تذكرة الفقهاء - ج ٢٠

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٢٠

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٥٧

تذكره الفقهاء المجلد ٢٠

كتاب العطايا المعجّلة

 و فيه مقصدان:

مقدّمة:

العطايا جمع عطيّة، أقسامها ثلاثة؛ لأنّها إمّا منجّزة غير معلّقة بالوفاة، و إمّا مؤجّلة معلّقة بالوفاة، و الثاني الوصيّة، و الأوّل إمّا أن تكون العطيّة مطلقة تقتضي الملك المطلق الموجب لإباحة أنواع التصرّفات، و هو الهبة، و إمّا أن تكون مقيّدة غير مطلقة، و هو الوقف.

المقصد الأوّل: في الهبة و فيه مقدّمة و فصول

المقصد الأوّل: في الهبة و فيه مقدّمة و فصول(١).

أمّا المقدّمة: ففي بيان حقيقتها و تسويغها.

قد عرفت أنّ أقسام العطايا ثلاثة، و أنّ من جملتها العطيّة المنجّزة في الحياة، المقتضية تسويغ عموم التصرّفات، و هي الهبة، لكنّها إن خلت عن العوض سمّيت هبة، فإن انضمّ إليه حمل الموهوب من مكان إلى مكان للموهوب منه إعظاما له و توقيرا سمّي هديّة، و إن انضمّ إليه كون التمليك من المحتاج تقرّبا إلى اللّه تعالى و طلبا لثوابه فهو صدقة، فامتازت الهبة عن الهديّة بالنقل و التحويل من موضع إلى موضع، و منه إهداء القرابين إلى الحرم، و لهذا لا يدخل لفظ الهديّة في العقارات و ما أشبهها من الأمور الممتنع نقلها، فلا يقال: أهدى إليه دارا، و لا عقارا، و لا أرضا، و إنّما يقال:

و هبه أرضا و عقارا و دارا، و يدخل أيضا في المنقولات، فصارت بهذا

١- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «فصلان». و المثبت يقتضيه ذكر ثلاثة فصول في طيّ الكتاب.

الاعتبار أعمّ من الهديّة و الصدقة، فإنّ كلّ هديّة و صدقة هبة، و لا تنعكس، و لهذا لو حلف أن لا يهب فتصدّق حنث، و بالعكس لا يحنث.

و اختلف أصحاب الشافعي في أنّه هل يعتبر في حدّ الهديّة أن يكون بين المهدي و المهدى إليه رسول و متوسّط على وجهين فيما إذا حلف أن لا يهدي إليه فوهب منه خاتما و شبهه يدا بيد، هل يحنث ؟ و المشهور عندهم: أنّه لا يعتبر(١).

مع أنّه ينتظم أن يقال لمن حضر عنده: هذه هديّتي أهديتها لك، مع انتفاء الرسول و المتوسّط فيه.

مسألة ١: و قد ورد في الكتاب العزيز و السّنّة و الأحاديث

ما يدلّ على استحباب الثلاثة و الترغيب فيها:

قال اللّه تعالى: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها (٢) قيل:

المراد منه الهبة(٣).

و قال تعالى: وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى (٤) و قال تعالى:

وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّينَ وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ (٥) و قال تعالى: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَ الْمُصَّدِّقاتِ (٦) و هي كثيرة.

١- العزيز شرح الوجيز ٣٠٦:٦، روضة الطالبين ٤٢٧:٤.

٢- سورة النساء: ٨٦.

٣- الجامع لأحكام القرآن ٢٩٨:٥، العزيز شرح الوجيز ٣٠٦:٦.

٤- سورة المائدة: ٢.

٥- سورة البقرة: ١٧٧.

٦- سورة الحديد: ١٨.

١

و روى العامّة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «لو أهدي إليّ ذراع لقبلت، و لو دعيت إلى كراع لأجبت»(١).

و كان عليه السّلام يأمر بالهديّة صلة بين الناس، قال عليه السّلام: «تهادوا تحابّوا»(٢).

و قال عليه السّلام: «تهادوا فإنّ الهديّة تذهب الضغائن»(٣).

و من طريق الخاصّة: ما رواه ابن بابويه عن الصادق عليه السّلام أنّه قال:

«تهادوا تحابّوا»(٤).

و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: لو دعيت إلى ذراع(٥) لأجبت، و لو أهدي إليّ كراع لقبلت»(٦).

و قال عليه السّلام: «عد من لا يعودك، و اهد لمن لا يهدي إليك»(٧).

و قال الصادق عليه السّلام: «الهديّة ثلاثة: هديّة مكافأة، و هديّة مصانعة، و هديّة للّه عزّ و جلّ»(٨).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «لإن أهدي لأخي المسلم هديّة تنفعه أحبّ٣.

١- المصنّف - لابن أبي شيبة - ٢٠٢٨/٥٥٦:٦، مسند أحمد ٩٨٥٥/٢٥٤:٣، صحيح البخاري ٢٠١:٣، و ٣٢:٧، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٦٩:٦، و ٧: ٢٧٣.

٢- الموطّأ ١٦/٩٠٨:٢، الأدب المفرد - للبخاري -: ٥٩٤/٢٠٥، مسند أبي يعلى ٦١٤٨/٩:١١، المعجم الأوسط - للطبراني - ٧٢٤٠/٢٣٤:٧، مسند الشهاب ١: ٦٥٧/٣٨١، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٦٩:٦، تاريخ مدينة دمشق ٢٢٥:٦١ و ٢٢٧.

٣- أورده الرافعي في العزيز شرح الوجيز ٣٠٦:٦.

٤- الفقيه ٨٥٨/١٩٠:٣.

٥- في المصدر: «كراع» بدل «ذراع».

٦- الفقيه ٨٦١/١٩١:٣.

٧- الفقيه ٨٦٧/١٩١:٣.

٨- الفقيه ٨٦٨/١٩١:٣.

إليّ من أن أتصدّق بمثلها»(١).

و قد أجمع المسلمون كافّة على استحبابها.

و لا ينبغي أن يستخفّ القليل فيمتنع من إهدائه، و لا ينبغي للمهدى إليه الاستنكاف من قبوله؛ لما في ذلك من جبر القلب و حصول المؤانسة.

تنبيه: الهبة هي العقد المقتضي تمليك العين من غير عوض تمليكا منجّزا مجرّدا عن القربة، و يعبّر عنها بالنحلة أيضا، فقولنا: «العقد» جنس بعيد شامل لجميع العقود، و قولنا: «المقتضي تمليك العين» يخرج منه الإجارة و العارية، فإنّ الإجارة تقتضي تمليك المنافع لا تمليك العين، و العارية تقتضي إباحة المنافع لا تمليكها، و قولنا: «من غير عوض» يخرج عنه البيع، فإنّه يقتضي تمليك العين لكن مع العوض، و يزيد أنّ العوض لا يكون لازما، لا انتفاء العوض ليدخل في الحدّ الهبة المعوّض عنها، و التنجيز لإتمام الحدّ، و التجرّد عن القربة ليخرج الصدقة.٥.

١- الكافي ١٢/١٤٤:٥.

الفصل الأوّل: في الأركان و مباحثه ثلاثة:

البحث الأوّل: في صيغة الهبة

اشارة

البحث الأوّل: في صيغة الهبة(١).

الهبة عقد يفتقر إلى الإيجاب و القبول باللفظ، كالبيع و سائر التمليكات.

و أمّا الهديّة فذهب قوم من العامّة إلى أنّه لا حاجة فيها إلى الإيجاب و القبول اللفظيّين، بل البعث من جهة المهدي كالإيجاب، و القبض من جهة المهدى إليه كالقبول؛ لأنّ الهدايا كانت تحمل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من كسرى و قيصر و سائر الملوك فيقبلها و لا لفظ هناك، و استمرّ الحال من عهده عليه السّلام إلى هذا الوقت في سائر الأصقاع، و لهذا كانوا يبعثون على أيدي الصبيان الذين لا يعتدّ بعبارتهم(٢).

و منهم من اعتبرهما، كما في الهبة و الوصيّة، و اعتذروا عمّا تقدّم بأنّ ذلك كان إباحة لا تمليكا(٣).

و أجيب: بأنّه لو كان كذلك لما تصرّفوا فيه تصرّف الملاّك، و معلوم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يتصرّف فيه و يملّكه غيره(٤).

١- في النّسخ الخطّيّة: «الصيغة» بدل «صيغة الهبة».

٢- الحاوي الكبير ٥٣٧:٧، الوسيط ٢٦٥:٤، حلية العلماء ٥٠:٦-٥١، التهذيب - للبغوي - ٥٤٣:٤-٥٤٤، البيان ٩٦:٨، العزيز شرح الوجيز ٣٠٧:٦ - ٣٠٨، روضة الطالبين ٤٢٨:٤، المغني ٢٨٣:٦، الشرح الكبير ٢٧٥:٦.

٣- العزيز شرح الوجيز ٣٠٨:٦، روضة الطالبين ٤٢٨:٤.

٤- العزيز شرح الوجيز ٣٠٨:٦، روضة الطالبين ٤٢٨:٤، و راجع: الهامش (٥) من ص ١١، و الهامش (١ و ٢) من ص ١٢.

و الصدقة كالهديّة في ذلك بلا فصل.

و يمكن الاكتفاء في هدايا الأطعمة بالإرسال و الأخذ من غير لفظ الإيجاب و القبول؛ جريا على المعتاد بين الناس.

و التحقيق: مساواة غير الأطعمة لها، فإنّ الهديّة قد تكون غير طعام، فإنّه قد اشتهر هدايا الثياب و الدوابّ من الملوك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و أنّ مارية القبطيّة أمّ ولده كانت من الهدايا(١).

و قال بعض الحنابلة: لا تفتقر الهبة إلى عقد، بل المعاطاة و الأفعال الدالّة على الإيجاب و القبول كافية، و لا يحتاج إلى لفظ؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يهدي و يهدى إليه، و يفرّق الصدقة، و يأمر سعاته بتفرقتها، و لم ينقل في ذلك إيجاب و لا قبول، و لو كان شرطا لأمر به، و لأنّه لا خلاف بين العلماء أنّ تقديم الطعام بين يدي الضّيفان إذن في الأكل، و أنّه لا يحتاج إلى قبول(٢).

مسألة ٢: الإيجاب هنا كلّ لفظ يقصد به تمليك العين بغير عوض،

و الصريح فيه: و هبتك، و ملّكتك، و أهديت لك، و أعطيتك، و هذا لك، و لا بدّ فيه من لفظ صريح، و لا تكفي الكنايات فيه، كالبيع؛ عملا بالاستصحاب.

و القبول كلّ لفظ يدلّ على الرضا بالتمليك، كقوله: قبلت، و رضيت، و ما يشابهه.

١- السيرة النبويّة - لابن هشام - ٢٠٢:١، الطبقات الكبرى - لابن سعد - ٢١٤:٨، مروج الذهب ١٤٩٢/٢٩:٣، أسد الغابة ٢٦١:٦، المستدرك - للحاكم - ٣٨:٤ و ٣٩، السنن الكبرى - للبيهقي - ٢١٥:٩، العزيز شرح الوجيز ٣٠٨:٦.

٢- المغني ٢٨٣:٦-٢٨٤، الشرح الكبير ٢٧٥:٦-٢٧٦.

و لا بدّ و أن يكون العقد منجّزا، فلو علّقه على شرط لم يصح، كالبيع.

و يجب أن يكون القبول عقيب الإيجاب، فلا يجوز تأخيره عنه، بل يعتبر التواصل، كما في البيع، و ليتمّ القبول جوابا لذلك الإيجاب.

و ذكر بعض الشافعيّة أنّه يجوز تأخير القبول عن الإيجاب، كما في الوصيّة(١).

و هذا الخلاف حكاه أكثر الشافعيّة في الهبة(٢).

و خصّصه بعضهم بالهديّة؛ لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أهدى إلى النجاشي(٣) ، و لا يزال الناس يفعلون ذلك، و منع من التأخير في الهديّة جزما، و فعل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و غيره إباحة لا هبة، و القياس: التسوية بينهما(٤).

ثمّ في الهدايا التي يبعث بها من موضع إلى آخر إن اعتبرنا اللفظ و فوريّة القبول وكّل المهدي الرسول ليوجب و يقبل المهدى إليه، أو يوجب المهدي و يقبل المهدى إليه عند الوصول إليه.

و المشهور: أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يتصرّف في الهبة(٥) ، و لم ينقل في١.

١- العزيز شرح الوجيز ٣٠٩:٦، روضة الطالبين ٤٢٨:٤.

٢- كما في العزيز شرح الوجيز ٣٠٩:٦، و روضة الطالبين ٤٢٨:٤.

٣- الطبقات الكبرى - لابن سعد - ٩٥:٨، مسند أحمد ٢٦٧٣٢/٥٥٢:٧، المعجم الكبير - للطبراني - ٢٠٥/٨١:٢٥، المستدرك - للحاكم - ١٨٨:٢، السنن الكبرى - للبيهقي - ٢٦:٦، صحيح ابن حبّان - بترتيب ابن بلبان - ٥١٥:١١ - ٥١١٤/٥١٦.

٤- العزيز شرح الوجيز ٣٠٩:٦، روضة الطالبين ٤٢٨:٤.

٥- مسند أحمد ٩٠١١/١٢٤:٣، و ١٠٠٠٣/٢٧٧، صحيح البخاري ١٠٥:١، و ٢٠٣:٣، صحيح مسلم ١٠٧٧/٧٥٦:٢، و ٢٠٧٥/١٦٤٦:٣، المعجم الكبير - للطبراني - ١٠٠٨/٤١٧:١٩ و ١٠٠٩، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٨٥:٦، تاريخ مدينة دمشق ٣٩١:٢١.

شيء منه أنّه أوجب له الرسول و قبل منه، و كذا ما يفعله الناس.

و قوله: «إنّه إباحة» ليس بصحيح؛ لأنّهم أجمعوا على تسميتها هديّة و هبة، و لا يسمّونها إباحة، و لأنّ الإباحة تختصّ بالمباح له، و قد كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إذا أهدي إليه شيء يهديه لزوجاته و غيرهنّ(١) ، و قد أهدي له حلّة فأهداها لعليّ عليه السّلام(٢).

مسألة ٣: و يشترط في المتعاقدين الكماليّة،

فلا يصحّ العقد إلاّ من بالغ كامل العقل جائز التصرّف.

و يقبل عن الطفل وليّه إمّا الأب أو الجدّ أو غيرهما.

و إن كان الواهب هو الوليّ، فإن كان أبا أو جدّا تولّى الطرفين، و إن كان غيرهما من حاكم أو وصيّ أو وليّ حاكم فكذلك على الأقوى.

و يحتمل أن يقبل الحاكم أو نائبه.

و لا يكفي في العقد الإيجاب منفردا عن القبول، بل لا بدّ منهما، كالبيع، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: أنّه يكفي الإيجاب عنه، و لا يكفي القبول مجرّدا عن الإيجاب(٣).

و للشافعيّة وجه: أنّه يكفي إذا جاء بلفظ مستقلّ، مثل أن يقول:

اشتريت لطفلي كذا، أو اتّهبت له كذا، و لا يكفي قوله: قبلت البيع أو

١- الطبقات الكبرى - لابن سعد - ١٨٨:٨، سنن الدارمي ١٠٤:٢.

٢- المصنّف - لابن أبي شيبة - ١٥٨:٨-٤٦٩٩/١٥٩، مسند أحمد ١: ٧٠٠/١٤٦، و ١١٧٥/٢٢٤، صحيح مسلم ١٦٤٤:٣، ح ٢٠٧١ و ذيله، سنن ابن ماجة ٣٥٩٦/١١٨٩:٢، سنن أبي داود ٤٠٤٣/٤٧:٤، سنن النسائي (المجتبى) ١٩٧:٨، السنن الكبرى - للنسائي - ٩٥٦٦/٤٦١:٥-١، السنن الكبرى - للبيهقي - ٤٢٤:٢ و ٤٢٥.

٣- البيان ١٠٥:٨، العزيز شرح الوجيز ٣٠٩:٦، روضة الطالبين ٤٢٩:٤.

٢

الهبة(١).

و لا يكفي قبول المتعهّد الذي لا ولاية له على الطفل، و لا عبرة بقبوله عند علمائنا - و به قال الشافعي(٢) - لانتفاء ولايته عنه.

و قال أبو حنيفة: يعتبر(٣). و ليس شيئا.

و لو وهب من عبد غيره، اعتبر قبول العبد.

و هل يفتقر إلى إذن السيّد؟ نظر، و للشافعيّة فيه خلاف(٤).

و لو وهب غيره شيئا فقبل نصفه، أو وهبه عبدين فقبل أحدهما خاصّة، فالأقرب: الجواز، بخلاف البيع؛ لأنّ البيع عقد مغابنة، و قد يتضرّر البائع بالتشقيص؛ لانتقاص قيمة الباقي، بخلاف الهبة.

و للشافعيّة فيه وجهان(٥).

و لو قال غارس الشجرة: أغرس هذه لابني، لم يصر للابن بمجرّد ذلك.

و لو قال: جعلته لابني و كان صغيرا، فإن قلنا بالاكتفاء بالكنايات في العقود - على ما هو مذهب بعض الشافعيّة(٦) - و بالاكتفاء من الأب في هبته من ابنه الصغير بأحد شقّي العقد، صار ملكا للابن، و إلاّ فلا، و لو كان كبيرا لم يصح.٤.

١- نهاية المطلب ٤٠٩:٨، العزيز شرح الوجيز ٣٠٩:٦، روضة الطالبين ٤٢٩:٤.

٢- التهذيب - للبغوي - ٥٢٨:٤، العزيز شرح الوجيز ٣٠٩:٦، روضة الطالبين ٤: ٤٢٩.

٣- التهذيب - للبغوي - ٥٢٨:٤، العزيز شرح الوجيز ٣٠٩:٦.

٤- التهذيب - للبغوي - ٥٢٩:٤، العزيز شرح الوجيز ٣٠٩:٦، روضة الطالبين ٤: ٤٢٩.

٥- العزيز شرح الوجيز ٣٠٩:٦، روضة الطالبين ٤٢٩:٤.

٦- العزيز شرح الوجيز ٣١٠:٦، روضة الطالبين ٤٣٠:٤.

٣

و لو اتّخذ عرسا لابنه إمّا في ختان أو غيره و عمل دعوة فحملت إليه الهدايا و لم يذكر أصحابها أنّها للأب أو للابن، للشافعيّة وجهان:

أحدهما: أنّها للأب الذي اتّخذ الدعوة؛ لأنّ الخراج بالضمان.

و الثاني: للابن؛ لأنّ الدعوة اتّخذت لأجله و له(١).

و خادم الصوفيّة الذي يتردّد في السوق و يجمع لهم شيئا يملكه، و لا يلزمه الصرف إليهم، إلاّ أنّ المروءة تقتضي الصرف، لإخلادهم إليه، و لو لم يصرفه إليهم، كان لهم منعه من أن يظهر بالجمع لهم و الإنفاق عليهم، و إنّما ملكه لانتفاء ولايته عنهم و وكالته منهم، كيف! و ليسوا بمتعيّنين، بخلاف هدايا الختان، أمّا لو دفع إليه على أنّه يطعم أصحابه، لم يكن له الاختصاص.

البحث الثاني: العين الموهوبة.

مسألة ٤: كلّ عين يصحّ نقلها بالبيع يصحّ نقلها بالهبة؛

لأنّ الهبة تمليك ناجز كالبيع، و إنّما يفترقان في العوض و عدمه، فتصحّ هبة المشاع، كما يصحّ بيعه على الحدّ الذي يجوز بيعه فيه عند علمائنا أجمع - و به قال الشافعي و مالك و أحمد(٢) - لأنّ وفد هوازن لمّا جاؤا يطلبون من

١- العزيز شرح الوجيز ٣١٠:٦، روضة الطالبين ٤٣٠:٤.

٢- الأم ٦٢:٤، الحاوي الكبير ٥٣٤:٧، المهذّب - للشيرازي - ٤٥٣:١، نهاية المطلب ٤١١:٨، الوجيز ٢٤٩:١، الوسيط ٢٦٧:٤، حلية العلماء ٤٧:٦، التهذيب - للبغوي - ٥٢٩:٤، البيان ١٠٢:٨، العزيز شرح الوجيز ٣١٦:٦، روضة الطالبين ٤٣٤:٤-٤٣٥، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢: ١١٩٩/٦٧٤، المعونة ١٠٦٩:٣، بداية المجتهد ٣٢٩:٢، الإفصاح عن معاني

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يردّ عليهم ما غنمه منهم، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: «ما كان لي و لبني عبد المطّلب فهو لكم»(١) و هذا هبة المشاع.

و عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد جاءه رجل و معه كبّة(٢) من شعر، فقال: أخذت هذه من المغنم لأصلح برذعة لي، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «ما كان لي و لبني عبد المطّلب فهو لك»(٣).

و قال أبو حنيفة: هبة المشاع الذي يمكن قسمته لا تجوز، و إن كان ممّا لا يمكن قسمته صحّت هبته - و إذا وهب واحد من اثنين شيئا [ممّا ينقسم](٤) لم يجز عند أبي حنيفة و زفر، و جاز عند أبي يوسف و محمّد(٥) -٨،

١- مسند أحمد ٦٦٩٠/٣٨٢:٢، و ٦٩٩٧/٤٣٨، التاريخ الصغير - للبخاري - ١: ٣١، سنن النسائي (المجتبى) ٢٦٢:٦-٢٦٣، السنن الكبرى - للنسائي - ٤: ٦٥١٥/١٢٠-١، السنن الكبرى - للبيهقي - ٣٣٦:٦، و ٧٥:٩، الطبقات الكبرى - لابن سعد - ١١٤:١-١١٥، و ١٥٣:٢، تاريخ الطبري ٨٦:٣-٨٧، الكامل في التاريخ ٢٦٨:٢-٢٦٩.

٢- الصحاح ٥٠:٢، المغني ٢٨٥:٦، الشرح الكبير ٢٨٤:٦، مختصر اختلاف العلماء ١٨٣٧/١٣٩:٤، المبسوط - للسرخسي - ٦٤:١٢، روضة القضاة ٢: ٣٠٥٢/٥١٩، تحفة الفقهاء ١٦١:٣، بدائع الصنائع ١١٩:٦.

٣- سنن أبي داود ٢٦٩٤/٦٣:٣، سنن النسائي (المجتبى) ٢٦٢:٦-٢٦٤، السنن الكبرى - للنسائي - ١٢٠:٤-٦٥١٥/١٢١-١.

٤- بدل ما بين المعقوفين في «ص، ع»: «لم يقسم»، و كلاهما لم يرد في «ر» و الطبعة الحجريّة، و المثبت كما في المغني و الشرح الكبير.

٥- مختصر اختلاف العلماء ١٨٣٩/١٤٠:٤، مختصر القدوري: ١٢٤، المبسوط - للسرخسي - ٦٧:١٢، روضة القضاة ٥٢٣:٢ و ٣٠٨١/٥٢٤ و ٣٠٨٢، و ٣١١٨/٥٢٨، تحفة الفقهاء ١٦٢:٣-١٦٣، الفقه النافع ٧٣٨/١٠١٣:٣، بدائع الصنائع ١٢١:٦، الهداية - للمرغيناني - ٢٢٦:٣، حلية العلماء ٤٧:٦-٤٨،

٤

لأنّ القبض شرط في الهبة، و وجوب القسمة يمنع من صحّة القبض و تمامه(١).

و هو ممنوع؛ لأنّه لا يمنع صحّة القبض في البيع [فكذا هاهنا](٢) و لأنّ هذا جزء يجوز بيعه فجازت هبته، كالمشاع الذي لم ينقسم.

إذا عرفت هذا، فإن كان المشاع ممّا لا ينقل و لا يحوّل كالعقارات، فإنّ قبضه يكون بالتخلية بينه و بين الموهوب له، كما في البيع، و إن كان ممّا ينقل و يحوّل و لا يمكن إقباضه إلاّ بالنقل و لا يمكن نقل الجزء المشاع إلاّ مع الباقي، فإذا أراد التسليم قيل للشريك: هل ترضى أن يسلّم إلى الموهوب منه نصيبك أيضا على وجه الوديعة ؟ فإن سلّم إليه الجميع لينقله حصل الإقباض، و إن امتنع قيل للمتّهب: أتوكّله في أن ينقله لك و يقبضه ؟ فإن فعل قبضه له الشريك و قبّضه، و إن امتنع نصب الحاكم من يكون في يده لهما فينقله ليحصل القبض؛ لأنّ ذلك ممّا لا ضرر على الشريك فيه، و يتمّ به عقد شريكه.٦.

١- مختصر اختلاف العلماء ١٨٣٧/١٣٩:٤، مختصر القدوري: ١٢٤، المبسوط - للسرخسي - ٦٤:١٢، روضة القضاة ٥١٨:٢-٣٠٥٢/٥١٩، تحفة الفقهاء ٣: ١٦١، الفقه النافع ٧٣٥/١٠١٢:٣، بدائع الصنائع ١١٩:٦، الهداية - للمرغيناني - ٢٢٥:٣، الحاوي الكبير ٥٣٤:٧، نهاية المطلب ٤١١:٨، الوسيط ٢٦٧:٤، حلية العلماء ٤٧:٦، التهذيب - للبغوي - ٥٢٩:٤، البيان ١٠٢:٨، العزيز شرح الوجيز ٣١٦:٦، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ١١٩٩/٦٧٤:٢، المعونة ٣: ١٦٠٩، بداية المجتهد ٣٢٩:٢، الإفصاح عن معاني الصحاح ٥٠:٢، المغني ٦: ٢٨٥، الشرح الكبير ٢٨٤:٦.

٢- ما بين المعقوفين أثبتناه من المغني ٢٨٦:٦، و الشرح الكبير ٢٨٥:٦.

٥

و لو وهب رجل من اثنين شيئا، فإن قبلاه و قبضاه بإذنه صحّت الهبة، و إن قبض أحدهما و قبل، صحّت الهبة في النصف؛ لأنّ العقد من اثنين بمنزلة العقدين، و هو أحد وجهي الشافعيّة، و الثاني: لا تصحّ كما في البيع(١).

إذا عرفت هذا، فلا فرق بين أن يهب من الشريك و من غيره على ما بيّنّاه.

و قال أبو حنيفة: لا تصحّ هبة المنقسم من غير الشريك، و بالغ فقال:

لو وهب الشيء المنقسم من اثنين لم يصح أيضا(٢).

تذنيب: تجوز هبة الأرض المزروعة دون الزرع، و بالعكس، و به قال الشافعي(٣).

و قال أبو حنيفة: لا تجوز(٤). و ليس بمعتمد.

مسألة ٥: لا تجوز هبة الآبق و لا الضالّ؛

لأنّ الإقباض شرط في صحّة الهبة، و الآبق و الضالّ لا يمكن إقباضهما.

و تجوز هبة المغصوب من غير الغاصب إن قدر على الانتزاع، و إن لم يقدر فللشافعيّة وجهان(٥).

و تصحّ الهبة من الغاصب، و تجوز هبة المستعار من المستعير و غيره.

و إذا قبض المتّهب من الغاصب بإذن المالك، برئ الغاصب من

١- العزيز شرح الوجيز ٣١٦:٦، روضة الطالبين ٤٣٥:٤.

٢- العزيز شرح الوجيز ٣١٦:٦.

٣- العزيز شرح الوجيز ٣١٦:٦، روضة الطالبين ٤٣٥:٤.

٤- تحفة الفقهاء ١٦٢:٣، الفتاوى الولوالجيّة ١٢٥:٣، بدائع الصنائع ١٢٥:٦، الهداية - للمرغيناني - ٢٢٥:٣-٢٢٦، المحيط البرهاني ٢٤٢:٦، العزيز شرح الوجيز ٣١٦:٦.

٥- العزيز شرح الوجيز ٣١٦:٦، روضة الطالبين ٤٣٥:٤.

٦

الضمان، و كذا المستعير يبرأ إن اقتضت العارية الضمان بالقبض منه المأذون فيه.

و تجوز هبة المستأجر من المستأجر و غيره؛ لأنّ بيع المستأجر يجوز من المستأجر و غيره عندنا.

و عند الشافعيّة تجوز هبة المستأجر من غير المستأجر إن جوّزوا بيعه، و إلاّ ففيها وجهان(١).

قال بعض الشافعيّة: لو وكّل المتّهب الغاصب أو المستعير أو المستأجر بقبض ما في يده من نفسه و قبل، صحّ، فإذا مضت مدّة يتأتّى فيها القبض برئ الغاصب و المستعير من الضمان(٢).

و هذا يخالف أصلهم المشهور في أنّ الشخص الواحد لا يكون قابضا و مقبضا(٣).

و لو وهب غيره شيئا له في يده إمّا وديعة أو عارية أو غصب، فإن أذن له في القبض تمّت الهبة و لزمت.

و إن لم يأذن له في القبض إلاّ أنّه مضى زمان يمكن فيه القبض فهل يصير مقبوضا؟ للشافعي قولان(١).

و عن أحمد روايتان في اشتراط الإذن في القبض لما هو في يد المتّهب بغصب أو عارية أو وديعة، فقال في إحداهما بالاشتراط، كما تقدّم من مذهب الشافعي، و في الأخرى: تلزم الهبة من غير قبض و لا مضيّ مدّة يتأتّى القبض فيها(٢).٦.

١- حلية العلماء ٥١:٦، المغني ٢٨٠:٦، الشرح الكبير ٢٧٨:٦-٢٧٩.

٢- المغني ٢٨٠:٦، الشرح الكبير ٢٧٩:٦.

مسألة ٦: تصحّ هبة المجهول على الأقوى

- و به قال مالك و أحمد في إحدى الروايتين(١) - لأنّه تبرّع، فصحّ في المجهول، كالنذر و الوصيّة، و لأصالة الصحّة، و لانتفاء الغرر فيه.

و قال الشافعي: لا تصحّ هبة المجهول - و هو الرواية الثانية عن أحمد - لأنّه عقد تمليك لا يصحّ تعليقه بالشرط، فلم يصح في المجهول، كالبيع(٢).

و نمنع المشترك.

و قال بعضهم: الجهل إن كان في حقّ الواهب لم تصح الهبة؛ لأنّه غرر في حقّه، و إن كان من المتّهب صحّ، و لم يكن الجهل مانعا؛ لأنّه لا غرر في حقّه، فلم يعتبر في حقّه العلم بما يوهب له، كالموصى له(٣).

فإذا قال: و هبتك شاة من غنمي أو قطعة من هذا الثوب أو من هذه الأرض، صحّت الهبة مع القبول و القبض بعد أن يعيّن المالك ما شاء.

إذا عرفت هذا، فإنّه تصحّ البراءة من المجهول مطلقا - و به قال أبو حنيفة(٤) - لأنّ المانع من البيع و شبهه إنّما هو الغرر، فإذا رضي بالجملة

١- الإشراف على نكت مسائل الخلاف ١٢٠٩/٦٧٨:٢، بداية المجتهد ٣٢٩:٢، عقد الجواهر الثمينة ٩٧٩:٣، الذخيرة ٢٣١:٦ و ٢٤٣، المغني ٢٨٨:٦، الشرح الكبير ٢٨٦:٦، الوجيز ٢٤٩:١، البيان ١٠٣:٨، العزيز شرح الوجيز ٣١٦:٦، الإفصاح عن معاني الصحاح ٥٣:٢.

٢- الحاوي الكبير ٥٣٤:٧، المهذّب - للشيرازي - ٤٥٣:١، الوجيز ٢٤٩:١، التهذيب - للبغوي - ٥٢٩:٤، البيان ١٠٣:٨، العزيز شرح الوجيز ٣١٦:٦، روضة الطالبين ٤٣٥:٤، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ١٢٠٩/٦٧٨:٢، الذخيرة ٢٤٣:٦، الإفصاح عن معاني الصحاح ٥٣:٢، المغني ٢٨٨:٦، الشرح الكبير ٢٨٦:٦.

٣- المغني ٢٨٨:٦، الشرح الكبير ٢٨٦:٦.

٤- روضة القضاة ٣١٢٧/٥٢٩:٢، المغني ٢٩١:٦، الشرح الكبير ٢٨٠:٦.

٧

فقد زال الغرر.

و قال الشافعي: لا تصحّ إلاّ أنّه إذا أراد ذلك قال: أبرأتك من درهم إلى ألف(١).

و ليس بجيّد؛ لأنّه إسقاط، فصحّ من المجهول، كالعتاق و الطلاق، و كما لو قال: من درهم إلى ألف.

و قال أحمد: تصحّ إذا لم يكن لهما سبيل إلى معرفته(٢).

و لو أبرأه من مائة و هو يعتقد أنّه لا شيء له عليه و كان له عليه مائة، ففي البراءة إشكال ينشأ: من أنّها صادفت ملكه فأسقطته، كما لو علمها، و من أنّه إبراء ممّا لا يعتقد ثبوته، فلم يكن إبراء في الحقيقة، كمن باع مال مورّثه و هو يعتقد حياته.

و للشافعي في البيع قولان، و في الإبراء وجهان(٣).

مسألة ٧: لا يصحّ تعليق الهبة بشرط على ما تقدّم

مسألة ٧: لا يصحّ تعليق الهبة بشرط على ما تقدّم(٤) من أنّ شرطها التنجيز؛

لأنّه تمليك لعين في الحياة، فلم يجز تعليقها على شرط، كالبيع، فإن علّقها على شرط لم تقع صحيحة.

و ما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «إن رجعت هديّتنا إلى النجاشي فهي لك»(٥) محمول على الوعد.

١- المغني ٢٩١:٦، الشرح الكبير ٢٨١:٦، روضة القضاة ٣١٢٨/٥٢٩:٢.

٢- المغني ٢٩١:٦، الشرح الكبير ٢٨٠:٦.

٣- المغني ٢٩٢:٦، الشرح الكبير ٢٨١:٦.

٤- في ص ١١، ضمن المسألة ٢.

٥- مسند أحمد ٢٦٧٣٢/٥٥٢:٧، المعجم الكبير - للطبراني - ٢٠٥/٨١:٢٥، المستدرك - للحاكم - ١٨٨:٢، السنن الكبرى - للبيهقي - ٢٦:٦، صحيح

٨

و لو شرط في الهبة شروطا تنافي مقتضاها - مثل أن يقول: و هبتك هذا بشرط أن لا تهبه أو لا تبيعه، أو بشرط أن تهبه أو تبيعه - لم يصح الشرط، و في صحّة الهبة وجهان بناء على الشروط الفاسدة في البيع.

و لو قال: و هبتك هذا بشرط أن تهب فلانا شيئا، صحّ؛ لأنّه لا ينافي مقتضى الهبة، و كذا لو قال: و هبتك هذا العبد بشرط أن تعتقه، خلافا لأكثر العامّة(١).

و لو وقّت الهبة فقال: و هبتك هذا سنة ثمّ يعود إليّ، لم يصح؛ لأنّه عقد تمليك العين، فلم يصح موقّتا، كالبيع.

و لو وهب أمته و استثنى الحمل أو الشاة و استثنى صوفها، صحّ؛ لأنّه تبرّع بالأم دون ما في بطنها، فأشبه العتق، و به يقول في العتق أحمد و النخعي و إسحاق و أبو ثور(٢).

و قال أصحاب الرأي: تصحّ الهبة، و يبطل الاستثناء(٣).

و ليس بمعتمد؛ لأنّه لم يهب الولد فلم يملكه المتّهب، كالمنفصل و كالموصى به.

مسألة ٨: الأقوى: أنّه تصحّ هبة المرهون من المرتهن،

فإن كان في

١- المغني ٢٨٩:٦، الشرح الكبير ٢٨٧:٦.

٢- الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢٢٧:٢، المغني ٢٨٩:٦، الشرح الكبير ٦: ٢٨٧.

٣- مختصر القدوري: ١٢٥، المبسوط - للسرخسي - ٧٣:١٢، تحفة الفقهاء ٣: ١٦٤، الفقه النافع ٧٤٧/١٠١٨:٣، بدائع الصنائع ١١٧:٦، الهداية - للمرغيناني - ٢٢٩:٣، الاختيار لتعليل المختار ٧٢:٣، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢: ٢٢٨، المغني ٢٨٩:٦، الشرح الكبير ٢٨٧:٦.

٩

يده صحّت الهبة، و لم تتوقّف على تجديد إقباض و لا على مضيّ زمان يمكن حصول الإقباض فيه على ما مرّ من الخلاف، بل يكفي الاستصحاب، و إن لم يكن في يده، افتقرت الهبة إلى تجديد الإقباض.

و إن كان من غيره، فالوجه: الصحّة، و يقع العقد موقوفا على إجازة المرتهن، فإن أجاز المرتهن الهبة بطل الرهن، فإن رجع الواهب لم يعد الرهن، و إن لم يجز المرتهن بطلت الهبة.

و للشافعيّة وجهان في هبة المرهون، أحدهما: البطلان، و الثاني:

الصحّة، ثمّ ينتظر، فإن بيع [في](١) الرهن فقد ظهر بطلان الهبة، و إن انفكّ الرهن فللواهب الخيار في الإقباض(٢).

مسألة ٩: الكلب قسمان:

مملوك، مثل كلب الصيد و الزرع و الماشية، فهذا تصحّ هبته و إقباضه، و الثاني: غير مملوك، و هو كلب الهراش، و هذا لا تصحّ هبته كما لا يصحّ بيعه.

و للشافعيّة في هبة الكلب وجهان:

أحدهما: المنع، كالبيع.

و الثاني: الصحّة؛ لأنّه تصحّ وصيّته فتصحّ هبته(٣).

و كذا الخلاف بينهم في جلد الميتة قبل الدباغ(٤).

١- ما بين المعقوفين أثبتناه من العزيز شرح الوجيز و روضة الطالبين.

٢- نهاية المطلب ٤١٣:٨، البيان ١٠٤:٨، العزيز شرح الوجيز ٣١٦:٦-٣١٧، روضة الطالبين ٤٣٥:٤.

٣- نهاية المطلب ٤١٢:٨، الوسيط ٢٦٨:٤، الوجيز ٢٤٩:١، حلية العلماء ٣: ٥٩-٦٠، التهذيب - للبغوي - ٥٦٥:٣، البيان ٤٥:٥-٤٦، العزيز شرح الوجيز ٢٥:٤، و ٣١٧:٦، روضة الطالبين ١٧:٣، و ٤٣٥:٤، المجموع ٢٣١:٩.

٤- العزيز شرح الوجيز ٣١٧:٦، روضة الطالبين ٤٣٥:٤-٤٣٦.

١٠

و عندنا لا تصحّ هبته؛ لأنّ الدباغ غير مطهّر.

و كذا الخلاف في الخمور المحترمة(١).

مسألة ١٠: لا تصحّ هبة الحمل في البطن و اللبن في الضرع

- و به قال أبو حنيفة و الشافعي و أحمد و أبو ثور(٢) - لأنّه مجهول معجوز عن تسليمه.

و على ما اخترناه من جواز هبة المجهول لا استبعاد في صحّة هبة الحمل و اللبن في الضرع، و يكون التسليم بتسليم الأم.

و كذا الأقوى: صحّة هبة الصوف على ظهور الأغنام - و هو أحد وجهي العامّة(٣) - بناء على صحّة بيعه، فإذا أذن له في جزّ الصوف أو حلب اللبن كان إباحة.

و لو وهب دهن سمسمه قبل عصره أو زيت زيتونه قبل استخراجه، لم يصح - و به قال الشافعي و الثوري و أحمد و أصحاب الرأي(٤) - لأنّه بمنزلة المعدوم، و لا تصحّ هبة المعدوم؛ لأنّه أبلغ في المنع من الذي بمنزلته، كما إذا وهبه ثمرة الشجرة في السنة المقبلة، أو ما تحمل أمته في العام الآتي.

مسألة ١١: إذا وهب صاحب الدّين دينه ممّن هو عليه،

صحّ، و كان

١- العزيز شرح الوجيز ٣١٧:٦، روضة الطالبين ٤٣٥:٤-٤٣٦.

٢- المبسوط - للسرخسي - ٧١:١٢، تحفة الفقهاء ١٦٣:٣، بدائع الصنائع ٦: ١١٩، المحيط البرهاني ٢٤٣:٦، الهداية - للمرغيناني - ٢٢٥:٣-٢٢٦، الاختيار لتعليل المختار ٧١:٣، المغني ٢٨٧:٦، الشرح الكبير ٢٨٦:٦، الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢٢٧:٢.

٣- المغني ٢٨٧:٦، الشرح الكبير ٢٨٦:٦.

٤- الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢٢٨:٢، المغني ٢٨٨:٦، الشرح الكبير ٦: ٢٨٦، مختصر القدوري: ١٢٤، المبسوط - للسرخسي - ٧٢:١٢، تحفة الفقهاء ١٦٣:٣، بدائع الصنائع ١١٩:٦، الهداية - للمرغيناني - ٢٢٥:٣، الاختيار لتعليل المختار ٧١:٣.

١١

إبراء لمن عليه الدّين، و لا يشترط قبول المديون.

و الشيخ رحمه اللّه تردّد هاهنا، فقال تارة: إنّ الإبراء لا يفتقر إلى القبول، بل يسقط الحقّ عن ذمّته و إن كره ذلك؛ لقوله تعالى: وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ (١) فاعتبر مجرّد الصدقة، و لم يعتبر القبول، و قال تعالى: وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا (٢) فأسقط الدية بمجرّد التصدّق، و لم يعتبر القبول، و التصدّق في هذا الموضع الإبراء.

و قال تارة: لا بدّ من القبول، فلو لم يقبل المبرأ الإبراء لم يسقط الدّين عن ذمّته بمجرّد إسقاط المالك و إبرائه، و يكون الحقّ ثابتا؛ لأنّ في إبرائه من الحقّ الذي عليه منّة، و لا يجبر على قبول المنّة، فافتقر إلى القبول، كهبة الأعيان(٣).

و للشافعيّة قولان كهذين، أحدهما: السقوط من غير قبول؛ لأنّه إسقاط حقّ، فلا يفتقر إلى القبول، كالعتق و الطلاق و العفو عن دية العمد، بخلاف هبة الأعيان؛ فإنّها تمليك(٤).

و قال بعض الشافعيّة: إذا تصدّق به صحّ، و أمّا هبته و البراءة منه فوجهان(٥).

و قال بعض الشافعيّة أيضا: إن اعتبرنا القبول في الإبراء معنى فاعتبارهه.

١- سورة البقرة: ٢٨٠.

٢- سورة النساء: ٩٢.

٣- المبسوط - للطوسي - ٣١٤:٣.

٤- المهذّب - للشيرازي - ٤٥٥:١، حلية العلماء ٦٤:٦، التهذيب - للبغوي - ٤: ٥٢٩، البيان ١٢٣:٨، روضة الطالبين ٤٣٦:٤.

٥- لم نتحقّقه في مظانّه.

في الهبة أولى، و إن لم نعتبره هناك ففي الهبة وجهان: إن نظرنا إلى اللفظ اعتبرناه، و إن نظرنا إلى المعنى فلا(١).

و لو كانت الهبة من غير من عليه الدّين، قال الشيخ رحمه اللّه: الذي يقتضيه مذهبنا أنّه يجوز بيعه و هبته و رهنه، و لا مانع منه(٢).

و قال الشافعي في كتاب الشروط: إنّه يجوز بيعه و رهنه(٣).

و قال في الرهن: لا يجوز رهنه، و يخالف البيع و الهبة؛ لأنّهما يزيلان الملك(٤).

قال ابن سريج من الشافعيّة: اختلف أصحابنا في ذلك على ثلاثة أوجه:

أحدها: أنّه يصحّ البيع و الهبة دون الرهن على ظاهر قوله؛ لأنّ الدّين بمنزلة العين، و لهذا يصحّ أن يكون معاوضة به.

و على هذا الوجه لا يفتقر إلى رضا من عليه الدّين، و لا يحتاج إلى القبض لا في البيع و لا في الهبة؛ لأنّ الشافعي شبّه ذلك في كتاب الشروط بالحوالة، فقال: إذا أفلس من عليه الحقّ أو جحده لم يرجع بالدرك، كالحوالة.

و فرّق هذا القائل بين الهبة و البيع و بين الرهن بأنّهما يزيلان الملك دونه.

و الوجه الثاني: أنّه يصحّ(٥) البيع و الهبة و الرهن، و يفتقر لزوم الرهنه.

١- العزيز شرح الوجيز ٣١٧:٦.

٢- المبسوط - للطوسي - ٣١٤:٣.

٣- لم نتحقّقه في مظانّه.

٤- لم نتحقّقه في مظانّه.

٥- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لا يصحّ». و الصحيح ما أثبتناه.

١٢

و الهبة إلى القبض؛ لأنّ الدّين كالعين في جواز العقد عليه، فإذا افتقرت الهبة إلى القبض في العين فكذلك في الدّين.

و الوجه الثالث: أنّه لا يصحّ بيعه و لا هبته و لا رهنه؛ لأنّه غير مقدور على تسليمه، فجرى مجرى الآبق و المغصوب(١).

و منعه بعض الشافعيّة بأنّ الدّين على غير الجاحد مقدور على تسليمه، فهو جار مجرى الوديعة(٢).

قال بعض الشافعيّة: الخلاف في هبة الدّين على غير من هو عليه مبنيّ على الخلاف في بيع الدّين من غير من هو عليه، إن أبطلناه فكذلك الهبة، و هو الأصحّ عندهم، و إن صحّحناه ففي الهبة وجهان، كما في رهن الدّين.

و إن صحّحناه فهل يفتقر لزومها إلى قبض الدّين ؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم، على قياس الهبات.

و الثاني: أنّه لا حاجة إلى القبض.

و على هذا فوجهان:

أحدهما: أنّه يلزم بنفس الإيجاب و القبول، كالحوالة؛ لأنّ المقصود أن يصير المتّهب بعد الهبة كالواهب قبلها، و الواهب كان مستحقّا من غير قبض.

و الثاني: أنّه لا بدّ من تسليط بعد العقد و إذن مجدّد، و يكون ذلك كالتخلية في الأعيان التي لا يمكن نقلها.

و إذا فرّعنا على أنّه يجوز رهن الدّين افتقر لزومه إلى القبضه.

١- لم نتحقّقه في مظانّه.

٢- لم نتحقّقه في مظانّه.

١٣

لا محالة؛ لأنّه لا يفيد انتقال الملك و الاستحقاق(١).

تذنيب: من عليه الزكاة لو وهب دينه على المسكين بنيّة الزكاة، قال بعض الشافعيّة: لم يقع الموقع؛ لأنّه إبراء و ليس بتمليك، و إقامة الإبراء مقام التمليك إبدال و إنّه غير جائز في الزكاة(٢).

و هذا مبنيّ على أصل الشافعي من عدم جواز الإبدال في الزكاة(٣) ، و قد أبطلناه.

و قد ذكروا وجهين في أنّ هبة الدّين ممّن عليه [الدّين](٤) تنزّل منزلة التمليك، أم هو محض إسقاط؟ و على هذا خرج اعتبار القبول فيها، فإن [أعطيناها](٥) حكم التمليكات وجب أن يقع الموقع(٦).

و لو كان الدّين على غيره فوهبه من المسكين بنيّة الزكاة و قلنا: تصحّ الهبة، و لا يعتبر القبض، وقع عن الزكاة، و المستحقّ يطالب المديون به.

البحث الثالث: في القبض.

مسألة ١٢: الهبة و الهديّة و الصدقة لا يملكها المتّهب و المهدى إليه و المتصدّق عليه

بنفس الإيجاب و القبول إذا كان عينا إلاّ بالقبض، و بدونه

١- العزيز شرح الوجيز ٣١٧:٦، روضة الطالبين ٤٣٦:٤.

٢- نهاية المطلب ٤١٤:٨، العزيز شرح الوجيز ٣١٨:٦، روضة الطالبين ٤٣٦:٤.

٣- المهذّب - للشيرازي - ١٥٧:١، حلية العلماء ١٦٧:٣، التهذيب - للبغوي - ٣: ٦٥، البيان ٢٠٣:٣، المجموع ٤٢٨:٥ و ٤٢٩ و ٤٣١، المغني ٦٧١:٢، الشرح الكبير ٥٢١:٢.

٤- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

٥- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «أعطيناه». و المثبت كما في العزيز شرح الوجيز.

٦- العزيز شرح الوجيز ٣١٨:٦، روضة الطالبين ٤٣٦:٤-٤٣٧.

١٤

لا يحصل الملك عند علمائنا أجمع، و به قال الشافعي و أبو حنيفة و الثوري و النخعي و الحسن بن صالح و العنبري، و هو إحدى الروايتين عن أحمد(١) ، قال بعض العامّة: اتّفق أبو بكر و عمر و عثمان و عليّ عليه السّلام على أنّ الهبة لا تجوز إلاّ مقبوضا(٢) ، و لم يظهر مخالف فيكون إجماعا.

و لما رواه العامّة أنّ أبا بكر نحل عائشة ابنته جداد عشرين وسقا من ماله بالغابة(٣) ، فلمّا مرض قال: يا بنيّة ما أحد أحبّ إليّ غنى بعدي منك و لا أحد أعزّ عليّ فقرا منك، و كنت نحلتك جداد عشرين وسقا، و وددت أنّك حزتيه أو قبضتيه، و هو اليوم مال الوارث أخواك و أختاك، فاقتسموه على كتاب اللّه، فقلت: لو كان كذا و كذا - تعني أكثر من ذلك - لتركته، أمّا أخواي فنعم، و أمّا أختاي فما لي إلاّ أخت واحدة: أسماء، فقال: ألقي في روعي(٤) أنّ ذا بطن بنت خارجة جارية(٥).١.

١- الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢٢٢:٢-٢٢٣، الحاوي الكبير ٥٣٥:٧، المهذّب - للشيرازي - ٤٥٤:١، نهاية المطلب ٤٠٩:٨ و ٤١٠، الوسيط ٤: ٢٦٩، الوجيز ٢٤٩:١، حلية العلماء ٤٨:٦، التهذيب - للبغوي - ٥٢٧:٤، البيان ٩٧:٨، العزيز شرح الوجيز ٣١٨:٦، روضة الطالبين ٤٣٧:٤، مختصر القدوري: ١٢٤، المبسوط - للسرخسي - ٨٤:١٢، روضة القضاة ٣٠٤٧/٥١٧:٢، تحفة الفقهاء ١٦١:٣، الفقه النافع ٧٣٣/١٠٠٩:٣، بدائع الصنائع ١٢٣:٦، الهداية - للمرغيناني - ٢٢٤:٣، الاختيار لتعليل المختار ٦٩:٣، المغني ٢٧٤:٦ و ٢٨١، الشرح الكبير ٢٧٦:٦ و ٢٧٧، الإفصاح عن معاني الصحاح ٤٩:٢، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ١١٩٨/٦٧٣:٢.

٢- المغني ٢٧٥:٦ و ٢٨١، الشرح الكبير ٢٧٧:٦.

٣- الغابة: موضع قرب المدينة من ناحية الشام، فيه أموال لأهل المدينة. معجم البلدان ١٨٢:٤.

٤- أي: نفسي و خلدي. النهاية - لابن الأثير - ٢٧٧:٢ «روع».

٥- الموطّأ ٤٠/٧٥٢:٢، المصنّف - لعبد الرزّاق - ١٦٥٠٧/١٠١:٩، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٧٠:٦، معرفة السنن و الآثار ٥٠:٩-١٢٣١٦/٥١.

١٥

و من طريق الخاصّة: قول الصادق عليه السّلام: «لا تكون الهبة هبة حتى يقبضها»(١).

و لأنّها هبة غير مقبوضة فلا تلزم، كما لو مات قبل أن يقبض، فإنّ مالكا يقول: لا يلزم الورثة التسليم(٢).

و قال مالك: الهبة تلزم بالإيجاب و القبول من غير قبض(٣) - و هو القول القديم للشافعي(٤) - لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: «الراجع في هبته كالراجع في قيئه»(٥) و القيء حرام.

و قال أحمد في أصحّ الروايتين عنه: إنّها إذا كانت معيّنة لزمت من غير قبض، كما لو وهبه درهما بعينه، و إن لم يكن معيّنا - كما لو وهبه قفيزا من صبرة أو درهما من دراهم - فلا بدّ من القبض؛ لأنّ هذا تبرّع، فلا يفتقر إلى القبض، كالوقف و الصدقة(٦).٦.

١- التهذيب ٦٥٤/١٥٩:٩، الاستبصار ٤٠٧/١٠٧:٤.

٢- البيان ٩٨:٨، المغني ٢٧٥:٦، الشرح الكبير ٢٧٧:٦.

٣- الإشراف على نكت مسائل الخلاف ١١٩٨/٦٧٣:٢، بداية المجتهد ٣٢٩:٢، عقد الجواهر الثمينة ٩٧٨:٣، الذخيرة ٢٢٨:٦، الحاوي الكبير ٥٣٥:٧، الوسيط ٢٦٩:٤، حلية العلماء ٤٨:٦، التهذيب - للبغوي - ٥٢٧:٤، البيان ٨: ٩٧، العزيز شرح الوجيز ٣١٩:٦، الإفصاح عن معاني الصحاح ٤٩:٢، المغني ٢٧٤:٦، الشرح الكبير ٢٧٦:٦، روضة القضاة ٣٠٤٧/٥١٧:٢.

٤- العزيز شرح الوجيز ٣١٩:٦، روضة الطالبين ٤٣٧:٤.

٥- ورد الحديث بلفظ: «العائد في هبته كالعائد في قيئه» في مسند أحمد ١: ٢٥٢٥/٤٦١، و صحيح البخاري ٢١٥:٣، و صحيح مسلم ٧/١٢٤١:٣، و سنن ابن ماجة ٢٣٨٥/٧٩٧:٢، و سنن أبي داود ٣٥٣٨/٢٩١:٣، و سنن النسائي (المجتبى) ٢٦٤:٦-٢٦٧، و السنن الكبرى - للنسائي - ٦٥٢٧/١٢٣:٤-٥ و ٦٥٢٨-٦، و السنن الكبرى - للبيهقي - ١٨٠:٦.

٦- حلية العلماء ٤٨:٦، العزيز شرح الوجيز ٣١٩:٦.

و الخبر محمول على ما بعد القبض، و القياس على الوقف و الوصيّة باطل؛ لأنّ الوقف إخراج ملك إلى اللّه سبحانه و تعالى، فخالف التمليكات، و الوصيّة تلزم في حقّ الوارث، بخلاف الهبة.

١٦

و للشافعي قول ثالث: إنّ الملك موقوف إلى أن يوجد القبض، فإذا وجد تبيّنّا حصول الملك من وقت العقد(١).

و عن أحمد رواية ثالثة: أنّ القبض شرط في المكيل و الموزون دون غيرهما(٢).

و يتفرّع على الأقوال أنّ الزيادات الحادثة بعد العقد و قبل القبض لمن تكون ؟

و قد قال الشافعي في زكاة الفطرة: إنّه لو وهبه عبدا في آخر رمضان و قبضه بعد غروب الشمس، كانت الفطرة على الموهوب له(٣).

و هذا يدلّ على اختياره عدم اشتراط القبض.

و أيضا كلّ ما لا يمكن تسليمه كالعبد الآبق و الجمل الشارد و المغصوب لغير غاصبه ممّن لا يقدر على أخذه لا تصحّ هبته، و به قال أبو حنيفة و الشافعي(٤).٤.

١- نهاية المطلب ٤١٠:٨، الوسيط ٢٦٩:٤، التهذيب - للبغوي - ٥٢٧:٤، العزيز شرح الوجيز ٣١٩:٦، روضة الطالبين ٤٣٧:٤.

٢- المغني ٢٧٤:٦ و ٢٨٠، الشرح الكبير ٢٧٦:٦ و ٢٧٧.

٣- المهذّب - للشيرازي - ٤٥٤:١، الوسيط ٢٦٩:٤-٢٧٠، العزيز شرح الوجيز ٣١٩:٦.

٤- المغني ٢٨٦:٦-٢٨٧، الشرح الكبير ٢٨٥:٦، المهذّب - للشيرازي - ١: ٤٥٣، الوسيط ٢٦٨:٤، التهذيب - للبغوي - ٥٢٩:٤، البيان ١٠٣:٨، العزيز شرح الوجيز ٣١٦:٦، روضة الطالبين ٤٣٥:٤.

١٧

مسألة ١٣: الواهب بعد العقد بالخيار إن شاء أقبض و إن شاء منع،

فإن قبض المتّهب بغير إذن الواهب لم يصح القبض و لم تتمّ الهبة؛ لأنّ التسليم غير مستحقّ عليه، فلا يصحّ إلاّ بإذنه، كما لو أخذ المشتري المبيع من يد البائع قبل تسليم الثمن، بخلاف ما إذا قبضه المشتري بعد تسليم الثمن؛ لأنّه مستحقّ للقبض، فلا يعتبر فيه إذن المستحقّ عليه، أمّا هنا فإنّه غير مستحقّ عليه، فلا يصحّ بدون إذنه، فإن قبضه بدون إذنه دخل في ضمانه، فإن أذن له في القبض و قبضها تمّت الهبة، و إن رجع عن الإذن قبل أن يقبض المتّهب بطل الإذن، و إن رجع بعد القبض لم يبطل القبض؛ لتمام الهبة قبل رجوعه، و به قال الشافعي(١).

و قال أبو حنيفة: إذا قبضه في المجلس بغير إذن الواهب، صحّ القبض، و إذا قام من المجلس لم يجز قبضه إلاّ بإذن الواهب؛ لأنّ الإيجاب تضمّن الإذن في القبول و القبض جميعا، فإذا قبض صحّ، كما إذا قبل، و إنّما اختصّ بالمجلس لأنّ الإيجاب تضمّنه، و ما تضمّنه الإيجاب اختصّ(٢) بالمجلس، كالقبول(٣).

و ليس بجيّد؛ لأنّ الواهب لم يأذن له بعد العقد في القبض، فلا يصحّ قبضه، كما لو كان بعد المجلس، و لا نسلّم أنّ القبض و القبول تضمّنهما

١- نهاية المطلب ٤١٠:٨، الوسيط ٢٧٠:٤، حلية العلماء ٤٩:٦، البيان ٨: ٩٨، العزيز شرح الوجيز ٣١٩:٦، روضة الطالبين ٤٣٨:٤.

٢- في الطبعة الحجرية: «يختصّ» بدل «اختصّ».

٣- مختصر القدوري: ١٢٤، المبسوط - للسرخسي - ٥٧:١٢، الهداية - للمرغيناني - ٢٢٤:٣، الاختيار لتعليل المختار ٦٩:٣، المغني ٢٧٧:٦، الشرح الكبير ٦: ٢٧٩، نهاية المطلب ٤١٠:٨، الوسيط ٢٧٠:٤، حلية العلماء ٤٩:٦، البيان ٩٨:٨، العزيز شرح الوجيز ٣١٩:٦.

الإيجاب، و إنّما القبول أثبته الشرع، و القبض لم يوجد في لفظه، و لو وجد في تلفّظه لم يبطل بالقيام من المجلس، كما لو أذن له بعد العقد، على أنّ الإيجاب جوابه [القبول](١) فاقتضاه، بخلاف القبض.

مسألة ١٤: إذا وهب شيئا و قبل

مسألة ١٤: إذا وهب شيئا و قبل(٢) المتّهب فباع الواهب العين أو وهبها أو عقد عليها أحد العقود قبل القبض،

قال الشيخ رحمه اللّه: يصحّ البيع، و تنفسخ الهبة(٣).

و هو جيّد؛ لأنّ البيع صادف ملكا للبائع لم يزل عنه بالهبة، فاقتضى حكمه، و تترتّب(٤) عليه أحكامه، و هو معنى الصحّة.

و قال الشافعي: إن كان الواهب يعتقد أنّ الهبة ما تمّت و أنّه باع ما لم يهبه، فالبيع صحيح، و قد بطلت الهبة، و إن كان يعتقد أنّ الهبة قد تمّت و انتقل الملك بنفس العقد و أنّه ليس له البيع، ففي صحّة البيع قولان:

أحدهما: لا يصحّ؛ لأنّه يعتقد أنّه متلاعب، و أنّه ليس ببيع.

و الثاني: يصحّ؛ لأنّه بيع صادف ملكه الذي له تمليكه فصحّ(٥).

و أصل هذين القولين: إذا باع مال مورّثه و هو غائب بغير إذنه إلاّ أنّه بان أنّه كان قد مات و أنّه حين باع كان قد ورثه، فهل يصحّ البيع ؟ قولان(٦).

١- ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

٢- في «ر» و الطبعة الحجريّة: «فقبل» بدل «و قبل».

٣- المبسوط - للطوسي - ٣٠٤:٣.

٤- في «ص، ع»: «ترتّبت».

٥- حلية العلماء ٤٩:٦، البيان ٩٩:٨، العزيز شرح الوجيز ٣١٩:٦، روضة الطالبين ٤٣٩:٤.

٦- الوسيط ٢٣:٣، العزيز شرح الوجيز ٣٣:٤، و ٣١٩:٦، روضة الطالبين ٣: ٢٢-٢٣، و ٤٣٩:٤، المجموع ٢٦١:٩.

١٨

و كذا إذا كاتبه مكاتبة فاسدة و أوصى برقبته معتقدا صحّة الكتابة، ففي صحّة الوصيّة قولان(١).

مسألة ١٥: إذا عقد الهبة بالإيجاب و القبول و لم يحصل قبض ثمّ مات الواهب أو المتّهب بين العقد و القبض،

بطلت الهبة عند علمائنا؛ لانتفاء الشرط، و هو القبض، و هو أحد قولي الشافعي؛ لأنّ الهبة من العقود الجائزة قبل القبض، فتنفسخ بالموت، كالوكالة و الشركة.

و أصحّهما عنده: المنع، و أنّ الهبة لا تنفسخ، فإن مات الواهب فالهبة بحالها، و يكون الوارث بالخيار إن شاء يتمّها بالإقباض، و إن شاء رجع، سواء خرجت من الثلث أو لا؛ لأنّ الهبة عقد يؤول إلى اللزوم، فلا ينفسخ بالموت، كالبيع المشروط فيه الخيار. و يفارق الوكالة و الشركة؛ فإنّهما لا يؤولان إلى اللزوم، و إن مات المتّهب قبض وارثه إن أقبضه الواهب(٢).

و كذا الخلاف فيما إذا جنّ أحدهما أو أغمي عليه(٣).

تذنيب: إذا أذن الواهب له في القبض ثمّ مات الآذن أو المأذون له قبل القبض، بطل الإذن؛ لأنّه جائز، و لم يكن له القبض إلاّ بإذن جديد.

و إن بعث هديّة إلى إنسان فمات قبل أن تصل إلى المهدى إليه أو مات المهدي إليه، لم يكن للرسول حملها، إلاّ أن يكون الوارث فيه بالخيار.

مسألة ١٦: إذا كان له في يد غيره مال وديعة أو عارية أو كان غصبا فوهبه المالك منه،

صحّت الهبة و لزمت إن كانت ممّا يلزم بالقبض؛ لأنّه في

١- الأم ٧٩:٨، الحاوي الكبير ٣٠٤:١٨، بحر المذهب ٢٦٥:١٤، العزيز شرح الوجيز ٥٤١:١٣، روضة الطالبين ٥٢١:٨.

٢- المهذّب - للشيرازي - ٤٥٤:١، حلية العلماء ٥٠:٦، العزيز شرح الوجيز ٦: ٣١٩، روضة الطالبين ٤٣٧:٤.

٣- العزيز شرح الوجيز ٣١٩:٦، روضة الطالبين ٤٣٧:٤.

١٩

يد المتّهب، فكان مقبوضا.

و الأقرب: أنّه لا يفتقر إلى تجديد إقباض و لا مضيّ زمان [يمكن](١) فيه الإقباض، و هو أشهر الروايتين عن أحمد(٢).

و قال الشافعيّة: إن أذن له في القبض و مضى زمان يمكن فيه القبض، تمّت الهبة و لزمت، و إن لم يأذن له في القبض إلاّ أنّه مضى زمان يمكن فيه القبض، فهل يصير مقبوضا؟ قال الشافعي في الإقرار و المواهب: إذا مضت مدّة يتأتّى فيها القبض فقد تمّت الهبة. و اشترط الإذن في الرهن.

و اختلف أصحابه في ذلك على طريقين: منهم من يقول: قولان فيهما، و منهم من فرّق بينهما(٣).

تنبيه: القبض هنا كالقبض في البيع، ففيما لا ينقل و لا يحوّل التخلية، و فيما ينقل و يحوّل النقل و التحويل، و فيما يكال أو يوزن الكيل أو الوزن.

و قال بعض الشافعيّة: إنّ القبض في المبيع المنقول فيه قولان، أحدهما: أنّه النقل و التحويل، و الثاني: أنّه التخلية، و هذا الثاني غير آت في الهبة، بل لا بدّ من النقل. و الفرق: أنّ القبض في البيع مستحقّ، و للمشتري المطالبة به، فجاز أن يجعل بالتمكّن قابضا، و في الهبة القبض غير مستحقّ، فاعتبر تحقيقه، و لم يكتف بالوضع بين يديه، و لهذا لو أتلف المتّهب الموهوب لم يصر قابضا، بخلاف المشتري إذا أتلف المبيع(٤).

و ليس بشيء؛ لاتّحاد القبض في الموضعين، و اعتبار العرف فيهما.٤.

١- بدل ما بين المعقوفين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يكون». و الظاهر ما أثبتناه.

٢- المغني ٢٨٠:٦، الشرح الكبير ٢٧٨:٦.

٣- راجع: الحاوي الكبير ٥٣٦:٧.

٤- العزيز شرح الوجيز ٣٢٠:٦، روضة الطالبين ٤٣٨:٤.

٢٠