• الفهرس
  • عدد النتائج:

التي تقع بين الناس فيما يرجع فيه إلى القضاة ، كدعوى أنّ فلاناً مديون وإنكار الطرف ، ودعوى أنه وارث ونحو ذلك ، وفيما يرجع فيه إلى الولاة والأمراء كالتنازع الحاصل بينهما لأجل عدم أداء دينه أو إرثه بعد معلوميته ، وهذا النحو من المنازعات مرجعها الأمراء ، فإذا قتل ظالم شخصاً من طائفة ، ووقع النزاع بين الطائفتين ، لا مرجع لرفعه إلّا الولاة ، ومعلوم أنّ قوله «في دين أو ميراث» من باب المثال ، والمقصود استفادة التكليف في مطلق المنازعات ، واستفسار المرجع فيها ، ولهذا أكّد الكلام لرفع الإبهام بقوله : «فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة» ومن الواضح عدم تدخّل الخلفاء في ذلك العصر ، بل مطلقاً في المرافعات التي ترجع إلى القضاة وكذلك العكس. فقوله ـ عليه‌السلام ـ : «من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت» انطباقه على الولاة أوضح ، بل لو لا القرائن لكان الظاهر منه خصوص الولاة ، وكيف كان لا إشكال في دخول الطغاة من الولاة فيه ، سيّما مع مناسبات الحكم والموضوع ، ومع استشهاده بالآية التي هي ظاهرة فيهم في نفسها ، بل لو لا ذلك يمكن أيضاً أن يقال بالتعميم ، للمناسبات المغروسة في الأذهان ، فيكون قوله بعد ذلك : «فكيف يصنعان؟» استفساراً عن المرجع في البابين ، واختصاصه بأحدهما سيّما بالقضاة في غاية البعد لو لم نقل بأنّه مقطوع الخلاف. وقوله ـ عليه‌السلام ـ «فليرضوا به حكماً» تعييناً للحاكم في التنازع ، فليس لصاحب الحقّ الرّجوع إلى ولاة الجور ولا إلى القضاة ، ولو توهِّم من قوله ـ عليه‌السلام ـ : «فليرضوا» اختصاصه بمورد تعيين الحكم ، فلا شبهة في عدم إرادة خصوصه ، بل ذكر من باب المثال ، وإلّا فالرجوع إلى القضاة الّذي هو المراد جزماً لا يعتبر فيه الرضا من الطرفين.

فاتّضح من جميع ذلك أنّه يستفاد من قوله ـ عليه‌السلام ـ : «فإنّي قد جعلته حاكماً» أنّه ـ عليه‌السلام ـ قد جعل الفقيه حاكماً فيما هو من شئون القضاء وما هو من شئون الولاية ، فالفقيه وليّ الأمر في البابين ، وحاكم في القسمين ، سيّما مع عدوله ـ عليه‌السلام ـ عن قوله «قاضياً» إلى قوله «حاكماً» فإنّ الأوامر أحكام ، فأوامر الله ونواهيه أحكام الله تعالى ، بل لا يبعد أن يكون القضاء أعمّ من قضاء القاضي وأمر الوالي وحكمه ، قال تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ...) الأحزاب ـ ٣٦).

وكيف كان لا ينبغي الإشكال في التعميم. بل يمكن الاستشهاد بأنّ المراد من القضاء المربوط بالقضاة غير ما هو مربوط بالسلطان ، بمشهورة أبي خديجة «... فإنّي قد جعلته عليكم قاضياً ، وإيّاكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر».