(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) (٦)

يقرأ فتثبّتوا وهما قراءتان (١) معروفتان إلّا أن «فتبيّنوا» أبلغ ؛ لأن الإنسان قد يثبّت ولا يتبيّن. (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا) عطفا على تصيبوا.

(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧) فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٨)

العلماء من أهل السنّة يقولون : معنى (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ) وفّقكم له ، وفعل أفاعيل تحبّون معها الإيمان وتستحسنونه فلما أحبّوه واستحسنوه نسب الفعل إليه ، وكذا فعل أفاعيل كرهوا معها الكفر والفسق والعصيان. فأما أن يكون معنى «حبّب» أمركم أن تحبّوه فخطأ من كل جهة منها أنه إنما يقال : حبّب فلان إليك نفسه أي أنه فعل أفعالا أحببته من أجلها ، ومنها أنه قول مبتدع مخالف صاحبه لنصّ القرآن قال جلّ وعزّ : (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ) [هود : ٨٨] ومنه قوله : (اهْدِنَا) [الفاتحة : ٦] من هذا بعينه ، ومنها أنّ نص الآية يدلّ على خلاف ما قال جلّ وعزّ : (أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) فلا اختلاف في هذا أنه يرجع إلى الذين حبّب إليهم الإيمان وزيّنه في قلوبهم وكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان. فلو كان معنى حبّب أمرهم أن يحبوه كان الكفار وأهل المعاصي داخلين في هذا. وهذا خارج من الملّة و «الراشدون» الذين رشدوا للإيمان وتركوا المعاصي ثم بيّن جلّ وعزّ أنّ ذلك فضل منه ونعمة فقال جلّ وعزّ : (فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً) قال أبو إسحاق : «فضلا» مفعول من أجله أي للفضل. (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي عليم بمصالح عباده ومنافعهم ، حكيم في أفعاله.

(وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٩)

(طائِفَتانِ) مرفوعتان بإضمار فعل أي وإن اقتتلت طائفتان ، ويجوز أن يكون المضمر كان ولا بدّ من إضمار لأن «إن» لا يليها إلا الفعل ؛ لأنها للشرط ، وجوابه (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى) شرط أيضا ، والجواب (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) أي ترجع فإن قلت : تفي بغير همز فمعناه تكثر. (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ

__________________

(١) انظر تيسير الداني ص ٨٠.