الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-007-2
الصفحات: ٤٩٦
ج ـ لا يجب دخولها بإحرام ، بخلاف حرم مكة .
د ـ مَنْ أدخل صيداً إلى المدينة لا يجب عليه إرساله ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وآله كان يقول : ( يا أبا عمير ما فعل النُّغَيْر (١) ؟ ) وهو طائر صغير ، رواه العامّة (٢) ، وظاهره إباحة إمساكه ، وإلّا لأنكر عليه .
البحث الخامس عشر : الاستمتاع بالنساء
مسألة ٣٠٠ : يحرم على المُحْرم الاستمتاع بالنساء بالوطء والتقبيل والنظر بشهوة والعقد له ولغيره والشهادة على العقد وإقامة الشهادة به وإن تحمّلها مُحِلاً ، وكذا الاستمناء .
وقد أجمع علماء الأمصار على تحريم الوطء .
قال الله تعالى : ( فَلَا رَفَثَ ) (٣) .
وروى العامّة عن ابن عمر (٤) : أنّ رجلاً سأله ، فقال : إنّي واقعت بامرأتي ونحن مُحرمان ، فقال : أفسدت حجّك انطلق أنت وأهلك فاقض ما يقضون وحَلّ إذا أحلّوا ، فإذا كان العام المقبل فاحجج أنت وامرأتك واهديا هدياً ، فإن لم تجدا فصُوما ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجعتم (٥) .
[ وفي حديث ابن عباس ] (٦) : ويتفرّقان من حيث يُحرمان حتى يقضيا
__________________
(١) النُّغَيْر : تصغير النُّغَر ، وهو : طائر يشبه العصفور ، وجمعه نِغْران . لسان العرب ٥ : ٢٢٣ « نغر » .
(٢) صحيح البخاري ٨ : ٣٧ و ٥٥ ، صحيح مسلم ٣ : ١٦٩٢ ـ ١٦٩٣ / ٢١٥٠ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٢٢٦ / ٣٧٢٠ ، مسند أحمد ٣ : ١١٥ ، ١١٩ ، ١٧١ ، ١٨٨ ، المغني ٣ : ٣٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٤ .
(٣) البقرة : ١٩٧ .
(٤) في النسخ الخطية والحجرية : ابن عباس . وما أثبتناه من المصدر .
(٥) المغني ٣ : ٣٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١ .
(٦) أضفناها من المصدر .
حجّهما (١) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « والرفث الجماع » (٢) .
إذا عرفت هذا ، فقوله تعالى : ( فَلَا رَفَثَ ) (٣) نفي يريد به النهي ، أي : لا ترفثوا ، كقوله تعالى : ( لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا ) (٤) .
مسألة ٣٠١ : ولا فرق في التحريم بين الوطء في القُبُل أو الدُّبُر ، ولا بين دُبُر المرأة أو الغلام .
وكذا يحرم التقبيل للنساء وملاعبتهنّ بشهوة ، والنظر إليهنّ بشهوة ، والملامسة بشهوة من غير جماع ؛ لما روى العامّة : أنّ عمر بن عبد الله (٥) قبّل عائشة بنت طلحة مُحْرماً ، فسأل ، فاُجمع له على أن يهريق دماً (٦) . والظاهر أنّه لم يكن أنزل .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « يا أبا سيّار إنّ حال المُحْرم ضيّقة ، إن قبَّل امرأته علىٰ غير شهوة وهو مُحْرم ، فعليه دم شاة ، ومَنْ قبَّل امرأته على شهوة فأمنى ، فعليه جزور ، ويستغفر الله ، ومَنْ مسّ امرأته وهو مُحرم على شهوة فعليه دم شاة ، ومَنْ نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى ، فعليه جزور ، وإن مسّ امرأته أو لازمها من غير شهوة ، فلا شيء عليه » (٧) .
مسألة ٣٠٢ : يحرم على المُحْرم أن يتزوّج أو يُزوّج ، فيكون وكيلاً لغيره
__________________
(١) المغني ٣ : ٣٢٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢١ .
(٢) الكافي ٤ : ٣٣٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٩٦ ـ ٢٩٧ / ١٠٠٣ .
(٣) البقرة : ١٩٧ .
(٤) البقرة : ٢٣٣ .
(٥) في النسخ الخطية والحجرية : عبيد الله . وما أثبتناه من المصدر .
(٦) المغني ٣ : ٣٣٤ .
(٧) الكافي ٤ : ٣٧٦ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٢٦ / ١١٢١ ، الاستبصار ٢ : ١٩١ / ٦٤١ .
فيه أو وليّاً ، سواء كان رجلاً أو امرأةً ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ـ وبه قال علي عليه السلام ، وعمر وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت ، ومن التابعين : سعيد ابن المسيّب وسليمان بن يسار والزهري ، وبه قال في الفقهاء : مالك والشافعي والأوزاعي وأحمد بن حنبل (١) ـ لما رواه العامّة أنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، قال : ( لا يَنْكح المُحْرم ولا يُنْكح ولا يخطب ) (٢) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « ليس للمُحْرم أن يتزوّج ولا يُزوّج ، فإن تزوّج أو زوّج فتزويجه باطل » (٣) .
وروى العامّة عن ابن عباس جواز ذلك كلّه ، وبه قال أبو حنيفة والحكم ؛ لما رواه ابن عباس : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله تزوّج ميمونة وهو مُحْرم (٤) .
ولأنّه عقد يملك به الاستمتاع ، فلا يحرّمه الإِحرام ، كشراء الإِماء (٥) .
والرواية ممنوعة ؛ فإنّ أبا رافع قال : تزوّج رسول الله صلّى الله عليه وآله ميمونة وهو حلال ، وبنى بها وهو حلال ، وكُنْتُ أنا الرسول بينهما (٦) .
وروى يزيد [ بن ] (٧) الأصم عن ميمونة : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله
__________________
(١) المغني والشرح الكبير ٣ : ٣١٨ ، المجموع ٧ : ٢٨٧ ـ ٢٨٨ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٣٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٣١ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٠٠ ذيل الحديث ٨٤٠ .
(٢) صحيح مسلم ٢ : ١٠٣٠ / ١٤٠٩ و ١٠٣١ / ٤٣ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٩ / ١٨٤١ و ١٨٤٢ ، سنن البيهقي ٥ : ٦٩ ، الموطّأ ١ : ٣٤٨ / ٧٠ ، مسند أحمد ١ : ٦٤ ، المغني ٣ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٨ .
(٣) التهذيب ٥ : ٣٢٨ / ١١٢٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٣ / ٦٤٧ .
(٤) صحيح مسلم ٢ : ١٠٣٢ / ٤٧ ، سنن أبي داود ٢ : ١٦٩ / ١٨٤٤ ، سنن النسائي ٥ : ١٩١ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٠١ ـ ٢٠٢ / ٨٤٢ ـ ٨٤٤ .
(٥) المغني والشرح الكبير ٣ : ٣١٨ ، المجموع ٧ : ٢٨٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٣١ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٣٨ .
(٦) سنن الترمذي ٣ : ٢٠٠ / ٨٤١ ، سنن البيهقي ٥ : ٦٦ ، المغني ٣ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٨ .
(٧) أضفناها من المصدر .
تزوّجها حلالاً ، وبنى بها حلالاً ، وماتت بـ « سرف » في الظلّة التي بنى فيها (١) ، وميمونة صاحبة القصة ، وأبو رافع كان السفير .
ولأنّ ابن عباس كان صغيراً لا يعرف حقائق الأشياء ، ولا يقف عليها ، فربما توهّم الإِحرام وليس موجوداً ، بخلاف أبي رافع .
ولأنّ سعيد بن المسيّب قال : وَهِمَ ابن عباس ، ما تزوّجها النبي صلّى الله عليه وآله إلّا حلالاً (٢) .
وأيضاً يحتمل أنّه أطلق المُحْرم على النبي صلّى الله عليه وآله بمجرّد أنّه تزوّجها في الشهر الحرام في البلد الحرام ، كما قيل :
قتلوا ابن عفّان الخليفةَ مُحرماً |
|
. . . . . . . . . (٣) |
أو أنّه تزوّجها وهو حلال ثم ظهر أمر التزويج وهو مُحْرم .
وشراء الأمة قد يكون للخدمة وهو الغالب ، بخلاف عقد النكاح الذي لا يكون إلّا مقدّمةً للاستمتاع ، فلمّا كان مقدّمةً للمُحَرَّم كان حراماً .
ولأنّ النكاح يُحْرم بالعدّة واختلاف الدين والردّة وكون المنكوحة اُختاً من الرضاع ، وتُعتبر له شرائط غير ثابتة في شراء الإِماء ، فافترقا .
إذا عرفت هذا ، فلو أفسد إحرامه ، لم يجز له أن يتزوّج فيه أيضاً ؛ لأنّ حكم الفاسد فيما يمنع حكم الصحيح .
مسألة ٣٠٣ : لو تزوّج المُحْرم أو زوّج غيره وإن كان مُحلاً أو زوّجت المُحْرمة ، فالنكاح باطل ، ولا فرق بين أن يكون المزوّجان مُحْرمين أو
__________________
(١) سنن الترمذي ٣ : ٢٠٣ / ٨٤٥ ، المغني ٣ : ٣١٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٨ ، وانظر : سنن أبي داود ٢ : ١٦٩ / ١٨٤٣ .
(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٦٩ / ١٨٤٥ ، المغني والشرح الكبير ٣ : ٣١٩ .
(٣) صدر بيت للراعي ، وعجزه :
. . . . . . . |
|
ودعا فلم أر مثله مخذولاً |
ديوان الراعي النميري : ٢٣١ ، والصحاح ـ للجوهري ـ ٥ : ١٨٩٧ ، والمغني والشرح الكبير ٣ : ٣١٩ .
أحدهما ، عند علمائنا ؛ لأنّه منهي عنه ، وكان باطلاً ، كنكاح المرضعة .
ولقول الصادق عليه السلام : « إنّ رجلاً من الأنصار تزوّج وهو مُحْرم ، فأبطل رسول الله صلّى الله عليه وآله نكاحه » (١) .
وقال أحمد : إن زوّج المُحْرم لم أفسخ النكاح (٢) .
وهو يدلّ على أنّه إذا كان الوليّ بمفرده أو الوكيل مُحْرماً ، لم يفسد النكاح ، هذا عند بعض أصحابه ، والمشهور عندهم : الأول (٣) .
إذا عرفت هذا ، فلو عقد المُحْرم لغيره ، فإنّ العقد يكون باطلاً ؛ لقول الصادق عليه السلام : « المُحْرم لا يَنْكح ولا يُنْكح ولا يشهد ، فإن نكح فنكاحه باطل » (٤) .
وأمّا الخطبة فإنّه تُكره الخطبة للمُحرم وخطبة المُحْرمة ، ويكره للمُحْرم أن يخطب للمحلّين ؛ لأنّه تسبّب إلى الحرام ، فكان مكروهاً ، كالصرف ، بخلاف الخطبة في العدّة ، فإنّها مُحرَّمة ؛ لأنّها تكون داعيةً للمرأة إلىٰ أن تُخبر بانقضاء العدّة قبل انقضائها رغبةً في النكاح ، فكان حراماً .
ولا فرق بين الإِمام وغيره في تحريم الوكالة والولاية في النكاح المُحرَّم .
وقال الشافعي في أحد الوجهين : يجوز للإِمام أن يعقد للمُحْرم في حال إحرامه ؛ لأنّه يجوز له التزويج للمُحْرمين بولايته العامّة ، لأنّه موضع الحاجة (٥) .
ونمنع من الحاجة الزائدة على عقد الولي الولايةَ الخاصّة .
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٧٢ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٣١ / ١٠٩٧ ، التهذيب ٥ : ٣٢٨ ـ ٣٢٩ / ١١٣٠ ، الاستبصار ٢ : ١٩٣ / ٦٤٩ .
(٢ و ٣) المغني والشرح الكبير ٣ : ٣٢٠ .
(٤) الكافي ٤ : ٣٧٢ / ١ وفيه بزيادة « ولا يخطب » التهذيب ٥ : ٣٣٠ / ١١٣٦ .
(٥) الحاوي الكبير ٤ : ١٢٦ ، حلية العلماء ٣ : ٢٩٣ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٧ ، والمجموع ٧ : ٢٨٤ .
مسألة ٣٠٤ : لا يجوز للمُحْرم أن يشهد بالعقد بين المُحلّين ـ ولو شهد ، انعقد النكاح عندنا ؛ لأنّ النكاح لا يعتبر فيه الشهادة ـ لما رواه العامّة عن النبي صلّى الله عليه وآله ( لا يَنْكح المُحْرم ولا يُنْكح ولا يشهد ) (١) .
ولقول الصادق عليه السلام وقد سُئل عن المُحْرم يشهد على نكاح المُحلّين ، قال : « لا يشهد » (٢) .
وقال الشافعي : يجوز له أن يشهد ؛ لأنّه لا مدخل للشاهد في العقد ، فأشبه الخطيب (٣) .
والفرق : أنّ الخطبة لإِيقاع العقد في حال الإِحلال وصْلةٌ إلى الحلال ، أمّا الشهادة على عقد المُحْرم فإنّه معونة على فعل الحرام ، فكان حراماً .
مسألة ٣٠٥ : لو عقد المُحْرم حال الإِحرام ، فإن كان عالماً بتحريم ذلك عليه ، فُرّق بينهما ولم تحلّ له أبداً ، وإن لم يكن عالماً ، فُرّق بينهما ، فإذا أحلّا أو أحلّ الزوج إن لم تكن المرأة مُحْرمةً ، جاز له العقد عليها ، ذهب إليه علماؤنا ـ خلافاً للعامّة ـ لأنّ الاحتياط يقتضي التحريم المؤبّد .
ولقول الصادق عليه السلام : « إنّ المُحْرم إذا تزوّج وهو مُحْرمٌ فُرّق بينهما ولا يتعاودان أبداً » (٤) .
وأمّا جواز المراجعة مع الجهل وعدم الدخول : فلقول الباقر عليه السلام : « قضىٰ أمير المؤمنين عليٌّ عليه السلام في رجل ملك بُضْع امرأة وهو مُحْرمٌ قبل أن يحلّ ، فقضى أن يخلّي سبيلها ، ولم يجعل نكاحه شيئاً حتى يحلّ ، فإذا أحلّ خطبها ، إن شاء أهلها زوّجوه ، وإن شاءوا لم يزوّجوه » (٥) .
__________________
(١) الحاوي الكبير ٤ : ١٢٦ ، المجموع ٧ : ٢٨٤ .
(٢) الفقيه ٢ : ٢٣٠ / ١٠٩٥ ، التهذيب ٥ : ٣١٥ / ١٠٨٧ ، الاستبصار ٢ : ١٨٨ / ٦٣٠ .
(٣) حلية العلماء ٣ : ٢٩٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٧ ، المجموع ٧ : ٢٨٤ .
(٤) الكافي ٤ : ٣٧٢ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٢٩ / ١١٣٣ .
(٥) التهذيب ٥ : ٣٣٠ / ١١٣٤ .
فروع :
أ ـ لو وكّل مُحلٌّ مُحلاً في التزويج ، فعقد له الوكيل بعد إحرام الموكّل ، لم يصح النكاح ، سواء حضره الموكّل أو لا ، وسواء علم الوكيل أو لا ؛ لأنّ الوكيل نائب عن الموكّل ، ففعله مسند إليه في الحقيقة وهو مُحْرم .
ب ـ لو وكّل مُحْرمٌ مُحلاً في التزويج ، فعقد الوكيل والموكّل مُحْرمٌ ، بطل العقد ، وإن كان بعد إحلاله ، صحّ ، ولا يبطل ببطلان التوكيل ؛ لأنّ الإِذن في النكاح وقع مطلقاً ، لكن ما تناول حالة الإِحرام يكون باطلاً ، وما تناول حالة الإِحلال يكون صحيحاً ، والوكالة إذا اشتملت على شرط فاسد ، بطل ذلك ، وبقي مجرّد الإِذن يوجب صحة التصرف ، وكذا فساده في بعضه لا يمنع نفوذ التصرّف فيما يتناوله الإِذن على وجه الصحة ، بخلاف الصبي إذا وكّل في التزويج ، فأوقعه الوكيل بعد بلوغه ؛ لأنّ الوكالة هنا لا اعتبار بها في تلك الحال ولا في ثانيه ، ولم يوجد منه الإِذن في ثاني الحال ولا في أوّله على وجه الصحة ، فافترقا .
ج ـ لو شهد وهو مُحْرم ، صحَّ العقد وفَعَل حراماً . ولو أقام الشهادة بذلك لم يثبت بشهادته النكاح إذا كان تحمّلها وهو مُحْرم ، قاله الشيخ (١) رحمه الله .
والأقوى ثبوته إذا أقامها حالة الإِحلال .
ويشكل : باستلزامه إباحة البُضْع المُحرَّم ، كما لو عرف العقد ، فتزوّجت بغيره .
وكما تحرم عليه الشهادة بالعقد حال إحرامه تحرم عليه إقامتها في تلك الحال ولو تحمّلها مُحلاً .
ولو قيل : إنّ التحريم مخصوص بالعقد الذي أوقعه المُحْرم ، كان وجهاً .
__________________
(١) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣١٧ .
مسألة ٣٠٦ : إذا اتّفق الزوجان على وقوع العقد حالة الإِحرام ، بطل ، وسقط المهر إن كانا عالمين أو جاهلين ولم يدخل بها ؛ لفساد أصل العقد .
ولو دخل وهي جاهلة ، ثبت المهر بما استحلّ من فرجها ، وفُرّق بينهما .
ولو اختلفا فادّعى أحدهما وقوعه حالة الإِحلال وادّعى الآخر وقوعه حالة الإِحرام ، فإن كان هناك بيّنة ، حُكم بها .
ولو انتفت البيّنة ، فإن كانت الزوجةُ مُدّعيةً لوقوعه في الإِحرام وأنكر الرجل ، فالقول قوله مع اليمين ؛ عملاً بأصالة الصحّة ، فإذا حلف ، ثبت النكاح ، وليس لها المطالبة بالمهر مع عدم الدخول ، ولو كانت قَبَضَتْه ، لم يكن للزوج استعادته .
ولو كان الزوج هو المدّعي لوقوعه حالة الإِحرام ، فالقول قول المرأة مع اليمين ، ويُحكم بفساد العقد في حقّ الزوج ؛ لأنّه ادّعى فساده ، ويُحكم عليه بأحكام النكاح الصحيح .
ثم إن كان قد دخل بها ، وجب عليه المهر كملاً ؛ للرواية (١) ، وإن لم يكن دخل بها ، قال الشيخ : يجب نصف المهر (٢) .
والوجه : الجميع .
ولو أشكل الأمر فلم يُعلم هل وقع العقد في الإِحرام أو الإِحلال ، صحّ العقد ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لأصالة الصحة .
قال الشيخ رحمه الله : والأحوط تجديده (٤) ؛ لأنّ الأول إن وقع في الإِحلال ، لم يضرّ الثاني ، وإلّا كان مبيحاً .
وإذا وطأ العاقد في الإِحرام ، لزمه المهر : إمّا المسمّى إن كان قد
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٢٣١ / ١٠٩٩ .
(٢) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣١٨ .
(٣) المجموع ٧ : ٢٨٧ .
(٤) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣١٧ .
سمّاه ، وإلّا مهر المثل ، ويلحق به الولد ، ويفسد حجّه إن كان قبل الوقوف بالموقفين ، ويلزمها العدّة ، وإن لم يكن دخل ، فلا يلزمه شيء من ذلك .
ولو عقد المُحْرم لغيره ، كان العقد فاسداً ، ثم يُنظر فإن كان المعقود له مُحْرماً ودخل بها ، لزم العاقد بدنة .
مسألة ٣٠٧ : لا بأس للمُحْرم أن يراجع امرأته عند علمائنا ـ وبه قال الشافعي ومالك وأحمد في إحدى الروايتين (١) ـ لقوله تعالى : ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ ) (٢) .
وقوله تعالى : ( فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) (٣) والإِمساك هو المراجعة ولم يُفصّل .
ولأنّه ليس باستئناف عقد ، بل إزالة مانع عن الوطء ، فأشبه التكفير عن الظهار .
وقال أحمد في الرواية الاُخرى : لا يجوز ؛ لأنّه استباحة فرج مقصود بعقد ، فلا يجوز في الإِحرام ، كعقد النكاح (٤) .
والفرق : أنّ عقد النكاح يملك به الاستمتاع ، بخلاف الرجعة ، فإنّ الاستمتاع مملوك له قبلها ؛ إذ لا تخرج بالطلاق الرجعي عن حكم الزوجة ، فإنّهما يتوارثان .
على أن المشهور من مذهب أحمد : أنّ الرجعية مباحة (٥) ، فلا يصح
__________________
(١) مختصر المزني : ٦٦ ، حلية العلماء ٢٣ : ٢٩٤ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢١٧ ، المجموع ٧ : ٢٨٥ و ٢٩٠ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٣٩ ، المغني ٣ : ٣٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٠ .
(٢) البقرة : ٢٢٨ .
(٣) البقرة : ٢٢٩ .
(٤) المغني ٣ : ٣٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٠ ، المجموع ٧ : ٢٩٠ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٣٩ .
(٥) المغني ٣ : ٣٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٢٠ .
قوله : الرجعة استباحة .
مسألة ٣٠٨ : يجوز شراء الإِماء في حالة الإِحرام ، لكن لا يقربهنّ إجماعاً ؛ لأنّ الشراء لفائدة الاستخدام غالباً ، فكان سائغاً ، وسواء قصد به التسرّي أو لا ، ولا نعلم فيه خلافاً ؛ لأنّه ليس بموضوع للاستباحة في البُضْع ، فأشبه شراء العبيد ، ولذلك اُبيح شراء مَنْ لا يحلّ وطؤها ، ولم يحرم الشراء في حال يحرم فيه الوطء .
ويؤيّده : ما رواه سعد بن سعد عن الرضا عليه السلام ـ في الصحيح ـ قال : سألته عن المُحْرم يشتري الجواري ويبيع ، قال : « نعم » (١) .
إذا ثبت هذا ، فلو اشترى حالة الإِحرام أمةً للتسرّي بها حالة الإِحرام ، احتمل فساد العقد ؛ لأنّ الغرض الذي وقع لأجله مُحرَّم ، ويحتمل الصحة ؛ لأنّ الغرض عارض ، فلا يؤثّر في الصحة الأصلية .
إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز له مفارقة النساء حالة الإِحرام بكلّ حال من طلاق أو خُلْع أو ظهار أو لعان أو غير ذلك من أسباب الفرقة إجماعاً .
ورواه أبو بصير ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : « المُحْرم يطلّق ولا يتزوّج » (٢) .
مسألة ٣٠٩ : كلّ موضع حكمنا فيه ببطلان العقد من المُحْرم يُفرّق بينهما بغير طلاق ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لأنّ الطلاق إنّما يقع في صلب نكاح صحيح ، وهذا النكاح باطل .
وقال مالك : يُفرّق بينهما بطلقة . وكذا كلّ نكاح وقع فاسداً عنده يُفرّق بينهما بطلقة (٤) .
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٧٣ / ٨ ، الفقيه ٢ : ٣٠٨ / ١٥٢٩ ، التهذيب ٥ : ٣٣١ / ١١٣٩ .
(٢) الكافي ٤ : ٣٧٢ / ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٣١ / ١١٠٠ .
(٣) حلية العلماء ٣ : ٢٩٤ ، المجموع ٧ : ٢٩٠ .
(٤)
الكافي في فقه أهل المدينة : ٢٣٩ ، بداية المجتهد ٢ : ٧٠ ـ ٧١ ، التفريع ٢ : ٧٧ ،
حلية
=
مسألة ٣١٠ : لو نظر إلى امرأته بشهوة ، فَعَل حراماً ، ولو أمنى حينئذٍ ، كان عليه جزور إن كان موسراً .
ولو نظر بغير شهوة ، لم يكن عليه شيء وإن أمنى ؛ لما رواه أبو بصير عن الصادق عليه السلام : أنّه سأله عن رجل مُحْرم نظر إلى ساق امرأته (١) فأمنى ، فقال : « إن كان موسراً فعليه بدنة ، وإن كان وسطاً فعليه بقرة ، وإن كان فقيراً فعليه شاة » (٢) .
ولو نظر إلى غير أهله فأمنى ، كان عليه بدنة ، فإن لم يجد فبقرة ، فإن لم يجد فشاة ؛ لما رواه زرارة ـ في الصحيح ـ عن الباقر عليه السلام ، قال : سألته عن رجل مُحْرم نظر إلى غير أهله فأنزل ، قال : « عليه جزور أو بقرة ، فإن لم يجد فشاة » (٣) .
ولو حملها بشهوة فأمنى أو لم يُمْن ، وجب عليه دم شاة ، ولو لم يكن بشهوة ، لم يكن عليه شيء ولو أمنىٰ ؛ لما رواه الحلبي عن الصادق عليه السلام ، قال : قلت له : المُحْرم يضع يده على امرأته ، قال : « لا بأس » قلت : فإنّه أراد أن ينزلها في المحمل ويضمّها إليه ، قال : « لا بأس » قلت : فإنّه أراد أن ينزلها في المحمل فلمّا ضمّها إليه أدركته الشهوة ، قال : « ليس عليه شيء إلّا أن يكون طلب ذلك » (٤) .
وسأل محمّد بن مسلم الصادقَ عليه السلام : عن رجل مُحْرم حمل امرأته وهو مُحْرم فأمنى أو أمذى ، قال : « إن كان حملها ومسّها بشيء من الشهوة وأمنى أو لم يُمْن أمذى أو لم يُمْذ فعليه دم يهريقه ، وإن حملها أو مسّها
__________________
=
العلماء ٣ : ٢٩٤ ، المجموع ٧ : ٢٩٠ .
(١) في المصدر : امرأة .
(٢) الكافي ٤ : ٣٧٧ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٣٢٥ / ١١١٥ .
(٣) التهذيب ٥ : ٣٢٥ / ١١١٦ .
(٤) التهذيب ٥ : ٣٢٦ / ١١١٨ .
بغير شهوة فأمنى أو أمذى فليس عليه شيء » (١) .
ويجوز للمُحْرم أن يُقبّل اُمّه ؛ لأنّه ليس محلّ الشهوة ، ولا داعياً إلى الجماع ، فكان سائغاً ؛ لأنّ الحسين بن حمّاد سأل الصادق عليه السلام : عن المُحْرم يُقبِّل اُمَّه ، قال : « لا بأس به هذه قُبْلة رحمة ، إنّما تكره قُبْلة الشهوة » (٢) .
إذا ثبت هذا ، فلا فرق بين الاُمّ والاُخت وغيرهما من المُحرَّمات المؤبَّدة .
البحث السادس عشر : في الفسوق والجدال
مسألة ٣١١ : يحرم على المُحْرم الفسوقُ ، وهو : الكذب ، وهو حرام على غيره إلّا أنّه يتأكّد في حقّه .
قال الله تعالى : ( فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) (٣) .
قال الصادق عليه السلام : « والفسوق : الكذب والسباب » (٤) .
وروىٰ العامّة قول النبي صلّىٰ الله عليه وآله : ( سباب المسلم فسوق ) (٥) فجعلوا الفسوق هو السباب ؛ لهذا الخبر .
وهو غير دالّ ، وسبب الغلط إيهام العكس .
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٣٢٦ / ١١١٩ .
(٢) الكافي ٤ : ٣٧٧ / ٩ ، التهذيب ٥ : ٣٢٨ / ١١٢٧ .
(٣) البقرة : ١٩٧ .
(٤) الكافي ٤ : ٣٣٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٩٦ ـ ٢٩٧ / ١٠٠٣ .
(٥) صحيح البخاري ١ : ١٩ و ٨ : ١٨ ، و ٩ : ٦٣ ، صحيح مسلم ١ : ٨١ / ١١٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٧ / ٦٩ ، و ٢ : ١٢٩٩ / ٣٩٣٩ و ٣٩٤٠ و ١٣٠٠ / ٣٩٤١ ، سنن الترمذي ٤ : ٣٥٣ / ١٩٨٣ ، و ٥ : ٢١ ـ ٢٦٣٥ ، سنن النسائي ٧ : ١٢٢ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ١ : ١٤٥ / ٣٢٥ ، و ١٠ : ١٢٩ / ١٠١٠٥ ، و ١٩٤ / ١٠٣٠٨ ، و ١٩٧ / ١٠٣١٦ ، المغني ٣ : ٢٧١ .
وقال ابن عباس : الفسوق : المعاصي . وهو قول ابن عمر وعطاء وإبراهيم (١) .
وقال الكاظم عليه السلام : « والفسوق : الكذب » (٢) .
مسألة ٣١٢ : ويحرم على المُحْرم الجدال ، وفسّره الصادق عليه السلام بقول الرجل لغيره : لا والله وبلى والله (٣) . وكذا قال الكاظم (٤) عليه السلام .
وقال ابن عباس : الجدال هو أن تماري صاحبك حتى تغضبه (٥) . وهو قريب ممّا فسّره الإِمامان عليهما السلام .
وقال مجاهد : ( وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) (٦) أي : لا مجادلة ، ولا شكّ في الحجّ أنّه في ذي الحجّة (٧) . وما قلناه أولى .
إذا عرفت هذا ، فإنّه يستحب للمُحْرم قلّة الكلام إلّا بخير .
وروى العامة عن الحسين بن علي عليهما السلام ، قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه » (٨) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « إذا أحرمت فعليك بتقوى الله وذكر الله وقلّة الكلام إلّا بخير ، فإنّ تمام الحجّ والعمرة أن يحفظ
__________________
(١) تفسير الماوردي ١ : ٢٥٩ ، تفسير الطبري ٢ : ١٥٦ ، تفسير القرطبي ٢ : ٤٠٧ ، المغني ٣ : ٢٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٥ ـ ٣٣٦ .
(٢) التهذيب ٥ : ٢٩٧ / ١٠٠٥ .
(٣) الكافي ٤ : ٣٣٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٩٧ / ١٠٠٣ .
(٤) التهذيب ٥ : ٢٩٧ / ١٠٠٥ .
(٥) تفسير الطبري ٢ : ١٥٨ ، المغني ٣ : ٢٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٦ .
(٦) البقرة : ١٩٧ .
(٧) تفسير القرطبي ٢ : ٤٠٧ ، تفسير الطبري ٢ : ١٦٠ ، المغني ٣ : ٢٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٦ .
(٨) المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٣ : ١٣٨ / ٢٨٨٦ ، المعجم الصغير ـ للطبراني ـ ٢ : ١١١ ، مسند أحمد ١ : ٢٠١ ، المغني ٣ : ٢٧١ ـ ٢٧٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٦ .
المرء لسانه إلّا من خير كما قال تعالى ، فإنّ الله يقول : ( فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) (١) فالرفث : الجماع ، والفسوق : الكذب ، والجدال : قول الرجل : لا والله وبلى والله » (٢) .
ولأنّ ترك الكلام فيما لا ينفع ممّا يقتضي صيانة النفس عن اللغو والوقوع في الكذب وما لا يحلّ ، فإنّ مَنْ كثر كلامه كثر سقطه وقد قال صلّىٰ الله عليه وآله : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت ) (٣) فيستحب ترك الكلام فيما لا يتعلّق بالذكر والبحث في العلوم مطلقاً ، إلّا أنّه في حال الإِحرام أشدّ استحباباً ؛ لأنّه حال عبادة واستغفار واستشعار بطاعة الله تعالى ، فيشبه الاعتكاف .
ولا يعارض ذلك ما رواه العامّة عن عمر أنّه كان إذا ركب ناقته وهو مُحرمٌ يقول :
كأنّ راكبها غصن بمروحة |
|
إذا تدلّت به أو شارب ثمل (٤) |
وفِعْلُ عمر لا حجّة فيه ، خصوصاً مع معارضة فعل النبي صلّى الله عليه وآله .
مسألة ٣١٣ : لو ارتدّ في أثناء الحجّ والعمرة ، لم تُفسدهما ، ولا يعتدّ بما فَعَله في زمان الردّة ـ وهو قول بعض الشافعية (٥) ـ لأصالة الصحّة ، وبراءة الذمّة ، والخروج عن العهدة بامتثال الأمر .
وقال بعض الشافعية : إنّها تُفسدهما ، سواء طال زمانها أو قصر (٦) .
__________________
(١) البقرة : ١٩٧ .
(٢) الكافي ٤ : ٣٣٧ ـ ٣٣٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٩٦ / ١٠٠٣ .
(٣) صحيح مسلم ١ : ٦٨ / ٤٧ ، صحيح البخاري ٨ : ٣٩ ، سنن الترمذي ٤ : ٦٥٩ / ٢٥٠٠ ، الموطّأ ٢ : ٩٢٩ / ٢٢ ، المغني ٣ : ٢٧١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٦ .
(٤) سنن البيهقي ٥ : ٦٨ ، المغني ٣ : ٢٧٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٣٦ .
(٥ و ٦) فتح العزيز ٧ : ٤٧٩ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٤٢ ، المجموع ٧ : ٤٠٠ .
وعلى القول بالفساد لهُمْ وجهان :
أظهرهما : أنّه يبطل النسك بالكلية حتى لا يمضي فيه لا في الردّة ولا إذا عاد إلى الإِسلام ؛ لأنّ الردّة تُحْبط العبادة .
[ والثاني : أنّ سبيل الفساد هاهنا كسبيله عند الجماع ، فيمضي فيه لو عاد إلى الإِسلام ] (١) لكن لا تجب الكفّارة ، كما أنّ إفساد الصوم بالردّة لا يتعلّق به الكفّارة .
وعلى القول بالصحة لهُمْ ثلاثة أوجه :
أحدها : أنّه ينعقد على الصحة ، فإن رجع في الحال فذاك ، وإلّا فسد نسكه ، وعليه الفدية والقضاء والمضيّ في الفاسد .
والثاني : أنّه ينعقد فاسداً ، وعليه القضاء والمضيّ فيه ، سواء مكث أو رجع في الحال ، وإن مكث ، وجبت الفدية ، وهل هي بدنة أو شاة ؟ خلاف .
والثالث : لا ينعقد أصلاً ، كما لا تنعقد الصلاة مع الحدث (٢) .
القسم الثاني : في مكروهات الإِحرام
أ : يكره للمُحْرم النوم على الفراش المصبوغة ، وليس بحرام ؛ لما رواه أبو بصير ـ في الصحيح ـ عن الباقر عليه السلام ، قال : « يكره للمُحْرم أن ينام على الفراش الأصفر أو المرفقة الصفراء » (٣) .
ب : يكره الإِحرام في الثوب المصبوغ بالسواد أو المعصفر ، ويتأكّد في السواد والنوم عليه .
__________________
(١) أضفناها من المصدر .
(٢) فتح العزيز ٧ : ٤٧٩ .
(٣) التهذيب ٥ : ٦٨ / ٢٢١ .
ج : يكره الإِحرام في الثياب الوسخة وإن كانت طاهرةً .
د : لُبْس الثياب المعلمة .
هـ : استعمال الحِنّاء للزينة .
و : النقاب للمرأة على إشكال .
ز : دخول الحمّام وتدليك الجسد فيه .
ح : تلبية المنادي ، بل يقول : يا سعد ؛ لأنّه في مقام التلبية لله تعالى ، فكره لغيره .
ولقول الصادق عليه السلام : « ليس للمُحْرم أن يلبّي مَنْ دعاه حتى ينقضي إحرامه » قلت : كيف يقول ؟ قال : « يقول : يا سعد » (١) .
ط : استعمال الرياحين .
مسألة ٣١٤ : يجوز للمُحْرم أن يلبس الهميان ، وهو قول جمهور العلماء (٢) .
قال ابن عبد البرّ : أجمع فقهاء الأمصار متقدّموهم ومتأخّروهم على جواز ذلك (٣) .
وكرهه ابن عمر ومولاه نافع (٤) .
لما رواه العامّة عن ابن عباس قال : رخص رسول الله صلّى الله عليه وآله للمُحْرم في الهميان أن يربطه إذا كانت فيه نفقته (٥) .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « كان أبي عليه السلام يشدّ على بطنه نفقته يستوثق ، فإنّها تمام حجّه » (٦) .
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٦٦ / ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٨٦ / ١٣٤٨ .
(٢) المغني ٣ : ٢٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٥ .
(٣) المغني ٣ : ٢٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٥ ـ ٢٨٦ .
(٤ و ٥) المغني ٣ : ٢٨٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٦ .
(٦) الفقيه ٢ : ٢٢١ / ١٠٢٨ ، وانظر : الكافي ٤ : ٣٤٣ ـ ٣٤٤ ذيل الحديث ٢ .
ولشدّة الحاجة إلى ذلك .
وقول ابن عمر لا حجّة له فيه .
مسألة ٣١٥ : يجوز للمُحْرم أن يلبس السلاح عند الحاجة إجماعاً ، إلّا من الحسن البصري ، فإنّه كرهه (١) .
والحقُّ الأول ؛ لما رواه العامّة : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله صالح أهل الحديبية على أن لا يدخلوها إلّا بجُلْبان السلاح (٢) ، يعني القراب بما فيه .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليه السلام : « إنّ المُحْرم (٣) إذا خاف العدوّ فلبس السلاح ، فلا كفّارة عليه » (٤) .
وللحاجة إليه .
وقد دلّ هذا الحديث من حيث المفهوم على التحريم مع عدم الخوف ، وهو أحد قولي علمائنا (٥) .
مسألة ٣١٦ : يجوز أن يؤدّب الرجل عبده عند الحاجة إليه حالة إحرامه ؛ لقول الصادق عليه السلام : « لا بأس أن يؤدّب المُحْرم عبده ما بينه وبين عشرة أسواط » (٦) .
وإذا قتل المُحْرم حيواناً وشكّ في أنّه صيد ، لم يكن عليه شيء ؛ لأصالة البراءة .
ولو علم أنّه صيد وشكّ في أيّ صيد هو ، لزمه دم شاة ؛ لأنّه أقلّ مراتب
__________________
(١) المغني ٣ : ٢٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٧ .
(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٦٧ / ١٨٣٢ ، المغني ٣ : ٢٨٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٢٨٧ .
(٣) في النسخ الخطية والحجرية : المسلم ، وما أثبتناه من المصدر .
(٤) التهذيب ٥ : ٣٨٧ / ١٣٥١ .
(٥) كالشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٣٢٢ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٢٢١ ، وابن إدريس في السرائر : ١٢٨ .
(٦) التهذيب ٥ : ٣٨٧ / ١٣٥٣ .
الصيد .
ولقول الصادق عليه السلام في رجل أكل من لحم صيد لا يدري ما هو وهو مُحْرمٌ ، قال : « عليه شاة » (١) .
ويجوز أن يكون مع المُحْرم لحم الصيد إذا لم يأكله ، وتركه إلى وقت إحلاله ثم يأكله إذا لم يكن صاده هو ؛ لأنّ علي بن مهزيار سأله عن المُحْرم معه لحم من لحوم الصيد في زاده ، هل يجوز أن يكون معه ولا يأكله ويُدخله مكة وهو مُحْرم فإذا أحلّ أكله ؟ فقال : « نعم إذا لم يكن صاده » (٢) .
ويجوز إخراج الفهد من الحرم ؛ لأنّ إسماعيل بن الفضل الهاشمي سأل الصادق عليه السلام ، فقال له : فهود تُباع على باب المسجد ينبغي لأحد أن يشتريها ويخرج بها ؟ قال : « لا بأس » (٣) .
وفي الصحيح عن محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابه عن الصادق عليه السلام ، أنّه سُئل عن رجل أدخل فهداً إلى الحرم ، له أن يخرجه ؟ فقال : « هو سبُع ، وكلّما أدخلت من السباع (٤) الحرم أسيراً فلك أن تخرجه » (٥) .
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٩٧ / ٧ ، التهذيب ٥ : ٣٨٤ / ١٣٤٢ .
(٢) التهذيب ٥ : ٣٨٥ / ١٣٤٥ .
(٣) التهذيب ٥ : ٣٨٥ / ١٣٤٦ .
(٤) في المصدر : « السَّبُع » .
(٥) التهذيب ٥ : ٣٦٧ / ١٢٨١ .
المطلب الرابع : في كفّارات الإِحرام
وفيه بابان :
الأول : في كفّارات (١) الصيد .
وفيه مباحث :
الأوّل : فيما لكفّارته بدل على الخصوص
وهو خمسة :
الأوّل : قتل النعامة .
مقدّمة : دابّة الصيد تضمن بمثلها من النَّعَم عند أكثر العلماء (٢) ؛ لقوله تعالى : ( فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٣) .
وما رواه العامّة : أنّ النبي صلّى الله عليه وآله جعل في الضبع كبشاً (٤) .
ومن طريق الخاصّة : ما رواه أبو الصباح ـ في الصحيح ـ عن الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن قول الله عزّ وجلّ في الصيد : ( وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (٥) قال : « في الظبي شاة ، وفي حمار وحش بقرة ، وفي النعامة جزور » (٦) .
وقال أبو حنيفة : الواجب القيمة ؛ لأنّ الصيد ليس بمثلي ، فتجب القيمة ، ويجوز صرفها في المثل (٧) .
__________________
(١) في « ن » كفّارة .
(٢) المغني ٣ : ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ .
(٣) المائدة : ٩٥ .
(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣١ / ٣٠٨٥ ، سنن الدارقطني ٢ : ٢٤٦ / ٤٨ ، سنن البيهقي ٥ : ١٨٣ ، المغني ٣ : ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ .
(٥) المائدة : ٩٥ .
(٦) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨٠ .
(٧)
بدائع الصنائع ٢ : ١٩٨ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١٦٩ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ٤
:
=
والمماثلة الحقيقية ليست مرادةً ؛ لامتناعها بين الصيد والنَّعَم ، بل المراد من حيث الصورة ، فإنّ النعامة شبه البدنة .
وحَكَم الصحابة في الحيوانات بأمثالها ، فحَكَم علي عليه السلام وزيد ابن ثابت وعمر وعثمان وابن عباس ومعاوية في النعامة ببدنة . وحَكَم أبو عبيدة وابن عباس في حمار الوحش ببدنة . وحَكَم عمر فيه ببقرة . وحَكَم علي عليه السلام في الضبع بشاة (١) ، مع اختلاف الأزمان وتباعد الأمكنة ، ولو كان على وجه القيمة ، لامتنع اتّفاقها في شيء واحد ، وقد حكموا في الحمامة بشاة (٢) ولا تبلغُ الحمامةَ في القيمة .
وما ثبت فيه نصّ مقدّر اتُّبع إمّا من النبي صلّى الله عليه وآله ، أو من أحد الأئمة عليهم السلام ، ولا يجب استئناف الحكم ـ وبه قال عطاء والشافعي وإسحاق وأحمد (٣) ـ لأنّهم أعرف من غيرهم وأزهد ، فكان قولهم حجّةً .
وقال مالك : يستأنف الحكم ؛ لقوله تعالىٰ : ( يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ ) (٤) (٥) .
والجواب : التقدير ثبوت الحكم .
مسألة ٣١٧ : يجب في النعامة بدنة عند علمائنا أجمع ، فمن قتل نعامةً وهو مُحْرم وجب عليه جزور ـ وبه قال عطاء ومجاهد ومالك والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم (٦) ـ لقوله تعالى : ( فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ
__________________
=
٨٢ ، المغني ٣ : ٥٤٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ ، حلية العلماء ٣ : ٣١٦ ، فتح العزيز ٧ : ٥٠٠ ، المجموع ٧ : ٤٣٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٨٦ .
(١ و ٢) المغني ٣ : ٥٤٥ ـ ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ ـ ٣٦٢ ، الحاوي الكبير ٤ : ٢٩١ ـ ٢٩٢ .
(٣) المغني ٣ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ .
(٤) المائدة : ٩٥ .
(٥) المغني ٣ : ٥٤٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ .
(٦)
الشرح الكبير ٣ : ٣٦١ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٢٥٣ ، الاُم ٢ : ١٩٠ ، الوجيز ١ :
١٢٨ ،
=