على المجاز سمّيت سيّئة لأنها مجازاة على الأولى ليعلم أنه يقتصّ بمثل ما نيل منه (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) أي فلم يقتصّ فثوابه على الله جلّ وعزّ ، كما روى الحسن ومحمد بن المنكدر وعطاء ومحمد يقول : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ينادي مناد يوم القيامة أين من له وعد على الله عزوجل؟ فليقم ، فيقوم من عفا» (١) وقرأ عطاء (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ).

(وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) (٤١)

(وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ) مبتدأ (فَأُولئِكَ) مبتدأ أيضا ، والجملة خبر الأول.

(إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٤٢)

(إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ) أي سبيل العقوبة.

(وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (٤٣)

أي من أعاليها وأجلّها أن يعفو ويصفح ويتوقّى الشبهات وإن لم تكن محظورة ورعا وطلبا لرضاء الله عزوجل فهذه معالي الأمور ، وهي من عزم الأمور أي التي يعزم عليها الورعون المتّقون. قال أبو جعفر : وفي إشكال من جهة العربية وهو أنّ «لمن صبر وغفر» مبتدأ ولا خبر له في اللفظ فالقول فيه : إن فيه حذفا ، والتقدير : ولمن صبر وعفا أنّ ذلك منه لمن عزم الأمور ، ومثل هذا في كلام العرب كثير موجود ، حكاه سيبويه وغيره : مررت ببرّ قفيز بدرهم أي قفيز منه ، ويقال : السّمن منوان بدرهم بمعنى منه.

(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ) (٤٤)

(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ) أي من يضلّه عن الثواب فما له وليّ ولا ناصر يسأله الثواب. (وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ) في موضع نصب على الحال. (هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ) «من» زائدة للتوكيد.

(وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ) (٤٥)

(وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ) على الحال وكذا (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) قال محمد بن كعب : يسارقون النظر إلى النار (وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا

__________________

(١) أخرجه الترمذي في سننه ١٠ / ١٨.