النّفس من كتاب الشّفاء

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]

النّفس من كتاب الشّفاء

المؤلف:

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]


المحقق: الشيخ حسن حسن زاده الآملي
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-146-0
الصفحات: ٣٧٦

وهى قوة مرتبة فى التجويف الأول (١) من الدماغ تقبل بذاتها جميع الصور المنطبعة فى الحواس الخمس المتأدية إليه ، ثم الخيال (٢) والمصورة (٣) وهى قوة مرتبة أيضا فى آخر التجويف المقدم (٤) من الدماغ تحفظ ما قبله الحس المشترك من الحواس الجزئية الخمس ، ويبقى فيه بعد غيبة تلك المحسوسات.

واعلم أن القبول لقوة غير القوة التى بها الحفظ فاعتبر ذلك من الماء ، فإن له قوة قبول النقش والرقم (٥) ، وبالجملة الشكل ، وليس له قوة حفظه ؛ على أنا نزيدك لهذا تحقيقا من بعد.

وإذا أردت أن تعرف الفرق بين فعل الحس العام (٦) وفعل الحس المشترك وفعل المصورة فتأمل حال القطرة التى تنزل من المطر فترى خطا مستقيما ، وحال الشىء المستقيم الذى يدور فترى طرفه دائرة ، ولا يمكن أن يدرك الشىء خطا أو دائرة إلا ويرى فيه (٧) مرارا. والحس الظاهر

__________________

(١)

سه تجويف دارد دماغ بشر

ز احساس باطن دهندت خبر

مقدم ز تجويف اول بدانك

بود حاسه مشترك را مقرّ

مؤخر از او شد محل خيال

كه ماند در او از تصور اثر

پس اندر نخستين اوسط بود

تخيل ز حيوان وفكر از بشر

اخير وسط جاى وهم است و، حفظ

ز تجويف آخر نباشد بدر

(٢) قوله : ثم الخيال ، الخيال على اصطلاح الحكما ، والمصورة على اصطلاح الاطباء. فهذه المصورة غير القوة المصورة لتصوير الاعضاء فهما مشتركتان لفظا.

(٣) على اصطلاح الاطباء.

(٤) التجويف الاول ، نسخة.

(٥) النقش والرسم له ، نسخة.

(٦) الظاهر ، نسخة.

(٧) اى فى الحس المشترك.

٦١

لا يمكن أن يراه مرتين ، بل يراه حيث هو ، لكنه إذا ارتسم فى الحس المشترك وزال قبل أن تنمحى الصورة من الحس المشترك أدركه الحس الظاهر حيث هو ، وأدركه الحس المشترك كأنه كائن حيث كان فيه وكائن حيث صار إليه ، فرأى امتدادا مستديرا أو مستقيما. وذلك لا يمكن أن ينسب إلى الحس الظاهر ألبتة.

وأما المصورة فتدرك الأمرين وتتصورهما ، وإن بطل الشىء وغاب.

ثم القوة التى تسمى متخيلة (١) بالقياس إلى النفس الحيوانية ، ومتفكرة بالقياس إلى النفس الإنسانية ، وهى قوة مرتّبة فى التجويف الأوسط من الدماغ عند الدودة (٢) ، من شأنها أن تركّب بعض ما فى الخيال مع بعض وتفصّل بعضه عن بعض ، بحسب الإرادة.

ثم القوة الوهمية وهى قوة مرتبة فى نهاية التجويف الأوسط من الدماغ تدرك المعانى غير المحسوسة الموجودة فى المحسوسات الجزئية كالقوة الموجودة فى الشاة الحاكمة بأن هذا الذئب مهروب عنه وأن هذا الولد هو المعطوف عليه. ويشبه (٣) أن تكون هى أيضا المتصرفة فى المتخيلات تركيبا وتفصيلا.

ثم القوة الحافظة الذاكرة وهى قوة مرتبة فى التجويف المؤخر من

__________________

(١) اى المتصرفة.

(٢) قوله عند الدودة. الدودة هى البطن الاوسط من الدماغ فقط. وفى بحر الجواهر للهروى : الدودة هى البطن الاوسط من الدماغ ، وانما سمى بها لانها يتقلص ويتمدد فى الانبساط والانقباض كالدودة. ومن خواصها ان ينسد زمان الانبساط وينفتح زمان الانقباض.

(٣) قوله : ويشبه ، وسيأتى قوله فى ذلك فى آخر الفصل الاول من المقالة الرابعة ( ص ٣٣٤ ) ويشبه ان تكون القوة الوهمية هى بعينها المفكرة والمخيلة.

٦٢

الدماغ تحفظ ما تدركه القوة الوهمية من المعانى غير المحسوسة فى المحسوسات الجزئية.

ونسبة القوة الحافظة إلى القوة الوهمية كنسبة القوة التى تسمى خيالا إلى الحس المشترك. ونسبة تلك القوة إلى المعانى كنسبة هذه القوة إلى الصور المحسوسة. فهذه هى قوى النفس الحيوانية.

وأما النفس الناطقة الإنسانية فتنقسم قواها إلى قوة عاملة وقوة عالمة (١).

__________________

(١) قال المحاكم : لا شك ان للنفس الانسانية ادراكا للاشياء وتصرفا فى البدن وهو فعل منه فاثبتوا للنفس قوتين مبدأ الادراك ومبدأ فعل من جهتين : الادراك من الملاء الاعلى ، والفعل فى العالم الادنى وفى بدنه. فبالجهة الاولى متأثرة وبالجهة الثانية مؤثرة. فالقوة التى بها تدرك النفس الاشياء تسمى العقل النظرى والقوة التى بها صارت مصدرا للافعال تسمى العقل العملى. واطلاق العقل على القوتين بالاشتراك اللفظى لاختلافهما من حيث ان الاولى مبدأ الانفعال والثانية مصدر الفعل ، او بطريق التشابه لاشتراكهما فى كونهما قوى النفس.

ولما انقسم الادراك الى قسمين ادراك بامور لا تتعلق بالعمل وادراك لآراء متعلقة بالعمل لا جرم انقسم العقل النظرى الى قوتين او الى وجهين : قوة ادراك الامور التى لا تتعلق بالعمل كالعلم بالسماء والارض ، ومبنى الحكمة النظرية على هذه القوة. وقوة ادراك لآراء التى تتعلق بالعمل كالعلم بانّ العدل حسن والظلم قبيح ، ومبنى الحكمة العملية على هذه القوة لان مرجعهما العلم. واما العقل العملى فانما يصدر عنه الافعال بحسب استنباطه ما يجب ان يفعل من راى كلى مستنبط من مقدمة كلية ولما كان ادراك الكلى واستنباطه من المقدمات الكلية انما هو للعقل النظرى فهو مستعين فى ذلك بالعقل النظرى.

اذا العمل لا يتأتى بدون العلم مثلا لهما مقدمة كلية وهى أنّ كلّ حسن ينبغى ان يؤتى به وقد استخرجنا منه ان الصدق ينبغى ان يؤتى به لان الصدق حسن وكل حسن ينبغى ان يؤتى به ينتج ان الصدق ينبغى ان يؤتى به ، وهذا رأى كلى ادركها العقل النظرى.

ثم ان العقل العملى لما اراد ان يوقع صدقا جزئيا فهو انما يعقل بواسطة استخراج ذلك الجزئى من الرأى كانه يقول هذا صدق وكل صدق ينبغى ان يؤتى به فهذا الصدق ينبغى أن يؤتى به فهذا الصدق ينبغى أن يؤتى به وهذا رأى جزئى ادركها العقل النظرى ايضا

٦٣

وكل واحدة من القوتين تسمى عقلا باشتراك الاسم (١) أو تشابهه (٢).

فالعاملة قوة هى مبدأ محرك لبدن الإنسان إلى الأفاعيل الجزئية الخاصة بالرويّة على مقتضى آراء تخصها اصطلاحية (٣) ، ولها اعتبار بالقياس إلى القوة الحيوانية النزوعية واعتبار بالقياس إلى القوة الحيوانية المتخيلة والمتوهمة ، واعتبار بالقياس إلى نفسها.

فاعتبارها بحسب القياس إلى القوة الحيوانية النزوعية هو القبيل الذى تحدث منه فيها هيئات تخص الإنسان يتهيأ بها لسرعة فعل وانفعال مثل الخجل والحياء والضحك والبكاء وما أشبه ذلك.

واعتبارها الذى بحسب القياس إلى القوة الحيوانية المتخيلة والمتوهمة هو القبيل الذى تنحاز إليه (٤) إذا اشتغلت باستنباط التدابير فى الأمور الكائنة الفاسدة ، واستنباط الصناعات الإنسانية.

واعتبارها الذى بحسب القياس إلى نفسها هو القبيل الذى تتولد فيه بين (٥) العقل العملى (٦) والعقل النظرى الآراء التى تتعلق بالأعمال وتستفيض ذائعة مشهورة مثل : أن الكذب قبيح ، والظلم قبيح ، لا على

__________________

لكن العقل العملى انما يفعل هذا لصدق العلم بذلك الجزئى ، فالعقل العملى بل النفس انما يصدر منه الافعال لآراء جزئية تنبعث من آراء كلية عندها مستنبطة من مقدمات بديهية او مشهورية او تجربية.

(١) وفى تعليقة نسخة : لاختلافهما فى ان احداهما مبدأ الفعل والاخرى مبدأ الانفعال.

(٢) وفى تعليقة نسخة : اى الحقيقة والمجاز بعلاقة المشابهة يعنى بطريق التشابه لاشتراكهما فى كونهما قوى النفس.

(٣) صفة لقوله اراء. اصطلاح : با همديگر صلح كردن. ( كنز ).

(٤) اى تجمع إليه.

(٥) من ، نسخة.

(٦) فى تعليقة نسخة : القوة التى بها صارت النفس مصدرا للافعال تسمى العقل العملى.

٦٤

سبيل التبرهن ، وما أشبه ذلك من المقدمات المحدودة الانفصال عن الأوليات العقلية المحضة فى كتب المنطق. وإن كانت إذا برهن عليها صارت من العقلية أيضا على ما عرفت فى كتب المنطق.

وهذه القوة يجب أن تتسلط على سائر قوى البدن على حسب ما توجبه أحكام القوة الأخرى التى نذكرها حتى لا تنفعل عنها (١) ألبتة ؛ بل تنفعل تلك عنها وتكون مقموعة دونها ، لئلا تحدث فيها عن البدن هيئات انقيادية مستفادة من الأمور الطبيعية. وهى التى تسمى أخلاقا رذيلة ، بل يجب أن تكون غير منفعلة ألبتة وغير منقادة ، بل متسلطة ، فتكون لها أخلاق فضيلة وقد يجوز أن تنسب الأخلاق إلى القوى البدنية أيضا ، ولكن إن كانت هى الغالبة ، تكون لها هيئة فعلية ، ولهذا العقل هيئة انفعالية. ولنسّم كل هيئة خلقا فيكون شىء واحد يحدث منه خلق فى هذا (٢) وخلق فى ذلك (٣) ؛ وإن كانت هى المغلوبة تكون لها هيئة انفعالية ، ولذلك هيئة فعلية غير غريبة (٤) ، فيكون ذلك أيضا هيئتين وخلقين ، أو يكون الخلق واحدا له نسبتان (٥).

وإنما كانت الأخلاق التى فينا منسوبة إلى هذه القوة لأن النفس الإنسانية كما يظهر من بعد جوهر واحد ، وله نسبة وقياس إلى جنبتين : جنبة هى تحته ، وجنبة هى فوقه ، وله بحسب كل جنبة قوة بها تنتظم

__________________

(١) اى حتى لا تنفعل تلك القوة عن سائر قوى البدن بل تنفعل تلك ـ اى سائر قوى البدن ـ عن تلك القوة وتكون سائر قوى البدن مقموعة عند تلك القوة اى ذليلة عندها.

(٢) فى تعليقة نسخة : اى فى البدن وهو الفعلية.

(٣) فى تعليقة نسخة : اى فى العقل وهو الانفعالية.

(٤) لأن التسلّط شأن النفس.

(٥) نسبة الى البدن ونسبة الى العقل.

٦٥

العلاقة بينه وبين تلك الجنبة. فهذه القوة العملية هى القوة التى لها لأجل العلاقة إلى الجنبة التى دونها وهو البدن وسياسته.

وأما القوة النظرية فهى القوة التى لها لأجل العلاقة إلى الجنبة التى فوقه لتنفعل وتستفيد منها وتقبل عنها. فكأنّ للنفس منا وجهين : وجه إلى البدن ، ويجب أن يكون هذا الوجه غير قابل ألبتة أثرا من جنس مقتضى طبيعة البدن ، ووجه إلى المبادئ العالية. ويجب أن يكون هذا الوجه دائم القبول عما هناك والتأثر منه. فمن الجهة السفلية تتولد الأخلاق ، ومن الجهة الفوقانية تتولد العلوم ، فهذه هى القوة العملية.

وأما القوة النظرية فهى قوة من شأنها أن تنطبع بالصور الكلية المجردة عن المادة ، فإن كانت مجردة بذاتها فأخذها بصورتها فى نفسها أسهل ، وإن لم تكن فإنّها تصير مجردة بتجريدها إياها ، حتى لا يبقى فيها عن علائق المادة شىء ، وسنوضح كيفية هذا من بعد.

وهذه القوة النظرية لها إلى هذه الصور نسب مختلفة ، وذلك لأن الشىء الذى من شأنه أن يقبل شيئا قد يكون بالقوة قابلا له وقد يكون بالفعل قابلا له.

والقوة تقال على ثلاثة معان ، بالتقديم والتأخير : فتقال قوة للاستعداد المطلق الذى لا يكون خرج منه بالفعل شىء ، ولا أيضا حصل ما به يخرج ، كقوة الطفل على الكتابة. وتقال قوة لهذا الاستعداد إذا كان لم يحصل للشىء إلا ما يمكنه به أن يتوصل إلى اكتساب الفعل بلاواسطة ، كقوة الصبى الذى ترعرع (١) وعرف الدواة والقلم وبسائط

__________________

(١) ترعرع الصبى : تحرك ونشأ ، وغايته ثلاثة عشر.

٦٦

الحروف على الكتابة (١). وتقال قوة لهذا الاستعداد إذا تم بالآلة ، وحدث مع الآلة أيضا كمال الاستعداد بأن يكون له أن يفعل متى شاء بلاحاجة إلى اكتساب ، بل يكفيه أن يقصد فقط ، كقوة الكاتب المستكمل للصناعة إذا كان لا يكتب. والقوة الأولى تسمى مطلقة وهيولانية ، والقوة الثانية تسمى قوة ممكّنة ، والقوة الثالثة تسمى كمال القوة.

فالقوة النظرية إذن :

تارة تكون نسبتها إلى الصور المجردة التى ذكرناها نسبة ما بالقوة المطلقة ، وذلك حين ما تكون هذه القوة التى للنفس لم تقبل بعد شيئا من الكمال الذى بحسبها ، وحينئذ تسمى عقلا هيولانيا ، وهذه القوة التى تسمى عقلا هيولانيا موجودة لكل شخص من النوع ، وإنما سميت هيولانية تشبيها إياها باستعداد الهيولى الأولى التى ليست هى بذاتها ذات صورة من الصور ، وهى موضوعة لكل صورة.

وتارة نسبة ما بالقوة الممكّنه ، وهى أن تكون القوة الهيولانية قد حصل فيها من المعقولات الأولى التى تتوصل منها وبها إلى المعقولات الثانية ، أعنى بالمعقولات الأولى المقدمات التى يقع بها التصديق لا باكتساب ولا بأن يشعر المصدّق بها أنه كان يجوز له أن يخلو عن التصديق بها وقتا ألبتة ، مثل اعتقادنا بأن الكل أعظم من الجزء وأن الأشياء المتساوية لشىء واحد بعينه متساوية. فما دام انه يحصل فيه (٢) من معنى مّا بالفعل هذا القدر بعد فانّه يسمى عقلا بالملكة. ويجوز أن يسمى هذا عقلا بالفعل بالقياس إلى الأولى ، لأن القوة الأولى ليس لها أن تعقل شيئا بالفعل ،

__________________

(١) متعلق بقوله على الكتابة.

(٢) التذكير باعتبار ان هذه القوة عقل. وفى نسخة : فمادام انما يحصل فيها.

٦٧

وأما هذه فإن لها أن تعقل إذا أخذت تبحث (١) بالفعل.

وتارة تكون نسبة مّا بالقوة الكمالية وهو أن يكون حصل فيها أيضا الصور المعقولة المكتسبة بعد المعقولة الأولية ، إلا أنه ليس تطالعها وترجع إليها بالفعل ، بل كأنها عنده مخزونة فمتى شاء طالع تلك الصور بالفعل فعقلها ، وعقل أنه قد عقلها. وسمّى عقلا بالفعل لأنه عقل يعقل متى شاء بلا تكلف اكتساب وإن كان يجوز أن يسمّى عقلا بالقوة بالقياس إلى ما بعده.

وتارة تكون النسبة نسبة مّا بالفعل المطلق ، وهو أن تكون الصورة المعقولة حاضرة فيه وهو يطالعها بالفعل فيعقلها بالفعل ويعقل أنه يعقلها بالفعل فيكون ما حصل له حينئذ يسمى عقلا مستفادا. وإنما سمى عقلا مستفادا ، لأنه سيتضح لنا أن العقل بالقوة إنما يخرج إلى الفعل بسبب عقل هو دائما بالفعل وأنه إذا اتصل العقل بالقوة بذلك العقل الذى بالفعل نوعا من الاتصال انطبع فيه نوع من الصور تكون مستفادة من خارج.

فهذه أيضا مراتب القوى التى تسمى عقولا نظرية. وعند العقل المستفاد يتم الجنس الحيوانى والنوع الإنسانى منه. وهناك تكون القوة الإنسانية قد تشبهت بالمبادئ الأولية للوجود كله.

فاعتبر الآن وانظر إلى حال هذه القوى كيف يرءس بعضها بعضا وكيف يخدم بعضها بعضا ، فإنك تجد العقل المستفاد رئيسا ويخدمه الكل وهو الغاية القصوى.

ثم العقل بالفعل يخدمه العقل بالملكة.

__________________

(١) اخذت ببحث ـ نسخة.

٦٨

والعقل الهيولانى بما فيه من الاستعداد يخدم العقل بالملكة.

ثم العقل العملى يخدم جميع هذه. لأن العلاقة البدنية كما سيتضح بعد لأجل تكميل العقل النظرى وتزكيته وتطهيره ، والعقل العملى هو مدبر تلك العلاقة.

ثم العقل العملى يخدمه الوهم.

والوهم تخدمه قوتان : قوة بعده وقوة قبله. فالقوة التى بعده هى القوة التى تحفظ ما أداه الوهم أى (١) الذاكرة ، والقوة التى هى قبله هى جميع القوى الحيوانية.

ثم المتخيلة تخدمها قوتان مختلفتا المأخذين : فالقوة النزوعية تخدمها بالائتمار لأنها تبعثها على التحريك نوعا من البعث ، والقوة الخيالية تخدمها لعرضها الصور المخزونة فيها المهيّأة لقبول التركيب والتفصيل. ثم هذان رئيسان لطائفتين ، أما القوة الخيالية فتخدمها بنطاسيا ، وبنطاسيا تخدمها الحواس الخمس.

وأما القوة النزوعية فتخدمها الشهوة والغضب ، والشهوة والغضب تخدمهما القوة المحركة فى العضل ، فهاهنا تفنى القوى الحيوانية.

ثم القوى الحيوانية تخدمها النباتية وأولها ورأسها المولدة. ثم النامية تخدم المولدة. ثم الغاذية تخدمهما جميعا. ثم القوى الطبيعية الأربع (٢) تخدم هذه ، والهاضمة منها تخدمها الماسكة من جهة والجاذبة من جهة ، والدافعة تخدم جميعها.

ثم الكيفيات الأربع تخدم جميع ذلك. لكن الحرارة تخدمها

__________________

(١) تفسير للقوة الحافظة.

(٢) اى الجاذبة والهاضمة والماسكة والدافعة.

٦٩

البرودة (١) ، فإنها إما أن تعدّ للحرارة مادة أو تحفظ ما هيّأتها الحرارة ، ولا مرتبة للبرودة (٢) فى القوى الداخلة فى الأعراض الطبيعية إلا منفعة تابع وتال ، وتخدمهما جميعا اليبوسة والرطوبة (٣) ، وهناك آخر درجات القوى.

__________________

(١) فى تعليقة نسخة : لكن الحرارة تخدمها البرودة فانها اما ان تعدّ للحرارة مادة او تحفظ ما افادت الحرارة من التحليل وحاجة الجاذبة والدافعة الى اليبوسة من وجهين الاول تمكين الروح الحاملة للقوة فى الحركة. الثانى تجويد هيئة الالة وتقويتها والهاضمة انما تحتاج الى الرطوبة لتسييل الغذاء وتهيئته للنفوذ فى المجارى والقبول للاشكال. كذا فى القانون.

(٢) فى تعليقة نسخة : البرودة تنفع الماسكة فى الامساك بالعرض بان يحتبس الليف على هيئة الاشتمال الصالح للامساك وكذا الماسكة تنفع الدافعة بالبرودة لأنها يمنعها تحليل الريح المعينة للدفع كذا فى القانون.

(٣) قوله : « وتخدمهما جميعا اليبوسة والرطوبة » ، اقول : كانت العبارة وتخدمها بافراد الضمير ، والصواب تثنية الضمير كما فى النسخ المصحّحة من الشفاء التى عندنا. على ان الافراد مستلزم للتكرار لان الشيخ صرح اولا بان الكيفيات الاربع تخدم جميع ذلك. فراجع الفصل الثالث من التعليم السادس من كليات القانون ( ص ١٤١ من الطبع الناصرى ) والى شرح المواقف ص ٤٢٦ طبع القسطنطنية ، وان كان كلام الايجى والمير فى المقام انموزجا من القانون. قال الايجى : وهذه القوى الاربع تخدمها الكيفيات الاربع فاشد القوى حاجة إلى الحرارة ، الهاضمة ثم الجاذبة ثم الدافعة ثم الماسكة. واشد القوى حاجة الى اليبوسة الماسكة ثم الجاذبة ثم الدافعة والهاضمة لا حاجة لها الى اليبس بل الى الرطوبة. وقال الشارح : والبرودة مع كونها منافية بالذات لافعال هذه القوى تخدم بالعرض الماسكة باعانتها على حبس الليف المورب على هيئة الاشتمال الصالح للامساك. وتخدم كذلك الدافعة بانها تمنع تحليل الريح المعينة على الدفع. وايضا تغلظها ، وكلما كانت الريح اغلظ كانت اعون. وايضا تجمع الليف العاصر وتكثفه فتكون اقوى فى الدفع ، فظهر مما ذكر ان الحرارة تخدم جميع هذه القوى. والبرودة لا تخدم الا الماسكة والدافعة وأن اليبوسة تخدم ما سوى الهاضمة والرطوبة تخدمها فقط. انتهى نقلناها باختصار.

٧٠

المقالة الثانية

وهى خمسة فصول :

الفصل الاول : فى تحقيق القوى المنسوبة الى النفس النباتية.

الفصل الثانى : فى تحقيق اصناف الادراكات التى فينا.

الفصل الثالث : فى الحاسّة اللمسية.

الفصل الرابع : فى الذوق والشمّ.

الفصل الخامس : فى حاسّة السمع.

٧١
٧٢

الفصل الأول

فى تحقيق القوى المنسوبة إلى النفس النباتية

فلنبدأ بتعريف حال القوى المذكورة قوة قوة ، ولنعرّفها من جهة أفعالها. وأول ذلك أفعال القوى النباتية ، وأولها حال التغذية. فنقول :

قد علمت فيما سلف نسبة الغذاء إلى المغتذى وحد كل واحد منهما وخاصيته. فنقول الآن : إن الغذاء ليس إنما يستحيل دائما إلى طبيعة المتغذّى دفعة ، بل أولا يستحيل استحالة مّا عن كيفيته ويستعدّ للاستحالة إلى جوهر المغتذى ، فتفعل فيه قوة من خدم القوة الغاذية وهى الهاضمة ، وهى التى تذيب الغذاء فى الحيوان وتعده للنفوذ المستوى ، ثم إن القوة الغاذية تحيله فى الحيوان الدموى أول الإحالة إلى الدم والأخلاط التى منها قوام البدن على ما بينا فى مواضع أخرى. وكل عضو فإنه يختص بقوة غاذية تكون فيه وتحيل الغذاء إلى مشابهته الخاصة فتلصقه به.

فالقوة الغاذية تورد البدل ، أى بدل ما يتحلل وتشبه وتلصق. فانّه وإن كان الغذاء أكثر منافعه أنه يقوم بدل ما يتحلل ، فإنه ليست الحاجة إلى الغذاء لذلك فقط ، بل قد تحتاج إليه الطبيعة فى أول الأمر للتربية ، وإن كان بعد ذلك إنما يحتاج إلى وضعه موضع المتحلل فقط. فالقوة

٧٣

الغاذية من قوى النفس النباتية تفعل فى جميع مدة بقاء الشخص وهى مادامت موجودة تفعل أفاعيلها وجد النبات والحيوان باقيين ، وان بطلت لم يوجد النبات والحيوان باقيين. وليس كذلك حال سائر القوى النباتية (١).

والنامية تفعل فى أول كون الحيوان فعلا ليس هو التغذية فقط ، وذلك لأن غاية التغذية ما (٢) حدّدناه ، وأما هذه القوة فإنها توزّع الغذاء على خلاف مقتضى القوة الغاذية ، وذلك لأن الذى للقوة الغاذية لذاتها أن تؤتى كل عضو من الغذاء بقدر عظمه وصغره وتلصق به من الغذاء بمقداره الذى له على السواء.

وأما القوة النامية فإنها تسلب جانبا من البدن من الغذاء ما يحتاج إليه لزيادة فى جهة أخرى فتلصقه بتلك الجهة لتزيد تلك الجهة فوق زيادة جهة أخرى مستخدمة للغاذية فى جميع ذلك. ولو كان الأمر إلى الغاذية لسوّت بينهما أو لفضّلت الجهة التى نقصتها النامية. مثال ذلك أن الغاذية إذا انفردت وقوى فعلها وكان ما يورد أكثر مما يتحلل فإنها تزيد فى عرض الأعضاء وعمقها زيادة ظاهرة بالتسمين (٣) ، ولا تزيد فى الطول زيادة

__________________

(١) يتم فعل الغاذية بامور ثلاثة : الاول تحصيل الخلط الذى هو بالقوة القريبة من الفعل شبيهة بالعضو. الثانى الالزاق وهو ان يلصق ذلك الحاصل بالعضو ويجعله جزءا منه بالفعل. الثالث ان يجعله بعد الالصاق شبيها به من كل جهة حتى فى قوامه ولونه. شرح المواقف ج ٧ ص ١٧٩.

(٢) فى تعليقة نسخة : من ايراد البدل والتشبه والالصاق.

(٣) والسمن قد يكون بعد كمال النشوء ايضا وان السمن لا يكون الا فى قطرين ومن انه مخصوص باللحم وما فى حكمه دون الاعضاء الاصلية كالعظم ونظائره. شرح المواقف ج ٧ ص ١٧٩.

٧٤

يعتد بها. وأما المربية فإنها تزيد فى الطول أكثرا كثيرا مما تزيد فى العرض ، والزيادة فى الطول أصعب من الزيادة فى العرض ، وذلك لأن الزيادة فى الطول يحتاج فيها إلى تنفيذ الغذاء فى الأعضاء الصلبة من العظام والعصب تنفيذا فى أجزائها طولا لتنميها وتبعد بين أطرافها. والزيادة فى العرض قد تغنى فيها تربية اللحم وتغذية العظم أيضا عرضا من غير حاجة إلى تنفيذ شىء كثير فيه وتحريكه. وربما كانت أعضاء هى فى أول النشوء صغيرة وأعضاء هى فى أول النشوء كبيرة ، ثم يحتاج فى آخر النشوء أن يصير ما هو أصغر أكبر وما هو أكبر أصغر ؛ فلو كان التدبير إلى الغاذية لكان يستمر ذلك على نسبة واحدة. فالقوة الغاذية (١) من حيث هى غاذية تأتى بالغذاء وتقتضى إلصاقه بالبدن على النحو المستوى أو القريب من المستوى ، وعلى الوجه الذى فى الطبع (٢) أن تفعله عند الإسمان.

وأما النامية فتوغر (٣) إلى الغاذية بأن تقسم ذلك الغذاء وتنفذه إلى حيث تقتضى التربية خلافا لمقتضى الغاذية ، والغاذية تخدمها فى ذلك (٤) ، لأن الغاذية لا محالة هى الملصقة ؛ لكنها تكون متصرفة تحت تصريف القوة المربية. والقوة المربية إنما تنحو نحو تمام النشوء.

__________________

(١) قال الرازى فى المباحث المشرقية : « الاجزاء الزائدة من الغذاء فى النمو تنفذ فى جواهر الاعضاء فلاجرم تمدها وتزيد فى جوهرها واما فى السمن فانها لا تنفذ فى جواهر الاعضاء بل كانّها تلتصق بها. » المباحث المشرقية ج ٢ ، ص ٢٧٢.

(٢) فى طبعه ، نسخة.

(٣) او غره الى كذا أى الجأه إليه.

(٤) والغاذية تخدم القوة المربية ، نسخة.

٧٥

وأما المولدة فلها فعلان (١) : أحدهما تخليق البزر وتشكيله وتطبيعه ، والثانى إفادة أجزائه فى الإستحالة الثانية صورها من القوى والمقادير والأشكال والأعداد والخشونة والملاسة وما يتصل بذلك متسخرة تحت تدبير المتفرد بالجبروت (٢) ، فتكون الغاذية تمدها بالغذاء ، والنامية تخدمها بالتمديدات المشاكلة فهذا الفعل يتم فيها فى أول تكون الشىء ثم يبقى التدبير مفوضا إلى النامية والغاذية.

فإذا كان فعل النامية يستتم فحينئذ تنبعث القوة المولدة فى توليد البزر والمنى ليسكنهما (٣) القوة التى هى من جنسها (٤) مع الخادمتين (٥). وبالجملة فإن القوة الغاذية مقصودة ليحفظ بها جوهر الشخص ، والقوة النامية مقصودة ليتم بها جوهر الشخص ، والقوة المولدة مقصودة ليستبقى بها

__________________

(١) قوله قدس‌سره : « واما المولدة فلها فعلان » ، اقول : القوة المولّدة من حيث فعلها الاول تسمى بالمغيرة الاولى ومن حيث فعلها الثانى تسمى بالمغيرة الثانية ، كما انها تسمى من حيث فعلها الثانى مصورة ايضا ، فكلام الشيخ وهو قوله : والثانى افادة اجزائه فى الاستحالة الثانية صورها من القوى والمقادير الخ بيان للمولدة من حيث انها مغيرة ثانية مصورة. وقوله : الاستحالة الثانية ناظر الى كونها مغيرة ثانية. وقوله : صورها ـ وهو منصوب على المفعولية لقوله افادة ـ ناظر الى كونها مصورة. وقوله : متسخرة تحت تدبير المتفرد بالجبروت اشارة الى ان المصورة ـ اعم من هذه المصورة. ومن القوة المصورة التى سنشير اليها ـ ليست مستقلة فى فعلها بل هى متسخرة تحت تدبير المتفرد بالجبروت. والقائل بأنّ المتصورة باطلة كما ذهب الى بطلانها المحقق الطوسى فى التجريد يريد هذا المعنى اعنى بطلان استقلالها لا أن المصورة باطلة رأسا.

(٢) فى تعليقة نسخة : اى المصورة تكون آلة فى هذا الفعل لوجود مجرد لا ان تكون مستقلة فى هذه الافعال.

(٣) فى تعليقة نسخة : اى يكون مسكنا ومنزلا لهما.

(٤) اى المولدة.

(٥) فى تعليقة نسخة : اى الغاذية والنامية.

٧٦

النوع (١) إذ كان حب الدوام (٢) أمرا فائضا من الإله تعالى على كل شىء ، فما لم يصلح أن يبقى بشخصه ويصلح أن يبقى بنوعه فإنه تنبعث فيه قوة إلى استجلاب بدل يعقبه ليحفظ به نوعه. فالغاذية تورد بدل ما يتحلل من الشخص ، والمولدة تورد بدل ما يتحلل من النوع.

وقد ظن بعضهم (٣) أن الغاذية نار ، لأن النار تغتذى وتنمو.

وقد أخطأ من وجهين : أحدهما من جهة أن الغاذية ليست تغتذى بنفسها ، بل تغذى البدن وتنميه ، والنار إن كانت تغتذى فهى إنما تغتذى وتنمى بنفسها (٤). ومن وجه آخر أن النار ليست تغتذى ، بل تتولد شيئا بعد شىء وتطفأ ما تقدم. ثم لو كانت تغتذى وكان حكمها حكم غذاء الأبدان ، لما كان يجب أن يكون للأبدان وقوف فى النمو. فإن النار

__________________

(١) فى تعليقة نسخة : قال الامام فى المباحث : اما اللتان لبقاء النوع فاوليهما المولدة وهى التى تفصل جزء من فضل الهضم الاخير للمغتذى وتودعه قوة من سنخها ، وثانيتهما المصورة.

(٢) قوله قدس‌سره : إذ كان حب الدوام الى آخره : هذه الكلمة التامة فى غاية الجودة.

والطبيعى الذى اخلد الى الارض ويقول ما يهلكنا الا الدهر وينكر دار الخلود والبقاء لم يحب بقائه فى هذه العاجلة ويهرب عما يهلكه ويفنيه لولا البقاء كان اصلا ثابتا سرمديا ابديا ارتكز فى جبلة النفوس حبّه؟! ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور. قال صدر المتألهين فى الاسفار ( ص ١٦٣ ج ٤ ط ١ ـ ص ٢٤١ ج ٩ ط ٢ ) : ان الله تعالى قد جعل لواجب حكمته فى طبع النفوس محبة الوجود والبقاء وجعل فى جبلتها كراهة الفناء والعدم ، وهذا حق لما علمت ان طبيعة الوجود خير محض ونور صرف وبقائه خيرية الخير ونورية النور. الخ.

(٣) ذلك البعض هو هراكليتوس. راجع ص ٢٢ ج ٤ من الاسفار ط ١ ـ ج ٨ ص ٩٧ ط ٢.

وص ١٠٦ من نفس ارسطو.

(٤) نفسها ، نسخة.

٧٧

مادامت تجد مادة لم تقف ، بل تزيد (١) إلى غير نهاية.

وأعجب من ذلك ما قال صاحب هذا القول : إن الأشجار تعرّق من أسفل لأن الأرضية تتحرك إلى أسفل وتفرّع إلى فوق ، لأن النار تتحرك إلى فوق. فأول غلطه هو أن كثيرا من النبات أغصانه أثقل من عروقه.

وثانيا أنه لم لا ينفصل بهذه الحركة فيفارق الثقيل الخفيف. فإن كان ذلك لتدبير النفس فليجعل التعريق والتفريح أيضا للنفس ، وعلى أنه يشبه أن يكون الفوق (٢) فى النبات حيث رأسه ، ورأس النبات عروقه ومنه منشؤه.

ثم إن آلة هذه القوة (٣) الأولية (٤) هى الحار الغريزى ، فإن الحار هو المستعد لتحريك المواد ويتبعها البرد لتسكينها (٥) عند الكمالات من الخلق محتوية عليها (٦). وأما من الكيفيات المنفعلة فآلتها الأولية الرطوبة ، فإنها هى التى تتخلق وتتشكل ، وتتبعها اليبوسة فإنها تحفظ الشكل وتفيد التماسك.

والقوة النباتية (٧) التى فى الحيوان فإنها تولد جسما حيوانيا ، وذلك لأنها نباتية تتعلق بها قوة الحيوان ، وهى الفصل الذى لهما مما يشاركها فى كونها ذات قوة التغذية والنمو ، فتمزّج الأركان والعناصر مزاجا يصلح

__________________

(١) تذهب ، نسخة.

(٢) ان يكون العرق فى النبات ـ ظ.

(٣) اى الغاذية.

(٤) صفة الآلة.

(٥) ويتبعها البرد ويسكنّها ، كما فى نسخة مصحّحة مقرؤة من الشفاء.

(٦) مختومة ، نسخة.

(٧) يعنى النباتية الحيوانية. فافهم.

٧٨

للحيوان. إذ ليس تتولى مزاجها القوة المشتركة بين النبات والحيوان من حيث هى مشتركة ، فإنها من حيث هى مشتركة لا توجب مزاجا خاصا ، بل إنما توجب مزاجا خاصا فيها لأنها مع أنها غاذية هى أيضا حيوانية فى طباعها أن تحس وتتحرك إذا حصلت الآلة (١) ، وهى بعينها حافظة لذلك التأليف والمزاج حفظا ، إذا أضيف إلى ذوات التأليف كان قسريا ، لأنه ليس من طباع العناصر والأجسام المتضادة أن تأتلف لذاتها ، بل من طباعها الميل إلى جهات مختلفة ، وإنما تؤلفها النفس الخاصة. مثلا فى النخلة نفس نخليّة ، وفى العنب نفس عنبيّة. وبالجملة النفس التى تكون صورة لتلك المادة. والنفس إذا صارت نخلية كان لها مع أنها نفس النمو زيادة أنها نفس نخلية ، وفى العنب أنها نفس عنبية ، وليست النخلة تحتاج إلى نفس نباتية ونفس أخرى تكون بتلك النفس نخلة ، وإن كان ليس لها أفعال خارجة عن أفعال النبات ، بل تكون نفسها النباتية فى نباتيتها أنها نخلية.

وأما النفس النباتية التى فى الحيوان فإنها تعّد خلقة الحيوان نحو أفعال غير أفعالها وحدها من حيث هى نباتية ، فهى مدبرة نفس حيوانية ، بل هى بالحقيقة غير نفس نباتية ، اللهم إلا أن يقال إنها نفس نباتية بالمعنى الذى ذكرنا أعنى العام. فالفصل المقوم لنوعية نفس نفس من النفوس النباتية أعنى الفصول التى لنبت مّا دون نبت مّا لا يكون إلا مبدأ فعل نباتى مخصص فقط.

وأمّا النفس النباتية الحيوانية ففصلها القاسم إياها المقوّم لنوع نوع تحتها

__________________

(١) اى البدن.

٧٩

هو قوة النفس الحيوانية المقارنة لها التى تعّد لها البدن ، وهو فصل على نحو الفصول التى تكون للبسائط لا التى تكون للمركبات.

وأما النفس الإنسانية فلا تتعلق بالبدن تعلقا صوريا كما نتبين (١) ، فلا يحتاج أن يعدّ لها عضو. نعم قد تتميز الحيوانية التى لها ، عن سائر الحيوانات ، وكذلك الأعضاء المعدة لحيوانيتها أيضا.

__________________

(١) نبيّن ، نسخة.

٨٠