالأول بالخيار » (٨) .
ولأنّها فدية تجب بفعل محظور ، فكان مخيّراً بين ثلاثتها ، كفدية الأذىٰ .
__________________
(١) كالشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨ ، والمحقّق في شرائع الإِسلام ١ : ٢٨٤ ـ ٢٨٥ .
(٢) المغني ٣ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٨ ـ ٣٣٩ ، المجموع ٧ : ٤٢٧ ـ ٤٢٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٠ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٥٦ .
(٣) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨٢ .
(٤) كالشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٩٧ ، المسألة ٢٦٠ ، وابن إدريس في السرائر : ١٣١ .
(٥) بداية المجتهد ١ : ٣٥٨ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٥٦ ، فتح العزيز ٧ : ٤٩٩ ـ ٥٠٠ ، المجموع ٧ : ٤٢٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠٠ ، المغني ٣ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٨ .
(٦) المائدة : ٩٥ .
(٧) المغني ٣ : ٥٥٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٩ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٥٦ .
(٨) الكافي ٤ : ٣٥٨ / ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٣٣ / ١١٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١٩٥ / ٦٥٦ .
وقال الشافعي قولاً آخر : إنّه لا إطعام في الكفّارة ، وإنّما ذكر في الآية ليعدل به الصيام ؛ لأنّ مَنْ قَدَر على الإِطعام قَدَر على الذبح ، وهو مروي عن ابن عباس وعن أحمد (١) أيضاً .
وهو خطأ لأنّ الله تعالى سمّى الإِطعام كفّارةً ، ولو لم يجب إخراجه لم يكن كفّارةً وجعله طعاماً للمساكين ، وما لا يجوز صرفه إليهم لا يكون طعاماً لهم .
ولأنّه عطف الطعام علىٰ الهدي ثم عطف الصوم عليه ، ولو لم تكن إحدىٰ الخصال لم يجز ذلك فيه .
ونمنع أنّ مَنْ قَدَر على الطعام قَدَر على الهدي ، إمّا لتعذّر المذبوح أو لغلاء السعر أو لغيرهما .
مسألة ٣١٩ : لو زادت قيمة الفداء على إطعام ستّين مسكيناً لكلّ مسكين نصف صاع ، لم يلزمه الزائد ، وأجزأه إطعام الستّين ، ولو نقص عن إطعام الستّين ، لم يجب الإِكمال ، بل أجزأه وإن كان ناقصاً .
وكذا لو زاد ثمن الطعام على صيام ستّين يوماً لكلّ يوم نصف صاع ، لم يجب عليه صوم الزائد على الستّين ، ولو نقص ، أجزأه الناقص ، ولا يجب عليه إكمال الصوم .
والعامّة لم يعتبروا ذلك ؛ لأنّها كفّارة ، فلا تزيد على إطعام ستّين ولا على صيام ستين ، لأنّها أعلى مراتب الكفّارات .
وقول الصادق عليه السلام في مُحْرم قتل نعامةً ، قال : « عليه بدنة ، فإن لم يجد فإطعام ستّين مسكيناً ، فإن كانت قيمة البدنة أكثر من طعام ستّين مسكيناً لم يزد على طعام ستّين مسكيناً ، وإن كانت قيمة البدنة أقلّ من طعام ستّين مسكيناً لم يكن عليه إلّا قيمة البدنة » (٢) .
__________________
(١) الشرح الكبير ٣ : ٣٣٩ ، المغني ٣ : ٥٥٧ ، وفيه : وهذا قول الشعبي ، بدل الشافعي .
(٢) الكافي ٤ : ٣٨٦ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٤٢ / ١١٨٥ .
إذا عرفت هذا ، فلو بقي ما لا يعدل يوماً ، كربع الصاع ، كان عليه صيام يوم كامل ، وبه قال عطاء والنخعي وحماد والشافعي وأصحاب الرأي (١) ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّ صيام اليوم لا يتبعّض ، والسقوط غير ممكن ؛ لشغل الذمّة ، فيجب إكمال اليوم .
مسألة ٣٢٠ : لو عجز عن البدنة وإطعام ستّين وصوم شهرين ، صام ثمانية عشر يوماً ؛ لأنّ صوم ثلاثة أيّام بدل عن إطعام عشرة مساكين في كفّارة اليمين مع العجز عن الإِطعام ، فيكون كذلك هنا .
ولقول الصادق عليه السلام : « مَنْ أصاب شيئاً فداؤه بدنة من الإِبل ، فإن لم يجد ما يشتري بدنةً فأراد أن يتصدّق فعليه أن يطعم ستّين مسكيناً لكلّ مسكين مُدّاً ، فإن لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوماً مكان كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام » (٢) .
مسألة ٣٢١ : في فراخ النعامة لعلمائنا قولان :
أحدهما : من صغار الإِبل (٣) ، وبه قال الشافعي وأحمد (٤) .
والثاني : فيه مثل ما في النعامة سواء (٥) ، وبه قال مالك (٦) .
احتجّ الأوّلون : بقوله تعالى : ( فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٧) ومثل الصغير صغير .
__________________
(١) المغني ٣ : ٥٥٩ ـ ٥٦٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٠ ، المجموع ٧ : ٤٢٧ .
(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧ .
(٣) من القائلين به : الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨ .
(٤) الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٤ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٣١ و ٤٣٩ ، المغني ٣ : ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ .
(٥) من القائلين به : الشيخ الطوسي في النهاية : ٢٢٥ والمبسوط ١ : ٣٤٢ .
(٦) بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ ، المنتقىٰ ـ للباجي ـ ٢ : ٢٥٥ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٣٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩٤ ، المغني ٣ : ٥٤٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٤ .
(٧) المائدة : ٩٥ .
ولأنّ فرخ الحمام يضمن بمثله ، فكذا فرخ النعامة .
واحتجّ الآخرون : بقوله تعالى : ( هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ) (١) ولا يجزئ في الهدي صغير .
ولقول الصادق عليه السلام في قوم حجّاج مُحْرمين أصابوا فراخ نعام ، فأكلوا جميعاً ، قال : « عليهم مكان كلّ فرخ بدنة يشتركون فيها جميعاً يشترونها على عدد الفراخ وعلى عدد الرجال » (٢) .
الثاني : كفّارة قتل حمارِ الوحش وبقرته .
مسألة ٣٢٢ : لو قتل المُحْرم حمارَ الوحش ، وجب عليه دم بقرة عند علمائنا ـ وبه قال عمر وعروة ومجاهد والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين (٣) ـ للمماثلة بين حمار الوحش والبقرة الأهلية .
ولأنّ أبا بصير سأل الصادق عليه السلام : قلت : فإن أصاب بقرة وحش أو حمار وحش ما عليه ؟ قال : « عليه بقرة » (٤) .
وقال أحمد في الرواية الاُخرى : عليه بدنة . وهو مروي عن أبي عبيدة وابن عباس ، وبه قال عطاء والنخعي (٥) .
وقال أبو حنيفة : تجب القيمة . وقد سلف (٦) .
إذا ثبت هذا ، ففي بقرة الوحش بقرة أهلية أيضاً عند علمائنا ، وهو مروي
__________________
(١) المائدة : ٩٥ .
(٢) الفقيه ٢ : ٢٣٦ / ١١٢٣ .
(٣) المغني ٣ : ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، الاُم ٢ : ١٩٢ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٢٣ ، المجموع ٧ : ٤٢٨ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٨٢ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٧٠ .
(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٢ ـ ٣٤٣ / ١١٨٦ .
(٥) المغني ٣ : ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ .
(٦) سلف في صفحة ٣٩٩ .
عن ابن مسعود وعطاء وعروة وقتادة والشافعي (١) ، ولا نعلم فيه خلافاً ، إلّا من أبي حنيفة (٢) ، لأنّ الصحابة نصّوا فيها على ذلك (٣) . وللمشابهة في الصورة . ولرواية أبي بصير ، الصحيحة ، وقد سلفت (٤) .
مسألة ٣٢٣ : لو لم يجد البقرة في جزاء حمار الوحش وبقرته ، قوّم ثمنها بدراهم وفضَّه على الحنطة ، وأطعم كلّ مسكين نصف صاع ، ولا يجب عليه ما زاد على إطعام ثلاثين مسكيناً ، ولا إتمام ما نقص عنه ، عند علمائنا .
وقال مالك : إنّما يقوّم الصيد . وقد سلف (٥) البحث معه .
وقد روى أبو عبيدة عن الصادق عليه السلام ، قال : « إذا أصاب المُحْرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قُوّم جزاؤه من النَّعَم دراهم ثم قُوّمت الدراهم طعاماً لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً » (٦) .
وعن أبي بصير عن الصادق عليه السلام ، قال : فإن أصاب بقرة وحش أو حمار وحش ما عليه ؟ قال : « بقرة » قلت : فإن لم يقدر على بقرة ؟ قال : « فليطعم ثلاثين مسكيناً » (٧) .
مسألة ٣٢٤ : لو لم يتمكّن من الإِطعام ، صام ثلاثين يوماً كلّ يوم بإزاء نصف صاع ، ولو لم يبلغ الإِطعام ذلك ، لم يكن عليه الإِكمال ، ولو فضل ،
__________________
(١) المغني ٣ : ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، المجموع ٧ : ٤٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٥٣ .
(٢) تقدّمت الإِشارة إلى مصادر قوله في صفحة ٣٩٩ ، الهامش (٧) .
(٣) كما في المغني ٣ : ٥٤٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، وفتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، والمجموع ٧ : ٤٢٨ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٨٢ .
(٤) سلفت في صدر المسألة .
(٥) سلف في المسألة ٣١٧ .
(٦) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ ـ ٣٤٢ / ١١٨٣ .
(٧) التهذيب ٥ : ٣٤٢ ـ ٣٤٣ / ١١٨٦ .
لم تجب عليه الزيادة عن ثلاثين ؛ لما تقدم (١) في النعامة .
ولقول الباقر عليه السلام : « لكلّ طعام مسكين يوماً » (٢) .
والخلاف في الترتيب والتخيير هنا كما تقدّم (٣) .
ولو لم يتمكّن من هذه الأصناف ، صام تسعة أيّام ؛ لما ثبت في كفّارة اليمين من أنّ صوم ثلاثة أيّام بدل من إطعام عشرة مساكين مع العجز ، فكذا هنا .
ولقول الصادق عليه السلام : « فإن لم يجد (٤) فليطعم ثلاثين مسكيناً ، فإن لم يجد (٥) فليصم تسعة أيّام » (٦) .
الثالث : في كفّارة الظبي والثعلب والأرنب .
مسألة ٣٢٥ : لو قتل المُحْرم ظبياً ، وجب عليه دم شاة ، وبه قال علي عليه السلام ، وعطاء وعروة وعمر بن الخطّاب والشافعي وأحمد وابن المنذر (٧) ؛ لأنّه قول من سمّيناه من الصحابة ، ولم يُعلمْ لهم مُخالف ، فكان حجّةً .
وما رواه العامّة عن جابر عن النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : ( وفي الظبي شاة ) (٨) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « وفي الظبي شاة » (٩) .
__________________
(١) تقدم في المسألة ٣١٩ .
(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٢ / ١١٨٤ .
(٣) تقدّم في المسألة ٣١٨ .
(٤ و ٥) في المصدر : فإن لم يقدر .
(٦) الكافي ٤ : ٣٨٥ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٤٢ ـ ٣٤٣ / ١١٨٦ .
(٧) المغني ٣ : ٥٤٦ و ٥٤٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ٨٢ .
(٨) سنن الدارقطني ٢ : ٢٤٧ / ٥٢ ، المغني ٣ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ .
(٩) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨١ .
وقال أبو حنيفة : الواجب القيمة . وقد تقدّم (١) البحث معه .
مسألة ٣٢٦ : لو عجز عن الشاة ، قوّم ثمنها دراهم ، وفضَّه على البُرّ ، وأطعم عشرة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع ، ولو زاد التقويم على ذلك ، لم تجب عليه الزيادة على إطعام العشر ، ولو نقص ، لم يجب عليه الإِكمال ؛ لما ثبت من مساواة إطعام عشرة مساكين للشاة في اليمين وأذى الحلق وغيرهما .
ولقول الصادق عليه السلام : « إذا أصاب المُحْرم الصيد ولم يجد ما يكفّر من موضعه الذي أصاب فيه [ الصيد ] (٢) قوّم جزاؤه من النَّعَم دراهم ثم قُوّمت الدراهم طعاماً لكلّ مسكين نصف صاع ، فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً » (٣) .
وسأل أبو بصير الصادقَ عليه السلام : فإن أصاب ظبياً ما عليه ؟ قال : « عليه شاة » قلت : فإن لم يجد شاةً ؟ قال : « فعليه إطعام عشرة مساكين » (٤) .
مسألة ٣٢٧ : لو عجز عن الإِطعام ، صام عن كلّ نصف صاع يوماً ، ولو زاد التقويم على خمسة أصْوُعٍ ، لم يكن عليه صوم عن الزائد ، ولو نقص ، لم يكن عليه إلّا بقدر التقويم ؛ لما ثبت من مقابلة صوم اليوم لنصف صاع ، فكذا هنا .
ولقول الصادق عليه السلام : « فإن لم يقدر على الطعام صام لكلّ نصف صاع يوماً » (٥) .
__________________
(١) تقدّم في صفحة ٣٩٩ .
(٢) أضفناها من المصدر .
(٣) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ ـ ٣٤٢ / ١١٨٣ .
(٤) الكافي ٤ : ٣٨٥ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٦ .
(٥) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤١ ـ ٣٤٢ / ١١٨٣ .
واعلم أنّ الخلاف هنا في ترتيب هذه الأصناف الثلاثة أو تخييرها كالخلاف فيما تقدّم (١) .
ولو عجز عن الشاة وإطعام عشرة مساكين وصوم عشرة أيّام ، صام ثلاثة أيّام ؛ لما ثبت من أنّها بدل في كفّارة اليمين عن إطعام عشرة مساكين ، وكذا في كفارة الأذى ، فكذا هنا .
ولقول الصادق عليه السلام : « ومَنْ كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ (٢) » (٣) .
مسألة ٣٢٨ : وفي الثعلب شاة ؛ لأنّ أبا بصير سأل الصادقَ عليه السلام : عن رجل قتل ثعلباً ، قال : « عليه دم » قلت : فأرنباً ؟ قال : « مثل ما في الثعلب » (٤) .
قال الشيخان رحمهما الله تعالى : إنّ في الثعلب مثل ما في الظبي (٥) . ولم يثبت .
ويمكن الاحتجاج بقول الصادق عليه السلام : « ومَنْ كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحجّ » (٦) .
إذا عرفت هذا ، ففي الأرنب شاة ، ذهب إليه علماؤنا ـ وبه قال عطاء (٧) ـ لأنّه كالثعلب ، فيكون جزاؤه مساوياً لجزائه .
ولقول الكاظم عليه السلام : « في الأرنب شاة » (٨) .
__________________
(١) تقدّم في المسألة ٣١٨ .
(٢) كلمة « في الحج » لم ترد في المصدر .
(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧ .
(٤) الكافي ٤ : ٣٨٦ / ٧ ، الفقيه ٢ : ٢٣٣ / ١١١٦ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٨ .
(٥) المقنعة : ٦٨ ، النهاية : ٢٢٢ ، المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٤٠ .
(٦) التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٧ .
(٧) المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ .
(٨) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ٨ ، الفقيه ٢ : ٢٣٣ / ١١١٤ ، التهذيب ٥ : ٣٤٣ / ١١٨٩ .
وقال ابن عباس : فيه حمل (١) .
وقال الشافعي : فيه عناق (٢) . وهو الاُنثى من ولد المعز في أول سنة ، والذكر جدي .
إذا عرفت هذا ، فقال بعض علمائنا : إنّ فيه مثل ما في الظبي (٣) ؛ لما تقدّم في الثعلب .
الرابع : كسر بيض النعام .
مسألة ٣٢٩ : إذا كسر المُحْرم بيض نعامة ، فإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه عن كلّ بيضة بكارة من الإِبل ، ولا تُشترط الاُنوثة ، فإن لم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه أن يرسل فحولة الإِبل في إناث منها بعدد البيض ، فالناتج هديٌ لبيت الله تعالى ، ذهب إليه علماؤنا .
لنا : أنّه مع التحرّك يكون قد قتل فرخ نعامة ، فعليه مثله من الإِبل ، ومع عدمه يحتمل الفساد والصحة ، فكان عليه (٤) ما يقابله من إلقاء المني في رحم الاُنثى المحتمل للفساد والصحة .
ولما رواه علي بن جعفر ـ في الصحيح ـ عن أخيه الكاظم عليه السلام ، قال : سألته عن رجل كسر بيض نعامة وفي البيض فراخ قد تحرّك ، فقال : « عليه لكلّ فرخ تحرّك بعير ينحره في المنحر » (٥) .
وسأل رجلٌ أميرَ المؤمنين عليه السلام : إنّي خرجت مُحرماً ، فوطأَتْ
__________________
(١) المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ .
(٢) الاُم ٢ : ١٩٣ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٢ ، المجموع ٧ : ٤٣٩ ، المغني ٣ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٢ .
(٣) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٦٨ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ، وسلّار في المراسم : ١٢٠ ، وابن إدريس في السرائر : ١٣٠ ـ ١٣١ .
(٤) في « ن » : فيه .
(٥) التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٣ / ٦٨٨ .
ناقتي بيض نعام فكسَرَتْه ، فهل عليَّ كفّارة ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام : « فاسأل ابني الحسن ـ عليه السلام ـ عنها » وكان بحيث يسمع كلامه ، فتقدّم إليه الرجل ، فسأله ، فقال له : « يجب عليك أن ترسل فحولة الإِبل في إناثها بعدد ما انكسر من البيض ، فما نتج فهو هديٌ لبيت الله عزّ وجلّ » فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : « يا بُنيّ كيف قلت ذلك وأنت تعلم أنّ الإِبل ربما أزلقت أو كان فيها ما يزلق ؟ » فقال : « يا أمير المؤمنين والبيض ربما أمرق (١) » فتبسّم أمير المؤمنين عليه السلام ، وقال له : « صدقت يا بُنيّ » ثم تلا ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢) (٣) .
وقال الشافعي : يجب عليه قيمة البيض ـ وبه قال عمر بن الخطّاب وابن مسعود والنخعي والزهري وأبو ثور وأحمد وأصحاب الرأي ـ لأنّ البيض لا مثل له ، فتجب القيمة .
ولما روي عن النبي صلّى الله عليه وآله ، أنّه قال : ( في بيض النعام يصيبه المُحْرم : ثمنه ) (٤) (٥) .
ونمنع عدم المثل ؛ لأنّه ليس المراد المثل الحقيقي .
والحديث مرسل لا اعتداد به .
وقال مالك : يجب في البيضة عُشْر قيمة الصيد (٦) .
__________________
(١) مرقت البيضة : إذا فسدت فصار ماءً . لسان العرب ١٠ : ٣٤٠ « مرق » .
(٢) آل عمران : ٣٤ .
(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٣١ .
(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣١ / ٣٠٨٦ .
(٥) المغني ٣ : ٥٥٣ ـ ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٣ ، الاُم ٢ : ٢٠٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، المجموع ٧ : ٣٣٢ ـ ٣٣٣ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٣ ، المحلّى ٧ : ٢٣٣ و ٢٣٥ .
(٦) بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ ـ ٣٦٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣٣٥ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٩ ، المجموع ٧ : ٣٣٢ و ٣٣٣ و ٤٤١ .
وقال داود وأهل الظاهر : لا شيء في البيض (١) .
مسألة ٣٣٠ : لا فرق بين أن يسكره بنفسه أو بدابّته ؛ لأنّه سبب في الإِتلاف ، فكان عليه ضمانه ؛ لقول الصادق عليه السلام : « ما وطأْتَه أو وطأه بعيرك أو دابّتك وأنت مُحْرم فعليك فداؤه » (٢) .
والاعتبار في العدد بالإِناث ، فيجب لكلّ بيضة اُنثى ، ولو كان الذكر واحداً أجزأه ؛ لأنّ الإِنتاج مأخوذ من الإِناث .
ولقول الصادق عليه السلام : « أن يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الإِبل الإِناث ، فما لقح وسلم كان النتاج هدياً بالغ الكعبة » (٣) .
مسألة ٣٣١ : لو لم يتمكّن من الإِبل ، كان عليه عن كلّ بيضة شاة ، فإن لم يجد ، كان عليه عن كلّ بيضة إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مُدُّ ، فإن لم يجد ، كان عليه صيام ثلاثة أيّام ؛ لأنّها تثبت بدلاً في كفّارات متعدّدة ، فكذا هنا .
ولرواية علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن عليه السلام ، قال : سألته عن رجل أصاب بيض نعامة وهو مُحْرم ، قال : « يُرسل الفحل في الإِبل على عدد البيض » قلت : فإنّ البيض يفسد كلّه ويصلح كلّه ، قال : « ما نتج الهدي فهو هدي بالغ الكعبة ، وإن لم ينتج فليس عليه شيء ، فمن لم يجد إبلاً فعليه لكلّ بيضة شاة ، فإن لم يجد فالصدقة على عشرة مساكين لكلّ مسكين مُدُّ ، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام » (٤) .
إذا عرفت هذا ، فلو كسر بيضةً فخرج منها فرخ حيّ وعاش ، لم يكن
__________________
(١) المحلّى ٧ : ٢٣٣ ، المجموع ٧ : ٣١٨ و ٣٣٢ و ٤٤١ .
(٢) التهذيب ٥ : ٣٥٥ ذيل الحديث ١٢٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٢ ذيل الحديث ٦٨٦ .
(٣) التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٢ ، الإستبصار ٢ : ٢٠٢ / ٦٨٦ .
(٤) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١١ ، التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ ـ ٢٠٢ / ٦٨٤ .
عليه شيء ، ولو مات ، كان فيه ما في صغير النعام .
ولو باض الطير على فراش مُحْرمٍ ، فنقله إلى موضعه فنفر الطير فلم يحضنه ، لزمه الجزاء . وللشافعي قولان (١) .
ولو كسر بيضةً فيها فرخ ميّت ، لم يكن عليه شيء ، وكذا لو كان البيض فاسداً .
وقال الشافعي : إن كان بيض نعام ، كان عليه القيمة ؛ لأنّ للقشر قيمةً (٢) .
وليس بمعتمد ؛ لأنّه بمنزلة الحجر والخشب ، ولهذا لو نقب بيضةً فأخرج ما فيها أجمع ، ضمنها ، ولو كسرها آخرٌ بعده ، لم يكن عليه شيء .
ولقول الكاظم عليه السلام : « وإن لم ينتج فليس عليه شيء » (٣) .
الخامس : كسر بيض القطا والقبج .
مسألة ٣٣٢ : لو كسر المُحْرم بيضةً من بيض القطا أو القبج ، فإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، كان عليه عن كلّ بيضةٍ مخاضٌ من الغنم ، وإن لم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه إرسال فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض ، فالناتج هدي لبيت الله تعالى .
وقالت العامّة : إنّ عليه القيمة (٤) . وقد تقدّم (٥) .
ولأنّ الصادق عليه السلام سُئل عن مُحْرم وطأ بيض القطا فشدخه ، قال : « يرسل الفحل في مثل عدد البيض من الغنم ، كما يرسل الفحل في مثل
__________________
(١) حلية العلماء ٣ : ٣٠٠ ، المجموع ٧ : ٣٣٧ .
(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٩ ، المجموع ٧ : ٣١٨ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ـ ٤٨٧ .
(٣) الكافي ٤ : ٣٨٧ / ١١ ، التهذيب ٥ : ٣٥٤ / ١٢٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ ـ ٢٠٢ / ٦٨٤ .
(٤) المغني ٣ : ٥٥٣ ـ ٥٥٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٠٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٨٦ ، المجموع ٧ : ٣١٨ و ٣٣٢ .
(٥) تقدّم في المسألة ٣٢٩ .
عدد البيض من الإِبل » (١) .
وأمّا وجوب المخاض للمتحرّك : فلأنّه بيض يتحرّك فيه الفرخ ، فكان عليه صغير من ذلك النوع ، كما في بيض النعام .
ولقول الصادق عليه السلام : « في كتاب علي عليه السلام في بيض القطاة بكارة من الغنم إذا أصابه المُحْرم مثل ما في بيض النعام بكارة من الإِبل » (٢) .
مسألة ٣٣٣ : لو لم يتمكّن من إرسال فحولة الغنم في إناثها ، قال الشيخ رحمه الله : كان حكمه حكم بيض النعام سواء (٣) .
قال ابن إدريس : يريد أنّه إذا لم يتمكّن من الإِرسال ، وجب عليه عن كلّ بيضة شاةً ، كما إنّ مَنْ عجز عن إرسال فحولة الإِبل في إناثها وجب عليه عن كلّ بيضة شاة ، ولا استبعاد فيه إذا قام الدليل عليه .
ونَقَل عن المفيد أنّه إذا لم يتمكّن من الإِرسال ، ذبح عن كلّ بيضة شاةً ، فإن لم يجد ، أطعم عن كلّ بيضة عشرةَ مساكين ، فإن لم يقدر ، صام عن كلّ بيضة ثلاثة أيّام (٤) .
والأقرب : أنّ مقصود الشيخ في مساواته لبيض النعام وجوب الصدقة على عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيّام إذا لم يتمكّن من الإِطعام ؛ لأنّ مع التحرّك لا تجب شاة كاملة صغيرة ، فكيف تجب الشاة الكاملة مع عدم التحرّك وإمكان فساده وعدم خروج الفرخ منه ! ؟
تنبيه : يجب ذبح الجزاء في الموضع الذي تجب التفرقة فيه ، فيتصدّق
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٨٩ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٥٦ / ١٢٣٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٣ / ٦٨٩
(٢) الكافي ٤ : ٣٨٩ ـ ٣٩٠ / ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٥٥ / ١٢٣٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٢ / ٦٨٧ .
(٣) النهاية : ٢٢٧ ، المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٤٥ .
(٤) السرائر : ١٣٢ ـ ١٣٣ ، وراجع : المقنعة : ٦٨ .
به على مساكين الحرم إمّا بأن يُفرّق اللحم ، أو يُملّكهم جملته مذبوحاً ، ولا يجوز أن يُخرجه حيّاً .
وإذا قوّم المثل دراهم ، لم يجز له أن يتصدّق بها ، بل يجعلها طعاماً ، ويتصدّق بها .
ولو صام عن نصف الصاع بقدره فانكسر ، وجب صوم يوم كامل ؛ لأنّ صوم اليوم لا يتبعّض .
البحث الثاني : فيما لا بدل له على الخصوص (١)
مسألة ٣٣٤ : الحمام كلّ طائر يهدر بأن يواتر صوته ، ويعبُّ الماء بأن يضع منقاره فيه ، فيكرع كما تكرع الشاة ، ولا يأخذ قطرةً قطرةً بمنقاره ، كما يفعل الدجاج والعصفور .
وقال الكسائي : إنّه كلّ مطوّق (٢) فالحجل حمام ؛ لأنّه مطوَّق .
ويدخل في الأول : الفواخت والوارشين والقماري والدباسي والقطا .
إذا عرفت هذا ، ففي كلّ حمامة شاة ، ذهب اليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال علي عليه السلام وعمر وعثمان وابن عمر وابن عباس ونافع بن عبد الحارث ؛ فإنّهم حكموا في حمام الحرم بكلّ حمامة شاة ، وبه قال سعيد بن المسيّب وعطاء وعروة وقتادة والشافعي وأحمد وإسحاق (٣) ـ لمشابهة الحمامة بالشاة في الكرع .
ولما رواه العامّة عن ابن عباس : أنّه قضى في الحمام حال الإِحرام
__________________
(١) أي : فيما ليس لكفّارته بدل على الخصوص .
(٢) المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣ .
(٣) المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣ ، الاُم ٢ : ١٩٥ ، الوجيز ١ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٤ ، المجموع ٧ : ٤٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٧ ، المحلّى ٧ : ٢٢٩ ، مصنّف عبد الرزاق ٤ : ٤١٨ / ٨٢٨٥ .
بالشاة ، ولم يخالفه أحد من الصحابة (١) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « المُحْرم إذا أصاب حمامةً ففيها شاة » (٢) .
ولأنّها حمامة [ مضمونة ] (٣) لحقّ الله تعالى ، فضُمنت بالشاة ، كحمامة الحرم .
ولأنّ الشاة مِثْلٌ لما في الحرم فتكون كذلك في الإِحرام ؛ لقوله تعالى : ( فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٤) .
وقال أبو حنيفة ومالك : فيه القيمة ـ إلّا أنّ مالكاً وافقنا في حمام الحرم دون حمام الإِحرام ـ لأنّ الحمامة لا مثل لها ، فتجب القيمة .
ولأنّ القياس يقتضي القيمة في كلّ الطير ، تركناه في حمام الحرم ؛ لقضاء الصحابة ، فيبقى ما عداه على الأصل (٥) .
وقد بيّنّا أنّ المماثلة في الحقيقة أو الصورة غير مرادة ، بل ما شابهها شرعاً ، وقد بيّنّا أنّ الشارع حَكَم في الحمامة بشاة ، مع قوله تعالى : ( فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٦) فدلّ على ثبوت المماثلة الشرعية بينهما . وهو الجواب عن الثاني .
مسألة ٣٣٥ : الشاة تجب بقتل المُحْرم للحمامة ، أمّا المُحِلُّ لو قتلها في الحرم ، فإنّه يجب عليه القيمة ، وهي درهم عند علمائنا ؛ لقول الصادق
__________________
(١) سنن البيهقي ٥ : ٢٠٥ ، المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣ .
(٢) الكافي ٤ : ٣٨٩ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٨ .
(٣) أضفناها من المغني والشرح الكبير .
(٤) المائدة : ٩٥ .
(٥) المغني ٣ : ٥٥٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٢ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٥٤ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٧ .
(٦) المائدة : ٩٥ .
عليه السلام : « في الحمامة درهم » (١) .
وسأل عبدُ الرحمن بن الحجّاج الصادقَ عليه السلام : عن فرخين مسرولين (٢) ذبحتُهما وأنا بمكة مُحِلٌّ ، فقال لي : « لِمَ ذبحتهما ؟ » قلت : جاءتني بهما جارية قوم من أهل مكة ، فسألتني أن أذبحهما لها ، فظننت أنّي بالكوفة ، ولم أذكر أنّي بالحرم فذبحتُهما ، فقال : « تصدّق بثمنهما » قلت : كم ثمنهما ؟ قال : « درهم خيرٌ من ثمنهما » (٣) .
ولو كانت القيمة أزيد من درهم أو أنقص ، فالأقرب : الغرم ؛ عملاً بالنصوص ، والأحوط : وجوب الأزيد من الدرهم والقيمة .
مسألة ٣٣٦ : لو كان القاتل للحمام مُحْرماً في الحرم ، وجب عليه الجزاء والقيمة معاً ، فيجب عليه عن كلّ حمامة شاة ودرهم ؛ لأنّه يهتك حرمةَ الحرم والإِحرام ، فكان عليه فداؤهما .
ولأنّ الشاة تجب على المُحْرم في الحِلّ ، والدرهم يجب على المُحِلّ في الحرم ، فالمُحْرم في الحرم يجب عليه الأمران ؛ لأنّه اجتمع فيه الوصفان :
ولأنّ أبا بصير سأل الصادقَ عليه السلام : عن مُحْرم قتل حمامةً من حمام الحرم خارجاً من الحرم ، قال : فقال : « عليه شاة » قلت : فإن (٤) قتلها في جوف الحرم ؟ قال : « عليه شاة وقيمة الحمامة » قلت : فإن (٥) قتلها في الحرم وهو حلال ؟ قال : « عليه ثمنها ليس غيره » (٦) .
مسألة ٣٣٧ : لو قتل فرخاً من فراخ الحمام ، وجب عليه حمل قد فُطم ورعى الشجر إن كان مُحْرماً ؛ لما تقدّم من المماثلة بين الجزاء والصيد ، ومثل
__________________
(١) الكافي ٤ : ٢٣٤ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٧ .
(٢) أي : في رجليهما ريش . مجمع البحرين ٥ : ٣٩٦ « سرول » .
(٣) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨١ .
(٤ و ٥) في النسخ الخطيّة والحجرية : فإنّه . وما أثبتناه من المصدر .
(٦) التهذيب ٥ : ٣٤٧ / ١٢٠٣ .
الصغير صغير .
ولقول الصادق عليه السلام : « فإن كان فرخاً فجدي أو حمل صغير من الضأن » (١) .
ولو كان القاتل للفرخ مُحِلاً في الحرم ، وجب عليه نصف درهم ، ولو كان مُحْرماً في الحرم ، وجب عليه الجزاء والقيمة معاً ، فيجب حملٌ ونصفُ درهم ؛ لقول الصادق عليه السلام : « في الحمامة درهم ، وفي الفرخ نصف درهم ، وفي البيض رُبْع درهم » (٢) .
مسألة ٣٣٨ : لو كسر المُحْرم بيض الحمام ولم يكن قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه عن كلّ بيضة درهم ، وإن كان قد تحرّك فيه الفرخ ، وجب عليه عن كلّ بيضة حمل ، هذا إن كان في الحِلّ ؛ لقول الصادق عليه السلام : « وإن وطأ المُحْرم بيضةً فكسرها فعليه درهم ، كلّ هذا يتصدّق به بمكة ومنى ، وهو قول الله تعالى : ( تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ ) (٣) » (٤) .
ولو كان الكاسر مُحلاً في الحرم ، فعليه لكلّ بيضة رُبْع درهم ؛ لقوله عليه السلام : « وفي البيض رُبْع درهم » (٥) .
ولو كان مُحْرماً في الحرم ، وجب عليه عن كلّ بيضة درهمٌ ورُبْعٌ .
مسألة ٣٣٩ : لا فرق بين حمام الحرم والأهلي في القيمة إذا قُتل في الحرم ، إلّا أنّ حمام الحرم يشترى بقيمته علف لحمامه ، والأهلي يتصدّق بثمنه على المساكين ، عند العلماء ، إلّا داود ؛ فإنّه قال : لا جزاء في صيد الحرم (٦) ؛ لأصالة البراءة .
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠١ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨٢ .
(٢) الكافي ٤ : ٢٣٤ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٤٥ / ١١٩٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٠٠ / ٦٧٧ .
(٣) المائدة : ٩٤ .
(٤) التهذيب ٥ : ٣٤٦ / ١٢٠٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٠١ / ٦٨٣ .
(٥) المصادر في الهامش (٢) .
(٦) حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٠٦ ، المسألة ٢٧٧ .
وهو غلط ؛ لما بيّنّا من أنّ جماعةً من الصحابة حكموا في حمام الحرم بشاة .
ولأنّه صيد ممنوع منه لحقّ الله تعالى ، فأشبه الصيد في الحرم .
ولأنّ حمّاد بن عثمان سأل الصادقَ عليه السلام : عن رجل أصاب طيرين : واحداً من حمام الحرم ، والآخر من حمام غير الحرم ، قال : « يشتري بقيمة الذي من حمام الحرم قمحاً ، فيطعمه حمام الحرم ، ويتصدّق بجزاء الآخر » (١) .
مسألة ٣٤٠ : في كلّ واحد من القطا والحجل والدراج حَمْل قد فُطم ورعى الشجر ، وحدّه ما كمل أربعة أشهر لغةً ؛ لقول الصادق عليه السلام : « وجدنا في كتاب عليّ عليه السلام : في القطاة إذا أصابها المُحْرم حَمْل قد فُطم من اللبن وأكل من الشجر » (٢) .
وقال الباقر عليه السلام : « في كتاب عليّ عليه السلام : مَنْ أصاب قطاةً أو حجلةً أو دراجةً أو نظيرهنّ فعليه دم » (٣) .
وأوجب ابن عباس وعطاء وجابر شاة شاة (٤) .
مسألة ٣٤١ : في العصفور والصعوة والقبرة وما أشبهها مُدُّ من طعام عند أكثر علمائنا (٥) ؛ لقول الصادق عليه السلام : « القبرة والصعوة والعصفور إذا قتله المُحْرم فعليه مُدُّ من طعام عن كلّ واحد منهم » (٦) .
وقال داود : لا يضمن ما كان أصغر من الحمام ، لقوله تعالى : ( فَجَزَاءٌ
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٩٠ / ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٥٣ / ١٢٢٨ .
(٢) التهذيب ٥ : ٣٤٤ / ١١٩٠ .
(٣) الكافي ٤ : ٣٩٠ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٣٤٤ / ١١٩١ .
(٤) المغني ٣ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦٦ .
(٥) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ٢٢٣ ، وابن إدريس في السرائر : ١٣١ ، والمحقّق في شرائع الإِسلام ١ : ٢٨٧ .
(٦) التهذيب ٥ : ٣٤٤ / ١١٩٣ .