تذكرة الفقهاء - ج ١٩

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ١٩

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-520-5
الصفحات: ٤٥٤

تذكره الفقهاء المجلد ١٩

الجزء التاسع عشر

المقصد التاسع: في السبق و الرماية

و فيه فصلان:

الفصل الأوّل: في السبق

اشارة

و فيه مباحث:

البحث الأوّل: في تسويغه.

مسألة ٨٧٨: عقد السبق و الرمي شرّع للاستعداد للقتال و ممارسة النضال؛ لدعاء الحاجة إليه في جهاد العدوّ.

و قد ثبت جوازه بالنصّ و الإجماع.

أمّا النصّ: فالكتاب و السّنّة.

قال اللّه تعالى: يا أَبانا إِنّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ (١) فأخبر اللّه تعالى بذلك و لم يعقّبه بإنكار، فدلّ على مشروعيّته عندنا.

و قال تعالى: أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ (٢) روى عقبة بن عامر أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله قال: «ألا إنّ القوّة الرمي» قاله ثلاثا(٣).

١- سورة يوسف: ١٧.

٢- سورة الأنفال: ٦٠.

٣- صحيح مسلم ١٩١٧/١٥٢٢:٣، سنن ابن ماجة ٢٨١٣/٩٤٠:٢، سنن أبي داود ٢٥١٤/١٣:٣، سنن الترمذي ٣٠٨٣/٢٧٠:٥، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٠: ١٣، مسند أحمد ١٦٩٧٩/١٥٨:٥.

١

وجه الاستدلال: أنّ اللّه تعالى أمرنا بإعداد الرمي و رباط الخيل للحرب و لقاء العدوّ، و الإعداد لذلك إنّما يحصل بالتعلّم، و النهاية في التعلّم المسابقة بذلك ليكدّ(١) كلّ واحد نفسه في بلوغ النهاية و الحذق فيه.

و أمّا السّنّة: فما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «لا سبق إلاّ في نصل أو خفّ أو حافر»(٢).

و النصل يشمل النّشّاب، و هي للعجم، و السهم، و هو للعرب، و المزاريق، و هي الردينيّات و الرماح و السيوف كلّ ذلك من النصل، و اسمه صادق على الجميع.

و أمّا الخفّ فالإبل و الفيلة.

و أمّا الحافر فيشمل الخيل و البغال و الحمير.

و سئل أنس بن مالك: هل كنتم تراهنون على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ؟ فقال: نعم، راهن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله على فرس له فسبق فسرّ بذلك و أعجبه(٣).

و روي أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله سابق بين الخيل المضمرة(٤) التي قد أضمرت من الحفياء إلى ثنيّة الوداع - و بينهما خمسة أميال أو ستّة، و الحفياء تمدّ و تقصر - و سابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنيّة إلى مسجد بني زريق(٥) ، و بينهما ميل.٦.

١- الكدّ: الشدّة في العمل و طلب الكسب، و كددت الشيء: أتعبته. الصحاح ٢: ٥٣٠ «كدد».

٢- سنن الترمذي ١٧٠٠/٢٠٥:٤، سنن النسائي (المجتبى) ٢٢٦:٦.

٣- السنن الكبرى - للبيهقي - ٢١:١٠، مسند أحمد ١٣٢٧٧/١٥١:٤.

٤- تضمير الفرس: أن تعلفه حتى يسمن ثمّ تردّه إلى القوت، و ذلك في أربعين يوما. الصحاح ٧٢٢:٢ «ضمر».

٥- صحيح البخاري ٣٨:٤، و ١٢٩:٩، صحيح مسلم ١٨٧٠/١٤٩١:٣، سنن أبي داود ٢٥٧٥/٢٩:٣، سنن النسائي (المجتبى) ٢٢٦:٦.

٢

و المضمرة - بتسكين الضاد و تخفيف الميم - هو المشهور في الخبر، و روي بفتح الضاد و تشديد الميم.

و روي أنّه كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ناقة يقال لها: العضباء، إذا سابقت سبقت، فجاء أعرابيّ على بكر له فسبقها، فاشتدّ ذلك على المسلمين و اغتمّوا لذلك، فقيل: يا رسول اللّه سبقت العضباء، فقال صلّى اللّه عليه و اله: «حقّ على اللّه أن لا يرفع شيئا في الأرض إلاّ وضعه» و في بعضها: «أن لا يرفع شيئا في الناس إلاّ وضعه»(١).

و قال عليه السّلام: «رهان الخيل طلق»(٢) أي: حلال.

و مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بقوم من الأنصار يترامون، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:

«أنا مع الحزب الذي فيه ابن الأدرع» فأمسك الحزب الآخر و قالوا: لن يغلب حزب فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، فقال: «ارموا فإنّي أرمي معكم» فرمى مع كلّ واحد منهم رشقا فلم يسبق بعضهم بعضا، فلم يزالوا يترامون و أولادهم و أولاد أولادهم لا يسبق بعضهم بعضا(٣).

و عن سلمة بن الأكوع قال: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله على قوم من أسلم يتناضلون بالسيوف، فقال: «ارموا بني إسماعيل فإنّ أباكم [كان](٤) راميا»(٥).٢.

١- أورده الشيخ الطوسي في المبسوط ٢٨٩:٦-٢٩٠، و فيه في الموضعين: «في الناس»، و بتفاوت في الألفاظ في صحيح البخاري ٣٨:٤-٣٩، و سنن النسائي (المجتبى) ٢٢٧:٦.

٢- أورده ابن الأثير في أسد الغابة ٣٣٣:٥ نقلا عن ابن مندة و أبي نعيم، و كذا الرافعي في العزيز شرح الوجيز ١٧٣:١٢.

٣- أورده الشيخ الطوسي في المبسوط ٢٩٠:٦.

٤- ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

٥- صحيح البخاري ٢١٩:٤، مسند أحمد ٦٤٣:٤-١٦٠٩٣/٦٤٤، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٧:١٠ بتفاوت في بعض الألفاظ، و نصّه في العزيز شرح الوجيز ١٧٣:١٢.

٣

و من طريق الخاصّة: قولهم عليهم السّلام: «إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الخفّ و الريش و النصل»(١).

و أمّا الإجماع: فلا خلاف بين الأمّة في جوازه على الجملة و إن اختلفوا في تفاصيله.

مسألة ٨٧٩: و يجوز شرط المال في عقد السبق و الرمي معا عند علمائنا أجمع

- و به قال الشافعي(٢) - لما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال:

«رهان الخيل طلق»(٣) أي: حلال.

و قيل لعثمان: هل كنتم تراهنون على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله ؟ قال:

نعم(٤).

و قال عليه السّلام: «لا سبق إلاّ في نصل أو خفّ أو حافر»(٥).

و الأثبت من الرواية: السّبق، بفتح الباء، و هو المال الذي يدفع إلى السابق.

و روي: السّبق، بالتسكين، و هو مصدر «سبق يسبق».

و لأنّ الحاجة تدعو إليه؛ لأنّ هذا الفعل أمر مطلوب للشارع؛ لما فيه

١- الفقيه ١٣٦/٤٢:٤.

٢- الحاوي الكبير ١٨٢:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٠:١ و ٤٢١، نهاية المطلب ٢٢٩:١٨، الوجيز ٢٨:٢، حلية العلماء ٤٦٢:٥، التهذيب - للبغوي - ٧٥:٨، البيان ٣٦٤:٧ و ٣٧٩، العزيز شرح الوجيز ١٧٣:١٢، روضة الطالبين ٥٣٢:٧.

٣- تقدّم تخريجه في ص ٧، الهامش (٢).

٤- كما في الحاوي الكبير ١٨٢:١٥-١٨٣، و المهذّب - للشيرازي - ٤٢٠:١، و البيان ٣٦٤:٧، و العزيز شرح الوجيز ١٧٣:١٢.

٥- تقدّم تخريجه في ص ٦، الهامش (٢).

٤

من فائدة الاستعداد للقتال في جهاد أعداء اللّه تعالى، الذي هو من أعظم أركان الإسلام، و شرط المال فيه يقتضي زيادة الرغبة و الشوق إليه، فكان سائغا، كالأفعال التي يصحّ بذل المال عليها، كأفعال الإجارة و الجعالة التي قد لا يندب الشارع إليها، فتسويغ هذه يكون أولى.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز شرط المال في المسابقة و لا المراماة؛ لأنّه قمار(١) ، و عنه رواية أخرى(٢).

و الدليل ممنوع.

البحث الثاني: في تفسير ألفاظ تستعمل في هذا الباب.

السّبق - بفتح الباء -: العوض، و هو الخطر و الندب و الرهن و القرع و الوجب، يقال: سبّق، بتشديد الباء: إذا أخرج السّبق الذي هو المال، و إذا أخذه و أحرزه أيضا، و هو من أسماء الأضداد.

و أمّا السّبق، بسكون الباء: فهو المصدر، و فعله: سبق.

و السابق هو المتقدّم بالعنق و الكتد، و قيل: بالأذن(٣) ، و هو المجلّي، و الكتد هو الكاهل، و هو العالي ما بين أصل العنق و الظهر، و هو من الخيل مكان السنام من البقر، و هو مجتمع الكتفين، و الهادي هو العنق، و المصلّي هو الثاني؛ لأنّه يحاذي رأسه صلا المجلّي، و الصلوان هما العظمان الناتئان

١- تحفة الفقهاء ٣٤٨:٣، بدائع الصنائع ٢٠٦:٦، الاختيار لتعليل المختار ٤: ٢٦٧، روضة القضاة ٨٢٩١/١٣٢٨:٣، النتف ٨٦٤:٢، الحاوي الكبير ١٥: ١٨٢، نهاية المطلب ٢٢٩:١٨، حلية العلماء ٤٦٩:٥، التهذيب - للبغوي - ٨: ٧٥، العزيز شرح الوجيز ١٧٣:١٢ و ١٧٧.

٢- نهاية المطلب ٢٢٩:١٨، العزيز شرح الوجيز ١٧٤:١٢.

٣- المغني ١٣٨:١١، الشرح الكبير ١٤٥:١١.

٥

عن يمين الذّنب و شماله، و التالي هو الثالث، و البارع هو الرابع، و المرتاح هو الخامس، و الحظيّ هو السادس، و العاطف هو السابع، و المؤمّل هو الثامن، و اللطيم [هو] التاسع، و السكيت هو العاشر، و ليس لما بعد العاشر اسم إلاّ الذي يجيء آخر الخيل كلّها، فإنّه يقال له: الفسكل، و الفسكل:

الأخير بعد العاشر، و المحلّل هو الذي يدخل بين المتراهنين إن سبق أخذ، و إن سبق لم يغرم، و الغاية: مدى السباق، و المناضلة: المسابقة و المراماة.

البحث الثالث: فيما تجوز المسابقة عليه.

مسألة ٨٨٠: إنّما تصحّ المسابقة على ما هو عدّة للقتال؛

إذ الغرض الأقصى إنّما هو الاستعداد للجهاد، و هو من الحيوان كلّ ما له خفّ، كالإبل و الفيلة، أو له حافر، كالفرس و الحمار و البغل(١).

و لا خلاف في المسابقة على الخيل؛ لصدق اسم الحافر عليها.

و لقوله تعالى: وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ (٢) و لقوله تعالى: مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ (٣) و الإجماع دلّ عليه.

و يلحق بها الإبل في جواز المسابقة عليها؛ لقوله عليه السّلام: «لا سبق إلاّ في نصل أو خفّ أو حافر»(٤).

و أيضا العرب تقاتل عليها أشدّ القتال، و لا خلاف فيه أيضا، و لأنّ ما يتهيّأ للخيل من الانعطاف و الالتواء و سرعة الأقدام تشاركها الإبل فيها،

١- في الطبعة الحجريّة: و البغل و الحمار.

٢- سورة الأنفال: ٦٠.

٣- سورة الحشر: ٦.

٤- تقدّم تخريجه في ص ٦، الهامش (٢).

٦

لكن في الخيل غنى و فائدة في القتال، فاكتفي بها.

مسألة ٨٨١: و يجوز عقد المسابقة على الفيلة أيضا؛

لدخولها تحت اسم الخفّ - و هو أصحّ قولي الشافعيّة(١) - لأنّ لها خفّا و يقاتل عليها كالإبل، و لأنّ الفيل أغنى في القتال من غيره.

و الثاني للشافعيّة: المنع - و به قال أحمد بن حنبل، و حكاه صاحب «البحر» فيه عن أبي حنيفة - للخبر(٢) ، و لأنّه لا يحصل بها الكرّ و الفرّ، فلا معنى للمسابقة عليها(٣).

و الخبر حجّة لنا؛ لأنّ لها خفّا، و هو يسبق الخيل، فهو أولى بجواز المسابقة عليه من الخيل.

مسألة ٨٨٢: و يدخل تحت الحافر الخيل و البغال و الحمير،

فتجوز المسابقة عليها أجمع عند علمائنا - و هو الذي نصّ عليه الشافعي(٤) - لدخولها تحت اسم الحافر.

و عنه قول آخر: إنّه لا تجوز المسابقة عليهما(٥) ؛ لأنّهما لا يصلحان

١- الحاوي الكبير ١٨٥:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٠:١، نهاية المطلب ١٨: ٢٣١، الوسيط ١٧٥:٧، حلية العلماء ٤٦٤:٥، التهذيب - للبغوي - ٧٦:٨، البيان ٣٦٤:٧، العزيز شرح الوجيز ١٧٤:١٢، روضة الطالبين ٥٣٣:٧، المغني ١٣٠:١١، الشرح الكبير ١٣١:١١.

٢- راجع: الهامش (٢) من ص ٦.

٣- نفس المصادر في الهامش (١).

٤- المهذّب - للشيرازي - ٤٢٠:١، حلية العلماء ٤٦٤:٥، التهذيب - للبغوي - ٨: ٧٦، البيان ٣٦٥:٧، العزيز شرح الوجيز ١٧٥:١٢، روضة الطالبين ٥٣٣:٧.

٥- أي: على البغال و الحمير.

٧

للكرّ و الفرّ، و لا يقاتل عليهما(١).

و الأوّل أصحّ؛ للنصّ(٢).

و بعض الشافعيّة نقل عن الشافعي القطع بالجواز فيهما(٣) ، و بعضهم نقل القطع بالمنع(٤) ، و المشهور: أنّ فيهما قولين(٥).

مسألة ٨٨٣: و لا تجوز المسابقة على الأقدام إلى موضع - كجبل أو غيره - لا بعوض و لا بغيره؛

لأنّه عليه السّلام نهى عن السبق إلاّ في الأشياء الثلاثة(٦) ، و لأنّه ليس فيه استعمال آلة يستعان بها في الحرب.

و الشافعي فصّل فقال: إن كان بغير عوض جاز - و به قال أبو حنيفة - لما روي عن عائشة قالت: كنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في غزاة، فقال:

«تقدّموا» فتقدّموا، فقال صلّى اللّه عليه و اله: «أسابقك» فسابقته برجلي فسبقته، فلمّا كان في غزاة أخرى قال للقوم: «تقدّموا» فتقدّموا، فقال صلّى اللّه عليه و اله: «أسابقك» فسابقته فسبقني و كنت قد نسيت، فقال: «يا عائشة هذه بتلك» و كنت بدنت(٧).

و عن عائشة قالت: سابقت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله مرّتين فسبقته في الأولى فلمّا بدنت سبقني و قال: «هذه بتلك»(٨).

و إن كان بعوض، فوجهان:

١- المهذّب - للشيرازي - ٤٢٠:١، حلية العلماء ٤٦٤:٥، التهذيب - للبغوي - ٨: ٧٦، البيان ٣٦٥:٧، العزيز شرح الوجيز ١٧٥:١٢، روضة الطالبين ٥٣٣:٧.

٢- راجع: الهامش (٢) من ص ٦.

٣- العزيز شرح الوجيز ١٧٥:١٢.

٤- العزيز شرح الوجيز ١٧٥:١٢.

٥- راجع: الهامش (١).

٦- راجع: الهامش (٢) من ص ٦.

٧- مسند أحمد ٢٥٧٤٥/٣٧٧:٧، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٨:١٠.

٨- سنن أبي داود ٢٩:٣-٢٥٧٨/٣٠، السنن الكبرى - للبيهقي - ١٨:١٠.

٨

أحدهما: يجوز - و به قال أهل العراق - لأنّ الرجل(١) قد يحتاج إلى ذلك في الحرب، كما يحتاج الفارس إلى عدو الفرس.

و الثاني - و هو المنصوص للشافعي، و به قال أحمد -: إنّه لا يجوز؛ لقوله صلّى اللّه عليه و اله: «لا سبق إلاّ في نصل أو خفّ أو حافر»(٢) و تخالف الخيل؛ لأنّها آلة له، بخلاف الرجل(٣).

و الحقّ عندنا: المنع، سواء كان بعوض أو بغير عوض؛ للرواية المشهورة(٤) ، و حديث عائشة ضعيف عندنا؛ فإنّ منصب النبوّة أجلّ ممّا اشتمل الحديث عليه، و أيّ نقص أعظم من هذا الذي نسبوه إلى النبي صلّى اللّه عليه و اله ؟ و هو أكمل أشخاص البشر.

مسألة ٨٨٤: لا تجوز المسابقة على رمي الحجارة باليد و المقلاع و المنجنيق،

سواء كان بعوض أو بغير عوض، عند علمائنا؛ لأنّ ذلك ليس من آلات الحرب، و للخبر الدالّ على المنع من المسابقة في غير الثلاثة(٥).

و للشافعيّة قولان:

أحدهما: الجواز مطلقا؛ لأنّها كالسهام.

و الثاني: الجواز إن لم يكن عوض، و المنع إن كان هناك عوض(٦).

و كذا لا تجوز المسابقة على إشالة الحجر باليد؛ لأنّها لا تنفع في

١- الرجل، أي: الراجل. تهذيب اللغة ٢٩:١١ «رجل».

٢- راجع: الهامش (٢) من ص ٦.

٣- العزيز شرح الوجيز ١٧٦:١٢، روضة الطالبين ٥٣٣:٧، المغني ١٢٨:١١ و ١٢٩-١٣٠، الشرح الكبير ١٢٩:١١-١٣٠.

٤- راجع: الهامش (٢) من ص ٦.

٥- راجع: الهامش (٢) من ص ٦.

٦- العزيز شرح الوجيز ١٧٥:١٢، روضة الطالبين ٥٣٣:٧.

٩

الحرب، و هو قول أكثر الشافعيّة(١).

و قال بعضهم بالجواز(٢).

و أمّا مداحاة(٣) الأحجار - و هو أن يرمي كلّ واحد الحجر إلى صاحبه - فلا تجوز عندنا - و هو قول الشافعيّة(٤) - كما لا يجوز أن يرمي كلّ واحد السهم إلى صاحبه.

و كذا لا يجوز أن يسابق على أن يدحو حجرا أو يدفعه من مكان إلى مكان ليعرف به الأشدّ، لا بعوض و لا بغير عوض؛ لأنّه لا يقاتل بها.

مسألة ٨٨٥: تجوز المسابقة بالسيوف و الرماح على معنى التردّد بها

- و هو أصحّ قولي الشافعيّة(٥) - لقوله صلّى اللّه عليه و اله: «أو نصل»(٦) و لأنّها من أعظم آلات القتال، و استعمالها يحتاج إلى تعلّم و تحذّق، و في تجويز السبق حمل عليه و ترغيب فيه، فكان جائزا.

و القول الثاني للشافعيّة: المنع - و به قال أحمد - لأنّها لا يرمى بها و لا تفارق صاحبها(٧).

١- العزيز شرح الوجيز ١٧٥:١٢، روضة الطالبين ٥٣٣:٧.

٢- العزيز شرح الوجيز ١٧٥:١٢، روضة الطالبين ٥٣٣:٧.

٣- في «ر»: «مراماة» بدل «مداحاة»، و راجع: النهاية - لابن الأثير - ١٠٦:٢ «دحا».

٤- العزيز شرح الوجيز ١٧٥:١٢، روضة الطالبين ٥٣٣:٧.

٥- الحاوي الكبير ١٨٦:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢١:١، حلية العلماء ٥: ٤٦٦، التهذيب - للبغوي - ٧٦:٨، البيان ٣٦٧:٧، العزيز شرح الوجيز ١٢: ١٧٥، روضة الطالبين ٥٣٣:٧، المغني ١٣٠:١١، الشرح الكبير ١٣١:١١.

٦- راجع: الهامش (٢) من ص ٦.

٧- الحاوي الكبير ١٨٦:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢١:١، حلية العلماء ٥: ٤٦٦، التهذيب - للبغوي - ٧٦:٨، البيان ٣٦٧:٧، العزيز شرح الوجيز ١٢: ١٧٥، روضة الطالبين ٥٣٣:٧، المغني ١٢٩:١١-١٣٠، الشرح الكبير ١١: ١٣٠-١٣١.

١٠

و ليس ذلك مانعا عندنا.

مسألة ٨٨٦: قد بيّنّا أنّه لا تجوز المسابقة على الأقدام،

و المسابقة على السباحة أولى بالمنع، و به قال الشافعيّة(١).

و لهم قول آخر: تجوز(٢) المسابقة على الأقدام، ففي جواز المسابقة على السباحة على هذا القول وجهان عندهم، و الفرق: أنّ الماء يؤثّر في السباحة، و الأرض لا تؤثّر في السعي(٣) ، و المشهور عندهم: المنع(٤).

و اعلم أنّ المسابقة بالأقدام ضربان، أحدهما(٥): أن يتعاديا فأيّهما سبق صاحبه فهو السابق، أو يكون المدى شيئا معلوما.

و كلاهما عندنا غير جائز لا بعوض و لا بغيره.

و تجوز عند الشافعيّة بغير عوض، و مع العوض لهم قولان(٦).

مسألة ٨٨٧: لا تجوز المسابقة على المصارعة لا بعوض و لا بغير عوض عند علمائنا أجمع؛

لعموم نهيه صلّى اللّه عليه و اله عن السبق إلاّ في ثلاثة: الخفّ و الحافر و النصل(٧) ، و لأنّه ليس بآلة للحرب، و هو أحد قولي الشافعي، و الثاني: أنّه يجوز بعوض و بغيره(٨) ؛ لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و اله أنّه خرج

١- الحاوي الكبير ١٨٥:١٥، العزيز شرح الوجيز ١٧٦:١٢.

٢- في «د»: «بجواز» بدل «تجوز».

٣- الحاوي الكبير ١٨٥:١٥، العزيز شرح الوجيز ١٧٦:١٢.

٤- المهذّب - للشيرازي - ٤٢١:١، التهذيب - للبغوي - ٧٦:٨، العزيز شرح الوجيز ١٧٦:١٢.

٥- الأنسب التعبير ب «إمّا» بدل «أحدهما».

٦- العزيز شرح الوجيز ١٧٦:١٢، روضة الطالبين ٥٣٣:٧.

٧- تقدّم تخريجه في ص ٦، الهامش (٢).

٨- الحاوي الكبير ١٨٦:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢١:١، حلية العلماء ٥: ٤٦٥، التهذيب - للبغوي - ٧٧:٨، البيان ٣٦٦:٧، العزيز شرح الوجيز ١٢: ١٧٦، روضة الطالبين ٥٣٣:٧.

١١

إلى الأبطح فرأى يزيد بن ركانة يرعى أعنزا له، فقال للنبي صلّى اللّه عليه و اله: هل لك في أن تصارعني ؟ فقال له النبيّ صلّى اللّه عليه و اله: «ما تسبّق لي ؟» فقال: شاة، فصارعه فصرعه النبي صلّى اللّه عليه و اله، فقال له يزيد: هل لك في العود؟ فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله: «ما تسبّق لي ؟» فقال: شاة، فصارعه فصرعه النبي صلّى اللّه عليه و اله، فقال للنبي صلّى اللّه عليه و اله: هل لك في العود؟ فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله: «ما تسبّق لي ؟» فقال: شاة، فصارعه فصرعه النبي صلّى اللّه عليه و اله، فقال للنبي صلّى اللّه عليه و اله: أعرض عليّ الإسلام فما أحد وضع جنبي على الأرض، فعرض عليه الإسلام، فأسلم و ردّ عليه غنمه(١).

و لا تجوز المسابقة على المشابكة باليد.

و للشافعي قولان(٢).

مسألة ٨٨٨: لا تجوز المسابقة على الطيور من الحمامات و غيرها بالعوض عند علمائنا

- و هو أصحّ قولي الشافعيّة(٣) - لظاهر الخبر(٤) ، و لأنّها ليست من آلات القتال.

و الثاني لهم: الجواز؛ لأنّها يحتاج إليها في الحروب، و تحمل الكتب، و يحتاج إلى استعلام أحوال العدوّ و أخباره، و تفيد التطلّع عليه، و يحتاج إلى السابق منها(٥).

١- أورده الماوردي في الحاوي الكبير ١٨٦:١٥.

٢- الحاوي الكبير ١٨٦:١٥، حلية العلماء ٤٦٦:٥، العزيز شرح الوجيز ١٢: ١٧٧، روضة الطالبين ٥٣٣:٧.

٣- الحاوي الكبير ١٨٦:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢١:١، الوسيط ١٧٦:٧، الوجيز ٢١٨:٢، حلية العلماء ٤٦٤:٥، التهذيب - للبغوي - ٧٧:٨، البيان ٧: ٣٦٦، العزيز شرح الوجيز ١٧٦:١٢، روضة الطالبين ٥٣٣:٧، المغني و الشرح الكبير ١٣٠:١١.

٤- تقدّم تخريجه في ص ٦، الهامش (٢).

٥- البيان ٣٦٥:٧، مضافا إلى المصادر المزبورة في الهامش (٣).

١٢

قال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط: فأمّا المسابقة بالطيور فإن كان بغير عوض جاز عندهم - يعني العامّة - و إن كان بعوض فعلى قولين، و عندنا لا يجوز؛ للخبر(١).

و هذا يقتضي المنع من المسابقة عليها بغير عوض، مع أنّ المشهور عندنا أنّه يجوز اتّخاذ الحمام للأنس و إنفاذ الكتب، و يكره للتفرّج و التطيير، و لا خلاف في تحريم الرهان عليها.

مسألة ٨٨٩: لا تجوز المسابقة على المراكب و السّفن و الطيّارات و الزبازب

مسألة ٨٨٩: لا تجوز المسابقة على المراكب و السّفن و الطيّارات و الزبازب(٢) عند علمائنا

- و هو أحد قولي الشافعيّة(٣) - لأنّ سبقها بالملاّح، لا بمن يقاتل فيها، و لأنّ الحرب لا تقع بها و إنّما تقع فيها.

و الثاني لهم: الجواز؛ لأنّها آلة للحرب، فإنّ الحرب قد تقع في البحر كما تقع في البرّ، و هي في الماء كالخيل في البرّ(٤).

و ليس بشيء؛ لما تقدّم من أنّ الحرب تقع فيها كالأرض، و ليست آلة للحرب.

مسألة ٨٩٠: و لا تجوز المسابقة على مناطحة الغنم و مهارشة الديكة لا بعوض و لا بغير عوض

- و به قال الشافعي(٣) - للخبر(٤).

١- المبسوط ٢٩٢:٦.

٢- الزبزب: نوع من السّفن. لسان العرب ٤٤٦:١ «زبب». (٣الى٤) الحاوي الكبير ١٨٥:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢١:١، حلية العلماء ٥: ٤٦٥، التهذيب ٧٧:٨، البيان ٣٦٦:٧، العزيز شرح الوجيز ١٧٦:١٢، روضة الطالبين ٥٣٣:٧، المغني و الشرح الكبير ١٣٠:١١.

٣- الحاوي الكبير ١٨٦:١٥، العزيز شرح الوجيز ١٧٦:١٢، روضة الطالبين ٧: ٥٣٣.

٤- راجع: الهامش (٢) من ص ٦.

١٣

و كذا لا تجوز المسابقة على ما لا ينتفع به في الحرب، كاللعب بالشطرنج و النرد و الخاتم و الصولجان و رمي البنادق و الجلاهق و الوقوف على رجل واحدة و معرفة ما في اليد من الفرد و الزوج و سائر الملاعب، و لا اللبث في الماء.

و جوّزه بعض الشافعيّة(١)(٢). و ليس بجيّد.

البحث الرابع: في الشرائط.

اشارة

و هي اثنا عشر.

الأوّل: أن يكون ما ورد العقد عليه عدّة للقتال، فإنّ المقصود منه التأهّب للقتال، و لهذا فإنّ الأجود أنّه لا يجوز السبق و الرمي من النساء؛ لأنّهنّ لسن من أهل الحرب.

الثاني: العقد، و لا بدّ فيه من إيجاب و قبول لتحقّق العلم بالرضا الباطن؛ لأنّه إنّما يعرف بواسطة الألفاظ الدالّة عليه.

و قيل: لا يشترط القبول لفظا؛ لأنّه جعالة يكفي فيها الإيجاب، و هو البذل(٣) ، فإذا بذل أحدهما المال، لم يشترط من صاحبه القبول بالقول، كما لا يشترط في الجعالة لمعيّن، و هو أن تقول لشخص معيّن: إن رددت عبدي فلك كذا، و إن قلنا بأنّه لازم، وجب شرط اللفظ في القبول.

الثالث: تقدير المسافة، و إنّما يتحقّق بتعيين الابتداء و الانتهاء، و تعيين الموقف الذي يبتدئان بالجري منه و الغاية التي يجريان إليها؛ لأنّ

١- في الطبعة الحجريّة: «بعضهم» بدل «بعض الشافعيّة».

٢- العزيز شرح الوجيز ١٧٧:١٢، روضة الطالبين ٥٣٣:٧.

٣- كما في شرائع الإسلام ٢٣٧:٢، و راجع: المبسوط - للطوسي - ٣٦٧:٢، و الخلاف ١٠٥:٦، المسألة ٩.

١٤

النبي صلّى اللّه عليه و اله سابق من الحفياء إلى ثنيّة الوداع على الخيل المضمرة، و من الثنيّة إلى مسجد بني زريق على الخيل غير المضمرة(١) ، فلو لم يعيّنا المبدأ أو لم يعيّنا المنتهى بأن شرطا المال لمن سبق منهما حيث سبق، لم يجز؛ لأنّه إذا لم تكن هناك غاية معيّنة فقد يديمان السير حرصا على المال و يتعبان و تهلك الدابّة.

و لأنّ من الخيل ما يقوى سيره في ابتداء المسافة ثمّ يأخذ في الضعف، و هو عتاق الخيل، و صاحبه يبغي قصر المسافة، و منها ما يضعف سيره في الابتداء ثمّ يقوى و يشتدّ في الانتهاء، و هو هجانها، و صاحبه يبغي طول المسافة، فإذا اختلف الغرض فلا بدّ من الإعلام و التنصيص على ما يقطع النزاع، كما يجب التنصيص على تقدير الثمن في البيع، و الأجرة في عقد الإجارة.

و لأنّ ذلك يفضي إلى إجراء الخيل حتى تنقطع فتهلك، طلبا للسبق، فمنع منه.

و لو عيّنا غاية و شرطا أنّ السبق إن اتّفق في وسط الميدان كفى و كان السابق فائزا، فالأقرب: المنع - و هو أحد قولي الشافعيّة(٢) - لأنّا لو اعتبرنا السبق في خلال الميدان لاعتبرنا السبق بلا غاية معيّنة، و لأنّه قد تسبق الفرس ثمّ تسبق، و الاعتبار إنّما هو بآخر الميدان، ألا ترى أنّهما إذا لم يشترطا أنّ السابق في خلال الميدان فائز فسبق أحدهما في خلاله و سبق الآخر في آخره يكون السابق الثاني.٧.

١- تقدّم تخريجه في ص ٦، الهامش (٥).

٢- الوسيط ١٧٧:٧، الوجيز ٢١٨:٢، البيان ٣٧٤:٧، العزيز شرح الوجيز ١٢: ١٧٨، روضة الطالبين ٥٣٤:٧.

١٥

و قال بعض الشافعيّة: يصحّ؛ لأنّه سبق كالسبق إلى الغاية(١).

و الوجه: الأوّل.

و لو عيّنا غاية و قالا: إن اتّفق السبق عندها فذاك، و إلاّ تعدّياها(٢) إلى غاية أخرى اتّفقا عليها، فالأقرب: الجواز؛ لحصول الإعلام، و كون كلّ واحد من المستبقين سبقا إلى غاية معيّنة، و هو أحد قولي الشافعيّة، و الثاني: أنّه لا يجوز؛ لتردّد المعقود عليه(٣).

تذنيب: لو استبقا بغير غاية لينظر أيّهما يقف أوّلا، لم يجز؛ لما تقدّم.

مسألة ٨٩١: يشترط تساوي المتسابقين في مبدأ السباق الذي يبتدئان بالجري منه،

و في الغاية التي يجريان إليها؛ لما تقدّم(٤) من الخبر، و هو أنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله سابق بين الخيل المضمرة من الحفياء إلى ثنيّة الوداع، فلو شرطا تقدّم موقف أحدهما أو تقدّم غايته، لم يجز؛ لأنّه مناف للغرض؛ إذ المقصود من المسابقة معرفة فروسيّة الفارس وجودة سير الفرس، و إنّما يعرف ذلك مع تساوي المبدأ و المنتهى فيهما؛ إذ مع التفاوت لا يعرف ذلك؛ لاحتمال أن يكون السبق حينئذ لقصر المسافة، لا لحذق الفارس، و لا لفراهة الفرس.

الشرط الرابع: تعيين الخطر - و هو المال الذي تسابقا عليه - جنسا و قدرا؛ لأنّه عوض عن فعل محلّل، فشرط فيه العلم، كالإجارة، فلو شرطا

١- الوسيط ١٧٧:٧، الوجيز ٢١٨:٢، البيان ٣٧٤:٧، العزيز شرح الوجيز ١٢: ١٧٨، روضة الطالبين ٥٣٤:٧.

٢- في «د، ص»: «تعدّيناها».

٣- الوسيط ١٧٧:٧، العزيز شرح الوجيز ١٧٩:١٢، روضة الطالبين ٥٣٤:٧.

٤- في ص ٦ و ١٩.

١٦

مالا و لم يعيّناه، أو تسابقا على ما يتّفقان عليه أو على ما يحكم به زيد، بطل العقد؛ لما فيه من الغرر، و لإفضائه إلى التنازع، و هو ضدّ حكمة الشارع.

و ليس المال شرطا(١) في عقد المسابقة، بل تعيينه لو شرط.

و لو تسابقا على مثل ما تسابق به زيد و عمرو، فإن علماه حالة العقد صحّ، و إلاّ بطل.

و يجوز أن يكون المال دينا و عينا؛ لأنّه كعوض المبيع و المستأجر.

و كذا يصحّ أن يكون العوض حالاّ و مؤجّلا، كما يصحّ في الثمن و مال الإجارة و غيرهما من الأعواض ذلك.

و إذا شرط الأجل، فلا بدّ من تعيينه؛ تحرّزا من الغرر المنهيّ عنه(٢).

مسألة ٨٩٢: إذا تضمّن عقد المسابقة مالا،

فإمّا أن يخرجه المتسابقان معا أو أحدهما أو ثالث غيرهما، فالأقسام ثلاثة:

الأوّل: أن يخرج المال غير المتسابقين، فذلك الغير إمّا أن يكون هو الإمام أو غيره، فإن كان هو الإمام جاز إجماعا، سواء كان من ماله أو من بيت المال؛ لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله سابق بين الخيل و جعل بينهما سبقا(٣).

و لأنّ ذلك يتضمّن حثّا على تعلّم الجهاد و الفروسيّة و إعداد أسباب القتال، و فيه مصلحة للمسلمين و طاعة و قربة، فكان سائغا.

و إن كان غير الإمام، جاز أيضا عند علمائنا - و به قال الشافعي(٤) - لأنّه

١- في «ص»: «بشرط».

٢- الخلاف ٣١٩:٣، المسألة ١٣ من كتاب الضمان.

٣- العزيز شرح الوجيز ١٨٢:١٢.

٤- الحاوي الكبير ١٨٩:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٢:١، نهاية المطلب ١٨: -

١٧

بذل مال في طاعة و قربة و طريق مصلحة للمسلمين، فكان جائزا، و يثاب عليه إذا نوى.

و قال مالك: لا يجوز أن يخرج المال غير المتسابقين ثالث غير الإمام؛ لأنّ ذلك ممّا يحتاج إليه في الجهاد، فاختصّ بالإمام؛ لاختصاص النظر في الجهاد به(١).

و هو غلط؛ لما بيّنّا من اشتماله على بذل مال في طريق مصالح المسلمين، فكان جائزا، كما لو اشترى لهم خيلا أو سلاحا، و قد ثبت(٢) أنّ ما فيه معونة على الجهاد يجوز أن يفعله غير الإمام، كارتباط الخيل و إعداد الأسلحة، و لأنّ ما جاز أن يخرجه الإمام من بيت مال المسلمين جاز أن يتطوّع به كلّ واحد من المسلمين، كبناء المساجد و القناطر.

الثاني: أن يخرج مال المسابقة أحد المتسابقين بأن يقول لصاحبه:

أيّنا سبق فله عشرة، إن سبقت أنت فلك عشرة، و إن سبقت أنا فلا شيء عليك.

و هو جائز عند علمائنا - و به قال الشافعي(٣) - لأنّ النبي صلّى اللّه عليه و اله مرّ٧.

١- الاستذكار ٢٠٤٧٠/٣١١:١٤، الحاوي الكبير ١٨٩:١٥، حلية العلماء ٥: ٤٦٩، البيان ٣٦٨:٧، العزيز شرح الوجيز ١٨٢:١٢، المغني ١٣١:١١، الشرح الكبير ١٣٦:١١.

٢- في الطبعة الحجريّة: «سبق» بدل «ثبت».

٣- المهذّب - للشيرازي - ٤٢٣:١، الوسيط ١٧٩:٧، التهذيب - للبغوي - ٨: ٧٨، البيان ٣٦٨:٧، العزيز شرح الوجيز ١٨٢:١٢، روضة الطالبين ٥٣٦:٧، الاستذكار ٢٠٤٧٦/٣١٢:١٤ و ٢٠٤٧٧.

١٨

بحزبين من الأنصار يتناضلون و قد سبق أحدهما الآخر، فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله:

«أنا مع الحزب الذي فيه ابن الأدرع»(١) فأقرّهما على ذلك، و لأصالة الجواز، و لانتفاء المانع منه، فإنّه لا مانع من أن يخرج أحد المتسابقين المال دون الآخر، و يشترطا إن سبق مخرج المال أحرز مال نفسه، و لا شيء على المسبوق، و إن سبق الآخر أخذ مال المخرج؛ لأنّه يصير غير المخرج منهما محلّلا، فخرج به عن سلك القمار.

و قال مالك: لا يجوز؛ لأنّه قمار(٢).

و هو غلط؛ لأنّ القمار لا يخلو كلّ واحد منهما أن يغنم أو يغرم، فهو متردّد بينهما، و هنا لا خطر على أحدهما، و ليس أحدهما متردّدا بين أن يغنم أو يغرم، أمّا المخرج فإنّه متردّد بين أن يغرم و بين أن لا يغرم، و أمّا الآخر فمتردّد بين أن يغنم و بين أن لا يغنم، و لا يغرم بحال.

الثالث: أن يخرج السّبق المتسابقان معا بأن يخرج كلّ واحد منهما - مثلا - عشرة، و يأخذ المالين معا السابق منهما.

و هو جائز مطلقا عندنا؛ للأصل.

و قال الشافعي: لا يجوز إلاّ بالمحلّل(٣) ، و معناه أن يكون معهما ثالث٧.

١- كما في الخلاف - للشيخ الطوسي - ١٠٣:٦-١٠٤، المسألة ٦، و البيان ٧: ٣٦٨، و العزيز شرح الوجيز ٢٠٥:١٢.

٢- التهذيب - للبغوي - ٧٨:٨، البيان ٣٦٨:٧، العزيز شرح الوجيز ١٨٢:١٢، المغني ١٣١:١١، الشرح الكبير ١٣٦:١١.

٣- الأم ٢٣٠:٤، مختصر المزني: ٢٨٧، الحاوي الكبير ١٩٢:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٢:١، نهاية المطلب ٢٣٦:١٨، الوسيط ١٧٨:٧، الوجيز ٢: ٢١٨، حلية العلماء ٤٧٠:٥، التهذيب - للبغوي - ٧٩:٨، البيان ٣٦٨:٧ - ٣٦٩، العزيز شرح الوجيز ١٨٢:١٢-١٨٣، روضة الطالبين ٥٣٦:٧.

١٩

في السباق إن سبق أخذ السبقين معا، و إن سبق لم يغرم؛ لما رواه العامّة عن النبي صلّى اللّه عليه و اله أنّه قال: «من أدخل فرسا بين فرسين و قد أمن أن يسبق فهو قمار، و إن لم يأمن أن يسبق فليس بقمار»(١).

وجه الدلالة: أنّه إذا علم أنّ الثالث لا يسبق فهو قمار، و إذا لم يكن معهما الثالث فهو أولى بأن يكون قمارا، و الدلالة من أوّل الخبر، و هو أنّهما لو تسابقا و أدخلا بينهما ثالثا قد أيس أن يسبق لضعف فرسه و قوّة الآخرين فهو قمار؛ لأنّه قد علم و عرف أنّه لا يسبق و لا يأخذ شيئا، فإذا لم يجز هذا و معهما ثالث قد أيس أن يسبق فبأن لا يجوز إذا لم يكن معهما ثالث بحال أولى؛ لأنّه عليه السّلام قد جعله قمارا إذا أيس أن يسبق؛ لأنّه لا يخلو كلّ واحد منهما أن يغنم أو يغرم، فإذا لم يكن معهما ثالث كان أولى بذلك.

و أمّا إذا كان بينهما محلّل - و هو أن يكون معهما ثالث إن سبق أخذ السبقين، و إن سبق لم يغرم - جاز، و به قال الشافعي(٢).

و الأصل فيه أنّ إباحة السبق معتبرة بما خرج عن معنى القمار، و القمار هو الذي لا يخلو الداخل فيه من أن يكون غانما إن أخذ أو غارما إن أعطى، فإذا لم يدخل بينهما محلّل كانت هذه حالهما، و كان قمارا، و إذا دخل بينهما محلّل غير مخرج، يأخذ إن سبق، و لا يعطي إن سبق، خرج من معنى القمار، فحلّ.٧.

١- سنن أبي داود ٢٥٧٩/٣٠:٣، سنن ابن ماجة ٢٨٧٦/٩٦٠:٢، السنن الكبرى - للبيهقي - ٢٠:١٠، المستدرك - للحاكم - ١١٤:٢.

٢- الحاوي الكبير ١٩٢:١٥، المهذّب - للشيرازي - ٤٢٢:١، نهاية المطلب ١٨: ٢٣٦، الوجيز ٢١٨:٢، حلية العلماء ٤٧٠:٥، التهذيب - للبغوي - ٧٩:٨، البيان ٣٦٨:٧-٣٦٩، العزيز شرح الوجيز ١٨٣:١٢، روضة الطالبين ٥٣٦:٧.

٢٠