سهمه الهدف إلّا مرّتين ، فكان يصيب الهدف في كلّ ذلك. وكان لا يسبق.
وسمعته يقول : ما أكلت كرّاتا قطّ ولا القنابرى (١).
قلت : ولم ذاك؟
قال : كرهت أن أؤذي من معي من نتنها.
قلت : فكذلك البصل النّيء؟
قال : نعم (٢).
وسمعته يقول : ما أردت أن أتكلّم بكلام فيه ذكر الدّنيا الّا بدأت بحمد الله والثّناء عليه (٣).
وقال له بعض أصحابه : يقولون إنّك تناولت فلانا.
قال : سبحان الله ، ما ذكرت أحدا بسوء ، إلّا أن أقول ساهيا (٤).
قال : وكان لأبي عبد الله غريم قطع عليه مالا كثيرا. فبلغه أنه قدم آمل ونحن عنده بفربر ، فقلنا له : ينبغي أن تعبر وتأخذه بمالك.
فقال : ليس لنا أن نردعه.
ثمّ بلغ غريمه فخرج إلى خوارزم ، فقلنا : ينبغي أن تقول لأبي سلمة الكسائيّ عامل آمل ليكتب إلى خوارزم في أخذه.
فقال : إن أخذت منهم كتابا طمعوا في كتاب ، ولست أبيع ديني بدنياي.
فجهدنا ، فلم يأخذ حتّى كلّمنا السّلطان عن غير امره ، فكتب إلى والي خوارزم.
فلمّا بلغ أبا عبد الله ذلك وجد وجدا شديدا ، وقال : لا تكونوا أشفق عليّ من نفسي. وكتب كتابا وأردف تلك الكتب بكتب. وكتب إلى بعض أصحابه بخوارزم أن لا يتعرّض لغريمه ، فرجع غريمه ، وقصدنا ناحية مرو ، فاجتمع التّجّار ، وأخبر السّلطان ، فأراد التّشديد على الغريم ، فكره ذلك أبو عبد الله فصالح غريمه على أن يعطيه كلّ سنة عشرة دراهم شيئا يسيرا. وكان المال خمسة وعشرين ألفا. ولم يصل من ذلك إلى درهم ، ولا إلى أكثر منه (٥).
__________________
(١) القنابرى : جمع قنبرة وقنبرة وقبّرة ، وهي عصفورة من فصيلة القبّريّات دائمة التغريد.
(٢) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٤٤ ، ٤٤٥.
(٣) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٤٥.
(٤) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٤٥.
(٥) طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٢ / ٢٢٧ ، سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٤٦ ، مقدّمة فتح الباري ٤٨٠.