آية الله السيّد جعفر بحر العلوم
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مركز تراث السيد بحر العلوم قدّس سرّه
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٢
الحديث الرابع عشر
تعظيم العلماء
[٨٠] ـ قال رحمهالله : فصل : وروينا بالإسناد السابق ، عن الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان ، عن الشيخ الصدوق محمّد بن علي بن بابویه رحمهالله ، عن علي بن أحمد بن موسی الدقّاق رضياللهعنه ، قال : حدّثنا محمّد بن جعفر الكوفي الأسدي ، قال : حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدّثنا عبد الله بن أحمد [الدقّاق] (١) ، قال : حدّثنا إسماعيل بن الفضل ، عن ثابت بن دينار الثمالي ، عن سيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهمالسلام قال : «حقّ سائسك بالعلم : التعظيم له ، والتوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه ، والإقبال إليه ، وأن لا ترفع عليه صوتك ، ولا تجيب أحداً يسأله عن شيء ، حَتَّى يكون هو الَّذي يجيب ، ولا تحدِّث في مجلسه أحداً ، ولا تغتاب عنده أحداً ، وأن تدفع عنه إذا ذُكر عندك بسوء ، وأن تستر عيوبه ، وتُظهر مناقبه ، ولا تُجالس له عدواً ، ولا تُعادي له ولياً.
فإذا فعلت ذلك ، شهد لك ملائكة الله بأنَّك قصدته وتعلَّمت علمه لله جلَّ اسمه ، لا للناس. وحقّ رعيتك بالعلم أن تعلم أن الله عزَّ وجلَّ إنَّما جعلك قيّماً لهم فيما أتاك من العلم ، وفتح لك من خزائنه. فإنْ أحسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم ، ولم تضجر عليهم ، زادك الله عزَّ وجلَّ من فضله. وإن أنت منعت الناس علمك ، أو خرقت عند طلبهم منك ، كان حقّاً على الله عزَّ وجلَّ أن يسلبك العلم وبهاءه ، ويسقط من القلوب محلَّك» (٢).
أقول : واستيعاب المرام في موضعين :
__________________
(١) ما بين المعقوفين من المصدر.
(٢) معالم الدين : ١٦ ، الخصال ٥٦٧.
الموضع الأول
في رجال السند :
[ترجمة علي بن أحمد الدقاق]
علي بن أحمد بن موسى ، ويقال له : الدقّاق ، وروى الصدوق رحمهالله عنه مترضياً عليه ، ولعله من مشايخه (١).
[ترجمة محمّد بن جعفر]
وأمّا محمّد بن جعفر ، فهو : محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي ، أبو الحسين الكوفي ، ساكن الريّ ، يقال له : محمّد بن أبي عبد الله.
قال النجاشي : (كان ثقة ، صحيح الحديث ، إلا أنّه روي عن الضعفاء ، وكان يقول بالجبر والتشبيه ، وكان أبوه وجهاً) ، انتهى (٢).
ولذا توقف العلّامة في روايته (٣) ، والأقوى عندي أنه ثقة لا غميزة فيه ، وفاقاً لجملة من أفاضل أصحاب الرجال كصاحب (الحاوي) ، و (المشتركات) ، و (الوجيزة) ، و (الدراية) (٤) ، ويدلّ على وثاقته ما ذكره الصدوق رحمهالله في حقّه أنه من وكلاء الصاحب عليهالسلام الَّذين رأوه ووقفوا على معجزاته (٥).
__________________
(١) نقد الرجال ٣ : ٢٢٩ رقم ٣٥٠ / ٣٣ ، جامع الرواة ١ : ٥٥٤.
(٢) رجال النجاشي : ٣٧٣ رقم ١٠٢٠.
(٣) خلاصة الأقوال : ٢٦٥ رقم ١٤٥.
(٤) حاوي الأقوال ٢ : ٢٠٧ رقم ٥٥٧ ، هداية المحدثين : ٢٣١ ، الوجيزة في علم الرجال : ١٥٤ رقم ١٦١٨.
(٥) كمال الدين : ٤٤٢ ح ١٦.
وأمّا الشيخ رحمهالله : فقد بجّله وترحّم عليه ، وقال : إنه مات على العدالة ، ولم يُطعن عليه (١) ، نعم ، ذكر أن له كتاباً في الرد على أهل الاستطاعة (٢) وهو لا يستلزم کونه جبرياً ؛ لإمكان كونه قائلاً بالحق من أنه : «لا جبر ولا تفويض» ، ولو كان فاسد المذهب كيف يعتمد الصاحب عليهالسلام عليه ويجعله بواباً ؛ ولذا قال صاحب (البُلغة) : (والحق أنه غير ثابت ، وقد حقَّقنا ذلك في المعراج) (٣).
[ترجمة محمّد بن إسماعيل]
وأمّا محمّد بن إسماعيل ، فهو : محمّد بن إسماعيل بن أحمد بن بشیر البرمكي المعروف بصاحب الصومعة ، أبو عبد الله ، سكن قم ، وليس أصله منها. ووثّقه النجاشي في (الفهرست) ، والعلّامة في (الخلاصة) والمجلسي في (الوجيزة) والماحوزي في (البُلغة) وصاحب (المشتركات) (٤) ، فلا عبرة بما عن الغضائري : (أنه ضعيف) (٥).
[ترجمة عبد الله بن أحمد]
وأمّا عبد الله بن أحمد : فمشترك بين الثقة وغيره ، وما وجدت له مميِّزاً فهو من المجاهيل (٦).
__________________
(١) الغيبة للطوسي : ٤١٦.
(٢) الفهرست للطوسي : ٢٢٩ رقم ٦٦٠ / ٧٥.
(٣) بلغة المحدثین : ٤٠٥.
(٤) رجال النجاشي : ٣٤١ رقم ٩١٥ ، خلاصة الأقوال : ٢٥٧ رقم ٨٩ ، الوجيزة في الرجال : ١٥١ رقم ١٥٩٤ ، بلغة المحدثین : ٤٠٤ ، هداية المحدثین : ٢٢٨.
(٥) رجال ابن الغضائری : ٩٧ رقم ١٤٦ / ٣١.
(٦) هداية المحدثین : ٢٠١.
قال الشيخ عبد اللطيف المجامعي في رجاله : (عبد الله بن أحمد الرازي في طريق الفقيه مجهول) (١).
[ترجمة إسماعيل الهاشمي]
وأمّا إسماعيل ، فهو : اين الفضل بن يعقوب بن الفضل بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي ، من أصحاب أبي جعفر الباقر عليهالسلام ، ثقة من أهل البصرة ، رُوي أن الصادق عليهالسلام قال : «هو کهل من کهولنا ، وسيِّد من ساداتنا» ، وكفاه بهذا شرفاً ، مع صحَّة الرواية ، كذا ذكره في (الخلاصة) (٢).
أقول : وظاهر الرواية ، وصريح الشيخ رحمهالله أنه من أصحاب الصادق عليهالسلام أيضاً (٣) ، بل يظهر من ترجمة ابن أخيه الحسين بن محمّد روايته عن الكاظم عليهالسلام أيضاً (٤) ؛ ولذا صرّح بوثاقته المجلسي في (الوجيزة) ، والمحقِّق الماحوزي في (البُلغة) (٥).
وأمّا ثابت ، فهو : ابن دينار ، يُکنّی دينار ، وأبا صفية ، وكنيته : ثابت ، أبو حمزة الثمالي (٦) ، وقد تقدّم ذكره.
__________________
(١) الكتاب مخطوط وهو من نسخ مكتبة المؤلف رحمهالله ، لم أقف عليه. (ينظر : الذريعة ١٠ : ١٢٨ رقم ٢٥٣).
(٢) خلاصة الأقوال : ٥٣ رقم ١.
(٣) رجال الطوسي : ١٥٩ رقم ٨٨ / ١٧٨٤.
(٤) رجال النجاشي : ٥٦ رقم ١٣١.
(٥) الوجيزة في الرجال : ٣٢ رقم ٢١٢ ، بلغة المحدثين : ٣٣٣.
(٦) رجال الطوسي : ١١٠ رقم ١٠٨٣ / ٣.
الموضع الثاني
في شرح ما يتعلق بمتن الحديث :
[أ] ـ «حق سائسك بالعلم» : أي مالك أمرك في التعليم ، من سستُ الرعيّةَ سياسةً (١) ، أي : ملكت اُمورها.
[ب] ـ «التعظيم له» : عند طلب العلم منه ، والتواضع إليه ، والمذلَّة له ، وترك العلو عليه ، كما قال الصادق عليهالسلام : «وتواضعوا لمن تعلّمونه العلم ، وتواضعوا المن طلبتم منه العلم ، ولا تكونوا علماء جبَّارين» (٢).
وقال عليهالسلام أيضاً : «كان أمير المؤمنين عليهالسلام يقول : يا طالب العلم إن العلم ذو فضائل كثيرة : فرأسه التواضع» (٣).
قيل : (إن زید بن ثابت ركب ، فأخذ عبد الله بن عبّاس بركابه فقال : لا تفعل يابن عم رسول الله صلىاللهعليهوآله.
فقال : هكذا اُمرنا أن نفعل بعلمائنا.
فقال له زيد : أرني يدك ، فأخرج إليه يده ، فأخذها فقبَّلها ، وقال : هكذا اُمرنا أن نفعل بأهل بيت نبيِّنا) (٤).
ومن طرق العامَّة : «ليس من أخلاق المؤمن التملُّق ، [ولا الحسد] (٥) ، إلا في طلب العلم» (٦) ، فلا ينبغي لطالب العلم أن يتكبّر على المعلّم.
__________________
(١) الصحاح ٣ : ٩٣٨.
(٢) الكافي ١ : ٣٦ ح ١.
(٣) الکافي ١ : ٤٨ ح ٢.
(٤) تاريخ دمشق ١٩ : ٣٢٦ ، کنز العمال ١٣ : ٣٩٦.
(٥) ما بين المعقوفين من المصدر.
(٦) کنز العمال ٣ : ٤٥٥.
وقيل : (أربعة لا ينبغي للشريف أن يأنف منها ، وإن كان أميراً : قيامه من مجلسه لأبيه ، وخدمته لضيفه ، وخدمته للعالم الَّذي يتعلَّم منه ، والسؤال عمّا لا يعلم ممَّن هو أعلم منه) ، انتهى (١).
ومن تكبُّره على المعلّم أن يستنكف من الاستفادة إلا من الأكابر المشهورين ، وهو عين الحماقة ، فإن الحكمة ضالة المؤمن يغتنمها حيث يظفر بها ، ويتقلد المنّة لمن ساقها إليه كائناً من كان ، فلا يُنال العلم إلا بالتواضع ، بل من الأدب تعظيم جميع الخلق ، وإن نبا عنه القلب وازدرته العين ، فإن كلّ أحد من المسلمين كائناً من كان لا يخلو من فضل الله ، فكن لربِّك عبداً ولإخوانك
خادماً ، واعلم أنه ما من أحد من المسلمين إلا وله مع الله سر ، فاحفظ مرتبة ذلك ، كما قيل : (درهيچ سري نيست که سرّي زخدا نيست).
[ج] ـ «وحسن الاستماع إليه» : بإلقاء السمع ، وتوجيه الحاسة نحو تقریره ، والإصغاء إلى كلماته بحيث يكون كلّه سمعاً ، قال الله تعالى : إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٢).
قيل : ومن حسن الاستماع إمهال المتكلّم حَتَّى يفضي حديثه ، وقلة التلفت إلى الجوانب ، والإقبال بالوجه ، والنظر إليه حين الكلام ، قال الله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوآله : وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ (٣) ، وقال : لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (٤) ، هذا تعليم من الله تعالی لرسوله حسن الاستماع.
__________________
(١) تفسير الرازي ٢ : ١٨٥.
(٢) سورة ق : آية ٣٧.
(٣) سورة طه : من آية ١١٤.
(٤) سورة القيامة : ١٦.
قال أبو الليث ـ من رجال العامَّة ـ : (من جلس عند العالم ولا يقدر أن يحفظ من ذلك العلم شيئاً ، فله سبع كرامات : ينال فضل المتعلّمين ، وكان محبوساً من الذنوب ما دام جالساً عنده ، وإذا خرج من منزله طلباً للعلم نزلت الرحمة عليه ، وإذا جلس في حلقة العلم فنزلت الرحمة عليهم حصل له نصيب ، وما دام يكون في الاستماع يُكتب له طاعة ، وإذا استمع ولم يفهم ضاق قلبه وانكسر فيكون في زمرة : «أنا عند المنكسرة قلوبهم لأجلي» ، وإذا رأي إعزاز المسلمين للعالم وإذلالهم للفاسق نفر عن الفسق ومال إلى طلب العلم) (١).
وقالت الحكماء : (رأس الأدب كلّه حسن الفهم والتفهُّم ، والإصغاء للمتكلّم) (٢).
وقال بعض الحكماء لابنه : (يا بني ، تعلّم حسن الاستماع كما تتعلَّم حسن الحديث ، وليعلم الناس أنك أحرص على أن تَسمع منك على أن تقول قالوا ، ومن حسن الأدب أن لا تغالب أحداً على كلامه ، وإذا سأل غيرك فلا تجب عنه ، وإذا حدّث بحديث فلا تنازعه إياه ، ولا تقتحم عليه ، ولا تُرِهِ أنَّك تعلمه ، وإذا كلّمت صاحبك فأخذته حجَّتُكَ ، فحسَن مخرج ذلك إليه ، ولا تُظهر الظفر به ، وتعلّم حسن الاستماع كما تتعلَّم حسن الكلام) (٣).
[د] ـ «والإقبال إليه» : بأن يستقبل كلّما اُلقي إليه بحسن الإصغاء والضراعة ، والشكر والفرح وقبول المنّة.
__________________
(١) تفسير الرازي ٢ : ١٨٣.
(٢) شرح رسالة الحقوق : ١٠٩ دون ذكر المصدر.
(٣) لم أهتد إلى مصدر هذا القول.
وبعبارة أخرى ، فليكن المتعلّمُ لمُعلّمهِ كأرض دَمِنَة نالت مطراً غزيراً ، فتشربت جميع أجزائها ، وأذعنت بالكلّية لقبوله ، ومهما أشار عليه المعلّم بطریق في التعلُّم فليُقلدْهُ وليَدَعْ رأيه ، فإن خطأ مرشده أنفع له من صوابه في نفسه.
قال الخضر عليهالسلام لموسى عليهالسلام : إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (١) ، ثُمَّ شرط عليه السكوت والتسليم ، ومع ذلك لم يصبر ولم يزل في مراددته إلى أن فارقه.
[هـ] ـ «وأن لا ترفع عليه صوتك» : المنع من رفع الصوت لا يكون إلا للاحترام وإظهار الاحتشام ، ومن بلغ احترامه إلى حيث تنخفض الأصوات منه ، من هيبته وعلو مرتبته لا يكثر عنده الكلام ، ولا يرجع المتكلّم معه إلّا في الخطاب الليّن القريب من الهمس ، كما هو الدأب عند مخاطبة المهيب المعظَّم محاماةً على الترحيب ، ومراعاةً إلى احترام من يجب احترامه في نظر العرف ، ولا سيَّما معاداة أحباء الشخص والتحبُّب إلى أعدائه ، فإنه تذليل له وتحطيط لشأنه البتة.
[و] ـ «ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم» : الخرق بالتحريك : الدهش من الخوف أو الحياء ، أو أن يتهيَّب فاتحاً عينيه بنظر ، وقد خَرِق ـ بالكسر ـ وأخرقته أنا ، أي : أدهشته (٢).
والهاء للتعدية ، أي : ولم تدهشهم من تخويف ونحوه.
__________________
(١) سورة الكهف : آية ٦٧ ـ ٦٩.
(٢) الخرق : هو التحير والدهش ، ويقال : خرق الغزال إذا طاف به الصائد فدهش ولصق بالأرض. (ينظر : معجم مقاييس اللُّغة ٢ : ١٧٢ ، مادة (خ. ر. ق)).
و (ضجر منه وبه إذا تبرّم وانقلق من الغمّ (١) ، وقد ضمن معنى الغضب ونحوه فعدّاه بـ(على).
وعن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنه قال : «ما كان الرفق في شيء قطّ إلّا زانه ، ولا كان الخرق في شيء قط إلّا شأنه» (٢).
وفي (تحف العقول) : عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنه قال لولده الحسين عليهالسلام : «يا بنيّ ، رأس العلم الرفق ، وآفته الخرق» (٣).
وعنه عليهالسلام قال : «الخرق شين الخُلق».
وقال عليهالسلام : «الخرق شرّ خُلق».
وقال عليهالسلام : «من كثر خرقه استُرذل».
وقال عليهالسلام : «الخرق مناواة الأمراء ، ومعاداة من يقدر على الضراء».
وقال عليهالسلام : «أقبح شيء الخرق».
وقال عليهالسلام : «بئس الشيمة الخرق».
وقال عليهالسلام : «رأس الجهل الخرق» (٤).
وروي : (أنَّ رجلاً من بني إسرائيل كان منهمكاً في المعاصي ، وسائراً في الغيّ والجهالة ، أتى في بعض أسفاره على بئر ، فإذا كلب قَدْ لهث من العطش ، فرقّ له فأخذ العمامة من رأسه وشدّ بخفه واستسقي الماء وأروى الكلب ، فأوحى الله إلى
__________________
(١) والضجر : القلق من الغم ، وتضجر ، تبرّم. (ينظر : لسان العرب ٤ : ٤٨١ ، مادة (ض. ج. ر)).
(٢) تحف العقول : ٤٧.
(٣) تحف العقول : ٨٩.
(٤) أورد هذه الأحاديث تباعاً العلّامة النوري في مستدرك الوسائل ١٢ : ٧٢ رقم ١٣٥٤٢ ـ ١٣٥٤٤ في باب كراهة الخرق.
نبي ذلك الزَّمان : إني قَدْ شكرت له سعيه ، وغفرت له ذنبه ؛ لشفقته على خلقٍ من خلقي.
فسمع ذلك ، فتاب من المعاصي ، وصار ذلك سبباً لتوبته ، وخلاصه من العقاب) (١).
وفي بعض الأخبار : «ومن علامة الإيمان الشفقة على خلق الله».
وبالجملة ينبغي للمعلّم الشفقة على المتعلّمين بأن يجريهم مجری ولده وبنيه ، بأن يقصد إنقاذهم من نار الآخرة ، وأن يزجرهم عن سوء الخُلُق ، فليكن ذلك منه بطريق التعريض مهما أمكن لا بالتصريح ، وبطریق الرحمة لا بطريق التوبيخ ، فإنَّ التصريح بهتك حجاب الهيبة يورث التجرِّي على المخالفة كما قيل : لو مُنع الناس عن فت البعرة لفتوه ، وقالوا : ما نهينا عنه إلّا وفيه شيء.
وفي (تحف العقول) في مواعظ السجاد عليهالسلام ، قال في رسالته المعروفة برسالة الحقوق : «وأمّا حق سائسك بالعلم والتعظيم له ، والتوقير لمجلسه وحسن الاستماع إليه ، والإقبال عليه ، والمعونة له على نفسك فيما لا غنى بك من العلم : بأن تفرغ له عقلك ، وتحضره فهمك ، [وتكّي له قلبك] ، وتجلّي له بصرك بترك اللَّذات ونقص الشهوات ، وأن تعلم أنك فيما ألقى إليك رسوله إلى من لقيك من أهل الجهل ، فلزمك حسن التأدية عنه [إليهم] ، ولا تخنه في تأدية رسالته ، والقيام بها عنه إذا تقلَّدتها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله» (٢).
__________________
(١) كتاب الموطأ ٢ : ٩٢٩ ح ٢٣ ، المجموع ٦ : ٢٤٠.
(٢) تحف العقول : ٢٦٠ ، وما بين المعقوفين من المصدر.
وفي (إرشاد القلوب) : عن أمير المؤمنين عليهالسلام عن النبي صلىاللهعليهوآله في حديث المعراج ، إلى أن قال : «قال الله تبارك وتعالى : يا أحمدُ ، إنّ عيب أهل الدنيا كثير ، فيهم الجهل والحمق ، لا يتواضعون لمن يتعلّمون منه ...» (١).
تنبيه : لا فرق في وجوب تعظيم العالم بين كونه حيّاً أو ميِّتاً بعد أن كان داخلاً تحت عنوان تعظيم شعائر الله ؛ ولذا فإن الفقهاء استثنوا من كراهة تجدید القبر بعد اندراسه أو البناء عليه قبور الأنبياء والأوصياء والصلحاء والعلماء ، وكذلك اتّخاذ المقبرة مسجداً.
وأمّا ما ورد من طرق العامَّة من أن النبي صلىاللهعليهوآله قال : «لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (٢) ، فالمراد جعلها قبلة يُسجد إليها كالوثن ، وأمّا من اتَّخذ مسجداً في جوار صالح ، أو صلَّى في مقبرة من غير قصد التوجُّه نحوه فلا حرج فيه ، صرّح بذلك الإمام أبو الحسن الحنفي في حواشيه على سنن الإمام النسائي (٣).
كما لا فرق أيضاً في وجوب تعظيمه على الناس بين سائر طبقاتهم حَتَّى الملوك والسلاطين ؛ ولذا ورد : (إذا رأيتم الملوك على باب العلماء فقولوا : نِعْمَ المُلوك ونِعْمَ العُلماء ، وإذا رأيتم العلماء على أبواب الملوك فقولوا : بئسَ المُلوك وبئسَ العُلماء) (٤) ، أمّا نِعْمَ الملوك ؛ فلأنَّ موقفهم ذلك كاشف عن حسن سيرتهم وخلوص سريرتهم ، ولأنَّ فيه متابعة باقي الناس لهم ورغبتهم في ذلك ، فإنَّ
__________________ـ
(١) إرشاد القلوب ١ : ٣٧٦.
(٢) مسند أحمد ١ : ٢٤٦.
(٣) لم أقف على هذه الحواشي لتخريج القول.
(٤) لم ترد هذه المقولة في حديث ، بل هي مشهورة على ألسن الناس ، وربّ مشهور لا أصل له.
الناس على دين ملوكهم ، وأمّا نِعْمَ العُلماء ؛ فلأنَّ في تركهم لباب السلطان رفعاً لمنصبهم الروحاني عن الانخفاض.
يُحکی : (أنَّ السلطان شاه عبَّاس الثاني الصفوي المتوفّى سنة (١٠٧٧ هـ) دخل مدرسة المولی ملا عبد الله التوني المتوفى سنة (١٠٧١ هـ) صاحب (الوافية في الأُصول) ـ وكان معاصراً للسيد الداماد ـ فرأى أنَّ المدرسة خالية من طلبة العلوم ، فسأل من المولى عبد الله السبب في ذلك فقال له : إنّي اُجيب حضرة السلطان بعد أيام ، فلمَّا كان بعد أيام ، حضر المولى مجلس السلطان ، فأكرم قدومه ، وقال له : اطلب منّي ما يهمّك؟ فقال المولى : ما يهمني شيء. فأصرّ عليه السلطان ، فقال له : لي إليك حاجة واحدة وهي أني أركب فرس السلطان ، والسلطان يمشي قدَّامی راجلاً حَتَّى يجتاز الميدان الفلاني.
فسأله السلطان عن الحكمة والغرض من ذلك ، فقال المولى : اُبيّن لك ذلك بعد أيام ، ففعل السلطان ما سأله ، وبعد أيام عاود السلطان إلى المدرسة ، فرآها مملوءة من الطلاب مشحونة بالتلاميذ وهي مجدّة في التحصيل غاية الجدّ ، فسأل السلطان عن السبب في تغيير الحالة؟ فقال المولى : السبب فيما يراه حضرة السلطان وما طلبته منه ، إنَّ الناس ما كانوا عارفين قدر العلم ، وفضيلة العلماء حَتَّى إذا رأو بعيونهم من فعل السلطان مع العالم ، ومشيه قدّامه راجلاً وهو راكب ، فعلموا من ذلك أن مرتبة العالم في الدنيا أعلى من مرتبة السلطان ، فطلباً لهذه المرتبة ، وطمعاً في الجاه والجلال ، وجمع المال السريع الزوال ، اجتمعوا في المدرسة وجدّوا في تحصيل العلم ، وإذا تمّ لهم ذلك ، وبلغوا بعض المراتب العلمية ، تتبدَّل نياتهم وتصلح سرائرهم وتحصل لهم
القربة في سائر العبادات ، كما ورد في الخبر : اطلبوا العلم ولو لغير الله ، فإنه ينجرّ إلى الله) ، انتهت الحكاية (١).
ويؤيده ما رُوي عن طريق العامَّة ، عن النبي صلىاللهعليهوآله : «من طلب العلم لغير الله لم يخرج من الدنيا حَتَّى يأتي عليه العلم [فيكون لله]» (٢).
وقال في (شرح نهج البلاغة) : (الزهد هو الإعراض عن غير الله. وقد يكون ظاهراً ، وقد يكون باطناً ، إن المنتفع به هو الباطن ، قال صلىاللهعليهوآله : إن الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم ، وإنَّما ينظر إلى قلوبكم ونيَّاتكم ، نعم ، وإنْ كان لا بدّ من الزهد الظاهري أولاً ؛ إذ الزهد الحقيقي مبدأ السلوك لا يتحقق ، والسبب فيه أن اللّذات البدنية حاضرة ، والغاية العقلية التي يطلبها الزاهد الحقيقي غير متصورة له في مبدأ الأمر ، وأمّا الظاهري فهو ممكن متيسّر لمن قصده ؛ لتيسّر غایته وهي الرياء والسمعة ؛ ولذلك قال صلىاللهعليهوآله : «الرياء قنطرة الإخلاص») ، انتهى (٣).
__________________
(١) الوافية : ١٦ مقدمة المحقق ، عن قصص العلماء للتنكابني.
(٢) تفسير الرازي ٢ : ١٨٠ ، وما بين المعقوفين من المصدر.
(٣) شرح مئة كلمة لأمير المؤمنين عليهالسلام للبحرانی : ٣٦ باختلاف يسیر.
الحديث الخامس عشر
عدم إكثار السؤال على العالم
[٨١] ـ قال رحمهالله : وبالإسناد عن المفيد ، عن أحمد بن محمّد بن سليمان الرازي ، قال : حدّثنا مؤدبي علي بن الحسين السعد آبادي ، عن أبي الحسن القمّي ، قال : حدّثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن سليمان بن جعفر الجعفري ، عن رجل ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : «كان علي عليهالسلام ، يقول : إنَّ من حقّ العالم أن لا تكثر عليه السؤال ولا تأخذ بثوبه. وإذا دخلت عليه وعنده قوم ، فسلّم عليهم جميعاً ، وخصّه بالتحيَّة دونهم ، واجلس بين يديه ، ولا تجلس خلفه ، ولا تغمز بعينيك ، [ولا تشر بيدك] ، ولا تكثر من القول : قال فلان وقال فلان ، خلافاً لقوله ، ولا تضجر بطول صحبته ، فإنما مثل العالم مثل النخلة ، تنتظرها حَتَّى يسقط عليك منها شيء ، والعالم أعظم أجراً من الصائم القائم ، الغازي في سبيل الله. وإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء إلى يوم القيامة» (١).
أقول : واستيعاب المرام في موضعين :
الموضع الأول
في رجال السند :
[ترجمة أبي غالب الزراري]
أمّا أحمد ، فهو : ابن محمّد بن محمّد بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بکیر بن أعين بن سنسن ، أبو غالب الزراري.
__________________
(١) معالم الدين : ١٧ ، المحاسن ١ : ٢٣٣ ح ١٨٥ ، الکافي ١ : ٣٧.
قال النجاشي : (وكان أبو غالب شيخ العصابة في زمنه ووجههم. له كتب ، حدّثنا شيخنا أبو عبد الله عنه بكتبه. ومات أبو غالب رحمهالله سنة ٣٦٨ هـ ، انقرض ولده إلا من ابنة ابنه ، وكان مولده سنة ٢٨٥ هـ) (١).
وقد صرّح بتوثيقه في جعفر بن محمّد بن مالك (٢) ، وصرّح بتوثيقه العلّامة في (الخلاصة) (٣) ، وصاحب المشتركات أيضاً (٤).
[ترجمة علي بن الحسين السعد آبادي]
وأمّا علي بن الحسين ، فهو : علي بن الحسين السعد آبادي ، وظاهر جماعة من أصحاب الرجال عدّ حديثه حسناً ، بل لا يبعد عدّ حديثه صحيحاً ؛ نظراً إلى كثرة روايته ؛ ولأنه من مشايخ الإجازة ، وجلالة شأن أبي غالب وعلو مرتبته في باب الرواية تمنع من الرواية عنه وأخذه معلّماً مؤدِّباً لو لم يكن من الثقات ، بل أجلّائهم كما هو ظاهر للماهر في الفن (٥).
وبالجملة : فإنه وإن كان مسكوتاً عنه ، ولكنَّ أجلاء المشايخ اعتمدوه وروَوا عنه ، كالكليني في العدّة ؛ إذ هو من جملة العدّة الَّذين روى ثقة الإسلام عن أحمد بن خالد بتوسُّطهم ، والصدوق علي بن الحسين ، وعلي بن إبراهيم ، ومحمّد بن موسی بن المتوكّل ، وأبو غالب الزراري الثقة.
__________________
(١) رجال النجاشي : ٨٣ رقم ٢٠١.
(٢) رجال النجاشي : ١٢٢ رقم ٣١٣.
(٣) خلاصة الأقوال : ٦٧ رقم ٢٢.
(٤) هداية المحدثین : ١٧٧.
(٥) نقل المحدث الأرموی رحمهالله هذا القول من الشيخ عبد الحسين الطهراني ، واستظهر أنه لشيخ العراقين شيخ اجازة الشيخ النوري رحمهالله. (ينظر : المحاسن ١ : ٧ مقدمة المحقق).
والصدوق إذا ذكره ترضّى عنه ، مع أنه شيخ إجازته ، ولم يرو إلا عن أحمد بن محمّد البرقي ، ويؤكّد توثيقه ، بل يدل عليه كثرة رواية جعفر بن قولویه عنه في كتاب (کامل الزيارة) ، وقد نصّ في أوله أن لا يروي فيه إلا عن الثقات من أصحابنا (١).
[ترجمة أحمد بن محمّد البرقي]
وأمّا أحمد ، فهو : ابن محمّد بن خالد بن عبد الرحمن بن محمّد بن علي البرقي أبو جعفر ، أصله كوفي (٢).
وثّقه الشيخ والنجاشي ، ولكن طعنوا فيه أنه كان يروي عن الضعفاء ، ويعتمد المراسيل (٣) ؛ ولذلك أبعده أحمد بن محمّد بن عيسى عن قم ، ثُمَّ ذكروا أنّه أعاده واعتذر إليه ، وأنّه لمّا مات مشى في جنازته حافياً حاسراً (٤).
وبالجملة : فهو من أجلّاء رواتنا ، وقد نقل عن جامعه الكبير المسمّى بـ(المحاسن) كلّ من تأخَّر عنه من المصنّفین.
[ترجمة محمّد بن خالد البرقي]
وأمّا أبوه محمّد : يُكنّى بأبي عبد الله ، فقد صرّح الشيخ والعلّامة بتوثيقه (٥) ، بل في (الخلاصة) تصحيح طرق الصدوق إلى جملة هو فيها (٦) ؛ ولأنه روي عن جعفر بن بشير الَّذي قالوا فيه : (روى عنه الثقات).
__________________
(١) کامل الزيارات : ٣٧.
(٢) رجال النجاشي : ٧٦ رقم ١٨٢.
(٣) الفهرست : ٦٢ رقم ٦٤ / ٢ ، رجال النجاشي : ٧٦ رقم ١٨٢.
(٤) رجال ابن الغضائري : ٣٩ رقم ١٠ / ١٠ ، خلاصة الأقوال : ٦٣ رقم ٧.
(٥) رجال الطوسي : ٣٦٣ رقم ٥٣٩١ / ٤ ، خلاصة الأقوال : ٢٣٧ رقم ١٥.
(٦) خلاصة الأقوال : ٤٤٠ ضمن الفائدة الثامنة.
وقول النجاشي : (وكان محمّد ضعيفاً في الحديث ، وكان أديباً ، حسن المعرفة الأخبار وعلوم العرب) (١) ، لا يدل على ضعفه في نفسه ؛ ولذا قدّم العلّامة وجملة من المحقِّقين توثيق الشيخ عليه مع بنائهم على تقديم قول الجارح خصوصاً إذا كان مثل النجاشي ، وهو اسطوانة أهل هذا الفن ولا مجال لردّ كلامه ، فالمراد من كونه ضعيفاً في الحديث أنه : يروي عن الضعفاء وتقدّم في الحديث الخامس أيضاً.
[ترجمة سليمان بن جعفرالجعفري]
وأمّا سلیمان بن جعفر الجعفري ، (فهو : من أولاد جعفر الطيَّار رضياللهعنه ، ثقة ، من أصحاب الكاظم والرضا عليهماالسلام) (٢).
[فائدة رجالية]
فائدة جليلة من رجال الشيخ : إذا قيل في الحديث : عن رجل ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، فهو إمّا : ابن أبي محمّد بن أبي حمزة التيملي ، الفاضل الثقة ، وهو الَّذي روى الحديث المتضمِّن لكثرة السهو عنه في الفقيه.
أو : محمّد بن أبي حمزة الثمالي الممدوح ، وهو الَّذي يروي عنه ابن أبي عمير.
أو : محمّد بن حسَّان.
وإمّا : ثعلبة بن میمون أبو إسحاق الفقيه النحوي.
__________________
(١) رجال النجاشي : ٣٣٥ رقم ٨٩٨.
(٢) رجال النجاشي : ١٨٢ رقم ٤٨٣.
وإذا قيل : عن رجل ، عن جعفي (١) ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، فهو : عجلان صالح الثقة ، الَّذي قال له أبو عبد الله عليهالسلام : «يا أبا صالح ، كأنَّي أنظر إليك وإلى جنبي الناس يعرضون عليّ» (٢).
فلا إشكال في السند من جهة الرجل ، نعم ، الحديث معلّق في الاصطلاح ؛ لسقوط رجال السند من أوله (٣).
الموضع الثاني
في شرح ما يتعلَّق بالمتن :
[أ] ـ «من حق العالم أن لا تكثر عليه السؤال» : لمّا كان العالم أباً روحانياً لك ، وله عليك حقٌّ التربية ، وحقٌّ التعلُّم والتقدُّم ، وجب عليك توقيره وتعظيمه ، ورعاية الأدب معه ، ومع ذلك أن لا تكثر السؤال منه ، فإن ذلك قَدْ يؤذيه ويؤلمه ، إلّا مع إحراز رضائه بذلك.
[ب] ـ «ولا تأخذ بثوبه» : كناية عن الإلحاح في الطلب ، فإن ذلك أيضاً استخفاف به.
استحباب السلام في الشرع
[ج] ـ «فسلِّم عليهم جميعاً وخصّه بالتحيَّة دونهم» : بأن تخاطبه وتقول : السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا فلان ، وتُسمِّيه بأشرف أسمائه ، وتصبر حَتَّی
__________________
(١) كذا ، والظاهر عن المفضل بن عمر الجعفي كما في بعض الأسانيد.
(٢) الحديث ورد في اختيار معرفة الرجال ٢ : ٧١٠ ح ٧٧٢.
(٣) هذه الفائدة صرّح المؤلف رحمهالله بنقلها من رجال الشيخ ، ولكني وبحسب الاستقصاء لم أجد لها أثراً ولا عيان في رجال الشيخ الطوسي قدس سره ، ولا في غيره من الكتب الرجالية المعروفة المشهورة والتي يطول سردها ، فلعله رحمهالله نقلها من تعليقة على نسخة مخطوطة لرجال الشيخ كتبها بعض الرجاليين المتأخرين ، وأدرجها المؤلف رحمهالله في كتابه هذا ، وهذا ليس ببعيد ، فلاحظ.
يردَّ عليك السلام ، ثُمَّ تخاطب القوم وتقول : السلام عليكم. كما قَدْ فعل مثل ذلك بعض المتكلّمين لمّا دخل على الباقر عليهالسلام وعنده جماعة كثيرة.
أو تقول : السلام عليكم جميعاً ، والسلام عليك يا فلان ، وتقصدهم جميعاً بالسلام ، وتخصّه بالثناء والمدح بعد السلام.
مسألة : لا ريب في استحباب سلام المؤمن على المؤمن إذا دخل عليه في بيته ، أو في خارج بيته ، وأصل شرعيته واستحبابه مجمع عليه من الضروريات في دين الإسلام ، قال الله تعالى : فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّـهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً (١).
وفي (معائي الأخبار) ، عن الباقر عليهالسلام ، قال : «هو تسليم الرجل على أهل البيت حين يدخل ثُمَّ يردُّون عليه ، فهو سلامكم على أنفسكم» (٢).
وفي (المجمع) ، عن الصادق عليهالسلام مثله (٣).
وعن (تفسير القمّي) هو : (سلامكم (٤) على أهل البيت وردُّهم عليکم ، فهو سلامك على نفسك) (٥).
وعن الباقر عليهالسلام أيضاً : «إذا دخل الرجل منكم بيته ، فإن كان فيه أحد يسلّم عليهم ، وإن لم يكن فيه أحد فليقل : السلام علينا من عند ربِّنا».
يقول الله : (تحية من عند الله مباركة طيبة) (٦).
__________________
(١) سورة النور : من آیة ٦١.
(٢) معاني الأخبار : ١٦٢ ح ١.
(٣) مجمع البيان ٧ : ٢٧٤.
(٤) في الأصل : (سلامك) وما اثناء من المصدر ، وتفسیر الصافي ، ومجمع البحرين.
(٥) تفسير القمي ٢ : ١٠١.
(٦) تفسير القمي ٢ : ١٠٩.
وعن (الجوامع) : (وصفها بالبركة والطيب ؛ لأنها دعوة مؤمن [لمؤمن] (١) ، يرجى بها من الله زيادة الخير وطيب الرزق.
ومنه قوله عليهالسلام : «سلّم على أهل بيتك ، يكثر خير بيتك») (٢).
ومن كلام الحسين عليهالسلام : «البخيل من بخل بالسلام» (٣).
وقال عليهالسلام : «للسلام سبعون حسنة : تسع وستون للمبتديء ، وواحدة للراد» (٤).
ومن طرق العامة : عن أنس قال : «كنت واقفاً على رأس النبي أصبّ الماء على يديه ، فرفع رأسه وقال : «ألا اُعلّمك ثلاث خصال يُنتفع بها؟»
قلت : بلى بأبي واُمِّي يا رسول الله.
قال : «متی لقيت من اُمَّتي أحداً فسلِّم عليه يطل عمرك ، وإذا دخلت بيتك فسلِّم عليهم يكثر خير بيتك ... الخبر»» (٥) ، بل التحيَّة كانت شائعة بين الناس في زمن الجاهلية ولكن لا بصيغة السلام.
قال في (القاموس) : (ووعم الدار کوعد ، وورث (يعمّها) و (عمّا) (٦) قال لها : انعمي ، ومنه قولهم : عم صباحاً ومساء وظلاماً) ، انتهى (٧).
قال يونس : (وسئل أبو عمرو بن العلاء عن قول عنترة : وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي؟
__________________
(١) ما بين المعقوفين من المصدر.
(٢) تفسیر جوامع الجامع ٢ : ٦٣٥.
(٣) تحف العقول : ٢٤٨.
(٤) تحف العقول : ٢٤٨.
(٥) تفسير الثعلبي ٧ : ١٢٠ ، تفسير الرازي ٢٤ : ٣٨.
(٦) كذا ، ويبدو أنها (عمها) وهي غير موجودة في المصدر وكذلك (يعمها).
(٧) القاموس المحيط ٤ : ١٨٧.