السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-200-5
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٥٩
وعن الأشعث بن قيس قال : قدمنا على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وفد كندة ، ولا يرون إلا أني أفضلهم ، قلت : يا رسول الله ، ألستم منا؟
قال : «لا ، نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا ، ولا ننتفي من أبينا».
فكان الأشعث يقول : لا أوتى برجل نفى رجلا من قريش من النضر بن كنانة إلا جلدته الحد (١).
وعن الأشعث أيضا قال : قدمت على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» في وفد كندة ، فقال لي النبي «صلىاللهعليهوآله» : «هل لك من ولد»؟
قلت : غلام ولد مخرجي إليك من ابنة فلان ، ولوددت أن يشبع القوم.
فقال : «لا تقولن ذا ، فإن فيهم قرة عين ، وأجرا إذا قبضوا».
ثم قال : «إنهم لمجبنة مبخلة» (٢).
وعن الأشعث قال : قدمت على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فقال لي : «ما فعلت بنت عمك»؟
__________________
ـ الأسماع ج ٢ ص ٩٩ ، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج ٢ ص ٢٩٣ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ١ ص ٨٦ وج ٤ ص ١٤١.
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤٠٢ و ٤٠٣ عن مسند أحمد ، وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٦٢ وعن البداية والنهاية ج ٥ ص ٧٢ ، ومسند احمد ج ٥ ص ٢١١ ، وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ٨٧١ ، وإرواء الغليل للألباني ج ٨ ص ٣٥ ، والتاريخ الصغير للبخاري ج ١ ص ٣٧ ، وإمتاع الأسماع ج ٣ ص ٢١٠.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤٠٢ و ٤٠٣ عن أحمد ، وابن ماجة ، والحارث ، والبارودي ، وابن سعد ، والطبراني في الكبير ، وأبي نعيم ، والضياء ، وراجع : مجمع الزوائد ج ١٠ ص ١٥٨ عن أحمد ، والطبراني.
قلت : نفست بغلام والله لوددت أن لي سبية.
فقال : «إنهم لمجبنة مبخلة ، وإنهم لقرة العين ، وثمرة الفؤاد» (١).
قال ابن هشام : الأشعث بن قيس من ولد آكل المرار من قبل أمه ، وآكل المرار : الحارث بن عمرو بن حجر بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن كندي ، ويقال : كندة. وإنما سمي : آكل المرار ، لأن عمرو بن الهبولة الغساني أغار عليهم. فأكل هو وأصحابه في تلك الغزوة شجرا يقال له المرار (٢).
ونقول :
إن لنا مع ما تقدم بعض البيانات والتوضيحات ، هي التالية :
عدد أعضاء الوفد :
تقدم : أن وفد كندة كان يتألف من ستين أو ثمانين أو اثني عشر راكبا .. وهذا تناقض لا مجال لقبوله ، إلا إذا فرض أنهم وفدوا أكثر من مرة ، وقد شارك الأشعث بن قيس في هذا الوفد وذاك ..
الرسول صلىاللهعليهوآله لا يرضى بلبس الحرير :
وقد قرأنا أيضا : أن النبي الأكرم «صلىاللهعليهوآله» لم يرض منهم
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤٠٣ عن العسكري ، وراجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٦١ ، وكشف الخفاء للعجلوني ج ٢ ص ٣٣٩.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٧٦ و ٤٠٣ ، وراجع : السيرة النبوية لابن هشام الحميري ج ٤ ص ١٠٠٦ ، وخزانة الأدب للبغدادي ج ٨ ص ٢٨٥.
لبس الحرير ، وقد شقوه ، ونزعوه ، وألقوه من أعناقهم .. ولم يعترض على لبس الثياب الحبرات ، وترجيل الجمم ، والإكتحال ، لأن الإسلام يدعوهم إلى ذلك ، وإلى كل تجمل يليق بشأنهم ، بشرط أن لا يتجاوز حدود الشرع ..
غير أن ما لفت نظرنا هو : وصف الرواة لحال هؤلاء ، وكأن ذلك يوحي بأن هذه الحالة كانت استثنائية ، وغير مألوفة في المجتمع العربي ، فهي تلفت النظر ، وتثير الفضول. وربما تكون ندرتها فيهم بسبب رقة حالتهم المادية ، وضعفهم الإقتصادي ، الذي يفرض عليهم التقشف ، والخشونة ..
بل لعل هذا الضعف في عامة الناس كان يجعل من تظهر عليه أمارات الرفاهية والغنى في خطر أكيد من قبل أهل الأطماع الذين يعيشون على السلب والنهب والغارة ، وما أكثرهم ..
أبيت اللعن تحية الملوك :
وحين حيّاه وفد كنده بقولهم : أبيت اللعن ، لم يقل لهم : هذه تحية الجاهلية ، بل قال لهم : لست ملكا .. لأن مجرد أن يخطئ الإنسان في اختيار التحية الصحيحة ، فيختار تحية الجاهلية ، انسياقا مع الإلف والعادة ، أو جهلا بما يجب عليه ـ إن ذلك ـ ليس بالأمر المهم ، ويمكن معالجته بسهولة ..
ولكن الأهم منه هو : أن يخلط الإنسان بين مفهومي الملك والنبي ، فإن هذا يضر بدين ذلك الشخص وبإسلامه وبالإسلام من الأساس .. ولأجل ذلك بادر «صلىاللهعليهوآله» إلى ردعهم ، ونفي صفة الملك عن نفسه ، فقال : لست ملكا.
لا تناقض في فعل النبي صلىاللهعليهوآله :
وقد رأينا : أن هؤلاء الوافدين قد خبأوا لرسول الله «صلىاللهعليهوآله» عين جرادة في ظرف سمن ، فإن أخبرهم به آمنوا ..
ولكنه «صلىاللهعليهوآله» لم يستجب لهم ، وأظهر لهم عوضا عنه معجزة تسبيح الحصى بيديه ، في حين أنه استجاب لاختبار غيرهم ، كما تقدم معنا. وأظهر الخبء لهم.
ولعل سبب ذلك هو : أن الكهان كانوا يستفيدون من بعض شياطين الجن ، فيخبرونهم ببعض الأمور التي يرون أنها قد حصلت أو غيرها ، مما يتمكنون من الوصول إليه والحصول عليه ، ولو باستراق السمع لما يتحدث به الملائكة في السماء. ثم يجعلون ذلك مبررا لإطلاق دعاوى أوسع وأكبر ، مثل علمهم بالأسرار ، وبما يأتي في المستقبل (١).
فإذا تكرر منه «صلىاللهعليهوآله» الإخبار عن الخبء ، فقد يتكون انطباع خاطئ يؤدي إلى جعله «صلىاللهعليهوآله» في مصاف الكهان لدى بعض الناس الذين لاحظ لهم من العلم والمعرفة ، وتؤثر عليهم التلقينات ، وتأخذ بألبابهم الشائعات ، ولا يملكون القدرة على التمييز بين الحق والباطل ، وبين الدر والصدف ، وبين الأصيل والزائف ..
فكان لا بد من إظهار معجزة لا سبيل فيها إلى اللبس ، ولا محل فيها للشبهة ، لتكون سبيل هداية ، ومنشأ حصانة لما أخبر به وعنه سابقا ، ولما قد
__________________
(١) وقد قيل : إن الفرق بين العرّاف والكاهن : أن الكاهن يخبر عما مضى ، والعرّاف يخبر عما يأتي. راجع : أقرب الموارد ، مادة كهن ج ٢ ص ١١١٠ عن كليات أبي البقاء.
يخبر عنه فيما يأتي .. فكان تسبيح الحصى بيديه هو تلك المعجزة القاهرة والظاهرة.
بكاء النبي صلىاللهعليهوآله حيّرهم :
وإن بكاء النبي «صلىاللهعليهوآله» الذي حيّرهم ، كان مفعما بالدلالات ، في كل اتجاه ، فهو من جهة قد أظهر عمق تفاعل النبي الأعظم «صلىاللهعليهوآله» مع الحقائق التي يتلوها ، ليتضح أن شريعته ، ودينه دين كرامة ، وإنسانية ، ومشاعر ، وروح وطهر وصفاء ، يثير كوامن النفس الإنسانية ، لكي ترتقي من خلال كمالاتها ، إلى آفاق الشرف والكرامة ، لدى خالق الكون والحياة ..
وأظهر أيضا : أنه لم يأت بالدين ليكون لغيره ، ويكون هو مستثنى منه ، بل هو مثلهم فيه ، في جميع المجالات ، وسائر الإتجاهات.
وأظهر من جهة أخرى ـ من خلال اندفاعهم للسؤال عن سبب بكائه «صلىاللهعليهوآله» ـ : أنهم لم يتأملوا فيما يتلوه عليهم ، ولا تفاعلوا معه ، ولا انفعلوا به ، بل هم قد تحيّروا ، أو تعجبوا ممن وعى معناه ، وتأثر به!!
النبي صلىاللهعليهوآله يصد الأشعث :
وقد أظهرت الروايات المتقدمة : أن الأشعث بن قيس قد حاول أن يتزلف للنبي «صلىاللهعليهوآله» بطريقة ماكرة ، من شأنها أن تنقص من قدره «صلىاللهعليهوآله» ، حيث ألقى إليه مقولة أنه «صلىاللهعليهوآله» ابن أكل المرار ، أي إنه يريد أن ينسبه إلى غير أبيه. وكأنه يريد أن يضع علامة استفهام على صحة انتسابه إليه .. لأن القبول بمقولة الأشعث سوف
يكرس انتسابهم لأمهم دون أبيهم.
ولكن النبي «صلىاللهعليهوآله» عرف ما يرمي إليه الأشعث ، فعالجه بما فضح أمره ، وأبطل كيده .. حين أظهر «صلىاللهعليهوآله» في كلامه ، أنه أراد أن يستدرجه للإعتراف بالإنتساب إلى أمه دون أبيه.
ليشرّف نفسه من جهة ، ولينقص من قدر النبي «صلىاللهعليهوآله» من جهة أخرى ..
وقد عرّفه النبي «صلىاللهعليهوآله» : أنه كان على علم بأن العباس ، وربيعة بن الحارث كانا يستفيدان من اسم آكل المرار ، ليأمنا على نفسيهما ، ولكي لا يتعرض لهما من ينتسب إلى آكل المرار بسوء ، بل يكون المنتسبون إليه عضدا لهما على من سواهما ، إن لزم الأمر ..
وقد صرح الأشعث نفسه بأنه كان يرمي ـ فعلا ـ إلى نفي انتساب النبي «صلىاللهعليهوآله» وقريش إلى أبيه النضر بن كنانة .. وحاول استعادة بعض ماء الوجه حين قال : لا أوتى برجل نفى رجلا من قريش ، من النضر بن كنانة إلا جلدته الحد .. حيث إن قوله هذا بمثابة تذرع بالجهل ، لينأى بنفسه عن موقع التشكيك بنسب رسول الله «صلىاللهعليهوآله». لأنه بذلك يكون قد وضع على نفسه علامة استفهام كبيرة عند قومه ، وسيسقط محله فيهم ، وسيرون أنه لا يملك من الكرامة والفضل ما كانوا يظنونه به.
الأولاد مجبنة مبخلة :
ثم إنه ليس في قول النبي «صلىاللهعليهوآله» عن الأولاد : إنهم لمجبنة
مبخلة ما يوجب الذم والإنتقاص لأحد ، بل هو يخبر عن واقع الناس وحالاتهم ، لأن وجود الأولاد يدفع الإنسان إلى أن ينأى بنفسه عن مواطن الخطر ، حيث يسعى إلى أن يحفظ حياته ، وقدرته على رعايتهم ، وتدبير شؤونهم ، لأنه يخشى عليهم من الضياع لو غاب عنهم ، ما داموا غير قادرين على حفظ أنفسهم بأنفسهم ، وهذا يلتقي في نتيجته مع فعل الجبناء ، ونتائج جبنهم.
كما أنه يهتم من جهة أخرى بجمع الأموال وادخارها حبا بالأولاد ، ليستفيدوا منها في مستقبل أيامهم. وهذا يلتقي مع فعل البخيل الذي يجمع المال حبا بنفسه ، أو حبا بالمال. وذلك ظاهر لا يخفى.
وفود بني سلامان :
قال محمد بن عمر : كان مقدمهم في شوال سنة عشر.
وعن حبيب بن عمرو السلاماني قال : قدمنا وفد سلامان على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ونحن سبعة ، فصادفنا رسول الله «صلىاللهعليهوآله» خارجا من المسجد إلى جنازة دعي إليها ، فقلنا : السلام عليك يا رسول الله.
فقال : «وعليكم من أنتم»؟
فقلنا : نحن من سلامان قدمنا إليك لنبايعك على الإسلام ، ونحن على من وراءنا من قومنا.
فالتفت إلى ثوبان ، غلامه فقال : «أنزل هؤلاء الوفد حيث ينزل الوفد». فلما صلى الظهر جلس بين المنبر وبيته ، فتقدمنا إليه ، فسألناه عن أشياء من
أمر الصلاة وشرائع الإسلام ، وعن الرقى ، وأسلمنا ، وأعطى كل رجل منا خمس أواقي ، ورجعنا إلى بلادنا ، وذلك في شوال سنة عشر.
وفي نص آخر أنه «صلىاللهعليهوآله» قال لوفد سلامان : «كيف البلاد عندكم»؟
قالوا : مجدبة ، فادع الله أن يسقينا في موطننا.
فقال : «اللهم أسقهم الغيث في دارهم».
فقالوا : يا نبي الله ، ارفع يديك ، فإنه أكثر وأطيب.
فتبسم ، ورفع يديه حتى يرى بياض إبطيه ، ثم رجعوا إلى بلادهم ، فوجدوها قد مطرت في اليوم الذي دعا فيه رسول الله «صلىاللهعليهوآله» في تلك الساعة (١).
ونقول :
قد اشرنا أكثر من مرة لأمور تضمنها هذا النص ، ومنها :
١ ـ تعهدهم بإسلام قومهم الذين لم يحضروا معهم.
٢ ـ إنه قد كانت هناك دار خصصت لنزول الوفود فيها ، وهي دار رملة بنت الحدث (الحارث).
٣ ـ إنه «صلىاللهعليهوآله» كان يجيز تلك الوفود بأواق من الفضة.
٤ ـ إنهم كانوا يرون لدعاء النبي «صلىاللهعليهوآله» أثرا في سقي الله لهم.
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٤٥ وفي هامشه عن : دلائل النبوة لأبي نعيم ص ١٦٠ وعن الطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ق ٢ ص ٤٣ وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ٢٢٣ و ٢٢٤ ، وراجع : عمدة القاري ج ٧ ص ٣٦ ، وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٣١١ ، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج ٢ ص ٣١٧.
٥ ـ إن وفد سلامان هنا قد تدخل في طريقة دعاء النبي «صلىاللهعليهوآله» لهم ، حيث طلبوا منه أن يرفع يديه ، مدّعين أن ذلك يؤثر في أمرين ، هما : الكثرة والطيبة.
وقد تبسم «صلىاللهعليهوآله» لهذا التطفل الذي ينم عن حاجتهم إلى المزيد من التثقيف ، والتعريف بشؤون النبوة ، والأنبياء ..
٦ ـ كما أن سؤالهم عن الرقى ، يشير إلى مدى تأثرهم بكل ما من شأنه أن يطمئنهم إلى ما هو غائب عنهم ، مما لا سبيل لهم إلى معرفته ، فيسعون للتحرز مما قد ينالهم منه من سوء وأذى ..
٧ ـ إنهم قد حددوا المكان الذي يريدون نزول الغيث فيه ، وقد استجاب النبي «صلىاللهعليهوآله» لطلبهم ، محددا المكان وفق ما طلبوه ..
٨ ـ إنه «صلىاللهعليهوآله» قد سألهم عن حال البلاد عندهم .. مما أفهمهم : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» مهتم بقضاياهم ، ويريد لهم أن ينعموا بالراحة ، والعيش الرغيد ..
٩ ـ إن معرفتهم بعد رجوعهم باستجابة دعاء النبي «صلىاللهعليهوآله» ، الموافقة لما طلبوه ، في نفس ساعة الدعاء ، لابد أن يترك أثره على إيمانهم ، فيزيده رسوخا وعمقا ، وصلابة ..
١٠ ـ ثم يلاحظ أخيرا : أنهم حين ألقوا السلام على رسول الله ، أجابهم «صلىاللهعليهوآله» بقوله : «.. وعليكم» ، ولم يزد على ذلك ..
ولعل السبب هو : أنه يريد أن يعرفنا كيفية التعامل مع الناس في الحالات المشابهة ، إذا كان أمر الوافدين غير ظاهر لنا ، إذا ألقوا علينا السلام ، مع قيام احتمال أن يكونوا من غير المسلمين ، حيث أجابهم إجابة لا
تفيد أنه قد سلم عليهم بتحية أهل الإسلام ، كما أنها لا تأبى أن تنطبق عليها ، إذ يصح أن يكون التقدير هو : وعليكم السلام. وأن يكون التقدير : وعليكم نفس ما قصدتموه.
١١ ـ إن ذلك يعطينا : أنه «صلىاللهعليهوآله» كان يتعامل مع الأمور وفق حكمها الظاهري ، لا وفق ما يعلمه منها بما أظهره الله تبارك وتعالى عليه من الغيوب. وذلك ظاهر لا يخفى.
وفود خثعم :
وقالوا : وفد عثعث بن زحر ، وأنس بن مدرك في رجال من خثعم إلى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» بعد ما هدم جرير بن عبد الله البجلي ذا الخلصة ، وقتل من قتل من خثعم ، فقالوا : آمنا بالله ورسوله ، وما جاء [به] من عند الله ، فاكتب لنا كتابا نتبع ما فيه.
فكتب رسول الله «صلىاللهعليهوآله» لخثعم :
«هذا كتاب من محمد رسول الله «صلىاللهعليهوآله» لخثعم من حاضر بيشة وباديتها : أن كل دم أصبتموه في الجاهلية فهو عنكم موضوع ، ومن أسلم منكم طوعا أو كرها في يده حرث من خبار أو عزاز تسقيه السماء ، أو يرويه اللثى ، فزكا عمارة في غير أزمة ولا حطمة ، فله نشره وأكله ، وعليهم في كل سيح العشر ، وفي كل غرب نصف العشر ، شهد جرير بن عبد الله ومن حضر» (١).
__________________
(١) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٣١ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٢٨٦ و (ط ليدن) ج ١ ق ٢ ص ٧٨ ونثر الدر للآبي ج ١ ص ٢٦٢ ونشأة
ونقول :
١ ـ قد ظهر مما تقدم : أن اللغة التي كان «صلىاللهعليهوآله» يكتب بها كتبه للقبائل إنما كانت تستعمل الألفاظ التي يتداولونها فيما بينهم ، وذلك أنه يريد لهم أن يفهموا مقاصده ، ويفوا بتعهداتهم.
٢ ـ إنه «صلىاللهعليهوآله» يطمئنهم بأنهم سوف لا يطالبهم أحد بالدماء التي سفكوها قبل أن يدخلوا في الإسلام ، فإن الإسلام يجب ما قبله ، ولعلهم كانوا قد أصابوا بعضا من المسلمين في السنوات التي سبقت إسلامهم ، فكانوا يخشون من ملاحقة المسلمين لهم بتلك الدماء ، فأراد أن يزيل هذا الوهم من نفوسهم ، ليعيشوا حال السكينة في ظل الإسلام.
وفد بني الحارث بن كعب :
تقدم : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» أرسل خالدا إلى بني الحارث بن كعب ، فاستجابوا للإسلام ، فكتب خالد بذلك إلى النبي «صلىاللهعليهوآله» ، فطلب إليه النبي «صلىاللهعليهوآله» أن يقدم ، ويقدم معه وفدهم ، فقدم بهم خالد ، وقال لهم رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «بم كنتم تغلبون
__________________
الدولة الإسلامية ص ٣٥١ ، ومكاتيب الرسول للأحمدي الميانجي ج ٣ ص ٤١٣ عن : لطبقات ج ١ ق ٢ ص ٣٤ وفي (ط أخرى) ص ٢٨٦ (وأوعز إليه ص ٧٨) ، وراجع نثر الدر للآبي ج ١ ص ٢٦٢ ، ونشأة الدولة الاسلامية ص ٣٥١ ، ومدينة البلاغة ج ٢ ص ٣٤٠ ، والوثائق السياسية ص ٢٩١ و ١٨٦ عن الطبقات ونثر الدر المكنون للأهدل ص ٦٤ وقال قابل الطبقات ج ١ ق ٢ ص ٧٨ وانظر كايتاني ج ١٠ ص ٢٨ ، واشپرنكر ج ٣ ص ٤٦٩.
من قاتلكم في الجاهلية»؟
قالوا : لم نكن نغلب أحدا.
قال : «بلى [قد كنتم تغلبون من قاتلكم]».
قالوا : كنا نجتمع ولا نتفرق ، ولا نبدأ أحدا بظلم.
قال : «صدقتم». وأمّر عليهم قيس بن الحصين ، فرجعوا إلى قومهم في بقية من شوال ، أو في صدر ذي القعدة ، فلم يمكثوا بعد رجوعهم إلا أربعة أشهر حتى توفي رسول الله «صلىاللهعليهوآله» (١).
وقال ابن إسحاق : «لما رآهم النبي «صلىاللهعليهوآله» قال : من هؤلاء القوم الذين كأنهم رجال الهند؟
قيل : يا رسول الله ، هؤلاء رجال بني الحارث بن كعب.
فسلموا عليه وقالوا : نشهد أنك لرسول الله ، وأنه لا إله إلا هو.
فقال «صلىاللهعليهوآله» : وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله. ثم قال «صلىاللهعليهوآله» : أنتم الذين إذا زجروا استقدموا.
فسكتوا ، فلم يراجعه منهم أحد ، فأعادها ثلاث مرات.
فقال يزيد بن عبد المدان بعد الرابعة : نعم يا رسول الله ، نحن الذين إذا
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٢٠ وفي هامشه عن : البداية والنهاية ج ٥ ص ٩٥ ، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج ٢ ص ٢٩٨ وراجع : المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٧١ ـ ١٧٣ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٣٣٩ و ٣٤٠ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٢٤١ ، ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٥١٥ نقلا عن : ابن هشام والطبري والطبقات وتأريخ الخميس والتنبيه والاشراف وشرح المواهب للزرقاني ، وتاريخ ابن خلدون ج ٢ ق ٢ ص ٥٤.
زجروا استقدموا.
قالها أربع مرات.
فقال النبي «صلىاللهعليهوآله» : لو أن خالدا لم يكتب إليّ أنكم أسلمتم ولم تقاتلوا ، لألقيت رؤوسكم تحت أقدامكم.
فقال يزيد بن عبد المدان : أما والله ما حمدناك ، ولا حمدنا خالدا.
قال : فمن حمدتم؟
قال : حمدنا الله الذي هدانا بك يا رسول الله.
قال : صدقتم ، وأمّر عليهم قيس بن الحصين ، ورجع الوفد ، فأرسل «صلىاللهعليهوآله» عمرو بن حزم ليفقههم في الدين ، ويعلمهم معالم الإسلام ، ويأخذ منهم صدقاتهم (١).
__________________
(١) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٧٣ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٤٢٦ وراجع : مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٥١٥ وقال في هامشه : راجع في تفاصيل وفودهم : تاريخ الأمم والملوك للطبري ج ٣ ص ١٢٦ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٢٢٦ وفي (ط أخرى) ص ٢٣٩ والمفصل ج ٤ ص ١٨٨ وج ٣ ص ٥٣٢ وحياة الصحابة ج ١ ص ٩٥ و ٩٦ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ق ٢ ص ٧٢ وزاد المعاد ج ٣ ص ٣٥ والكامل ج ٢ ص ٢٩٣ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٥٣ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٤٤ والبحار ج ٢١ ص ٢٧٠ والروض الأنف ج ٤ ص ٢٢٨ وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٤ ص ٣٣ و ٣٤ ومعجم قبائل العرب ج ١ ص ٢٣١ وأسد الغابة ج ٤ ص ٢١١ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٥٩ والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج ٢ ص ٣٨٤ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٥ ص ٤١١ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٩٨ وما بعدها.
وقد أرسله إليهم وعمره سبع عشرة سنة.
ونقول :
إن لنا هنا بعض الإيضاحات ، وهي التالية :
قضايا فطرية تأتي بالنصر :
تقدم : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» قد سأل بني الحارث بن كعب عن سر غلبتهم من قاتلهم ، فأجابوه بأن السبب هو اجتماعهم أولا. وعدم بدئهم بظلم أحد ..
ونستفيد من ذلك :
أولا : تكرر انتصار هؤلاء القوم على أعدائهم حتى أصبح ذلك لافتا للنظر ، بحيث يسأل عن سببه ، ولم نجد لهؤلاء القوم شهرة تاريخية في ذلك ، وهذا يجعلنا نتوقف في الحكم على هذا النص بالصحة ..
غير أننا نورد الكلام هنا رجاء أن يكون صحيحا ..
ثانيا : إن هذا النص يدل على أن ثمة أحكاما يدركها الإنسان بعقله ، وينساق إليها بفطرته ، وتفرضها عليه حكمته ، ويدعوه إليها تدبيره ، ويشترك فيها جميع البشر ، وتقضي بها عقولهم ، من دون حاجة إلى تعليم من الشارع ، ومنها : قبح الظلم ، ولزوم التناصر على العدو المشترك.
ثالثا : إن هذا التقرير لهم ، ثم التصريح بصحة نظرتهم ، يستبطن حثهم على الإستقامة على هذا النهج ، كما أنه يشير للآخرين بلزوم الأخذ به ، إن أرادوا أن يكون لهم النصر على أعدائهم.
النبي صلىاللهعليهوآله يشهد لنفسه بالنبوة :
وقد لاحظنا : أنه «صلىاللهعليهوآله» أعلن بالشهادتين كما شهد بها ذلك الوفد الذي كان يكلمه .. ونستفيد من هذه المبادرة ما يلي :
١ ـ إنه «صلىاللهعليهوآله» قد ساوى نفسه بهم ، من حيث التكليف ، ولزوم الإعلان بالشهادتين ..
٢ ـ إنه قد أوضح لهم : أن الشهادة له «صلىاللهعليهوآله» بالرسالة ، لا تعني أن المطلوب هو تكريس الإمتيازات له كشخص ، بحيث يكون هو المستفيد الأول والأخير ، حيث ينتهي إليه إيمان الناس ، ثم لا يتعداه ، ولذلك ليس لأحد أن يمنّ عليه بإسلامه وإيمانه ..
تهديد النبي صلىاللهعليهوآله لبني الحارث :
ثم إنه لا مجال لتصديق ما تذكره الرواية المتقدمة من تهديد النبي «صلىاللهعليهوآله» لبني الحارث بن كعب بالقتل بعد أن قررهم ـ ثلاث مرات ـ بأنهم هم الذين إذا زجروا استقدموا ، فأجابوا بالإيجاب ..
فأولا : المفروض : أن ما يتهددهم من أجله إنما كان منهم قبل إسلامهم ، والإسلام يجب ما قبله. ولا يطالب المسلم بشيء منه ، ولا يعاقب عليه.
ثانيا : لا فرق في هذا الحكم بين أن يسلموا بعد القتال أو من دون قتال .. فما معنى أن يقول لهم ـ حسب زعم الرواية ـ : «إنكم أسلمتم ولم تقاتلوا» ..
ثالثا : إنهم حتى لو فعلوا ذلك بعد أن أسلموا ، فهل يكون القتل هو
جزاء من يفعل هذا الذي يلومهم عليه؟!.
وفود محارب :
عن أبي وجرة السعدي قال : قدم وفد محارب سنة عشر في حجة الوداع ، وهم عشرة نفر ، منهم سواء بن الحارث ، وابنه خزيمة بن سواء ، فانزلوا دار رملة بنت الحدث. وكان بلال يأتيهم بغداء وعشاء إلى أن جلسوا مع رسول الله «صلىاللهعليهوآله» يوما من الظهر إلى العصر ، فأسلموا وقالوا : نحن على من وراءنا ، ولم يكن أحد في مواسم الحج التي كان رسول الله «صلىاللهعليهوآله» يعرض دعوته فيها على القبائل ، ويدعوهم إلى الله وإلى نصرته ، أفظ ولا أغلظ على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» منهم.
وكان في الوفد رجل منهم ، فعرفه رسول الله «صلىاللهعليهوآله» فأمده النظر ، فلما رآه المحاربي يديم النظر إليه قال : كأنك يا رسول الله توهمني ، قال : «لقد رأيتك».
قال المحاربي : أي والله ، لقد رأيتني وكلمتني ، وكلمتك بأقبح الكلام ، ورددت عليك بأقبح الرد بعكاظ ، وأنت تطوف على الناس.
فقال «صلىاللهعليهوآله» : «نعم».
فقال المحاربي : «يا رسول الله ، ما كان في أصحابي أشد عليك يومئذ ولا أبعد عن الإسلام مني» ، فأحمد الله الذي أبقاني حتى صدقت بك ، ولقد مات أولئك النفر الذين كانوا معي على دينهم.
فقال «صلىاللهعليهوآله» : «إن هذه القلوب بيد الله عزوجل».
فقال : يا رسول الله ، استغفر لي من مراجعتي إياك.
فقال «صلىاللهعليهوآله» : «إن الإسلام يجب ما كان قبله من الكفر». ومسح رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وجه خزيمة بن سواء ، فكانت له غرة بيضاء. وأجازهم كما يجيز الوفد ، وانصرفوا إلى أهليهم (١).
عن أبان المحاربي ، ويقال له : أبان العبدي ، قال : «كنت في الوفد ، فرأيت بياض إبط رسول الله «صلىاللهعليهوآله» حين رفع يديه يستقبل بهما القبلة» (٢).
ونقول :
آثار لقاءات عكاظ ظهرت في المدينة :
إن هذا النص يظهر لنا عمق ما تركته لقاءات النبي «صلىاللهعليهوآله» في مكة للقبائل التي كانت تفد لحضور سوق عكاظ. فإنها أظهرت لهم : كذب ما كانت تتهمه به قريش ، من أنه مجنون ، كما أنها هيأت لهم الفرصة ليشاهدوا سلوك أهل الإيمان ، وصلاح وجمال أقوالهم وأفعالهم ، وانسجام ما يدعون إليه مع فطرتهم ، وموافقته لما تقضي به عقولهم ، ثم
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤٠٩ عن ابن سعد ، وفي هامشه عن : الطبقات لابن سعد ، (ط ليدن) ج ٢ ص ٤٣٦ وفي (ط دار صادر) ج ١ ص ٢٩٩ ، والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٠٤ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١٧٣.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤٠٩ عن ابن شاهين ، وأبي نعيم في معرفة الصحابة ، وابن خلاد في الجزء الثاني من فوائده ، وأسد الغابة ج ١ ص ٣٧ ، والإصابة ج ١ ص ١٧١.
مقارنة ذلك كله مع ما هم فيه من انحراف ، وزيف ، ومتابعة للأهواء ، وبعد عن الحق والعدل ، وانغماس في الرذيلة والشر ، ليقودهم ذلك كله بعد أن تخف الضغوط عليهم في المحيط الذي يعيشون فيه ، إلى قبول دعوة الحق والخير والهدى .. ويجعلهم يندمون على ما فرط منهم ..
وفود زبيد في السنة الحادية عشرة :
لما كانت السنة التي توفي فيها رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، رأت زبيد قبائل اليمن تقدم على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، مقرين بالإسلام ، مصدقين برسول الله ، يرجع راجعهم إلى بلادهم وهم على ما هم عليه.
وكان رسول الله «صلىاللهعليهوآله» استعمل خالد بن سعيد بن العاص على صدقاتهم ـ وأرسله مع فروة بن مسيك كما قلنا ـ فقالوا : «والله لقد دخلنا فيما دخل فيه الناس. وصدقنا بمحمد «صلىاللهعليهوآله» ، وخلينا بينك وبين صدقات أموالنا ، وكنا لك عونا على من خالفك من قومنا».
قال خالد : قد فعلتم.
قالوا : فأوفد منا نفرا يقدمون على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، ويخبرونه بإسلامنا ، ويقبسونا منه خيرا.
فقال خالد : ما أحسن ما عدتم إليه وأنا أجيبكم ، ولم يمنعني أن أقول لكم هذا إلا أني رأيت وفود العرب تمر بكم فلا يهيجنكم ذلك على الخروج ، فساءني ذلك منكم ، حتى ساء ظني فيكم ، وكنتم على ما كنتم عليه من حداثة عهدكم بالشرك ، فحسبت أن لا يكون الإسلام راسخا في
قلوبكم (١).
آخر الوفود وفد النخع :
قالوا : بعثت النخع ـ قبيلة من اليمن ـ رجلين منهم إلى النبي «صلىاللهعليهوآله» ، وافدين بإسلامهم ، وهما : أرطأة بن شراحيل بن كعب ، والجهيش ، واسمه الأرقم من بني بكر بن عوف بن النخع.
فخرجا حتى قدما على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فعرض عليهما الإسلام فقبلاه وبايعاه على قومهما ، فأعجب رسول الله «صلىاللهعليهوآله» شأنهما ، وحسن هيئتهما ، فقال : «هل خلفتما وراءكما قومكما مثلكما»؟
فقالا : يا رسول الله ، قد خلفنا وراءنا من قومنا سبعين رجلا كلهم أفضل منا ، وكلهم يقطع الأمر وينفذ الأشياء ، ما يشاركوننا في الأمر إذا كان.
فدعا لهما رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ولقومهما بخير وقال : «اللهم بارك في النخع».
وعقد لأرطأة لواء على قومه (وكتب له كتابا) ، فكان في يده يوم الفتح (٢).
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٤٢.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤٢٣ عن ابن سعد ، والطبقات الكبرى (ط دار صادر) ج ١ ص ٣٤٦ والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ٢٣٤ و ٢٣٥ وراجع : أسد الغابة ج ١ ص ٦١ والإصابة ج ١ ص ٢٧ و ٢٥٥ ورسالات نبوية ص ٩ ومجموعة الوثائق السياسية ص ٢٤٤ وكنز العمال ج ١٦ ص ١٨٦ ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٨٠.
وقال ابن سعد : كان آخر من قدم من الوفد على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وفد النخع ، وقدموا من اليمن للنصف من المحرم سنة إحدى عشرة ، وهم مائتا رجل ، فنزلوا دار رملة بنت الحدث ، ثم جاؤوا رسول الله «صلىاللهعليهوآله» مقرين بالإسلام ، وقد كانوا بايعوا معاذ بن جبل باليمن ، فكان فيهم زرارة بن عمرو.
قال : أخبرنا هشام بن محمد هو زرارة بن قيس بن الحارث بن عدي ، وكان نصرانيا (١).
وقالوا : وفد رجل من النخع يقال له زرارة بن عمرو على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» فقال : يا رسول الله ، إني رأيت في سفري هذا رؤيا هالتني.
قال : «وما رأيت»؟
قال : رأيت أتانا تركتها في الحي كأنها ولدت جديا أسفع أحوى.
فقال له رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «هل لك من أمة تركتها مصرة حملا»؟
قال : نعم تركت أمة لي أظنها قد حملت.
قال : «فإنها قد ولدت غلاما وهو ابنك».
فقال : يا رسول الله ، ما باله أسفع أحوى؟
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤٢٣ عن ابن سعد ، والطبقات الكبرى (ط دار صادر) ج ١ ص ٣٤٦ وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ٢٣٤ و ٢٣٥ عنه ، وعن ابن شاهين ، وراجع : تاريخ مدينة دمشق ج ٤٦ ص ١٣.