لقد رأينا كيف أن المستشرقين أمثال «هيرشفيلد ـ جولدتسيهر ـ وهورفيتز ـ وتورى» قد قرءوا القرآن قراءة يهودية ، وأن آخرين أمثال «موير ـ وبيل ـ وآرنز» قد قرءوه قراءة مسيحية ، أو يهودية مسيحية ، ومن باب السخرية فإننا نريد أن نعارضهم فى هذا الفصل ، فما ذا يمكن أن يقول هيللنى يقرأ القرآن بطريقته ، إنه يمكن أن يقول الآتى :

لقد اقتبس القرآن كثيرا من الأفكار والتعاليم اليونانية وأهمها الآتى :

(أ) من أرسطو ، استعار مفهوم الفضيلة «كوسط بين طرفين» ، فالله يقول فى القرآن متحدثا عن الأمة الإسلامية : («وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)(١).

ولقد أوضح علماء الأصول المسلمون هذه السمة الوسطية للإسلام ، وما يزالون يوضحون أنها علامة مميزة وهامة فى الإسلام ، والإسلام يحافظ دائما على التوسط بين الطرفين فى قانون أخلاقه ، وفى مفهومه الفقهى وعقائده وشعائره .. وهكذا ، وكذلك يقول الله عن الإسلام كأمة أو دين (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)(٢).

(ب) لقد مجد القرآن الإسكندر الأكبر فى ستة عشر آية فى سورة الكهف من آية (٨٣) إلى (٩٨) تحت اسم مستعار هو «ذو القرنين» وقد وصف بأنه شخص ما (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) وقد ذهب حتى مغرب الشمس ، فكان ملكا قويا جدا أرهب الظالمين وكافأ بشكل أجمل (مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً)(٣) ، وهو الذى بنى جسرا بين الأشرار يأجوج ومأجوج من جهة والمؤمنين من جهة أخرى ، إذا فالإسكندر الأكبر هو الملك المثالى والعادل.

(ج) ذكرت أسطورة سيزيف فى القرآن ، وفى الواقع فإن سيزيف هذا كما

__________________

(١) سورة البقرة ، آية (١٤٣).

(٢) سورة آل عمران ، آية (١١٠).

(٣) سورة الكهف ، آية (٨٨).