النّفس من كتاب الشّفاء

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]

النّفس من كتاب الشّفاء

المؤلف:

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]


المحقق: الشيخ حسن حسن زاده الآملي
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-146-0
الصفحات: ٣٧٦

ماوراءه بالتمام ، وإن كان ليس من شرطه الاتصال فيجب أن يوجد هذا العكس عن جميع الأجرام وإن كانت خشنة ، لأن سبب الخشونة الزاوية (١) أو ما يشبه الزاوية مما يتقعر عن الحدبة. ولا بد فى كل ذى زاوية من سطح ليست فيه زاوية فيكون أملس ، وإلا لذهبت الزوايا إلى غير النهاية أو انتهت قسمة من السطح إلى أجزاء ليست بسطوح ، وكلاهما محال. فإذن كل جرم فمؤلف السطح من سطوح ملس ، فيجب أن يكون عن كل سطح منها عكس.

أو يقال (٢) أمران : أحدهما أن السطوح الصغار لا ينعكس عنها الشعاع ، والثانى أن السطوح المختلفة الوضع ينعكس عنها الشعاع إلى جهات شىء فيتشذب (٣) المنعكس. ولا ينال شيئا لعدم الاجتماع.

فأما القسم الأول فباطل ، فإن من المعلوم أنه إن كان يخرج من البصر جسم حتى ينتشر فى نصف كرة العالم دفعة أنّه يكون عند الخروج فى غاية تصغر الأجزاء وتشتتها ، وأنه إذا انعكس فإنما يلاقى كل جزء صغير منه ، وكل طرف خط دقيق منه لا محالة جزءا مساويا له وينعكس عنه ولا ينفع ولا يضر فى ذلك ماوراءه ، عسى أن اتفق أن كان السطح الأملس الذى يلاقيه أصغر منه لم ينعكس عنه.

لكنا إذا تأملنا لم نجد هذا المعنى هو السبب والشرط فى منع الانعكاس

__________________

(١) تحقيق ماهية الزاوية وبيان انها من اى مقولة من الاعراض ص ٨٢ من الهيات الشفاء وص ٥٩ ج ٢ ط ١ من الاسفار ـ ج ٤ ص ١٧٦ ط ٢.

(٢) قوله : « او يقال » اى الا ان يقال فى الجواب امران.

(٣) اى يتفرق.

١٨١

فى الأشياء الموجودة عندنا (١) لأنه قد يتفق أن يكون شىء خشن نعلم يقينا أن لأجزائه التى لها سطوح ملس (٢) مقدارا مّا لا نشك فى أنه أعظم من مقدار أطراف الشعاعات الخارجة ومع ذلك لا تنعكس عنها. وهذا مثل الزجاج المدقوق والملح الجريش والبلور الجريش الذى نعلم أن سطوح أجزائه ملس وليس بغاية الصغر حتى تكون أصغر من أجزاء الشعاع الخارج ، وإذا اجتمعت لم ينعكس عنها الشعاع ، بل ولا من أشياء أكبر من ذلك أيضا.

ثم من البعيد أن تقبل الأجرام الكثيفة الأرضية تجزيئا إلى أجزاء أصغر من الأجزاء التى يقبل إليها الجسم الشعاعى التجزى ، حتى يوجد جزء للكثيف أصغر مما ينقسم اللطيف إلى مثله.

ثم إن كان علة العكس عن الأملس عدم (٣) المنفذ وهناك حفز (٤) من

__________________

(١) فى تعليقة نسخة : اعلم ان الابصار ليس بخروج الشعاع ولا بالتكيف ولا بالانطباع بل اذا اجتمع شرايط الابصار يحصل للنفس علم جزئى بالمبصر على سبيل الحضور والمشاهدة من طريق البصر كما ذهب اليه جماعة من حكماء الاسلام وليس مقصد افلاطون وارسطو واشباههما ايضا من القدماء الا هذا المعنى كما قاله المعلم الثانى الا ان هذا العلم لما كان حصوله بتعلق نور النفس وشعاعها من طريق البصر لشىء خارج منه بتوسط الهواء عبّر عنه قوم بخروج الشعاع من البصر وبتكيّف الهواء ولما كان انما يحصل للنفس وينكشف بهذا الوجه من طريق البصر شبح المرئى وظاهره دون باطنه وكنهه عبّر عنه آخرون بحصول الشبح كما هو رأيهم ودأبهم فى التعبير عن اكثر مقاصدهم وتفسير معاظم مطالبهم لكنه خفى على اكثر الناس ذلك لقصور بصائرهم فضلّوا انفسهم واضلوا كثيرا ونسبوا الى العلماء منكرا من القول وزورا. نقل من ازهار الحكم.

(٢) ملس جمع املس مثل صفر وحمر جمع اصفر واحمر.

(٣) عدمه المنفذ ، نسخة.

(٤) حفزه يحفزه دفعه من خلفه.

١٨٢

ورائه ، فذلك موجود للخشن (١). وإن كان لا حافز من ورائه ولا عدم منفذ فليس يجب أن ينعكس عن شىء ، فإن الجسم لا تكون له بالطبع حركات مختلفة ، بل بالقسر. وأنت تعلم أنه إذا كان المضىء قد أماله بالطبع (٢) فلا ينعطف الا بالقسر.

ثم الملاسة ليست من الهيئات الفاعلة فى الأجسام فتغير طبيعة ما يلاقيها ، ولا هى من القوى الدافعة عن أجسامها شيئا حتى تقسر الأجسام إلى التبعيد عنها ، ولو كانت الملاسة علة لتبعيد الجسم عن الجسم لكان تبعّد ما بينهما وإن تماست على أىّ وضع كان ، ولكان يجب أن ينعكس البصر عن المرآة التى يلامسها الشعاع الخارج مخطوطا عليها لا إذا لا قاها بالطرف فقط.

وإن كان السبب فى الانعكاس هو الحفز من خلف أو النتوّ كما يعرض للكرة ، وجب أن ينعكس عن كل صلب لا منفذ فيه وإن لم يكن أملس. وأما على مذهب أصحاب الأشباح فلذلك (٣) وجه ، وهو أنهم يجعلون الملاسة علة لتأدية الشبح ، وكل ملاسة عظمت أو صغرت فهى علة لتأدية

__________________

(١) فى تعليقة نسخة : يعنى ان الانعكاس عن الاملس اما ان يكون لعدم المنافذ والحفز من خلف او لا بل بمجرد الملاسة. فعلى الاول يلزم ان يعمّ الخشن لعموم علته. والثانى باطل لان الملاسة ليست من الهيئات الفاعلة حتى يغيّر ما يلاقيها ولا هى من القوى الدافعة عن اجسامها حتى دفع الشعاع عن اجسامها ولا يمكن ان ينعكس الشعاع بطبعه فان الجسم بطبعه لا يقتضى الحركة الى جهات مختلفة وان فرضت الملاسة دافعة لزم ان يدفع الشعاع على اىّ وضع يلاقى الاملس لان الشعاع اذا وقع على المرآة بخط من السطح لا كخط على السطح لم ينعكس ألبتة. كذا فى التلخيص.

(٢) قوله : « قد اماله » وفى نسخة مصحّحة قد ناله ( من النيل ) كباعه.

(٣) اى منع الصغر.

١٨٣

شبح ما. لكن الأشباح التى تؤديها السطوح الصغار تكون أصغر من أن يميّزها البصر ، فلا تحس. فإن الجرم الخشن تختلط فيه الظلمة بالنور فيظلم كل غور ، ويكون كلّ نتوّ أصغر من أن يؤدّى شبحا يميز بالحس ولو كان متصلا لم يعرض ذلك. فأما أصحاب العكس فهذا الصغر ليس بعذر لهم فى عدم العكس عنه.

وأما إن لم يجعلوا العلة الصغر (١) ، بل التشذّب فإن هذا التشذّب موجود أيضا عن المرايا المشكلة أشكالا ينعكس عنها الشعاع إلى نصف كرة العالم بالتمام مما يعلم فى علم المرايا. وعسى أن لا يكون العكس عن الخشن يبلغ فى تشذّبه للشعاع ما يبلغه تلك المرايا ، بل تراكمت خطوط منه على نقطة واحدة ، فهذا أحد المباحث.

والبحث الثانى أنه ينعكس عن الماء وقتا وينفذ تحته وقتا وكذلك عن البلور ، فيجب إذن أن يدخل أحد الأمرين نقصان عن الآخر إما أن يكون المبصر تحت الماء لا يرى صحيحا ، بل ترى منه نقط عند الحس متفرقة لا صورة كاملة ، أو المنعكس إليه لا يرى بالتمام ، بل ترى منه نقط عند الحس متفرقة لا صورة كاملة وإن رؤى أحدهما أتم رؤى الاخرى بحسبه أنقص ، وليس الأمر كذلك.

والبحث الثالث هو أن المنعكس عن الشىء الذى قد فارقه وواصل غيره ثم ترى به صورتهما معا لا يخلو إما أن تكون مفارقة الشعاع المنعكس لا توجب انسلاخ صورة المحسوس عن الشعاع أو توجب. فإن كانت لا توجب فكيف لا نرى ما أعرضنا عنه وفارقه الشعاع ، فإنا لا نعرف هناك

__________________

(١) فى تعليقة نسخة : اشارة الى الجواب عن الامر الثانى.

١٨٤

علة إلا أن الشعاع استبدل به موقعا غيره. وإن كانت المفارقة توجب انسلاخ تلك الصورة عنه ففى الوقت الواحد كيف ترى المرآة والصورة معا ، فإن كان القائم (١) على المرآة من الشعاع يرى صورة المرآة والزائل عنه إلى شىء آخر يرى صورة ذلك الشىء ، فقد اختص بكل واحد من المبصرين جزء من الشعاع فيجب أن لا يريا معا ، كما أن الشعاع الواقع على زيد والشعاع الواقع على عمرو فى فتح واحد من العين (٢) معا لا يوجب أن يتخيل المرئى من زيد مخالطا للمرئى من عمرو.

فإن قيل : إن السبب (٣) فيه أن ذلك الشعاع يؤدى الصورة من طريق ذلك الخط إلى النفس فيكون خط واحد يؤديهما معا وما يؤدّى من خط واحد يرى واحدا فى الوضع (٤).

قيل : أما أولا فقد أبطلت مذهبك ومنعت أن يكون الخط الخارج مبصرا من خارج ، بل مؤديا ؛ وأما ثانيا فإنه ليس يمتنع أن يخرج (٥) خط ثان يلاقى الخط المنعكس ويتصل به ، فإن كان إنما يؤدى بما يتصل به من الخطوط ثم تحس القوة التى فى العين لا الخارجة ، فحينئذ كان يجب أن يرى الشىء من الخطين معا فترى الصورة مع صورة المرآة ومع غير تلك الصورة ، وكان يجب أن يتفق مرارا أن يرى الشىء متضاعفا لا بسبب فى

__________________

(١) اى الشعاع القائم. وقوله : « من الشعاع » بيان للقائم.

(٢) « من العينين » نسخة كما فى المباحث للفخر ايضا ص ٣١١ ج ٢.

(٣) أى إن قيل : إن السبب فى ذلك أنّ الشعاع يؤدّى صورتى المرآة وما يرى فيها الى النفس من طريق خط واحد هو الذى على المرآة لا تصاله بخط الانعكاس فيريان متحدين فى الوضع.

(٤) وما تأدى من خط واحد رؤى واحدا فى الوضع. نسخة مصحّحة.

(٥) اى من العين.

١٨٥

البصر ولكن لاتصال خطوط شتّى بصريّة بخط واحد ، وهذا مما لا يكون ولا يتفق ، فإنا إنما يمكننا أن نرى الشىء فى المرآة ونراه وحده إذا كان مقابلا للبصر ، وأما إذا لم يكن مقابلا فإنا نراه فى المرآة فقط.

فليكن على أصلهم « ا » نقطة البصر (١) و « ب » موضع المرآة وليكن خط « ا ـ ب » خرج من البصر ثم انعكس إلى جسم عند « ج ». وليخرج خط آخر وهو « ا ـ د » ويقطع خط « ب ـ ج » على « ه » ويتصل به هناك. فأقول يجب على أصولهم أن يكون شبح « د » يرى مع شبح « ج » و « ب » ويرى شبح « ج » من طرفى « ه » و « ب » من خطى « ه ا » و « ب ا ».

وذلك لأن أجزاء هذه الخطوط (٢) الخارجة من الأبصار إما أن تكون متصلة وإما أن تكون متماسة ، فإن كانت متصلة وكان من شأن بعضها كما فرضناه أن يقبل الأثر مع بعض إذا اتصلت حتى يؤدّى (٣) إلى الحدقة ، وكان الأثر فى كلية الجرم الشعاعى نفسه لا فى سطح منه مختص بجهة ، وليس ذلك من التأدية اختياريا ولا صناعيا ، بل طبيعيا ، فإذا حصل المنفعل (٤)

__________________

(١)

(٢) اى الخطوط الشعاعية.

(٣) حتى يؤدّيا كما فى ثلاث نسخ. حتى تؤدّيه كما فى نسخة.

(٤) وهو الخط الثانى هيهنا.

١٨٦

ملاقيا للفاعل (١) الذى يفعل بالملاقاة وجب أن ينفعل عنه. فإن الحكم فى خروج التهيّآت الطبيعية التى فى جواهر الأشياء إلى الفعل هو أن تكون طبيعة التهيؤ موجودة فى ذات المنفعل وإن لم تكن بسبب شىء من طبيعة الفاعل ، والأمر الذى عنه الفعل موجودا فى ذات الفاعل ، وإن لم يوجد مثلا فى المنفعل. وإذا حصل ذلك لم يتوقف الخروج إلى الفعل إلا على وصول أحدهما إلى الآخر. فإذا وصل الفاعل إلى المنفعل وارتفعت الوسائط ، وهذا فيه قوة الفعل وذاك فيه الانفعال ، وجب الفعل والانفعال الكائن بينهما بالطبع على أى نحو كان الاتصال ، ولم يكن للزاوية الكائنة بحال معنى ، ولا لفقدان المنفذ وفناء المشف عند المرآة أثر. فإنه سواء فنى المنفذ واتصل به خطوط أو كان غير فان واتصل به خطوط ، فإن الفاعل يجب أن يفعل والمنفعل يجب أن ينفعل.

فإن كان الشبح والأثر (٢) مثلا ليس فى الجرم الشعاعى الممتد

__________________

(١) وهو الخط الاول هيهنا.

(٢) قوله : « فان كان الشبح والاثر ... » اقول : عبارة الفخر الرازى فى المباحث المشرقية هكذا : « وان كان الاثر فى طرف الجسم الشعاعى فقط فيجب ان لا ينفعل ما بين اول الخط وآخره بل يقع الشبح من الطرف الملامس الى الطرف الآخر من غير انفعال الاجزاء فى الوسط ، وكان يجب ان يكون الاداء على الخط المستقيم ولا يؤدى على زاوية العكس وهذا مما لا يقال » انتهى ( ص ٣١٢ ج ٢ ). ولا يخفى عليك ان الفخر بيّن المراد ملخّصا ورأينا نقل كلامه مفيدا لفهم كلام الشيخ ـ قدس‌سره.

ثم انّ الشيخ اكثر التدقيق فى المقام حيث قال : « وليس فى جهة » الخ. يعنى وليس ذلك الجرم الشعاعى فى جهة ذلك الخط اى خط « ا ه » بحيث يتصل به اى بذلك الجرم الشعاعى. وان شئت قلت بخط « ا ه » والمآل واحد. ذلك الخط فى تلك الجهة اى خط « ا ب ج » فيتصل به فى « ه ». فعلى هذه الدقة يخرج هذا الجرم الشعاعى من « ا » وهى نقطة البصر وينتهى الى « ج » ويماسه بنقطة منه او بسطح منه. ثم يقال بعد هذا فيجب ان

١٨٧

نفسه (١) ولكن فى سطح منه أو نقطه (٢) هى فناؤه ونهايته ، وليس فى جهة ذلك الخط (٣) بحيث يتصل به ذلك الخط من تلك الجهة فينفعل عنه ، بل على غير امتداد ذلك الخط ، فيجب أن لا ينفعل (٤) ما بين أول الخط وآخره ، بل يقع الشبح من السطح الملامس إلى السطح الثانى دفعة (٥) من غير انفعال الأجزاء فى الوسط. وذلك لأن المتصل لا مقطع له

__________________

لا ينفعل الخ.

وقوله : « بل على غير امتداد ذلك الخط » يمكن ان يكون اضرابا عن ليس الثانى. اى بل يكون ذلك الجرم الشعاعى على غير امتداد ذلك الخط وهو خط « ا ه ». او يكون اضرابا عن ليس الاول ، اى يكون الاثر والشبح على غير امتداد ذلك الجرم الشعاعى بل فى طرف منه. فتبصّر.

قال بهمنيار فى التحصيل : نقطة فان كان الشبح والاثر ليس فى الجرم الشعاعى الممتد نفسه ولكن فى سطح منه او نقطة هى فناؤه ونهايته وليست الى جهة ذلك الخط فيجب ان لا ينفصل ما بين اول الخط وآخره بل يقع الشبح من السطح الملامس الى السطح الثانى دفعة من غير انفعال لاجزاء الوسط وذلك محال لان المتصل لا مقطع له بالفعل او وجب ان يكون الاداء على الخط المستقيم ولا يؤدى على زاويه ألبتة لان لنقظ الزاوية اعراضا عن الاستقامة وهذا مما لا يقال. وبيّن ان انفعال خط « ه ا » من خط « ج ه » كانفعال. خط « ا ب » من « ه ب » بل هو اقرب واولى لانه على خط الاستقامة.

وقال الرازى : وان كان الاثر فى طرف الجسم الشعاعى فقط فيجب ان لا ينفعل ما بين اول الخط وآخره بل يقع الشبح من الطرف الملامس الى الطرف الاخر من غير انفعال للاجزاء فى الوسط او كان يجب ان يكون الاداء على الخط المستقيم ولا يؤدى على زاوية العكس وهذا مما لا يقال.

(١) تأكيد للجرم.

(٢) اى الشبح والاثر فى نهايته فقط.

(٣) اى خط : « ه ».

(٤) اى على تقدير ان الاثر فى طرف الجسم الشعاعى فقط.

(٥) فى تعليقة نسخة : اى على سبيل الطفرة وهى محال.

١٨٨

بالفعل (١) ، أو وجب أن يكون الأداء (٢) على الخط المستقيم ولا يؤدى على زاوية ألبتة ، لأن لنقطة الزاوية إعراضا عن الاستقامة وهذا مما لا يقال.

فبين من هذا أن انفعال خط « ه ا » من خط « ج ه » كانفعال خط « ب ا » من خط « ه ب » بل هو أولى وأقرب. فيجب أن يتأدى شبح « ج » من كلا خطى « ه ا ، ب ا » فيجب أن يرى « ج » حينئذ لا شيئا واحدا بل شيئين اثنين. وأيضا يجب أن يتأدى شبح « د » مع شبح « ج » ويضعون أن شبح « ب » متأد مع شبح « ج » ، فيجب أن ترى الأشباح الثلاثة معا ، وجميع هذا غير كائن.

وعلى هذا القياس إن كانت (٣) متماسة فإنها إن كان كل جزء منها يقبل الأثر بجميع جرمه وجب بمماسته الفعل والتأثير فى الذى يليه ، وإن كان لا إلا فى السطوح التى تقابل المبصر (٤) لم يجز فى شىء من الزوايا التى

__________________

(١) فى تعليقة نسخة : قوله : « لا مقطع له بالفعل » حتى يقال لا يقع الشبح من السطح الملامس الى السطح الثانى لانقطاع الخط وعدم اتصال الخط بالبصر وهذا الوقوع محال لان الشبح لا يجوز ان يطفى بل يجب ان يعبر عن الوسط واذ عبر عن الوسط فالوسط لا محالة ينفصل عن الشبح اذ المراد انه لما لم يكن بين السطح الملامس والسطح التالى انقطاع وفرض ان الشبح يقع من الملامس الى الثانى فلا محالة عبر عن الوسط من غير انفعال الوسط عنه وذلك محال.

(٢) فى تعليقة نسخة : هذا على تقدير فرض الشبح فى نهاية الخط الشعاعى التى يقع على سطح المرآة اى فى السطح الذى مقابل للبصر ولا يكون للشبح اثر فى الخط الانعكاسى اصلا.

(٣) اى الخطوط الشعاعية.

(٤) قوله : « وان كان لا الاّ فى السطوح التى تقابل المبصر ». اقول هكذا كانت العبارة فى النسخ المصحّحة التى عندنا. وكلمة « يؤثر » زائدة. والصواب بدونها. ومعنى العبارة هو هكذا : اى وان كان كل جزء منها لا يقبل الاثر بجميع جرمه الا فى السطوح التى الخ.

ثم ، السائل فى قوله : « فان سئلنا نحن » اصحاب الشعاع ، والمسئول اصحاب الانطباع ، وهم يقولون ان الهواء مؤد على الاستقامة او على هيئة ما شبح المرئى الى البصر.

١٨٩

تقع حائدة عن ذلك السطح أن يتأدى منها المبصر إلى البصر.

فإن سئلنا نحن : أنكم ما بالكم توجبون أن تقع تأدية هذا الشبح على الاستقامة أو على هيئة مّا وقوعا إلى بعض الأبصار المماسة له دون بعض.

فنقول : أما نحن بالحقيقة فلا نقول : إن الهواء مؤدّ على أنه قابل شىء ألبتة من الرسوم والأشباح من شىء ليحمله إلى شىء ، بل نقول : إن من شأن النيّر أن يتأدى شبحه إلى المقابل له إن لم يكن بينهما عائق هو الملون ، بل كانت الواسطة بينهما مشفة. ولو كانت الواسطة قابلة أو لا ثم مؤدية (١) لأدّت إلى الأبصار كلها كيف كان وضعها (٢) كما تؤدّى الحرارة إلى الملامس كلها كيف كان وضعها.

ثم من الأمور التى يجب أن يبحث عنها فى هذا الموضع هو أنّ كثيرا ما نرى الشبح وذا الشبح معا دفعة واحدة ونراهما متميزين ، أعنى أنا نرى فى المرآة شبح شىء ونراه أيضا بنفسه من جانب وذلك معا ، وعسى أن ذلك إنما يقع بسبب خطى شعاع أحدهما يصير إليه بالاستقامة ، والآخر على زاوية عكس. ولأن الواقعين على الشىء اثنان (٣) ، فمن جهة ذلك

__________________

ثم ، اعلم ان عبارات التحصيل فى المقام مطابقة للشفاء وهو نقل العبارة المذكورة ايضا هكذا : « وان كان لا الاّ فى السطوح التى ... » ص ٧٧٥ ـ ط ١.

(١) يكون المشف مؤدّيا بمعنى انه شرط لحصول الابصار ( ص ٢٩٤ ج ٢ من المباحث المشرقية ).

(٢) فى تعليقة نسخة : ولكن ليس كذلك والواسطة لا تكون قابلة بل تكون مؤدية.

(٣) قال الرازى فى المباحث المشرقية ج ٢ ص ٣١٢ : « اما ان يكون ذلك بسبب انه وقع شعاعان على المرئى او لان احدهما اتصل به على الاستقامة والاخر اتصل به منعكسا عن المرآة والاول باطل لوجهين :

اما اولا فلان وقوع الشعاعين على المرئى لا يوجب ان يرى الواحد اثنين فان الاشعة عندهم كلما تراكمت واجتمعت كان الادراك اشد تحقيقا وابعد عن الغلط فى العدد والخصوم معترفون بذلك. واما ثانيا فلانه لا يمكن ان يلمس شعاعان شيئا واحدا لان

١٩٠

نراه اثنين فنحصّل الآن هذا هل هو ممكن أو ليس بممكن.

فنقول : إن وقوع جزئين على المبصر لا يوجب أن يرى الشىء الواحد اثنين ، فإن الشعاع عندهم كلما اجتمعت أجزائه على المبصر وتراكمت كان إدراكها إياه أشد تحقيقا وأبعد عن الغلط فى العدد. والخصوم معترفون بهذا ولا يوجبون أن شعاعا واحدا إذا رأى الشىء وحده كان واحدا ، فإن وقع عليه شعاع آخر واتصل به صار فى الرؤية بسببه غلط. على أنه لا يمكن أن يلمس شيئا واحدا شعاعان معا لا شعاعا أصل ولا شعاعا أصل وعكس. والشعاع جسم على ما يرونه ، لأن الجسم لا ينفذ فى الجسم ، بل يجوز أن يقع شعاع على شعاع.

فإن سلكنا هذه السبيل لم يكن الإبصار بكليهما على سبيل اللمس ؛ بل يكون أحدهما يلمس والآخر يقبل منه ، وسواء كان الشعاعان طرفى خطين خرجا على الاستقامة أو أحدهما والآخر من جانب العكس.

فإذن إن كان هاهنا فليس وقوع شعاعين على واحد مطلقا ، بل بالشرط (١) وهو أن أحد الشعاعين وقع عليه وحده (٢) ، والشعاع الثانى أيضا وقع معه على غيره.

__________________

الشعاع جسم والجسم لا ينفذ فى الجسم.

والقسم الثانى باطل بمرآتين توضعان متقابلتين فان كل شعبة شعاع فهى واقعة على الاثنين جميعا فلا يمكن ان يجعل احد الشعاعين مؤديا للشبح والاخر لذى الشبح فان كل واحد منهما ادرك ما ادرك الآخر والمدرك واحد فكان يجب ان يكون الادراك منهما واحدا وليس كذلك ». وراجع ايضا ص ٧٧٦ من التحصيل لبهمنيار.

(١) بل بشرط ، نسخة.

(٢) فى تعليقة نسخة : وهذا هو الشق الذى اشار اليه سابقا بقوله : « وعسى ان ذلك انما يقع بسبب خطى شعاع احدهما يصير اليه بالاستقامة والاخرى على زاوية عكس ».

١٩١

وهذا القسم يبطل بمرآتين توضعان متقابلتين ، فإن الأشعة لا تفترق فيهما (١) من هذه الجهة ، بل كل شعوب شعاع فهو واقع على الاثنين جميعا. ومع ذلك فإن البصر يرى كل مرآة وشبحها دفعة. والشعاعان هاهنا لا يفترقان ، ولا يجوز (٢) أن يؤدّى شعاع شبحا والآخر غير ذلك الشبح ، فإن كل واحد منهما أدرك ما أدرك الآخر والمدرك واحد فيجب أن لا يكون الإدراك والأداء اثنين ، بل يجب أن يأتى البصر صورة كل مرآة مرة غير مكررة. وإن تكررت بسبب العكس (٣) وكان لذلك وجه وعذر

__________________

(١) اى لا تفترق فى الادراك والتأدية. وفى نسخة : لا تفترق بينهما.

(٢) فلا يجوز ان يؤدى ، كما فى عدة نسخ.

(٣) قال الرازى فى المباحث المشرقية ج ٢ ص ٣٢٤ : « فان قيل اذا اتصل بالمرآتين شعاعان على الاستقامة وجب ان ترى ذات كل واحد منهما ثم انه ينعكس الشعاع من كل واحدة الى الاخرى فيجب ان نرى شبح كل واحدة منهما فى الاخرى. فنقول وان سلّمنا ما ذكر تموه لكنه يبقى الاشكال من وجوه اربعة :

الاول ما السبب فى ان كل واحدة من المرآتين تتأدّى عنها اشباح كثيرة حتى نرى مرارا كثيرة فانه اذا انعكس الشعاع عن مرآة « ا » الى مراة « ب ».

رأينا « ب » فى « ا ». ثم اذا انعكس من « ب » الى « ا » رأينا « ا » فى « ب » ثم اذا انعكس مرة اخرى من « ا » الى « ب » رأينا « ب » فى « ا » مرة اخرى فحينئذ قد راينا شبح « ب » مرتين وكان يجب ان يمتنع ذلك لان الشعاع اتصل به فى المرآتين على وجه واحد وهو الانعكاس.

والثانى ما بال المرآتين يرى شبح كل واحدة منهما مرارا كثيرة كل مرة اصغر مما قبلها وما السبب لذلك التصغر فان قالوا الشعاع اذا تردد طالت مسافته فيستدقّ وكلما ازداد التردد ازداد الاستدقاق فازداد صغر المرئى فنقول ذلك باطل من وجوه ثلاثة :

اما الاول فان كل ما ذكر تموه يقتضى ان تكون تلك الخطوط الشعاعية اذا تراكمت ان لا تصير

١٩٢

متكلف لنسامح فى تسليمه ، فلا يجب أن يقع تكرار بعد تكرار فما بال كل واحدة من المرآتين تتأدى عنها أشباح كثيرة حتى ترى المرآة الواحدة مرارا كثيرة ، مرة واحدة ترى نفسها كما هى ومرارا كثيرة جدا شبحها.

فإن قلنا : إن الشعاع لما انعكس من هذه المرآة إلى الأخرى رأى الاخرى فى هذه المرآة ، ثم لما انعكس مرة أخرى إلى الأولى رأى الأولى فى هذه الأخرى ، فإذا (١) انعكس مرة أخرى فلم لا يرى كما رآه مرة

__________________

كخط واحد بل تبقى خطوطا معطوفة موضوعة بعضها تحت بعض محفوظة التميز.

واما الثانى فلان الموجب لان يرى الكبير صغيرا تصغّر زاويه الشعاع ومعلوم ان البعد المنعرج لا يؤثر فى تصغر الزاوية كما يؤثر فيه البعد المستقيم.

واما الثالث فلان ما قالوه يبطل بما اذا بعّدنا المراة اضعاف ما تقتضيه الانعكاسات فانه لا يرى ذلك الشىء بذلك الصغر مثلا اذا انعكس الشعاع من « ا » الى « ب » ثم من « ب » الى « ا » هكذا اربع مرات والبعد بينهما شبران فالذى قطعه الشعاع من مسافته المنفرجة ثمانية اشبار فلو انا بعدنا المرآة عن مركزها عشرة اشبار لم نكن نراه بذلك الصغر فبطل ما قالوه.

والوجه الثالث فى الجواب عن السؤال الاول ان الصورة الماخوذة عن الشىء بذاته والمأخوذة بعكسين كل ذلك يختلف عند البصر وذلك الاختلاف اما بالماهية او بالعوارض العارضة لها بسبب المادة. اما الاول فباطل لان الصورتين هاهنا واحدة فى الماهية. والثانى ايضا باطل لان قابلهما وهو العين واحد فاذا يمتنع ان تكون الصورتان اثنتين فضلا عن ان تكونا مختلفتين. واما عند اصحاب الاشباح فالشناعة غير لازمة لانه الصورتين ماخوذتان عن شيئين احدهما حاملها الاول والثانى الجسم الصقيل القابل لشبحها نوعا من القبول والفاعل لها نوعا من الفعل.

والرابع انه اذا اتصل بالمرئى شعاع على الاستقامة وآخر بالانعكاس فالثانى لا ينفذ فى الاول لامتناع تداخل الاجسام فاما ان يلامس شيئا من اجزاء المرئى غير مالمسه الاول فلا يكون ادراك الشعاعين بشىء واحد بل احدهما يدرك بعض اجزاء المرئى والثانى يدرك شبح الباقى واما ان يكون الثانى يلمس اللامس السابق فحينئذ يجب ان يرى ما يرى بحسب الانفعال منه بسبب الاتصال به وبطلت شريطة زاوية العكس ».

(١) جواب ان قلنا.

١٩٣

أولى ، إلا أن يقولوا إن الأول رآه بجزء (١) والآخر رآه بجزء آخر. فإن كانت الأجزاء مؤدية لا رائية فليس تؤدى أشياء أخرى ، بل ذلك الشبح بعينه واختلاف وقوعها عليه بعد كونه واحدا بعينه لا يوجب اختلافا فى الرؤية. فقد بينا ذلك أيضا ، فإن عندهم أن أجزاء المنعكس تجتاز على المبصر (٢) المنعكس عنه اجتيازا ، فيجب أن تتبدل صورته فى تلك الأجزاء. ومع ذلك فليس يجب من تبدلهما عليه أن تزيد فى عدد ما يدرك أولا وثانيا إذ كان ما يؤدّى من الصورة واحدة (٣) ، وإن كانت الأجزاء بأنفسها رائية وجب ما قلنا فى امتناع رؤية شبح المنعكس إليه (٤) فى شبح المنعكس عنه. ثم لم يجب أن يرى الأشباح عن قليل (٥) وقد صغرت (٦).

فعسى أن يقولوا : إن الشعاع إذا تردد طالت مسافته فرأى كل مرة أصغر ففارق الأول الثانى بالصغر ، فيجب أن يكون أولا الخطوط الشعاعية إذا تراكمت لا تكون كخط واحد أغلظ وأقوى من الأول ، بل تبقى خطوطا معطوفة موضوعة بعضها بجنب بعض محفوظة القوام لا تتحد. وهذا (٧) الحكم عجيب. وبعد ذلك (٨) فإنهم لا يجدون للصغر (٩)

__________________

(١) من الشعاع.

(٢) فى تعليقة نسخة : اى غير لابثين عليه.

(٣) واحدا ، نسخة.

(٤) فى تعليقة نسخة : اى بالتمام بل يتبدل صورة المنعكس اليه كما ان اجزاء شعاع المنعكس تجتاز على المبصر المنعكس عنه ولم ير المنعكس اليه بالتمام.

(٥) اى عن بعد قليل.

(٦) فى تعليقة نسخة : كما يرى فى المرايا المتقابلة كذلك.

(٧) اى عدم الاتحاد.

(٨) اى ثانيا.

(٩) للتصغّر ، نسخة.

١٩٤

بالبعد المنعرج من عند عدد (١) الزاوية ما يوجد للبعد المستقيم.

ثم ما يقولون فى ذلك المرئى بعينه؟ ، فإنه إذا بوعد به أضعاف ما تقتضيه المساحة بين الانعكاسات لم ير بذلك الصغر. مثلا إذا انعكس البصر (٢) من مرآة « ا » إلى مرآة « ب » فرأى صورة « ب » فى مرآة « ا » ثم انعكس البصر من مرآة « ب » إلى مراة « ا » فرأى صورة « ا » فى مرآة « ب » ، ثم انعكس البصر من مرآة « ا » إلى مرآة « ب » فرأى صورة مرآة « ا ». ثم كذلك رأى صورة « ب » فى مرآة « ا » والبعد بينهما شبران فيجب أن يكون ما قطعه الشعاع من مسافة المنعرجة ما بين العين وإحدى المرآتين ثمانية أشبار. ولو أنّا بعّدنا مرآة ب من مركزها عشرة أشبار فما فوقها لم يكن نراه بذلك الصغر. على أن العجب فيما ذكرناه هو من افتراق الصورة المأخوذة عن الشىء بذاته ، والمأخوذة عنه بالعكس ، أو المأخوذة عنه بعكسين ، فإن جميع ذلك متفرق عند البصر. والصورتان المأخوذتان هما عن مادة واحدة فى قابل واحد فبماذا تفترقان. لأن افتراق الصور إما بالحدود والمعانى وإما فى القوابل ؛ والصورتان معنياهما واحد وحاملهما

__________________

(١) المنعرج من تحدد الزاوية ، نسخة. وفى تعليقة نسخة : ومعلوم ان البعد المنعرج لا يؤثر فى تصغر الزاوية كما يؤثر فيه البعد المستقيم.

(٢)

١٩٥

الأول واحد (١) ، وقابلهما الثانى واحد ، فيجب أن لا تكونا اثنين.

أما على مذهبنا ، فإن هذه الشناعة غير لازمة ، لأن الصورتين عندنا مأخوذتان عن قابلين : أحدهما حاملهما الأول (٢) ، والثانى الجسم الصقيل القابل لشبحهما نوعا من القبول والفاعل (٣) بصورهما فى العين نوعا من الفعل.

ثم العجب (٤) فى أمر الشعاع بعد الشعاع ، فإنه إن كان الأمر على ما قلنا من أن الشعاع الثانى لا يجب أن ينفذ فى الأول ، بل يماسه من خارج فكيف يلامس الشعاع المنعكس المرئى (٥) فرآه (٦) ، وإنما يلامس ما غطّاه من لامسه السابق.

فإن كان يرى ما رآه ذلك بحسب الانفعال منه وقبول ما قبله بسبب الاتصال به ، بطلت شريطة الانفعال على الزاوية المعينة ، وكان أيضا إنما أدرك ما أدرك الأول لا شيئا غيره (٧) بالعدد بوجه من الوجوه ، وإن كان كل يلامس شيئا من أجزاء الشىء غير ما يلامسه الآخر ، فليس ولا واحد منهما بمستقصى الإدراك ولا إدراكهما لشىء واحد (٨).

__________________

(١) الحامل الاول هو المادة الخارجية ، والحامل الثانى هو الذهن. فراجع ص ٥٧ ج ٤ ط ١ ـ ج ٨ ص ٢٣٤ ط ٢ من الاسفار.

(٢) فى تعليقة نسخة : الحامل الاول هو الشعاع الذى يقع على المرئى مستقيما والحامل الثانى هو الشعاع الذى يقع على المرئى منعكسا.

(٣) اى ذلك الجسم الصقيل.

(٤) فى تعليقة نسخة : هذا الايراد ايضا على تقدير رؤية الاشباح فى المرايا المتقابلة.

(٥) مفعول يلامس.

(٦) فيراه ، نسخة.

(٧) فى تعليقة نسخة : والحال انه ليس كذلك.

(٨) بل جزء من شىء واحد.

١٩٦

الفصل السابع

فى حلّ الشبه التى اوردوها وفى اتمام القول فى المبصرات

التى لها أوضاع مختلفة من مشفّات ومن صقيلات

فلنحلّ الآن الشبه المذكورة (١). فأما ما تعلّقوا به من أن القرب يمنع الإبصار وأن انتقال الألوان والأشكال عن موادها مستحيل ، فهذا إنما كان يصح لهم لو قيل : إن الإبصار أو شيئا من الإحساسات إنما هو بنزع الصورة عن المادة على أنه أخذ نفس الصورة من المادة ونقلها إلى القوة الحاسة. وهذا شىء لم يقل به أحد ، بل قالوا إن ذلك على سبيل

__________________

(١) تعرض الرازى للرد على القائلين بان الابصار لاجل خروج الشعاع فى المباحث المشرقية ج ٢ ص ٢٩٦ : « انا ما نقول انه تنتقل الصورة من المحسوس الى الحس بل نقول ان البصر يقبل فى نفسه صورة من المبصر مشاكلة للصورة التى له والمحسوسات التى لا تحس الا مع المماسة كاللمس والذوق فليس يسلب الحاس صورها بل يوجد فيها مثل صورها وليس بمستبعد ان يكون من الاشياء ما لا ينفعل الا عن الملاقى ومنها ما لا ينفعل الا عن المحاذى مثل الابصار فانه لاحتياجه الى توسط شفاف وهو الهواء والى كون المرئى مضيئا وكلاهما لا يوجدان عند ملاقاة الحاس والمحسوس فلا جرم يمتنع ان ينفعل عن الملاقى بل لا ينفعل الا عن المحاذى ولما لم يكن على فساده حجّة لم يجب انكاره ».

١٩٧

الانفعال. والانفعال ليس أن يسلخ المنفعل قوة الفاعل أو كيفيته ، بل أن يقبل منه مثلها أو جنسا غيرها.

ونحن نقول : إن البصر يقبل فى نفسه صورة من المبصر مشاكلة للصورة التى فيه لا عين صورته ، وهذا الذى يحسّ أيضا بالتقريب كالمشموم والملموس فليس يسلب الحاس بذلك صورته ، بل إنما يوجد فيه مثل صورته.

لكن من الأشياء ما إلى الانفعال منه سبيل بالملاقاة ، ومنها ما إذا لوقى انقطع عنه شىء يحتاج إليه حتى يؤثر أثره ، وهو فى هذا الموضع هو الشعاع المحتاج إلى اتصاله بالصورة المرئية فى أن يلقى ذو الصورة شبحا من صورته فى غيره مناسبا لما نراه إلقائه شبحه المؤكد إذا اشتد عليه الضوء ، حتى أنه يصبغ ما يقابله بصبغه قارّا فيه (١) متحققا إذا كان ما يقابله قابلا لذلك ولو بتوسط مرآة أيضا ، ومع الاحتياج إلى استضاءة المرئى فإنه يحتاج أيضا إلى متوسط كالآلة تعينه عليه وهو الإشفاف ، وأن يكون للمقدار منه حد محدود لا يقع الأصغر منه فيه.

ومن الدليل على أن المدرك يأخذ شبحا من المدرك ما يبقى فى الخيال من صورة المرئى حتى يتخيله متى شاء ، افترى أن ذلك المتخيل هو صورة الشىء فى نفسه ، وقد انتقل إلى الخيال وتجرّد تجرّد الشىء عن صورته ، كلاّ بل هو شىء غيره مناسب له.

وأيضا فإن بقاء صورة الشمس فى العين مدة طويله إذا نظرت إليها ثم أعرضت عنها يدلّك على قبول العين للشبح ، وكذلك تخيل

__________________

(١) كما فى نسخنا كلّها. وفى المطبوعة بمصر : « فادّاه ».

١٩٨

القطرة النازلة خطا والنقطة المتحركة على الاستدارة بالعجلة دائرة ، ولا يمكنك أن تتخيل ذلك وتراه إلا أن ترى امتدادا مّا ، ولا يمكن أن ترى امتدادا من نقطة متحركة فى غير زمان ولا من غير أن تتخيل الشىء فى مكانين.

فيجب أن يكون لكون (١) القطرة فوق ثم تحت وامتدادها ما بين ذلك ، وكون النقطة على طرف من المسافة التى تستدير فيها وعلى طرف آخر ، وامتدادها فيما بين ذلك ، متصور الشبح (٢) عندك. وليس ذلك بحسب آن واحد ، فيجب إذن أن يكون شبح ما تقدم مستحفظا بعده باقيا عقيبه ، ثم يلحقه الإحساس بما تأخر ويجتمعان امتدادا كأنه محسوس. وذلك لأن صورته راسخة وإن كانت القطرة أو النقطة قد زالت عن أىّ حدّ فرضت ولم تبق فيه زمانا.

وأما ما ذكروه من أمر النور الذى يتخيّل بين يدى العين ، فالسبب فى غلطهم به أن ذلك عندهم ليس يكون إلا على وجه واحد (٣) ، حتى ظنوا أنه لا يجوز أن تكون العين شيئا له فى جوهره ضوء كالأشياء اللوامع التى ذكرناها فيما سلف. فإذا كانت ظلمة لمع وأضاء ما قدّامه بكيفية تؤثرها لالشىء ينفصل عنه وكأنّه لا يجوز أيضا أن يكون الحك واللمس قد يحدث شعاعات نارية لطيفة فى الظلمة ، كما يتفق من مس ظهر السنور

__________________

(١) كما فى جميع النسخ المخطوطة التى عندنا. وفى المطبوعة بمصر : « يكون تكوّن القطرة ».

(٢) خبر يكون.

(٣) راجع ص ٢٩٠ ج ٢ من المباحث المشرقية. وفى تعليقة نسخة : وهو انفصال النور عن العين فقط.

١٩٩

وإمرار اليد على المخدّة واللحية فى الظلمة.

وقد يظهر لك أنه لا يبعد أن تكون الحدقة نفسها مما يلمع ليلا ويضىء ويلقى شعاعها على ما يقابلها ، فإن عيون كثير من الحيوان بهذه الصفة كعين الأسد والحية. فإذا كانت كذلك جاز أن ينير المظلم. ولهذا ما كان كثير من الحيوانات ترى الظلمة لإنارتها الشىء بنور يفيض من عينيها ولقوة عينها.

وأما حديث امتلاء الحدقة عند تغميض الأخرى فمن الذى ينكر أن يكون فى العصبة المجوّفة جسم لطيف هو مركب القوة الباصرة ، وهو الذى يسمى الروح الباصر (١) أنه يتحرك تارة مستبطنا هاربا وتارة مستظهرا محدقا. فإذا غمضت إحدى العينين هربت من التعطل ومن الظلمة طبعا ، فمالت (٢) إلى العين الأخرى ، لأن المنفذ فيهما مشترك على ما يعرفه أصحاب التشريح. وليس إذا امتلأ شىء من شىء ، يجب أن يكون فى طبع المالئ بروز وخروج وذهاب فى الأرض ومسافرة إلى أقطار العالم.

وأما حديث المرآة (٣) فيلزم سؤالهم جميع من عنده أن المرآة تنطبع فيها صورة المحسوس. لكن الأجوبة التى يمكن أن يجاب بها عن ذلك ثلاثة :

جواب كأنّه مبنى على مذهب مشهور ، وهو أن الصورة لا تنطبع فى

__________________

(١) فى بعض النسخ : الروح الباصرة. ( والروح يذكر وتؤنث ).

(٢) هرب ـ فمال. نسخة.

(٣) راجع ص ٢٨٨ و ٢٩٤ من المباحث المشرقية. وفى تعليقة نسخة : وهو انكار انطباع الصورة فى المرآة.

٢٠٠