الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: ٤٩٦
وقد وافقنا العامّة على وجوب الرجوع إلى الميقات للناسي والجاهل (١) .
أمّا غير مُريد النسك فقد وافقنا أحمد أيضاً في إحدى الروايتين (٢) على وجوب الرجوع ؛ لأنّه متمكّن من الإِتيان بالنسك على الوجه المأمور به ، فيكون واجباً عليه .
ولما رواه الحلبي ـ في الحسن ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل نسي أن يُحْرم حتى دخل الحرم ، قال : « عليه أن يخرج إلى ميقات أهل أرضه ، فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه ، وإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم » (٣) .
وسأل أبو الصباح الكناني الصادق عليه السلام عن رجل جهل أن يُحْرم حتى دخل الحرم كيف يصنع ؟ قال : « يخرج من الحرم يهلّ بالحج » (٤) .
وقال مالك والثوري والشافعي وأبو يوسف ومحمد : يُحْرم من موضعه ؛ لأنّه حصل دون الميقات على وجه مباح ، فكان له الإِحرام منه كأهل ذلك المكان (٥) .
والفرق ظاهر ؛ لقوله عليه السلام : ( ومَنْ كان منزله دون الميقات فمهلّه من أهله ) (٦) .
إذا عرفت هذا ، فلو لم يتمكّن من الرجوع إلى الميقات وتمكّن من
__________________
(١) المغني ٣ : ٢٢٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٤ .
(٢) المغني ٣ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٢ ، المجموع ٧ : ٢٠٤ .
(٣) التهذيب ٥ : ٢٨٣ ـ ٢٨٤ / ٩٦٥ .
(٤) الكافي ٤ : ٣٢٥ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٢٨٤ / ٩٦٦ .
(٥) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٤٨ ، التفريع ١ : ٣١٩ ، المغني ٣ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٠ ، المجموع ٧ : ٢٠٣ و ٢٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٥ .
(٦) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٢٢٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٢٢ .
الخروج إلى خارج الحرم ، وجب عليه ؛ لما رواه عبد الله بن سنان ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن رجل مرّ على الوقت الذي يُحْرم منه الناس ، فنسي أو جهل فلم يُحْرمْ حتى أتى مكة فخاف إن يرجع إلى الوقت فيفوته الحج ، قال : « يخرج من الحرم فيُحْرم منه ويجزئه ذلك » (١) .
ولأنّه بخروجه إلى خارج الحرم يكون جامعاً بين الحِلّ والحرم ، بخلاف ما لو أحرم من موضعه مع المكنة من الخروج .
ولو لم يتمكّن من الخروج ، أحرم من موضعه ، وأجزأه إجماعاً ، ولا يجب عليه دم ، خلافاً للشافعي (٢) .
ولو أسلم بعد مجاوزة الميقات ، وجب عليه الرجوع إلى الميقات والإِحرام منه مع المكنة ، وإن لم يتمكّن ، أحرم من موضعه ، ولا دم عليه ـ وبه قال عطاء ومالك والثوري والأوزاعي وإسحاق وأصحاب الرأي (٣) ـ لأنّه أحرم من الموضع الذي وجب عليه الإِحرام منه ، فأشبه المكّي ومَنْ كان منزله دون الميقات .
وقال الشافعي : يجب الدم (٤) .
وعن أحمد روايتان (٥) .
والصبي والعبد إذا تجاوزا الميقات من غير إحرام ثم بلغ أو تحرّر وتمكّنا من الحجّ ، وجب عليهما الرجوع إلى الميقات ، والإِحرام منه ، وإن لم
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٢٤ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٥٨ / ١٨١ .
(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٠ ، المجموع ٧ : ٢٠٦ .
(٣) المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧٣ ، المجموع ٧ : ٦٢ .
(٤ و ٥) حلية العلماء ٣ : ٢٧٣ ، المجموع ٧ : ٦١ ـ ٦٢ ، المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣ .
يتمكّنا ، أحرما من موضعهما ، ولا دم عليهما ، خلافاً للشافعي (١) .
ولو منعه مرض من الإِحرام عند الميقات ، قال الشيخ رحمه الله : جاز له أن يؤخّره عن الميقات ، فإذا زال المنع ، أحرم من الموضع الذي انتهى إليه (٢) .
والظاهر أنّ مقصوده تأخير نزع الثياب وكشف الرأس وشبهه ، فأمّا النية والتلبية مع القدرة عليهما فلا يجوز له ذلك ؛ إذ لا مانع منه .
ولو زال عقله بإغماء وشبهه ، سقط عنه الحج ، فلو أحرم عنه رجل ، جاز ؛ لما رواه بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام في مريض أُغمي عليه فلم يعقل حتى أتى الموقف ، قال : « يحرم عنه رجل » (٣) .
إذا عرفت هذا ، فإنّ الإِحرام يجزئ عنه بمعنى لو أفاق ، كان مُحْرماً ، ويجب عليه إتمام الحج ، فإن زال قبل الموقفين ، أجزأه عن حجّة الإِسلام ، وإن زال بعده ، لم يجزئه عن حجّة الإِسلام .
مسألة ١٥٦ : المواقيت التي يجب الاحرام منها هي التي وقّتها رسول الله صلّى الله عليه وآله ، فلو كان الميقات قرية فخربت ونقلت عمارتها إلى موضع آخر ، كان الميقات موضع الاُولى وإن انتقل الاسم إلى الثانية ؛ لأنّ الحكم تعلّق بذلك الموضع ، فلا يزول عنه بخرابه .
وقد روي أنّ سعيد بن جبير رأى رجلاً يريد أن يُحْرم من ذات عِرْقٍ ، فأخذ بيده حتى أخرجه من البيوت وقطع به الوادي وأتى به المقابر ، ثم قال : هذه ذاتُ عِرْق الاُولى (٤) .
مسألة ١٥٧ : لو سلك طريقاً لا يؤدّي إلى شيء من المواقيت ، روى
__________________
(١) انظر : المجموع ٧ : ٥٩ .
(٢) النهاية : ٢٠٩ .
(٣) التهذيب ٥ : ٦٠ / ١٩١ .
(٤) الاُم ٢ : ١٣٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٦٩ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٢١٥ .
العامّة عن عمر لمّا قالوا له : وقِّتْ لأهل المشرق ، قال : ما حيال طريقهم ؟ قالوا : قرن المنازل ، قال : قيسوا عليه ، فقال قوم : بطن العقيق ، وقال قوم : ذات عِرْق ، فوقَّت عمر ذات عِرْقٍ (١) .
ومن طريق الخاصة : ما رواه عبد الله بن سنان ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « مَنْ أقام بالمدينة وهو يريد الحج شهراً أو نحوه ثم بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة ، فإذا كان حذاء الشجرة مسيرة ستة أميال فليحرم منها » (٢) .
ولو لم يعرف محاذاة الميقات المقارب لطريقة ، احتاط وأحرم من بُعْدٍ بحيث يتيقّن أنّه لم يجاوز الميقات إلّا مُحْرماً ، ولا يلزمه الإِحرام حتى يعلم أنّه قد حاذاه أو يغلب على ظنّه ذلك ؛ لأنّ الأصل عدم الوجوب ، فلا يجب بالشك .
ولو أحرم بغلبة الظنّ بالمحاذاة ثم علم أنّه قد جاوز ما يحاذيه من الميقات غير مُحْرم ، الأقرب : عدم وجوب الرجوع ؛ لأنّه فعل ما كلّف به من اتّباع الظن ، فكان مجزئاً .
ولو مرّ على طريق لم يحاذ ميقاتاً ولا جاز به ، قال بعض الجمهور : يُحْرم من مرحلتين ، فإنّه أقلّ المواقيت وهو ذات عِرْق (٣) .
ويحتمل أنّه يُحْرم من أدنى الحِلّ .
مسألة ١٥٨ : أهل مكة يُحرمون للحجّ من مكة ، وللعمرة من أدنى الحلّ ، سواء كان مقيماً بمكة أو غير مقيم ؛ لأنّ كلّ مَنْ أتى على ميقات كان ميقاتاً له ، ولا نعلم في ذلك خلافاً ، ولهذا أمر النبي صلّى الله عليه وآله ،
__________________
(١) راجع : صحيح البخاري ٢ : ١٦٦ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٧ ، الحاوي الكبير ٤ : ٦٨ ، المغني ٣ : ٢١٤ ، والمحلّى ٧ : ٧٢ .
(٢) الفقيه ٢ : ٢٠٠ / ٩١٣ .
(٣) الوجيز ١ : ١١٤ ، فتح العزيز ٧ : ٨٨ ، المجموع ٧ : ١٩٩ .
عبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمر عائشة من التنعيم ، وكانت بمكة (١) .
وإنّما لزم الإِحرام من الحِلّ ؛ ليجمع في النسك بين الحِلّ والحرم ، فإنّه لو أحرم من الحرم ، لما جمع بينهما فيه ؛ لأنّ أفعال العمرة كلّها في الحرم ، بخلاف الحجّ ؛ فإنّه يفتقر إلى الخروج إلى عرفة فيجتمع له الحِلّ والحرم ، والعمرة بخلاف ذلك .
ومن أيّ الحِلّ أحرم جاز ، كما أنّ المُحْرم من مكة يُحْرم من أيّ موضع شاء منها ؛ لأنّ المقصود من الإِحرام الجمع في النسك بين الحِلّ والحرم .
وعن أحمد رواية : أنّ من اعتمر في أشهر الحج من أهل مكة أنّه يُهلّ بالحجّ من الميقات ، فإن لم يفعل ، فعليه دم (٢) .
ولو أحرم بالعمرة من الحرم ، لم يُجْزئه ، خلافاً للعامّة ؛ فإنّهم جوّزوه ، وأوجبوا عليه الدم ؛ لتركه الإِحرام من الميقات (٣) .
ثم إن خرج إلى الحِلّ قبل الطواف ثم عاد ، أجزأه ؛ لأنّه قد جمع بين الحِلّ والحرم .
وإن لم يخرج حتى قضى عمرته صحّ أيضاً عندهم ؛ لأنّه قد أتى بأركانها ، وإنّما أخلّ بالإِحرام من ميقاتها وقد جبره ، وهذا قول أبي ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وأحد قولي الشافعي ، والقول الثاني : لا تصح عمرته ؛ لأنّه نسك ، فكان من شرطه الجمع بين الحِلّ والحرم ، كالحجّ ، فعلى هذا وجود هذا الطواف كعدمه ، وهو باقٍ على إحرامه حتى يخرج إلى الحِلّ ، ثم يطوف بعد ذلك ويسعى ، وإن حلق قبل ذلك فعليه دم (٤) .
__________________
(١) كما في المغني ٣ : ٢١٥ ، والشرح الكبير ٣ : ٢١٧ ، وراجع : صحيح البخاري ٣ : ٤ ، وصحيح مسلم ٢ : ٨٧١ / ١١٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ٣٥٧ ، ومسند أحمد ٣ : ٣٠٥ .
(٢) المغني ٣ : ٢١٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢١٨ .
(٣) المغني ٣ : ٢١٨ ، المجموع ٧ : ٢٠٩ ، فتح العزيز ٧ : ٩٨ .
(٤) المغني ٣ : ٢١٨ ـ ٢١٩ ، فتح العزيز ٧ : ٩٨ ـ ٩٩ ، المجموع ٧ : ٢٠٩ .
مسألة ١٥٩ : مَنْ لا يريد النسك لو تجاوز الميقات ، فإن لم يُرِدْ دخول الحرم ، بل أراد حاجةً في ما سواه ، فهذا لا يلزمه الإِحرام إجماعاً ، ولا شيء عليه في ترك الإِحرام ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله أتى هو وأصحابه بَدْراً مرّتين ، وكانوا يسافرون للجهاد وغيره ، فيمرّون بذي الحليفة فلا يُحْرمون ، ولا يرون بذلك بأساً (١) .
ثم لو تجدّد له عزم الإِحرام ، احتمل الرجوع إلى الميقات والإِحرام منه ، وهو قول إسحاق وإحدى الروايتين عن أحمد (٢) .
وفي الاُخرى : يُحْرم من موضعه ولا شيء عليه ، وبه قال مالك والثوري والشافعي وأبو يوسف ومحمد (٣) .
وأمّا إن أراد دخول الحرم إمّا إلى مكة أو إلى غيرها ، فأقسامه ثلاثة :
الأول : مَنْ يدخلها لقتال مباح ، أو من خوف ، أو لحاجة متكرّرة ، كالحشّاش والحطّاب وناقل المِيرَة (٤) ، ومَنْ كانت له ضيعة يتكرّر دخوله وخروجه إليها ، فهؤلاء لا إحرام عليهم ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله دخل يوم الفتح مكة حلالاً وعلى رأسه المِغْفَر (٥) ، وكذا أصحابه (٦) .
ولأنّ في إيجاب الإِحرام على مَنْ يتكرّر دخوله مشقّةً عظيمةً ؛ لاستلزامه
__________________
(١) انظر : المغني ٣ : ٢٢٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٢١ .
(٢) المغني ٣ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٥ ، المجموع ٧ : ٢٠٤ .
(٣) المغني ٣ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢١ ـ ٢٢٢ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٣٧٣ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٤٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٥ ، المجموع ٧ : ٢٠٤ .
(٤) المِيرَة : الطعام . المفردات في غريب القرآن : ٤٧٨ « مور » .
(٥) المِغفَر : زَرَدُ يُنسج من الدروع علىٰ قدر الرأس يلبس تحت القلنسوة . والزّرد : حِلَقُ المِغفَر والدرع . لسان العرب ٥ : ٢٦ و ٣ : ١٩٤ .
(٦) صحيح مسلم ٢ : ٩٨٩ ـ ٩٩٠ / ١٣٥٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٠١ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٢١ ، المغني ٣ : ٢٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٢ .
أن يكون مُحْرماً في جميع زمانه . وبهذا قال الشافعي وأحمد (١) .
وقال أبو حنيفة : لا يجوز لأحد دخول الحرم بغير إحرام إلّا مَنْ كان دون الميقات ؛ لأنّه يجاوز الميقات مُريداً للحرم ، فلم يجز بغير إحرام ، كغيره (٢) .
والشافعي استدلّ : بأنّ النبي صلّى الله عليه وآله دخل يوم الفتح مكة وعلى رأسه عمامة سوداء (٣) .
إذا عرفت هذا ، فلو أراد هذا النسك بعد مجاوزة الميقات ، رجع وأحرم منه ، فإن لم يتمكّن ، أحرم من موضعه .
وقالت العامّة : يُحْرم من موضعه مطلقاً (٤) .
الثاني : مَنْ لا يكلّف بالحجّ ـ كالصبي والعبد والكافر ـ إذا أسلم بعد مجاوزة الميقات ، أو بلغ الصبي ، أو عُتق العبد ، وأراد الإِحرام ، فإنّهم يخرجون إلى الميقات ، ويُحْرمون منه ، فإن لم يتمكّنوا ، أحرموا من موضعهم .
وقالت العامّة : يُحْرمون من موضعهم ثم اختلفوا :
فقال الشافعي : على كلّ واحد منهم دم (٥) .
وقال عطاء ومالك والثوري والأوزاعي وإسحاق وأحمد : لا دم عليهم (٦) .
__________________
(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٠٢ ، المغني ٣ : ٢٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٢ .
(٢) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٦٧ ، المغني ٣ : ٢٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٢ ، المجموع ٧ : ١٦ .
(٣) صحيح مسلم ٢ : ٩٩٠ / ١٣٥٨ ، سنن النسائي ٥ : ٢٠١ ، سنن الترمذي ٤ : ١٩٦ / ١٦٧٩ ، وسنن الدارمي ٢ : ٧٤ ، وانظر : المغني ٣ : ٢٢٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٢٣ ، والمهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٠٢ .
(٤) المغني ٣ : ٢٢٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢١ .
(٥) المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣ .
(٦) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٨٠ ، المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣ .
وقال أصحاب الرأي : لا دم في الكافر يسلم والصبي يبلغ ، وأمّا العبد فعليه دم (١) .
الثالث : المكلّف الداخل لغير قتال ولا حاجة متكررة ، فلا يجوز له تجاوز الميقات غير مُحْرم ، وبه قال أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعي (٢) .
وقال بعضهم : لا يجب الإِحرام عليه ـ وعن أحمد روايتان (٣) ـ لأنّ ابن عمر دخلها بغير إحرام ، ولأنّه أحد الحرمين ، فلا يجب الإِحرام لدخوله ، كحرم المدينة (٤) .
والحقّ خلافه ؛ لأنّه لو نذر دخولها ، لزمه الإِحرام ، ولو لم يكن واجباً لم يجب بنذر الدخول ، كسائر البلدان .
إذا ثبت هذا ، فمتى أراد هذا الإِحرام بعد تجاوز الميقات رجع فأحرم منه ، فإن أحرم من دونه مع القدرة ، لم يجزئه ، ولو لم يتمكّن ، أحرم من موضعه .
مسألة ١٦٠ : لو دخل الحرم من غير إحرام ممّن يجب عليه الإِحرام ، وجب عليه الخروج والإِحرام من الميقات ، فإن حجّ والحال هذه ، بطل حجّه ، ووجب عليه القضاء ـ والشافعي [ ما ] (٥) أوجب القضاء (٦) ـ ؛ لأنّه أخلّ بركن من أركان الحجّ ، فوجب عليه الإِعادة .
وقال أبو حنيفة : يجب عليه أن يأتي بحجّة أو عمرة ، فإن أتى بحجّة الإِسلام في سنته أو منذورة أو عمرة ، أجزأته عن عمرة الدخول استحساناً ؛ لأنّ مروره على الميقات مريداً للحرم موجب للإِحرام ، فإذا لم يأت به ، وجب قضاؤه ، كالنذر (٧) .
__________________
(١) المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤ : ١٧٣ ، المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣ .
(٢ ـ ٤) المغني ٣ : ٢٢٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٣ .
(٥) زيادة يقتضيها السياق .
(٦ و ٧) المغني ٣ : ٢٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٤ .
وقال أحمد : لا قضاء عليه ؛ لأنّ الإِحرام شُرّع لتحية البقعة ؛ فإذا لم يأت به ، سقط ، كتحية المسجد (١) .
وليس بجيّد ؛ لأنّ تحية المسجد غير واجبة .
ولو تجاوز الميقات ورجع ولم يدخل الحرم ، فلا قضاء عليه بلا خلاف نعلمه ، سواء أراد النسك أو لم يرده .
ومَنْ كان منزله دون الميقات خارجاً من الحرم فحكمه في مجاوزة قريته إلى ما يلي الحرم حكم المجاوز للميقات في الأحوال الثلاث السابقة ؛ لأنّ موضعه ميقاته ، فهو في حقّه كالمواقيت الخمسة في حقّ الآفاقي .
مسألة ١٦١ : إذا ترك الإِحرام من الميقات عامداً ، أثم ، ووجب عليه الرجوع إليه والإِحرام منه ، فإن لم يتمكّن من الرجوع ، بطل حجّه .
ولو تركه ناسياً أو جاهلاً ، وجب عليه الرجوع مع القدرة ، فإن لم يتمكّن ، أحرم من موضعه إن لم يتمكّن من الخروج إلى خارج الحرم ، سواء خشي فوات الحجّ برجوعه إلى الميقات أم لا ـ وقالت العامّة : يُحْرم من موضعه (٢) . وابن جبير (٣) وافقنا ـ لأنّه ترك ركناً من أركان الحج .
واحتجاج العامّة على أنّه ليس بركن : بإختلاف الناس والأماكن ، ولو كان ركناً لم يختلف ، كالوقوف والطواف (٤) .
والملازمة ممنوعة .
ويستحب لمن يُحْرم من ميقات أن يُحْرم من أول جزء ينتهي إليه منه ، ويجوز أن يُحْرم من آخره ؛ لوقوع الاسم عليه .
ومَنْ سلك طريقاً لا يُفضي إلى هذه المواقيت في برٍّ أو بحرٍ ، فقد قلنا :
__________________
(١) المغني ٣ : ٢٢٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٤ .
(٢) المغني ٣ : ٢٣٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٦ .
(٣) المغني ٣ : ٢٣٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٢٠٨ ، حلية العلماء ٣ : ٢٧١ .
(٤) المغني ٣ : ٢٣٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٢٦ .
إنّ ميقاته حيث يُحاذي واحداً منها .
ولو حاذى ميقاتين ، فأظهر وجهي الشافعية : أنّه يُحْرم من الموضع المحاذي لأبعدهما ، والثاني : يتخيّر (١) .
مسألة ١٦٢ : قد بيّنّا في ما تقدّم أنواع الحجّ ، وأنّها ثلاثة : تمتّع وقران وإفراد ، وأنّ الإِفراد أن يأتي بالحجّ وحده من ميقاته وبالعمرة مفردةً من ميقاتها في حقّ الحاضر بمكة ، ولا يلزمه العود إلى ميقات بلده عند الشافعي (٢) .
وعن أبي حنيفة أنّ عليه أن يعود ، وعليه دم الإِساءة لو لم يَعُدْ (٣) .
والقران عند الشافعي : أن يُحْرم بالحجّ والعمرة معاً ، ويأتي بأعمال الحجّ ، فتحصل العمرة أيضاً ، ويتّحد الميقات والفعل (٤) .
وعند أبي حنيفة : يأتي بطوافين وسَعْيَيْن (٥) .
ولو أحرم بالعمرة أوّلاً ثم أدخل عليها الحج ، لم يجز عندنا .
وقال الشافعي : إن أدخله في غير أشهر الحج ، فهو لغو و [ إحرام ] (٦) العمرة بحاله ، وإن أدخله عليها في أشهر الحجّ ، فإن كان إحرامه بالعمرة قبل أشهر الحج ثم أراد إدخال الحجّ عليها في الأشهر ليكون قارناً ، فوجهان :
أحدهما : يجوز ؛ لأنّه إنّما يدخل في الحجّ من وقت إحرامه به ، ووقت إحرامه به صالح للحج ، فعلى هذا له أن يجعله حجّاً بعد دخول الأشهر ، وأن يجعله قراناً .
__________________
(١) فتح العزيز ٧ : ٨٦ ، الحاوي الكبير ٤ : ٧٢ ، المجموع ٧ : ١٩٩ .
(٢) فتح العزيز ٧ : ١١٤ ـ ١١٥ .
(٣) فتح العزيز ٧ : ١١٥ .
(٤) فتح العزيز ٧ : ١١٨ ، المجموع ٧ : ١٧١ ، الحاوي الكبير ٤ : ١٦٤ .
(٥) الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٥٤ ، فتح العزيز ٧ : ١١٨ .
(٦) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطية والحجرية : إدخال . وما أثبتناه يقتضيه السياق . والمراد : لم يتغيّر إحرامه بالعمرة .
والثاني : لا يجوز ؛ لأنّ ابتداء الإِحرام متلبّس بإحرامٍ ، ولذلك لو ارتكب محظوراً ، لم يلزمه إلّا فدية واحدة ، فلو انعقد الحجّ وابتداء الإِحرام سابق على الأشهر ، لانعقد الإِحرام بالحجّ قبل أشهره ، فعلى هذا لا يجوز أن يجعله حجّاً .
وإن كان إحرامه في أشهر الحجّ ، فإن لم يشرع بَعْدُ في الطواف ، جاز ، وصار قارناً ؛ لقضية عائشة لمّا حاضت وخافت فوت الحجّ ، فأمرها النبي عليه السلام بإدخال الحجّ على العمرة لتصير قارنةً لتأتي بأعمال الحجّ ، وتؤخّر الطواف إلى أن تطهر .
وإن شرع فيه أو أتمّه ، لم يجز إدخال العمرة عليه ؛ لأنّه أتى بعمل من أعمال العمرة ، فيقع ذلك العمل عن العمرة ، ولا ينصرف بعدها إلى غيرها .
ولأنّه أخذ في التحلّل من العمرة ، فلا يليق به إدخال إحرام عليه ، والمتحلّل جارٍ إلى نقصان (١) .
وشبّهوه بما لو ارتدّت الرجعية ، فراجعها الزوج في العدّة ، فإنّه لا يجوز ؛ لأنّ الرجعة استباحة ، فلا يليق بحال التي تجري إلى تحريم .
ولو أحرم بالحجّ ثم أدخل عليه العمرة ، فقولان :
القديم ـ وبه قال أبو حنيفة ـ إنّه يجوز كإدخال الحجّ على العمرة .
والجديد ـ وبه قال أحمد ـ المنع ؛ لأنّ الحجّ أقوى من العمرة ؛ لاختصاصه بالوقوف والرمي والمبيت ، والضعيف لا يدخل على القويّ وإن كان القويّ قد يدخل على الضعيف ، كما أنّ فراش النكاح يدخل على فراش ملك اليمين حتى لو نكح اُخت أمةٍ (٢) حلّ له وطؤها ، وفراش ملك اليمين لا يدخل على فراش النكاح حتى لو اشترى اُخت منكوحةٍ (٣) لم يجز له وطؤها .
__________________
(١) أي : نقصان الإِحرام .
(٢) أي : أمته .
(٣) أي : منكوحته .
فإن جوّزنا إدخال العمرة على الحجّ فإلى متى يجوز ؟ فيه لهم وجوه :
أحدها : يجوز ما لم يطف للقدوم ، ولا يجوز بعده ؛ لأنّه أتى بعمل من أعمال الحجّ .
والثاني : يجوز وإن طاف للقدوم ما لم يأت بالسعي ولا غيره من فروض الحجّ .
والثالث : يجوز ما لم يقف بعرفة ، فإنّ الوقوف أعظم أعمال الحجّ .
والرابع : يجوز وإن وقف ما لم يشتغل بشيء من أسباب التحلّل من الرمي وغيره .
قالوا : ويجب على القارن دم ؛ لأنّ النبي عليه السلام أهدى عن أزواجه بقرةً وكنّ قارنات ، ودم القارن كدم المتمتّع ؛ لأنّه أكثر ترفّهاً ؛ لاستمتاعه بمحظورات الإِحرام بين النسكين ، فما يكفي المتمتّع أولى أن يكفي القارن .
وقال مالك : على القارن بدنة . وهو القول القديم للشافعي (١) .
وأمّا التمتّع : فأن يُحْرم بالعمرة من ميقات بلده ، ويأتي بأعمالها ، ثم ينشئ الحج من مكة ، سُمّي متمتّعاً ؛ لتمكّنه من الاستمتاع بمحظورات الإِحرام بينهما ، لحصول التحلّل (٢) . وهذا كمذهبنا .
وعند أبي حنيفة إن كان قد ساق الهدي لم يتحلّل بفراغه من العمرة ، بل يُحْرم بالحجّ ، فإذا فرغ منه ، حلّ منهما (٣) .
وإنّما يجب دم التمتّع عند الشافعي بشروط :
الأول : أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام ؛ لقوله تعالى :
__________________
(١) فتح العزيز ٧ : ١٢٠ ـ ١٢٧ و ٢٠٤ ـ ٢٠٥ ، وراجع : المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٠٨ ـ ٢٠٩ ، والمجموع ٧ : ١٧١ ـ ١٧٣ ، و ١٩٠ ـ ١٩١ ، والحاوي الكبير ٤ : ٣٨ و ٣٩ ، والشرح الكبير ٣ : ٢٤٥ .
(٢) فتح العزيز ٧ : ١٢٧ .
(٣) بدائع الصنائع ٢ : ١٤٩ ، فتح العزيز ٧ : ١٢٧ .
( ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) (١) والمعنى فيه أنّ الحاضر بمكة ميقاته للحج مكة ، فلا يكون بالتمتّع رابحاً ميقاتاً .
الثاني : أن يُحْرم بالعمرة في أشهر الحج ، فلو أحرم وفرغ من أعمالها قبل أشهر الحج ثم حجّ ، لم يلزمه الدم ؛ لأنّه لم يجمع بين الحجّ والعمرة في وقت الحجّ ، فأشبه المفرد لمّا لم يجمع بينهما لم يلزمه دم ؛ لأنّ دم التمتّع منوط من جهة المعنى بأمرين :
أحدهما : ربح ميقات ، كما سبق .
والثاني : وقوع العمرة في أشهر الحجّ ، وكانوا لا يزحمون الحجّ بالعمرة في وقت إمكانه ، ويستنكرون ذلك ، فورد التمتّع رخصةً وتخفيفاً ؛ إذ الغريب قد يرد قبل عرفة بأيّام ، ويشقّ عليه استدامة الإِحرام لو أحرم من الميقات ، ولا سبيل إلى مجاوزته ، فجُوّز أن يعتمر ويتحلّل .
ولو أحرم بها قبل أشهر الحج وأتى بجميع أفعالها في أشهر الحجّ ، فللشافعي قولان :
أحدهما : يلزمه الدم ـ قاله في القديم ـ لأنّه حصل له المزاحمة في الأفعال وهي المقصودة ، والإِحرام كالتمهيد لها .
وأصحّهما : لا يلزم ـ وبه قال أحمد (٢) ـ لأنّه لم يجمع بين النسكين في أشهر الحجّ ؛ لتقدّم أحد أركان العمرة عليها .
وقال مالك : مهما حصل التحلّل في أشهر الحجّ وجب الدم (٣) .
وقال أبو حنيفة : إذا أتى بأكثر أفعال العمرة في الأشهر ، كان متمتّعاً (٤) .
وإذا لم نوجب دم التمتّع في هذه الصورة ، ففي وجوب دم الإِساءة
__________________
(١) البقرة : ١٩٦ .
(٢) الشرح الكبير ٣ : ٢٤٦ ، فتح العزيز ٧ : ١٣٩ ـ ١٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦١ .
(٣) فتح العزيز ٧ : ١٤١ ـ ١٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦١ .
(٤) فتح العزيز ٧ : ١٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦١ .
للشافعية وجهان :
أحدهما : يجب ؛ لأنّه أحرم بالحج من مكة دون الميقات .
وأصحّهما : لا يجب ؛ لأنّ المسيء مَنْ ينتهي إلى الميقات على قصد النسك ويتجاوزه غير مُحْرم ، وهنا قد أحرم بنسك ، وحافَظَ على حرمة البقعة .
الثالث : أن يقع الحجّ والعمرة في سنة واحدة ، فلو اعتمر ثم حجّ في السنة القابلة ، فلا دم عليه سواء أقام بمكة إلى أن حجّ ، أو رجع وعاد ؛ لأنّ الدم إنّما يجب إذا زاحم بالعمرة حجّةً في وقتها ، وترك الإِحرام بحجّة من الميقات مع حصوله بها في وقت الإِمكان ولم يوجد .
وهذه الشرائط الثلاثة عندنا شرائط في التمتّع .
الرابع : أن لا يعود إلى الميقات ، كما إذا أحرم بالحج من جوف مكة واستمرّ عليه ، فإن عاد إلى ميقاته الذي أنشأ العمرة منه وأحرم بالحجّ ، فلا دم عليه ؛ لأنّه لم يربح ميقاتاً .
ولو رجع إلى مثل مسافة ذلك الميقات وأحرم منه ، فكذلك لا دم عليه ؛ لأنّ المقصود قطع تلك المسافة مُحْرماً .
ولو أحرم من جوف مكة ثم عاد إلى الميقات مُحْرماً ، ففي سقوط الدم مثل الخلاف المذكور فيما إذا جاوز غير مُحْرم وعاد إليه مُحْرماً .
ولو عاد إلى ميقات أقرب إلى مكة من ذلك الميقات وأحرم منه كما إذا كان ميقاته الجحفة فعاد إلى ذات عرق ، فهو كالعود إلى ذلك الميقات للشافعية فيه وجهان :
أحدهما : لا ، وعليه الدم إذا لم يَعُدْ إلى ميقاته ولا إلى مثل مسافته .
والثاني : نعم ؛ لأنّه أحرم من موضع ليس ساكنوه من حاضري المسجد الحرام .
الخامس : اختلفت الشافعيّة في أنّه هل يشترط وقوع النسكين عن شخص واحد أم لا ؟
فقال بعضهم : يشترط كما يشترط وقوعهما في سنة واحدة .
وقال الأكثر : لا يشترط ؛ لأنّ زحمة الحجّ وترك الميقات لا يختلف .
وهذا يفرض في ثلاث صُور :
إحداها : أن يكون أجيراً من شخصين استأجره أحدهما للحج والآخر للعمرة .
والثانية : أن يكون أجيراً للعمرة للمستأجر ثم يحجّ عن نفسه .
والثالثة : أن يكون أجيراً للحجّ ، فيعتمر لنفسه ثم يحجّ عن المستأجر .
فعلى قول الأكثر يكون نصف دم التمتّع على مَنْ يقع له الحجّ ونصفه على مَنْ تقع له العمرة .
وفصّل بعضهم ، فقال في الصورة الاُولى : إن أذنا في التمتّع ، فالدم عليهما نصفان ، وإن لم يأذنا ، فهو على الأجير ، وإن أذن أحدهما دون الآخر ، فالنصف على الآذن ، والنصف الآخر على الأجير .
وأمّا في الصورتين الأخيرتين : فإن أذن له المستأجر في التمتّع ، فالدم عليهما نصفان ، وإلّا فالكلّ على الأجير .
السادس : في اشتراط نيّة التمتّع للشافعي وجهان :
أصحّهما عنده : أنّه لا يُشترط ، كما لا تُشترط نيّة القران ، وهذا لأنّ الدم منوط بزحمة الحجّ وربح أحد الميقاتين ، وذلك لا يختلف بالنيّة وعدمها .
والثاني : يشترط ؛ لأنّه جمع بين عبادتين في وقت إحداهما ، فأشبه الجمع بين الصلاتين .
وهذه الشروط الستّة معتبرة عنده في لزوم الدم ، وهل تعتبر في نفس التمتّع ؟
قال بعض الشافعية : نعم ، فإذا تخلّف شرط ، كانت الصورة من صُور الإِفراد .
وقال بعضهم : لا .
وهو الأشهر عندهم ، ولهذا اختلفوا في أنّه يصحّ
التمتّع والقران من المكّي .
فقال بعضهم : نعم . وبه قال مالك .
وقال بعضهم : لا يصح . وبه قال أبو حنيفة (١) .
وعندنا يصحّ القران من المكّي دون التمتّع .
مسألة ١٦٣ : دم التمتّع نسك ـ وبه قال أبو حنيفة وأصحابه (٢) ـ لقوله تعالى : ( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) (٣) .
فأخبر أنّها من الشعائر ، فأمر بالأكل ، فلو كان جبراناً لما أمر بالأكل منها .
وقال الشافعي : إنّه دم جبران (٤) . وقد ظهر بطلانه .
إذا عرفت هذا ، فالمتمتّع إذا أحرم بالحجّ من مكة ، لزمه الدم إجماعاً ، فإن أتى الميقات وأحرم منه ، لم يسقط عنه فرض الدم عند علمائنا ؛ لأنّه متمتّع .
وقال جميع العامّة : يسقط عنه الدم (٥) .
مسألة ١٦٤ : من حضر الميقات ولم يتمكّن من الإِحرام لمرض أو غيره ، أحرم عنه وليّه وجنّبه ما يجتنبه المحرم ، وقد تمّ إحرامه .
والحائض والنفساء إذا جاءتا إلى الميقات اغتسلتا وأحرمتا منه وتركتا صلاة الإِحرام .
__________________
(١) فتح العزيز ٧ : ١٢٨ و ١٣٦ ـ ١٤٩ و ١٥٢ ـ ١٥٥ و ١٦١ و ١٦٣ ـ ١٦٤ ، الحاوي الكبير ٤ : ٤٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٠٨ ، المجموع ٧ : ١٧٥ ـ ١٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٠ ـ ٢٦١ .
(٢) الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٨٦ ، المجموع ٧ : ١٧٦ و ٨ : ٤١٩ ، التفسير الكبير ٥ : ١٦٨ .
(٣) الحج : ٣٦ .
(٤) فتح العزيز ٧ : ١٣٥ ، المجموع ٧ : ١٧٦ ، التفسير الكبير ٥ : ١٦٨ .
(٥) انظر : فتح العزيز ٧ : ١٤٧ ، والمجموع ٧ : ١٧٧ .
ويجرّد الصبيان من فخّ إذا أُريد الحجّ بهم ، ويجنّبون ما يجتنبه المحرم ، ويفعل بهم جميع ما يفعل به ، وإذا فعلوا ما تجب فيه الكفّارة ، كان على أوليائهم أن يكفّروا عنهم .
ولو كان الصبي لا يحسن التلبية أو لا يتأتّى له ، لبّى عنه وليّه ، وكذا يطوف به ، ويصلّي عنه إذا لم يحسن ذلك .
وإن حجّ بهم متمتّعين ، وجب أن يذبح عنهم إذا كانوا صغاراً ، وإن كانوا كباراً ، جاز أن يؤمروا بالصيام .
وينبغي أن يوقفوا الموقفين معاً ويحضروا المشاهد كلّها ويرمي عنهم ، ويناب عنهم في جميع ما يتولّاه البالغ بنفسه .
وإذا لم يوجد لهم هدي ولا يقدرون على الصوم ، كان على وليّهم أن يصوم عنهم .