أبي المؤيّد بن أحمد المكّي أخطب خوارزم [ خوارزمي ]
المحقق: الشيخ محمّد السماوي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: أنوار الهدى
المطبعة: مهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6223-01-X
الصفحات: ٣٦٠
عبد الرحمن بن أحمد ـ بقراءتي عليه ـ ، حدثنا عبد الله بن أحمد الفارسي ، حدثنا أحمد بن بديل ، حدثنا وهب بن إسماعيل ، حدثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهماالسلام ، عن جابر ، قال : كنا مع النبي صلىاللهعليهوآله ومعه الحسين بن عليّ ، فعطش فطلب له النبيّ ماء فلم يجده ، فأعطاه لسانه فمصّه حتّى روي.
٢٥ ـ وروي في «المراسيل» أن ـ شريحا ـ قال : دخلت مسجد رسول اللهصلىاللهعليهوآله فإذا الحسين بن عليّ فيه ساجد يعفر خده على التراب ، وهو يقول : «سيدي! ومولاي! المقامع لحديد خلقت أعضائي ، أم لشرب الحميم خلقت أمعائي؟ إلهي! لئن طالبتني بذنوبي لاطالبنّك بكرمك ، ولئن حبستني مع الخاطئين لأخبرنهم بحبّي لك ، سيدي! إنّ طاعتك لا تنفعك ، ومعصيتي لا تضرّك ، فهب لي ما لا ينفعك ، واغفر لي ما لا يضرّك ، فإنك أرحم الراحمين».
٢٦ ـ وقيل : تهاجر ـ الحسن والحسين ـ فأراد قوم أن يصلحوا ما بينهما فسألوا الحسين أن يبدأ بالحسن ، فقال : «إنّ أبا محمّد ـ يعني : الحسن ـ ، أكبر مني ، وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآله ما من اثنين تهاجرا ثمّ بدأ أحدهما بمصالحة الآخر إلّا كانت درجته أعلى من درجة الآخر ، وإني لا احبّ أن تكون درجتي أعلى من درجة أخي ، فأخبروا الحسن بذلك ، فقال : صدق» ، فقام إليه وبدأ بالسّلام عليه.
٢٧ ـ وقيل : سأل رجل الحسين حاجة ، فقال له : «يا هذا! سؤالك إياي يعظم لديّ ، ومعرفتي بما يجب لك يكبر عليّ ، ويدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله ، والكثير في ذات الله قليل ، وما في ملكي وفاء بشكرك ، فإن قبلت بالميسور ، دفعت عنّي مرارة الاحتيال لك ، والاهتمام بما أتكلف من واجب حقّك».
فقال الرجل : أقبل ، يا ابن رسول الله! اليسير ، وأشكر العطيّة ، وأعذر على المنع ، فدعا الحسين بوكيله ، وجعل يحاسبه على نفقاته حتى استقصاها ، ثم قال له : «هات الفاضل من الثلاثمائة ألف»؟ فأحضر خمسين ألفا ، قال : «فما فعلت الخمسمائة دينار»؟ قال : هي عندي ، قال : «أحضرها» ، قال : فدفع الدراهم والدنانير إلى الرجل ، وقال : «هات من يحمل معك هذا المال ، فأتاه بالحمالين فدفع إليهم الحسين رداءه لكراء حملهم ، حتى حملوه معه. فقال مولى له : والله ، ما بقي عندنا درهم واحد ، فقال : «لكني أرجو أن يكون لي بفعلي هذا أجر عظيم».
٢٨ ـ وقيل : خرج الحسن عليهالسلام إلى سفر فأضلّ طريقه ليلا ، فمرّ براعي غنم فنزل عنده فألطفه وبات عنده ، فلمّا أصبح دلّه على الطريق.
فقال له الحسن : «إني ماض إلى ضيعتي ، ثمّ أعود إلى المدينة» ، ووقّت له وقتا ، وقال له : تأتيني به ، فلمّا جاء الوقت شغل الحسن بشيء من اموره عن قدوم المدينة ، فجاء الراعي وكان عبدا لرجل من أهل المدينة ، فصار إلى الحسين وهو يظنه الحسن ، فقال : أنا العبد الذي بت عندي ليلة كذا ، ووعدتني أن أصير إليك في هذا الوقت ، وأراه علامات عرف الحسين أنّه الحسن ، فقال الحسين له : «لمن أنت يا غلام»؟ فقال : لفلان ، فقال : كم غنمك؟ قال : ثلاثمائة ، فأرسل إلى الرجل فرغبه حتّى باعه الغنم والعبد ، فأعتقه ووهب له الغنم مكافأة لما صنع مع أخيه ، وقال : «إن الذي بات عندك أخي ، وقد كافأتك بفعلك معه».
٢٩ ـ وقال الحسن البصري : كان الحسين بن عليّ سيدا زاهدا ورعا صالحا ناصحا حسن الخلق ، فذهب ذات يوم مع أصحابه إلى بستانه ، وكان في ذلك البستان غلام له ، اسمه «صاف» فلما قرب من البستان رأى الغلام
قاعدا يأكل خبزا ، فنظر الحسين إليه وجلس عند نخلة مستترا لا يراه ، فكان يرفع الرغيف فيرمي بنصفه إلى الكلب ويأكل نصفه الآخر ، فتعجّب الحسين من فعل الغلام ، فلما فرغ من أكله قال : الحمد لله ربّ العالمين ، اللهمّ! اغفر لي واغفر لسيدي ، وبارك له كما باركت على أبويه برحمتك يا أرحم الراحمين!.
فقام الحسين وقال : يا صافي! فقام الغلام فزعا وقال : يا سيدي! وسيد المؤمنين! إني ما رأيتك فاعف عني ، فقال الحسين : «اجعلني في حلّ يا صافي! لأني دخلت بستانك بغير إذنك» ، فقال صافي : بفضلك يا سيدي! وكرمك وسؤددك تقول هذا ، فقال الحسين : «رأيتك ترمي بنصف الرغيف للكلب ، وتأكل النصف الآخر فما معنى ذلك»؟ ، فقال الغلام : إنّ هذا الكلب ينظر إليّ حين آكل ، فاستحي منه يا سيدي! لنظره إليّ ، وهذا كلبك يحرس بستانك من الأعداء فأنا عبدك ، وهذا كلبك ، فأكلنا رزقك معا.
فبكى الحسين وقال : «أنت عتيق لله ، وقد وهبت لك ألفي دينار ، بطيبة من قلبي» ، فقال الغلام : إن اعتقتني فأنا اريد القيام ببستانك ، فقال الحسين : «إنّ الرجل إذا تكلم بكلام فينبغي أن يصدقه بالفعل ، فأنا قد قلت : دخلت بستانك بغير إذنك ، فصدقت قولي ، ووهبت البستان وما فيه لك ، غير أن أصحابي هؤلاء جاءوا لأكل الثمار والرطب ، فاجعلهم أضيافا لك ، وأكرمهم من أجلي أكرمك الله يوم القيامة ، وبارك لك في حسن خلقك وأدبك» ، فقال الغلام : إن وهبت لي بستانك ، فأنا قد سبلته لأصحابك وشيعتك.
قال الحسن : فينبغي للمؤمن أن يكون كنافلة رسول الله صلىاللهعليهوآله (١).
__________________
(١) النافلة : الذرية من الأحفاد والأسباط.
٣٠ ـ وذكر السيد أبو طالب ، بإسنادي إليه ، عن محمد بن محمد بن العبا ، عن علي بن شاكر ، عن عبد الله بن محمد الضبي ، عن يحيى بن سعيد ، عن عبد الله بن إبراهيم ، عن أبي رافع قال : كنت ألاعب الحسين عليهالسلام وهو صبي بالمداحي (١) ، فإذا أصابت مدحاتي مدحاته ، قلت : احملني ، قال لي : «ويحك ، أتركب ظهرا حمله رسول الله» فأتركه ، وإذا أصابت مدحاته مدحاتي ، قلت : لا أحملك كما لا تحملني.
قال : «أما ترضى أن تحمل بدنا حمله رسول الله»؟ قال : فأحمله.
٣١ ـ وروي : أنّ الحسين بن عليّ عليهماالسلام حجّ خمسا وعشرين حجة ماشيا ، وكان يجالس المساكين ، ويقرأ : «إن الله لا يحبّ المتكبرين» ومرّ على صبيان معهم كسرة ، فسألوه أن يأكل معهم فأكل ، ثمّ حملهم إلى منزله فأطعمهم وكساهم ، وقال : «إنهم أسخى مني ، لأنهم بذلوا جميع ما قدروا عليه ، وأنا بذلت بعض ما أقدر عليه».
٣٢ ـ وروي : أنّ أعرابيا من البادية قصد الحسين عليهالسلام فسلم عليه ، فرد عليهالسلام ، وقال : «يا أعرابي! فيم قصدتنا»؟ قال : قصدتك في دية مسلمة إلى أهلها ، قال : «أقصدت أحدا قبلي»؟ قال : عتبة بن أبي سفيان ، فأعطاني خمسين دينارا فرددتها عليه ، وقلت : لأقصدنّ من هو خير منك ، وأكرم. فقال عتبة : ومن هو خير مني وأكرم لا أمّ لك؟ فقلت : إما الحسين بن علي وإما عبد الله بن جعفر ، وقد أتيتك بدءا لتقيم بها عمود ظهري ، وتردّني إلى أهلي.
فقال الحسين : «والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، وتجلّى بالعظمة ، ما في ملك بن بنت نبيك إلّا مأتا دينار فأعطه إياها يا غلام! وإني أسألك عن
__________________
(١) المدحاة : خزفة يلعب بها الصبيان.
ثلاث خصال إن أنت أجبتني عنها أتممتها خمسمائة دينار ، وإن لم تجبني ألحقتك فيمن كان قبلي». فقال الأعرابي : أكل ذلك احتياجا إلى علمي ، أنتم أهل بيت النبوّة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة؟
فقال الحسين : «لا ، ولكن سمعت جدي رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : اعطوا المعروف بقدر المعرفة» ، فقال الأعرابي : فسل ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله.
فقال الحسين : ما أنجى من الهلكة؟ فقال : التوكل على الله ، فقال : ما أروح للمهم؟ قال : الثقة بالله ، فقال : أي شيء خير للعبد في حياته؟ قال : عقل يزينه حلم ، فقال : فإن خانه ذلك ، قال : ما يزينه سخاء وسعة ، فقال : فإن أخطأه ذلك ، قال : الموت والفناء خير له من الحياة والبقاء ، قال : فناوله الحسين خاتمه ، وقال : بعه بمائة دينار ، وناوله سيفه ، وقال : بعه بمائتي دينار ، واذهب فقد أتممت لك خمسمائة دينار ، فأنشأ الأعرابي يقول :
قلقت وما هاجني مقلق |
|
وما بي سقام ولا موبق |
ولكن طربت لآل الرسول |
|
ففاجأني الشعر والمنطق |
فأنت الهمام وبدر الظلام |
|
ومعطي الأنام إذا أملقوا |
أبوك الذي فاز بالمكرمات |
|
فقصر عن وصفه السبق |
وأنت سبقت إلى الطيبات |
|
فأنت الجواد وما تلحق |
بكم فتح الله باب الهدى |
|
وباب الضلال بكم مغلق |
وجاءت هذه الحكاية بألفاظ اخرى ، فروي : أنّ هذا الأعرابي سلّم على الحسين بن عليّ ، فسأله حاجة ، وقال : سمعت جدّك رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : «إذا سألتم حاجة فاسألوها من أحد أربعة : إما من عربي شريف ؛ أو مولى كريم ؛ أو حامل القرآن ؛ أو ذي وجه صبيح.
فأما العرب ـ فشرفت بجدّك ؛ وأما الكرم ـ فدأبكم وسيرتكم ؛ وأمّا
القرآن ـ ففي بيوتكم نزل ؛ وأما الوجه الصبيح ـ فإني سمعت جدّك رسول اللهصلىاللهعليهوآله يقول : «إذا أردتم أن تنظروا إلي فانظروا إلى الحسن والحسين».
فقال الحسين له : «ما حاجتك»؟ فكتبها على الأرض ، فقال له الحسين : «سمعت أبي عليا عليهالسلام يقول : قيمة كلّ امرئ ما يحسنه ؛ وسمعت جدي رسول اللهصلىاللهعليهوآله يقول : المعروف بقدر المعرفة ، فأسألك عن ثلاث خصال ، فإن أجبتني عن واحدة ، فكل ثلث ما عندي ؛ وإن أجبتني عن اثنتين فلك ثلثا ما عندي ؛ وإن أجبتني عن الثلاث ، فلك كلّ ما عندي ؛ وقد حملت إليّ صرة مختومة ، وأنت أولى بها».
فقال : سل ، عما بدا لك ، فإن أجبت وإلّا تعلمت منك ، فأنت من أهل العلم والشرف ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم.
فقال الحسين : أي الأعمال أفضل؟ قال : الإيمان بالله ، والتصديق برسوله ، قال : فما نجاة العبد من الهلكة؟ فقال : الثقة بالله ، قال : فما يزين المرء؟ قال : علم معه حلم ، قال : فإن أخطأه ذلك؟ قال : فمال معه كرم ، قال : فإن أخطأه ذلك؟ قال : ففقر معه صبر ، قال : فإن أخطأه ذلك؟ قال : فصاعقة تنزل عليه من السماء فتحرقه.
فضحك الحسين عليهالسلام ، ورمى له بالصرّة ، وفيها ألف دينار ، وأعطاه خاتمه وفيه فص قيمته مائتا درهم ، وقال : «يا أعرابي! اعط الذهب إلى غرمائك ، واصرف الخاتم في نفقتك» ، فأخذ ذلك الأعرابي ، وقال : «الله أعلم حيث يجعل رسالته».
وجاءت رواية اخرى ، بسندي المتّصل : أنّ أعرابيا جاء إلى الحسين بن عليّ ، فقال له : يا ابن رسول الله! إني قد ضمنت دية كاملة ، وعجزت عن أدائها ، فقلت في نفسي : أسأل أكرم النّاس ، وما رأيت أكرم من أهل بيت
رسول الله صلىاللهعليهوآله.
فقال الحسين : «يا اخا العرب! أسألك عن ثلاث مسائل ، فإن أجبت عن واحدة أعطيتك ثلث المال ، وإن أجبت عن اثنتين أعطيتك ثلثي المال ، وإن أجبت عن كلّ أعطيتك المال كلّه».
فقال الأعرابي : يا ابن رسول الله! أمثلك يسأل من مثلي ، وأنت من أهل العلم والشرف؟
فقال الحسين : بلى ، سمعت جدي رسول الله يقول : المعروف بقدر المعرفة. فقال الأعرابي : سل عما بدا لك ، فإن أجبت ، وإلّا تعلمت الجواب منك ، ولا قوة إلّا بالله.
فقال الحسين : «أي الأعمال أفضل؟ فقال : الإيمان بالله ، قال : فما النجاة من الهلكة؟ قال : الثقة بالله ، قال : فما يزين الرجل؟ قال : علم معه حلم ، قال : فإن أخطأه ذلك؟ قال : فمال معه مروءة ، قال : فإن أخطأه ذلك؟ قال : ففقر معه صبر ، قال : فإن أخطأه ذلك؟ قال : فصاعقة تنزل من السماء فتحرقه.
فضحك الحسين ، ورمى بصرة إليه فيها ألف دينار ، وأعطاه خاتمه وفيه فص قيمته مائتا درهم ، وقال له : «يا أعرابي اعط الذّهب لغرمائك ، واصرف الخاتم في نفقتك» فأخذ الأعرابي ذلك منه ومضى وهو يقول : «الله أعلم حيث يجعل رسالته».
الفصل الثامن
في اخبار
رسول الله صلىاللهعليهوآله عن الحسين وأحواله
١ ـ أخبرنا جار الله العلّامة أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري ، حدثنا الإمام الفقيه أبو علي الحسن بن عليّ بن أبي طالب الفرزادي بالري ، أخبرنا الفقيه أبو بكر طاهر بن الحسين بن علي السمان ، حدثنا عمي الشيخ الزاهد الحافظ أبو سعد إسماعيل بن عليّ بن الحسين السمان الرازي ، أخبرنا أبو عبد الله الجعفي بالكوفة ـ بقراءتي عليه ـ ، حدثنا محمد بن جعفر بن محمّد ، حدثنا عباد بن يعقوب ، أخبرنا عليّ بن هاشم ، عن موسى الجهني ، عن صالح بن أربد النخعي ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لام سلمة (رضي الله عنها) : «اجلسي على الباب فلا يلجن عليّ أحد» ، فجاء الحسين وهو وحف (١).
قال : فذهبت أمّ سلمة تناوله فسبقها ، قالت أمّ سلمة : فلمّا طال عليّ خفت أن يكون قد وجد عليّ ، فتطلعت من الباب ، فوجدته يقلّب بكفيه شيئا ، والصبيّ نائم على بطنه ودموعه تسيل. فلما أمرني أن أدخل ، قلت :
__________________
(١) الوحف : المسرع.
يا نبي الله! إن ابنك جاء فذهبت أتناوله فسبقني ، فلما طال عليّ خفت أن تكون قد وجدت عليّ ، فتطلعت من الباب فوجدتك تقلّب بكفيك [تعني شيئا] ودموعك تسيل والصبيّ نائم على بطنك.
فقال : «إنّ جبرئيل أتاني بالتربة التي يقتل عليها ، وأخبرني أنّ امتي تقتله».
٢ ـ وأخبرنا الشيخ الإمام الزاهد الحافظ أبو الحسن عليّ بن أحمد العاصمي ، أخبرنا شيخ القضاة أبو عليّ إسماعيل بن أحمد البيهقي ، أخبرنا والدي شيخ السنة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، حدثنا أبو عبد الله الحافظ ـ إملاء ـ ، أخبرنا محمّد بن عليّ الجوهري ، حدثنا أبو الأحوص ، حدثنا محمّد بن مصعب ، حدثنا الأوزاعي ، عن شداد بن عبد الله ، عن أمّ الفضل بنت الحرث : أنها دخلت على رسول الله صلىاللهعليهوآله فقالت : يا رسول الله! إني رأيت حلما منكرا الليلة؟
قال : وما هو؟ قالت : إنّه شديد ، قال : وما هو؟ قالت : رأيت كأنّ قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «رأيت خيرا ، تلد فاطمة إن شاء الله غلاما ، فيكون في حجرك». فولدت فاطمة الحسين ، فكان في حجري ، كما قال رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فدخلت يوما على رسول الله فوضعته في حجره ، ثمّ حانت مني التفاتة ، فإذا عينا رسول الله تهريقان الدموع ، فقلت : يا نبي الله! بأبي أنت وأمي مالك؟
فقال : «أتاني جبرئيل ، فأخبرني أنّ امتي ستقتل ابني هذا» ، فقلت : هذا ، فقال : «نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء».
قال وفي ـ رواية أمّ سلمة ـ : «أخبرني جبرئيل أنّ هذا يقتل بأرض
العراق ـ يعني : الحسين ـ ، فقلت : يا جبرائيل! أرني تربة الأرض التي يقتل بها؟ قال : فهذه تربتها».
٣ ـ وبهذا الإسناد ، عن أبي عبد الله الحافظ ، أخبرنا أحمد بن علي المقري ، حدثنا محمّد بن عبد الوهاب ، حدثني أبي عبد الوهاب بن حبيب ، حدثني إبراهيم بن أبي يحيى المدني ، عن عمارة بن يزيد ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن أبي سلمة ، عن عائشة : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله أجلس ـ حسينا ـ على فخذه ، فجاء جبرئيل إليه ، فقال : هذا ابنك؟ قال : «نعم» ، قال : أما إنّ امتك ستقتله بعدك؟ فدمعت عينا رسول الله ، فقال جبرئيل: إن شئت أريتك الأرض التي يقتل فيها؟ قال : «نعم» ، فأراه جبرئيل ترابا من تراب الطّف.
٤ ـ وبهذا الإسناد ، عن أبي عبد الله الحافظ ، أخبرني خلف بن محمد البخاري ، حدثني صالح بن محمد الحافظ ، حدثني محمد بن يحيى الذهلي ، حدثني سعيد بن عبد الملك ، حدثني عطاء بن مسلم ، عن أشعث ـ ـ يعني : ابن سحيم ـ ، عن أبيه ، عن أنس ـ يعني ابن الحرث ـ ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : «إنّ ابني هذا ـ يعني : الحسين ـ ، يقتل بأرض العراق ، فمن أدركه منكم فلينصره» ، قال : فقتل أنس بن الحرث مع الحسين بن علي عليهماالسلام.
٥ ـ وبهذا الإسناد ، عن أبي عبد الله الحافظ ، حدثني أبو بكر محمّد بن أحمد ، حدثني إبراهيم بن عبد الله بن الحجاج ، حدثني حجاج بن نصير ، حدّثني قرّة بن خالد ، حدّثني عامر بن عبد الواحد ، عن أبي الضحى ، عن ابن عباس قال : ما كنّا نشك أهل البيت ، وهم متوافرون : أنّ الحسين بن علي يقتل بالطف.
٦ ـ وأنبأني الإمام صدر الحفّاظ أبو العلاء الحسين بن أحمد الهمداني ، أخبرني زاهر بن طاهر الكاتب ، أخبرني محمّد بن عبد الرحمن الخبزرودي ، أخبرني محمد بن أحمد بن حمدان الخيري ، أخبرني أحمد بن عليّ بن المثنى ، حدثني شيبان ، حدثني عمارة بن زاذان ، حدثني ثابت البناني ، عن أنس بن مالك قال : استأذن ملك ـ القطر والمطر ـ ربّه أن يزور النبيّ صلىاللهعليهوآله فأذن تعالى له ، وكان في يوم أمّ سلمة ، فقال النبيّ : «يا أمّ سلمة! احفظي علينا الباب ، لا يدخل علينا أحد».
قال : فبينما هي على الباب ، إذ جاء ـ الحسين بن علي ـ فاقتحم الباب فدخل ، فجعل النبي صلىاللهعليهوآله يلتزمه ويقبّله ، فقال الملك : أتحبه؟ قال : «نعم» ، قال : إنّ أمّتك ستقتله ، إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه؟ قال : «نعم» ، فقبض قبضة من المكان الذي يقتل فيه ، فأراه فجاء بسهلة أو تراب أحمر ، فأخذته أمّ سلمة فجعلته في ثوبها.
قال ثابت : فكنّا نقول : إن ـ الحسين ـ يقتل ، فقتل في «كربلاء».
٧ ـ وبهذا الإسناد ، عن أبي العلاء هذا ، أخبرنا محمد بن إسماعيل الصيرفي ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن الحسين ، أخبرنا سليمان بن أحمد اللخمي ، أخبرنا الحسن بن عباس الرازي ، حدثنا سليم بن
منصور بن عمّار ، حدثنا أبي [ح] ، قال سليمان بن أحمد : وحدثني أحمد بن يحيى بن خالد بن حيان الرقي ، حدثني عمرو بن بكير القعيني ، حدثني مجاشع بن عمرو ، قالا : حدثنا عبد الله بن لهيعة ، عن أبي قبيل ، حدّثني عبد الله بن عمرو بن العاص : أنّ معاذ بن جبلة أخبره قال : خرج علينا رسول الله صلىاللهعليهوآله مصفر اللون ، فقال : «أنا محمّد اوتيت جوامع الحكم فواتحها وخواتمها فأطيعوني ما دمت بين أظهركم ، فإذا ذهب بي فعليكم : بكتاب الله عزوجل
أحلوا حلاله وحرّموا حرامه ، أتتكم الموتة ، أتتكم بالروح والراحة ، كتاب من الله سبق ، أتتكم فتن كقطع الليل المظلم ، كلّما ذهب رسل جاء رسل ، تناسخت النبوة ، فصارت ملكا ، رحم الله من أخذها بحقها ، وخرج منها كما دخلها ، أمسك يا معاذ! واحص».
قال : فلما بلغت خمسة بالاحصاء ، قال : «يزيد! لا بارك الله في يزيد» ، ثمّ ذرفت عيناه بالدّموع ، ثم قال : «نعي إليّ الحسين ، ثمّ أتيت بتربته ، وأخبرت بقتله ؛ وقاتله أو قتلته ، والذي نفسي بيده ، لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلّط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا ، ثم قال : آه لفراخ آل محمّد من خليفة مستخلف مترف ، يقتل خلفي وخلف الخلف ، امسك يا معاذ»!
فلمّا بلغت عشرة قال : «الوليد اسم فرعون هادم شرائع الإسلام يبوء بدمه رجل من أهل بيته ، يسل الله سيفه فلا غماد له ، ويختلف النّاس فكانوا هكذا ـ وشبك بين أصابعه ـ ، ثم قال : وبعد العشرين والمائة موت سريع ؛ وقتل ذريع ؛ فيه هلاكهم ، ويلي عليهم رجل من ولد العبّاس».
٨ ـ وبهذا الإسناد ، عن سليمان بن أحمد ، حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي ، حدثنا إسماعيل بن أبان ، حدثنا حيان بن علي ، عن سعد بن طريف ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ ، عن أبيه عليهمالسلام ، عن أمّ سلمة قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «يقتل الحسين على رأس ستين من مهاجري».
٩ ـ وبهذا الإسناد ، عن سليمان بن أحمد ، حدثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا محمّد بن يحيى بن أبي سمينة ، حدثنا يحيى بن حماد ، عن أبي عوانة ، عن عطاء بن السائب ، عن ميمون بن مهران ، عن شيبان بن
محزم ـ وكان عثمانيا ـ قال : إني لمع عليّ إذ أتى كربلاء ، فقال : «يقتل في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم شهداء ليس مثلهم شهداء ، إلا شهداء بدر».
فقلت : بعض كذباته ، ثمّ رأيت رجل حمار ميت ، فقلت لغلامي : خذ رجل هذا الحمار ، فأوتدها في مقامه ، وعينها ، ثمّ ضرب الدهر ضربانه ، ولمّا قتل الحسين انطلقت ومعي أصحاب لي ، فإذا جثة الحسين على رجل ذاك الحمار ، وإذا أصحابه ربض حوله.
١٠ ـ وذكر شيخ الإسلام الحاكم الجشمي : أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام لما سار إلى «صفين» نزل «بكربلاء» ، وقال لابن عبّاس : «أتدري ما هذه البقعة»؟ قال : لا ، قال : «لو عرفتها لبكيت بكائي» ، ثم بكى بكاء شديدا ، ثمّ قال : «ما لي ولآل أبي سفيان»؟ ثم التفت الى ـ الحسين ـ ، وقال : «صبرا يا بني! فقد لقي أبوك منهم مثل الذي تلقى بعده».
١١ ـ وذكر الإمام أحمد بن أعثم الكوفي في «تاريخه» بأسانيد له كثيرة ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآله منها : ما ذكر من حديث ابن عباس ؛ ومنها : ما ذكر من حديث أمّ الفضل بنت الحرث ـ حين أدخلت حسينا على رسول الله ، فأخذه رسول الله صلّى الله عليه وبكى ، وأخبرها : بقتله إلى أن قال : ثم هبط جبرئيل في قبيل من الملائكة ، قد نشروا أجنحتهم ، يبكون حزنا على الحسين ؛ وجبرئيل معه قبضة من تربة الحسين تفوح مسكا أذفر ؛ فدفعها إلى النبي وقال : يا حبيب الله! هذه تربة ولدك الحسين بن فاطمة؟ وسيقتله اللعناء بأرض كربلاء.
فقال النبي : «حبيبي جبرئيل وهل تفلح أمّة تقتل فرخي وفرخ ابنتي»؟ فقال جبرئيل: لا ، بل يضربهم الله بالاختلاف ، فتختلف قلوبهم وألسنتهم آخر الدهر.
١٢ ـ وقال شرحبيل بن أبي عون : إن الملك الذي جاء إلى النبي صلىاللهعليهوآله إنما كان ـ ملك البحار ـ ، وذلك أنّ ملكا من ملائكة الفراديس نزل إلى البحر ، ثم نشر أجنحته عليه ، وصاح صيحة قال فيها : يا أهل البحار! البسوا ثياب الحزن ، فإن فرخ محمد مقتول مذبوح ، ثمّ جاء إلى النبي فقال : يا حبيب الله! تقتتل على هذه الأرض فرقتان من امتك : احداهما ظالمة متعدية فاسقة تقتل فرخك الحسين ابن ابنتك بأرض ـ كرب وبلاء ـ ، وهذه التربة عندك ، وناوله قبضة من أرض «كربلاء» ، وقال له : تكون هذه التربة عندك حتى ترى علامة ذلك ، ثم حمل ذلك الملك من تربة الحسين في بعض أجنحته ، فلم يبق ملك في سماء الدنيا إلا شمّ تلك التربة ، وصار لها عنده أثر وخبر.
قال : ثم أخذ النبي تلك القبضة التي أتاه بها الملك ، فجعل يشمها ويبكي ، ويقول في بكائه : «اللهمّ! لا تبارك في قاتل ولدي ، وأصله نار جهنم» ثم دفع تلك القبضة إلى أمّ سلمة وأخبرها بقتل الحسين ـ بشاطئ الفرات ـ ، وقال : «يا أمّ سلمة! خذي هذه التربة إليك ، فإنها إذا تغيرت وتحوّلت دما عبيطا ، فعند ذلك يقتل ولدي الحسين».
فلما أتى على الحسين من ولادته سنة كاملة ، هبط على رسول الله اثنا عشر ملكا : أحدهم على صورة الأسد ، والثاني : على صورة الثور ، والثالث : على صورة التنين ، والرابع : على صورة ولد آدم ، والثمانية الباقون : على صور شتى ، محمرة وجوههم ، قد نشروا أجنحتهم ، وهم يقولون : يا محمد! سينزل بولدك الحسين ما نزل بهابيل من قابيل ، وسيعطى مثل أجر هابيل ، ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل.
قال : ولم يبق في السماء ملك إلا ونزل على النبي يعزيه بالحسين ، ويخبره : بثواب ما يعطى ، ويعرض عليه تربته ، والنبي يقول : «اللهمّ!
اخذل من خذله ، واقتل من قتله ، ولا تمتعه بما طلبه».
١٣ ـ وقال المسوّر بن مخرمة : ولقد أتى النبي صلىاللهعليهوآله ملك من ملائكة الصفيح الأعلى ، لم ينزل إلى الأرض منذ خلق الله الدّنيا ، وإنما استأذن ذلك الملك ربّه ، ونزل شوقا منه إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فلما نزل إلى الأرض ، أوحى الله عزوجل إليه : أيها الملك! اخبر محمدا بأنّ رجلا من امته يقال له : «يزيد» يقتل فرخك الطّاهر وابن الطاهرة ـ نظيرة البتول مريم ابنة عمران ـ ، فقال الملك : إلهي! وسيدي! لقد نزلت وأنا مسرور بنزولي إلى نبيّك ، فكيف اخبره بهذا الخبر؟ ليتني لم أنزل عليه ، فنودي الملك من فوق رأسه : أن امض لما امرت.
فجاء وقد نشر أجنحته حتى وقف بين يديه ، فقال : السلام عليك يا حبيب الله! إني استأذنت ربي في النزول إليك ، فليت ربي دقّ جناحي ولم آتك بهذا الخبر ، ولكني مأمور يا نبي الله! اعلم أن رجلا من امتك يقال له : يزيد يقتل فرخك الطاهر ابن فرختك الطاهرة نظيرة البتول مريم ابنة عمران ، ولم يمتع من بعد ولدك ، وسيأخذه الله معافصة على أسوأ عمله ، فيكون من أصحاب النار.
قال : ولما أتت على الحسين من مولده سنتان كاملتان ، خرج النبي في سفر ، فلما كان في بعض الطريق وقف فاسترجع ودمعت عيناه ، فسئل عن ذلك ، فقال : «هذا جبرئيل ، يخبرني عن أرض ـ بشاطئ الفرات ـ يقال لها «كربلاء» يقتل فيها ولدي الحسين بن فاطمة» ، فقيل : من يقتله يا رسول الله؟ فقال : «رجل يقال له يزيد لا بارك الله في نفسه ، وكأني أنظر إلى منصرفه ومدفنه بها ، وقد اهدي رأسه ، والله ما ينظر أحد إلى رأس ولدي الحسين فيفرح إلّا خالف الله بين قلبه ولسانه» ، يعني : ليس في قلبه ما يكون بلسانه
من الشهادة.
قال : ثمّ رجع النبيّ من سفره ذلك مغموما ، فصعد المنبر فخطب ووعظ والحسين بين يديه مع الحسن ، فلمّا فرغ من خطبته ، وضع يده اليمنى على رأس الحسين ورفع رأسه إلى السماء وقال : «اللهمّ إني محمّد عبدك ونبيك ، وهذان أطائب عترتي ، وخيار ذريتي وارومتي ، ومن أخلفهما في امتي ، اللهم! وقد أخبرني جبرئيل : بأنّ ولدي هذا مقتول مخذول ، اللهم! فبارك لي في قتله ، واجعله من سادات الشهداء ، إنّك على كل شيء قدير ، اللهم! ولا تبارك في قاتله وخاذله».
قال : فضجّ النّاس في المسجد بالبكاء ، فقال النبيّ : «أتبكون ولا تنصرونه؟ اللهمّ! فكن له أنت وليا وناصرا».
١٤ ـ وقال ابن عبّاس : خرج النبيّ صلىاللهعليهوآله قبل موته بأيام يسيرة إلى سفر له ، ثمّ رجع وهو متغير اللون ، محمّر الوجه ، فخطب خطبة بليغة موجزة ، وعيناه تهملان دموعا ، قال فيها : «أيّها النّاس! إني خلفت فيكم الثقلين : كتاب الله ؛ وعترتي ؛ وارومتي ؛ ومزاج مائي ؛ وثمرتي ؛ ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، ألا وإني أنتظرهما ، ألا وإني أسألكم في ذلك إلا ما أمرني ربي أن أسألكم به المودّة في القربى ، فانظروا لا تلقوني على الحوض وقد أبغضتم عترتي ، وظلمتوهم.
ألا وإنه سترد عليّ في القيامة ـ ثلاث رايات ـ من هذه الامة : راية سوداء مظلمة : فتقف عليّ ، فأقول : من أنتم؟ فينسون ذكري ، ويقولون : أهل التوحيد من العرب ، فأقول : أنا أحمد نبيّ العرب والعجم ، فيقولون : نحن من امتك يا أحمد! فأقول لهم : كيف خلفتموني من بعدي في أهلي وعترتي وكتاب ربي؟ فيقولون : أما الكتاب ـ فضيعناه ومزّقناه ؛ وأما
عترتك ـ فحرصنا على أن ننبذهم عن جديد الأرض ، فأولّي وجهي عنهم ، فيصدرون ظماء عطاشا مسودة وجوههم.
ثم ترد عليّ راية اخرى أشد سوادا من الاولى ، فأقول لهم : من أنتم؟ فيقولون كالقول الأوّل ، بأنهم من أهل التوحيد ، فإذا ذكرت لهم اسمي عرفوني ، وقالوا : نحن أمّتك ، فاقول له : كيف خلفتموني في الثقلين : الأكبر والأصغر؟ فيقولون : أما الأكبر ـ فخالفناه ، وأما الأصغر ـ فخذلناه ومزّقناهم كل ممزق ، فأقول لهم : إليكم عني ، فيصدرون ظماء عطاشا مسودة وجوههم.
ثم ترد عليّ راية اخرى تلمع نورا ، فأقول لهم : من أنتم؟ فيقولون : نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى ، نحن أمّة محمد ، ونحن بقية أهل الحقّ الذين حملنا كتاب ربنا فحللنا حلاله ، وحرمنا حرامه ، وأحببنا ذريّة محمد فنصرناهم بما نصرنا به أنفسنا ، وقاتلنا معهم ، وقتلنا من ناوأهم ، فأقول لهم : ابشروا ، فأنا نبيكم محمّد ، ولقد كنتم في دار الدنيا كما وصفتم ، ثم أسقيهم من حوضي فيصدرون رواء.
ألا وإن جبرئيل قد أخبرني بأن امتي تقتل ولدي ـ الحسين ـ بأرض كرب وبلاء ، ألا فلعنة الله على قاتله وخاذله آخر الدّهر».
قال : ثم نزل عن المنبر ، ولم يبق أحد من المهاجرين والأنصار إلّا وتيقن بأنّ الحسين مقتول حتّى إذا كان في أيام ـ عمر بن الخطاب ـ وأسلم كعب الأحبار ، وقدم المدينة جعل أهل المدينة يسألونه عن الملاحم التي تكون في آخر الزمان ، وكعب يحدثهم بأنواع الملاحم والفتن.
فقال كعب لهم : وأعظمها ملحمة هي الملحمة التي لا تنسى أبدا وهو الفساد الذي ذكره الله تعالى في الكتب ، وقد ذكره في «كتابكم» في قوله :